إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/07/08

ثروة الارض -الحلقة الرابعة

ثروة الارض
ثروة الارض:الحلقة الرابعة
شروط الاستفادة الموضوعية:
تحتاج كل البلدان الى شروط موضوعية للبدء بأنتاج الثروة الطبيعية والاستفادة منها في بناء اقتصادها القومي وتوفير حياة مرفهة للغالبية الساحقة:
1-الامن والاستقرار:وهذا الشرط هو اخطر الشروط واكثرها اهمية ومن خلالها يتم الدخول الى بوابة البلاد سواء أكان الاستثمار اجنبيا او محليا، فكلما كان الامن قويا والاستقرار طويلا لا يتم الاهتمام بشرط وجود او عدم وجود سلطة شرعية منتخبة للبلاد،والعكس صحيح يتم اهمال الدخول الى بلاد غير مستقرة امنيا ولكنها ذات سلطات شرعية ومنتخبة!...ولذلك نرى ان كثير من الانظمة الديكتاتورية المستقرة نسبيا(لاستحالة الاستقرار المطلق!) والمتحكمة ببلاد ذات ثروات طبيعية ضخمة هي محل اهتمام الاستثمارات الاجنبية كما في حالة بعض البلاد العربية،بينما بلاد اخرى ذات حكم ديمقراطي او في بداية الطريق ولكنها غير مستقرة امنيا او ليست لديها بنية قانونية ثابتة ومتفق عليها للاستثمار،هي تحاول جاهدة لجذب الاستثمارات الاجنبية الى البلاد للاستفادة في استخراج الموارد الطبيعية الكامنة في ارضها،ولكن دون حدوث نجاح يذكر!....فالامن والاستقرار السياسي والاجتماعي كلما كان متينا كلما كان عامل الجذب قويا،والعكس صحيح ايضا!...والاستقرار ليس معناه حالة استخدام القوة والقمع الى مالانهاية بل في حالة الاجماع الشعبي على صيغة دائمة للحكم والقانون ولذلك نرى ان دولا عديدة فشلت في عملية الجذب بالرغم من حالة المغريات المثيرة والمقدمة لكي تتم عملية الجذب مثل حالة مصر وتونس والمغرب والاردن اللواتي لا يصل حجم الاستثمارات فيهن جميعا الى مجموع حجم الاستثمار في بلد صغير مثل كوريا الجنوبية او تايوان لا بل لايصل الى حجم بلد بحجم مدينة كبيرة مثل سنغافورة!...وفي المقابل نجحت النمور الاسيوية وجوارها في عملية الجذب رغم ضعف حالة الديمقراطية او بداية نشؤها ولكن فرضت اجراءات قاسية لكي تكون عملية الجذب متوهجة!... وكما في حالة المثال السابق(أفغانستان)فأن كشف النقاب عن الثروات الضخمة فيه لا يكون كافيا دون حدوث امن واستقرار في البلد الذي يعاني من اقصى حالات انعدام الامن والاستقرار والمتمثلة بالحروب والنزاعات والابادة الجماعية منذ عام 1973!...ولذلك فأن الاستقرار يكون ذا اهمية بالغة للشركات العاملة في التعدين من خلال وجود الامن لموظفيها لكي يعملوا بحرية وكذلك المحافظة على اجهزتها المكلفة بطبيعة الحال،مما يعني ان اقل اخلال بالامن هو عامل طرد للشركات العاملة في التعدين،كما حدث في جنوب السودان الذي اكتشف النفط بكميات كبيرة جدا في عقد الثمانينات ولكن حال نشوب الحرب الاهلية عام 1983 في ايقاف استثمار الثروات لصالح الجميع الذي خسر الارواح والاموال والزمن الضائع!...
ولنا في العراق وايران نموذجين مثاليين في كونهما خزاني العالم للبترول والغاز مستقبلا ولكن ظروف انعدام الاستقرار السياسي والامني جعل بقاء الثروات الطبيعية هدفا مستقبليا فقط بالرغم من وجود حالة مؤكدة في ضخامة الموجود الى درجة خرافية!.
2-شرعية البنية القانونية:واجهت شركات التعدين كغيرها من الشركات العابرة لحدود اوطانها،تحديات قانونية عديدة تمثلت في عدم وجود قوانين ثابتة تنظم الاستثمار الاجنبي مما جعل البعض يحاول استغلال الفرصة في الانتاج والاستثمار بغرض الربح العالي وبطريقة سلب الاخر كل حقوقه مما جعل الاخر يقوم ايضا بمصادرة الامتيازات والاملاك بطريقة تدعى التأميم الشهيرة التي جاءت مع العهد الاشتراكي في الكتلة الشيوعية،واصبح التأميم هدفا بالرغم من السلبيات العديدة الناتجة منه! ولنا في حالة النفط وبعض مناجم التعدين في العالم الثالث نموذجا مثاليا...ولكن هروب الرساميل الاجنبية الى اوطانها او بلاد اخرى اكثر تنظيما جعل حالة الرجوع الى الخصخصة ومن ضمنها دعوة الاستثمارات الخارجية للعودة امرا ملحا وبطريقة تتضمن السلبيات السابقة!كما حدث في عقد الثمانينات من القرن الماضي وماتلاه،ولنا امثلة عديدة كما في حالة ليبيا والعراق وفنزويلا،       بل ان بلاد اخرى مثل ايران دعت مرارا الشركات الاجنبية للاستثمار في قطاع النفط والغاز دون جدوى بالرغم من ضخامة الاحتياطيات وانخفاض الكلفة بسبب وجود حالة العقوبات الاقتصادية الغربية عليها...
وكانت الاستثمارات الاجنبية في السابق لا تراعي وجود قوانين محلية ثابتة بسبب وجود حالة الاستعمار او النفوذ الاجنبي القوية بدواعي الانتداب والحماية الزائفة التي تحميها من المصادرة بدون عقاب! ولكن الان الظروف تغيرت بالرغم من استمرارية السيطرة الغربية ونفوذه على غالبية البلاد الاخرى،لان وجود القوانين الشرعية الثابتة يساعد على منح المستثمرين وبخاصة في مجالات التعدين عهودا ومواثيق في عدم العودة الى اجراءات التأميم كما حدث في الماضي بدون تعويضات على الاقل!... وكذلك فأن وجود القوانين المنظمة يسمح للطرفين في ابقاء او تعديل اجراءات الانتاج والضرائب والتشغيل وغيرها،ولا غرابة ان وجود مثل تلك القوانين قد جعل بلادا مثل امريكا وكندا واستراليا وهي قادرة على استثمار مواردها الطبيعية بدون الحاجة لجذب شركات اجنبية تنافس شركاتها المحلية،جعلها مكان جذب مثالي للكثير من الشركات الاوروبية والاسيوية ولنا في حالة شركة بريتش بتروليوم في خليج المكسيك او شركات انتاج الذهب واليورانيوم في غرب استراليا امثلة على ذلك لان المنافسة حرة ويخضع الجميع الى عدالة مع الرغبة في الحصول على اعلى العوائد بأستخدام اخر انجازات التكنولوجية في اقل كلفة ممكنة وبخاصة مع البيئة!.
3-وجود القدرات الذاتية للعمالة: ان وجود العمالة المحلية سواء اكانت رخيصة الثمن كما في حالة البلاد الاسيوية او مرتفعة الدخول ولكنها ذات امكانيات تقنية عالية كما في حالة البلاد الغربية،هي امور تساعد على الاستثمار،وبالرغم من ان عدم توفر الشروط السابقة قد حل محله عملية جذب لعمالة خارجية رخيصة تقوم بعمل ذلك العمل الشاق او الذي يحتاج الى تقنية عالية كما في حالة دول الخليج،الا ان هذا الحل المؤقت بالرغم من طول امده ومزاياه الظاهرة هو في الحقيقة ليس عاملا مساعدا للطرفين سواء الشركات الاجنبية او البلد المضياف الذي يبقى دون استفادة حقيقية لان كوادره المحلية غير قادرة على الاستيعاب والتصدي للعمل في مجال التعدين كما في بقية الحقول الاقتصادية الاخرى مما يعني بقاءها بعيدا عن التطوير والتحديث في عالم يتنافس الجميع فيه على استيعاب العلوم والتكنولوجيا،ولذلك نرى ان غالبية الدول المتقدمة تفرض في العقود ان يكون غالبية العاملين من العمالة المحلية،وقد سار على هذا النهج بعض البلاد كما في حالة فنزويلا او البرازيل او العقود النفطية الاخيرة بين العراق والشركات الاجنبية(عام2009) التي كان من بينها ان يكون 85% من العاملين هم من العمالة المحلية التي تكون استفادتها سواء من استيعاب التكنولوجيا او المزايا المادية العديدة هي في اقصى درجاتها وبالتالي سوف يسمح بأمتصاص البطالة كما يسمح في استثمار مناطق خارج حدود الاستثمارات الاجنبية بنفس الامكانيات التكنولوجية ان لم تكن اعلى منها!. ويمكن لنا استعارة حالة البلدان الاسيوية التي استفادت من ذلك كثيرا في بناء قدرات ابنائها الذاتية،ولكن يشترط هنا وجود اعداد كافية من المتعلمين سواء اكانوا عاملين سابقين او في مجالات مشابهة او طلابا لان عدم وجود العمال المهرة او المتعلمين معناه افراغ حالة تشغيل العمالة الذاتية من معناه الحقيقي!...وهذا يعني ان بلدا مثل افغانستان الذي لا يملك الاعداد الكافية من المتعلمين في المجالات الصناعية الدقيقة هو سوف يكون محتاجا الى فترة قد تتجاوز العقد من الزمن حتى يكون قادرا على تزويد المستثمرين الاجانب بالعمالة المحلية ذات القدرات الذاتية العالية! ولكن في حالة بلاد اخرى مثل مصر او تونس او المغرب فأن الامكانيات البشرية المتوفرة على الدوام هي في اعلى درجاتها الاستيعابية ولا تحتاج سوى الى التشغيل واكتساب الخبرات العملية او المزايا المادية لكي تؤدي دورها المطلوب...
4-المزايا الترغيبية:عوامل الترغيب عديدة قد يكون من بينها اعفاءات ضريبية لمدة معينة من الزمن،او تسهيلات للتصدير من خلال وجود شبكة مواصلات متقدمة او موانئ كبيرة او ان تكون بجوار اسواق ضخمة تحتاج للمادة المنتجة او تسهيلات قانونية وعدم وجود معوقات روتينية،مما يعني ان ذلك سوف يكون عاملا مشجعا على وجود هامش كبير من الربح من وراء الاندفاع في الاستثمار لان عامل التنافس بين الدول اصبح كبيرا مما يعني ان الكثير من البلاد هي تنتظر ان يستنزف الانتاج الحالي الموارد الطبيعية للاخرين حتى تكون بمثابة احتياطي عالمي كبير في المستقبل.
ان توفر المزايا الترغيبية للبلد المستضيف يكون مؤشرا كبيرا على ان الانتاج سوف يبدأ بسرعة ويأخذ طريقه للاسواق العالمية مما يعني سرعة العائد المادي بدلا من الانتظار طويلا حتى تتحقق الكثير من الاجراءات الروتينية من قبيل اقامة شبكة مواصلات قادرة على نقل الانتاج الى موانئ التصدير والتي تحتاج الى فترة زمنية طويلة كما هو معروف.

ليست هناك تعليقات: