إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/02/03

بؤس النهاية

بؤس النهاية
بؤس النهاية:
شكلت التوقعات علما بحق ذاته!...فسموه احيانا بعلم الفلك او علم التوقعات او حتى علم المستقبليات!...ورغم ان تلك التوقعات تستند على استقراءات الماضي وتطبيقها على المستقبل في محاولة لقرائته!...ولكن هل المستقبل يخضع للارادة الانسانية او للرغبات الذاتية؟!...
الجواب:بالطبع لا !...لانه من خلال دراسة التاريخ وبرغم وقوع بعض الحوادث المتوقعة فيه،الا انه غالبا ما تأتي التوقعات بعكس الاماني والتي غالبا ما تكون رغبات مكبوتة يحاول البشر تطبيقها على المستقبل بعد ان عجز في تحقيقها في زمنه الذي يعيش فيه...
لا شك في ان التخطيط للمستقبل هو عمل قيم يقوم به البشر في سبيل بناء حياة مزدهرة تتخلص من مشاكل الحاضر...ولكن ظهور النظريات والدراسات التي تتوقع نهاية شيئا ما او بداية عصر جديد هي غالبا ما تكون فاشلة! وتكون بعيدة عن الواقع ويمكن ملاحظة ذلك في الافلام التي تتحدث عن الحياة في المستقبل والتي يعطى لبعضها تاريخ محدد! وعندما نتجاوز التاريخ نرى ان التوقعات غالبا ما تكون بعيدة عن الواقع...هذا يعني ان البشر مازالوا عاجزون عن الوصول الى مرحلة السيطرة الكاملة على مستقبلهم او حتى العجز في توقع مايمكن ان يكونوا عليه...
امثلة متواضعة:
في السياسة والتي هي دائما تخضع لقاعدة المصالح والتي تكون متغيرة، فأن التوقعات التي يطلقها الباحثون والسياسيون غالبا ما تكون فاشلة وبذلك لا يمكن الاستدلال عليها او حتى الركون اليها مهما كانت الدقة...فكم من حربا شنت او حصار وقع على بلد ما بغية اسقاط نظامه او تدميره او حتى القضاء على البنية الفكرية له قد فشلت!...ويمكن القاء نظرة على التاريخ الاوروبي من خلال الحروب والحصار الذي شن على فرنسا بغية القضاء على الثورة الفرنسية والتي استمرت من خلال مبادئها الرئيسية لغاية الان!...وايضا على الثورة الروسية والثورة الايرانية وثورات عديدة في العالم الثالث،مما يعني ان الظروف غالبا ماتكون معاكسة للتوقعات المرافقة لحالة شن الحروب او فرض الحصار والاجراءات المعادية الاخرى برغم قسوة تلك الاجراءات ودمويتها!...
وكذلك في حالة الاقتصاد والموارد المعدنية التي تشكل عصب الاقتصاد... فكم من ازمة اقتصادية ظهرت دون ان تكون هنالك ادنى بوادر لتوقعها او حتى رؤية ما يدل على بدئها ...والازمات المالية العالمية المتكررة هي نماذج بارزة للعيان بحيث لا نحتاج حتى الى استعراضها!...
اما في حالة الموارد المعدنية وبالخصوص في حالة مصادر الطاقة فأن التوقعات دائما تكون غير صحيحة بحيث اصبح امرها مضحكا كما في حالة النفط!...والذي بدأ انتاجه منذ قرن ونصف القرن،بينما كانت التوقعات في نهايته قد صدرت منذ قرن من الزمان!...وعندما يحين تاريخ التوقع فأننا نرى اضافة المزيد من الاحتياطيات النفطية وايضا يرتفع معها الاستهلاك الى درجة اصبح يفوق التوقعات ايضا!...ثم تأتي الاكتشافات لتكسر المزيد من التوقعات مما يعني اننا امام امر ترك التوقعات بلا دراسة لكوننا عاجزين عن الاتيان بدقة التوقعات او الاستمرار في التوقع والذي اثبت فشله!...
في الحقيقة يجب عدم اطلاق التوقعات جزافا، كذلك يجب الابتعاد عن التوقعات المتطرفة في حالتي التفاؤل والتشاؤم،ووضع مقياس لا يبتعد كثيرا عن الوضع الحالي وظروفه والملابسات التي تحيط به وكذلك يكون لفترة قصيرة ومتوسطة وليست طويلة لانه كلما ابتعدنا في الزمن كلما كان فشلنا في التوقع اكبر وبالتالي خيبتنا تكون اعظم!...
ومن العادات المثيرة للسخرية والتي تنتشر بين البشر وخاصة البسطاء منهم،هي توقع نهاية حكامهم او نهاية الانظمة التي تحكمهم بالحديد والنار!...وينتشر ذلك بسبب العجز عن تغيير الواقع بسبب ضعف القدرات والارادة التي يحتاجها التغيير،ولذلك نرى اننا كلما توقعنا نهاية حاكم او نظام ما، يظهر من داخل النظام ما يعطي له استمراريته وبالتالي مزيدا من الاحباط الذي يؤدي الى نشوء حالة اليأس والتشاؤم مما يؤدي الى حالة اللامبالاة في كل شيء!...
وهذا يمتد الى حالة النظام المعادي والتي تتحول الامنيات بزواله الى توقعات يبذل ناشروها اقصى الجهد في حشد اكبر عدد من الادلة الدينية والعلمية لتأييد ما يذهبون اليه بينما في الحقيقة يكون العمل الجاد والمدروس اساس كل توقع مستقبلي في هذا المجال،وهو ايضا لا يخالف النظرة الدينية والتي تدعو الى بناء القدرات لارهاب العدو...
نظرية بائسة:
ظهرت في عام 1989 نظرية نهاية التاريخ! والتي اصدرها المفكر الامريكي ذو الاصول اليابانية:فرانسيس فوكوياما وهو استاذ العلوم السياسية في الجامعات الامريكية...وطبل لنظريته عدد كبير من المختصين بالاضافة الى انشغال الرأي العام ووسائل الاعلام بها لفترة طويلة!...
في الحقيقة ان نظريات نهاية التاريخ قديمة ولكنها تظهر بين الحين والاخر بصيغة جديدة مميزة عما سبقها!...مما يعني انه نفس الفكرة ولكن قد تظهر بصيغة دينية او علمانية وصبغة النهاية تكون متطبعة بذلك اللون!... ويمكن لنا قراءة نهاية التاريخ في الادبيات الماركسية والتي تتوقع انتصار الاشتراكية ثم تحولها الى مرحلة الشيوعية!...وهي قبل تاريخ صدور نظرية فوكوياما البائسة والتي تراجع هو نفسه عن كثير من مبادئها بعد ذلك!... فعلام التطبيل والتزمير لها واشغال الرأي العام بها في ذلك الوقت ولفترة طويلة؟!...
الفرق بين نظرية فوكوياما وغيره انه توقع نهاية التاريخ بأنتصار الرأسمالية والفكر الليبرالي مما يعني انه حذف كل شيء امامه في سبيل تنظير ما يعتقد به انه صحيحا...
الاعتقاد بصحة شيء ما والدعوة اليه هو غير قياس المستقبل وقولبته حسب ذلك الاعتقاد! فالفرق كبير كما يظهر لنا...ولذلك فأن ظهور اعراض مرض انحلال وسقوط الدول على الانظمة الشيوعية هو الذي دعا فوكوياما الى اطلاق نظريته ولكن هل تحققت توقعاته؟ بعد ان احدثت الضجة في ظهورها والتي رافقها ضعف شديد في التصدي الفكري لها، كون ان انهيار الانظمة الشيوعية كان غير متوقع على المدى المتوسط مما ادى الى انتشار الاعتقاد بقوة العالم الرأسمالي وديمومته والذي تسبب في ذلك الانهيار مما يعني ان اي نظرية تؤيد ذلك التوجه هي في الحقيقة سوف تكون خاضعة لتلك الظروف التي يفقد عدد كبير وعيهم المعرفي لكون الحدث مثل صدمة مروعة لهم!...
فأذا كان ذلك الانهيار حدث فجأة فلماذا نؤيد نظرية تناقض مبدأ الفجائية من خلال فرض رؤية نهائية للتاريخ والعالم بأعتبار ان الرأسمالية والليبرالية هما المنتصران وهما اساسا من انتاج الفكر الانساني الدائم التغيير؟!...
كلما مر زمن ابعد من تاريخ ظهور تلك النظرية البائسة والتي شغلت الرأي وصدرت حولها عدد كبير من الدراسات!...كلما كان فشلها في التوقع اكثر مما يعني ان الانسان لم يتوصل الى صيغة نهائية لتفكيره وتنظيم حياته ولو توصل لاصبح الفكر الانساني محدودا مما يعني انه سوف يكون في النهاية، عقيما عن انجاب المزيد من الافكار والرؤى!...فرغم العجز الانساني في توقع المستقبل او توقع نهاية التاريخ الا انه مجرد صدور التنبؤات هو دليل على استمرارية التفكير البشري وخصوبته وبالتالي فأن اي صدور اي صيغة من قبل البشر هي ضعيفة الصمود لانها اساسا صادرة منه وهو لا يثبت في حياته على شيء فكيف يرسم للاجيال اللاحقة!...
لقد انتهت تلك النظرية الى مكانها الطبيعي كما انتهت نظريات صدام الحضارات والانتصار الشيوعي المزعوم!!...ولكن لن توضع تلك النظريات في متحف التاريخ لكون المؤمنين بها والداعين لتطبيقها موجودين بيننا،ولكن يمكن القول انه يمكن الاستفادة منها لخلق عالم افضل من خلال استخلاص افضل الافكار والرؤى فيها ودمجها مع غيرها في مناخ ايجابي منفتح،فلاخرين ايضا نظرياتهم والاسس التي يستندون عليها في دلالتهم لها ايضا تكون قوية ولكنهم قد لا يملكون القوة لتطبيقها في الوقت الحاضر ولكن من يدري قد يأتي يوم لتطبيقها! اليس الانسان عاجزا عن الاتيان بتوقع دقيق!...


ليست هناك تعليقات: