إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/01/23

بستان الاطياف

بستان الاطياف
بستان الاطياف:
في نظرة تشاؤمية اصبحت شائعة هذه الايام بسبب الصراعات الدموية بين اطياف الشعوب المختلفة..طرح سؤال بعد الانتهاء من محاضرة ثقافية لها علاقة بأقلية صغيرة،والسؤال كان هو:هل تفضل ان يكون الشعب متنوع الطوائف او احادي الطائفة؟ولماذا؟!...وبما ان مكاني كان هو في المنتصف بين الجالسين فأن الذين قبلي كانوا جميعا لا يفضلون تعدد الطوائف ولديهم نظرات تشاؤمية مستقبلية حول العيش المشترك من خلال النظر للماضي والحاضر!...ولم يكسر اتفاق الاجابات الا اجابتي التي قلت فيها ان تنوع الاطياف هو ثراء ثقافي واجتماعي وسوف ينعكس ذلك على اثراء التراث من خلال الادب والفن والثقافة برمتها مع التنوع في كل مجالات الحياة، وللخلاص من المشاكل الموجودة يجب ان تحل الحرية والمساواة والعدالة بين الجميع وعندها سوف يعيش الكل تحت سقف الوطن بحب وسلام ورغم انني اختصرت الاجابة بسبب الوقت الا ان الاجابة اصبحت واضحة وذكرت بعض الامثلة النموذجية ،وعندها انقسم المتبقين بعدي بين معارض ومؤيد ولكن اجمعا على ضرورة انهاء التسلط مهما كان واحلال المبادئ التي ذكرتها مما يعني انهم يؤيدونني فيها برغم اختلاف الاختيار احيانا!...
انعكاسات الماضي المؤلم:
في الاجوبة ظهرت آثار الماضي البغيض من خلال تسلط الاغلبية واحيانا الاقلية وهي صفات عامة في العالم العربي وايضا الشرقي بصورة اكثر عمومية!...ولكن ينبغي ذكر ان الاختلاف هي صفة دائمية وازلية جعلها الله سبحانه وتعالى بين البشر،وذكرها في القرآن الكريم اية 13 من سورة الحجرات: يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير...
ولذلك فأن الاختلاف هي نعمة آلهية لمن يحسن التعامل معها،ومن يفعل العكس فأن ذلك معناه هو فتح ابواب الجحيم عليه!...اي فئة تتصور انها تستطيع السيطرة على الفئات الاخرى للابد من خلال القوة والارهاب والقمع فهي واهمة مهما صغر حجم الاقلية!الا اذا وصلت الحالة الى الابادة الجماعية الكلية وعندها يخرج الموضوع من النطاق الانساني المعقول الى التحول الى طبائع الحيوانات المتوحشة!...
تلك النعمة الالهية المذكورة هي واقعا ملموسة ويمكن النظر اليها الى بلدان جمعت كل الاقوام البشرية في بوتقة واحدة وتعيش تحت ظل قانون واحد يتساوى فيه الجميع بعدالة وحرية،وهنالك اربعة بلدان في العالم تمثل القمة في تلك الامثلة وهي ايضا وصلت في تقدمها وثرائها الى مدى جعلت الهجرة اليها حلم الكثيرون،وهذه البلدان هي امريكا وكندا واستراليا ونيوزيلندا،وهي تضم جميع القوميات والاعراق والاديان والمذاهب الموجودة في العالم مما يعني ان العيش المشترك ليس ممكنا فحسب بل هو صفة لمن يريد التحضر والتقدم والثراء وهذا المثال الواقعي هو دليل على قيمة التنوع الثقافي، وبرغم وجود بعض السلبيات في العيش في تلك البلدان الاربعة الا انها صفات متنحية وليست سائدة! وهي صفة عامة لدى البشر لكونهم غير معصومين من الخطأ الا ان اتفاقها على منح الجميع الحرية والتساوي في الفرص ادى الى خلق نموذج عادل يسعى الجميع من خلاله الى البروز وكلا حسب قدراته وحاجته مع الاحتفاظ بسمات الشخصية الثقافية الرئيسية مما يعني ان ادلة استحالة العيش المشترك بين الاطياف المختلفة هي ضعيفة وهزيلة الاسس خاصة اذا توسعنا في الموضوع الذي يتسع بالطبع الى مجلدات وليس مثل هذا المقال الذي يعطي صورة مختصرة!...
ان الصراعات الدموية التي حصلت في داخل بعض البلدان وخاصة في الشرق الاوسط هي نتيجة طبيعية لحقب زمنية من الظلم والاستبداد وألغاء الاخر مما يعني ان نهاية ذلك هو سيولد انفجار حتمي لن ينتهي الا بتحقيق العدالة من جديد او الانفصال في كيان جديد!...ويمكن ملاحظة ثلاث امثلة حديثة وهي العراق وأفغانستان ولبنان...الخ...ولكن تحقيق العدالة والسلام سوف يستغرق وقتا طويلا قد لا نعيشه في ظل عمر الانسان القصير! ولكن على المدى البعيد ممكن بلا شك...
ويمكن رؤية البلاد التي تحتوي على تنوع في اطياف شعبها في ثرائها الثقافي والحضاري على من هو اقل تعددية او احادي الجانب ... وكثير من البلاد التي لاتحتوي على تنوع طائفي هي ايضا تحتوي على مشاكل عديدة في داخلها مما يعني ان الاختلاف بين الاراء هو ايضا له دوره في تدمير السلم الاهلي وليس فقط التنوع،ويمكن رؤية الصومال وليبيا وتونس وموريتانيا والاردن كأمثلة نموذجية...
بعض البلاد مثل دول الخليج هي ليست متنوعة الا من خلال التنوع المذهبي لان الجاليات التي تعيش فيها هي مؤقتة ولغرض العمل وليست دائمية ولا تحضى بالجنسية المحلية او العدالة مع المواطنين مما يعني ان التنوع بعيد عنها،ورغم خلوها من التنوع الا المذهبي الا ان حالة الرفض للاخر الوحيد هي في اقصى مدى في بعضها مثل السعودية وقطر وتأخذ ابعادا كبيرة من خلال الدعم الحكومي للتوجه الشعبي المنحرف والشاذ في هذا المجال! ...
اليس رائعا عندما يتذوق انسان طعاما مختلف الانواع او يلبس الوانا مختلفة من الملابس والازياء او يقرأ مختلف انواع العلوم والفنون والاداب ويتذوقها روحيا بدلا من العيش في كآبة التقوقع ضمن الحدود الضيقة والتي ايضا لا تخلو من المشاكل...ان العولمة الجديدة قد حولت العالم الى قرية صغيرة متنوعة ولكن اخرجت معها كل الاحقاد والكره الموجودة لدى قسم عريض من البشر مازالوا يعيش الماضي الدموي في عقولهم وقلوبهم! وبالتالي سوف يحاولوا عرقلة التعايش من جديد بفضل الدعم الذي يحصلون عليه من قبل الانظمة الفاسدة التي ترى في التعايش السلمي العادل فقدانا لامتيازاتها الغير عادلة...اذا ينبغي العيش في العصر الحديث ضمن خواص التعددية الثقافية بدلا من اخذ منجزات الحضارة الحالية والعيش بها بعقول الحقب المظلمة!....






ليست هناك تعليقات: