إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/01/05

قرأت لك - الكتاب التاسع

قرأت لك

مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب


في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(9)
مقدمة لابد منها!...
تكتسب مذكرات المسؤولين السابقين اهمية بالغة كونها تتحدث عن تفاصيل احداث هامة في فترات سابقة لم يعرفها سوى القلة ولم تستطع وسائل الاعلام ان تتناول تفاصيلها،ثم انها تمثل آراء اصحابها التي تكون احيانا محجوبة عن العلن كون بعض وقائع الاحداث تجري تحت ستار من السرية المطلقة التي لايعلم بها الا من عمل او شارك في صنع احداثها،ولذلك تكتسب اهميتها التاريخية والادبية لكونها ذات علاقة مباشرة بتاريخ امم وشعوب...
وتختلف اهمية تلك المذكرات تبعا لاختلاف المناصب والفترات التي تمت الخدمة بها مع حيازة المستوى الثقافي والسياسي ...
مذكرات الدبلوماسيين السابقين والتي هي جزء من السابق، تكتسب اهمية اضافية كونها تحمل ذكر آراء وافكار اخرين في دول اخرى عملوا فيها هؤلاء مع تصوراتهم وذكرياتهم عن تلك البلاد التي قد تكون ذات علاقة مباشرة بالاحداث التي جرت في البلد الام واجهزتها المختلفة،مع ملاحظة ان الكثير من رؤى الاخرين تختلف في تصوراتها عن افكار وآراء البلد الام وقد تكون اقوى في التحليل المنطقي الموضوعي وبعيدا عن المؤثرات المتعارف عليها والتي تغير كثيرا في اصدار الاحكام او بناء التصورات وفقا لها!...
ولكن الملاحظ في ان الدول التي تحكمها نظم ديمقراطية وحرة، يكون منتشرا فيها هذا اللون الثقافي من خلال صدور الكثير من المذكرات التي تحمل آراء دبلوماسييها وسيرتهم الذاتية في البلدان التي عملوا بها دون خوف من الملاحقة او التصفية الجسدية !...بينما نرى العكس ايضا في ندرة صدور تلك المذكرات من دبلوماسيين عملوا في خدمة نظم استبدادية بغض النظر عن انواعها هذا بالاضافة الى التشويه المتعمد وتبرئة الذات من الاحداث والجرائم التي وقعت وذلك لاسباب مختلفة مع عدم تشجيع السلطات لنشر تلك المذكرات او معاقبة من يحاول نشرها!...وهذا اللون الثقافي ليس له تاريخ عريق في العالم العربي بالمقارنة مع الغرب رغم وجود بعض الشواذ ! لانه من سمات النهضة الحضارية التي من ابرز خصائصها ان تكون حرة وغير مقيدة وهذا غير موجود في العالم العربي الذي مازال يعيش في سبات حضاري طويل منذ قرون عديدة!... ولذلك نرى على سبيل المثال ان مذكرات المسؤولين العرب وبخاصة الدبلوماسيين منهم،هي نادرة وضعيفة وتحتوى على كم هائل من التناقضات والابتعاد عن الموضوعية والحيادية التي هي اساس البحوث التاريخية والسياسية...
ويمكن معرفة مدى تاثير النظم الحاكمة على صاحب المذكرات وخاصة الدبلوماسي منه وخاصة الرعب والخوف من الملاحقة،من خلال رؤية صدور الكثير من تلك المطبوعات عندما ينهار نظام شمولي ما او يرحل زعيمه المطلق الذي حكم فترة طويلة وبالتالي يتوفر زخم معلوماتي هائل يصعب حصره!...والامثلة كثيرة من قبيل سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 او رحيل عبد الناصر او السادات في مصر!...الخ..
الكتاب التاسع
كنت سفيرا للعراق في واشنطن
المؤلف:محمد المشاط
الكتاب طبعة 2008 في بيروت- لبنان ويتكون من 296صفحة من القطع الكبير ومن الورق الخشن...
يبدأ الكتاب بمقدمة قصيرة من صديقه د. سيار الجميل وهو مغترب يعيش في كندا مثل الدكتور المشاط، وهو طلب من المؤلف نشر تلك المذكرات خدمة للعراق والحقيقة كما يقول!...كما انه اي الجميل يعتبر هؤلاء المسؤولين الذين خدموا البعث وانشقوا عليه لاحقا هم من الشجعان كونهم افضل ممن بقى في خدمة النظام حتى نهايته المعروفة عام 2003 وبالتالي ضرورة ان يحفظ لهم ذلك في سجلاتهم الذاتية كونهم شجعانا ومناضلين وهم قدوة للاخرين!...
ان ذلك الكلام هو هراء لاقيمة له امام الحق والعدل والحرية!...فأية قيمة يمكن ان تكون لانسان قد يكون جلادا في يوما ما او عمل في خدمة الجلاد وتحت مسميات وأدعاءات فارغة؟! خاصة في وزن مستبد كبير كصدام! ... فهل يمكن مساواة هؤلاء مع من رفض النظام منذ البداية او قدموا ارواحهم رخيصة للوطن والمبدأ؟!...واية قيمة تبقى لانسان اذا عرف حقيقة الاوغاد الحاكمين في بلده واستمر يخدمهم حتى لو الى منتصف الطريق؟! وماقيمة تاريخ الانسان العلمي او الادبي اذا وضعها في خدمة اراذل شعبه؟!...ان ذلك هو تبريرهزيل درج عليه الكثيرون ممن يحاولون تبرئة الاخرين او انفسهم وكأن البقية الصامتة بلا عقول او قلوب حتى يمكن تصديق ذلك او حتى نسيان فترات هؤلاء المظلمة!...
يذكر المؤلف سيرته الذاتية وتاريخه الاكاديمي ص13-17 ثم شيئا من مسيرته المهنية،الا انه لايذكر شيئا حول انضمامه لحزب البعث الفاشي عام 1961 ثم عمله بعد ذلك في اجهزته الرسمية منذ سطوه الثاني على السلطة عام 1968 وخاصة وصوله الى مراتب عليا من قبيل وزير للتعليم العالي حتى قيام البكر بطرده والذي لايذكر هنا تفاصيل ذلك الحدث واسباب ذلك!...
ان الانتساب لحزب البعث قبل وصوله الى السلطة عام 1963 هو دليل على الاقتناع بافكار ذلك الحزب الذي يمتاز بفقره الفكري وتاريخه النضالي،وهو الحزب الذي قفز على السلطة مرتان دون ان يمتلك عددا كافيا من الانصار!...وبالتالي يعتبر المشاط ،احد المؤمنين به كون تلك الفترة تحمل ملامح الحرية في الاختيار،بينما نجد انه بعد الفترة التي تلت عام 1968 فأن الاغلبية الساحقة من البعثيين هم اما مجبرون في الانتساب الى حزب لايحترم نفسه من خلال اجبار الاخرين بشتى وسائل الارهاب والقمع في الانتساب اليه او من خلال الرغبة الذاتية في ضرورة الاستفادة من وجود تنظيم غير وطني في تحصيل الفوائد الانية وهو اقصى مراحل الانحطاط التي يمكن ان يصل اليه انسانا ما!..اما الذين انتسبوا بدوافع الاقتناع فهم بالرغم من ندرتهم يكونوا من المغرر بهم من قبل وسائل الاعلام التابعة للنظام والتي تمتاز بسيطرتها الشاملة على المجتمع ومنع كل مؤثرات الاعلام الاخر حتى لو كان محايدا ! بشرط انعدام المناعة الثقافية التامة لتلك المؤثرات المسرطنة للعقل البشري!...وبالرغم من ذلك فأن كل من اقتنع بفكر ومنهج حزب البعث الفاشي وعمل كل ما في وسعه في خدمة اغراضه الشريرة مع معرفة تاريخه الاسود عام 1963 فهو خائن لوطنه ولكل المبادئ الانسانية المشتركة ولا توجد ادنى ضرورة لاعادة الاعتبار اليه اذا كان قد فقد حياته او وظيفته في مرحلة من مراحل العمل مع ذلك النظام الشرير او حتى هروبه بجلده قبل غرق سفينة النظام!...
ان تستر المؤلف على تاريخه في خدمة النظام واقتصار مذكراته على فترة قصيرة من خلال عمله كسفير في واشنطن خلال فترة قصيرة(16 شهر) تجعلنا نضع علامات استفهام واستنكار لذلك،واذا كان يدعي الشجاعة الادبية وتنصله من تاريخه الاسود فعليه ان يذكر ذلك اما ان يتستر بطريقة مفضوحة ومثيرة للسخرية فذلك امر لايدعو الاخرين للاخذ حتى بشهادته التاريخية خاصة في ظل تبريراته السخيفة لعدم تركه النظام بالرغم من انه يقول انه قرر ذلك عام 1979 عندما تسلم صدام للسلطة وتحول شكوكه الى يقين الا انه اجلها حتى تحين الفرصة المناسبة(ص25-31)بالرغم من ان الناس البسطاء في العراق قد عرفوا عن بعد حقيقة ذلك المعتوه قبل هذا التاريخ فكيف من يكون بقربه مثل المشاط؟!...ان تبريراته بضرورة ان يكون عنده مال كافي او ان يكون في مأمن من اجهزة النظام بالرغم من انه يعيش في الخارج مما يعني سهولة الحصول على اللجوء السياسي او المال الكافي كما فعل الكثيرون من قبل،هو دلاله واضحة على ضعف الانتماء الوطني والاحساس الانساني بمشاعر ابناء شعبه والشعوب المجاورة لديه وبالتالي لن تكون لدى القارئ ادنى شعور بالعطف امامه خاصة في طريقة هروبه المذلة عندما طلب الرجوع الى العراق ايام ثورة آذار1991 والتي تلت حرب الخليج الثانية مما يعني انه حان وقت التصفية الجسدية بعد استنفاذ الخدمات منه!...ويذكر ايضا ان حصوله على موافقة الهجرة الى كندا هو بعيدا عن طريقة اللجوء مما يعني انه كان يعتقد ان طريق اللجوء هو رفض النظام بأكمله كما هو معروف...وللعلم بذل الكثيرون في سبيل الفرار من ذلك الجحيم ولم تكن لديهم تلك الفرص التي تمتع بها المشاط نفسه وبعضهم فقد للاسف الشديد حياته في سبيل الحرية!...
سفارات النظام البائد:
كما هو معروف في ان السفارات لأي بلد في العالم هي صورتها المشرقة بالاضافة الى انها الممثلية التي تقوم برعاية شؤون رعاياها ومصالحهم بغض النظر عن انتماءاتهم المتنوعة...ولكن سفارات النظام البعثي العراقي السابق لم تكن كذلك!... بل كانت مكاتب المعارضة العراقية والفعاليات الاجتماعية للجاليات هي التي تقوم برعاية المهجرون والمهاجرين ،لان عمل تلك السفارات والقنصليات وبقية المراكز الاخرى للنظام قد تحولت منذ استيلائه على الحكم عام 1968 الى مراكز استخبارية ارهابية ليست لها علاقة بالعمل الدبلوماسي سوى بالشكل فقط!...واصبحت تلك المراكز حاوية لعتاة المجرمين القتلة الذين قاموا بأقذر الاعمال الوحشية واكثرها اجراما في تاريخ العمل الدبلوماسي، من خلال مطاردة وقتل اكبر عدد ممكن من العراقيين المعارضين للنظام البائد بما في ذلك مشاهير العمل الفكري والاجتماعي ،كذلك يعرف عن سفراء النظام البائد كون الاغلبية الساحقة في انهم غير مأهلون للعمل الدبلوماسي او ليس لديهم القابليات العلمية او الاكاديمية نظرا لان القرب من النظام الفكري والمناطقي والمذهبي هو المعيار السائد كان ايامه!وكذلك بقية موظفي السفارات الذين هم في اغلبيتهم من الاجهزة الامنية الوحشية...ولذلك كان العراقيون يتجنبون زيارة تلك السفارات والمراكز التابعة لها لمعرفتهم بطبيعة عملها والذي لايخفى ايضا على البلد المضيف والذي يراعي عمل تلك السفارات ويقدم لها كل التسهيلات حتى لو كانت اجرامية للحفاظ على العلاقة المشتركة والمصالح المتبادلة ولم يكن الغرب مستثنيا من تلك القاعدة الشريرة! خاصة ايام الحرب بالوكالة عن الغرب والدول العربية ضد ايران بعد انتصار ثورتها الاسلامية عام 1979!... وقد بقيت تلك الصفات لسفارات النظام البائد حتى سقوطه الحتمي عام 2003 وعندها تغيرت الصورة بصورة تدريجية رغم استمرار عمل بعض بقايا النظام البائد فيها! لتمارس عملها الطبيعي...
لقد كانت صفة غريبة حقا في مقاطعة ابناء بلد ما لسفاراتهم ومراكز وممثليات حكوماتهم في الخارج وهو ابسط دليل لمن يجهل ذلك من غير العراقيين،كذلك حفظ لنا التاريخ صور بشعة من عمل تلك السفارات من خلال قتل وتعذيب وخطف واعمال ارهابية خلال تلك الفترة المظلمة من تاريخ العراق كذلك فقدان تلك الاموال الضخمة المخصصة لتلك الاعمال الارهابية مع شراء الذمم من مواطني الدول الاخرى والذين مازال البعض منهم يمارس عمله في في خدمة النظام السابق وازلامه الهاربون من العدالة برغم انكشاف الحقائق الساطعة امام الجميع في وحشيته،ولكن للمال سطوته التي تفوق اي رغبة في تغيير السلوك!!...

ولكن يمكن الاشارة الى ان نفوذ وسطوة تلك المراكز قد ضعف كثيرا بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 نظرا لسوء العلاقات مع الغرب وليس لكون الضمير الانساني قد تحرك لايقاف ذلك النظام الاستبدادي عند حده! ،وبذلك تنفس العراقيون في الخارج الصعداء واخذوا يمارسون حرياتهم المكبوتة وخاصة معارضة النظام بحرية دون ان يجدوا معارضة من سلطات البلاد المضيفة لهم والتي كانت تعمل في السابق في خدمة النظام...
تلك هي لعبة المصالح المتغيرة بين الدول والتي لا تخضع نهائيا لأي مبادئ وقيم انسانية عالية الا اذا تلائمت معها في الموقف!.
ذكر لنا السفير السابق محمد المشاط في كتابه هذا شيئا قليل من ذلك دون ان يخوض في التفاصيل حول مكونات السفارات العراقية السابقة!...ولكن يمكن الاشارة الى ان سفارة مهمة في بلد يعتبر الاقوى في العالم مثل امريكا والمفروض منها ان تكون اضخم سفارات النظام واكثرها امكانية،هي من الضعف والفقر الشديد الى درجة تبعث على السخرية المرة من نظام يعتمد الاعلام وتشويه الحقائق كمنهج ثابت في الحياة...
فقد ذكر في كتابه(ص 33- 44) كيف ان السفارة لايوجد بها جهاز كومبيوتر واحد! بالاضافة الى قلة عدد الموظفين نظرا لقلة الامكانيات المخصصة لهم بينما توجد في داخل السفارات مكاتب كاملة للمخابرات يمنع الجميع من دخولها بما في ذلك السفير! ولها امكانيات مادية وبشرية تفوق الجميع بالاضافة الى الصلاحيات الغير محدودة في تطبيق اعمالها الاجرامية والتي لم تكن في خدمة البلد بل في خدمة النظام فقط واستمراريته في الحكم!...
على الحياد!:
من اغرب ما ذكره السفير السابق المشاط هو انه عند تسلم مسؤولياته كسفير في واشنطن عام 1989 فأن توصيات وزير الخارجية طارق عزيز ووكيله حول عدم المساس باسرائيل ولو تصريحا ضد سياساتها في داخل امريكا! وان ذلك من توجيهات صدام المباشرة والتي نقلوها له!لكون ان الاولوية هي في رعاية مصالح النظام والتي تحتاج الى علاقات مباشرة مع مؤيدي اسرائيل داخل امريكا!...وقد سبب له ذلك حسب قوله صدمة كونه من المؤيدين بشدة لحقوق الشعب الفلسطيني اينما حل في دول الغرب،وتلك الحقيقة غير خافية على الغالبية العظمى من العراقيين ماعدا اقلية يمثلون النظام البائد وافكاره،ولكن المصيبة انه مازال وبرغم سقوط ذلك النظام الاستبدادي المقيت منذ سنوات فأن نسبة كبيرة من شعوب العالم العربي وبدون وعي احيانا مازالت تصدق ان سبب سقوط النظام هو كونه مع الشعب الفلسطيني! الذي هو الاخر مازالت شرائح كبيرة تؤيده دون ادنى مراعاة لمشاعر واحاسيس الشعب العراقي والشعوب الاخرى التي عانت منه! وهو يعود بالدرجة الاولى الى الاقتناع المستند على قواعد الجهل المركب المتعددة في تصديق الاعلام المظلل والذي يحول جماعات وشعوب باغلبيتها الى مسيرة وليست مخيرة...
وتطرق في بداية عمله الى مسألة الدعم الامريكي لنظام صدام والذي تمثل في القروض الزراعية والدعم اللوجستي والذي بدأ عام 1982 ايام الحرب مع ايران ثم تطرق الى مسألة القرض الضخم(2 مليار دلار)والذي حصل عليه النظام بصورة غير قانونية من احد فروع البنوك في امريكا وبدون ان يخبر المركز الام في روما،ثم صرفه تلك الاموال لبناء قدراته الحربية وهي صفة عامة تحلى بها النظام البائد عندما كان يقترض الاموال بكثرة لبناء ترسانته العسكرية والامنية للاستمرار في حروبه التدميرية بالوكالة ضد ايران والشعب العراقي وبمعرفة الجهات المانحة التي تعرف جيدا انه لن ينفقها في تطوير شعبه ورفاهيته اذا كان اساسا ينفق اموال النفط الضخمة بنفس الشاكلة! ولكن المخزي ان تستمر بعض الدول واغلبيتها عربية! في طلب استرجاع تلك الاموال القذرة من الشعب العراقي الان وهي التي انفقت لقتله وتعذيبه!!..
الحملات الاعلامية:
تحدث المشاط وبشيء تفصيلي عن الحملات الاعلامية(ص 59-97) التي رافقت بداية عمله في امريكا ضد النظام،وعزا ذلك الى السيطرة الكاملة للوبي الصهيوني كون العراق معاديا وبشدة لاسرائيل ولو بشكل ظاهري لان العراق برأيه خرج من الحرب مع ايران قوي البنية العسكرية ولكنه ضعيف من الناحية الاقتصادية وبالتالي فأن ذلك خطر على المصالح الغربية في المنطقة،ولكنه ذكر وفي عدة اماكن في كتابه الى انه اغلبية الاتهامات الموجهة لسياسات النظام هي صحيحة ولكنه مضطر للدفاع عن النظام البائد كونه سفيرا له ولا يمكن له الخوض في تفاصيل تلك الاتهامات والتي يشعر بعجزه عن ردها بالشكل المقنع!...
الا ان الحملة الاعلامية بدأت حسب رأيه منذ اعدام الصحفي بازوفت في آذار 1990 وبطريقة خالية من العدالة القانونية في بلد يفتقر اليها اساسا!...ثم اشتدت تلك الحملة بعد التصريح الغبي من صدام حسب تعبيره في انه يحرق نصف اسرائيل بالكيمياوي المزدوج،وهو بحق تصريح يدل على حماقة وجهل مركبين لانه من المفروض كتمان القدرات العسكرية كما تفعل ذلك جميع البلاد الاخرى والتي من ضمنها اسرائيل نفسها التي مازالت تتستر على برامجها العسكرية للتدمير الشامل مثل الاسلحة النووية والبايولوجية وغيرها،وبالتالي فأن تلك التصريحات المثيرة سوف تجلب الانتباه الى قدرات العراق العسكرية مما ادى الى اشتداد الحملات الاعلامية والتي لم تواجه بحكمة او حتى برد فعل معاكس في القيام بحملة اعلامية في داخل بلد يباع فيه كل شيء مثل امريكا!،وهي من علامات الغباء الستراتيجي لنظام تحكم بالعراق طويلا!...ويذكر العديد من الامثلة في كيفية طلبه من الخارجية تخصيص اموال ولو بسيطة (بحجم 10- 25 الف دولار)في دفعها الى مكاتب اعلامية امريكية تقوم بالدفاع عن النظام وسياساته حتى يمكن بناء لوبي يقوم بالدفاع عن العراق والشراكة معه،بينما يذكر في الفصل الرابع ص121 -122 كيف تصرفت السفارة الكويتية في واشنطن من خلال انفاق اموال ضخمة جدا لشحن الرأي العام الامريكي لدفعه للحرب وحتى التنسيق مع المنظمات الموالية لاسرائيل حتى وصلت المبالغ المدفوعة لمكتب اعلامي واحد بأعترافه الى 10 ملايين دولار هذا غير عشرات المكاتب الاعلامية والمنظمات المختلفة واستخدمت لاجل ذلك اساليب رخيصة في الكذب والتلفيق الى درجة فاضحة من خلال تقديم ابنة السفير الكويتي على انها مواطنة هاربة من بلادها الى اعضاء الكونغرس لتقديم افادتها المزورة حول مشاهداتها للغزو من خلال الادعاء بسرقة حاضنات الاطفال من المستشفيات والبكاء امامهم للتأثير عليهم بضرورة شن الحرب! وهذه الفضيحة جرى التستر عليها لاحقا من قبل جميع الاطراف كما هو معروف! وكل ذلك لاجل هدف معلن تبرر كل الوسائل له...
نقاط الدعاية:
ذكر المؤلف المشاط في كتابه(ص 78-97) النقاط الاساسية للدعاية في امريكا ضد النظام البعثي،وحصرها في تسع نقاط وشرحها بالتفصيل،وركزت اربع نقاط على استمرار التعذيب وفقدان حقوق الانسان واستعمال الاسلحة الكيمياوية ضد شعبه وفقدان الديمقراطية والنهج الفردي الديكتاتوري القاسي الذي لامثيل له في الوقت الحاضر حسب وصفه،بالاضافة الى ثلاث نقاط حول الاسلحة المحرمة دوليا،وكلها امور شرحها بالتفصيل وبين انه مؤمن بصحتها!ولكنه لا يستطيع ان يبين عكس ذلك،وكل محاولاته لتبييض وجه النظام هي فاشلة لكون الحقائق ساطعة ولاتحتاج الى برهان!...نمتنع عن التعليق والتحليل لموقف السفير الانتهازي واعترافه بأخطائه الشنيعة التي تجعله متهما امام شعبه بتهمة الخيانة العظمى كبقية المسؤولين!...
تحدث المشاط مطولا عن عملية غزو الكويت عام 1990 وكيف كانت مفاجأة له وللغالبية العظمى في داخل وخارج العراق،ورغم انه ادان عملية الغزو في كتابه الا انه ذكر كثيرا كيف كان يرسل البرقيات المشفرة حول مايجري في امريكا من طبخة عسكرية لتدمير العراق وامكانياته العسكرية بالذات،ثم طلباته المتكررة بضرورة الانسحاب قبل ان تندلع الحرب التي هي خاسرة بدون ادنى شك...وقد فاجئه موقف النظام ووزارة الخارجية بالذات في رفض الاستجابة لتلك التقارير التي تؤكد ان تلك الحرب فاشلة ويقودها قائد مجنون وانها اي الحرب اثبتت بلا شك لديه ان صدام هو عميل امريكي كونه منفذ للسياسات الامريكية المختلفة في الشرق الاوسط والتي ادت الى السيطرة الكاملة على ثرواته وشعوبه المستضعفة،من خلال حروبه الطويلة ضد ايران ثم غزو الكويت وتدمير العراق وفرض الحصار الاجرامي المشترك على شعبه من قبل العالم الغربي ونظام صدام ايضا !...
ان تلك الاعترافات قد جاءت متأخرة كثيرا وكونها معروفة بلا شك لكل من لديه ادنى معرفة ثقافية او وعي سياسي قادر على التمييز بين الاحرار والاشرار في كل مكان وزمان...
ولكن حديثه الجديد كان حول استدعائه مع عدد كبير من السفراء الى زيارة بغداد والتشاور معهم في نهاية عام 1990،وكيف انه عند وصولهم الى هنا اصدموا بعبارة الانظمة الشمولية المعروفة:طلبناكم لكي تستمعوا الينا وليس لكي نستمع اليكم!...معنى ذلك ان الاستدعاء كان فارغا لا قيمة له لانه سوف يكون تكرارا لاقاويل واكاذيب الديكتاتور وعصابته المنحرفة...وقد حاول خلال الاجتماع ان يبين له وللبقية ان المعركة القادمة هي خطرة كونها سوف تكون تدميرية للعراق وشعبه وبالتالي ضرورة الانسحاب المشرف حتى يمكن حفظ القدرات العراقية...ورغم ان ذلك الرأي سبب له رعبا فأن الديكتاتور المغرور لم يستمع اليه بل كرر تفاهاته التي جرت على البلاد الكثير من الويلات والازمات...لقد بقي المشاط خائفا بعدها من التصفية الجسدية لان النظام له تاريخ عريق في تلك الاعمال القذرة،ولم يزل الخوف حتى بعد خروجه من العراق ثم خروجه من العمل الدبلوماسي برمته!...
بعد انتهاء عمل السفير المشاط في امريكا قبل بداية الحرب على العراق، توجه الى فيينا بغية السفر الى العراق،وبما انه يعرف ان مصيره مجهولا وهو اقرب الى التصفية الكاملة من قبل نظام وحشي خدمه طويلا رغم ان اقربائه تعرضوا الى التهجير الى خارج البلاد!،فأنه قرر البقاء ولو مؤقتا في النمسا لحين تدبير امر سفره الى بلد ثالث وعندها يستقيل من العمل الدبلوماسي...وقد تحدث عن ذلك بالتفصيل وخاصة عن رعبه المستمر من قبل اعوان النظام في النمسا وخوفه من غدرهم هناك به!
القتلة يتحدون من جديد!:

تحدث المؤلف(ص198) عن تمكن النظام البعثي في العراق من القضاء على الثورة التي عمت العراق قبيل انتهاء الحرب،وذلك بمساعدة من امريكا التي سمحت له بقمع الانتفاضة رغم الاعمال الوحشية التي سببت مقتل مئات الالاف من السكان الابرياء!...ثم عندها ظهر على التلفزيون الامريكي سفير الكويت في امريكا سعود ناصر الصباح وهو من الاسرة الحاكمة،وقال في المقابلة:ان الكويت تميل الى بقاء صدام في الحكم بدلا من اشخاص لانعرف فيما اذا كانوا اتعس من صدام! اي ان الافضل للكويت بقاء صدام ضعيفا يحكم العراق رغم كل مافعله بهم وبأيران وبالشعب العراقي!... ثم اكمل حديثه ان ذلك لا يمكن ان يأتي من مبادرة السفير الفردية،خاصة اذا علمنا بأتصالاته مع قادة الصهاينة في امريكا،اي معنى ذلك ان امريكا وأسرائيل تفضلان بقاء صدام في الحكم!...انتهى النص.
ان تلك الوقاحة العلنية التي اعلنها صراحة السفير الكويتي وهي لاتمثل حكومته فحسب بل تمثل آراء الغالبية العظمى من الحكومات العربية وخاصة الانظمة الثلاث:السعودية ومصر والاردن!...فتلك الانظمة لها تاريخ اسود في دعم الديكتاتورية في العراق وما جرته على البلاد من مآسي ونكبات لاحصر لها وتلك الحقيقة المطلقة هي معروفة للجميع كون ان تلك الانظمة الفاسدة تفضل مجرم سفاح كصدام على حكم ديمقراطي تعددي في العراق قد يوصل الشيعة الى الحكم كونهم الاغلبية فيه وبالتالي يكون الخطر مضاعفا سواء في رياح الديمقراطية التي تهب على المنطقة العربية او في وصول اعدائهم التقليديين في المذهب وهم الذين عملوا طويلا على اشغال الحرب بين العراق وايران والعمل على استمرارها خدمة لنواياهم الشريرة...ان تلك الوقاحة الرسمية العربية بقيت حتى بعد سقوط النظام البائد عام 2003 وما اعمال العنف التي وصلت الى حد الحرب الاهلية الا من نتائج تدخلاتهم المستمرة فيه بغية الوصول الى حاكم مستبد جديد على شاكلة وجوههم القبيحة!...لكن اتحاد القتلة لن ينجح مادامت الارادة الشعبية الحرة المؤيدة من قبل السماء والاصدقاء المخلصين في الارض موجودة برغم دماء الضحايا التي سوف تكون معول الهدم والتغيير الى بناء حياة حرة جديدة تؤسس لنهضة حضارية تستتند على مبادئ واسس الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة....
زبدة الكتاب:

تقع خلاصة آراء المؤلف وخبرته في الفصل الحادي عشر والذي عنوانه: صدام اهو بطل قومي ام عميل امريكي-اسرائيلي؟...
وصنف المؤلف ثلاث آراء رئيسية في العالم العربي حوله:الاولى وهي الغالبية تجزم من افعاله انه عميل او في خدمة مصالح الدولتين من خلال ان الاعمال ونتائجها هي التي تعطي صورة واضحة للشخص وليست الاقوال والادعاءات،وتلك عبارة صائبة في رأيي حيث يمكن ملاحظة ان المتهمين في قاعات المحكمة مهما كانت قسوة جرائمهم فأنهم يدافعون عن انفسهم في أدعاءات وتبريرات لاحصر لها،فلماذا نصدق صدام اوبقية المستبدين ونكذب المتهمين في قضايا جنائية بسيطة!،والثانية وهي فئة قليلة تعتقد ان افعاله تنطوي على غباء سياسي وهو ضحية خداع امريكا،اما الفئة الثالثة وهي التي تعتقد انه بطل قومي يعمل لصالح العراق وفلسطين والعرب وهي الفئة التي لاتحتاج الى مناقشة في ضحالة وانحطاط المستويين الفكري والاخلاقي!
...وبعد ان استعرض اهداف امريكا واسرائيل في المنطقة العربية تطرق الى ملاحظات قيمة حول شخصية صدام من خلال خبرته والاخرين الطويلة معه او آراء المختصين وتوصل الى نتيجة مهمة في انه صاحب شخصية سايكوباثية،والتي من ابرز صفاتها انه ليس له وازع ضميري سواء اكان دينيا او اخلاقيا في سلوكه،وهو مبتلى بحب نفسه الى اقصى الحدود اي نرجسي الشخصية ويتطلع الى اعجاب المجتمع به،وهو يعمل على اشباع غرائزه خارج حدود الاخلاق والقيم الاجتماعية والدينية ولا يشعر بأي مسؤولية تجاه الافراد والمجتمع ويمتاز بالخداع وأنانيا الى اقصى الحدود في الحصول على مايريد والشخص السايكوباثي هو لايتعلم من خبراته السابقة،ولايشعر باي خجل! ومبتلى بشعور حب العظمة والكذب المرضي...وعلى ضوء ذلك التقييم ومن خلال قراءة دقيقة لتاريخ صدام يتوصل الى نتائج ذكية في كونها تنطبق عليه بشكل لا لبس فيه...
فهو اي صدام لم يتردد في اضطهاد وقتل من هو معه في الحزب والدولة حتى من افراد عائلته!ثم عمله الدائم على تفتيت شعبه من خلال قتل وتشريد مئات الالاف من الشيعة وابادة الاكراد وضربهم بالاسلحة الكيمياوية،ثم تدمير الاقتصاد الوطني وتحويل البلاد الى دولة عسكرية تتخصص في تنفيذ اوامر اسياده في الغرب وحلفائه من الانظمة العربية،ثم عمله على تفتيت الوحدة مع سوريا والمقررة في نهاية السبعينيات وقتله كل من حاول في انجاحها،الى محاولاته في السيطرة على المجتمع بشتى الطرق واكثرها اجراما وقذارة،ومنها تحويل حزبه الى جهاز امني بحت ينفذ رغباته الشريرة الى استغلاله العشائر العربية والدين في تثبيت الحكم وتحسين صورته مع الاستفادة من تغيير اصوله المجهولة الى الانتساب زورا وبهتانا الى آل الرسول(ص)..ثم تطرق بالتفصيل وبالادلة الى سلسلة طويلة من القرارات الخاطئة التي جلبت الكوارث...ولكن المثير في استدلاله على عمالته ايام تواجده في مصر الى CIA ومن خلال المصادر المؤكدة التي ذكرها ثم رعاية امريكا الدائمة له حتى بعد حربه التدميرية عام 1991 !من خلال مساندته ضد الثورة الشاملة بل طلبوا من المشاط العودة لبناء العراق من جديد وهم الذين ابقوه في حصار جائر لامثيل له والذين دمروه بالتعاون معه وهم يعلمون جيدا انه لو عاد فسوف يفقد حياته!...
من الاشياء الجديدة التي ذكرها للتاريخ كيفية فتح خط مباشر بين العراق وشيلي فترة الثمانينات وهو الخط الذي استخدمه العراق وامريكا لارسال الاسلحة المحرمة دوليا!وتأكيد ذلك من شهادة احد العاملين العراقيين!.
تحدث المشاط عن رفض صدام لكل المبادرات لتجنيب العراق حربا تدميرية اعادته الى القرون الوسطى عام 1991 وذكر جملة منها يجعل المتابع يتعجب لهكذا معتوه يصر في اتخاذ قرار ينسجم مع اهداف اعدائه! لتدمير بلده في كارثة مازال البلد يئن تحت وطأتها الى الان!...
ذكر في الختام رأيه لماذا ازاحة امريكا عميلها السابق صدام بالرغم من خدماته الجليلة لها والتي لولاه لما وصل النفوذ الامريكي الى هذا الحد في الشرق الاوسط! ومحاولاته المستمرة لابقائه وتنفيذ كافة الاوامر والرغبات بعد شعوره بمحاولتها تغييره عام 2003!...ويتوصل الى نتيجة هامة انه قد انتهى مفعوله وبالتالي لا حاجة لعميل اصبح وجوده عبئا عليها....
الكتاب يحمل سيرة ذاتية في فترة قصيرة وبرغم محاولات المؤلف محمد المشاط الدفاع عن نفسه الا ان تبريراته حول خدمته الطويلة لصدام بدت ضعيفة بالرغم من ان الكتاب يدافع عن الشعب العراقي ويحمل ذلك الديكتاتور واعوانه المقربين مع بعض الانظمة العربية والغرب مسؤولية الكوارث التي حدثت للعراق والشرق الاوسط....















هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

I liked the look in again