إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/12/18

اسطورة التغيير الفوقي - القسم التاسع والاربعون

مستدركات اسطورة التغيير الفوقي:




المبحث الاول:


الاخوة الاعداء:


في حكمة مثالية يمكن استنباطها من مقطع من فيلم الافوكاتو الشهير(فيلم مصري انتاج 1983) يتحاور عادل امام الذي يلعب دور محام انتهازي مع تاجر مخدرات ثري ومسجون وقع بيد السلطات حول ظاهرة غريبة في نظره وهي وقوف تجار المخدرات الذين يتصارعون بقسوة تصل الى حد التصفية الدموية فيما بينهم مع اي خصم من زملائهم اذا سقط في محنة ما،بل ويتناسون بسرعة مدهشه تاريخ الصراع ويبذلون اقصى الجهد لمساعدة زميل لهم يعمل نفس عملهم ويحاولون انقاذه من العدالة التي قد تصيبهم يوما ما مما يستدعي الوقوف بالضد منها!...


هذه الحادثة هي لا تختص بمتعاملين في المواد المحظورة بل هي ظاهرة عامة جرت في وقائع اخرى بين الفئات الحاكمة في الدول التي تخضع الى نظم مستبدة! اكثر تحديدا... فبالرغم من ان الحكام وحواشيهم في تلك النظم في الغالب يتصارعون بطريقة تتناسب ووضعهم في بلدانهم مع نظرائهم في بلاد اخرى تخضع الى حكم مشابه وبأسلوب بعيد عن المشاركة الشعبية التي تكون مستبعدة هنا من هكذا قرارات مصيرية كالعادة،فأن الصراع الدموي هو نتيجة طبيعية ناتجة عن الطبيعة الفكرية والسلوكية لتلك الطبقات وخاصة من يتسلم زمام المبادرة الذين يتعاملون مع السلطة وصلاحياتها الواسعة والغير محدودة على انها ملكية خاصة جاءت بطريق الصدفة او الحظ وبالتالي فأن ضرورة المحافظة عليها يستلزم الصراع مع الاخر الحاكم في بلاد اخرى الذي يكون في نفس المحيط الاقليمي... اسباب الصراع هنا مختلفة ولكنها غالبا لا تتصل بالمصلحة الوطنية! بل هي اقرب لمحاولة الاستحواذ والسيطرة على الاخرين او على الاقل المحافظة على الحكم الداخلي والذي يكون محتاجا الى حلفاء خارجيين ليسوا بالضرورة دائميين بل ايضا يخضعون الى تقلبات الحكم والظروف المحيطة به...وهذا الصراع هو لا يشمل الحاكم الاعلى بل ايضا الطبقات الفوقية من المجتمع التي تكون في حالة صراع فريدة من نوعها!...فهي تكون مع ممثلها الاعلى في صراعه مع الاخرين من خارج الوطن لانه قد تفقد حكمها وسلطاتها اذا تغلب الخصم عليه وهم مرتبطون به،ولكن في حالة ثانية تكون الصراعات الخارجية نقطة مثالية لمحاولة الاستحواذ على السلطة المحلية في سلسلة الصراعات الداخلية التي تنشب بين الاطراف كافة سواء بصورة مباشرة وعلنية او بصورة غير مباشرة وسرية! وتكون الفرصة مثالية من حيث انشغال الخصوم في الصراعات الخارجية ومحاولة استغلال الانشغال بتجميع القوى والحلفاء لسلب السلطة المطلقة مع ملاحظة ان الصراع في كلتا الحالتين يكون افضل من حالة السلم المشوب بالحذر للطبقات الفوقية لانها سوف تجعل السلطة في حالة انذار دائم مع فرض الصلاحيات الواسعة للقوى الامنية وبحجة المحافظة على الامن في فرض السيطرة الكاملة وبكل الاساليب القاسية والمحظورة المتاحة التي لا تسمح احيانا الظروف المستقرة في الاخذ بها!.


الصراع مع الخصوم الخارجيين قد يكون لاسباب دينية او سياسية او فكرية وفق آيديولوجية معينة تتعارض مع المعتقد الاخر لدى الخصوم...ينبغي هنا ملاحظة ان الاختلافات بين الطبقات الفوقية بين الدول ذات النظم المستبدة تكون اكثر عمقا ودموية مع الاخرين الذين هم على نفس شاكلة النظام منها بين الدول التي تحكمها نظم ديمقراطية مستقرة التي تجنح للسلم في الغالب نظرا لتوزيع السلطات والصلاحيات بين مجموعات مختلفة من المجتمع وبذلك يكون السلوك هو الصراع السلمي وبعقلانية اوسع تنتهي غالبا في مفاوضات شاقة اذا حصل خلاف ما،بينما في النظم المستبدة يخضع الكره والحقد في الغالب لمزاج شخصي او طبقي غالبا ما يكون بعيدا عن العقل والمنطق،بل ليس له مبرر احيانا! وقد يستمر لفترات زمنية اطول بحيث يستعصي على الحل،ويمكن ملاحظة الخلافات العربية المستمرة منذ عقود من الزمن برغم تغير الوجوه الحاكمة! او الخلافات بين باكستان وجيرانها الهنود والافغان! كأمثلة نموذجية في هذا المجال،بينما يمكن رؤية الخلافات الاوروبية الداخلية او حتى مع الولايات المتحدة،سواء بطرق الحل او حتى نوعية المشاكل ومحدودية ساحاتها التي ترتكز في الغالب على قضايا لا صلة للعنف والدماء بها!...في الحالة الاولى وكنتيجة من الحكم المستبد الذي لا يحترم الانسان وحقه المقدس في الحرية والحياة،فأن الدماء تبذل بغزارة وبكرم لاحدود له في سبيل الخلافات وديمومتها!...والامثلة كثيرة اذا تم استعراض التاريخ...


برغم من كل ما تم طرحه في السياق السابق فأن ذلك سوف يصبح منسيا في حالة تعرض الخصم الى خطر قد يكون جامعا لبقية الاطراف الاخرى،وهنا تتداخل المصالح الانية التي تكون انتهازية،في توفير الحماية او الدعم للخصم السابق!...الحالة هنا لاتختص في تعرض احد الخصوم الدائميين لصراع مع نظم ديمقراطية بل وايضا مع دول اخرى قد تكون راديكالية او ذات نظم مشابه ولكن في الحالتين الاولى والثانية(الديمقراطية والراديكالية)فأن الحالة تكون اكثر سطوعا واشمئزازا لكون ان الصراعات السابقة تصبح بلا معنى او يتبين للجميع مدى تفاهاتها بالرغم من انها استنزفت الجهود والقدرات لادامتها...الخوف هنا يكون من انتشار الديمقراطية او الايديولوجيات الراديكالية التي قد تكون مخالفة لبعض النظم المستبدة التي يجمع بينها جامع مشترك بالرغم من حالة العداء والصراع!...


عندنا المثال النموذجي في حالة العراق!...فبالرغم من ان النظام البعثي وخلال فترة حكمه الطويلة الممتدة من عام 1968 ولغاية 2003 لم يكف خلالها من الصراع مع الاخرين من الانظمة العربية ولاسباب شتى! وبالرغم من طول فترة الصراع وشدته فأنه كان احيانا يخضع الى ظروف تستلزم المصالحة المؤقتة والمراجعة وحسب ملائمة ظروف الطرفين مع العلم ان ذلك لن يكون دائميا او على اسس سليمة ثابتة! بل يكون انتهازيا للطرفين كما حدث في تحسن العلاقات مع النظم الملكية العربية اثناء الحرب مع ايران والتي جمعت الاضداد معا في تحالف لا يمت للمصالح العربية المشتركة!ولكنه يستند لاسس مذهبية او سياسية تتعارض مع الثورة الايرانية التي اسقطت شبيها بحكمهم مما جعلهم يهرعون خوفا في دعم من هو ارعن في التصدي لها عسكريا برغم ان ذلك يخالف المصالح المشتركة،ولذلك لم يجدوا افضل من صدام من يقوم به لكونه الوحيد القادر عسكريا في التصدي...


لم يستمر التحالف حتى انهار تقريبا الى درجة العداء الكبير بعد انتهاء الحرب ! ولكن اعلان امريكا برغبتها بأزالة النظام البعثي من الحكم،فأن الانظمة العربية وعلى اختلاف مشاربها وقفت بالضد من ذلك التوجه لكون ان النظام الديمقراطي المقترح او وصول الاغلبية المستبعدة من الحكم عن طريقه هو ضد توجهات الانظمة العربية وبالتالي فقد تحولت الى مساند قوي له ولبقائه في السلطة وبطريقة رجال عصابات المافيا والمخدرات!مما يعني انهم اقرب لهم شكلا ومضمونا من كونهم نظم تحرص على شعوبها وليسوا رجال عصابات يقفون مع بعضهم البعض عند الاحساس بالخطر المشترك! ولهم عبرة في انهيار النظم الشيوعية في اوروبا الشرقية عام 1989...


ولم يقفوا عند هذا الحد بل بذلوا كل ما يستطيعون من جهد في سبيل افشال التجربة ولو ادى الى ابادة جماعية بغية استعادة الطبقات الفوقية لحكمها المفقود لانها عدو معروف اذا حصل تعارض معه في المستقبل بينما النظام الذي يمثل الجميع ولو كان صديقا فأنه مجهولا ينبغي الحذر منه!...


تلك التوجهات ليست جديدة فقد ظهرت ايضا اثناء هروب الشاه من ايران ولم يجد في الغرب مآوى ولكنه وجد في البلاد العربية التي اختلفت معه فترة طويلة،المكان الآمن!...وليس هنا مكان للرحمة والانسانية لمن يبرر ذلك فقد كانت الاطراف جميعها تشترك في صفة الانعدام المستمر لها! ثم بذلوا الجهد لمحاربة النظام الجديد...وكذلك في حالة السودان الان،فبالرغم من المطالبة الدولية بأعتقال البشير فأن جميع الحكام العرب وقفوا معه بينما لم يقفوا مع السودان سواء من ناحية الدعم الاقتصادي او السياسي اثناء الصراعات مع الغرب حول الجنوب ودارفور! لكونهم خائفون من نفس المصير اذا جرى نبش الملفات القديمة والتي تتعلق بأنتهاكات حقوق الانسان!...


تلك ظاهرة غريبة حقا اننا نرى المتحالفون من اجل البقاء في كرسي الحكم لاجل غير مسمى يتصارعون فيما بينهم ولكنهم في الشدائد متحدون!...


اي تغيير جذري قادم من الخارج هو خطر على الطبقات الفوقية في المجتمعات المتجاورة والتي يجمعها روابط قوية قد يكون الاساس الديني او المذهبي او القبلي مهما ولكن السياسي يكون خاضعا لدرجة امان الحاكم ورغبته الوحيدة في ان يستمر،بمعنى ان الصراعات والتي يتم نسبها جميعا الى المؤثر الخارجي خطأ،هي شكلية اكثر منها جوهرية تستند الى حرية الشعوب وقدرتها على حكم ذاتها لانه افساح المجال لها في بلد ما معناه ان رياح التغيير سوف تنتقل عاجلا او آجلا لها ،وهنا يكون اكثر واقعية من ناحية الاستدلال على الاسس القوية السابقة القول ان العصبيات القبلية والمذهبية والمصالح المالية هي الاكثر قدرة على الجمع!...



ليست هناك تعليقات: