إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/09

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثاني والعشرون

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثاني والعشرون
لم تشترك القوى السياسية او افراد الشعب الاخرون في انقلاب مجهول الاهداف لهم،بل حتى ان الانقلابيون لم تكن لديهم رؤية واضحة حول برنامج مستقبل الحكم مما جعل جهلهم ورعونتهم الناتجة من صغر سنهم وقلة خبرتهم ومحدودية مستواهم الثقافي وتربيتهم العسكرية الصارمة،هي المقود في غرفة القيادة!ويمكن ملاحظة ان هدف التغيير الجذري والمتمثل في ازالة النظام الملكي من جذوره لم تكن اساسا في مطالب هؤلاء الرئيسية!وهي صفة هامة لمن يروم بأنقلاب فضلا عن تسميته بثورة لاحقا!بل ان اجبار الملك فاروق على التنازل عن العرش لم يتم الا بعد ثلاثة ايام لصالح ولده الرضيع مع اشراف اوصياء على العرش ولغاية يونيو(حزيران) 1953! حين تم اعلان الجمهورية رغم ان ذلك متيسر لهم منذ البداية مما يعني التخبط لم يكن فقط في التخطيط والاتفاق على المبادئ العامة بل حتى في اصدار القرارات المصيرية التي تلائم الطرح الفكري العام للانقلاب.
اذكر هنا نظرا للصورة الضبابية التي جرى فيها انقلاب 1952 وقادته،فأن الكثيرين اعتقدوا انه موال للغرب او ان للمخابرات الغربية يدا فيه! بل حتى الاتحاد السوفييتي وكتلته كان من المعارضين للانقلاب وقادته واعتبارهم رموز برجوازية للغرب،او حتى عملاء له فرفض الاعتراف به!،ومرت بضع سنوات وبعد التصادم مع الغرب،اخذت العلاقات تتطور الى درجة التحالف القوي وفي كافة المجالات،مما يجعل الاعتقاد ان الانقلاب لم يكن ثورة او حتى يحمل علامات الانقلاب اليساري ولذلك فأن كل دعاية له بتصوير الامر غير ذلك هي غير حقيقية نهائيا.
انقلاب بتلك المواصفات يحمل بكل تأكيد في تكوينه على تناقضات لاحصر لها تؤدي في النهاية الى حدوث صراعات مستقبلية ليس فقط بين افراد المجموعة الانقلابية انفسهم،بل ايضا مع طبقات الشعب المختلفة وخاصة طبقته المثقفة،واعلان الشعارات البراقة وتصديق نسبة كبيرة من الجمهور لن يضع ارجل الانقلابيين في الطريق الصحيح بل سوف يزيدهم طغيانا وتسلطا وانكار حق كوادر الطبقات المثقفة الواعية في حكم البلاد وفق طريق اختيار الافضل فالافضل مع حصول الدعم من باقي افراد الشعب.
من خلال القاء الضوء على مبادئ الانقلاب الرئيسية والمتمثلة في القضاء على الاقطاع والاستعمار وسيطرة رأس المال واقامة ديمقراطية حقيقية واقامة عدالة اجتماعية وجيش وطني قوي،فأن النتائج الظاهرة للعيان بعد مرور حوالي ستة عقود على الانقلاب،تبين لنا بجلاء واضح ان اغلبية تلك المبادئ ليس فقط انه لم يتحقق او تم الالتفات عليها،بل ان الخسائر البشرية والمادية التي نجمت عنه كان من الممكن توفيرها خدمة لتطور الوطن ومستقبله المشرق،ولذلك لا يمكن معرفة حجم الكوارث التي حلت في اغلبية البلدان التي وقعت فيها انقلابات عسكرية لضخامة الكوارث وشدتها وما سببته من الآم واحزان لدى عدد كبير من البشر،وهذا ايضا ليس مبررا للخضوع الى من كان قبل الانقلاب يحكم وبأساليب الاستبداد ولكن بصورة اخف كثيرا من بعد حدوث الانقلاب،فالنضال وخاصة السلمي يجب ان يستمر وبكل الوسائل المتاحة ولكن يجب ان يخضع كل من يتصدى وينتصر بعد ذلك الى ارادة الشعب في الاختيار الحر ولايجب عليه ان يطلب اجرا ولا شكورا لانه عمل ذلك من تلقاء نفسه لخدمة وطنه والا لاصبح مرتزقا مثل الاخرين الذين يحاربون لاجل المال او الجاه.
القضاء على الاقطاع تم ولكن بصورة مشوهة مست الكثير من الضحايا الابرياء،وكان من الممكن ان تتم المصادرة بعد التحقق من اصل مصدر الثروة وطريقة تنميتها بالاضافة الى السماح لكل من يملك وبصورة شرعية ان يستمر في عمله ولكن بعد فرض الضرائب العالية كما هي الان في الدول الغربية التي تفرض على الاغنياء ضرائب تزيد عن النصف من العائد السنوي بكثير وذلك ليس فقط للصرف على الطبقات الفقيرة بل لردم الفجوة الواسعة بين الفقراء والاغنياء خدمة للوطن وجميع ابنائه. كذلك يمكن ملاحظة ان اغلب الانقلابات التي ابتدأت بالمصادرة هي في حقيقة الامر عاجزة عن تطوير البلد سواء الغاء الاقطاع من خلال العجز عن استصلاح الاراضي وتوزيعها على الفلاحين،او يتعدى الى الجانب الرأسمالي ايضا في نفس الطريقة في التطوير والتنمية للصناعة والخدمات.
وكذلك مكافحة سيطرة رأس المال وذلك من خلال التحول الى الاشتراكية والتي كانت تعيش ازهى حقبة لها في ذلك الحين وخاصة في نجاحها في التخلص من الاستعمار وبناء نظم اقتصادية واجتماعية لشعوب متخلفة في ذلك الحين،مما جعل انقلابيي 1952 في مصر يركبون وبدون وعي كافي لتلك الموجة الكاسحة،وكانت النتيجة انهم حققوا نجاحا منقطع النظير في دعاياتهم المختلفة واسست لهم دولة بوليسية قوية ونفوذ قوي في خارج البلاد،ولكن مع فشل اقتصادي كامل في الداخل!،ولذلك يمكن لنا استنتاج ظاهرة واضحة جدا في النظام العسكري الحاكم منذ 1952 وهي انه يحمل نفوذا سياسيا قويا في داخل البلاد وخارجه،وفي نفس المقابل انه ضعيف جدا من الناحية الاقتصادية والتي تؤدي بالنتيجة الى ضعف عسكري وتناحر اجتماعي قوي لايستطيع الصمود امام متطلبات النفوذ السياسي وخاصة الظهور بمظهر دولة اقليمية قوية دون الوصول الى مرحلة الادعاء الكامل بانها واحدة من الدول الكبرى في العالم!،لايتم ذلك الا بطلب المعونة من الخارج وما يخلقه ذلك الاستجداء الخارجي من تبعية مذلة تتناقض كليا سواء مع مبادئ الانقلاب الرئيسية في الاستقلال الكامل او الظهور بمظهر الدولة الاقليمية الكبيرة!،ولذلك فأن المبدأين السابقين والمتمثلين بالقضاء على الاقطاع ورأس المال لم يتحققا الان من خلال رؤية حالات العجز الغذائي الكبير الذي تعانيه مصر مما يفرض على الدول الكبرى ولحالات انسانية مساعدتها بتصدير الغذاء لها سواء بأسعار زهيدة او مجانا،مع وجود اقطاع مقنع بغلاف لايمكن ستر عيوبه وطبيعته امام الاخرين،اما في جهة القضاء على رأس المال،فأنه لم يكن فقط عامل طرد للاستثمارات الاجنبية فقط،بل قضى على رغبة الكثيرين في بناء رأس مال يطمئن لوجوده وبقائه فضلا عن استمرارية نموه مستقبلا،ولذلك فأن الاشتراكية وفقط تلك الطريقة الهوجاء الغبية ليست فقط حققت الفقر للمجتمع والاتكال على الدولة،بل جعلت الكثيرين يترددون في كره النظامين الاقتصاديين الرئيسيين في العالم دون ان يجدوا البديل الملائم له لتسيير العجلة الاقتصادية للبلد.
واذكر هنا في احصائية قديمة حول دخل الفرد المصري عام 1966 وكان حوالي 160 دولار وفي حينها كان دخل الفرد الاسرائيلي عشرة اضعاف اي ان الناتج القومي لمصر مساوي لاسرائيل التي يشكل سكانها نسبة 10% من سكان مصر!!وهذه النتيجة لم تتغير منذ تلك الفترة ولحد الان رغم مرور اكثر من اربع عقود من الحكم!.وبعد الفشل الذريع لسياسة الدولة الاشتراكية نتيجة للرعونة في التطبيق والضجيج الاعلامي المصاحب لها،تحولت وبأشارة من الرئيس ايضا عام 1974 نحو الاتجاه الرأسمالي وايضا بدون تخطيط او السير بخطوات تدريجية،ولذلك جاءت الفوضى الاقتصادية مع استشراء الفساد في اجهزة الدولة،وتشكلت طبقة من الاغنياء بطريقة غير شرعية استمدتها من مراكز القوى المختلفة ولكن هذه المرة بثراء اكبر يقابله في الجهة الاخرى فقر شديد للاغلبية الساحقة الحانقة على هكذا نظام استبدادي يتجه بالبلاد من جهة اليسار الى اليمين بدون دراسة او اخذ رأي الشعب،ومنذ ذلك التغيير ومصر تتربع على قائمة الدول الاكثر فسادا نتيجة لانتشاره على نطاق واسع في جميع اجهزة الدولة.
واخذت تلك الحالة تخف قليلا بعد اغتيال السادات عام 1981 حيث اخذ النظام يسير بخطى اكثر بطئا في قراراته المصيرية،حتى بداية عقد التسعينات حيث اخذت الحالة ترجع الى عهد السبعينات في ازدياد الفساد ونشوء طبقات طفيلية ثرية تستغل حالات الفساد في الدولة في بناء كيانها الاقتصادي الغير منتج بالتأكيد،ولم يصاحب ذلك اي تغير في تحسن الحالة الاقتصادية للغالبية العظمى،ومازالت لحد الان مصر مدرجة في اسفل القائمة في اغلبية التصنيفات الاقتصادية والاجتماعية،حتى انها مدرجة خلف دول كثيرة يقل عدد سكانها عن مصر في التصدير والاستيراد وكمية ونوعية الخدمات الاجتماعية والتعليمية والتكنولوجية وغيرها،ولا اظن ان نمو اقتصادي كبير ممكن ان يحدث في ظل ظروف مصر الراهنة حيث يصل الادخار المالي الى ما دون 10% من دخل الفرد بينما يزيد في سنغافورة على 52% او في الصين على 40%.

ليست هناك تعليقات: