إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/02/16

اسطورة التغيير الفوقي- القسم التاسع

النخب المثقفة المسايرة للحكم المستبد هي لا تختلف عنه سوى بأمتلاكها للادوات المعرفية،ولذلك فهي جزء هام من تركيبتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية،ومن الصعب جدا الفصل بينها وبين بقية شرائح الطبقات العليا الفوقية،وهذه الشريحة التي تكون كبيرة في بعض الاحيان،تشبعت بقيم الفساد والطغيان ولذلك يصعب عليها في حالة توليها الحكم ان تقوم بعملية تغيير فوقية شاملة،وحتى لوحاولت بمختلف الوسائل المتاحة،فأن نصيبها في البقاء في سدة الحكم سوف يكون ضئيلا والنهاية حتما مأساوية! بقية الشرائح الفوقية العليا والتي تجد مصالحها في خطر محدق سوف تلجأ الى ادواتها القمعية المعروفة بأجرامها والتي تعمل في خدمة من يدفع لها...اليست النظم المستبدة هي خير من يدفع لها ويمنح لها كافة الامتيازات نظير خدمتها؟!...
امتلاك تلك الشريحة الى الوسائل المعرفية لايمنعها في استخدام الوسائل الهمجية غير المشروعة في حكمها في حالة استيلائها عليه،والتاريخ يحفظ لنا اسماء الكثيرين من هؤلاء الذين تحولوا الى حكام مستبدين بنسخ مطورة،ولنا امثلة في النظم الشيوعية الشمولية مثل ماوتسي تونغ في الصين وكيم ايل سونغ في كوريا الشمالية كذلك في امريكا اللاتينية والتي انتشرت فيها الديكتاتورية الممزوجة بالفساد احيانا وفي كلا النظامين الاشتراكي والرأسمالي مثل فيديل كاسترو في كوبا واريستيد في هاييتي وفي العالم العربي مثل سوريا خلال فترة الستينات واليمن الجنوبي.
ان من يتشبع عقله بالافكار السوداوية في الحكم المستبد،كما تتلوث يديه بملذات ذلك الحكم،يكون عليه من الصعب تطهير نفسه،ولذلك لافائدة مرجوة من صاحب علم لم يمنعه علمه في خدمة جهلة مستبدين،ولذلك فأن الحديث الشهير القائل،اذا وجدت العلماء على ابواب الملوك فقل بئس العلماء وبئس الملوك،واذا وجدت الملوك على ابواب العلماء فقل نعم العلماء ونعم الملوك،هو في تقديري حديث صحيح وذو دلالة رمزية عميقة يحتاج كل صاحب عقل ومنطق الى التفكر فيه واستخلاص معانيه القيمة،وهو ينطبق على كل صاحب علم او فكر،ولذلك اشد الخطورة ان ينسلخ هؤلاء من انسانيتهم الممزوجة بمختلف انواع العلوم والاداب،ليتحولوا الى عبيد للسلاطين الجهال،وبذلك يكون تجردهم وبالا عليهم في المستقبل لو اصبحوا في مقام السلطان،وبهذه النتيجة نستنتج ان وضع الامال على هؤلاء لتحريرهم من الطغيان واقامة حكومة العدل والديمقراطية،هو خرافة اسطورية سخيفة لاقيمة لها،انما يقيم تلك الحكومة العادلة من ناضل في سبيل تشييدها وبذلك اقصى مالديه لخدمة مبادئه وقيمه دونما التنازل عنها في اية لحظة.
يصعب على المرء نسيان وجود وجوه النخب المثقفة في مراكزها المختلفة ولفترات طويلة،ثم يمنحها بعد ذلك البيعة في الحكم الجديد،ورغم غياب الوعي لدى عدد كبير من الناس في الاختيار الحر الا ان ذلك يبقى دون مستوى الاغلبية،كذلك ان نسبة محاولة النخب المثقفة للوثوب على السلطة يبقى ضعيفا اذا لم يكن بمساعدة قوة عسكرية او حزبية،داخلية او خارجية،ولذلك تبقى فرصتهم هي بعد سيطرة النخب الجديدة على الحكم،وانتظار ما تسفر عنه نتائجه.
من الشرائح المهمة في الطبقات الفوقية للمجتمع ،هي العوائل الحاكمة ،والتفكير في حصول تغيير عن طريق تلك الشريحة الفوقية يعتبر من الضحالة والاستخفاف بعقول الاخرين في مجرد الدعوة اليه لكون تلك الشريحة الفوقية هي الابعد عن كل طبقات المجتمع رغبة حقيقية في احداث تغيير فعلي وجذري في المنظومة السياسية والاجتماعية للبلاد،والاسر الحاكمة هي التي تحكم البلاد من خلال قانون الوراثة الطبيعية،ولكن نظرا لاتساع عدد افراد تلك العوائل وجد فيما بينها الكثير من الخلافات التي قد تؤدي الى الصراع الدموي على الحكم،وهذا نتيجة طبيعية بالفعل لان اختلاف الميول والاهواء بين البشر جميعا لامحالة ولا يقتصر على شريحة دون سواها،ولذلك فأن هنالك الكثير من الناس وعلى مدار التاريخ يأمل نتيجة لسوء الاحوال السياسية او الاقتصادية مثلا بأن يتولى الحكم سواء بصورة طبيعية في حالة وفاة الحاكم مثلا او بطريقة اخرى قد تكون عنيفة او سلمية بواسطة اي شخص من افراد الاسر الحاكمة كي يقود التغيير نحو الافضل،وبالفعل ان اليأس يولد مثل هذا التفكيرالذي قد يكون في بعض الاحيان منطقيا او واقعيا ولكن الذي يفسر الامور وفق منظور عقلاني بعيد عن العواطف والاهواء والتأثر بالظروف الغير ملائمة يجد ان الاسر الحاكمة لاتولد مصلحين اطلاقا واذا كان هنالك البعض على مدار التاريخ فهو في حالة الشذوذ النادر الذي لا يعتنى به! وحتى في حالة وجود مثل تلك الحالات فأن المصير يبقى مجهولا بحيث يتربص به المتضررون في مثل حالة الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز الذي توفي في ظروف غامضة بعد سنتين فقط من توليه الخلافة وكذلك آخرون في الخلافة العباسية حاولوا بصيغة او بأخرى العمل في تغيير الاوضاع السيئة نحو الافضل.
الفرد الذي يولد ويعيش في اجواء تختلف كثيرا عن واقع الطبقات الدنيا في المجتمع يصعب عليه ان يتفهم آلام ومشاكل وطموحات تلك الطبقات،ولذلك يكون بعيدا كل البعد في عقله وجسده عنهم،وحتى لو نظر اليهم برغبة في التعرف عليهم ومساعدتهم،فأنه يكون بمنظار الاسرة الحاكمة وليس بمنظار مواطن عادي،لان عقله الباطني هو الذي يسيره ويتحكم في الكثير من اعماله،وكذلك دور التربية الاجتماعية التي تكون في الغالب غير مختلطة مع طبقات ادنى من المجتمع بل محصورة في نطاق ضيق من العوائل الثرية او المسيطرة على الامور في البلاد،ولهذه الاسباب واسباب اخرى كثيرة،لا ينظر البسطاء من ابناء الشعب نحو افراد العوائل الحاكمة بشيء من الحب والاحترام النابع من الذات وبصدق ،بل يكون صادرا من كون تلك العوائل هي المالكة لكل شيء وبذلك يجب التودد لها او على الاقل عدم الوقوف بوجهها للحفاظ على الوجود البشري او حفظ المستقبل من التأثر بذلك ،وفي الحالتين،يكون الخوف من المجهول واردا في كل الاوقات.
الحواشي هنا لها دور رئيسي في الحفاظ على علاقة بعيدة بين العوائل الحاكمة وبقية ابناء الشعب البسطاء او الذين يعيشون بعيدا عن الحكم والصراعات المغلقة عليه،وفي الغالب تتألف الحواشي من متزلفين ومنافقين يجدون في ذلك مصلحة لهم وهم على الاغلب ضعاف الشخصية والاستقلالية الممزوجة بالكرامة،ولكن مع ذلك لا تخلوا الحواشي من ناس نزهاء واشراف ولكن يبقى في حكم الشواذ،والسواد السائد في النظر الى الحواشي هو الفساد بعينه.
تتألف طبقة الحواشي من كل الشرائح الفوقية للمجتمع،ونعني بذلك ان من افراد الحواشي قد يكون ضابطا في الجيش يعطي صورة غير واقعية للسلطة الحاكمة عما يجري في القوات المسلحة من امور واضطرابات قد تحدث،بحيث يصور له ان الامور تحت السيطرة وان الولاء يكون دائما للسلطة التي تمنح تلك الذراع العسكرية لها كل الامكانات المادية حتى تكون المساند الاول لها في وجه الاعداء في الداخل والخارج،بل حتى احيانا تكون امكانات الدولة ضعيفة جدا،ولكن نجد ان تصوير الحواشي من قادة العسكر وعيون السلطة في تلك القوات يكون من الخطورة بمكان ان ذلك يؤدي الى تدهور الاوضاع والى سقوط السلطة الحاكمة ومعها يأتي سقوط تلك الحواشي التي زينت لها اعمالها الخاطئة،وقد حدث ذلك كثيرا في التاريخ وادت نتائجه الى كوارث على السلطات الحاكمة مما يستدعي دائما التنبه الى خطورة الحواشي العسكرية لانها تتحكم في المفصل الرئيسي في وجود الدولة،وفي تقديري ان اهم وسيلة لكبح جماح الحواشي سواء العسكرية او المدنية هي وجود السلطة الرابعة(الصحافة)والمعنى الشامل لها هو وسائل الاعلام المختلفة،فعن طريقها يمكن معرفة الحقائق الغامضة والمخفية عن رؤوس السلطة الحاكمة مما يستدعي عليها معالجتها قبل استفحال امرها.
والغريب في الامر ان معظم النظم المستبدة تبدو غبية ولا تتعلم من اخطاء النظم السابقة لها ،وذلك من خلال الاتفاق على محاربة السلطة الرابعة بشتى الوسائل الممكنة وتحجيمها الى ابعد الحدود ،مع ان الواقع يفرض عليها رعايتها الى ابعد الحدود بغية كشف الحقائق المجهولة وبالتالي معالجتها بروية في بداية ظهورها على الساحة بدلا من الاتكال على تقارير الحواشي التي تكون بعيدة عن الواقع وبالتالي لاينفع معها ساعة الندم عند حصول الكارثة، ويحضرني هنا مثالين أليمين في عصرنا الحديث(والامثلة كثيرة في التاريخ ولكن تحتاج التأمل واستنتاج الاراء واستخلاص العبر والدروس!).

ليست هناك تعليقات: