إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/02/04

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثالث

اسطورة التغيير الفوقي:
من خلال دراسة المراحل التاريخية لتطور البشرية وخاصة خلال الالفي سنة الماضية يمكن اعتبار ان عملية التغيير سواء الفوقي او التحتي هي من الوسائل الهامة لتطور البشرية رغم ما يصاحبها من عمليات عنف وفساد يفوق حجم ما كان سابقها في بعض الاحيان،الا انها الوسيلة الوحيدة لكسر حالة الجمود والسكون التي تصاحب عادة انظمة الحكم بعد استقرارها.
والاختلاف بين البشر هي صفة سائدة منذ بدء الخليقة ولحد الان وسوف تبقى لغاية نهاية هذا العالم ! ومن المستحيل بمكان ان يتم جمع البشر في بوتقة واحدة متجانسة من جميع الجوانب،ولكن يمكن الجمع بينهم بصورة غير مركزية،بمعنى احتفاظ الدول او الاقاليم او المجموعات الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية بكافة خصائصها المميزة لها عن الاخر،وبذلك يمكن تجنب الحروب والنزاعات التي تجعل العالم يدور في حلقة مفرغة من الصراع والتمزق.
عملية تكوين السلطة الحاكمة في اي بلد،يخضع لعملية معقدة من النمو والتي يصاحبها في الغالب تغييرات جذرية من خلال استخدام القوة والقسوة مع الخصوم،لان العادة يكون البشر متشددين في قبول تحكم افراد او جماعات جديدة.
عملية تكوين الدولة يكون في حالة الملكية وهو النوع السائد خلال التاريخ،والذي بدأ بالانحسار والتقلص الى ابعد الحدود الان،او في حالة النوع الثاني(الجمهوري)والذي اخذ يتطور من اشكال بدائية الى معقدة ومتطورة واخذ يسود في العالم كونه الوجه السياسي لحالة الحرية والمساواة التي تدعو اليها مختلف العقائد والافكار.
من المعروف ان عملية تكون الدولة تحتاج الى مجموعة بشرية ترتبط فيما بينها بعدة عوامل دالة لها وفي مقدمتها اللغة والدين والعرق والمصالح المشتركة وغيرها وكذلك ارض للاستيطان فيها لممارسة حياتها الطبيعية،ومن خلال ذلك يمكن قراءة تطور الدولة الى مراحل اكبر من ناحية الكم والكيف.
عملية تأسيس الدولة قد لا يحتاج الى فترة زمنية طويلة،ولكن عملية استقرارها وتكون الطبقات الحاكمة فيها يحتاج الى فترات زمنية اطول بحيث تصبح متجانسة اكثر من غيرها من طبقات المجتمع الاخرى،ونظرا لتوسع الدول في المساحة والسكان فقد اصبح من المستحيل اشراك كافة طبقات المجتمع في الحكم،بل لابد ان يكون هنالك طبقة حاكمة ناشئة من خلال سيطرة طويلة على الحكم.
الطبقة الحاكمة لا يمكن ان نحصرها بصنف واحد معين من البشر له خصائص متمايزة عن الاخرين،بل هي مكون اجتماعي معقد يجمع فيما بينه السلطة بما فيها من لذة وحب التملك والسيطرة وسهولة الحياة.
نشوء الدولة كان في البداية لغرض حماية المجموعة البشرية الواحدة من هجمات المجموعات الاخرى،وكذلك لغرض ادارة الامور الحياتية للمجتمع الصغير حينها،ولكن التطور الافقي والعمودي في الدولة ادى الى تعقيدات اكثر في ادارتها الذي يحتاج الى عدد اكبر من العاملين فيها،ولكن الخروج عن غرض بناء الدولة الرئيسي بدء من خلال الاستفادة من مزايا صلاحيات منصب الحاكم والمناصب الاخرى التي تليه،وبذلك اصبح التنافس البشري الذي من ابرز صفاته حب التملك والسيطرة والعيش في ملذات الحياة الاخرى،هو السائد للسيطرة على الحكم(بأعتباره اعظم هدف لتحقيق الغايات) وبما ان ذلك كان يتم في الغالب بممارسة العنف والقوة والمكر والخداع،فأن النظم الناشئة تحولت الى هدف بحد ذاته وليس وسيلة لتحقيق الاهداف الاصلية التي انشأت من اجلها.
الطبقة الحاكمة تتكون من مجموعة متباينة من البشر ينتمون الى مختلف الاتجاهات المكونة للمجتمع،ويشكلون الجهاز التشريعي والتنفيذي والقضائي للدولة،وبذلك يكون حجم تلك الطبقة كبيرا وحسب حجم الدولة وآيديولوجيتها الفكرية والتي تكون كبيرة الحجم في الاتجاهات الاشتراكية وضئيلة الحجم في الاتجاهات الرأسمالية.
وكلما اتجهنا نحو اسفل السلم الهرمي للترتيب في الطبقات الحاكمة كلما زاد اتساع حجم الاختلاف فيما بينها نظرا لبعدها عن مركز السلطة،والعكس صحيح ايضا،وبالتالي تكون العلاقة طردية في هذه الحالة.
وايضا كلما اتجهنا نحو اسفل السلم الهرمي زاد حجم الطبقة من خلال صغر المناصب،بينما كلما اتجهنا نحو اعلى السلم الهرمي،قل حجم الطبقة نظرا لكون المناصب الاكبر حجما تكون قليلة العدد،وبالتالي تكون العلاقة هنا عكسية.
بمعنى اكثر اختصارا يكون السير في المؤشر من الاعلى الى الاسفل هو اتساع الكم ولكن يكون متلازما لصغر وضيق الكيف.
الطبقات الفوقية للمجتمع هي التي تقوده سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبالتالي تكون مشتركة في عدد من القيم الجماعية تختلف بكثير عن طبقات المجتمع الدنيا التي تمثل الاغلبية وتكون مستبعدة كليا من المشاركة في القرار السياسي او في ادارة امور البلاد المختلفة،وتكون في نفس الوقت مشغولة في همومها المعيشية اليومية مما يجعل من الصعب عليها التفكير بما هو ابعد من مستوى طموحها،ولكن للقاعدة شواذ كون الطبقات السفلى من المجتمع هي المنتجة والمزودة بالعنصر البشري للطبقات الحاكمة التي تحتاج بين فترة واخرى الى دماء جديدة في شراينها تجدد به حيويتها وحسب الظروف.
ليس كل من يعمل في الدولة يعتبر هو من الطبقات الحاكمة ومسؤول عن تصرفاتها،بل هنالك الكثير من العاملين هم في عداد الطبقات الدنيا من المجتمع وخاصة الذين يعملون في اعمال هامشية لا قيمة لها في نظر الجميع،اما البقية فهم يكونوا على دراية كبيرة بالوضع المحلي والدولي ولكن ينقصهم التنظيم والنفوذ والقدرة المالية والتسليحية.
وفي المقابل ايضا هنالك عدد من الغير عاملين في الدولة ومحسوبون على خارجها ولكن ينتسبون للدولة بحكم عملهم ونفوذهم الذي يكون مصحوبا عادة بقوة الثراء المادي والسطوة الاجتماعية،مما يجعلهم يشتركون من الطبقة الحاكمة بكثير من الامور المصيرية وبالتالي يمكن حسابهم على الدولة وان كانوا في خارجها التنظيمي.
هناك بعض الطبقات الاجتماعية التي تنتسب بحكم طبيعة عملها الى الطرفين ولكن من خلال الاتجاهات يمكن حساب تواجدها في الكتل العليا او السفلى،ومن ابرز الامثلة على ذلك هو النخب الثقافية المختلفة الاتجاهات،والتي حسب نظرتها للسلطة وادواتها تكون عملية تصنيفها،فكم من شاعر او اديب يعيش عيشة الكفاف ومجهولا لغالبية الناس ولكن ينتسب للطبقات الدنيا،بينما هنالك عدد اخر ارتضى لنفسه عيشة الرغد تحت جناح الدولة حتى لو على حساب مبادئه.
هنالك طبقات تنتسب للدولة ولكن غالبية افرادها يعيشون عيشة الكفاف الا من كان ذو درجة عليا فيها. وابرز مثال على ذلك العاملون في اجهزة الدولة العسكرية والامنية،والذين يحملون السلاح والسوط بوجه اعداء الدولة من الداخل والخارج.
وحتى لو كان قلوب هؤلاء مع بقية طبقات الشعب الدنيا الا ان سيوفهم تبقى مشرعة عليه للحفاظ على هيبة الدولة في الداخل ووجودها في الخارطة الدولية،وبالتالي اي اخراج لهذه الطبقة المسلحة قانونيا من كيان الدولة هو خرافة لا قيمة لها،لان المبادئ والاسس التي تربى هؤلاء عليها تجعلهم يمنحون النظام الدعم والحماية مقابل الاستمرار في الصرف المعيشي والهبات عليها من خزينة الدولة العامة!،كذلك طبيعة عمل هؤلاء هي وفق انضباط عسكري ترابطي متشدد لايسمح للغالبية العظمى من منتسبيه ابداء حرية الرأي والحركة الا في حدود ضيقة جدا،ولذلك نرى اغلبية الانقلابات العسكرية الناجحة هي من خلال الخضوع للاوامر العليا مع استخدام الاسلحة الفتاكة مع الدقة والسرية في العمل.

ليست هناك تعليقات: