إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/02/12

الثورة الرابعة:ثلاث عقود

الثورة الرابعة:ثلاث عقود
ثلاث عقود من الزمن مرت على انتصار الثورة الايرانية(11\2\1979) وهي اخر ثورة عالمية التأثير حدثت في العالم،ومازال تأثيرها مستمرا مثل اخواتها الثورات الثلاث السابقة التي حدثت في التاريخ المعاصر،وهن بحق يحملن اسم الثورة الذي لايطلق جزافا على كل من هب ودب من الانقلابات والتمردات والثورات الصغيرة المحصورة في نطاق محلي،بل هي ثورات عالمية عظمى رغم الاختلاف الظاهر فيما بينها ورغم اختلاف الاراء حولها ولكن تبقى مبادئ تلك الثورات عالمية الهدف ولجميع الامم والشعوب.
الثورات الاربع:
يطلق مصطلح الثورات الاربع على الثورات الكبرى في التاريخ المعاصر والتي نجحت بالفعل في بناء دولة جديدة تقوم على مبادئ انسانية عامة،وشمل تأثيرها خارج الحدود الدولية لها ومازال تأثيرها باقيا من خلال مبادئها السامية او من خلال الدول التي تحمل تلك المبادئ.
الثورة الاولى: هي الثورة الامريكية والتي انتصرت على الاستعمار البريطاني عام 1776،وبالرغم من انها كانت ثورة استقلالية،الا انها كانت ثورة كبرى حملت مبادئ الانسانية السامية في الحرية والاستقلال ورفض العبودية والاستعمار،ومازالت الدولة التي تأسست من ورائها وهي الولايات المتحدة تفتخر بالانتساب اليها وحمل افكارها الرئيسية،ومحاولة نشرها في بلاد العالم المختلفة والتي نجحت في نشر مبادئها في اوروبا واليابان وعدد آخر من البلدان.
لكن تأثير هذه الثورة ضعف بعد انتصارها بسبب اقتصارها على الامريكيتين الشمالية والجنوبية،والعزلة التي فرضت عليها ضمن مبدأ منرو عام 1823 والتي ابعدت الولايات المتحدة عن الساحة الدولية اكثر من قرن من الزمن،بنت خلالها اقوى قوة اقتصادية في العالم والتي اسست بعد ذلك لاقوى قوة سياسية وعسكرية.
الثورة الثانية: وهي الثورة الفرنسية والتي انتصرت في عام 1789،ضد الطغيان الملوكي فيها والذي كان قد وصل اقصى مداه،وحملت مبادئ الانسانية الخالدة في الحرية والعدالة والمساواة،والتي ترجمت على ارض الواقع في فرنسا،وبعد ذلك في خارج حدودها من خلال الحروب التي نشبت مع الممالك المجاورة بغية تحرير شعوبها من الاستبداد،نظرا لانها تحمل مبادئ وقيم يجمع البشر عليها.
ورغم تكالب الامم عليها في محاولة للقضاء عليها في مهدها بعد ان اسست دولة كبرى،الان ان تلك المبادئ لم تمت ابدا،بل رجعت بمرور الزمن واصبحت الامة الفرنسية تفتخر بالانتساب اليها ومحاولة نشر مبادئها بكافة الوسائل السلمية في العالم اجمع،واصبح لتلك الثورة تراث ضخم من خلال انتشار الافكار التحريرية والمعرفية في مختلف انحاء العالم.
الثورة الثالثة:هي الثورة الروسية والتي انتصرت عام 1917 ضد الطغيان القيصري وماتلاه من فوضوية دعاة الحرب والرأسمالية.
وهذه الثورة حملت مبادئ الماركسية الرئيسية بغية تحرير الانسان من العبودية الاقتصادية بالدرجة الاولى ومن ثم الاجتماعية والسياسية،وهي مبادئ يكاد يجمع البشر عليها ولكن تختلف الطرق للوصول اليها.
وكسابقيها بدأت في تجاوز الحدود الدولية المرسومة والتي هي اساسا ليست من صنع الطبيعة ولكن من صنع الانسان،مما ادى الى تكالب القوى الكبرى لمحاربتها ومحاصرتها في مهدها حتى لا تؤدي الى انهيار نظمها او محاولة كبح جماحها حتى لاتؤدي الى مشاكل لهم كما فعلت الثورتين السابقتين.
انحرفت هذه الثورة عن مبادئها وقيمها بشدة بعد السيطرة الستالينية عليها،ولم تستطع التخلص من تلك القيود التي جعلتها مكروهة من قبل الكثيرين رغم انها وصلت من خلال مبادئها الى حكم اكثر من نصف العالم،واصبحت دوله المختلفة قوية اقتصاديا وعسكريا الا انها اهملت الجانب الفردي من خلال تقييد حرية الانسان الى ابعد حدود لغرض منحها لخدمة الصالح العام،مما ادى الى انهيار معظم الانظمة التي حملت رايتها وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي بعد عام 1989-1991.
ولكن مبادئ وقيم تلك الثورة مازالت موجودة،ومازال عدد كبير يسعى الى تحقيقها،ولم ينتصر الغرب الا بعد الاستفادة من بعض مبادئها وخاصة في العدالة الاجتماعية ومنح حقوق العاملين والاقليات وانهاء الاستعمار.
الثورة الرابعة: وهي الثورة الاسلامية الايرانية والتي انتصرت قبل ثلاث عقود من الزمن على اعتى ديكتاتورية في الشرق الاوسط، وحملت معها مبادئ الدين الاسلامي الرئيسية واسست من خلالها دولة حملت راية مبادئها.
وبالنظر لعالمية تلك المبادئ والاهداف،فكان من الطبيعي ان تؤثر في مختلف البقاع في العالم وخاصة المجاورة لايران،وبذلك اصبح شبح الثورة وانتشار تلك الافكار التحريرية يقلق الغرب والانظمة العربية الموالية كما فعلت الثورات الثلاث الكبرى السابقة،مما ادى الى تحريكهم معتوه مستبد لمحاربتها بغية القضاء عليها ودعمه بكل الوسائل المتاحة لديهم.
الا ان تلك الثورة صمدت بوجه تلك القوى الدولية التي جمعت من اقصى اليسار الى اقصى اليمين بالرغم من الحرب والحصار المستمر عليها،واثارة الفتن المذهبية عليها،او اثارة القلاقل الداخلية وفق نظرية فرق تسد.
رغم ان الاخطاء التي حصلت في مسيرة الثورة الا انها مازالت تعتبر رمزا عالميا في التحرر من عبودية الانسان لاخيه الانسان،الى العبودية الخالصة لله تعالى،كذلك تعتبر ملهمة للكثيرين من خلال تصديها الشجاع لكل مظاهر الفساد والاستبداد الداخلية والخارجية.
منذ انتصار تلك الثورة في عام 1979 والعالم الاسلامي متأثر بها،ورغم الصراع المذهبي القاسي الذي اثير من خلال تحرك الغرب والانظمة الموالية له في العالم الاسلامي بغية تشويه صورتها العالمية وحصره في نطاق مذهبي ضيق، مما ادى الى سقوط عدد كبير من الضحايا واهدار الموارد المادية،الا ان تلك المبادئ تسللت حتى للمعادين لها وخاصة المنافسين لها مذهبيا من خلال حمل مبادئها الانسانية الرئيسية مما سبب اثارة الكثير من المشاكل للنظم المستبدة وحلفائها في الغرب.
الثورات الاربع الكبرى هذه ،باقية التأثير في العالم من خلال المبادئ الانسانية الجامعة لمختلف البشر،وبالرغم من الحروب والنزاعات التي حصلت حولها الا انها تبقى محطات كبرى في التاريخ العالمي،وسبب رئيسي في تحسن الاوضاع في مختلف انحاء العالم من خلال انتقال تطبيقات مبادئها العامة السامية.

ليست هناك تعليقات: