إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/01/25

لو كان الوردي معمما

لو كان الوردي معمما:
من خلال تصفحي لاوراق كتاب وعاظ السلاطين وهو كتاب شهير ألف عام 1954 لمؤلفه رائد علم الاجتماع في العالم العربي الدكتور علي الوردي(1913-1995)...قرأت عبارة:ولو كنت من ارباب العمائم لافتيت بأعتبار التصويت واجبا دينيا،ولجعلت التقاعس عنه ذنبا لايغتفر.(ص108)
قالها بعد تدرج سلس في البحث عن صيغة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،وكذلك عن حالة الخلاف والتنازع في الامم.
قال الوردي تلك العبارة في وقت اهمل رجال الدين والمفكرين الاخرين لاهمية الانتخاب الحر وما تؤديه من نتيجة بالغة الاهمية في تطور الامم والشعوب،وبالتالي سبق عصره بنصف قرن تقريبا! ولو انصت العقلاء لتلك النصيحة الثمينة لوفرنا على شعوبنا البلاء الحالي من سيطرة الانظمة الاستبدادية في عالمنا العربي.
ان اصرار المرجعية الدينية العليا في العراق على الانتخاب الحر وان جاء من باب الحث المستمر على ادائه وترغيب الناس فيه باعتبار ان ذلك يكون في مصلحتهم،هو تطبيق لكلام الدكتور الوردي وهو دليل على مقدار النضج العالي لرجال الدين في المجال السياسي ورغبتهم في عدم تكرار الاخطاء الماضية التي أدت الى تسلق صعاليك على الحكم تحولوا الى طغاة عتاة بمرور الزمن،ورغم الظروف الصعبة التي صاحبت الانتخابات الاولى عام 2005 في العراق،فأن نتائج العمل السياسي لتلك الانتخابات السابقة تأثرت سلبا من خلال انتشار الارهاب والفساد الاداري،وبالتالي فأن تململ عدد كبير من الاوضاع المعيشية ورغبتهم في عدم المشاركة في الانتخابات القادمة هو غير صحيح بالمرة كونه ترك الساحة فارغة بيد الاشرار وبالتالي سوف تتكرر نفس المشكلة،ولهذا السبب فأن الدعاوى الاخيرة للمرجعية الدينية بضرورة المشاركة هو عين الصواب لحل كل مشاكل الامة وان كان بالتدريج.
وحسب تحليل الوردي فأن الامم تختار بين طريقي الجمود والخضوع او بين التطور الناشيء من الخلاف والتنازع،وبالتأكيد فأن الطريق الاول هو ضد تقدم البشرية نحو مستقبل زاهر،فلا يبقى سوى طريق الخلاف والتنازع الذي يؤدي الى التجديد والتغيير. وبما ان طريق الخلاف والتنازع ممكن ان يؤدي الى الفوضى ويؤدي الى تمزق الشعوب،فأن الحل الوحيد امام القوى المختلفة هو اتباع الحل السلمي لحل تلك الاشكالات والمتمثل في طريقة التصويت والانتخاب المباشر،وهي احدى اهم الوسائل في تقدير لتلافي حدوث الثورات والفتن مما يجنب الشعوب ويلات الصراع والاستبداد،ومن هنا تكمن اهمية الانتخاب الحر لاختيار الاصلح لتولي المسؤوليات المباشرة في قيادة الدولة والمجتمع.
رغم كل الدعاوى الفارغة بضرورة ترك الانتخاب وخاصة في رفع البعض لحجة الاحتلال،فأن اصرار المرجعيات الدينية والنخب المثقفة على ضرورة اجرائها جنب العراق الاستمرار في حلقة مفرغة من الفوضى الدموية والتي كان من الممكن ان تؤدي الى دكتاتورية جديدة فيه.
وعندما نرى الحالة الراهنة للوضع السياسي الجديد في العراق فأننا على يقين ان العلامة الوردي لو كان موجودا فأنه سوف يكون من اول المشاركين في الانتخابات ومن الداعمين لها بالرغم من بعض العيوب الموجودة في العملية السياسية والتي سوف تضعف وتزول بمرور الزمن.
المرجعيات الدينية في العالم العربي:
تسير الانتخابات في العالم العربي في طريقها الصحيح في عدد قليل من بلدانه وهي بالخصوص لبنان والكويت ثم على درجات اقل من الوضوح والموضوعية والتدخل الحكومي في البحرين والاردن والمغرب...اما بقية البلدان العربية فهي محرومة من الخوض في تلك العملية الحضارية والتي تؤدي الى تقدم الامم وصلاحها من خلال اختيار الاصلح لمهمة القيادة في الدولة والمجتمع.
لهذا السبب نرى مقدار حجم الفساد الناتج من سيطرة نخب عسكرية وحزبية وعشائرية على الحكم في الدول العربية وهو ناتج بالدرجة الاولى من عدم وجود نظام انتخابي فعال يضمن الحرية في الاختيار وفي التطبيق.
الغريب في الامر ان المرجعيات الدينية في العالم العربي لحد الان لم تستوعب ذلك الدرس الحضاري والذي كان العراق سباقا فيه منذ سقوط النظام البائد عام 2003 وكذلك المرجعيات الدينية في الكويت ولبنان،اما بقية المرجعيات الدينية في الدول العربية فهي تعيش في عالم اخر بعيدة عن طموحات الامة وشعوبها المستضعفة.
فالمؤسسة الدينية في السعودية تعيش في حالة وفاق تام مع الاسرة الحاكمة والتي تسيطر على السلطة بقوة وبالتالي فأن الدعوة لتلك العملية الحضارية هي ليست في فكر او دعوة تلك المؤسسة التي تخوض صراعات اخرى جانبية!.
واذا كان حال المجتمع في السعودية وبقية دول الخليج الاخرى محافظا الناتج من طبيعة المجتمع البدوي المتحول نحو المدنية خلال عقود قليلة من الزمن،فما بال دول اخرى لها تاريخ عريق في الحضارة او في العلوم الدينية من خلال تواجد المؤسسات الدينية التنويرية فيها،واذكر منها بالخصوص،مصر والمؤسسة العريقة فيه...الازهر،الذي فقد بريقه من خلال البقاء بعيدا عن السياسة والتدخل فيها وخاصة منذ العهد الناصري،ولذلك نجد ان الازهر لم يقم بأي دعوة لعمل انتخابات تنفيذية او تشريعية تحفظ للشعب حقوقه مما يجعله يعيش بعيدا عن تطلعات الامة واهدافها في الحرية والمساواة والعدالة،وهذا القول ينطبق ايضا على جامعة الزيتونة في تونس والقرويين في المغرب،ولذلك نجد ان تلك المؤسسات الدينية ليس فقط لم تستوعب الدرس الحضاري هذا فحسب،بل انها عزلت نفسها عن شعوبها والبقاء في حالة خوف او تردد او تبعية للسلطة الحاكمة مما يؤدي الى ظهور متطرفين حاقدين على الوضع السائد يقوموا بأعمال العنف والارهاب تجعل المجتمع لا ينتبه للمشكلة الاصلية المتمثلة بعدم وجود عملية انتخابية شرعية تجعل الجميع يشترك في بناء الوطن ومؤسساته الرسمية بحماس بدلا من العيش ضمن المجاميع اللامنتمية له والتي تبقى لامبالية لما يجري على ارض وطنها!.
الدعوة المفتوحة التي اطلقها المرحوم الوردي عام 1954 لم تجد لحد الان آنا صاغية في العديد من البلاد العربية وبالتالي سوف يبقى العالم العربي يعيش في دوامة من العنف والتخلف والجهل تنعكس على واقعه المآساوي...فهل من مجيب لتلك الدعوات الصادقة من جانب المؤسسات الدينية العربية؟!....

ليست هناك تعليقات: