إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/12/31

تعليق حول التبشير المهذب

وصلتني رسالة من احد الافاضل حول موضوع التبشير المهذب
وكانت تتعلق بمعجزة ميلاد النبي عيسى (ع) وللفائدة ادرجها هنا
قصّة ميلاد سيّدنا المسيح

(1)

قصّة ميلاد المسيح(ع) مظهر من مظاهر عظمة الله سبحانه، وعنوان توحيدي يضاف الى العناوين التوحيدية التي سبقته، وحلقة من حلقات الغيب.
فيد الغيب في كلّ هذه العناوين تظهر القدرة الالهية المهيمنة وتدفع بالانسان أن يرتبط بالمطلق.
فميلاده كان معجزة ودرسا ، معجزة بكلّ تفاصيله ، ودرسا تتلفاه الأجيال من خلال ايمانها بربّها .
ولقد رسّخت الديانات السماوية عبر أدبياتها الايمان بالمعجز وجعلت منه عمود خيمة الايمان بالله سبحانه.
ويجيء القرآن الكريم ينقل لنا سلاما من المسيح على نفسه حيث تجلّت فيه عظمة الرّب ( والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا)(1).
فولادة المسيح كانت غيبا ، وموته أي يوم أراد اليهود قتله فرفعه الله اليه كانت غيبا، ويوم يبعث فاءنّه مطوق بالسلام من الله، فالمراحل الثلاث مرّت كلّها بسلام محفوفة بالسّلام.

(2)

مشاعر فرح ورهبة

وتقف سيدتنا مريم(ع) على أبواب ولادة المسيح (ع) تغمرها مشاعر الفرح ، ويعلوها جلال القدرة الالهية ، وتحوطها العناية الربانية ، فكان الله لا سواه حاضرا وكفى بالله أنيسا ، ( واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا)(2). ففي مطلع النور وشروق الشمس سيشرق نور المسيح يبدّد الظلام ويطامن الحضن الذي أصبح موطن القدرة الربانية.
ويقترب الوقت وتحرص مريم على أن لا يراها أحد (فاتخذت من دونهم حجابا)(3) أي سترا لتعيش حالات القرب والتجلّي.
وترسل السماء مبعوثها ( الروح جبرائيل) فتمثّل لمريم بشرا ( فأرسلنا اليها روحنا فتمثّل لها بشرا سويا)(4) حسن الهيئة ، جميل الطلعة ، مشرق الوجه، تستريح اليه النفس، ويقبل عليه من رآه، ولكنّ مريم تعيش جمال الله ، واشراقة قدرته، وجميل عنايته ، فهي في شغل عن خلقه ( قالت انّي أعوذ بالرحمان منك ان كنت تقيا)(5).
فاستعاذت العذراء بالله ولا سوى الله من يلتجأ اليه في مثل هذه الحالات.
فالله الأمل ، والله الرحمة ، والله الحصن المنيع، وهو الملجأ والمأوى من كلّ أحد..

(3)

عطاءات الله

ويسارع الأمين جبرائيل في تعريف نفسه فقال( انّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاما زكيا)(5).
فأنا رسول من أنت يا مريم في رعايته وكنفه وهو الله ربّك، لأهب لك غلاما زكيا طاهرا مطهّرا نقيا معصوما من الأدناس والأرجاس، قد وهبه الله اليك .
وأدركت العذراء أنّه هبة من مسّبب الأسباب ، فما الذي يدعوها أن تسأل عن الأسباب؟.
سألت لأنّ جبرائيل قال لها( أنا رسول ربّك) وعطاءات الرّب عطاءات مادية ، واذا كانت مادية فلابدّ لها من أسباب مادية ، فلا يتمّ الحمل الاّ من خلال لقاء رجل باءمرأة ( قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا )(6).
وجربان هذه القضية من دون أسباب سيلاحق العذراء مريم بالتّهم الرخيصة، وهي تلك المرأة التي يضرب بها المثل في الطهر والشرف والعفّة .
ويتلاشى هذا التفكير أمام ما يقوم الله بالدفاع عنه ( قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمرا مقضيا )(7) .

(4)

آية للناس

يذكرهم بوجوده ( ع ) وبعد وجوده بأنّ يد القدرة الالهية تمتدّ لتخلقه وتخلق أشياء اخرى ، فالذي خلق آدم من غير أب ولا امّ فهو يخلق المسيح من غير أب .
ويرحم الله الخلق على أن لا يحيدوا عن طريقه سبحانه، وبهذا فآياته تتلى وتتوالى لتذكّر الانسان دوما بقدرته المطلقة.
وتتحرّك قدرة الله سبحانه بين كن فيكون( فنفخنا فيه من روحنا)(8) قاصبحت مريم تحمل في بطنها طفلا وقد آن لها أن تضعه ( فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا)(9).
ويتحول المشهد من كلام، واستغراب ، وحوار، الى واقع تواجهه مريم هو حمل ومخاض واستناد الى جذع النخلة ودعاء بالموت أي أنّ لقاء الله أحبّ اليها مما ستواجهه من كلام قومها المقذع.
فالواقع الذي تعيشه لا يحتمل مثل هذه الامور، فقد أمرضته الشكوك وأقعدته التمحلات.

(5)

ويأتي المسيح

وتنفجر الدّنيا عن مشرق جديد، ويتهلّل وجه البتول فرحا ، وتبسم السماء بمجيء رسولها المعجزة.
ويمتزج مع الابتهاج بالمولود الجديد ألم الولادة والتفكير بما تحتاجه المرأة ما يسدّ حاجتهافي الحال.
ويتعهد الوليد مسؤولية توجيه امّه الى ما يسدّ حاجتها من الغذاء والماء ( فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا، وهزّي اليك بجذع النخلة تسّاقط عليك رطبا جنيا ، فكلي واشربي وقرّي عينا فاءمّا ترين من البشر أحدا فقولي انّي نذرت للرحمان صوما فلن اكلّم اليوم انسيا )(10).
وينقل الوليد امّه الى رحاب القدرة التي لم تتركها لحظة و يتكلّم الوليد وهذه معجزة، ويخبرها أن جدولا يتدفق ماءا زلالا سيكون تحتها فهي بشارة.
ثمّ أراد لامّه أن تأخذ بالأسباب فتهزّ جذع النخلة فيسّاقط باءذن الله رطبا ناضجا.
ويضع الوليد أمام امّه خطّة عمل وهي اذا سألها قومها فتقول انّي نذرت للرحمان صوما فلن اكلّم اليوم أحدا من الناس، وهكذا كان.

(6)

وأتت به قومها تحمله

مشية الواثق من نفسه ، المطمئن من فعله ، بعد رحلة فيها دروس بليغة، تدخل مريم على قومها وهي تحمل وليدها ، وهو شأن كلّ من كانت معه براهينه، فكيف وهي تحمل الطفل المعجزة الذي كلّمها وهدّأ من روعها بعد نزوله من بطنها، فهو روح الله وحجّته.
واجهت مريم غضبة أهلها واستنكارهم حين رأوها تحمل طفلها وهي لم يعرف أن لها زوجا ( قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا، يا اخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت امّك بغيا)(11).
وليس لمريم حجّة وهي من دون شكّ مدانة ، فماذا كانت حجّتها؟ (فأشارت اليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا)(12).
( قال انّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيا والسلام عليّ يوم ولدت وبوم أموت ويوم ابعث حيا)(13).
فيعلن المسيح(ع) أنّه عبد الله ، وليس هو الله، ولا ابن الله ، ولا ثالث ثلاثة ، فقدّم العبودية التي هي نقطة المركز في شخصيته ، ثمّ ثنّى بالرسالة ومعه كتاب وفيه ما يحتاج الناس اليه من تشريع، وأن ما يجري على البشرية من أطوار الولادة والموت ثمّ البعث والنشور يجري عليه.
وبهذا المنطق الآسر والحجّة الأخّاذة دفع عن امّه التهمة وغائلة ما تواجه من عقوبة الرجم، ذلك أنّ حكم الزانية عند اليهود الرجم.

الهوامش
1- سورة مريم:15
2- نفسها: 16
3-نفسها: 17
4-نفسها :18
5-نفسها:19
6-نفسها: 20
7-نفسها: 21
8- سورة التحريم:21
9-سورة مريم:23
10-نفسها: 26
11-نفسها: 28
12-نفسها:29
13- نفسها:30


ليست هناك تعليقات: