إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/06/20

الوراثة السياسية

الوراثة السياسية
تمهيد:
الوراثة السياسية،موضوع شائك ومعقد،يحضى بتأييد الاقلية ومعارضة الاغلبية،وله جذور طويلة في التأريخ،وقد أثارني أختيار ابن رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بناظير بوتو،وهو مراهق لم يبلغ 19 عاما،زعيما لحزب الشعب الذي تتزعمه والدته،بعد تنازل والده له،بدون اجراء انتخابات داخلية،في حزب يدعو للديمقراطية وهو لايطبقهاعلى نفسه!!!.وهذا ما دعاني لكتابة هذا البحث المختصر بدون الاستعانة بمصادر خارجية،وهي محاولة لعرض موضوع الوراثة السياسية وتحليله،وتحريك همم الباحثين والدارسين للموضوع لبحث الامور التفصيلية،ثم ترك الحكم للناس باعتباره مؤثرا بالغا على حياتهم وطريقة معيشتهم ثم وهو الاهم مصادرة قرارهم السياسي وما يتبعه من تأثيرات جانبية قد تكون مدمرة للقرارات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
تعريف الوراثة السياسية:وهي عملية نقل السلطة السياسية من الاب الى أفراد عائلته في حالات الوفاة والعجز،ويكون النقل مدعوما بالسلطة المادية والمعنوية أو بالقاعدة الشعبية في حالتي الحكم أو المعارضة.

بدأ التوريث السياسي منذ بداية تأريخ البشرية،كجزء من التوريث بشكل عام،وكشيء طبيعي ان الانسان يميل الى افراد اسرته،الاقرب فالاقرب،باعتبارهم السند القوي في مقارعة الخصوم وادارة شؤون الحكم والاسرة.
ونظرا لعدم وجود التجربة الديمقراطية وانعدام الحريات العامة،فقد انتشر التوريث السياسي وأصبح شيئا طبيعيا،ولذلك من النادر أن نجد دولة تأريخية قديمة بنيت على أساس غير ملكي،واذا وجدت فأنها سوف تنهار باسرع من انهيار الممالك،لأن العلاقات الدولية كانت تدار باسلوب بدائي،يعتمد على القوة والعنف لتحقيق الاغراض المختلفة.
وفي التأريخ القديم وجدت بعض الدول القديمة،التي مارست الديمقراطية في الحكم(وان كانت باسلوب بدائي)في بلاد الاغريق وروما،الا انها تحولت في النهاية الى امبراطوريات استبدادية،أو انهارت بفعل الحروب الداخلية والخارجية التي تعتمد على الديكتاتورية والعنف،كأسلوب سهل في القيادة،والسيطرة على الشعور،فالانظمة الاستبدادية سهلة الحكم بعكس الانظمة الديمقراطية التي يصعب الحكم فيها،وذلك لصعوبة اتخاذ القرار بدون موافقة غالبية الاطراف،بينما من السهل اتخاذ القرارات التي تكون غالبا مدمرة في النظم المستبدة التي تميل الى العدوان والحروب بعكس الاولى التي تميل الى السلام والمحبة والتعاون مع الشعوب الاخرى.
تفاصيل نشوء وانحلال الدول في التأريخ موجودة في بطون ومتون الموسوعات والكتب التاريخية لمن أراد التوسع في الموضوع .
والبلاد الاسلامية كجزء من الشرق يمتاز عن بقية دول العالم بتمسك شديد بصيغة الوراثة السياسية،تصل حد الابادة الجماعية البشرية لشعوب بأكملها في سبيل السلطة والثروة والتوريث،في خلاف واضح وصريح لتعاليم الدين الاسلامي وبقية الاديان الاخرى،بل كجزء من الثقافة المتوارثة والتقاليد المنتشرة ،وأصبح التوريث جزء أساسي من الشخصية العربية أو المشرقية،التي تمتاز بالانضباط الشديد في الحياة والعلاقات الاجتماعية،والتمسك بتقاليد الاسرة الكبيرة التي تصل مستوى القبيلة وتفرعاتها،وهذا تنازل واضح وصريح للحريات الفردية،وما يتبع ذلك الرغبة العارمة في بناء أسرة كبيرة تتكون من عدد كبير من الزوجات والابناء،الذين ينشأون بدورهم وبسرعة أسر نووية صغيرة بوجود رأس الاسرة الكبير،وبالتالي تكون قيادة الاسرة اشبه بالسلطة الصغيرة التي تحتاج الى من يقودها وبطريقة أقرب الى الاستبداد لحمايتها من الداخل(التفكك الاسري) أو من الخارج،ويحتاج ذلك الى وريث للاسرة غالبا ما يكون الولد الاول أو مايتبعه بالتسلسل،ونادرا ما تكون احد البنات باعتبار ان الاولوية للولد في المجتمعات الشرقية.
تنشأ الممالك وليس الامم في التأريخ،وخاصة في الشرق،عن طريق القوة واستخدام القسوة المفرطة مع الخصوم ومن يمتلك القوة الكبرى بجانب العنف والقسوة والمادة تكون له الغلبة في النهاية،يتبع ذلك اقامة سلطة استبدادية دائمة التوجس والحذر من الخصوم،وتكون دائما مستعدة لابادة غالبية الشعب،نظير البقاء في الحكم وحكم أقلية منه.
من الخطأ الفادح الصاق تهمة الاستبداد بالشرق،والحرية في الغرب،فالنزعة الاستبدادية متاصلة بالبشر ككل،ولا يمكن ازالتها،من النفوس،ولكن يمكن تحجيمها وترويضها الى أدنى مستوى ممكن،في حالة ممارسة الديمقراطية والحرية في الحكم ولفترة طويلة،تعززها تقاليد عريقة في احترام الاخر وحريته الشخصية ومنهم الخصوم،وينشأ ذلك كله من التربية سواء في التعليم أو المجتمع منذ الصغر،وزرع نزعة التعايش وأحترام الاخر وكره العنف والعنصرية والاستعلاء وهو ضروري وهام لحماية الاجيال المستقبلية من نزعة التسلط والارهاب والعنف.
تاريخ الامم والملوك،سواء في الشرق أو الغرب،ضروري لدراسة التوريث السياسي من بدايته وهو شرط أولي لاستمرارية تلك الانظمة في عالم خال من الديمقراطية،الا ان ذلك يحتاج الى وقت و جهد كبيرين،ويمكن أختصارها بما وصل ألينا من بقايا الانظمة الحاكمة الحالية،والتقاليد المتوارثة الاسرية،فهي نتاج قيم لذلك التاريخ الدموي الارهابي الذي سيطر ومازال على العالم وبخاصة عالمنا العربي وما جاوره من بلدان أسلامية وشرقية.
معظم البلدان في العالم الاسلامي تأسست في القرن العشرين على اساس نظام ملكي متوارث،الا أن غالبيتها أزيل بفعل الثورات أوالانقلابات التي غالبا ما تكون دموية كرد فعل على ديكتاتورية وفساد الانظمة الملكية،الا ان دائرة العنف والقتل بدلا من أن تهبط،فانها واصلت ارتفاعها ووصلت الى حدود تفوق التصور البشري للابادة الجماعية وأمتهان الكرامة الانسانية،وتنشأ معها سلطات ظاهرها جمهوري،ولكن باطنها وسلوكها ملكي أو أكثر منه ملكية!!ويصاحب ذلك ظاهرة التوريث السياسي التي كانت منحصرة بالانظمة الملكية المتوارثة،ثم توسعت ظاهرة التوريث بالاتجاهين الحكومي والشعبي،وقد نشأ كل ذلك في ظل انخفاض مستوى الوعي السياسي والثقافي وغلبة نزعة الخوف،نتيجة عقود طويلة من الزمن بفعل الاستبداد والطغيان المدعوم خارجيا!نتيجة المصالح الدولية المتشابكة.
أصبح للاستبداد جذور قوية في الشخصية الفردية،بفعل التقادم الزمني،التي أصبحت تراقب نفسها بنفسها بفعل الارهاب والقمع الذي يفوق حد التصور،وما دام الحد الادنى لمتطلبات العيش هو الاستمرار بالحياة بأي ثمن،وهو السعر الذي تتمسك به الانظمة الاستبدادية فان كل شيء يهون ويرخص من أجل العيش حتى ولو بدون كرامة أو حرية.
تصنيف التوريث السياسي:


الامة
الشعب
النظام
طبقات الشعب
قوى سياسية
جمهوري
ملكي
ديمقراطي
استبدادي
ديمقراطي
استبدادي
موالية
معارضة

يعطي التصنيف السابق صورة مبسطة واجمالية لتقسيم الامم،كل الانظمة في العالم وفق التصنيف السابق ولكن بأسماء مختلفة،وينتج التوريث بشكل عام،والسياسي بشكل خاص،في كل التقسيمات السابقة.
ظاهرة التوريث بشكل عام منتشرة في كل بلاد العالم،أما السياسي منها فأقل أنتشارا،ولوحظ أنه في الدول المتقدمة تكون ضعيفة الانتشار،وأذا وجدت فهي محدودة الصلاحية،أو ذات فترة زمنية قصيرة بفعل عوامل عديدة أبرزها ممارسة الديمقراطية والحرية في الحكم ونظام المجتمع ككل،الذي يقدس الحرية الشخصية ويحترم المبادرات الفردية والالتزام بالقانون الذي يتساوى فيه الجميع.
ولذلك يكون تأثير تلك الظاهرة،اي ظاهرة التوريث السياسي ضعيفا في تلك البلدان،سواء في المسرح السياسي أو في المجالات الاخرى المتداخلة معه،الا أن التوريث الطبيعي في المجالات الاخرى كالمال والاعمال وغيرها مازال موجودا،وهذا شيء طبيعي لكل أنسان.
هناك تصنيف آخر للتوريث :الاول-مادي والثاني :معنوي
الاول تكون فيه الامور المادية(كالسلطة والمال والجاه)الاساس في التوريث وهو المنتشر على نطاق واسع،واساس دراستنا هذه في جزء منه،وهو التوريث السياسي.
أما القسم الثاني من التوريث،وهو المعنوي،فهو أقل انتشارا من الاول باعتبار ان التوريث تم على أساس غير مادي،كالثقافة والفكر والفن والادب والعلم والدين واللغة والصحافة وغيرها.
ولاحظت في القسم الثاني،أنه بعد مرور جيلين أو أكثر تبدأ سيرة الاسرة بالاضمحلال والاندثار،لعدم وجود وريث يكون بمستوى مؤسس الاسرة في الامور السالفة الذكر.
ومن النادر جدا أن يبرز في الاسرة من يفوق المؤسس في مادة بروزه،ولذلك يبني مجده على مجد صاحب الاسرة،وفي الغالب يكون مستواه دون مستوى الاول.
وعموما تلك الامور المعنوية يتم الحصول عليها بجهد وكفاح وصبر يفوق المعتاد بكثير،مع ذكاء بالغ،ومقدرة عقلية عالية يصعب على الفرد العادي الحصول عليها بسهولة ويسر،مما يجعل توريثها صعبا،بينما الامور المادية لاتحتاج عادة الى ذكاء وقدرة فوق الطبيعي،لاستلامها وأدارتها في ظل وجود عدد من الاعوان والمستشارين.
نجد في الغالب مايكون أفراد الاسرة في اختياراتهم لمستقبلهم،مختلفا عن أختيار وطريق نابغة الاسرة الاول،وأذا وجد من يخلفه،وهو نادر الحدوث،فأنه غالبا دون مستوى الاول،في ذكائه وعبقريته وشهرته تكون مبنية على الوراثة المعنوية،وبالتالي شيئا فشيئا تتدهور مكانة وسمعة الاسرة العلمية والادبية،وتنتهي ببروز الجيل الثالث،الذي يكون بعيد كل البعد عن توجهات وآراء وذكاء الجيل الاول،وطبعا للظاهرة شذوذ لايعتنى بها لقلتها.
لاحظت أن التوريث في الامور الدينية،وأعنى به دراسة الدين والمذهب،ومايتبعه ويترتب عليه من دراسات آخرى مصاحبة في اللغة والادب والفكر،وكذلك أدارة المقدسات والهيئات الدينية،أقول وجدت أن الاستمرارية أكبر على أعتبار أن دراسة الامور الدينية شيء مشاع بين الناس حيث عدد كبير يتجه في مجاله،صحيح انه ليس بالامر الهين ولكن أنتشاره يكون أكثر كما وكيفا،وبالتالي تنشأ أسر كبيرة الحجم تتوارث دراسة الدين والتعمق فيه،وما يصاحب ذلك من مكانة أجتماعية مميزة،قد تصبح سياسية وأقتصادية،مما يجعل لعملية التوارث حافز قوي للبقاء والاستمرار على نفس المنهج،يضاف الى الحافز الاقوى وهوالرغبة الذاتية لخدمة الدين والتعمق فيه،ويتسبب ذلك بالاضافة لامور أخرى نشوء طبقة رجال الدين التي تحظى بالاحترام من الجميع.
تتزعم طبقة رجال الدين مجموعة من الاسر الدينية المشهورة،والتي تبذل جهودا مضنية في الدراسة والبحث والمثابرة للحفاظ على مكانتها في المجتمع التي تصبح مهددة في حالة التهاون في بذل الجهود،وكلما كان حجم الاسرة كبيرا كلما ساعد أبناء الاسرة على وجود أفراد قادرين على الدراسة والمثابرة للحصول على أعلى الدرجات الدينية والعلمية للحفاظ على المكانة المستقبلية للاسرة.
وظاهرة الاسر الدينية موجودة في كل الاديان والمذاهب وفي جميع الملل والنحل،ولكن من خلال استطلاع بسيط في البلاد الاسلامية،نجدها تكبر وتتوسع في بلاد المشرق الاسلامي على بلاد المغرب الاسلامي.
وقد يعود ذلك الى أنتشار القبلية وقيمها الاجتماعية المتوارثة في المشرق أكثر من المغرب،ولا ننسى أن الكثير من أفراد القبائل في المشرق هاجروا الى شمال أفريقيا في فترة الفتوحات الاسلامية،ومنذ ذلك الحين يشكلون الاغلبية العربية فيها،ولكن بدون قوة القبلية الموجودة في المشرق(منبع القبائل والاديان والمذاهب). قد يعود ذلك لعدة أسباب،منها القرب من الغرب وشعوبه المتحررة من نزعة القبلية أو العلاقات الاجتماعية والتقاليد المتوارثة التي تختلف من بلد لأخر ومن أقليم لأخر.
التقسيم المذهبي:
هناك تقسيم آخر للتوارث الديني والسياسي من الناحية المذهبية،فمن خلال قراءة الماضي والحاضر نستطيع استنباط جملة من الملاحظات والتحليلات الهامة في هذا الموضوع.
ظاهرة التوريث موجودة في المذهبين الرئيسين في الاسلام،الشيعي والسني،كما في بقية المذاهب الاخرى ألا أنها في الجانب الشيعي أكبر حجما وأكثر اتساعا مع تطور في الكيف أيضا،على العكس من الجانب السني،الذي كانت منتشرة فيه،لكنها ضعفت كثيرا في العقود الاخيرة،الا أنها حافظت على مستواها العالي في شبه الجزيرة العربية عند المذاهب المختلفة وخاصة المذهب الحنبلي الذي يسمى أحيانا المذهب الوهابي وهم الاكثر تشددا في كل شئ ويوازي في الكم والكيف حجم الظاهرة في الجانب الشيعي.
ويعود السبب في ذلك الى التقاليد القبلية القوية المنتشرة والتي مازالت تتحكم وبقوة رغم المدنية والتطور الاقتصادي الناجم عن تدفق النفط بغزارة بالعلاقات الاجتماعية والقيم المتوارثة التي يعود معظمها الى البداوة وبيئة الصحراء القاسية مع عامل مهم آخر وهوالتحالف السياسي والديني القائم بين الاسر الحاكمة في الجزيرة والخليج،والاسر الدينية التي يبرز منها عدد كبير من رجال الدين وأكبر وأهم تحالف أسري معروف هو بين أسرة آل سعود(الحاكم السياسي)،وأسرة آل الشيخ(الحاكم الديني)،وهو تحالف قديم يحتاجه الطرفان لأستمرارية الحكم السياسي والديني في شبه الجزيرة العربية،والاسرتان من نوع الحجم الكبير جدا(آلآف الاعضاء)مع أمكانات مادية هائلة يؤمن لها نفوذ معنوي مميز ومستمر،ولهم تراث طويل من النفوذ والسيطرة(حوالي ثلاث قرون).
نعم تتواجد أسر أخرى ولكن بحجم ونفوذ أقل،وقد يبرز من هذه الاسر أحيانا علماء وباحثين يتفوقون على الاسر الحاكمة،الا انهم في النهاية يبقون في حماية النظام ورعايته ماداموا يؤيدونه في كل شئ ويدعمون مؤسسته الدينية.
وفي بلاد الشام الاربعة توجد ايضا أسر دينية متوارثة يسيطرون في الغالب على مناصب الافتاء والمساجد والهيئات الدينية ،ألا ان حجمهم ونفوذهم رغم قوته لكنه دون المستوى في الجزيرة والخليج.
في الجانب الشيعي وفي جميع البلدان الشيعية ومناطق تواجدهم تبرز المسألة بصورة أكبر وتأخذ أبعادا أكثر.
فالعوائل الدينية كثيرة،وأيضا كبيرة العدد أحيانا وتتوارث العلم والادب منذ فترات طويلة جدا قد تمتد الى قرون عديدة،
بل في بعضها يعود الى البدايات الاولى لتأسيس وانتشار المذهب الشيعي،لذلك نجد الكثير من الاسر الدينية تنتسب الى ذرية الامام على (ع) وأتباعه من الصحابة والتابعين والموالين بشدة له،وتسكن بصورة خاصة في المدن المقدسة وخاصة في العراق وايران،ثم بعد ذلك في مستوى الاهمية في بلاد الشام والخليج وشبه القارة الهندية.
يرتفع وينخفض عدد طلبة العلم والادب حسب أزدياد حجم الظلم والطغيان :أنخفاضا،وتحسن ظروف التسامح والحرية :أرتفاعا،وبالتالي تبرز أو تخبو ظاهرة الاسر الدينية المتنفذة.
مكانة تلك الاسر الدينية والاجتماعية،تبقى مهددة في ظل التنافس الحاصل على الزعامة الدينية والمكانة الاجتماعية للحصول على الدعم والتاييد الشعبي في ظل غياب التاييد الحكومي الذي يكون في الغالب اذا حصل يكون ذا مردود عكسي واضح،ويبقى الهدف الاسمى الحصول على اعلى المراتب الدينية والدرجات العلمية،مع سمو أخلاقي عالي هو الوسيلة الاقوى للبقاء والتواجد في الساحة.وأسماء تلك الاسر والبارزين فيها تزخر بها الموسوعات والكتب الشيعية المختلفة على مدار القرون الماضية.

التوريث الحكومي:
1-النظام الملكي:
لايمكن الحديث عن التوريث السياسي في الانظمة الملكية بأنواعها المتعددة لان الطبيعة الاساسية لتلك الانظمة تتطلب التوريث وهي أداة لاستمراريتها و رغم أنها عملية تبعث على الاستقرار السياسي ألا أنها غالبا ما تتسبب في صراعات احيانا تكون دموية من أجل الحكم والسيطرة عليه بين افراد الاسرة الحاكمة.
الحكم الملكي له مميزات وعيوب وأهم مميزاته الاستقرار السياسي،ومن عيوبه ديكتاتورية الاسرة الحاكمة وعدم احترام المال العام والطبقات المحكومة وغيرها،ويبقى الحل الامثل لهذا النوع من الانظمة هو جعل الاسرة الحاكمة رمزا للدولة،واعطاء الحكم الفعلي لمن ينتخبه الشعب وهو ما موجود في بعض الدول الغربية واليابان وغيرها حيث أثبت ذلك النوع نجاحه بالنسبة للانظمة الملكية،أما الديكتاتورية الملكية فقد أثبتت فشلها كما هو واضح في بلدان العالم الثالث.
أما التوريث السياسي في القوى السياسية الموالية والمعارضة في النظام الملكي،فقد لاحظت أن التوريث يزداد حتى يكاد ان يكون ظاهرة عامة في حالة الحكم الديكتاتوري والعكس صحيح يكون نادرا في النظام الديمقراطي كعلامة دالة على حرية الانتخابات التي تؤدي الى اختيار الافضل،وأفضل مثال على ذلك الدول الاوربية.
أمثلة كثيرة على النموذج الاول،غالبا ما يؤدي الى تقريب الاعوان وأسرهم وهم أحد أدوات النظام لقيادة الدولة،وهم بالتالي يكونوا قادرين على تشكيل أحزاب موالية وأحيانا معارضة،وغالبا ما تكون المعارضة ضد أشخاص وأحزاب في الدولة وليس ضد طبيعة النظام الاساسية،تنشأ من خلال ذلك عدد من الاسر المتحكمة القادرة على الحكم والمعارضة بنفس الوقت،ومن الامثلة على ذلك الحكم الملكي في العراق بين 1920-1958 ولمراجعة التفاصيل في اسماء وتكوين الاسر،يمكن مراجعة الكتب المتوفرة لتلك الحقبة الزمنية.
مثال آخر في مصر قبل الانقلاب العسكري عام 1952،وفي الاردن ،وايران زمن الحكم الشاهنشاهي بين 1925-1979،وبلاد أخرى كثيرة.
ترتبط تلك الاسر المتنفذة بالنظام وتنتهي في حالة سقوطه أو تغييره.
2-النظام الجمهوري:
أما التوريث السياسي في الانظمة الجمهورية،وهو الاهم في هذا البحث بنوعيها الديمقراطي والديكتاتوري،فهو يكتسب أهمية فائقة كون أن هذا التوارث يتعارض بصورة كلية مع طبيعة النظام وفلسفته المستندة على الخيار الشعبي في أبراز القادة الجدد وتسليمهم أمور البلاد والعباد،وبالتالي أي وسيلة للتوريث يصبح النظام فارغا من أي محتوى فكري أو قانوني يمنحه الشرعية للاستمرار في الحكم ويمنح الشرعية لكل الخارجين عليه والراغبين بالتغيير نحو الافضل.
في الانظمة الديمقراطية الجمهورية من النادر جدا حصول التوريث السياسي،لان عملية الانتخابات هي التي تحدد من سوف يخلف الرؤساء والنواب وهذه موجودة في الحكومة والمعارضة المتمثلة بالاحزاب والجمعيات وغيرها،وقد حصلت بالفعل بعض عمليات التوريث السياسي ولكن نادرة الحدوث وبصيغة الانتخابات وبالتالي تنتفي صفة التوريث الاعمى ذو الطابع الديكتاتوري الاسري،وأذكر هنا مثالا في اليونان ذلك البلد الديمقراطي العريق حيث تحكمه عائلتين منذ عدة عقود من الزمن وتتناوبان الحكم بالانتخابات والعائلتان هما باباندريو وكرامليس،والاولى تمثل اليسار!والاخرى تمثل اليمين،وبما أن حق الانتخاب والترشح حق مكفول للجميع ألا أن سيطرة العائلتين يعود الى القدرة المالية الهائلة والعلاقات المتداخلة في المجتمع والخارج والنفوذ السياسي والاجتماعي الهائل اللذان يتمتعان به بحيث يسهل عملية جذب الانصار والحفاظ عليهم،بالاضافة الى ارسال اولادهم في فترة مبكرة للعمل في مؤسسات الدولة للتدرب على دخول المعترك السياسي.وأيضا هناك بعض العوائل المتنفذة في الولايات المتحدة مثل عائلة كينيدي الشهيرة وعائلة بوش،ألا أن التوريث هنا رغم محدوديته فأنه يكون على فترات زمنية متباعدة بين أفراد الاسرة الواحدة تتخللها فترات حكم لافراد آخرون،ورغم محدوديتها فأن تأثيرها شبه معدوم خاصة في ظل تحديد مستوى الصلاحيات في الحكومة والمعارضة على حد سواء.
ومن أجمل الاشياء في التقاليد الديمقراطية هو تقديم المسؤول في الحكومة والمعارضة استقالته عند حدوث أي تقصير ليس منه فحسب وأنما من أفراد أسرته أومرؤوسيه سواء في شؤون العمل أو الاخلاق العامة والفساد وغيرها وهو نادر الحدوث في بلدان العالم الثالث ومنها العالم العربي.
التوريث السياسي في الانظمة الجمهورية الاستبدادية:
لقد أزداد في العقود الاخيرة حجم الاستبداد في العالم الثالث عموما والعالم العربي خصوصا كما وكيفا،وأستفاد الطغاة ومازالوا من الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي،ورغم أنتهائها فانهم واصلوا الحصول على دعم معسكر المنتصر وتحول أتباع معسكر المهزوم لهم،المهم هو الدعم!وليس الشعارات الجوفاء، وأصبح للاستبداد فنون عجيبة في حكم الشعوب وترويضها والسيطرة عليها لحكمها حسب رؤية ومصالح الفئة الحاكمة التي غالبا ما يختزلها شخص واحد،ووصل الاستبداد حدا تجاوز الحدود المعروفة في الاستهانة بالشعوب المحكومة،فوصل حد التوريث السياسي للابناء أوالاحفاد دون أخذ رأي المحكومين أو حتى الاتباع المخلصين الذين يجد البعض منهم القدرة والكفاءة للحلول محل الرئيس أو الزعيم،ولئن كانت لهذه المسألة أي التوريث السياسي جذورا ضاربة في التأريخ فأن انتشارها في العقود الاخيرة في ظل التقدم الكبير الذي أحرزته البشرية في التكنولوجيا وحقوق الانسان وانتشار مبادئ الحرية والديمقراطية يثير الغرابة والتعجب ودليل على وجود مناطق واسعة من العالم مازالت تعيش في ظل الاستبداد أو فقدان الوعي السياسي والثقافي لاختيار زعمائها وحكامها أو تمجيدهم بشكل يثير الشفقة والاشمئزاز بنفس الوقت!.
تعتبر حادثة توريث الخليفة الاموي معاوية لابنه يزيد البعيد كل البعد عن الدين أو السياسة عام 55 هجرية الموافق 675م المعروفة للجميع الاولى في التأريخ الاسلامي والدولة في حينها أشبه بالجمهورية في شكلها البدائي،ولكنها ليست الاولى في التأريخ الانساني،فهذه الحادثة تسببت بكوارث ومآسي للامة الاسلامية مازالت تعاني منها لحد الان،وفتح مجالا وبابا لتوريث الحكم لمن لا يستحقه وخلقت صناعة فريدة من نوعها جعلت العالم الاسلامي في تخلف شديد وأقصد بها صناعة الاستبداد وخرجت أجيال من الطواغيت من مختلف الاعمار والمذاهب والاديان والقوميات!تعتبر تلك الصناعة المصدر الاساسي لصادراتنا من المشاكل للعالم والتي تكاد تكون البضاعة الرئيسية للتصدير!.
لاشك أن التوريث السياسي في هذه الحالة سوف يتسبب بكوارث ومآسي لاحدود لها خاصة أذا علمنا أن المؤسس التطبيقي لهذه الفكرة وصل الى الحكم بدهاء وذكاء ودماء وعنف وغدر وخيانة وهو الاسلوب الذي درج عليه تلاميذ الاستبداد في العصر الحديث!وفي النهاية سوف يتم تسليم راية الاستبداد والحكم الى الابن الذي يكون مستلما لها بدون أدنى تعب ولا يحمل من القدرات والكفاءات التي تجعله قادرا على أدارة الدولة في أفضل وجه دون نسيان أن عائلة المستبد وأعوانه المقربين في الغالب تعيش عيشة مترفة بدون أدنى جهد مما يسبب عزوفهم الدائم عن الدراسة والعمل في صفوف المجتمع هذا في حالة قبولهم لمجتمعهم أما في حالة التعالي فأن الكارثة تكون أوسع والنتائج نكسات مستمرة،نعم أن ديمومة وأستمرارية الحكم شئ وبناء الدولة ومؤسساتها شئ آخر،لانه أذا كان الهدف هو البناء والتحديث فسوف يكون الحاكم أول من تتم الاطاحة به لانه وصل الى الحكم بطريقة غير ديمقراطية.
الملاحظة الهامة التي يجب الاشارة أليها هي أنه يشترك في هذه الصفة التيارات الشمولية الحاكمة من أقصى اليمين الى اليسار المتطرف والتي طالما أستلمت الحكم بذريعة الثورة على النظم الفاسدة التابعة للخارج والسارقة لمقدرات شعوبها الى غيرها من الاتهامات والشعارات المعروف في اللغة السياسية الدارجة،لا ننسى أنه لا يوجد في السياسة ملائكة وشياطين فالكل سواسية!ولكن الفرق في الاهواء والاعمال والاكاذيب!،تتحول بسرعة الانظمة الثورية الى أنظمة قمعية تفوق سابقتها بفعل الخبرة السابقة مضافا اليها الخبرة الثورية الجديدة!وتبدأ الثورة بأكل أبناءها في سباق دموي محموم نحو الحكم،وبعد الاستقرار النسبي في الحكم،لانه لا وجود لاستقرار مطلق في الانظمة الاستبدادية،الاستقرار والاستبداد نقيضان لا يجتمعان أبدا!،تبدأ بعدها مرحلة التوريث السياسي بدون أدنى خجل من شعوبهم أو أتباعهم وأعوانهم المخلصين،وتحت مسميات مختلفة ومتعددة وفي تجاهل تام للماضي.
طريقة التوريث أصبحت معروفة لنسبة كبيرة من أفراد المجتمع وخاصة للطبقات المتعلمة والمثقفة،تبدأ المرحلة الاولى بأن يلعب الابناء في الدرجة الاولى والزوجات والبنات وكل من له قرابة بالحاكم بالدرجة الثانية،مسؤوليات صغيرة في الحكم،وتلك المسؤوليات غالبا ما تكون لها قاعدة شعبية كبيرة في محاولة لجلب الاهتمام الجماهيري والاعلام ويقودها أو يتحمل مسؤوليتها أشخاص لهم القدرة والكفاءة ويقدموا المعونة والاستشارة بعد عملية التغيير والتعيين في تلك المسؤوليات الصغيرة،ويبدأ العمل لخلق قاعدة جماهيرية مؤيدة يقودها أعوان جدد لاسرة الحاكم ويجري تعيينهم في تلك المناصب الشعبية،وهي تبدأ عادة بالمناصب الرياضية مثل قيادة نوادي رياضية أو أتحادات وهيئات رياضية شبابية،ثم بعد ذلك تأتي المناصب الاعلامية سواء أدارتها أو أمتلاكها مثل قنوات التلفزيون والراديو والصحف والمجلات المختلفة،أوالاتحادات والنقابات الصحفية وغيرها،ووسائل الاعلام تكتسب أهمية خاصة كونها الوسيلة المثلى في صناعة الزعماء وتقديمهم الى الامة بأبهى صورة ممكنة،كما أنها وسيلة مهمة لتشويه صورة وسمعة الخصوم وعدم منحهم الفرصة للظهور،وكذلك التغطية الكاملة على جرائم ومفاسد النظام وأخطائه وتحويلها أذا أمكن الى أنجازات! نعم صناعة الاعلام هي وسيلة سحرية لاتقاوم لتحويل الجميل الى قبيح وبالعكس الا من لديه مناعة حيوية مضادة للفيروسات الاعلامية،ومن يحمل تلك المناعة مع الاسف الشديد قليلون.
أما بالنسبة لنساء الاسرة الحاكمة وغالبا ما تكون زوجة الزعيم أن كانت له زوجة واحدة!،أو بناته وأخواته وغيرهن،فأن المناصب النسائية أو التي تحتاج الى نعومة أنثوية واضحة فبالتأكيد تكون محتكرة لهن للتوضيح بأن الاسرة لها وجه ناعم ولطيف يعطي لمسة حنونة لصورتها أمام الرأي العام،وليست صورة القسوة والعنف فقط،والامثلة بارزة للعيان لا تحتاج سوى تصفح المجلات النسائية في العالم العربي كمثال!.
هناك بالتأكيد مناصب ثانوية لافراد الاسر الحاكمة مثل أدارة الجمعيات الخيرية وخدمات المجتمع للتأكيد على دعم الاسرة للمشاريع الخيرية فهي وسيلة مثالية لابراز وجه الاسرة الطيب وأخفاء الوجه البشع.
قد يستمر تدريب أعضاء الاسرة الحاكمة على أدارة المناصب الثانوية المستندة على قاعدة شعبية واسعة فترات زمنية طويلة،حتى يتم ترويض الامة لقبول أحد أفراد الاسرة الحاكمة كخليفة دون منازع،أو في جهة المعارضة أيضا! علما أن الطرق السابقة موجودة في النظم الملكية المستبدة أيضا كوسيلة من وسائل تثبيت الحكم وترسيخه لكي يدوم أطول فترة ممكنة(بعد عمليات التوريث).
أذا تمت عملية التوريث السياسي بسلام وأمان،فأن الامم تمر بمرحلة طويلة من الركود السياسي وبالتأكيد يصاحبه ركود أقتصادي وأجتماعي وتدهور فظيع في معنويات الامة وأنتشار اللامبالاة سواء في العمل والتخطيط للمستقبل أوالسيرة الخاصة وما يتعلق بها من تعامل مع الغير وضرورة أحترامه،وضعف التمسك بالاخلاق والعادات المتوارثة،أو قد يقود الى الابتعاد حينا عن الدين وأعتناق المذاهب الفوضوية المعروفة.
يؤدي ذلك الى البقاء في خانة الدول النامية الاكثر تخلفا،ليس فقط من الناحية الاقتصادية فحسب،بل من الجانب المعرفي فيحصل ركود في العلوم والآداب،وبالتالي تزداد الفجوة بينها وبين العالم المتحضر المتقدم.
يتحول النظام الجمهوري الاستبدادي،الى ملكية صرفة للاسرة الحاكمة وأعوانها،ويزداد القمع والفساد والمحسوبية،ويكون المقياس الاوحد هو تأييد النظام بأي وسيلة كانت،فينشأ النفاق الاجتماعي الذي يصبح وسيلة التعامل الرئيسية بين الناس ويخلف دمارا أجتماعيا يكون كامنا في النفوس وتصبح الصراحة والمكاشفة،وسائل غير مرغوبة لانها تهدد الجانب الامني للبلد أو الدعوة لها كالعمالة للعدو!.
كلما أزدادت شراسة وقسوة النظم الاستبدادية،فأن سقوطها لا محالة سوف يكون أسرع والعكس صحيح،وهذا خلاف النظرة المتعارف عليها بأن وحشية النظام وقسوته كفيلة بأستمراره فترة أطول،كلا العكس هو الصحيح هو أن الضغط يولد الانفجار الذي لا يرحم أحد.
دعوة مخلصة:
أمنية في قلب ووجدان كل أنسان حر،هو أن تقوم الامم والشعوب الحرة بدعم الشعوب المستعبدة وتخليصها من نظمها المستبدة،ليس فقط خدمة للانسانية والاخوة الموجودة فيها ولكل القيم الدينية والاخلاقية والادبية،بل أيضا لاجتثاث الارهاب من جذوره،وزرع الامن والحرية في العالم للحصول على المنفعة الاقتصادية عن طريق الاستثمار في البلدان النامية،بعد حصول عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
التوريث السياسي في المعارضة:
توسع التوريث السياسي فأصبح يشمل المعارضة التي تكافح الانظمة المستبدة في بلادها وترفع في نفس الوقت شعارات الحرية والديمقراطية والمساواة وأحترام حقوق الانسان! والغريب في الامر أن بعض تلك الاحزاب والقوى السياسية بالفعل تطبق تلك الشعارات سواء بالمعارضة أو في الحكم بعد تسلمها السلطة،لكن ذلك يتناغم ويتواصل مع عملية التوريث السياسي بدون الشعور بأن هنالك تعارض بالفعل فيما بينها،وبالتالي فأن القول أن عملية التوريث السياسي يتعارض دائما مع تطبيق الديمقراطية والحرية والمساواة فيه بعض المجافاة مع الواقع،صحيح أن عملية التوريث السياسي تحصل غالبا بدون أجراءات أنتخابية حرة وفي أجواء غير ديمقراطية بتاتا،ألا أن العملية بحد ذاتها هي سلاح ضد الديمقراطية والمساواة بين البشر،حيث يؤدي الى استلاب القرار السياسي لفترة طويلة بين مجموعة صغيرة من البشر.
وجود شخص واحد في رئاسة أو زعامة حزب أو حركة أو منظمة سياسية أو حتى نقابية فترة طويلة يحوله الى حالة الجمود أو الركود السياسي ويصعب عليه الدعوة الى التجديد في الحكم أو المعارضة أو تبني أفكار جديدة لكون القيادات المتحكمة فيه تعارض غالبا التجديد الذي يؤثر عليها ويهدد سلطتها وبالتالي تصبح المعارضة فقط معارضة بالاسم بينما أفكارها ومبادئها وبرامجها السياسية تكون قديمة لا تتلائم مع متطلبات العصرالجديد الذي هو في حالة تغير مستمر،بالاضافة الى ذلك تموت بمرور الزمن حالة النقد الذاتي داخل الحركات السياسية،وأذا حدث النقد ولأي سبب كان فأن الاتهامات بالخيانة أو الطفولة اليسارية والجهل والانحراف الى آخره من الاتهامات سوف تكون جاهزة خاصة اذا كان القائلين والداعين للتغير بدون دعم مادي أو معنوى قوي يجعلهم قادرين على الوقوف بوجه الحرس القديم،ولذلك نجد ان النشاط السياسي وحيويته وتجدده في الغرب في أوجه وليس فيه أي مجال للكسالى ولا فيه حالات ركود أو بطئ في العملية السياسية،وتجده متطورا على الشرق وخاصة العالم العربي والاسلامي تطورا كبيرا والفارق يزداد أتساعا بمرور الزمن،والسبب الرئيسي أضافة الى تبني الافكار والمبادئ الجديدة هو أن القيادات السياسية سواء بالحكومة أو بالمعارضة تتجدد باستمرار وخاصة في حالة الفشل في الانتخابات فأن القيادات المنهزمة من ذاتها تقوم بتقديم أستقالتها لاعضاء الحزب أو يقوم الحزب من ذاته بتغييرهم أذا رفضوا بعملية أنتخابات داخلية حرة ونزيهة،وبعدها يأتي أفراد الصف الثاني لتسلم القيادة برؤى وأفكار وبرامج جديدة بل أن الاحزاب دائما تكون مهتمة بأستطلاعات الرأي العام وهي المؤشر الرئيسي والهام لتوجهات الشعب،فأذا وجدوا أن شعبية الحزب أو المسؤولين فيه متدنية أو في هبوط مستمر فأن التغيير لامحالة سوف يكون لتجنب الهزيمة في الانتخابات القادمة،لذلك ليس من العيب الاستفادة من تجارب الامم والشعوب الاخرى خاصة التي لها تأريخ عريق في الديمقراطية،بل العيب والعار في رفض كل جديد ممكن أن يفيد الوطن وتطلعاته المستقبلية.
وجود أي شخص في قيادة المنظمة السياسية لفترة طويلة يؤدي الى تكوين طبقة أو حاشية موالية له لانه طبيعي ان يدعم الموالين له ويبعد المعارضين له ويؤدي الى تحول الحزب الى حزب أسري تتحكم فيه مجموعة من الاسر المتنفذة يصعب على الاخرين الدخول فيها أو النفوذ الى القيادة بدونها دون تقديم الطاعة والولاء وبالتالي تسهل عملية التوريث السياسي في ظل مباركة الحاشية المتنفذة المطيعة ما دامت تحصل على كل الامتيازات،وبذلك تتحول الاحزاب والمنظمات المختلفة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار الى أحزاب أسرية أو ديكتاتورية صغيرة بالمقارنة مع النظام،ويصعب الخروج من هذا المستنقع الفكري والسياسي في ظل التدهور الحاصل في الانظمة والمعارضة الرئيسية،وبالتالي يكمن الحل الوحيد في نظري القاصر هو خروج المنتمين الى تلك الاحزاب الى أحزاب وحركات جديدة ومحاولة فرض دستور أو مبادئ عامة تبعدها عن حالة الجمود والوقوع في مستنقع الفساد الذي يتضمن حالة التوريث السياسي.
حالة الصراع والتنافس بين الاحزاب تتحول بمرور الزمن الى حالة صراع شخصي أو أسري،وبالتالي يفقد التنافس السياسي لخدمة الوطن كل معنى أو مضمون حقيقي ويصبح فارغا لا قيمة له،الجميع يلهث وراء مصالحه الذاتية الانية الضيقة،وتنشأ حالة عدم احترام المعارض سواء في حالة الحكم أو المعارضة والنيل من كرامته الشخصية والادبية،وهذه القاعدة هي السائدة في العمل السياسي في العالم العربي كنموذج بارز للتخلف في العالم الثالث.
الحركات اليسارية ومنها الشيوعية هي الاخرى وقعت في مستنقع التوريث،بعد أن وقعت في فخ الديكتاتورية النظرية والعملية مما أبعد غالبية طبقات الشعب عنها أو تأييدها،وتلك الحالة ليست شاذة بل أصبحت سائدةوغيرها شاذ!والامثلة كثيرة منها كوبا في حالة فيديل كاسترو وأخيه راوول،أو في حالة النظام الشمولي المتطرف في كوريا الشمالية عندما ورث الزعامة في الحزب والحكومة،كيم أيل سونغ(1912-1994) الى أبنه الديكتاتور كيم جونغ أيل،كذلك في حالة الديكتاتور السابق لرومانيا نيقولاي شاوشيسكو(1918-1989)حيث كانت أسرته متنفذة وغارقة في الفساد والاجرام ولولى الثورة عليه وأعدامه مع زوجته في محاكمة سريعة في يوم واحد لاصبح أبنه هو وريثه الوحيد في الحكم،وكذلك في بقية البلدان الشيوعية الاخرى حيث عوائل القادة المتنفذين والذين يعيشون حياة البذخ واللهو في عالم أخر بعيد عن حياة الناس العاديين في أبتعاد حقيقي عن مبادئ وأسس الحزب والنظام القائمة على أنه حكم الكادحين!.
غالبا ما يكون المستوى الفكري والتعليمي لافراد الاسر المتنفذة،ضحلا يثير السخرية والاشمئزاز،ففي حالتهم تكون الحياة مريحة ومتيسرة من جميع النواحي وبالتالي ينصرفوا الى حياة المتعة واللهو بدلا من العمل الجاد والدراسة المتعبة التي لاتعطيهم في رأيهم شيئا أضافيا عند أتمامها،
مادام كل شيئ متوفر لديهم،نعم أحيانا يقوموا بأستغلال المؤسسات التعليمية في بلادهم غير الخاضعة للرقابة العامة للحصول على أعلى الدرجات العلمية والادبية دون أن يرفع مستواهم الثقافي أو تهذيب أخلاقهم خاصة في تعاملهم مع باقي أفراد الشعب الذي ينظرون اليه،نظرة أحتقار واستهزاء وتكبر دون أن يتذكروا أنه لولا هؤلاء لما وصلوا من مكانة عالية ولولاهم لما أعار الخارج لهم أهمية تذكر،ولماذا يعير لهم العالم الخارجي أهمية،أذا كانت قيمهم العلمية والادبية والاخلاقية لا تساوي شيئا؟.
الامم الحرة الحية دائما تمنح الفرص والمساواة للجميع حتى يتقدم الجميع،وتخطوا الحضارة وتتقدم نحو الافضل في المستقبل،لذلك نجد أن المهاجر الفقير أو أحد ذريته من بلدان العالم الثالث مثل الصين والهند الذي يهاجر الى الغرب وبالخصوص العالم الجديد بعد أن يبذلوا الجهود تلو الجهود،يحصلوا بالنهاية على مايريدوا وزيادة،ويكونوا مشاهير في العلم والمعرفة والاقتصاد،لكن نلاحظ أن ذلك لا يحصل في بقية دول العالم الثالث صاحبة الدخل الاعلى،لان فرص الحرية والمساواة شبه معدومة،والقانون يسير فقط على عامة الشعب مما يؤدي الى استغلال المهاجرين،أبشع أستغلال ثم طردهم عند أنتفاء الحاجة منهم أو اذا تمردوا على قوانين العمل المجحفة،ولذلك السبب لا يبرز مشاهير في تلك البلدان من المهاجرين اليها،وأبسط مثال دول الخليج العربية.
أمثلة عن التوريث السياسي في دول العالم المختلفة:
سوف نعطي أمثلة بسيطة وبصورة مختصرة عن التوريث السياسي في بعض بلدان العالم المختلفة،وخاصة البلدان التي أشتهرت بحالة التوريث السياسي أو التي في طريقها نحو التوريث،وللمزيد من التفاصيل حول حالة كل بلد يمكن مراجعة الموسوعات والكتب والتقارير المختلفة.
1- القارة الهندية(الهند،باكستان،بنغلاديش،سريلانكا):
هذه البلدان كانت حتى أنتهاء الحرب العالمية الثانية عام1945م بلدا واحدا تحت حكم التاج البريطاني،ثم استقلت وانفصلت بعد حروب ونزاعات داخلية مازال بعضها مستمرا.توجد في هذه البلدان،ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة،ماعدا فترات زمنية متفرقة وطويلة أحيانا من الحكم العسكري في باكستان وبنغلاديش،ألا أن هذه الديمقراطية والحرية غير كاملة وحقيقية،في ظل حكم مجموعة من العوائل المتنفذة في السلطة منذ أستقلالها ولحد الان،رغم ضخامة عدد السكان وكثرة عدد أفراد الطبقات المتعلمة والمثقفة.
وحتى عندما تنتقل أحزاب تلك الاسر الى خانة المعارضة فأنها تبقى مستمرة في قيادتها دون أدنى معارضة!وبدون أي محاولة للتغيير،وأذا وجدت المعارضة فأنها تضعف وتزول بمرور الزمن.
ففي حالة البلد الاكبر وهو الهند مازالت متحكمة فيه عائلة أول رئيس وزراء للهند،وهو جواهر لال نهرو(1889-1964)وبعد وفاته تسلمت الحكم أبنته أنديرا غاندي(1917-1984)ونافسها على الحكم أبنها سانجاي الذي قتل في حادث عام1980،وبعد مقتلها تولى الحكم أبنها راجيف غاندي(1944-1991)الذي قتل هو الاخر،وعندها أنتقلت القيادة الى زوجته الايطالية،سونيا! التي رفضت مرارا تولي رئاسة الحزب والوزارة ولولا الرفض لاصبحت هي الاخرى رئيسة وزراء،وراجيف زوجها نفسه هو ابن فيروز غاندي(ت1960) وهو أيراني الاصل وقيل غير ذلك! وهو غير مؤسس الهند المهاتما غاندي(1869-1948).
تقود هذه العائلة حزب المؤتمر الذي تولى حكم الهند لفترة طويلة ومازال،ورغم هزيمة الحزب في الانتخابات في التسعينات،الا أن ذلك لم يؤثر في
تغيير قيادة الاسرة له! أو لنهجه وسلوكه رغم كثرة الكفاءات الهندية المعروفة في داخله أو خارجه.
البلد الاصغر في المجموعة وهو سريلانكا،كانت عائلة باندرانايكه هي الاسرة الحاكمة في هذا البلد لعقود طويلة من الزمن،فبعد اغتيال رئيس الوزراء سولومون باندرانايكه عام 1959 تولت زوجته سريمافو رئاسة الحزب ثم رئاسة الوزارة عام 1960م وبذلك أصبحت أول أمراة تتولى منصب رئاسة الوزراء في العالم،ثم نافستها أبنتها تشاندريكا على الزعامة وفازت بمنصب رئاسة الوزراء ايضا!ثم تبع ذلك تغيير النظام الى رئاسي تولت البنت رئاسة الجمهورية والوالدة رئاسة الوزراء!حتى وفاتها عام2000م.وتأثير العائلة في البلد يماثل تأثير عائلة غاندي في الهند.
أما في حالة البلدين المسلمين(باكستان وبنغلاديش) فهي لا تختلف عن سابقتيها،ففي بنغلاديش التي أستقلت عن باكستان عام 1971م نرى وجود عائلتين تهيمنان على المسرح السياسي دون أن تلوح في الافق أي نهاية لهذه السيطرة،الاولى عائلة مؤسس الدولة مجيب الرحمن(ت1975) الذي قاد البلاد نحو الاستقلال،وأصبح أول رئيس،سرعان ما تحول الى ديكتاتور قضي عليه في أنقلاب عسكري عام 1975،ومن بعده جاءت ابنته الشيخة حسينة وتابعت قيادة حزب والدها(رابطة عوامي)وتولت رئاسة الوزراء عدة مرات.
العائلة الاخرى هي عائلة الرئيس الاسبق الجنرال ضياء الرحمن الذي تولى الحكم بأنقلاب عام1977م-1981م حيث قتل في حادث،ولعائلته حزب سياسي رئيسي تولت قيادته زوجته البيجوم خالدة ضياء،وأيضا تولت حكم البلاد لعدة مرات.والسيدتان أتهمتا بالفساد وأختلاس الاموال العامة وقتل الخصوم وغيرها،الا أن ذلك لم يؤثر على حجم التأييد الشعبي !الذي يرتفع وينخفض حسب الظروف،وكأن البلاد في حالة عامة من فقدان الوعي وألادراك لما يحصل.
البلد الاخير وهو باكستان فالحالة لا تختلف فيه عن سابقاته،فهناك ايضا عدد من الاسر المتنفذة فيه أشهرها أسرة بوتو التي تقود حزب الشعب الذي أسسه رئيس الوزراء الاسبق ذو الفقار على بوتو الذي أعدم عام 1979م ثم قاد الحزب من بعده زوجته الايرانية الاصل ثم أبنته بنازير بوتو التي أغتيلت يوم 28\12\2007م كما أغتيل قبلها أخويها عامي 1985 و1996 ايضا لاشتراكهما بالعمل السياسي،وقد اوصت الى زوجها آصف زرداري(وكأنه ملك لاسرتهم) الذي تنازل بدوره الى أبنه المراهق ذو ال19عاما لقيادة حزب عريق وكبير مثل حزب الشعب في دولة مضطربة مثل باكستان المتكونة من 170 مليون وتمتلك عدد كبير من العباقرة والكفاءات والمفكرين!انها منتهى السخرية والحماقة،والغريب أن المعارضة داخل الحزب وخارجه بقيت صامتة تجاه هذا الامر الهام الذي يهم طبقات واسعة من الشعب،ورغم أدعاء الحزب وقياداته السابقة واللاحقة بأنهم يلتزمون الديمقراطية والحرية وأحترام حقوق الانسان والمساواة بين الجميع!،أتضح بأن تلك الادعاءات لاتتحقق الا تحت قيادتهم الرشيدة،ودون نسيان أن آخرين في العائلة لهم طموحهم في القيادة ومنها زوجة مرتضى الاخ الاكبر لبنازير،وهي لبنانية وأيضا لديها طموح سياسي ولديها بنت تجاوزت سن المراهقة بقليل،وكانت تعارض عمتها لانها تريد القيادة لنفسها أيضا!،لقد أصبحت السياسة في هذا البلد المنكوب حكرا على اسرة مازالت مؤيدة من قبل الملايين!.
تشترك هذه البلدان الاربعة السابقة في عدد من الصفات من ناحية التوريث السياسي ونتائجه أوجزها كالآتي:
أ-العوائل المتحكمة بالمسرح السياسي لديها شبكة هائلة من الاعوان والمناصرين مدعومة بشبكة مالية ضخمة وبدعم داخلي وخارجي.
ب-كل هذه العوائل وعدد كبير من أعوانها متهمة بالفساد سواء في الحكم أو المعارضة،سواء سرقة المال العام بجميع الطرق والمحسوبية وأستغلال المناصب،واغتيال الخصوم،بالاضافة الى الفساد الاداري والاخلاقي،وقد تم سجن عدد من رؤساء الوزراء السابقين ومنهم نساء بعد ثبوت التهم عليهم،الا أن معظمهم سرعان ما يخرج من السجن سواء بالعفو أو بدون تكملة مدة العقوبة،بسبب النفوذ الهائل في الدولة واستغلاله لتغطية جرائم الفساد،حيث أن سيطرة الاحزاب والاسر وصلت الى القضاء والنفوذ في الاجهزة الامنية والعسكرية،ولذلك فان قضايا الفساد والاجرام سرعان ماتنتهي الى لاشئ ودون وجود من يتابعها أو ينفذ أحكامها أذا صدرت.
ج-خلال فترة حكم تلك الاسر المتنفذة،وهي فترات زمنية طويلة تمتد الى عقود من الزمن،لم تتطور تلك البلدان قياسا بدول الشرق الاقصى وجنوب شرق أسيا،بل بقيت في حالة من الركود الاقتصادي أن لم يكن نمو بالسالب،وبقيت معدلات الفقر والجوع والامية على حالها،وبقيت ضمن خانة الدول الاكثر تخلفا في العالم،ناهيك عن التخلف في جميع الميادين والاصعدة.أما النمو الاقتصادي الهائل في الهند الان،فأنه يعود في بدايته الى منتصف التسعينات من القرن الماضي،حيث تولت السلطة الاحزاب اليمينية وأبعدت لفترة وجيزة حزب المؤتمر،بينما مازال النمو ضعيفا في البلاد الاخرى المجاورة سواء التي تحكمها الاسر أو التي وقع فيها الحكم العسكري،وهذا دليل قوي على أن حكم تلك الاسر اضافة الى مخالفته الى مبادئ الديمقراطية والمساواة،فأنه يؤدي الى حالة من الركود الاقتصادي ويجعل تلك البلدان في حالة دائمة في الفقر والبؤس دون بزوغ اي أمل نحو القضاء على الفقر والحرمان،والتحول الى مصاف الدول المتقدمة.
د-وجود الاسر الحاكمة لم يساعد على أحلال السلم الاهلي في بلدانها،فالتمرد والعصيان لمختلف الجماعات مازال مستمرا ولعقود من الزمن،فتمرد الجماعات الانفصالية على أشده، ففي سريلانكا تشن الاقلية التاميلية حربا ضروسا ضد الحكومات المتتالية التي تقودها الاغلبية السنهالية والتي خلفت عدد كبير من الضحايا ودمارا هائلا في الاقتصاد الذي يعاني أصلا ولا يلوح في الافق السلام الموعود بسبب تصلب الطرفين.اما في الهند فالجماعات الاسلامية في كشمير تطالب بالاستقلال عن الهند أو الالتحاق بباكستان كذلك يطالب السيخ باستقلال اقليم البنجاب،ناهيك عن الصراع المستمر بين مختلف القوميات والاديان في الهند وخاصة المتطرفين من الهندوس ضد المسلمين وكذلك بين طبقات المنبوذين أجتماعيا وأقتصاديا وطبقات المجتمع الهندوسي العليا وبين الفقراء وبين الفئات الميسورة،خلفت تلك الصراعات ومازالت دمارا كبيرا في الاقتصاد والمجتمع ناهيك عن أرواح الابرياء،ولم تستطع الحكومات الهندية المتعاقبة وخاصة تلك الخاضعة للاسر المتنفذة القضاء على الاضطرابات والمشاكل.أما في بنغلاديش فيكفي كل عام وقوع الفيضانات وما يسببه من دمار هائل دون ان تقوم الحكومات المتتالية حلها،أما باكستان ورغم كونها بلد ذات أغلبية ساحقة من المسلمين فالمشاكل بين القوميات الاربع على اشدها وخاصة التي تريد الاستقلال مثل الاقلية البلوشية والبشتونية،وكذلك الصراع على السلطة والنفوذ بين أقليمي البنجاب والسند،والمشاكل الطائفية بين السنة والشيعة،والمشاكل الاجتماعية الاخرى من فقر وجهل وغنى فاحش لعوائل قليلة متحكمة في كل شئ من الحكومة الى المعارضة!كل ذلك يجعل باكستان بلد دائم الاضطراب والتخلف والتطرف،دون ان تقوم حكومات التوريث والانقلابات العسكرية بحلها وتطوير بلدها.
ه-الصراعات الخارجية مستمرة،فلم يؤدي تسلم النساء الحكم ولا بقية افراد الاسر الحاكمة الى حلها بل العكس جعلها أكثر مستعرة،فالحروب مستمرة بين الهند وباكستان،وتحول الصراع الى التسلح النووي الفتاك،والحرب الانفصالية لبنغلاديش عام1971م وكذلك الصراع المستمر بين باكستان وأفغانستان قبل الاحتلال السوفييتي وبعده والصراع السابق بين الهند والصين،كل ذلك كان له أثره على حياة شعوب المنطقة ولم تستطع ثقافة الاسر الحاكمة الانكليزية والتعليم الاكاديمي العالي ان يحلها مما يؤدي الى فشل مؤيدي حكم التوريث السياسي والمرأة ايضا!.
2-آذربيجان:
أحد البلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991م،ويقع على الحدود الشمالية لايران وتركيا،ويشترك معهما بالانتماء القومي والمذهبي،بعد أستقلاله أنتخبت حكومة ديمقراطية ألا ان الحرب مع أرمينيا الدولة المجاورة والتي استولت على أقليم ناغورنو قراباغ المتنازع عليه،حال دون استمرار الاستقرار السياسي،وسرعان ما أستولى الشيوعيين القدامى على الحكم ولكن بلباس قومي!بقيادة الزعيم الشيوعي القديم حيدر علييف(1923-2003) عام1993م وهو الذي تدرج في المناصب المخابراتية والحزبية في الاتحاد السوفيتي السابق لفترة طويلة،وخلال فترة حكمه برز أبنه ألهام علييف بالاضافة الى أقربائه واعوانه،بسيطرتهم على أمور البلاد وأنتشار الفساد وبتكوينهم الثروات الشخصية،بينما غالبية الشعب يعيشون في فقر مدقع وخاصة أكثر من 700 الف لاجئ من الحرب في بلد غني باحتياطياته النفطية والغازية التي تجعله من أغنى بلدان العالم وأكثرها تطورا نظرا للمستوى التعليمي العالي.وقد حظي حكمهم بدعم الغرب لرغبته بجعل البلد قاعدة ضد البلدان المجاورة! والاستفادة من نفطه،وبعد وفاة حيدر علييف عام2003م تولى أبنه الحكم في ظل ضعف المعارضة وأنقسامها وسيطرة حزبه على الدولة والقوات المسلحة،مما يجعل أستخدام القوة أمرا واردا لاسكات الخصوم.وفي ظل الحكم الحالي مازالت البلاد تتقهقر الى الوراء في ظل أنتشار الفساد وعصابات المافيا والجريمة المنظمة والتراجع الاقتصادي والاجتماعي مع بقاء الوضع مع ارمينيا في هدنة مستمرة رغم ثرواته الطبيعية.هذا البلد نموذج مثالي من البلدان التي سيطر الشيوعيون عليها لفترة طويلة،وبأستبدادهم وطغيانهم تحول الحكم الى وراثة في ظل تعارض تام مع مبادئهم في العدالة والمساواة والتقدم في ظل دعم دولي.
3-لبنان:
هو بلد صغير أستوطنته مختلف القوميات والاديان والمذاهب الهاربة من الاضطهاد السياسي والديني في المناطق المجاورة على مدى حقب زمنية عديدة وهو يتكون الان من 19 طائفة.منذ استقلاله عام 1946م ولحد الان يعاني من المشاكل الطائفية والحروب المستمرة،ويعود الى عدة اسباب أهمها الطائفية السياسية وما تسببه من مشاكل على الاصعدة كافة،وهذا النظام يقسم السلطات حسب الطوائف دون مراعاة الزمن أو التغيير في بلاد العالم المختلفة،لذلك لايحق لكافة الطوائف منصب معين لطائفة معينة،مما يجعل التمييز مستمرا والمشاكل والاضطرابات مستمرة،والحل الوحيد هو ألغاء النظام الطائفي السياسي برمته،والبدء بأجراء الانتخابات العامة للجميع بحرية وشفافية ومساواة بين الجميع حيث يتم اختيار أي شخص لأي منصب حسب كفاءته ونزاهته،وهذا الحل البسيط يرفضه عدد كبير من اللبنانيين بالاضافة لبعض بلدان الجوار والغرب حسب مصالحه،أما لماذا يرفض بعض اللبنانيين،وذلك لكون الطوائف المحتكرة للمناصب العليا ترفض ذلك مدعومة من الخارج رغم أنه السبب الرئيسي الذي يعرفه الجميع،كذلك الاسر المتحكمة بالعمل السياسي ومن مختلف الطوائف ترفض وبشدة التنازل عن المناصب والامتيازات.
في غالبية الطوائف اللبنانية هناك مجموعة من الاسر التي تقود العمل السياسي وحتى العسكري أيام الحرب الاهلية(1975-1990)وهذه الاسر تمتاز بالثراء الشديد والسطوة البالغة وأحتكار المناصب السياسية والاقتصادية والعسكرية،وبتأييد من أفراد الطائفة ويقودون أحزاب تكون في الغالب حكرا على أفراد طائفتهم،ونادرا ما ينتمي أفراد آخرون من طوائف اخرى لاحزابهم،ولاسرهم تاريخ طويل في العمل السياسي ولا يسمحون لاخرون من طائفتهم بالتصدي والقيادة دونهم،ورغم الانفتاح اللبناني على العالم الخارجي ووجود الحرية النسبية بالاضافة الى مستوى تعليمي عال وعدد كبير من الخريجين والاكاديميين،وانتشار الصحافة الحرة وغيرها، ألا انهم من الناحية السياسية فهم متخلفون عن بقية دول العالم الغربي(دون المقارنة مع العالم العربي)،فهم مقلدين للغرب في كل شئ الا المساواة بين الجميع،والغريب أن تأييد الاسر المتحكمة مازال ياتي من شرائح اجتماعية ذات ثقافة عالية ليست بالضرورة مستفيدة من الناحية الاقتصادية!.
لم تحاول غالبية الطوائف اللبنانية التخلص من هذا المستنقع الراكد الذي يحتوي الطائفية السياسية والاسر الحاكمة،ماعدا الطائفة الاكثر عددا في لبنان،وهي الطائفة الشيعية،فقد تخلصت من سيطرة غالبية الاسر السياسية ولم يبقى سوى القليل،ويعود الفضل في ذلك الى الامام موسى الصدر الذي أختطف عام 1978م في ليبيا حيث وجد قبل أختطافه بعقدين من الزمن،وضع الطائفة المزري وكونها الافقر والاكثر تهميشا في المجتمع وكون العوائل الشيعية الاقطاعية والثرية المتحكمة بالجانب السياسي لم تفعل لابناء الطائفة اي شئ سوى خدمة مصالحهم الذاتية،فكان تأسيسه لحركة أمل التي أصبحت مع حزب الله الذي تأسس عام 1982م القوتين الرئيسيتين في الطائفة دون وجود اي تأثير قوي للعوائل السياسية السابقة التي بقيت تحقد على الامام الصدر لدوره البارز في أزاحتهم من الساحة السياسية،مما أدى الى تحول في القوى الطائفية والسياسية اللبنانية،فأصبحت الطائفة من الاكثر تهميشا الى الاقوى في كل الاصعدة دون ان ننسى الدعم الايراني الكبير لهم،أو دعم الدول الاخرى لبقية الطوائف.
كانت عائلة الاسعد الاكثر هيمنة على القرار الشيعي وأخر وريث فيها هو كامل الاسعد الذي كان رئيس مجلس النواب حتى عام 1985م وهو نجل احمد الاسعد الذي أحتكر القرار السياسي الشيعي فترة طويلة دون أن يساهم في بناء الطائفة والذي أراد أختزال الطائفة بأبنه،فأختزلت الطائفة عائلته،والان اصبحت خارج المسرح السياسي وليس لها أي دور،تليها عدة عوائل ثرية بعضها أندمج مع حركة أمل لكي يحصل على دور بسيط في السياسة لايقارن بدور العوائل السياسية الاقطاعية في الطوائف الاخرى،ومن ضمن تلك العوائل التي أصبح دورها ضعيفا جدا هي ال عسيران وآل الزين وآل حمادة وآل الخليل .وكما أسلفنا فأن دور تلك العوائل السياسية لو بقي على حاله لكان دور الطائفة الشيعية لا يختلف عن دور اي طائفة صغيرة في لبنان ولبقيت عرضة لاستغلال الغير،لكن خروجها من عباءة الاقطاع السياسي هو الذي جعلها تسير في الاتجاه الصحيح.
أما الطوائف الاسلامية الاخرى،فالسنة لم يضعف دور عوائلهم السياسية بل اضافوا عائلة جديدة،وهي عائلة الحريري،وهي من العوائل التي أثرت كثيرا عندما كان رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في السعودية،ولعب ذكائه وعلاقاته المميزة مع آل سعود دورا هاما في تكوين ثروته ثم بدأ العمل السياسي في لبنان أثناء الحرب الاهلية في الثمانينات،ثم أصبح رئيس الوزراء منذ عام 1992م وحصلت أخته أيضا على مقعد في مجلس النواب،وشكل تيار المستقبل،ولعبت ثروته والدعم السعودي وعلاقاته الدولية،دورا كبيرا في تكوينه لتياره رغم أن ظل قاصرا في غالبيته على السنة،وشكل تحالفا مع عدد من القيادات من الدروز والمسيحيين،ورغم أن بعض العوائل السنية الاخرى ظل بعيدا عن التحالف مع تياره أو مستقلا الى حد ما،الا ان دور عائلة الحريري لم يضعف بأغتياله عام 2005م فقد أختير ابنه سعد وهو صغير السن الى حد ما(مواليد 1970) لقيادة تيار المستقبل مع حلفاء آخرين أستفادوا كثيرا من مقتل الحريري المأساوي لاثارة اللبنانيين ضد سوريا المتهمة بالاغتيال،مما أدى الى فوزهم في الانتخابات،ورغم أن طريقة الانتخابات الخاطئة لانها تسير وفق الطائفية السياسية،مما يؤدي الى حصول بعض الطوائف على مقعد نيابي مقابل عدد قليل من الناخبين بالمقارنة مع طوائف أخرى،فقد حصلوا على فارق(12مقعد) أهلهم للسيطرة على الحكومة،ورغم أن التيار ضم أعداء سابقين وشخصيات مخضرمة في العمل السياسي جامعهم الوحيد العداء لسوريا،الا ان التسليم بقيادة سعد الحريري الجديد على السياسة،وكونه لايحمل من المؤهلات القيادية البارزة كقابليته الخطابية للتأثير في الناس وبعده عن حياة البسطاء وبقاءه فترات طويلة في الخارج وأعتماده على صداقات والده،جعل التسليم بقيادته لكونه وريثا لوالده اشبه بالمهزلة خاصة أن عدد كبير من أفراد التيار لديهم من المستوى الثقافي والتعليمي ما يفوقونه شكلا ومضمونا،الا أن للتوريث السياسي المقيت رأيا آخر.
هناك عدد من العوائل السنية الاخرى المتحكمة بالقرار السياسي للطائفة ومنها عائلة كرامي التي قدمت عدد من رؤساء الوزراء،وعائلة آل الصلح وعائلة آل سلام،ويبقى لتلك العوائل أيضا الاعوان والمؤيدين.
الطائفة الثالثة وهي طائفة الدروز،فيتقاسم دورها السياسي عائلتين فقط وهما عائلة جنبلاط وهي عائلة أقطاعية ثرية لها نفوذ منذ مئات السنين،ألا ان دورالعائلة أشتهر أكثر عندما تولى زعامتها كمال جنبلاط(1917-1977) وهو زعيم بارز ذو نزعة اشتراكية،الا أن تأثير الطائفة الدرزية كبيرا لديه،التي قويت به كثيرا وبعد أغتياله تولى أبنه وليد زعامة الحزب التقدمي الاشتراكي!خلفا له وهو الاخر بدأ يعد ابنه للعب دور سياسي،وبالتأكيد أن رغم الاسماء الكبيرة للاحزاب الا انها تبقى احزاب أسرية مغلقة نادرا ما يحتل القيادة فيها من هو من غير أفراد الاسرة،وبالتالي أن مضمونها يبقى مفقودا بل فارغا حتى لو تغيرت مواقع الاحزاب من اليمين الى اليسار لانه يتعارض مع مبادئ الحرية والمساواة التي تنادي بها جميع الاحزاب!.العائلة الثانية في الطائفة الدرزية هي عائلة أرسلان ويتزعمها في الوقت الحاضر الامير طلال ارسلان الا ان دوره أقل من وليد في المسرح السياسي،وقد قدمت تلك العائلة المشهورة على مدار القرون الماضية عدد كبير من القادة والزعماء والمشاهير.
لا يختلف الامر كثيرا بالنسبة للطوائف المسيحية بل قد يكون الامر اكثر مما هو لدى الغير،والطائفة المسيحية الاولى في لبنان وهي المارونية،وتسيطر على القرار السياسي عدة عوائل لها تاريخ طويل في الزعامة،مع ثراء شديد وعدد كبير من الاعوان،ورغم محاولات البعض وعلى رأسهم الجنرال ميشيل عون تشكيل تيار وطني سياسي حر يبدأ من طائفة الموارنة وبعيدا عن التأثيرات الطائفية والاسرية الا ان العوائل السياسية مازال لها دورا هاما في لبنان،وقد قادت تلك العوائل عدد من الاحزاب والمليشيات في الحرب الاهلية وتورط البعض منها في جرائم الحرب بالاضافة الى الفساد السياسي المعروف عنها،وتبرز عائلة الجميل بأعتبارها الاكثر بروزا وتولى مؤسس حزب الكتائب بيار الجميل(1984) زعامتها فترة طويلة ثم تولى ابنيه بشير وامين رئاسة الجمهورية،ويوجد عدد من أفراد الاسرة يعملون في الحقل السياسي ألا انهم فقدوا السيطرة على حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية،رغم محاولاتهم العديدة اعادة السيطرة،ورغم ضعف نفوذهم في الوقت الحاضر ألا ان دورهم سوف يبقى بسبب عادة التفاف اللبنانيين من مختلف الطوائف حول عوائلهم السياسية رغم أن في ذلك عودة للماضي وآلامه.ومن العوائل الاخرى عائلة آل شمعون ولها أيضا حزب سياسي يسمى الوطنيين الاحرار كما ان لمليشياتها دور في الحرب الاهلية،وأشهر من برز فيها هو الرئيس الاسبق كميل شمعون وكذلك نجليه.كذلك توجد عائلة آل فرنجية وكان لها تنظيم سياسي وعسكري،وأكثر البارزين فيها الرئيس الاسبق سليمان فرنجية،ويبرز الان من الاسرة حفيده سليمان الذي اختير وزيرا في التسعينات ونائب في البرلمان في عمر صغير لكونه ينتسب الى عائلة مشهورة،وهو الان من المرشحين الدائميين لرئاسة لبنان.وأخر العوائل المارونية الهامة هي عائلة أده وتتولى رئاسة حزب الكتلة الوطنية ،واشهر أعلام الاسرة هو ثاني رئيس للبنان بعد أستقلاله الاسمي عام 1926 أميل أده وأبنه ريمون الذي تولى زعامة الحزب فترة طويلة.وتوجد عوائل اخرى في الطائفة المارونية لها اهميتها ايضا مثل الهراوي ولحود ومعوض،كذلك توجد عوائل ثرية تمارس السياسة في بقية الطوائف الاخرى،الا ان الدور الابرز هو للعوائل السالفة الذكر.
رغم التفوق في التعليم والثقافة والانفتاح الخارجي،على محيطه العربي،ألا أن لبنان مازال يعيش في الماضي ،فالسياسة وأدارتها مازالت حكرا على مجموعة من العوائل الغنية ولها عدد كبير من الاعوان وتمارس سطوتها على المعارضين لها كذلك تبرز الاحزاب المختلفة كقوة مهيمنة وقد تتحالف مع الاسر لاغراض سياسية مكشوفة،لذلك يمكن القول ان لبنان بلد الاقطاعية السياسية بجدارة لصعوبة العمل السياسي بأستقلالية تامة عن الاسر السياسية وبعض الاحزاب الاخرى غير الخاضعة للاسر،وغالبية القوى لها علاقات مع خارج لبنان،سواء العربي أو الغربي ولذلك يكون التاثير الخارجي في السياسة الداخلية واضحا أو انعكاسا لها،وبما ان الصراعات الدولية لاتنتهي أبدا،فمن غير من المحتمل ان يستقر الوضع في لبنان الذي يحتاج الى ثورة داخلية على النظام السياسي القائم وعلى القوى الاجتماعية المؤيدة له،ورغم ان اللبنانيين معروف عنهم تقليد الغرب في كل جديد الا في السياسة فأن لهم تفكيرهم الطائفي الخاص،لذلك تكون الحاجة لتقليد الغرب في النظام السياسي والاقتصادي أكثر من الحاجة لتقليده في المظاهر كالازياء والاكل وغيره.
4-سوريا:
يختلف النظام في سوريا كليا عن جاره الصغير لبنان كونه نظاما شموليا،وقبل سيطرة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد على الحكم عام 1970 كانت لبعض العوائل السياسية الثرية وخاصة من دمشق وحلب وحمص دورا رئيسيا في الحكم منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1946م،الا ان دور تلك العوائل ليس كمثل دورها في لبنان،لكثرة الاضطرابات في سوريا بعد الاستقلال وتأثير التيارات القومية واليسارية التي أستولت على الحكم والتي تفوقت على التيارات اليمينية المدعومة من قبل الطبقة الثرية،ومن ابرز تلك العوائل وأهمها آل الاتاسي وهي أقرب للعشيرة منها للاسرة كونها تضم عدد كبير من الافراد،وقد قدمت الى سوريا 3 رؤساء للجمهورية بالاضافة الى وزراء وضباط ومسؤولين،وتأتي بعدها العوائل الاخرى مثل آل العظم وآل الكيلاني وآل البرازي وغيرها،وهذه العوائل جميعها قد ضعف تأثيرها منذ سيطرة الاسد الاب على الحكم.
ومنذ عام 1970م برزت عائلة الرئيس حافظ الاسد وبعض عوائل المسؤولين في الدولة،وأخذوا يلعبون أدوارا هامة سواء بالسياسة أو بالاقتصاد،ومن الذين برزوا في عائلة الرئيس،شقيقه رفعت الاسد الذي كان يعتبر الرجل الثاني في الدولة قبل ابعاده عام 1984م وكان له دور بارز في حماية نظام اخيه،وقد أتهم بالفساد وممارسة القسوة المفرطة مع الخصوم،وكان يعتبر نفسه خليفة أخيه،ألا أن ابعاده قد فسح المجال لابن الرئيس البكر باسل كي يكون المرشح لخلافة والده،بدون اي أعتبار للحزب الذي انتهى فعليا عندما سيطر على الحكم في العراق وسوريا،وأصبح دورا لا يختلف عن دور الاجهزة الامنية للحفاظ على النظام،الا ان رحيل باسل المبكر عام1994م نتيجة حادث سير،قد فسح المجال لاخيه الاصغر بشار الذي أصبح رئيسا للبلاد بعد رحيل والده في عام2000م وكان عمره 34 عاما والدستور ينص على ان يكون الرئيس 40 عاما،وفي خطوة لافتة للنظر عدل البرلمان السوري الدستور لكي يكتمل تنصيبه رئيسا للبلاد،في خطوة عدت الاولى في العالم العربي،ولم تخلو تلك العملية من المعارضة سواء قبل تهيئة أحد افراد الاسرة للرئاسة او بعد التنصيب،ألا أن قوة النظام الامنية وقسوته المفرطة مع الخصوم جعل المعارضة خافتة،ولبقية افراد الاسرة من أخوان وأقرباء دور بارز في أجهزة الدولة الرسمية وخاصة العسكرية والامنية.
وفي خلافة الابن لم تتغير الامور الاقتصادية والاجتماعية نحو الافضل في سوريا،بل بقيت الامور على حالها متأخرة عن بقية الدول العربية،بالاضافة الى أستمرار أنتشار الفساد الاداري والمحسوبية،في غياب شامل للشفافية والديمقراطية،ولا يتوقع الكثيرون على المدى المتوسط،اي تغيير في السياسة الداخلية،لكون التغيير نحو الديمقراطية الوسيلة الحاسمة في تغيير النظام حسب وجهة نظره،بسبب طول فترة سيطرة حزب البعث على الحكم وفقدانه لأي تاييد شعبي بسبب الديكتاتورية الشمولية التي حكم بها هذا الحزب،وفقره الفكري والايديولوجي،ناهيك عن فساد الكثير من اعضاءه الذين استفادوا منه أكثر من أستفادة الحزب منهم.
5-ليبيا:
منذ سقوط النظام الملكي في ليبيا في أنقلاب عسكري في أيلول(سبتمبر)1969م والعقيد القذافي يحكم بلده بالحديد والنار،ويمتاز حكمه بسيطرة عائلته مع أقرباءه ومجموعة من الاعوان على مقاليد الامور في البلاد،ورغم الثروة النفطية الهائلة التي تمتاز بها ليبيا،الا انها تعتبر من أكثر الدول تخلفا في جميع المجالات نتيجة للحكم الديكتاتوري الطويل،القذافي امتاز بتقلبه المستمر وبأطروحاته المثيرة للجدل وفي الختام وبعد حصار دولي طويل خضع لكل الرغبات الغربية مقابل الابقاء على حكمه الديكتاتوري المقيت،ويعتبر النظام الليبي من أكثر الانظمة العربية تشبها بنظام صدام في العراق وأذا كان نظام الاخير قد سقط في ثلاث اسابيع،فالنظام الليبي لا يحتاج أكثر من اسبوع والباقي يتكفله شعبه!ولذلك فأن الحظ قد حالفه سواء بأنشغال الغرب عنه أو بقبوله تنازلاته المشينة للبقاء على حكمه.وفي حالة سقوط نظامه على طريقة سقوط طالبان وصدام،فأن حكم ليبيا سوف يكون أسهل بكثير من حكم العراق وأفغانستان نظرا لقلة عدد سكانه وعدم وجود أديان ومذاهب وأعراق وقوميات،الا مجموعات صغيرة لايعتنى بها،بالاضافة الى الرغبة الشعبية في تغيير النظام ولكن لا تمتلك القدرة على تغييره.تستولي عائلة العقيد القذافي على مقاليد الامور في البلاد بالاستناد على حكم الوالد الشمولي وبالتالي تعبث وتلهو وتعمل ما تشاء بدون رقيب يمكن له السيطرة عليها والتحكم في رغباتها،وقد برزت عائلة الرئيس في التسعينات عندما كبر أبناءه وبناته،وله عدة اولاد وبنات ومن عدة زوجات الا أن الابن الثاني سيف الاسلام القذافي(مواليد1972)هو المرشح لخلافة والده ويتولى رئاسة مؤسسة بأسم والده للاعمال الخيرية،وهو دائم الانتقاد لحكم والده ولكن بطريقة ساخرة على نمط نظام صدام البائد كون ابنه عدي الوحيد الذي ينتقد الحكم في مسرحية مكشوفة لابناء عوائل الطغاة لانه بأختصار أن هذه الانظمة لاتسمح لاحد بأن ينتقدها في اي شئ لانه يهدد أستقرارها،وبالتالي فأن داخل ليبيا وخارجها غير معنى أو مهتم بمعارضة هذا الابن الصورية،والابن الاخر هو الساعدي القذافي وهو رياضي ولاعب كرة قدم أتهم بتناول المنشطات الممنوعة!ويترأس الاتحادات والاندية الرياضية وكذلك له مناصب أمنية حساسة!وهو دليل قاطع على وصول البلاد الى مستوى فظيع من التدهور الرياضي والادبي في كون أبن الرئيس يتصرف كأمير في مملكة فاسدة،وليس في جماهيرية عظمى تدعى الحكم الشعبي وفق نظرية عالمية ثالثة!،أن تلك الحالة هي منتهى الانحطاط الفكري والفساد الاخلاقي في أستهانة واضحة بالشعب وثرواته المادية والمعنوية،الابن الثالث يدعى المعتصم وهو يتولى مناصب عسكرية عالية،كذلك يوجد أبنين آخرين هما سيف العرب وهنيبعل وكبقية الاخوة من حيث السيرة والسلوك والمناصب الحساسة،كذلك للقذافي ابنة تدعى عائشة وهي برتبة فريق في الجيش!(أنظر الى مدى ما وصلت له هذه العائلة من هيمنة)وهي محامية كما تدعي ولكن لا تدافع سوى عن الطواغيت أمثال صدام كونهم أعمامها كما تدعي!وهم حقا اعمامها لان الطواغيت عائلة واحدة،أصلها شيطاني ثابت وفروعها قي مزبلة التاريخ.
يحكم هؤلاء بلد نفطيا كبيرا،ولكن مستوى الفساد والتدهور في جميع المجالات يرقى الى مستوى الدول الافريقية الفقيرة جدا،وهم مسؤولون عن ذلك التدهور في بلد يفتقد الى الشفافية والحرية،وقد أثروا من أموال الدولة وتصل بهم الاستهانة بشعبهم الى أعلى المستويات،وتلك العائلة نموذجا مثاليا لدراسة سيرة وسلوك حكام الانظمة الشمولية وعوائلهم وطريقة تعاملهم مع شعوبهم مع الاصرار الوقح على حمل الشعارات الكاذبة،وسوف تستمر تلك العائلة بحكم ذلك البلد لعدم قدرة الشعب الليبي على التغيير من جهة وأنعدام المساندة الخارجية له التي بدأت تتضائل بعد رفع الحصار عام1999م نتيجة للتنازلات المشينة التي تذكرنا بتنازلات نظام صدام في خيمة صفوان لغرض الاستمرار بالحكم لاطول فترة ممكنة،والحل الوحيد المتاح حاليا هو التغيير من الخارج مع دعم المعارضة الداخلية.
6-مصر:
منذ سقوط الحكم الملكي في مصر بأنقلاب عسكري عام 1952م،والبلد محكوم من قبل المؤسسة العسكرية ولكن بلباس مدني،وخلال هذه الفترة الطويلة حكم البلاد ثلاثة ضباط تعاملوا بديكتاتورية مقيتة مع الشعب المصري الذي بقي على تخلفه الفظيع في كل المجالات رغم الامكانات المادية والبشرية الكبيرة التي يحظى بها،ولا أتوقع على المدى المنظور أي أمل في حدوث تغيير في النظام وبنيته البوليسية،فمازال العسكر يسيطرون على كافة المناصب الهامة في الدولة بعد تغيير البزة العسكرية،دون تغيير العقلية العسكرية الحاكمة التي تعتمد على الطاعة العمياء.
في فترة حكم الاول جمال عبد الناصر1954-1970م دون أحتساب فترة حكم الجنرال محمد نجيب القصيرة،أمتازت فترة عبد الناصر بأبتعاد عائلته عن مسؤوليات الحكم وكذلك عوائل المسؤولين رغم فساد بعضها،ولم يشتهر من ابناءه سوى خالد ابنه في العمل السياسي المعارض ولكن دون أن يكون له دور رئيسي،أما فترة أنور السادات 1970-1981م فهو الاخر لم تكن لعائلته اي دور سياسي هام،صحيح أن لزوجته وبعض أفراد أسرته دور سياسي صغير ناتج من التدخل في أمور الدولة،مع ثراء فاحش ناتج عن فترة الفساد التي طبعت حكمه الذي لم يكن بمستوى ديكتاتورية عبد الناصر أو مراقبته لحالات الفساد المالي وغيرها.أما الحاكم الاخير والذي مازال في الحكم فهو حسني مبارك،وهويحكم البلاد بقبضة حديدية منذ عام 1981م وقد أستفاد من اخطاء سلفيه في الحكم ولذلك كان همه الاول هو البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة وهذا ما تم له دون أفتعال الازمات الخارجية والداخلية مع فرض المزيد من السيطرة البوليسية على أمور الدولة والتحكم فيها بعد أقصاء اي معارضة ممكنة للحكم،وقد أمتاز حكمه بالفساد والتدهور الاقتصادي والاجتماعي،وقد برزت لاول مرة عائلة الرئيس وكانت البداية مع زوجته التي لا ينافسها أحد سوى زوجها من حيث تواجدها المستمر في وسائل الاعلام المحلية كون الاعلام الخارجي لا يهتم بأخبار عوائل المسؤولين سوى الهامة جدا،وهي تترأس عدد كبير من المنظمات والجمعيات الخيرية وهي لاتحمل صفة مسؤول في الدولة سوى زوجة الرئيس ذلك المنصب الهام الذي لا يستطيع الوصول اليه احد!وهي تعتبر مع زوجها وأبنها (جمال)الثلاثي الحقيقي الذي يقود البلاد،ومنذ عام 2000م برز أبن الرئيس جمال مبارك(مواليد1963) وأصبح ينظر اليه على أنه المرشح الوحيد لوالده،والظاهر انه بعد نجاح الرئيس السوري حافظ الاسد في توريث الحكم لابنه بشار فأن الرئيس المصري اراد تكرار نفس السيناريو عن طريق التدرج في المناصب الحكومية والحزبية وهو الان يسيطر من الناحية الفعلية على الحزب الوطني الحاكم من خلال منصبه الرئيسي،أمين السياسات في الحزب الحاكم وهو الذي يخطط ويشرف على سياسات الحزب والدولة عموما،وقد سمح له منصبه هذا في تعيين الاعوان وأبعاد المعارضين مما يسهل عليه البدء في السيطرة على المناصب الرئيسية في الدولة،وقد بدأ بالفعل في السيطرة على الكثير من الاجهزة الامنية والعسكرية،ورغم المعارضة الشديدة في الشارع المصري لفكرة التوريث السياسي المتخلفة والتي هي دليل بارز على مدى أنحطاط وتدهور الحكومات الديكتاتورية،ألا أن تلك المعارضة مستبعدة تماما من كونها تؤثر على النظام وبنيته البوليسية الارهابية التي ترعب الشعب المصري وتجعله لا يفكر في السياسة مادامت توصله الى النهاية المحتومة أو أنشغاله أساسا بالامور الاقتصادية الصعبة،والواضح أن العامل الخارجي يرغب في رؤية رئيس لمصر يكون على نمط حسني مبارك الحريص على أرضاء الغرب،ولا يجد أفضل من أبنه جمال كونه تربى على تلك السياسة في بيت والده،وبالتالي فأن التأييد الخارجي سوف يكون أكثر من التأييد الذي حظي به الرئيس السوري بشار،ورغم أن أبن الرئيس ليس عسكريا الا أن القوات المسلحة المصرية وهي الحاكم الحقيقي لمصر منذ انقلاب 1952م لا يستبعد خضوعها للرئيس ورغبته في تعيين أبنه،ولم يعرف عن المؤسسة العسكرية خلال حكم الضباط الثلاثة أي معارضة لسياساتهم الديكتاتورية الفاشلة وغالبا مايعين القادة العسكريون في مناصب مدنية بعد خروجهم من الجيش للحفاظ على ولائهم مما يؤدي الى أمتصاص أي معارضة من جانبهم سواء أثناء عملهم في القوات المسلحة أو خارجه ما دامت الاموال والمناصب موجودة.لقد أثرت عائلة الرئيس وأعوانه كثيرا خلال فترة الحكم الطويلة وكانوا أحد الاسباب الرئيسية في تدهور الوضع الاقتصادي وأبتعاد رأس المال المحلي والاجنبي من التواجد الدائم والمستمر على ارض مصر،التغيير مستبعد على المدى المتوسط كون السيطرة الامنية والعسكرية للنظام هائلة على البلد وتحظى بالدعم الدولي الكبير مما يجعل فكرة التحرك الشعبي الواسع ضد النظام مستبعدة كليا لانها سوف تواجه آلة النظام الجهنمية،أي الاجهزة الامنية التي لا تتورع عن القيام بأي عمل لخدمة النظام وتاريخها حافل بالتجاوزات المشينة مما يجعل فكرة الابادة الجماعية للمعارضين سهلة للغاية!.
التغيير الوحيد هو من داخل المؤسسة العسكرية وهو صعب عليها الان بسبب سيطرة النظام القوية من جهة أضافة الى أن التأييد الشعبي سوف يكون ضعيفا لان البديل سوف يكون مشابها للنظام الحالي. وفي حالة التغيير في رأس النظام ولأي سبب كان فأن الكثير من العوائل السياسية المتحكمة الان سوف تخرج من ساحة العمل السياسي بما فيها عائلة الرئيس الحالي كما جرى للانظمة السابقة،والتوريث السياسي في مصر نادرا عموما رغم بعض بقايا العوائل السياسية منذ العهد الملكي مثل عائلة غالي وماهر وغيرها وهي ظاهرة طارئة عموما شجعتها الظروف المحلية(طول فترة حكم الرئيس)والظروف الدولية(الدعم الدولي المستمر في كل المجالات للحفاظ على حياد مصر).
النظام في مصر يحكم البلاد من خلال قوانين الطوارئ سيئة الصيت منذ عام 1981م وهي تمكن النظام من فرض سياساته المختلفة نتيجة للصلاحيات الهائلة التي يحظى بها الرئيس مما يجعل رغبته في توريث ابنه سهلة،وقد قام النظام بأمرار الكثير من الفقرات الداعمة لحكمه في الدستور رغم المعارضة الشعبية ونتيجة للعلاقات الواسعة مع الغرب والرغبة في أبقاء الدعم الدائم له فأنه يسمح بمعارضة للتأكيد على ديمقراطية نظامه يقمعها بقسوة أذا شعر بأي خطر عليه دون الاكتراث للراي العام العالمي ومنظمات حقوق الانسان التي لا يساندها سوى الضمير الانساني العالمي الحي.
7-اليمن:
من أكثر بلدان العالم العربي تخلفا وخاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي،استولى العقيد علي عبد الله صالح الاحمر على مقاليد السلطة في تموز1978م وهو من قبيلة حاشد،كبرى القبائل اليمنية التي يقال بأنها تشكل 25% أو أقل قليلا من سكان البلاد الكلي،والنظام في اليمن ديكتاتوري مع هامش صغير من المشاركة السياسية على غرار الوضع في مصر،الا ان القرار السياسي بيد الرئيس وعائلته وقبيلته الكبيرة التي يتولى افرادها غالبية المناصب الحساسة،ومن ضمنها رئاسة البرلمان والحزب الحاكم،ويسيطر أبناء الرئيس وأخوانه وأبناء أخوته على مناصب عسكرية وامنية حساسة تؤهلهم للاستيلاء على الحكم والاحتفاظ به لفترة طويلة،فبالاضافة الى الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها الرئيس،فأن لافراد عائلته صلاحيات واسعة،وقد أثروا كثيرا لحسابهم الخاص وكما هو معروف عن عوائل القادة العرب واستفادوا من طول فترة حكم الرئيس صالح في الاثراء غير المشروع وترسيخ بقائهم في المناصب المعينة لهم،ويعتبر العقيد احمد ابنه(مواليد1969م)المرشح الرئيسي لخلافة والده وهو قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وله نفوذ واسع في الدولة ومن ضمنها الاجهزة العسكرية ونفوذه مستمد من والده كما هو معروف وقد تحظى مسألة التوريث السياسي بمعارضة الا انها تبقى ضعيفة وبالتالي لا يوجد ما يوقف عملية التوريث في ظل السيطرة الكبيرة على امور البلاد والقسوة المعروفة للنظام في تعامله مع الخصوم كذلك تحالفه مع الانظمة العربية وخاصة السعودية التي تدعم التيارات السلفية التي لها نفوذ واسع في الدولة والتي نشطت كثيرا منذ غزو أفغانستان بسبب تشجيع النظام للقتال هناك وهذا ما يفسر تشكيل المقاتلين من أصل يمني نسبة كبيرة من مقاتلي القاعدة وغيرها وخاصة في العراق بعد عام2003م كذلك التحالف السابق والقوي مع نظام البعث في العراق قبل سقوطه،أما بعد السقوط فقد أصبح اليمن قاعدة لمسؤولي النظام السابق وخاصة ضباطه وقادة حزبه الهاربين من وجه العدالة،وقد أستفاد من وجودهم في تقوية بنيته العسكرية والامنية وخاصة في حربه المعلنة ضد الثوار الحوثيين المستمرة منذ عام 2004م،وكذلك بقية ابناءه لهم دور فعال في أجهزة الدولة المختلفة ومن أفراد اسرته الذين لهم دور هام في البلاد،الجنرال علي محسن الاحمر الاخ غير الشقيق للرئيس وهو قائد عسكري لفرقة عسكرية هامة والمنطقة الشمالية،وكذلك ابناء أخ الرئيس الثلاثة وهم قادة الامن المركزي والامن القومي وهم احد مراكز القوى في الدولة ولهم نفوذ واسع بالاضافة الى الكثير من الضباط والمسؤولين من أفراد عائلة الرئيس واقربائه وهم يشكلون مركز قوة النظام.وكما هو معروف عن اليمن أن للقبائل دورها الرئيسي في البلاد لذلك فان تحالف النظام معها دعامة اساسية له في مواجهة المعارضين وخاصة الحوثيين وابناء جنوب اليمن.ورغم وجود مساحة من الحرية النسبية للصحافة والاحزاب الا أن تقدم العملية السياسية يصطدم بمعوقتين كبيرتين هما النظام وأساليبه الديكتاتورية القديمة،والاخر هو النظام القبلي البدائي والمسلح بنفس الوقت!لذلك لم يحقق النظام رغم طول بقاءه في السلطة وكثرة المعونات الخارجية اضافة لتدفق النفط والغاز منذ عام 1984م وتحويلات المقيمين الضخمة في الخارج،أي تقدم اقتصادي واجتماعي للبلد الذي بقي في دائرة التخلف والتصنيف ضمن أكثر دول العالم تخلفا وعلى كافة الاصعدة،وفي حالة تغيير البنية الاساسية للنظام والابتعاد عن دائرة القبلية والمحسوبية وتأسيس نظام حر هو السبيل الوحيد لتقدم اليمن وما عداها فأن الامور تبقى كما هي بل تسوء في ظل النمو السكاني العالي وأختفاء التنمية الحقيقية وأذا حول السلفيون والطائفيون اليمن الى قاعدة لانطلاق جهادهم اذا سيطروا على الحكم كما فعلوا بأفغانستان أو ازداد نفوذهم.
8-العراق:
خلال العهد الملكي 1920-1958 سيطر على الحكم الاسرة الهاشمية من الحجاز وهي الاسرة الحاكمة في الاردن الان،بمعونة عدد من العوائل البرجوازية والاقطاعية وهم في غالبيتهم ينتمون الى العنصر العربي السني رغم ان الكثير منهم من أصول تركية بحكم الفترة الطويلة للحكم العثماني،وقد اختفى معظم أفراد تلك الاسر بعد سقوط الحكم الملكي،وقد عاد الى العراق بعض ابنائهم الذين شاركوا بالمعارضة العراقية السابقة للنظام البعثي الديكتاتوري ونذكر منهم أحمد الجلبي وعدنان الباججي ونصير الجادرجي وعادل عبد المهدي واياد علاوي وغيرهم كثيرون. خلال الفترة من عام1958-1968 لم يبرز من عوائل السياسيين أحد كون العراق في تلك الفترة يمر بمرحلة من الفوضى والانقلابات المستمرة ماعدا فترة خلافة الاخ الاكبر للرئيس عبد السلام عارف عام1966م وهو الفريق عبد الرحمن عارف بين1966-1968 الذي سقط حكمه بأنقلاب البعث،وقد جرت عملية التوريث بطريقة أنقلابية وبمساعدة من بعض العسكريين الذين ابعدوا رئيس الوزراء المدني عبد الرحمن البزاز وبذلك فقد العراق فرصة عظيمة لاستعادة الحكم المدني بمؤسساته الدستورية،مما فسح المجال لطغمة حزب البعث الارهابية في التسلق على السلطة عام 1968 وبسيطرته على الحكم دخل العراق بدوامة رهيبة من القمع والوحشية والاضطراب والحروب الداخلية والخارجية لم تنتهي الا بعد التدخل الخارجي لاسقاط النظام عام 2003م.ولذلك غالبا ما يؤدي التوريث السياسي الخالي من أساليب الديمقراطية والعدالة الى نشوء نظم شمولية تفوق سابقتها ظلما وطغيانا.تميزت فترة حكم البعث الثانية،بفترتين رئاسيتين،الاولى بين عامي1968-1979م في عهد البكر والذي سلم الحكم لقريبه صدام،وتمتاز هذه الفترة بعدم بروز عوائل السياسيين ما عدا الفساد المالي والاخلاقي،ولكن حكم الديكتاتور صدام،تميزت ببروز عائلته وعوائل أقربائه من منطقته سواء قرية العوجة أو مدينة تكريت والمدن القريبة منها يضاف الى ذلك عدد من عوائل المسؤولين في الدولة والحزب وهم في غالبيتهم ينتمون الى محافظة الانبار ثم بغداد وديالى والموصل بدرجة اقل وهم ينتمون مثل الانظمة السابقة للطائفة السنية،ولكن الذي يميز عوائل قادة النظام وخاصة من عشيرته،هو وضاعة وضعها الاجتماعي والاخلاقي والثقافي والمادي قبل الانقلاب لذلك تميزت تصرفاتهم بالهمجية الشديدة الناتجة من الجهل والتخلف وضعف المستوى التعليمي لابنائها،مما جعل عدائهم لكل البارزين من أفراد الشعب واضحا ومميزا فأصبح العراق يحكم من قبل عصابة شبيهة بالمافيا تتعامل بقسوة وبدائية مع شعب يعتبر من أكثر الشعوب تطورا في الشرق الاوسط وخاصة من الناحية الثقافية والتعليمية،منذ عام1983م برز أبني صدام،عدي وقصي في الامور العامة وكانا حينذاك مراهقين معروف عنهم التهور والفساد الاخلاقي واللهو وقتل الناس بدم بارد وهي الصفات التي لازمتهم حتى قتلهم عام2003م وهي صفات ظهرت أيضا مع أبناء العوائل القريبة من رأس النظام ولكن بدرجة أقل.أستولى الابن الاكبر عدي على المناصب الرياضية الرئيسية في البلاد بما فيها الاندية ومجالسها منذ عام 1984م وتميزت الفترة التي سيطر فيها على القطاع الرياضي بتدهور الحركة الرياضية في العراق،بعد أن كان بارزا في منطقة الشرق الاوسط في فترة السبعينات رغم ضعف الدعم الحكومي آنذاك بالمقارنة مع الانظمة الخليجية المجاورة والتي تطورت الحركة الرياضية فيها كثيرا،كذلك أمتازت أدارته بالقسوة الممزوجة بالاذلال للرياضيين الذين فقد البعض حياتهم من جراء ذلك وهرب البعض الاخر،وبعد هزيمة صدام في حرب 1991م أسس عدي صحيفة بابل في تطور مثير كونه لايحمل من المؤهلات الصحفية أو الثقافية التي تجعله يدير القطاع الاعلامي للنظام وهوجهاز حيوي وفعال للتغطية على جرائم النظام ومن ثم مد نفوذه الى خارج العراق خدمة لاغراضه وطموحاته،وسرعان ما سيطر على غالبية المؤسسات الاعلامية والنقابات والاندية المختلفة وبنفس الطريقة الهمجية ادار تلك المؤسسات التي تحتاج الى أدارة بعيدة عن العنف والجهل،وتستخدم المرونة الممكنة لترويض الطبقة المثقفة التي تعمل بها،لكن طبيعة النظام الدموية وبدائيته وتخلفه الفظيع جعل تصرف هذا الاحمق شيئا طبيعيا في عرف الطبقة الحاكمة،الا أن ذلك لم يرضي نفسيته المريضة نحو السلطة والحكم فسرعان ما تحول الى الاجهزة الامنية التي كانت حكرا على أخيه الاصغر قصي الذي كان يمارس نفس دور ابيه أثناء حكم البكر في السيطرة الصامتة على الحكم،فكان تأسيسه مليشيات فدائي صدام الارهابية لحماية النظام عام1994 في محاولة منه لتحويل الانظار لخلافة والده،الا ان سيطرة الاخ الاصغر أخذت بالتزايد على الاجهزة الامنية والعسكرية خاصة بعد قتل ازواج بنات الديكتاتور عام 1996م اللذين تسلما الكثير من المناصب الامنية والعسكرية رغم جهلهما الفاضح في ابسط الامور والناتج لعدم تمكنهما من تكملة التعليم الاساسي،ولايعرفان سوى تكلم اللهجة المحلية ذات المفردات الغريبة عن اللهجات الرئيسية في العراق!الا أن قرابتهما لرأس النظام جعلهما يصلان الى تلك المواقع الحساسة،لكن دورهما كان دائما بعد دورأبناء الرئيس وبالتالي لم يتاثر النظام بتصفيتهما،ولم يكن هؤلاء الجهلاء الوحيدين على الساحة فقد كان لخال الرئيس وابنه أدوارا هامة وخاصة الاخير في وزارة الدفاع التي تسلمها برتبة مقدم ورفع بعدها بشهور الى فريق اول ! ثم أخوان الرئيس الثلاث من امه والذين تسلموا أخطر المسؤوليات الامنية من وزارة الداخلية الى المخابرات والامن لفترة طويلة،بالاضافة الى ابناء العم وعلى رأسهم على الكيمياوي وأبناء الخالات والاقرباء،الا أن الوريث السياسي للنظام كان حتى سقوطه عام2003م هو قصي الذي اعتمد عليه والده في قيادة وأدارة الاجهزة الامنية والعسكرية والتي أبعد عنها أخيه الاكبر خاصة بعد محاولة أغتياله الفاشلة نهاية1996م وأنصرافه للهو والبذخ في بلد يعاني من الحصار الشديد،الا أن جهل قصي في الامور العسكرية جلب للنظام أثناء الحرب الاخيرة المزيد من الهزائم الكبيرة في ساحة المعارك. ساهمت همجية وتخلف وسوء سلوك تلك العوائل المستأثرة بالحكم وطغيانها الواضح الاتي من طبيعة النظام وطول فترة حكمه،بالاسراع بسقوط النظام وأنعدام أي شعبية له،وقد خلف حكمهم الاسود مآسي وآلام للشعب العراقي مازال يعاني منها،وبالتاكيد في ظل الحرية والديمقراطية الجديدة في هذا البلد رغم الارهاب فأن عودة أبناء وعوائل نظام البعث السابق الى المسرح السياسي مستبعدة حتى على المدى البعيد.
بعد التغيير الكبير الذي أحدثه سقوط النظام عام2003م برزت الى الساحة السياسية الكثير من القوى التي كانت مغيبة،فكان بروز عدد كبير من السياسيين ومن كافة الطوائف والاعمار،وبعد مرور عدة سنوات أخذ عدد كبير منهم يغادر ساحة العمل السياسي ولعدة اسباب ومن أبرزها عدم حصولهم على الدعم الشعبي أثناء الانتخابات الاخيرة عام2005م ولتوضيح جانب التوريث السياسي في هذه المرحلة وفي المستقبل المنظور على الاقل فسوف نختار المجموعات الرئيسية الثلاث في البلاد وهم الشيعة والسنة والاكراد على أعتبار أن المجموعات الصغيرة الاخرى تشترك في غالبية الصفات الا أن تأثيرها على مستوى البلاد ضعيفا بالمقارنة مع المجموعات الكبرى الثلاث.
على مستوى الطائفة الكبرى وهم الشيعة،فان السياسيين ينقسمون الى أسلاميين وعلمانيين على الاغلب،والاكثر تاثيرا بالطبع الاسلاميين الذين يقودهم رجال الدين وفي غالبيتهم ينتمون الى عوائل دينية مشهورة،ولكن عموما تسيطر على الساحة السياسية الشيعية في العراق عائلتين علميتين دينيتين هما آل الصدر وآل الحكيم وهما عائلتين لهما تأريخ عريق في العلم والجهاد ضد الانظمة المستبدة التي تعاقبت في العراق،وقد برز دور آل الصدر السياسي قبل ثورة 1920م بينما برز دور آل الحكيم منذ أوائل الخمسينات من القرن العشرين عندما تولى زعيم الاسرة الامام السيد محسن الحكيم زعامة الطائفة في العالم،وقد قدمت الاسرتان خيرة رجالهما،ضحايا في مقارعة البعث الفاشي،وبعد سقوط النظام عام2003م برز نجل الامام السيد محمد الصدر،مقتدى الصدر الذي تولى قيادة التيار الصدري التابع لوالده،وهو تيار شيعي عريض له جذور في داخل العراق أكثر منه في الخارج،ويمتاز بكثرة الاحزاب والمجموعات التي تدعي الانتساب اليه،مما يؤدي الى عدم الانضباط فيه،كما أن قائده السيد مقتدى يمتاز بصغر سنه وعدم أكماله لدراسته الدينية بالاضافة الى عدم خبرته في العمل السياسي قبل سقوط النظام مثل بقية قادة التيار الاخرين مما أدى الى اتخاذهم القرارات التي أتصفت بالتسرع سواء في مقاومة قوات التحالف أو التصادم مع المجموعات الاخرى أو التصريحات اللامسؤولة،وقد أدى ذلك الى سقوط الكثير من الضحايا وخسائر كبيرة في الممتلكات كان من الممكن تجنبها وتجنب عداء الاخرين،الا أن التيار منذ منتصف عام2007م أخذ يدعو الى التهدئة والعمل السياسي السلمي،وتجنب الاصطدام مع الاخرين وبالتالي السير في الاتجاه الصحيح،أما في حالة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الذي فقد قائده وهو السيد محمد باقر الحكيم في التفجير الارهابي عام 2003م الذي كان يتوقع له دور كبير في العراق الجديد نظرا للمكانة العالية التي يحظى بها، فقد تولى أخيه السيد عبد العزيز مقاليد القيادة في المجلس وهو عضو فيه منذ تأسيسه عام1982م الا انه كان دون مستوى أخيه الشهيد الديني والسياسي،وقد حافظ على قيادة جماعية في المجلس ولكن تحت اشرافه مما يجعل دور المجلس أكثر بروزا وحركية بالقياس الى الكثير من الاحزاب الاخرى التي ترتكز على قيادة فردية،الا أن بعد مرضه الاخير في منتصف2007م برز أبنه السيد عمار لقيادة المجلس،ورغم أنه رجل دين شاب مثقف ومنفتح كثيرا،الا ان صغر سنه النسبي وكونه أبن رئيس المجلس قد جعل البعض يعارضون الفكرة كونها قريبة للتوريث وبعيدة عن الاختيار الديمقراطي،الا انه في حالة تولي قيادة المجلس في السنوات القادمة فان قيادته سوف تكون نسبية الى حد ما كون هناك الكثير من المؤسسات والشخصيات داخل المجلس التي تصدر القرارات المختلفة وهذه قوة بالطبع لكل الحركات السياسية التي لا تتاثر بفقدان قادتها،مما يجعل للمجلس دور بارز على المسرح السياسي،بالاضافة الى ذلك يتواجد عدد من أبناء العوائل الدينية الاخرى في ساحة العمل السياسي ولكن دون نفوذ الاسرتين السابقتين.
أما في حالة العلمانيين الشيعة فهناك عدد من السياسيين الذين ورثوا زعاماتهم من أسرهم أمثال احمد الجلبي وأياد علاوي وسعد صالح جبر وغيرهم،وبالطبع لهم الكثير من المؤيدين والانصار ومن المؤكد أن دورهم سوف يستمر طويلا وقد يظهر على المسرح السياسي آخرون غيرهم.
اما بالنسبة للطائفة السنية فقد ورث الزعامة السياسية من أسرته عدد كبير من السياسيين،نذكر منهم نائب الرئيس طارق الهاشمي وهو من اسرة لعبت ادوارا هامة في العهد الملكي مثل رئيسي الوزراء ياسين الهاشمي وأخيه طه الهاشمي،والسياسي عدنان الباججي نجل رئيس الوزراء في ذلك العهد مزاحم الباججي،ونصير الجادرجي نجل السياسي المعروف كامل الجادرجي وفلاح نجل اللواء حسن النقيب المعارض المعروف وغيرهم الا ان دورهم ونفوذهم داخل الطائفة السنية هو دون مستوى نفوذ قادة الشيعة والاكراد داخل طوائفهم وقد يعود السبب في ذلك الى كثرة عددهم وضعف مركزيتهم وضعف دورهم في السلطة السابقة أو في المعارضة.
دور العوائل السياسية لدى الاكراد العراقيين قويا جدا ويعود ذلك لكون الشعب الكردي يتكون من قبائل كبيرة الحجم ويمتاز قادتها بسيطرتهم المركزية على أتباعهم وهم كانوا قادة الثورات المستمرة في العهود السابقة،ورغم علمانية معظم القادة الاكراد الا أن الطابع القبلي هو المهيمن عليهم والقوة الدافعة للاكراد لاختيار حكامهم كجزء من التطرف القومي.ومن أبرز قبائلهم البارزاني والطالباني والسورجي والجاف والزيباري وغيرها،الا ان في العهد الجديد تسيطر على اقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد عشيرتي البارزاني والطالباني،وقد سيطروا على أغلبية المناصب الحكومية في الاقليم الذي يخضع لحزبيهما ورغم المعارضة لسيطرة الحزبين،الا ان الامكانات المادية الهائلة والسيطرة العسكرية والامنية على الاقليم يجعل من الصعوبة تغيير الوضع خارج نطاق الحزبين،وقد أستفاد الكثيرين من اعضاء الحزبين من الوضع الراهن في تحقيق الاثراء غير المشروع والسيطرة على المناصب وتوزيعها على الاعوان،مما ادى الى نشوء طبقة ثرية وغالبية فقيرة،في ظل غياب تاثير الحكومة المركزية في بغداد.
يتولى رئاسة الاقليم مسعود البارزاني وهو نجل الملا مصطفى وله هيمنة مستمدة من قيادة والده وأجداده التاريخية بينما يتولى رئاسة حكومة الاقليم أبن اخيه نيجيرفان البارزاني(مواليد1966) الذي له نفوذ كبير،وبالمقابل تسيطر عشيرة الطالبانيين على محافظة السليمانية ولها نصف المناصب تقريبا في الاقليم الا ان ثرائهم دون البارزانيين بسبب سيطرة الاخيرين على المعبر مع تركيا والذي يدر عائدات ضخمة من الضرائب والتهريب، ومن المحتمل ان يكون لعائلة رئيس الجمهورية جلال الطالباني دور سياسي وخاصة لابنه في المستقبل ولكن دون مستوى عائلة البارزاني.
التوريث السياسي في العراق اصبح ظاهرة الان في الحكومة والقوى السياسية،الا ان تأثيرها لن يكون كارثيا كما في بقية الدول العربية الاخرى بسبب كثرة عدد السياسيين من جهة وتشتت مراكز القوى في الدولة بسبب التحول نحو اللامركزية في الحكم من جهة أخرى،والذي يساعد على أرساء مبادئ الديمقراطية وأبعاد ظاهرة الديكتاتورية على المدى البعيد،نعم أن لظاهرة التوريث دورا كبيرا في نشوء ظاهرة المحسوبية وعدم أختيار الكفوء وتساعد على الفساد المالي والاداري الا أن تلك الظاهرة من الممكن تحجيمها الى أدنى مستوى ممكن في المستقبل عن طريق نشر الحرية وتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحفاظ على حرية الاعلام واحترام الدستور وتوزيع الصلاحيات وحق الترشح للانتخابات للجميع،لانه السبيل الوحيد لاقامة المجتمع المدني المتحضر الحر،ودفع عجلة التنمية الى الامام بدون معوقات.
من النماذج الفريدة في التاريخ المعاصر والمثيرة للاعجاب والتي أختم البحث بها هو ابعاد الامام الخميني زعيم الثورة الايرانية لعائلته عن الحكم والمعترك السياسي عموما في حياته،ووصيته لهم بالانشغال بالامور الحياتية الاخرى بعد رحيله وهذا ما تم له،ولم يؤثر هذا القرار لا على الثورة ولا على الدولة في الاستمرارية بل على العكس زاد من قوتها من جراء تنوع قياداتها وأصبح ذلك نموذجا لرجال الدولة الاخرين ممن يرغبون في السير على نهجه وأدى الى تطور النظام السياسي بالاتجاه الصحيح مما يدل على ان عامل التوريث السياسي عامل معوق للتقدم على كافة المجالات،وهو مثال نادر يحتذى به ودعوة لكل السياسيين في العالم في ترك شعوبهم يختارون الافضل فالافضل سواء من افراد عوائلهم أو غيرها،المهم حرية الاختيار.

الخلاصة:
التوريث السياسي هو ظاهرة قديمة في تأريخ الانسانية وقد جلبت الكثير من الكوارث والمآسي للبشرية على مر تأريخها كما حد من تطورها وهو بالضد من العدالة لاختيار الافضل فالافضل لاعلى المناصب القيادية في الدولة والامة ،ولكن من ناحية أخرى له بعض الايجابيات التي من بينها الحد من الصراعات الدموية للوصول الى الحكم والاستقرار السياسي على المدى المتوسط وغيرها،لكن تبقى سلبياتها تفوق أيجابياتها .التوريث في السياسة والمال والجاه أسهل بكثير من التوريث في الامورالدينية والفكرية والعلمية والادبية.التوريث السياسي ليس حكرا على الانظمة الملكية وأنما الجمهورية ايضا وينتشر في النظم المستبدة أكثر من الحرة التي تكون الصلاحيات الممنوحة مقيدة ومحدودة.التوريث يزداد كما ونوعا في العالم العربي،ويزداد انكماشا وندرة في الامم المتقدمة .دعم عملية التوريث خارجيا أحيانا اكثر منه داخليا،والمعارضة غير المدعومة خارجيا لاتستطيع تغيير الوضع مادام سيف التسلط حادا ولا يفرق بين الجميع ومستعدا لقتل أكبر عدد ممكن في سبيل الحكم والثروة.أحيانا كثيرة تتحمل الشعوب أختيارها السئ لحكامها وأفراد أسرهم في ظل غياب تام للوعي والادراك التام لما يحدث من تفضيل وأنعدام الشعور بالمساواة مع الحاكمين. الدول التي خضعت لحكم التوريث أزدادت فقرا وتخلفا وفسادا واضطرابا وبالمقابل الدول التي لم تعرف التوريث أزدادت حرية ورخاءا واستقرارا ومساواة.ينتشر التوريث والنفوذ السياسي والاقتصادي لعوائل السياسيين في عدد كبير من بلدان العالم ومن ضمنها التي لم يذكرها البحث وكان لهم دور هام في بلادهم:أندونيسيا،الفلبين،تايلاند،ميانمار،كمبوديا ،الارجنتين،عدد من جمهوريات أمريكا اللاتينية وغالبية الدول الافريقية.البحث كان مختصرا والموضوع يحتاج للكثير من الدراسة والتنقيب لطرح أفضل النتائج على المجتمعات الانسانية حتى يتسنى لها أختيارالافضل فالافضل بوعي وادراك وبحرية كاملة لبناء عالم خال من الحقد والكراهية والخوف والانانية ويقوم على المحبة والمساواة بين الجميع.





هناك تعليق واحد:

حسن ارابيسك يقول...

المقال رااااااااائع بمعنى الكلمة ولن تسعفني الكلمات للثناء على قريحة كاتب مثل حضرتك يمتلك أدوات لغوية ومعرفية وخبرية وتحليلية غاية في الروعة
تحياتي
حسن ارابيسك