إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/01/31

من اسفار المكتبة:السفر الثالث


من اسفار المكتبة:السفر الثالث
كثيرون لا يهتمون للكتب والمجلات وحتى الاحصائيات التي تتناول شؤون الطاقة بمختلف انواعها وخاصة البترول!...رغم ان ذلك يمثل حجر الاساس في الحياة منذ القدم...
لقد شغل الصراع بين البشر حيزا كبيرا في حياتهم برغم الخسائر الفادحة التي تصيبهم من ذلك الصراع!...ولكن الصراع من اجل الطاقة كان ومازال يمثل الحيز الاكبر من تلك الصراعات!ومع ذلك لا يهتم حتى ولو مجرد الاطلاع غالبية الناس العاديين برغم تأثيرات الطاقة على ابسط شؤون حياتهم التي تصل الى درجة عالية من التأثير قد تقلب الحياة رأسا على عقب...وهذا التهاون المريع يسبب ليس فقط ضعفا في بناء الشخصية المعرفية بل وايضا ضعف شديد في التحليل والقراءة للاحداث اليومية والتي على اساسها تبنى المواقف والرؤى مما يعني ان كثيرا من الاراء التي تصدر ليس فقط من الناس العاديين بل حتى المثقفين وايضا المتخصصين هي مشوهة وبعيدة عن الحقيقة التي لا تكون صادرة الا بالاستناد على شروط قاسية من الموضوعية والمعرفة العميقة في مختلف الفروع لان بناء المعرفة على اساس احادي كمثل بناء خيمة على عمود واحد! مما يعني استحالة القراءة في شؤون الطاقة كمثال بدون قراءة للتاريخ والجغرافية والاجتماع والاقتصاد مما يعني اعباء كبيرة تقع على كاهل من لا تسمح امكانياته العقلية والحياتية على المراجعة والمتابعة!...هذا يعطينا نتيجة هامة هي ان النقص في التنوع المعرفي سوف يؤثر على نسبية الدقة في الرأي ايا كان نوعه...
ومن هذا المنطلق يتبين لنا ان الضعف المعرفي في شؤون الطاقة وخاصة المصدر الاول:البترول هو خطأ كبير يسير عليه الكثيرون مما يعني تنبيههم على ذلك ،كما انه من الضروري تنبيه المتخصصين في كل المجالات المعرفية ومنها الطاقة والتي لا يهتم بمتابعتها الكثيرون!...عليهم واجب مهم يتضمن تبسيط المعلومات للناشئة والبالغين وحسب درجات الفهم والادراك لديهم،حتى يكون هنالك حيازة تساعد على فهم الامور من جميع اركانها مما يتسنى للجميع اخذ الحيطة والحذر حتى في معيشتهم الطبيعية.
برغم ان الكتب الصادرة في شؤون الطاقة ومنها البترول هي من الكثرة بحيث تصعب عملية متابعتها فضلا عن استيعابها بأفضل صورة،الا ان الكتب المترجمة الى اللغة العربية هي ضئيلة بشكل يدعو المخلصين الى دق ناقوس التحذير من الجهل في تلك الامور الهامة،فضلا عن ان هنالك نسبة كبيرة من تلك الكتب المترجمة اما ان تكون ليست مهمة او صعبة الفهم لكونها حاوية للغة معقدة لا يفهمها سوى المتابعين...
من الكتب التي انتهيت من قرائتها هي كتاب:انتهت الحفلة،
سراب النفط ،النفط والحرب ومصير المجتمعات الصناعية...
اما المؤلف فهو ريتشارد هاينبرغ...وهو صحفي امريكي ومتخصص في شؤون الطاقة...والكتاب مؤلف عام 2003 والترجمة العربية طبعت عام 2005 في كتاب يتضمن382 صفحة من القطع المتوسط ومن الورق الخشن!...
المعلومات الواردة في الكتاب رغم اهميتها وبرغم بساطة التحليل ودقته الا انها في النهاية تمثل رأي الكاتب مما يعني ان الحقيقة قد تكون خلاف النتائج الصادرة منه كما اننا نرى في متن الكتاب بعض المعلومات الغير دقيقة او النتائج الغير صحيحة ولكن ذلك يشكل نسبة ضئيلة لا تؤثر على المجمل من القيمة العلمية والمعرفية للكتاب!...
يبدأ الكتاب بمقدمة المترجم... ثم تمهيد لمسؤول نفطي كبير يبدأ بعبارة ان النفط والسياسة صنوان لا يفترقان البتة...وتلك عبارة صحيحة لا شك فيها ويمكن قراءة الكثير من الشؤون السياسية من خلال تداخل اثر النفط فيها...
وبرغم اهمية التمهيد الا ان العبارة التي وردت ص17 حول ان النفط الموجود عام 2002 لا يكفي نصف مانحتاج اليه عام 2010 قد اثبت الواقع خطأها ! وسوف نرى ذلك في مواقع عديدة من الكتاب نستعرضها في حينها...
بداية جميلة:
يبدأ الكتاب الغربيون عادة فصولهم بعبارات دقيقة ومختصرة تؤيد ما يرمون الوصول اليه وتكون صادرة من كتاب اخرون مع ذكر التاريخ... واول عبارة هي ان صراع الحياة هو بالاساس تنافس على الطاقة المتاحة...وهي عبارة دالة على مقادر التنافس على مصادر الطاقة منذ بدء الخليقة لكون الحياة تستلزم الحصول على مصادر الطاقة القادرة على تلبية كافة الاحتياجات البشرية...وبعد شرح مفصل للطاقة والارض وقواعد اللعبة بينهما،والطاقة في الانظمة البيئية:الاكل والمأكول،يمنح البحث بعدا جديدا من خلال عرض تاريخي مدمج ببعض الامثلة،يخلص الى حالة التوازن الطبيعي هي نهاية كل نمو وتكاثر قد يتجاوز الامكانيات المتاحة مما يعني قانونا عاما يصلح حتى للتكاثر السكاني اذا تجاوز الحدود المعقولة...
وفي عنوان فرعي في الفصل الاول:ص36 يطرح عدة نقاط هامة تتلخص:
1- السيطرة،2-استخدام الادوات،3-التخصص،4-توسيع المجال،5-الاستنزاف...يقوم بشرحها بالتفصيل وفي النقطة الاخيرة والتي تهم الجميع هي حول ظاهرة الاستنزاف للموارد الطبيعية والتي تصل الى اعلى نقطة وتمثل ما يطلق عليه الذروة ثم تبدأ بالانخفاض وفي نفس الوقت يبدا النمو السكاني الذي يصل الى الذروة ايضا وبعدها يبدأ العدد بالانخفاض نتيجة لاستنزاف الموارد التي تدعم النمو السكاني...
وبعد استعراض لبعض البيانات الرياضية،يطرح افكاره حول قصة النجاح الامريكي(ص64) من خلال القول ان الدول الاوروبية استفادت من المستعمرات في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وخاصة من ناحية الموارد الطبيعية والموارد البشرية(العبيد) التي تفتقر اليهما القارة،في تنمية الموارد القومية وفي بناء امبراطوريات عملاقة تحولت في النهاية كيانات ضعيفة بفعل حالة التنازع الشديد والتي وصلت الى حد اشعال حروب عالمية عديدة...بينما في امريكا فقد تحولت تلك المستعمرة خلال اقل من قرنين الى اقوى قوة على وجه الارض بفعل وفرة موارد الطاقة والتي سهلت بناء اقتصاد قوي...ومن الملاحظ ان المجتمعات التي تتحول الى مورد جديد وسهل ورخيص للطاقة سرعان ماتكون السباقة في تطورها ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التحول من وقود الاخشاب الى الفحم وتحول بريطانيا الى قوة كبيرة من خلال استخدامها المكثف والامثل له...ثم تحول امريكا الى استخدام النفط الذي هو مصدر سهل الاستخدام واقل تلوثا للبيئة مما يعني بناء اقتصاد متطور من جراء التوسع في استخدام النفط والذي دخل في كافة مجالات الحياة حتى اصبح من العسير جدا الاستغناء عنه مما يعني ان اعتماد الانسان عليه وصل الى نقطة حرجة وهو يعطينا تفسيرا واضحا لكل حالات الصراع عليه...
مغزى اسم الكتاب يمكن معرفته من الفصل الثاني(ص75)والذي عنونه : وقت الاحتفال:الفترة التاريخية للطاقة الرخيصة والوفيرة...مما يعني ان فترة الازدهار الناتجة من توفر النفط وبقية مصادر الطاقة الاحفورية مثل:الغاز الطبيعي والفحم الحجري هي اكيد لها نهاية والتي سوف تكون كمن يغلق الانوار في ختام حفلة!...مما يعني ضرورة عودة الرشد بعد فترة من فقدان الوعي بسبب حالة اللهو اثناء فترة العبث!...
كان استخدام الفحم الحجري يعتبر في حينه ثورة ساعدت في التخلص من استخدام الاخشاب كوقود،ورغم ان الاثنان ملوثان للبيئة الى درجة عالية فأن ثورة البترول كانت هي نهاية عصر الفحم...
عصر البترول:
كما هو معروف فأن البترول بدأ انتاجه في ولاية بنسلفانيا في امريكا عام 1859 على يد الكولونيل ايدوين دريك،ولكنه كان يستخدم من قبل في موارد قليلة بفعل قربه من سطح الارض في بعض البقاع كما هو الحال قديما في بلاد مابين النهرين...ولكن الانتاج الحقيقي بدأ بعد ذلك التاريخ ورغم ان المكتشف لم يبقى طويلا في تلك الصناعة بسبب الخسائر! الا ان سيطرة الصناعي روكفلر عليها ساعد في تطويرها ومن ثم احتكاره لها بعد ذلك! حتى وصل الاحتكار الى درجة محاربة اي بروز نشاط خارج عن سيطرته مما ادى الى تشريع خاص من الكونغرس ينهي عصر الاحتكارات جميعها!...وهو الذي ادى الى نشوء الشركات النفطية...
بقيت امريكا فترة طويلة في صدارة الدول المنتجة للبترول حتى ازاحتها روسيا القيصرية والتي اكتشفت النفط بكميات غزيزة في باكو في آذربيجان في العقد الثامن من القرن التاسع عشر...
اقول: ومن ذلك التاريخ بقيت المنافسة بين الطرفين الى ان حدثت الثورة البلشفية وعندها احتفظت امريكا بالمركز الاول في الانتاج لغاية عام 1973 وعندها ازاحها الاتحاد السوفييتي عن تلك المرتبة ولغاية سقوطه وعندها تحول المركز الى السعودية ومن الممكن ان يكون المركز قد تحول الان الى روسيا بسبب الزيادة الكبيرة في انتاجها ...الا ان امريكا بقيت الاولى في حجم الاستهلاك ومازالت لحد الان!...وساعد ظهور النفط على اكتشاف الكهرباء ومن ثم انتشاره في العالم مما ادى الى بناء حضارة متقدمة تستند عليه وتدخل في جميع افرعه...
في عام 1901 اكتشف النفط بغزارة في تكساس ومن ثم بقية ولايات الغرب الامريكي مما ادى الى تحول في مراكز الانتاج وادى الى تهاوي الاسعار الى مستويات قياسية جعلته ارخص من ماء الشرب!...وساعد انتاج السيارة بكثرة من خلال تشكيل خطوط الانتاج واصبحت بعدها الوسيلة المفضلة للنقل في امريكا مما ادى الى سرعة في نمو قطاع النقل بجميع افرعه وهو احد اسباب النهضة الاقتصادية بلا شك...
توقفت الصادرات النفطية الامريكية عام 1943 وهو نفس العام الذي بدأت فيه العلاقة الخاصة مع السعودية والتي تحكمها المصالح المشتركة من خلال تزويد الاولى بما تحتاج اليه،ثم مقابل ذلك تفرض الحماية للثانية!..
وخلال عقد الخمسينات بدأت امريكا في استيراد النفط من الخارج حتى اصبح يشكل جزءا كبيرا من الاستهلاك...وخلال القرن العشرين فرضت الشركات الامريكية سيطرتها على سوق الانتاج والتكرير والتصدير في مختلف بقاع الارض برغم التمردات المتكررة من الدول المنتجة في الشرق الاوسط وفنزويلا...
الاحتياطي الغير المعلن:
تعلن الدول المنتجة في الغالب عن ارقام احتياطياتها الا ان عدم الاعلان والسرية في طرح الارقام اصبح سمة سائدة!...ويذكر المؤلف ص122 كيف ان غالبية دول الشرق الاوسط قد بالغت كثيرا في اعلان ارقام احتياطياتها في بداية الثمانينات برغم الانتاج الكبير وعدم اكتشاف حقول جديدة!... ويعلل السبب في كون الاوبك بدأت في اعلان نظام الحصص مما يستدعي تقسيم الانتاج وفق حجم الاحتياطي وكذلك فأن ضخامة الاحتياطي تجعل الثقة عالية مما يعني منح المزيد من القروض!!...ذلك يعني ان حجب المعلومات هو مؤثر ولكن لن يظهر الا بعد وصول الانتاج الى الذروة!.
تهاوي نظريات الذروة:
يطرح في الفصل الثالث(ص131) نظريات دنو الفاصل التاريخي وهي نظريات يطرحها المختصون في شؤون الطاقة والجيولوجيا حول وصول الانتاج النفطي الى الذروة وبعدها يبدأ بالانحدار...وبرغم ذلك فأن التوقعات دائما متغيرة ولم يقف الانتاج ابدأ منذ ان بدأت تلك التقديرات بالنشر منذ ايام الحرب العالمية الاولى عندما قدر ان الاحتياطي النفطي الامريكي سوف ينتهي بداية الثلاثينيات! وعند حلول نهاية التوقع بدأت التوقعات الجديدة في طرح تواريخ جديدة خاصة بعد الاكتشافات البترولية الضخمة في امريكا...
واستمر الحال على هذا المنوال الا ان توقع ان يصل الانتاج الامريكي الى الذروة عام 1970 قد اصبح واقعا ! برغم ان الانتاج بدأ بعدها بالانخفاض الا انه بقي ضخما بالمقارنة مع عدد كبير من البلدان الاخرى...
وبرغم وجود شروح عديدة للنظريات والتي يعرضها بالتفصيل وبخاصة الجداول المتعلقة بالذروة ومن المضحك الان ان تكون تلك التواريخ قد مضى عليها فترة طويلة دون ان تكون قد تحققت!...
والاكتشافات الاخيرة التي حدثت بعد نشر الكتاب عام 2003 قد حولت معلوماته المتوقعة الى شيء مبكر لكون ان الاحتياطيات الضخمة التي اكتشفت في فنزويلا والبرازيل وايران وكندا وروسيا قد ساعدت على تأخير التوقعات والتي كانت مقدرة بين 1995 -2015 ويمكن تقدير الذروة بأضافة على الاقل قرن جديد الا اذا تمت اكتشافات اخرى!...
وفي الفصل الرابع(ص191) والمسمى:مصادر الطاقة غير البترولية:ايمكن للحفلة ان تستمر؟...يذكر وبشيء من التفصيل جميع المصادر المتوقعة للطاقة البديلة وبأسلوب مبسط ومفيد للغاية حول فوائد واضرار ومصاعب انتاج واستهلاك كل مصدر...
ويذكر حوالي 12 مصدرا للطاقة البديلة ويذكر محاسنها والمصاعب التي تواجه استخداماتها ولكن الشيء الملفت للنظر هو صعوبة تخزين الطاقة من تلك المصادر بالاضافة الى الملوثات التي تنشىء من الغالبية،وبذلك يكون من الصعب جدا على تلك المصادر ان تكون في مستوى قدرة البترول الحالية وهذا ما يجعل التشاؤم سيد الموقف في تلك الظروف،الا ان يمكن للطاقة الشمسية انت تكون الاكثر نظافة واقل كلفة بينما يكون الفحم والطاقة النووية الاكثر صعوبة!....
وفي الفصل الخامس(ص257) وهو الاكثر دقة وتشاؤما في نفس الوقت! يتوصل المؤلف الى تحليل المواقف بشيء من الدقة والبساطة الرائعة،فينقل لنا اثر انخفاض انتاجية النفط ثم في النهاية توقفه وهي حقيقة سوف تصل اليها البشرية ولكن تختلف فقط التوقعات حول التاريخ! مما يعني اذا حصلت المزيد من الاستكشافات فأنه اكيد في النهاية سوف تصل الى نقطة اللاعودة في الذروة الانتاجية سواء بعد بضعة عقود حسب توقعه!...او في تقديري ووفقا للاكتشافات المثيرة التي حصلت في فنزويلا والبرازيل وكندا في الدرجة الاولى ثم المتوقع في العراق وايران والسعودية وروسيا في المرحلة الثانية،فأن تأخر النهاية المحتومة قد يكون بعد اكثر من قرن وبنفس المعدلات الاستهلاكية المخيفة التي تحدث الان!...وينقل المؤلف لنا اثر التوقف على الاقتصاد من الناحية الفيزيائية والمالية،وعلى مجال النقل الحيوي،ثم مجال الغذاء والزراعة والتدفئة والتبريد والبيئة والصحة العامة وحتى تخزين ومعالجة المعلومات والسياسات الوطنية وغيرها وفي الحقيقة النتائج مرعبة الى درجة تثير في نفوس القراء التشاؤم من المستقبل رغم ان الكاتب ينفي تلك الصفة عنه ولكنه يدعو الى مواجهة الامور بشيء من العقلانية والهدوء....ولذلك يقترح في الفصل السادس(ص311) جملة من الامور الضرورية على كل فرد وكذلك على جميع المجتمعات والامم والعالم حول تخفيض الاستهلاك الى اقصى حد للحفاظ على حقوق الاجيال القادمة وينقل اهمية تخفيض النمو السكاني المخيف ثم التعاون الجاد لبناء عالم خال من التلوث والخوف والرعب...وفي الحقيقة نقاط بديعة صيغت بطريقة علمية بسيطة ولكن من المستجيب لها؟!!...اذا كانت الحكومات والشعوب في غفلة من امر استهلاكها العشوائي العبثي الذي يصل الى درجة الاستهانة بكافة المقاييس العقلانية...
عموما الكتاب رائع برغم بعض فشل التوقعات والتشاؤم الكبير في توقع النهاية المحتومة في ظل انعدام التنبوء بما يحدث في المستقبل لعل هنالك مصدر جديد للطاقة يظهر لنا ونحن لا نعلم قد يصبح البترول الذي يتقاتل البعض عليه بلا ادنى قيمة!...
من الضروري متابعة تلك القضايا حتى يمكن للانسان بناء مستقبل مشرق بدلا من ترك الامور الى المجهول وكأنه بلا عقل ولا ادراك لما يصيبه من ضرر في المستقبل!...

2010/01/27

موسوعة المختار من الاخبار:4

موسوعة المختار من الاخبارموسوعة المختار من الاخبار:4
3- اجتثاث الفاشية:
اصدرت هيئة المسائلة والعدالة قرارا استبعدت فيه بضعة مئات من المرشحين الذين ثبت انتمائهم لحزب البعث المنحل،وهو القرار الذي شمل المنتمين بغض النظر عن انتمائاتهم الدينية او العرقية...وفي استطلاع لشبكة البي بي سي حول هل هذا القرار يشكل انتهاكا للديمقراطية،اجاب حوالي 66% بنعم!!...والباقي 34% بكلا ...والشبه المؤكد في الاختيارين ان المجموعة الاولى تضم اغلبية من غير العراقيين،والثانية تضم اغلبية من العراقيين...
نسبة الثلثين هي كارثية بلا شك وهي تعطي نتيجة ليس فقط عن ضعف شديد في معرفة ظروف تأسيس هذا الحزب الفاشي وكيفية حكمه الدموي،وانما تعطي ايضا دلالة واضحة على جهل كبير في ابسط قواعد الديمقراطية الحقيقة التي من ابرز قواعد نجاحها هي الانتماء لها نظريا وعمليا!... ويمكن كذلك معرفة الكثير من التجارب الناجحة السابقة من خلال قراءة التاريخ بصورة شبه اجمالية وليست تفصيلية وبدون الحاجة الى خبرة معرفية قادرة على الفهم والادراك...
ان هذا الحزب الفاشي هو لا يقارن بالحزب النازي في المانيا او الفاشي في ايطاليا لكون هذين الحزبين برغم الرفض الشديد لهما فأنهما يملاكان منظومة فكرية عميقة وليست كمثل الفكر البعثي الفقير والذي كان مثال التندر والسخرية من قبل الشيوعيين اعدائهم التقليديين اثناء الصراع بينهما،كذلك فأن النازي والفاشي كانا يملكان قاعدتين شعبيتين عند السيطرة على الحكم بينما لم يملك حزب البعث اي قاعدة بل كان يضم بضع مئات وقفز على السلطة بمعونة المخابرات الغربية لخدمة المصالح المشتركة بينهما حتى وقوعه في الاخطاء التي استحق عليها عقوبة الحرب والحصار والازالة من السلطة التي كان يبذل الجهود والتنازلات من اجلها وكان مستعدا لابادة الشعب في سبيلها!...
وبرغم تلك المقارنة البسيطة بينهما فأن التجربة الديمقراطية في المانيا وايطاليا لم تنجحا الا بمنع الحزبين النازي والفاشي،فكرا واشخاصا من المشاركة السياسية لان الفكر العنصري الديكتاتوري لن يعترف نهائيا بالعملية الديمقراطية ولكنه يستخدمها وسيلة للقفز على السلطة من جديد ويمكن الاستدلال من خلال قراءة واعية لادبيات الحزبين للوصول الى تلك النتيجة،بينما في حالة الاشخاص تكون حالة المنع اقوى لكون هؤلاء ليسوا فقط متشبعون بالفكر الديكتاتوري العنصري وأنما ايضا  ايديهم ملطخة بالدماء او بالاموال المسروقة وبالتالي فأن الحالتين لن تكونا بعيدتين عن السلوك المستقبلي لهؤلاء الملطخة ايديهم ...ثم ان ذلك هو جريمة كبرى بحق الضحايا والمضطهدين من جميع النواحي،الدينية والادبية والاخلاقية وبالتالي فأن ذلك ايضا مزاحمة للمضطهدين والشرفاء على العمل السياسي! ولذلك نجحت التجارب الاوروبية في الحكم الديمقراطي نتيجة لاستبعاد الاحزاب الفاشية والعنصرية من العمل السياسي مما مكن شعوب تلك البلاد ان تستعيد وعيها وعافيتها المنهكة لتجد نفسها في طريق جديد كله امل وعمل وليس في اعادة طريق النضال السياسي من جديد مما يعني ضياع جهود البناء واعادة الحياة للبلد المدمر...
ولذلك فأن السماح للبعث والبعثيين في العمل من جديد هو معناه اعطائهم الفرص للقفز على السلطة من جديد واعفائهم من الاثار الاجرامية التي احدثوها في صفوف المجتمع العراقي والمجتمعات المجاورة له!...
ان الاستناد الشعبي العربي في الاختيار هو متأثر بالدعايات السياسية والمذهبية الى حد بعيد دون ان يعي حقيقة الامور وان يقدر حجم الضحايا والدمار الذي حصل من جراء عصابة المافيا البعثية خلال اربعة عقود من الزمن!...هذا يعني ان الوعي الشعبي العربي يحتاج الى الكثير من الجهود للخروج من تلك المستنقعات الفكرية الاسنة حتى يستطيع ان يقدر ظروف الاخرين ثم يحاكم ويحاسب حكامه الذين لايختلفون عن حكام البعث السابقين سوى بالاساليب او بحجم الجرائم!...ان بقاء ذلك الوعي في تلك القوالب المتخلفة يؤدي الى خروج المزيد من التيارات المتطرفة التي لا تستغل قدرتها الارهابية في تحرير شعوبها لكونها بلا فكر منهجي متين يمكن لها استقطاب الغالبية الساحقة من المسحوقين وتوجيههم لغرض زرع الوعي الثقافي الذي يجعلهم يرفضون اي حكم مفروض لا يحقق العدالة والتنمية للبلاد...رغم ان المسؤولية هي مباشرة على الكوادر الطليعية لكل شعب الا ان الكوادر العربية المتقدمة مازالت منشغلة في خلافاتها البدائية التي تجعل اعدائهم الحقيقين في مأمن عن المسائلة والعدالة التي تواجدت في العراق!!.

موسوعة المختار من الاخبار:3

موسوعة المختار من الاخبار
موسوعة المختار من الاخبار:3
2- التقييم المثير:
نشر تقرير جيولوجي امريكي(23-1-2010)يقيم فيه الاحتياطي النفطي في حزام اورينوكو الذي تبلغ مساحته تقريبا 55 الف كم مربع ،وكانت النتيجة مدهشة بحق لان التقييم النهائي وضعه في حدود 513 مليار برميل وهو رقم خرافي اذا ما قورن بعشرات البلدان النفطية التي لا يتجاوز الاحتياطي 10مليار برميل فيها،مما يعني ان الاهمية الاستيراتيجية لفنزويلا ارتفعت الى درجة سوف تجلب المتاعب لها!...اذا كان الشخص غنيا فالجميع يدق الباب عليه!اما اذا كان فقيرا فلا احد يسأل عن اسمه!...
هذا الاعلان يحتاج توضيح في دراسات مفصلة لانه كسر التوقعات التي وضعت سابقا حول نهاية الذروة الانتاجية النفطية والتي هي دائما متغيرة!
والمضحك في الامر ان التقييمات غالبا ما تكون خاطئة رغم ارتكازها على اسس علمية متينة في التقييم الا ان الاكتشافات البترولية غالبا ما تضع الاخرين في حيرة من امر التقييم،فقد صدر تقيم اثناء الحرب العالمية الاولى يتوقع نهاية الاحتياطي النفطي الامريكي في غضون عقد ونصف! ثم تغير التقييم لنفس الفترة بعد الانتهاء من الاولى!ثم تغيرت مرات عديدة لها ولبقية العالم ايضا..ومازالت امريكا لحد الان تنتج النفط بكميات هائلة رغم انها لاتناسب استهلاكها الضخم...ثم وصلت مؤخرا التقديرات الى ان النفط سوف يصل الذروة عام 2030! ولكن بأضافة الاحتياطي الجديد فأن التقديرات سوف تصل الى ما بعد عام 2100 هذا في ظل بقاء عدد كبير من الدول خارج نطاق الاستكشافات البترولية!...
فنزويلا بلد نفطي كبير ومنتج مؤثر منذ حوالي قرن من الزمان واحد مؤسسي الاوبك وكانت احتياطياتها متواضعة لغاية عام 1980 فقد كانت تقدر ب19 مليار برميل فقط! ورغم ان نوعية النفط فيها هو ثقيل مما يعني ان سعره ارخص وتكاليف تكريره اعلى الا ان ذلك لا يؤثر في اهمية النفط  كسلعة استيراتيجية في السياسة الدولية...
ومنذ بداية عقد الثمانينات بدأت حملة استكشافية في ظل تراجع سعر النفط فأرتفع الاحتياطي في قفزات مثيرة مما يعني انه من المحتمل ان تكون هنالك الكثير من البلاد التي تحتوي على كميات ضخمة من النفط الا انها لم تستطع لاسباب مختلفة ان تقوم بتقييم الاحتياطيات النفطية فيها خاصة في ظل وجود النفط العربي الرخيص ومن الدول التي اتوقعها ان تكون في الصدارة هي البرازيل وكندا والسودان وغيرها والتي بدأت في التعرف على جزء بسيط من احتياطياتها النفطية...الارتفاع في الاحتياطي الفنزويلي تم على مراحل فأرتفع من 58 مليار عام 1988 الى 76 مليار عام 1998 ثم 99 مليار عام 2007 والان في بداية عام 2010 ومع تقييم خزان حزام اوروينكو الذي قدر ب1300مليار برميل !! فأن التكنولوجيا العادية الان قادرة على انتاج نسبة 40-45% مما يعني لو ان التكنولوجيا طورت الى مايقارب 60% كما هو الان في امريكا فأن الاحتياطي الثابت يرتفع من 513 الى حوالي 720 مليار برميل وهو ما يعادل جميع احتياطيات النفط في الشرق الاوسط! وهو يضاف الى 99 مليار الموجودة اصلا ثم ان مساحة فنزويلا هي ضعف مساحة العراق مما يعني ان الاحتياطيات النهائية في جميع اراضي فنزويلا سوف تكون ارقام كارثية! وسوف تسيل لها اللعاب!...
ليس فقط الشرق الاوسط غنيا بالبترول بل عدد كبير من البلدان الاخرى ايضا غنيا وتلك كندا التي تمتلك احتياطي يقدر ب12 مليار يضاف الى الاحتياطي المكتشف منذ سنوات قليلة فيما يسمى بنفط الرمال والذي يقدر ب177 مليار برميل! مما يعني انها الثانية عالميا الان ولكن في نهاية هذه السنة سوف تخرج قائمة جديدة لانعرف سادة البترول الجدد!...
للعلم ان معظم دول الشرق الاوسط تنتج النفط بكثافة والارقام ثابتة منذ ربع قرن!...لا ادري هل يحولون الهواء الى نفط لان رقم الاحتياطي مقدس لا يلمس!...دعوة للتأمل!...

نهج الحكمة 3

نهج الحكمة
نهج الحكمة:3
العلم:
مفهوم العلم هو المعرفة بحقيقة الاشياء النظرية والعملية،وهناك تفسيرات عديدة بالطبع له وايضا تقسيمات وتفريعات وكلا حسب اجتهاده في التفسير...ولكن هذا الشيء الغير ملموس،يصبح ملموسا عند تطبيقه!لانه يدخل في كل شيء قد ينفع الانسان او يضره!...ولكن لاحكمة بدون علم! فالحكمة تكون ذات اسس واهية ضعيفة بدون علم الذي هو معرفة وتؤدي الى اليقين مما يعني انارة الطريق لسالكيه...ولا يوجد حكيم بدون علم وفي الحقيقة يصبح محل سخرية من قبل الاخرين ولكن ينبغي التنبه الى ان الحياة ودروسها ايضا هي علم ولكنه يصطلح عليها بالخبرة والتي تكون حينها علما بدون نصوص سوى التجربة والتي هي مصدر من مصادر العلم المعروفة...
والعلم يمكن تقسيمه الى قسمين رئيسيين وهما العلوم الدينية وهو ما يتعلق بكل الاديان والمذاهب والعقائد وغيرها،والعلوم المدنية وان اختلفت التسميات لها كالعلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها اي كل ما يتعلق بحياة الانسان وحضارته التي ترتكز على التمدن وكل ما يتعلق بها من اسس تحتية وفوقية لها...ومن هذين التقسيمين يمكن الولوج الى الفروع الاخرى والتي تطورت كثيرا بفعل التقدم في العلوم...
سحر لا يقاوم:
لا يشعر بلذة العلم الا من سقط في بحر انواره!...ولذته تفوق كل لذة وصل اليها البشر،وكما قيل من قبل ان الملوك لو عرفوا قيمة لذة العلم لقاتلوا العلماء عليها!...واللذة هنا روحية بلا شك ولكن لماذا لا يشعر بها كل البشر؟!...قيل في ذلك تفسيرات عديدة ومنها انها نور يقذفه الله تعالى في قلب الانسان وبالتالي هنالك من يكون محظوظا في تقبل هذا النور والعمل به...اذا ذلك يعني ان حب العلم والرغبة في الحصول عليه والشعور العجيب الغريب بلذته التي لا تقاوم هي ككل الصفات الاخرى التي تنتشر عند بني البشر والتي لا يحضى الجميع بنفس مستوياتها وهي الصفات النفسية والجسدية تبعا لسنة الحياة وطبيعتها المتعارف عليها في الاختلاف بين الجميع في كل شيء!...
ولكن هنالك العلم المكتسب وهو الذي يبذل قصارى جهده في الرغبة للحصول عليه دون ان تكون الموروثات أثرا فيه وبالتالي ايضا يحضى بلذته الغريبة والعجيبة والتي تكون في اقصى حالاتها عند من يجمع الحالتين!...
اللذة العلمية هي مدعاة للدهشة من قبل من لا يحضى بها،وقد لا تكون هنالك منافع مادية لها ورغم ذلك يقبل عليها من يبتلي بحب العلم وحيازته.
وهذا القول يؤدي بنا الى نتيجة وهي اختلاف البشر في تقييمه رغم قيمته المرئية للجميع!وكلا حسب قدراته العقلية ومزاجيته النفسية!...وقد اعتبر العلم رأس الفضائل ومصباح العقل واصبح المجال الذي يتم التفاضل عليه، وحسب قول الامام علي(ع):يتفاضل الناس بالعلوم والعقول،لا بالاموال والاصول...مما يعني استحالة المقارنة بين العلم وبين المال والنسب من جهة اخرى،وهي تعطي لنا سببا وجيها في كون الكثير من الجهال يملكون الاموال والاصول ولكن لا يملكون العلم ولا يشعرون ابدا بلذته التي لاتقاوم والتي تعصمهم من الاخطاء التي يقعون فيها!...
طلب العلم هو فريضة على الجميع،وخلال العصور الذهبية للحضارة الاسلامية كان العلماء يتنافسون على العلم من مصادره المتشعبة ويصل تعبهم الى الرحلة سيرا لمسافات طويلة بغية الدراسة على يد صاحبه،وكانت المنافسة بينهم تكون على من يحوز على اكبر كمية من العلوم من خلال حيازة الكتب بمختلف انواعها حتى اصبحت رمزا للوجاهة والتفاخر بعكس هذه الايام التي يتنافس الجميع على الشكليات بطريقة تدعو الى الشفقة عليهم مما وصلوا اليه من تدهور في القيم المعرفية!...ويمكن المقارنة من خلال امتلاك الكثير من العلماء واصحاب الوجاهة لمكتبات ضخمة في مختلف البلاد الاسلامية بينما الان هي نادرة رغم ان سنة الحياة هي التطور وليست الرجوع الى الوراء!...
ليست هنالك حدود لحيازة العلم!... ابدا فهو بحر لا حدود لسواحله وكلما تبحر الانسان فيه كلما حصل على اعظم قدر من الانوار الكاشفة له والتي تجعله قادرا على التمييز بين مختلف الامور بينما يقبع الجهال في بحور ظلامهم دون ان يعوا حقيقة ذلك...
العلم والعبادة:
لقد قيل الكثير في افضلية العلم حتى على العبادة!....وذكرت احاديث كثيرة منها الحديث المروي عن الرسول(ص):العلم افضل من العبادة...وقليل العلم خير من كثير العبادة...وذكرت تفسيرات عديدة لسبب التفضيل ومن بينها ان العالم يعرف حقيقة الامور فينهى عن الخطأ بينما العابد مقبل على عبادته دون ان يعرف حقيقتها خاصة اذا وضعت في طريقه الكثير من البدع!...
ومن هنا نرى ان اصحاب العلوم من العلماء والمثقفين هم في الغالب اكثر معرفة بالامور من الجهلاء او ضعاف العقول التي يقعون فيها وابسط مثال امامنا من التيارات التكفيرية التي تستخدم البسطاء وتحشي عقولهم الفارغة بتفسيرات ضيقة للدين والمعرفة دون ادنى مقاومة عقلية منهم لفحص تلك الخرافات والاباطيل وتجعلهم وقودا له لتحقيق هدفها المتمثل في السيطرة السياسية والاجتماعية بينما نرى في المقابل ان اصحاب العقول النيرة او من لديه علم هم ابعد كثيرا من السيطرة عليهم بل هم مقاومون اشداء... وهذا ايضا ينطبق على التيارات الفكرية المتطرفة... ويمكن من خلال زيارة مواقع التعصب الالكترونية معرفة وضاعة المستوى العلمي والعقلي لهؤلاء البسطاء وكيف يمكن قيادتهم بسهولة الى حيث لا يدرون انه الجحيم بعينه ويتوقعون انه النعيم!.
ومن الحديث النبوي الشهير:كونوا للعلم وعاة،ولاتكونوا له رواة...يمكن معرفة الخطورة التي يمثلها ادعياء العلم على المجتمعات التي يعيشون فيها من خلال توارثهم للموروثات دون ان يمحصوها ويفرزون الغث من السمين! خاصة في ظل توارث الكثير من الخرافات التي لا يعي حقيقتها الا صاحب علم ومعرفة والذي يكون على دراية تامة بكل حقائقها الناصعة،مما يعني انه يجب التمهل وفحص كل مايقال من احاديث وتجارب ومقولات، فحصا دقيقا حتى ولو ادى الى صرف وقتا طويلا فهو اهون من الوقوع في المهالك التي يبشر بها الاشرار...
التحذير من كتمان العلم وعدم نشره هو مبثوث في كتب الحكمة بما لا يدع مجالا للشك فيها،كما هو واضح من الحث على نشر بين العباد وعدم اقتصاره على صاحبه،والفضل هو في الدنيا عظيم وأثره واضح وفي الاخرة ثوابه يصل الى مرتبة عالية لا يمكن الوصول اليها من خلال الطرق الاخرى..
صاحب العلم لا يدعه شرف علمه ان يكون في خدمة الملوك والا فأن ذلك يكون مدعاة للشك والريبة في امرهم،والاحاديث المروية في هذا المجال كثيرة والتي تنهي عن مصاحبة الملوك بل وحتى زيارتهم وتصل الى حد اللعن!،ولذلك قيل اذا وجدت العلماء على ابواب الملوك فقل بئس العلماء وبئس الملوك،واذا وجدت الملوك على ابواب العلماء فقل نعم العلماء ونعم الملوك،لانهم بذلك يعرفون قدر العلم وقيمة حامليه مما يعني مراعاة حقوق الناس وكرامتهم...فليتعض الجميع من وعاظ السلاطين وخدمتهم مهما كانت حجم حيازتهم العلمية لانها بيعت في سوق النخاسة بسعر بخس!...






2010/01/26

المفكرة:العيد الوطني لاستراليا-222 عاما على التأسيس


المفكرة:
العيد الوطني لاستراليا:222 عاما على تأسيسها
احتفلت استراليا اليوم(26-1-2010) بالذكرى 222 عاما على تأسيسها ،وهو ما يطلق عليه العيد الوطني...
واقيمت بهذه المناسبة احتفالات في مختلف انحاء البلاد،وشاركت فيها مختلف الجاليات الاثنية والتي تشكل بمجموعها المجتمع الاسترالي المتعدد الثقافات والذي يضم حوالي 200 مجموعة عرقية ولغوية من كل بقاع الارض...وتستغل هذه المناسبة لمنح عشرات الالاف من المهاجرين الجنسية الاسترالية بعد ان اتموا فترة الاقامة الدائمية،وكان رئيس الوزراء مشاركا في احد احتفالات منح الجنسية وصادف معه مهاجر مغربي في الصورة...
يكرم في هذه المناسبة المتفوقين في مختلف المجالات العلمية والادبية والاعمال الخيرية وخاصة من ذوي الخلفيات الاثنية...
يبلغ عدد سكان استراليا اكثر من 22 مليون نسمة يشكل المواطنون الاصليون ويطلق عليهم الابوريجنال حوالي نصف مليون،بينما يبلغ المهاجرون من العالم العربي والعالم الاسلامي اكثر من مليون...
العيد الوطني ينبغي ان يكون بعيدا عن تاريخ الانقلابات العسكرية او استيلاء اسر او اشخاص على الحكم!...لانه ليس ملك لمجموعة معينة وانما ملك للوطن ككل وبالتالي يجب ان يكون الشعور جماعيا في الاحتفالات به والتي تكون خالية من التعصب والاجبار وانكار حقوق الاقليات...
عدم معرفة اسماء حكام ورؤساء الوزراء والوزراء والشخصيات السياسية شائعا في البلاد حتى لمن هو من المهتمين في الشأن السياسي احيانا...لان السياسة هنا وظيفة وليست غاية وبالتالي تكون عبأ على المتصدي يحاول ان يتجنبها بالاستقالة المبكرة!...







2010/01/23

اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثالث والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي -القسم الثاسطورة التغيير الفوقي -القسم الثالث والخمسون

المبحث الخامس:
الطاغية:صناعة فوقية بأمتياز!
لا يوجد اسوأ من الاستبداد كجنين طبيعي ناتج من تلاقح الطبقات الفوقية المتسلطة،ولكن المولود هو غالبا ما يكون وحيد وفريد ومشوه ويدعى:الطاغية!.
احيانا تتشكل مجموعات طاغية ولكن تلك حالات نادرة لكون الصفات الموجودة في نفوس هؤلاء تتطلب ان تكون متحكمة في الوضع دون الحاجة الى شريك يكون على مستوى واحد من القوة والطغيان،ولذلك غالبا ما تكون السيطرة منتهية في شخص واحد يفعل ما يشاء ويسبح بحمده المتملقون والسفهاء!...
الطاغية لا يتكون من العملية الديمقراطية والتي تشترك فيها الفئات كافة لكون تلك المشاركة تمنع من وصول فئة واحدة مستفردة وبالتالي فأنها تمنع من وصول جنين تلك الفئة والذي يسمى الطاغية او بأسماء مستعارة احيانا كالقائد والزعيم الى اخره من الالقاب التي تتنافس النظم المستبدة على استنباطها من عقول اصحابها!...
الطاغية هو شخص مثالي تتلخص فيه كل المساوئ والصفات البشرية بخيرها وشرها ،وهو القادر بحكم التحكم بمقدرات شعبه او قومه على ان يكون الممثل الاوحد للفئات الفوقية التي ترى فيه حاميا لها سواء من الفئات الدنيا في سلم الترتيب الاجتماعي او حاميا لها من الصراعات الداخلية الجانبية والتي قد تتسبب في فقدان السيطرة على الحكم وعندها يفقد الجميع كل الامتيازات مما يعني ان الطاغية هو نتيجة طبيعية لها برغم ان شر ولكن لابد منه!...
الطاغية او المستبد لن يحتاج الى اي فئة تشاركه في الحكم او تحميه ماعدا الاقربون اليه دينيا اومذهبيا او عرقيا او اقتصاديا لكون المصالح المشتركة تكون رابطة تمنع الغدر والخيانة او تحد من قوته وتقوم بتنفيذ جميع الاعمال القذرة التي يكلفها بها القائد الاوحد دون ادنى مناقشة لانه صاحب العقل والفكر النير في نظرها...ولكنه غالبا ما يحتاط الى حاشيته من خلال اختيار الاقل تعليما اكاديميا وثقافة والاضعف شخصية وصاحب الهفوات او من يكون على رابطة اسرية معه وتلك حالة طبيعية!...
قد يكون هنالك من يمتلك صفات خارج تلك المواصفات ولكنه في الغالب يكون اما منافقا لصاحب الامر او تكون نهايته مأساوية مجهولة!...وبالتالي يكون درسا للجميع في عدم تقدم الصفوف لخدمة هؤلاء الممسوخون الا اذا كانت المصلحة الوطنية تتطلب ذلك وبجعل هنالك مسافة بعيدة عنهم تكون حامية ولكن ذلك لايصح في كل الاحوال...
الطاغية شخصا مزاجيا!...يفعل ما يراه صائبا طبعا!والسلطات التي يمتلكها اذا كانت غير محدودة تكون اقصى مفسدة له وبالتالي للبلد المحكوم وبهذا نتوصل الى معادلة طبيعية هي:زيادة حجم السلطات يؤدي الى زيادة حجم الطغيان لدى الطاغية ومن ثم الى زيادة حجم الدمار والخراب في المجتمع!...
تلك المزاجية تؤدي احيانا الى اعمال نافعة للمجتمع ولكن حجم تلك الاعمال الى المجموع الكلي هي ضئيلة ولا تستطيع ان تسد حجم الاضرار التي هي تكون اكثر فداحة وهتكا!وبالتالي فأن التركيز عليها وجعلها مبررا عقلانيا لاستمرار الحكم المستبد هي من السفاهة والانحطاط الفكري والاخلاقي بما لايقبل مجال من الشك!.
ان الحكم الطبيعي لهو قادر ان يفعل اكثر من تلك الاعمال التي تعود بالنفع الكلي واقل بالتأكيد من الاعمال الخاطئة وبالتالي ان التبرير لحكم الطاغية كونه يفعل الخير ويقوم بصيانة الوطن من المخاطر هي نتيجة لمزاجيته وحسب وضعه في الحكم فأذا كان حسب رؤياه طبعا ان يقوم بعمل ما وهو يتصور انه في صالح حكمه فأن ميزان الاختيار بين الخير والشر يكون معدوما بالمرة لان المصلحة الشخصية هي التي تكون المقياس الاوحد وبدون ادنى منازع،وفي حالة ان يكون الاختيار متلائم مع مصلحة الوطن او الشعب فذلك شيء آخر لا ينبغي اخضاعه للصدفة والمصلحة الوطنية عادة لا تخضع لمزاجية فردية بل هي قرارات مدروسة ومستوفاة للشروط الموضوعية وبالتالي فأن القرارات الخاطئة غالبا ما تكون فردية وقد تكون ناتجة من الاستفزاز الشخصي او لعوامل نفسية داخلية مما يعني ان الكوارث تكون محصلة طبيعية...وقد نلاحظ في عالمنا الحاضر على اقل تقدير ان هنالك الكثير من الطغاة ولكن بدرجات متفاوتة من الاستبداد لانه قد يتحدد وفق ظروف الحكم والطبقات المولدة له مع حجم الامكانيات التي يمتلكها الحكم،بمعنى ان هنالك الكثير من الطغاة لا تمتلك اوطانهم قدرات تجعلهم يقوموا بمغامرات خارجية كالتوسع الجغرافي والهيمنة او البذخ والعيش بملذات الحياة الجنونية بصورة مساوية لاخرين لديهم امكانيات اكبر...
ولكن القاعدة هي ان البلاد التي تمتلك طاقات كبيرة تكون معرضة لدمار اكبر ناتج من طغيان اعظم ولذلك نرى ان ستالين مثلا هو من اكبر الطواغيت في التاريخ كونه حاكما لاكبر بلد في الحجم في العالم يضم شعوب مختلفة وهو تسبب في مقتل عدد كبير من البشر مع تدمير هائل للشخصية بفعل الايديولوجية المتطرفة التي يعتنقها والتي تدعوه الى ممارسة الديكتاتورية بالقوة كمثل ديكتاتورية البروليتاريا وهي طبعا كلها اسباب واهية لا تبرر مطلقا لفرض السيطرة والتحكم بالمقدرات القومية،وكذلك هنالك نموذج مشابه وهو ماوتسي تونغ في الصين البلد الذي يضم اكبر عدد من البشر في العالم،بينما نرى ان طاغية صغير بحجم رئيس اريتريا الحالي افورقي، يمارس صلاحياته الغير المحدودة ضمن قدرات بلده المحدودة وهو برغم ذلك لا يتورع عن مهاجمة الجيران!فكيف يكون عمله اذا امتلك امكانيات اكبر؟!...اذا النتيجة واحدة هي ان الطاغية يكون ضرره بحجم قدرات بلده ولكن النسبة المئوية تختلف ايضا فقد يكون ديكتاتورا قادرا على التدمير والوحشية بالقياس الى حجم بلده الجغرافي والسكاني وقد لا يقاس بالاكبر حجم ولكن الضرر النسبي الاكبر هو قد يكون من نصيب الوطن ويتحول الى كارثة اذا كانت البلدان الكبيرة محكومة بأمثال هؤلاء،وقد يكون امامنا مثالان بارزان وهما بول بوت في كمبوديا وصدام في العراق!...
من الخطأ التصور بأن الطاغية هو انسانا ذكيا او لا يمكن خداعه فتلك نظريات هزيلة غير قابلة للمقاومة!والنماذج التاريخية التي هي خير امثلة لاستنباط الامثلة وهي ايضا خير استقراء للمستقبل هي قادرة على تزويدنا بأمثلة عديدة لان التاريخ الانساني مع الاسف الشديد محكوم في اغلبه من قبل طغاة وليس من قبل انظمة ديمقراطية تحترم الانسان وحقوقه الاساسية...
الطاغية هو انسان كالاخرين وقد يكون غبيا الى ابعد حد! وقد يكون العكس ايضا ولكن الظروف الملائمة له هي التي سمحت له بالقفز على السلطة سواء بالاختيار المتوارث او بوسائل غير شرعية متعارف عليها في الصراع على السلطة الذي يشبه عمل عصابات المافيا الاجرامية!او قد يكون ذكاءه محصور في طريقة ادارة الصراع مع الاخر او ضربه وتصفيته في الوقت المناسب..ولكن المشترك بين الطغاة جميعا هي ان غريزة التملك والسيطرة والتحكم تكون في اعلى مراحلها التي تصل الى حد ابادة شعوب واقوام بأكملها! وتلك الصفات تخرج عن السيطرة والتحكم الشخصي بها خاصة اذا كانت الظروف الموضوعية امام كل طاغية هي مناسبة لاستخدامها بأكبر صورة مهما كانت درجة البشاعة التي تنتج عنها...وبذلك يمكن القول ان الطغاة مهما كانت قدراتهم الذهنية من ذكاء معروف او غباء ايضا!هي خاضعة لغريزة التملك والتحكم وليس العكس ابدا،مما يعني انه يمكن بسهولة خداع اذكى طاغية في تصوير الامور على انها تحت السيطرة او العكس ايضا لانه يميل الى تصديق حاشيته حتى لو عرف بكذبها الواضح ولذلك تقع احيانا كوارث على الطغاة وتقضي عليهم بسبب التهاون الواضح تجاهها نتيجة لحجب المعلومات الواردة عليه كليا او جزئيا وبذلك يفقد الصفات التي تجعله ذكيا امام الاخرين!...والذكاء ايضا نسبي وحسب الظروف الموضوعية مما يعني ان هنالك طغاة اذكياء ولكنهم يقعون بسهولة او العكس صحيحا وحسب الظروف التي تصادفهم...
المشكلة الرئيسية وبغض النظر عن قدرات الطاغية الذهنية هي انهم لا يتعلمون الدروس جيدا سواء بالنسبة لهم او بالنسبة لغيرهم من السابقين! فكثير من الطغاة يفقدون حكمهم وسيطرتهم نتيجة لارتكاب اخطاء هي متكررة على مدار التاريخ وليس اخطاء وليدة عصرها!ومن الامثلة على ذلك ان سبب هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى هي المحاربة على جبهتين في الشرق والغرب وهو نفس الخطأ الذي كرره هتلر في الحرب الثانية والنتيجة كانت واحدة مع اشد وقعا في الثانية بالطبع!...او تجاهل النتيجة الطبيعية للقمع الوحشي وشدة قسوته للشعب والذي يؤدي في النهاية غالبا الى حصول انفجار رهيب يتناسب مع حجم القمع كما حدث في ايران ابان حكم الشاه والذي قضى على حكمه في النهاية،مما يعني ان الشدة والقسوة مع التيارات السياسية هي لا تقضي نهائيا على المعارضة بل العكس هي تزيدها قوة بصورة افقية او عمودية من خلال كسب المزيد من الانصار والحجج المنطقية لمعارضة الطاغية ولكنها تؤخرها الى اجل غير مسمى! مما يعني ان كل النظم المستبدة هي معرضة للانهيار او السقوط ولكن تحتاج الى ظروف موضوعية قد تطول الى عقود طويلة من الزمن او تقصر!...
الطاغية يكون واعيا امام الاخطار المحيطة به وخاصة من قبل من يشك في ولائهم له ولكن الوعي اما الاخطار من الطبقات الدنيا هو ليس بحجم الوعي امام الحاشية والطبقات الفوقية من المجتمع وبالتالي هو لايهتم اساسا لحجم المعاناة التي يعانيها المواطن البسيط وانما يتعامل معه على انه رقم بسيط  لا قيمة له امام عدد السكان! ولكنه يكون حساسا جدا امام بروز من يراه مؤثرا على حجم صورته امام شعبه او شعوب العالم الاخرى وخاصة اذا كان البارز من الطبقة السياسية او العسكرية فذلك يكون بالتأكيد خطرا لانه يكون مستعدا للحلول مكانه بعكس ابناء الطبقات المهمشة الذين يتصارعون لاجل البقاء او للحصول على مستوى معقول من المعيشة وبالتالي خطرهم محدود الا اذا تم تجميعهم عندها يكون الخطر ماثلا امام الاعين ويحتاج الى امر بسيط لغرض الابادة او القمع!...
هنالك بعض الطغاة مصابون بمرض النرجسية وبأعلى مراحلها وتكون الحالة اكثر سوءا اذا كان الطاغية صاحب نصيب ضئيل من التعليم او الثقافة وبالتالي تكون غيرته شديدة امام البارزين من الشعب في العلوم والاداب وهنا تتحرك الاجهزة الاعلامية او حتى الامنية لعمل ما بغية جعل البارز هو ضمن حدود لا تكون خطرا على الطاغية وصورته كاعظم واذكى شخص في الدولة!...
البلاء الناتج من الطغاة لا يمكن تصوره الا من عاش في كنفهم او عاش خارج حدود دولته!...وهو دمار يؤثر على الجميع وعقبة كبرى امام تقدم الامم والشعوب،  ولكن الاكثر تدميرا هو دمار النفوس وتشويه القيم الدينية والاخلاقية او حتى الانسانية في المجتمع الخاضع او خارج حدود الوطن ايضا وهو يستمر لفترة طويلة حتى بعد رحيل الطاغية! مما يعني ان التشوهات تلك تكون اكثر تدميرا من تدمير البنى التحتية التي يمكن اصلاحها ولكن تدمير الشخصية يكون اكثر تأثيرا وخاصة على الضحايا وذويهم! ويكون التأثير اكبر من مؤيدين من خارج الوطن المحكوم بطاغية ما ولكنه خضع بأرادته الى الغسيل الاعلامي لاجهزة الطاغية دون ان يعي خطورة ذلك الخضوع ومقدار التحول الى انسان حر الى عبد ذو شخصية هزيلة تعبد صنم مازال يحكمه برغم رحيله عن الحكم او الحياة! وقد تكون المشتركات الدينية او المذهبية او العرقية او الايديولوجية مع الطاغية هي دافع قوي الا ان ذلك لا يبرر مطلقا الخضوع او الاستهانة بالضحايا وكرامتهم المهدورة من قبل معتوه يحكمه بالحديد والنار...ويمكن لنا رؤية الكثير من الامثلة من خلال تمجيد الشيوعيين في العالم لستالين او ماوتسي تونغ او كيم ايل سونغ او في العالم العربي لصدام وعبد الناصر وغيرهم!... من غرائب البشر ان تجد من يمجد ويقدس من يسلب انسانيتهم وحريتهم فتلك صفة قبيحة لا يمكن تجميلها ابدا...




اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثاني والخمسون

اسطورة التغيير الفوقي
اسطورة التغيير الفوقي: القسم الثاني والخمسون
المبحث الرابع:
تفكك الاوطان:نتيجة طبيعية للتسلط الفوقي:
قد يرى المشاهد لحالة الاوطان المحكومة بنظم فوقية في الظاهر انها نظم مستقرة وبعيدة عن حالة الفلتان الامني والتفكك الاجتماعي والذي يتسبب في النهاية للحالة المرعبة:تفكك الاوطان!...
الحقيقة الرهيبة والتي تواجه من يريد المعرفة الموضوعية هي ان الظاهر شيء والباطن شيء آخر!...الظاهر المستقر لايمثل الحالة الواقعية لانه محكموم بقمة فوقية صلبة ومتماسكة لايمكن الخروج من طاعتها والا فأن السيف مسلط ومدعوم بقوى القمع المختلفة،ولذلك فأن اي فلتان في رابطة تلك الاواصر السلطوية هو يؤدي في النهاية الى تكسرها مما يعني خروج البواطن المكبوتة الى العلن والتي لايعلم بقوتها الا من احس بها وتمنى ان تكون الساعة قريبة لكي يشارك فيها!...
قوة السلطة لاتعني ابدا استقرارها الا اذا تمت تقويتها وربطها بأسس تدل على وطنية وانسانية تفوق الرغبة في التسلط والتحكم،واهم الاسس هي الحرية بكل معانيها وخاصة السياسية والاقتصادية منها،اما ان يكون النهج عكس ذلك فتلك خرافة لاقيمة لها امام الامثلة التي حدثت امامنا في التاريخ...
ان الشعور بالظلم والانسحاق تحت آلة السلطة والعمل هي من القوة التي تحول الشعور الداخلي الى رغبة اكيدة في الانتقام الذي سوف يكون خارج السيطرة وتلك هي اكبر الصعوبات التي تواجه اصحاب القرارات في التغيير الجذري...لان ذلك خارج ارادتهم وقدرتهم على ضبط الامور والعودة الى المشتركات الوطنية مع اصحاب السلطة السابقة...العنف سوف يلازم الانتقام الذي يتخطى الحدود الطبيعية ولكن هنالك رغبة مكبوتة متسترة وهي احدى الرغبات الذاتية في ضرورة الخلاص من القوى المتحكمة بأي وسيلة كانت،وهذه الرغبة هي الاستقلال عن الوطن سواء أكان طائفة قومية او دينية او مذهبية وغالبا ما تكون من جانب الاقليات التي ترى ان التغيير الجذري لن يحقق لها المساواة الكاملة لانه سوف يؤدي ايضا الى سيطرة قوى جديدة من الاكثرية وتحت ستار جديد من الرغبات الظاهرة في ضرورة منح الاقليات حقوقها كاملة ضمن الدستور...ولكن هذا لاينطبق فقط على الاقليات فهناك احيانا اغلبية ترى ان خلاصها ايضا يتم من خلال منح الاقليات الاستقلال ولاسباب عديدة منها الرغبة في التخلص من الاعباء المادية في تكاليف الوحدة او ان الاقليات لها شخصية ثقافية مختلفة كليا عن الاقلية،او حتى تجنب حالة الصراع في المستقبل من خلال العيش المنفصل في دولتين متجاورتين...
حالة اصلاح ذات البين بين طوائف البلد الواحد لن تكون سهلة لان آثار القمع والسيطرة الطويلة والتي تتسم غالبا بالاذلال لطبقات الشعب الدنيا والتي تتكون احيانا من اقليات مهملة هي من القوة بمكان بحيث تصبح قدرة خفية كبرى قادرة على الجمع بين شتات المستضعفين والراغبين في الخلاص الابدي من تحكم القوميات الاخرى...ولن تنفع خطابات الاخوة والمودة في اعادة الربط من جديد!.
وينبغي معرفة حقيقة ناصعة ان الرغبة في تأسيس الاوطان هي صفة دائمة لدى البشر حتى لو في استقطاع جزء من الوطن! وليست طارئة لان الرغبة في التملك والتحكم هي صفات ازلية ولا يمكن ألغاءها بحيث يمكن تقطيع فئات شعب ما وبسهولة من خلال فصل المناطق الغنية عن المناطق الفقيرة وعندها نرى اصحاب المبادئ والقيم والوطنية والقومية اين يكونوا وفي اي اتجاه يسيروا! ...وبرغم ان العالم العربي نموذج مثالي ولا تنفع للمشاهد ان يغمض عينيه عن الحقيقة المرة وهي ان وجود النفط كمثال ساعد على التشتت والتشرذم بين الشعوب العربية ولم يكن ابدا عاملا مساعدا لا على الجمع ولا على طريق التنمية الحقيقية للجميع !...ولذلك فأن دعوات الوحدة العربية غالبا ماتصدر من بلاد فقيرة وهي ليست كذلك كما يتصورها البعض وانما حصلت حالة الفقر بسبب سوء الحكم وفقدان الرغبة الحقيقية في التطوير لدى الطبقات الفوقية وفق المتوفر من الموارد والتي هي كافية وكذلك بالنسبة للجانب الاخر الذي هو قليل السكان مع ضخامة الموارد المنتجة!وبالتالي فأن حالة التفوق سوف تزول بكل تأكيد لولا وجود تلك المصادر الضخمة للدخل القومي وفقدان السلطة الوطنية النزيهة لدى فئة الاقل تقدما!...اما دعاة الوحدة في الجانب الثري فهي لا تخرج عن كونها كلامية ! وليست فعلية او عملية صادقة!فيستحيل ان يقبل شعب ثري بتحمل تكاليف وحدة مكلفة له في البداية ولكنها تمنحه القوة والثراء في النهاية! فالشعوب لا تصبر على حدوث ذلك وانما تريد الفوائد والمنافع بأقصر طريق ولا تهمها دعاوى الاخوة الدينية واللغوية والعرقية! المهم العيش برفاهية ولو بطرق الانفصال وبمعونة الاعداء!وهناك مثال اخر يتمثل في الشمال الايطالي الثري والذي يدعو بعض ابناءه في الرغبة في الانفصال عن الجنوب الفقير!مما يعني ان للاقتصاد دورا يتفوق غالبا عن ادوار الدين او اللغة او العرق... ومن يدري لعل زوال عوامل التشرذم والتي من ابرزها النفط !سوف يؤدي الى حدوث معجزة الوحدة والتي سوف تتأخر ايضا بأستمرار مادامت موجودة حالة تسلط النظم الاستبدادية والتي تستطيع ادامة عوامل التفرقة بشتى الوسائل والاساليب!...
امثلة تفكك الاوطان!:
بسهولة يمكن معرفة الكثير من حالات تفكك الاوطان من خلال قراءة التاريخ بعد انهيار السلطة الفوقية والتي جعلت الوحدة مبررا لاستمرار سيطرتها على الاخرين او هدفا لها بدون الرغبة في استحداث وسائل حديثة في ديمومتها والغاء الشعور الداخلي في النزعات الانفصالية... وتفكك الاوطان هو يخضع لاسباب تكاد تكون متقاربة ومن اهمها الرغبة في الخلاص الدائمي من خلال استحداث وطن يضم لون قومي او ديني واحد!...ولكن هل تستمر حالة الوئام بين ابناء الوطن الجديد او يكون المستقبل افضل مما لو كانوا في داخل الوطن السابق؟!...ذلك سؤال مهم ينبغي طرحه...وللجواب عليه ينبغي التأكيد على عدم خلو الحالة الجديدة من تعرضها لنفس اعراض مرض الحالة الاولى!...بمعنى ان الحالة الجديدة سوف تكون معرضة لنفس المشاكل التي حدثت في الحالة الاولى ولكن بصورة اخف بكثير وحالة الوئام غالبا من تندرج في اطار من العلاقات الاجتماعية الخالية من اية نزعة تسلطية وتحت اي شعار كان! وقد تكون الحالة الجديدة افضل لمن يعيشونها وقد تكون الحالة الاولى ايضا افضل! ولكن ذلك يتبع الظروف الموضوعية الخاصة بكل بلد على حدة والاسباب التي ادت الى الانفصال...
حدوث حالة تفكك الاوطان يصاحبها عادة عنف وصراع دموي يتسبب في سقوط ضحايا ابرياء من الجانبين،وتلك حالة طبيعية وليست شاذة والاخيرة تكون في الانفصال السلمي كما حدث في انفصال التشيك عن السلوفاك في اول ايام عام 1993 دون ان تسبب لهما اية رغبة في الانتقام او العنف فالرغبة ترجمت بسلاسة يحسدهم الاخرون عليها ولكن الغريب انها حدثت في نفس اليوم الذي توحدت فيه اوروبا ! مما يعني ان الانفصال اصبح شكليا لان البلدان هما من اعضاء الاتحاد الاوروبي!...
تسبب سقوط الطبقات الفوقية الحاكمة الى رغبة في الانفصال لدى عدد من المكونات الشعبية في عدد من البلدان من قبيل حالة ايران بعد الثورة عام 1979 والعراق عام 2003 ولبنان اثناء الحرب الاهلية...ولكن القوة المسلحة والرغبة الشعبية العامة حال في تجاوز تلك الفترات القاسية،مما يعني انه يمكن التخلص ايضا من حالة تفكك الاوطان برغم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة في سبيل ذلك من خلال ضعف سيطرة الانفصاليون على مناطقهم او عدم قدرتهم على مواجهة المركز المدعوم احيانا دوليا الذي يرى في بعض حالات الانفصال اشعالا لحروب ونزاعات يمكن تجنبها بالبقاء ضمن الحدود المرسومة ...
تمزق الاتحاد السوفييتي السابق ويوغسلافيا عام 1992 الى جمهوريات مستقلة هي نتيجة فعلية لتسلط قوى فوقية تنتسب في اغلبها الى قوميات تمثل اغلبية في المكون الوطني من قبيل الروس في الحالة الاولى والصرب في الحالة الثانية،وفي الحالتين لم تخلو تلك السيطرة من ظلم فادح وقع على الاقليات واستبعاد شبه كامل لها من المشاركة في الحكم او حتى بقاء بعض الاطراف في حالة من التخلف الاقتصادي الواضح بالمقارنة مع المركز الذي يكون في مناطق الاغلبية...
كذلك في حالة انفصال اريتريا عن اثيوبيا عام 1991 وهو العام الذي صادف ايضا انهيار الاتحاد السوفييتي وانطلاق ما يعرف بالعولمة الجديدة التي لم تمنع حالات الانفصال بل العكس زادت منها بفضل مظاهر الحرية التي اخرجت المارد من القمقم، دون نسيان اثر العامل الدولي المساعد والذي يرى ان التقسيم اقرب للحل الكامل!...وكانت اريتريا مستعمرة اثيوبية لم تستطع المشاركة في حكم الاتحاد او حتى الاستفادة منه في تطوير مناطقها مما ادى الى حدوث الانفصال فور سقوط النظام الماركسي وكانت حينها الثورة مستمرة منذ عقود...
وهنالك الكثير من الامثلة الاخرى...وتبقى حالة تفكك الاوطان هي نتيجة طبيعية لامراض التسلط الفئوي من جانب الطبقات الفوقية لكل مجتمع وهي من اخطر النتائج واكثرها تدميرا مما يجعل الضرورة في اقصى حالاتها للخروج من ذلك المستنقع الذي يتبع التحرر الجذري من الفوق!...