إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/12/31

عام 2008

عام 2008
بنهاية هذا العام الذي كانت في الكثير من الاحداث الهامة...ومنها الازمة المالية العالمية...وابت الا تنتهي الا بحدث كبير وهو الهجوم على غزة...

يضم العام الميلادي 2008 ثلاث سنوات هجرية

بدءاً من عام 1428 هـ
مروراً بعام 1429
هـوانتهاء بعام 1430 هـالأيام الأخيرة من عام 1428هـ هي مع أول أيام العام 2008 الميلادي،ليأتي عام 1429هـ كاملاً في عام 2008 حيث يبدأ في شهر يناير عام 2008 و ينتهي في ديسمبر وبنهاية ديسمبر من العام 2008 يبدأ عام1430هـ
.9/1/2008م أخر يوم في 1428هـ10
/1/2008 م أول يوم في 1429هـ28
/12/2008 م أخر يوم في 1429هـ29/12/2008 م
أول يوم في 1430هـيرجع ذلك لكون السنة القمرية تتكون من حوالي 354 يوماً بينما السنة الميلادية تتكون من 365 يوماً ليكون الفارق بينهما 11 يوماً وهذا الفارق يؤدي إلى أن يشهد العام 2008 الميلادي ثلاث سنوات هجرية ....
تتكرر هذه الظاهرة كل 32 سنة شمسية التي تساوي 33 سنة قمرية هذا الوضع يتكرر ثلاث مرات كل 100 سنة…..
وقد أشار القرآن الكريم إلي هذا الأمر في قوله تعالى في سورة الكهف (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض)لان أهل الكهف لبثوا في كهفهم 300 سنة شمسية...تعادل 309 من السنوات القمرية....

لوحة

الى ضحايا فلسطين الجريحة

رسالة من صديق

وصلني ايميل من احد العلماء الذين اعتز بهم،تعليقا له على موضوع القمامة المكتبية الذي ارسلته له...ونظرا لقيمة الرسالة من الناحية العلمية ...ادرجه هنا للاستفادة منه.
العداء الصهيوني تأريخيا

(1)

نافذة على التأريخ

انّ التعرّض الى تأريخ منطقة فلسطين يزيل الكثير من الغموض ويوثّق الحقائق ويدحض الادعاءات والمزاعم التي روّجتها الدوائر الصهيونية في العالم.
سكن أبناء الجزيرة العربية أرض فلسطين قبل هجرة العبرانيين بمئات السنين.
استوطنت فلسطين قبائل عربية سنة(2500) ق.م قادمة من جزيرة العرب وعرفت باسم ( العبرانيين) وهم الذين أطلقوا على أرض فلسطين أسم ( كنعان ) بمعنى الأرض الواطئة ، ثمّ رحل فريق منهم الى الساحل أمام جبل لبنان عرفوا ( بالفينيقيين ).
فالفينيقيون والكنعانيون شعب واحد ، وقد شيّدوا لهم في فلسطين مدنا وأحاطوها بأسوار حصينة تحميهم من المعتدين ونشأت لهم حضارة عظيمة.
والكنعانيون كانوا قبائل متعددة من أهمها ( اليبوسيون ) الذين سكنوا القدس وماجاورها ، وسميت البلاد على اسمهم ( أرض كنعان) وظلّت سيادتهم لهذه الأرض من عام (2500) ق.م الى عام(1000)ق.م أي استمرّت للأكثر من (1500) عاما.
منذ نحو عام (2200) ق.م نشأ نبيّ الله ابراهيم الخليل عليه السلام في القسم الجنوبي من العراق وهاجر معه زوجته سارة الى أرض كنعان (فلسطين) داعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.
(وبعد ان اشتدّ القحط بفلسطين أخذ اسرته الى مصر ، وبعد أن هاجر الى جزيرة العرب ثمّ عاد الى الشمال أنجبت له زوجته سارة ابنه اسحاق الذي أنجب هو الآخر ولدين هما (عيسو) و (يعقوب أو ايرائيل).
والى يعقوب ينتسب بنو اسرائيل ، فأقام في أرض كنعان وأنجب اثني عشر ولدا منهم (يهوذا) ومن اسمه أخذت كلمة يهود ، ومنهم يوسف عليه السلام الذي أصبح أمينا على خزائن مصر واستقدم أبويه وأهله فأقاموا في مصر زمنا طويلا.
تذكر بعض كتب التأريخ أنّ فرعون مصر (بنفتاح) الذي أخلف أباه (رمسيس) قد بدأ يخلّص مصر من سيطرة بني اسرائيل وتغلغلهم الكبير في كلّ شيء في مصر ، وأنقذهم من فرعون مصر سيدنا موسى وأخوه هارون عليهما السلام فتركوا مصر وظلّوا في شبه جزيرة سيناء في التيه أربعون عاما ومات هارون وتوفي موسى عليهما السلام.
وفي حوالي عام (1186) ق.م سار اليهود الى جهة الشمال واحتلوا أغلب البقاع الجبلية في أرض كنعان.
وحوالي عام(1100) ق.م حكم داوود عليه السلام المنطقة ، ثمّ بسط النبيّ سليمان عليه السلام سلطانه ووسّع ملكه من جهتي الشمال والجنوب وأقام الهيكل عام(1012)ق.م وكانت العاصمة (نابلس) ومملكة يهوذا كانت عاصمتها القدس (اورشليم) واندمجت مملكة اسرائيل في امبراطورية آشور عام(721) ق.م ثمّ أغار بختنصّر ملك الكلدانيين في بابل التي حلّت محلّ آشور على مملكة يهوذا وضمّها الى ملكه عام(597)ق.م فاستولى على القدس وأحرقها وهدم هيكل سليمان وأخذ ملكهم وخمسين ألف من اليهود أسرى الى بابل في العراق وسمّيت هذه الفترة ( بالسبي البابلي).
وغزا كورش الفارسي عام (538) ق.م فلسطين وظللّت تحت الحكم الفارسي حتّى غزاها الأسكندر المقدوني عام(332)ق..م ثمّ احتلّها الرومان حوالي عام (63) ق.م.
وحاول اليهود استعادة نفوذهم السياسي في البلاد في عهد الحكم الروماني ، ولكنّ تيتوس القائد الروماني لقنهم درسا عنيفا عام (70م) واحتلّ القدس ودمرّها وهدم الهيكل وقتل معظم اليهود وفرّ من نجا منهم الى سوريا ومصر..
ولكنّ اليهود استكانوا حتّى اذا اتيحت لهم الفرصة قاموا بمحاولة لقيام اسرائيل مرّة اخرى عام (135م) وما كان من الامبراطور الروماني الحاكم ايليوس هادريان الاّ أن هاجمهم وقتلهم ودمّر القدس وفرّ منهم من نجا الى خارج فلسطين وكانت هذه الواقعة نهاية اليهود في فلسطين فلم يظهر لهم أي نشاط سياسي أو قومي.
وفي عام (636م) أتمّ المسلمون في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب تحريرها من الرّوم لتعود فلسطين الى الأحضان العربية الاسلامية ، وتدفقت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا وتعرّب سكّانها من سلالات الكنعانيين واعتنقوا الاسلام طواعية وأصبحت فلسطين عربية اسلامية لغة ودينا.
ولم يكن الفتح الاسلامي في فلسطين من اليهود الاّ عدد ضئيل فاليهودية كانت قد انتهت من فلسطين منذ أن أقام الحاكم الروماني ايليوس هارديان عام (135 م) بتدمير القدس نهائيا وقتل اليهود وعندما تعرّضت فلسطين للهجمات الصليبية قتل من بقي من اليهود حين اعتصموا ببيت المقدس ولم يبق منهم الاّ عدد قليل.
وفي عام (1187م) انتصر صلاح الدين الأيوبي على الموجات الصليبية وحرّر بيت المقدس وسمح لليهود بالعودة الى فلسطين.
وفي عام(1452م) أصبحت فلسطين في نطاق الخلافة العثمانية حتّى نهاية الحرب العالمية الاولى عام (1918م) ومنذ عام (1948م) كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الى أن سلّمها البريطانيون بمعاومة أمريكا للعصابات الصهيونية حيث قاموا بقتل وتشريد أكثر من مليوني فلسطيني على أرض فلسطين ليقيموا مستعمرة صهيونية كبيرة أطلق عليها اسم ( اسرائيل).
وجاء الاهتمام البريطاني بأقامة دولة مستقلّة لليهود وذلك قبل انطلاق الحركة الصهيونية الباعث الى هذا هو حماية الوجود البريطاني آنذاك في الهند والشرق الأقصى من ناحية وايقاف النفوذ الفرنسي الذي كان يلوّح بالاستيلاء على فلسطين وذلك عبر حملات محمد علي باشا وابراهيم باشا اذ تدخلت بريطانيا لاعاددته الى مصر واجباره على الانسحاب من سوريا من ناحية ثانية.
اذن كان هدف بريطانيا هو بناء وجود يهودي في فلسطين فاتفق على حثّ اليهود وتحت يافطات قومية ودينية للهجرة الى فلسطين ليكونوا وسطاء بين أوروبا وآسيا وليفتحوا الطريق المؤدية للهند والصين وليحملوا المدنية الأوروبية التي ساهم بها جيشهم الى حدّ كبير وكذلك فعلت ايطاليا الاستعمارية كغيرها في المساهمة بهذه الهجرة.
كما أنشأت أمريكا صندوق اكتشاف فلسطين عام (1870م) كلّ ذلك من أجل أن تدخل الدول الأوروبية الى الشرق واستغلال موارده الخام واستثمار موقعه الاستتراتيجي وليس هناك أدنى شكّ في أنّ قيام دويلة في قلب الشرق هي فلسطين تكون الجسر الرابط فانصبّت الجهود في احتلالها واخضاعها للنفوذ الاسرائيلي اليهودي.


اعتمد على المراجع أدناه في اعداد هذه النافذة
1- فتحي الأنباري الصهيونية
2- صابر طعيمة التأريخ اليهودي العام
3- عبد السميع الهرّاوي الصهيونية بين الدين والسياسة
4- عبد اللطيف شرارة الصهيونية جريمة العصر الكبرى

العام الهجري الجديد 1430

تهنئة العام الهجري الجديد 1430 هجرية
نهنئ المسلمين كافة بمناسبة حلول العام الهجري الجديد
اعاده الله سبحانه على الجميع بالخير والبركة
ونتمنى لكل المظلومين في العالم الحرية والعدالة والمساواة

في سياحة الكتب

في سياحة الكتب 2:
العرض التالي هي لكتب تمت قرائتها،ولكن هي من الكتب العادية التي تكون فائدتها ضئيلة جدا،وقد يعود السبب في ان بعضها تجميع معلوماتي مختصر والاخر بمثابة مذكرات لضابط ثم وزير لاحقا لكنها لاتضيف للتاريخ سوى القليل من الفائدة التي يمكن ذكرها في الفترات اللاحقة....او كتب نجد فائدة في قرائتها وهي اللاحقة في هذه السلسة ...
الكتاب الاول:حسن نصر الله-حرب نهاية اسرائيل...تأليف خالد ابو بكر.
الكتاب مصري التأليف والطباعة...عام2006 في 159ص..والنوعية طبع عادي...
لايتضمن الكتاب شيء جديد،بل هي تجميع لمعلومات منشورة سابقا ولكن المؤلف من باب التأييد لحزب الله اثناء حرب تموز 2006 ،ألف الكتاب بسرعة وهو تعبير عن وجهة نظره في الحزب والمقاومة والحرب التي اثارت الكثير من الجدل . لايتضمن الكتاب تحليلات او آراء او معلومات يمكن ان تثير القارئ او تجعله يتفاعل مع ما يتضمنه متن الكتاب.
حرب تموز 2006 والتي كانت لغرض اطلاق سراح بعض المعتقلين اللبنانيين من سجون اسرائيل جائت بعكس التوقعات المرجوة...فبالنسبة للجانب الاسرائيلي فالغالبية العظمى من شعبهم وقف الى جانب حكومته وجيشه في تلك الحرب...وفي المقابل انقسم اللبنانيين والعرب والمسلمين بشدة حولها!وقد يكون التأييد الشعبي كبيرا ولكن من باب معارضة اسرائيل وضرورة التصدي اليها.وكان واضحا ان الحكومة اللبنانية التي يهيمن عليها فريق 14 آذار المعارض لسوريا هي معارضة لتلك الحرب والطريقة التي بدأت بها وحتى الجيش اللبناني الذي كان واجبه الدفاع عن البلاد،كان موقفه مخزيا من حيث وقوفه على الحياد،بل كان استسلام بعض افراده لقوات الغزو مدعاة استنكار وكشف مريع لمدى الخلل الواضح في المؤسسات اللبنانية والتي تتكون من النظام برمته والقوات المسلحة وحزب الله.
كانت الحرب تدميرية بالدرجة الاولى وبغض النظر عن الصمود والتصدي الشجاعين للهجوم الاسرائيلي الا ان نتائجها كانت هزيمة بلا شك للبنان ومقاومته،فقد جرى تدمير هائل للبنية التحتية وجرى التركيز في الحرب على اماكن تواجد الطائفة الشيعية دون سواها والتي دفعت الثمن باهظا سواء من حيث التصدي او الخسائر او الوقوف ضدها وعدم تاييدها من قبل نسبة كبيرة من الشعب اللبناني والعرب،وكان لتأثير العامل المذهبي سبب واضح في صدور الكثير من المواقف المعادية للحزب ومقاومته...
دخول الجيش الاسرائيلي الى مناطق واسعة من الجنوب ثم فرض الامر الواقع بعد الانسحاب من حيث منع وصول افراد المقاومة الى الحدود ناهيك عن الفارق الكبير الكبير في الخسائر البشرية(20 الى 1) ثم محاصرة لبنان وحدوده ومنع وصول السلاح للحزب،كانت كلها ضربات قوية له لم يتم حسبانها في الهجوم على حرس الحدود الاسرائيلي،وبالتالي تلك الحرب اعادت استراتيجية الحزب وتفكيره الى ماقبل انتصار عام 2000م واصبح لاحقا صعبا عليه التفكير في الهجوم على اسرائيل والتركيز على مبدأ التصدي والدفاع فقط .
كل الحروب مع اسرائيل كانت انتصارا لها ماعدا حربين كانت انتصارا معنويا فقط للعرب وهي حربي 1973 والانسحاب من جنوب لبنان عامي 1985 و2000 ولكن ليستا هزيمة لاسرائيل،وكانت الخسائر العربية في تلك الحروب المادية والبشرية تفوق بكثير خسائر اسرائيل.
التفكير العقلاني بمقاومة اسرائيل وعدم اخضاع الصراع معها للعامل العاطفي والتفكير العشوائي هو السبيل الوحيد للتصدي لها ...كل حروب اسرائيل تخضع بعد انتهائها الى المناقشات والتحليلات والتحقيق فيها من جانب لجان متخصصة،وتكون النتائج مهما كانت مرة لهم هي ملزمة في العمل المستقبلي لتحقيق افضل النتائج بأقل الخسائر...في الطرف المقابل لم تخضع معظم الحروب العربية لمثل تلك التحقيقات والدراسات وبذلك تكون النتائج المستقبلية للصراع هي تكرار لما سبق من خسائر كان من الممكن تلافيها او على الاقل تقليلها الى ابعد الحدود في حالة بذل الجهد لتلافي الاخطاء ...
الكتاب الثاني:مذكرات فؤاد عارف-مرافق الملك غازي والوزير في العهد الجمهوري..
الكتاب من تأليف صاحبه وهو فؤاد عارف،ويقع في 272 ص ومطبوع في لبنان عام 2006 في طبعة انيقة . والكتاب ليس فيه من القيمة التاريخية يمكن الاشارة اليها سوى شذرات من قبيل مرافقته للملك غازي(1912-1939) وطبيعة سلوكه وافراد عائلته، كذلك بعض المقتطفات من خلال عمله الرسمي في الدولة ومشاركته بصورة غير رئيسية في الاحداث.
الغريب في سلوكه هو انه عمل في اجهزة ثلاثة انظمة مختلفة جذريا فيما بينها وقد يبرر سلوكه بكونه محايدا بالاضافة الى كونه كرديا،الا ان ذلك يبقى تبريرا غير كافيا بالنظر لسلوك الانظمة الثلاث وبشدة وقسوة مع من عملوا في اجهزة النظام السابق لها.
يذكر المؤلف كيف كان العديد من اقربائه الاكراد هم ضباط ومسؤولين في اجهزة الدولة العثمانية ثم بداية الدولة العراقية الجديدة مما يجعل التأكيد على ان سلوك الدولة العثمانية تجاه رعاياها كان يتم وفق سلوك المواطنة، وبالتأكيد كانت الافضلية للعرق التركي على من سواه،ولكن مع استثناء بعض الاقليات وعلى رأسها الشيعة ثم الارمن واقليات اخرى،التي جرى استبعادها نهائيا من اجهزة الدولة مما ادى الى ان يكون تأسيس الدولة العراقية يكون مشوها نظرا لاعتمادها على الجهاز الحكومي العثماني مما جعل اجهزة الدولة غريبة عن غالبية الشعب العراقي حتى سقوط النظام القديم عام 2003 وبناء الدولة الجديدة وفق المشاركة الجماعية لجميع مكونات المجتمع العراقي .
يشير المؤلف في الكثير من المواقف الى نزاهة الكثيرين ومن ضمنهم افراد العائلة المالكة في العراق ابان الحكم الملكي ثم الجمهوري الاول،وهي صفة اصبحت معدومة في حقبة البعث المظلمة او خلال حكم الانظمة العربية الحالية المتسم بالفساد المثير للاشمئزاز في كل مفاصل الدولة الملازم للاستبداد والارهاب الحكومي،ممايجعل الحنين لتلك الايام السابقة امنية عدد كبير من الناس هذه الايام.
الكتاب الثالث:ويبقى التاريخ مفتوحا- ابرز عشرين شخصية سياسية في القرن العشرين .
للمؤلف السعودي الليبرالي تركي الحمد،والكتاب يتألف من 157 ص ومطبوع في لبنان عام 2002 في طبعة انيقة.
يتكون الكتاب من مقدمة وقسمين...يتحدث المؤلف في المقدمة المكونة من سبع صفحات،وبطريقة بديعة عن شعوره عندما تضيق الارض به،ويأخذه الاكتئاب وألم النفس والملل في كل شيء،عندها يجد في التأريخ والاغراق النفسي فيه متنفسا له فيجد لذة واحساس لطيف يخفف آلامه. ويأخذه التاريخ بعيدا حتى يصف الحال انه كيف وعمره القصير يستطيع ان يغور في اعماق الاف السنين ويعيش حياة الناس والآمهم في تلك العصور السحيقة؟بالتأكيد لايستطيع!.
في القسم الاول يبين المؤلف لنا رؤيته حول التاريخ والحوادث الجارية فيه،وفي عرض حول التاريخ والاسطورة،ينتقد المؤلف الكثير من ابراز الصفات الاسطورية على الابطال في التاريخ او الوصف الخرافي للاحداث والتي تتعارض مع الطبيعة البشرية ونواميس الطبيعة،بل ان في ذكر الوقائع هو في حد ذاته مساعد على اعطاء صورة اكثر واقعية للاشخاص والاحداث وبالتالي يكون ابرازهم اكثر صدقية من اعطائهم اوصاف تنافي الواقع.
وفي موضوع آخر يتسائل المؤلف وآخرون ايضا...هل يمكن للتاريخ ان ينتهي؟..
وبطريقة بسيطة في الاجابة،يجيب على التساؤل لو كان ماركسيا ماذا يقول ! ،ولو كان ليبراليا ماذا يقول !ولو كان اسلاميا ماذا يقول!...ثم يتسلسل في ذكر بعض الفلسفات السائدة في عالم اليوم...وبالتأكيد تحمل التساؤلات والاجابات عنها نفي ان يكون هنالك نهاية للتاريخ.والتعددية الذهنية الانسانية هي التي تجعل الانسان صانعا للتاريخ لامجرد منفعل معه.
وفي مدخل لموضوع الكتاب الرئيسي،وتحت عنوان الابطال،يختلف الجميع حول هذه التسمية ومدلولاتها،فكارليل له كتاب بعنوان الابطال،يذكر وجهة نظره فيه عن ان التاريخ الانساني وما انجزه الانسان من حوادث تعود بالدرجة الاولى لهولاء الابطال الذين تميزوا عن الاخرين بصفات وقدرات كبيرة،ولذلك فان الفضل يعود اليهم ولولاهم لما وصلت الحضارة الى هذا التقدم!..اما عند هيغل فالبطل صانع التاريخ بينما التاريخ هو صانع البطل من خلال صيرورة الفكرة من اجل تحقيق غايتها النهائية...اما عند الماركسيين،فالبطل لاوجود له،والفرد هو جزء من البنية العامة للمجتمع وهو خاضع في اجتماعه وتاريخه لتشكيلات البنية الاجتماعية وليس العكس،وحسب مقولة ماركس الشهيرة:ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم،بل ان وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.
ولكن عند تسلم الشيوعيين الحكم ،فقد كانوا هم البادئين بتمجيد الفرد واحاطته بهاله كبيرة تصل حد العبادة السياسية!في مخالفة صريحة لمبادئ الماركسية!.
تبقى فكرة البروز خاضعة لقاعدة الفرد والظرف،بمعنى ان الانسان البارز اذا لم تخدمه الظروف فسوف تكون نهايته مأساوية او يطويه النسيان...ولكن هل يخلق الفرد الظروف الموضوعية له،بمعنى اذا لم تكن تخدمه الظروف فهل يعمل المستحيل لكي ينجح في زعامته او اعماله،الجواب ممكن في ظروف معينة وبخلو الساحة من البارزين...
وتحت عنوان البطل والتاريخ:معيير التقويم،يذكر المؤلف نماذج من القادة البارزين في مجتمعاتهم ولكن تختلف النظرة اليه من خارج المجتمع عن النظرة للقائد او الزعيم من داخل مجتمعه الذي ينظر اليه كمحقق المعجزة السياسية او الاقتصادية وغيرها من الاعمال البطولية،ولكن نظرة الافراد الاخرون اليه من خارج البلد تكون اكثر موضوعية ودقة. الناس في هذا العالم تنظر الى زعمائها برؤية ناقصة او غير كاملة في رأيي وذلك من خلال تجاهل الاعمال الوحشية او المنافية للاخلاق والمبادئ التي يقومون بها،ولذلك نجد عدد كبير من الناس يمجدون طواغيت رماهم التاريخ في مزابله القذرة!! في ظل غياب واضح للعقل والمنطق...ومن الاسباب الرئيسية هو عدم تعرض هؤلاء لكل التجاوزات التي قاموا بها هؤلاء ولذلك لايشعروا بمدى التعاسة والعذاب من خلال الخضوع لابطال هم في الحقيقة مجموعة من عتاة المجرمين الذين تخلوا قلوبهم من الرحمة والشفقة،ويكون هم البقاء في الكرسي للتسلط على الناس...
وفي القسم الثاني يذكر المؤلف عشرين شخصية في عرض موجز لايعطي للشخصية حقها في العرض والاستدلال،الذي يكون على الاكثر بصفحات ثلاث او اربع!وبالتالي فأن الكتاب ضعيف من ناحية التحليل المنهجي المركز على الشخصيات المذكورة واسباب ظهورها او انتهاء دورها.
وفي الحقيقة هنالك فروقات كبيرة في الشخصيات المذكورة،ولكن ابرازه دور وشخصية الملك المؤسس للسعودية،عبد العزيز آل سعود فيه تأمل ،وشرحه الوافي عنه رغم عدم شهرته العالمية،وكثره الكارهين له ولحكمه او الذين لا يعطون لشخصيته وزن كبير...وقد يكون ادخاله في الشخصيات قد جاء بطريقة لا يقبلها الكثيرون ولكن واقع الحال في داخل السعودية يفرض ذلك عليه نظرا للحملات الاعلامية القاسية ضده من جانب التيارات المحافظة،ولذلك الملجأ الوحيد هو اللجوء الى السلطة السياسية وطلب الحماية منها والمساعدة على اخراج الكتاب والبارزين في الثقافة الى دائرة الضوء وتقديم كل اشكال الدعم والاسناد.
في الختام يبقى كتاب:ويبقى التاريخ مفتوحا،هو جيد ومفيد وبأسلوب مبسط الى حد ما،كذلك للكاتب الكثير من الكتب والدراسات،بعضها يختلف عن الكتاب المذكور....





تعليق حول التبشير المهذب

وصلتني رسالة من احد الافاضل حول موضوع التبشير المهذب
وكانت تتعلق بمعجزة ميلاد النبي عيسى (ع) وللفائدة ادرجها هنا
قصّة ميلاد سيّدنا المسيح

(1)

قصّة ميلاد المسيح(ع) مظهر من مظاهر عظمة الله سبحانه، وعنوان توحيدي يضاف الى العناوين التوحيدية التي سبقته، وحلقة من حلقات الغيب.
فيد الغيب في كلّ هذه العناوين تظهر القدرة الالهية المهيمنة وتدفع بالانسان أن يرتبط بالمطلق.
فميلاده كان معجزة ودرسا ، معجزة بكلّ تفاصيله ، ودرسا تتلفاه الأجيال من خلال ايمانها بربّها .
ولقد رسّخت الديانات السماوية عبر أدبياتها الايمان بالمعجز وجعلت منه عمود خيمة الايمان بالله سبحانه.
ويجيء القرآن الكريم ينقل لنا سلاما من المسيح على نفسه حيث تجلّت فيه عظمة الرّب ( والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا)(1).
فولادة المسيح كانت غيبا ، وموته أي يوم أراد اليهود قتله فرفعه الله اليه كانت غيبا، ويوم يبعث فاءنّه مطوق بالسلام من الله، فالمراحل الثلاث مرّت كلّها بسلام محفوفة بالسّلام.

(2)

مشاعر فرح ورهبة

وتقف سيدتنا مريم(ع) على أبواب ولادة المسيح (ع) تغمرها مشاعر الفرح ، ويعلوها جلال القدرة الالهية ، وتحوطها العناية الربانية ، فكان الله لا سواه حاضرا وكفى بالله أنيسا ، ( واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا)(2). ففي مطلع النور وشروق الشمس سيشرق نور المسيح يبدّد الظلام ويطامن الحضن الذي أصبح موطن القدرة الربانية.
ويقترب الوقت وتحرص مريم على أن لا يراها أحد (فاتخذت من دونهم حجابا)(3) أي سترا لتعيش حالات القرب والتجلّي.
وترسل السماء مبعوثها ( الروح جبرائيل) فتمثّل لمريم بشرا ( فأرسلنا اليها روحنا فتمثّل لها بشرا سويا)(4) حسن الهيئة ، جميل الطلعة ، مشرق الوجه، تستريح اليه النفس، ويقبل عليه من رآه، ولكنّ مريم تعيش جمال الله ، واشراقة قدرته، وجميل عنايته ، فهي في شغل عن خلقه ( قالت انّي أعوذ بالرحمان منك ان كنت تقيا)(5).
فاستعاذت العذراء بالله ولا سوى الله من يلتجأ اليه في مثل هذه الحالات.
فالله الأمل ، والله الرحمة ، والله الحصن المنيع، وهو الملجأ والمأوى من كلّ أحد..

(3)

عطاءات الله

ويسارع الأمين جبرائيل في تعريف نفسه فقال( انّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاما زكيا)(5).
فأنا رسول من أنت يا مريم في رعايته وكنفه وهو الله ربّك، لأهب لك غلاما زكيا طاهرا مطهّرا نقيا معصوما من الأدناس والأرجاس، قد وهبه الله اليك .
وأدركت العذراء أنّه هبة من مسّبب الأسباب ، فما الذي يدعوها أن تسأل عن الأسباب؟.
سألت لأنّ جبرائيل قال لها( أنا رسول ربّك) وعطاءات الرّب عطاءات مادية ، واذا كانت مادية فلابدّ لها من أسباب مادية ، فلا يتمّ الحمل الاّ من خلال لقاء رجل باءمرأة ( قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا )(6).
وجربان هذه القضية من دون أسباب سيلاحق العذراء مريم بالتّهم الرخيصة، وهي تلك المرأة التي يضرب بها المثل في الطهر والشرف والعفّة .
ويتلاشى هذا التفكير أمام ما يقوم الله بالدفاع عنه ( قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمرا مقضيا )(7) .

(4)

آية للناس

يذكرهم بوجوده ( ع ) وبعد وجوده بأنّ يد القدرة الالهية تمتدّ لتخلقه وتخلق أشياء اخرى ، فالذي خلق آدم من غير أب ولا امّ فهو يخلق المسيح من غير أب .
ويرحم الله الخلق على أن لا يحيدوا عن طريقه سبحانه، وبهذا فآياته تتلى وتتوالى لتذكّر الانسان دوما بقدرته المطلقة.
وتتحرّك قدرة الله سبحانه بين كن فيكون( فنفخنا فيه من روحنا)(8) قاصبحت مريم تحمل في بطنها طفلا وقد آن لها أن تضعه ( فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا)(9).
ويتحول المشهد من كلام، واستغراب ، وحوار، الى واقع تواجهه مريم هو حمل ومخاض واستناد الى جذع النخلة ودعاء بالموت أي أنّ لقاء الله أحبّ اليها مما ستواجهه من كلام قومها المقذع.
فالواقع الذي تعيشه لا يحتمل مثل هذه الامور، فقد أمرضته الشكوك وأقعدته التمحلات.

(5)

ويأتي المسيح

وتنفجر الدّنيا عن مشرق جديد، ويتهلّل وجه البتول فرحا ، وتبسم السماء بمجيء رسولها المعجزة.
ويمتزج مع الابتهاج بالمولود الجديد ألم الولادة والتفكير بما تحتاجه المرأة ما يسدّ حاجتهافي الحال.
ويتعهد الوليد مسؤولية توجيه امّه الى ما يسدّ حاجتها من الغذاء والماء ( فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا، وهزّي اليك بجذع النخلة تسّاقط عليك رطبا جنيا ، فكلي واشربي وقرّي عينا فاءمّا ترين من البشر أحدا فقولي انّي نذرت للرحمان صوما فلن اكلّم اليوم انسيا )(10).
وينقل الوليد امّه الى رحاب القدرة التي لم تتركها لحظة و يتكلّم الوليد وهذه معجزة، ويخبرها أن جدولا يتدفق ماءا زلالا سيكون تحتها فهي بشارة.
ثمّ أراد لامّه أن تأخذ بالأسباب فتهزّ جذع النخلة فيسّاقط باءذن الله رطبا ناضجا.
ويضع الوليد أمام امّه خطّة عمل وهي اذا سألها قومها فتقول انّي نذرت للرحمان صوما فلن اكلّم اليوم أحدا من الناس، وهكذا كان.

(6)

وأتت به قومها تحمله

مشية الواثق من نفسه ، المطمئن من فعله ، بعد رحلة فيها دروس بليغة، تدخل مريم على قومها وهي تحمل وليدها ، وهو شأن كلّ من كانت معه براهينه، فكيف وهي تحمل الطفل المعجزة الذي كلّمها وهدّأ من روعها بعد نزوله من بطنها، فهو روح الله وحجّته.
واجهت مريم غضبة أهلها واستنكارهم حين رأوها تحمل طفلها وهي لم يعرف أن لها زوجا ( قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا، يا اخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت امّك بغيا)(11).
وليس لمريم حجّة وهي من دون شكّ مدانة ، فماذا كانت حجّتها؟ (فأشارت اليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا)(12).
( قال انّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيا والسلام عليّ يوم ولدت وبوم أموت ويوم ابعث حيا)(13).
فيعلن المسيح(ع) أنّه عبد الله ، وليس هو الله، ولا ابن الله ، ولا ثالث ثلاثة ، فقدّم العبودية التي هي نقطة المركز في شخصيته ، ثمّ ثنّى بالرسالة ومعه كتاب وفيه ما يحتاج الناس اليه من تشريع، وأن ما يجري على البشرية من أطوار الولادة والموت ثمّ البعث والنشور يجري عليه.
وبهذا المنطق الآسر والحجّة الأخّاذة دفع عن امّه التهمة وغائلة ما تواجه من عقوبة الرجم، ذلك أنّ حكم الزانية عند اليهود الرجم.

الهوامش
1- سورة مريم:15
2- نفسها: 16
3-نفسها: 17
4-نفسها :18
5-نفسها:19
6-نفسها: 20
7-نفسها: 21
8- سورة التحريم:21
9-سورة مريم:23
10-نفسها: 26
11-نفسها: 28
12-نفسها:29
13- نفسها:30


القمامة المكتبية

القمامة المكتبية:
اثناء القراءة نكتشف عوالم جديدة في مختلف المجالات...آراء وابداعات وافكار ورؤى يستحق الانسان ان يندمج معها روحيا ويذوب في ثنايا سطورها،وتحرك كوامن الابداع في داخل العقل،وتعطي للمنطق قوة وسطوة،وتجعل للحياة معنى اضافي يضاف الى سلسلة طويلة من المعاني السامية...
ومن ناحية اخرى...نجد ان هنالك كتب تصدر من مؤلفين او اشباه مؤلفين لا تحمل المعاني السامية في الصنف الاول ...بل تصنف في خانة جديدة اطلق عليها اسم ..
القمامة المكتبية ....بمعنى ان قيمتها تساوي محتويات القمامة وتكون في القمامة مباشرة وسوف تهمل ويعاد تكرير المادة المطبوعة عليها...وكم من كتب ألفت قبل الاف السنين ومازالت منارة للعلم والعلماء وتطبع بمختلف اللغات وبحلى جديدة وكأنها منتجة من الذهب الخالص،بل هي مادة لا تفنى ولا تستحدث...والامثلة كثيرة لاحصر لها...
اذكر بعضا منها...كتاب الجمهورية لافلاطون،كتب كونفوشيوس الاربعة،ملحمة كلكامش،تاريخ هيرودوت،فن الحرب لسون تزو،تاريخ الطبري،تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد،روح القوانين لمونتسيكو،قصة الحضارة لديورانت،الاسس المنطقية للاستقراء للصدر،وغيرها وبدون حصر...
وكم من كتب الفت وخلال فترة قصيرة رميت في القمامة لعدم الفائدة منها ولكن بدون امثلة! لان الامثلة تطلق على الصنف الاول فقط..
قد تختلف تفسير ورؤية الشخص للكتاب الصادر وبالتالي تختلف رؤيته في وضعه في خانة القمامة المكتبية...ولكن المتفق عليه في شروط وضع الكتب في خانة القمامة هي الكذب والتلفيق والتزوير وانعدام الفائدة المعرفية وشروط اخرى يحتل بعضها جزء من خانة الاخلاق العامة والضمير الانساني الحي...
ولكن هنالك كتب تحتوي على الكذب والتزوير والتلفيق ولكن تطبع في ومنذ قرون عديدة!! وللجواب على ذلك:نقول مازال التراث الاسود حاضرا وبقوة في الزمن الحاضر وسوف يبقى الى الابد ايضا مادام الاشرار موجودون في كل مكان ويحتاجون ايضا الى مؤونة فكرية تساعدهم على خدمة اغراضهم الشريرة والتي قد يجدون في ذلك مبررا لهم لمواصلة عمل اسلافهم ومادامت الافكار السيئة موجودة فبالتأكيد تحتاج الى معين فكري مستمد من التاريخ القديم ...كذلك تستمر الاصدارات القمامية الجديدة والتي نهايتها معروفة... وبذلك يجب على الجميع الفحص حتى يتبين الذهب من عدمه في كل الاصدارات...
اطلعت مؤخرا على بعض الكتب فوجدت بعضها مهم او ذات معنى،والاخر وجدته لا يساوي سوى الورق الممزق في القمامة،وبالتالي نهايته قمامة المكتبة...والاكتشاف طبعا يكون من خلال الاطلاع على الكتب المطبوعة،والتي تختلف النوايا والاهداف بطباعتها...
وجدت خلال قراءة 18 كتاب واربع مجلات في آن واحد ان ثلاث كتب هي للقمامة بجدارة ...
الكتاب الاول: المقاومة الوطنية العراقية ،تاليف حسن خليل غريب وهو لبناني الجنسية ومطبوع عام 2003 في طباعة جيدة!! عن دار نشر لبنانية...والغريب في الامر انني لاول مرة اجد عبارة مطبوعة في الصفحة الثانية بجانب معلومات النشر،وهي وان سبق ان قرأتها في مجلات عديدة كون يشترك فيها عدد كبير من الكتاب ذو افكار وآراء مختلفة ولذلك وجب التنبيه بعدم الالتزام برأي معين،اما تذكر عبارة ان المؤسسة تنشر للكاتب دون ان يكون ذلك تعبيرا عن رأيها وهو كتاب للمؤلف فمعنى ذلك ان المعلومات الواردة فيه لاتمثل سوى رأي كاتبها او مجموعة صغيرة تعيش في اوكار سوداء او مدفوع ثمن طباعة الكتاب!!.
الكتاب مؤلف بصورة مستعجلة بعد تحرير العراق عام 2003 وعند قرائته يمكن تصويره بأنه لايختلف عن كتب حزب البعث العراقي،وفيه من الاكاذيب والفضائح لا يمكن لعقل تصوره سوى في عقل الكاتب المريض الذي عبأ غالبية الكتاب ببيانات حزب البعث وعصاباته المقنعة وبيانات عملياتهم الاجرامية، والمضحك ان يتضمن خطب الديكتاتور صدام من داخل حفرته الحقيرة !!.
من الاكاذيب المضحكة والمخزية هي ذكر الكاتب في صفحة 36 ان نظام البعث كان يوزع المواد الغذائية الضرورية مجانا على كل المواطنين بلا استثناء قبل الحصار عام 1991 وهو يدفع المؤلف حسب زعمه ليعطي نموذج من عبقريته الفذة بقوله ان العراقي هو الوحيد في العالم الذي لايتعرض للجوع!!!.
كل من عاش في العراق خلال الحقبة المظلمة للبعث يعرف ان هذا الحزب الشيطاني الشرير لم يدخر وسعا لاذلال العراقيين،وخلال الفترة الطويلة من حكمه قبل الحصار كان رغم الايرادات الضخمة للنفط،يمنع توفير ابسط المواد الغذائية حتى يتعب ويشغل المواطن في الحصول عليها حتى لا يفكر في السياسة في رأيه !! وكانت كل المدن تفتقر لابسط انواع الاغذية فترات طويلة جدا،ثم جاء الحصار ليزيد الطين بلة،دون نسيان ان مناطق دعم النظام الرئيسية لم تتأثر بتلك الاجراءات...ثم يتكلم عن النهضة المزعومة في كل المجالات والتي فضحها سقوط النظام وتشرد الملايين في العالم...
يذكر المؤلف آراء البعث والظاهر انه من البعثيين المكروهين في العالم العربي جراء حكمهم الاسود في العراق وسوريا منذ عام 1963.
يتضمن الكتاب الكثير من المعلومات التي ينسبها الكاتب الى المواقع الالكترونية والصحف والمجلات الصادرة آنذاك،كما يتضمن نصف الكتاب تقريبا،بيانات لصدام وزمرة البعث البائد!!مما يعني ان اغلبية الكتاب هو حشو لمعلومات منشورة مضاف اليها صفحات تعبر عن رأي البعث ايام سطوته وبالتالي فأن قيمة الكتاب للمطلع عليه يرى انه الى القمامة مباشرة دون ان يدنس مكتبته بمثل تلك القذارات الكريهة!.
الكتاب الثاني: اسمه رنان(سقوط بغداد) ومكتوب عليه قدم له القاضي نبيل حياوي،في 656 صفحة مطبوع طباعة جيدة في لبنان بدون تاريخ!والظاهر ايضا 2003 وكذلك موجود عليه في البداية ان الاراء الواردة فيه لاتعبر بالضرورة عن الناشر!!مما يدل على ان تلك الكتب مدفوعة الثمن بنشرها...
عند تصفح الكتاب لا نجد فيه اي شيء جديد سوى اخذ المعلومات المنشورة خلال فترة التحضير لغزو العراق عام 2003 ومابعدها في الجرائد والمجلات وخاصة الشرق الاوسط اللندنية والتي يذكرها بكثرة ملحوظة!. الغريب ان بعض المعلومات قد جرى كشف زيفها بالوقائع اليومية للحرب او بعده مما يدل ان الغرض الرئيسي من نشره هو فقط تجميع معلومات بدون فحص او تدقيق او تحليل ونشره بتلك الصورة المشوهة.كتاب لايجد المرء شيء جديد سوى ذكر معلومات بعضها خاطيء والاخرى مشوهة،والكثير من الكتب التي تنشر على تلك الشاكلة يكون مصيرها القمامة المكتبية لانها على طريقة نسخ ولصق الشهيرة!...
الكتاب الثالث: شخصيات عرفتها، تأليف حسين احمد امين،في 235 صفحة ومطبوع في القاهرة عام 2007.
والكتب التي تؤلف عادة عن شخصيات يكون المؤلف قد عرفها عن قرب لها قيمتها الادبية او التاريخية،ولكن مع هذا الرجل الوضع يختلف! وسوف استعرض لمحات عن ذلك.
اذكر اول مرة قرأت اسم هذا الرجل وشاهدت صوره من خلال لقاء مع مجلة( كل العرب) صيف عام 1985 وهي مجلة تصدر في باريس كان يدعمها ماديا نظام البعث البائد في العراق بقوة،بحيث ان هذه المجلة توقفت عن النشر تماما عندما غزا النظام الكويت عام 1990 وتم فرض الحصار عليه مما اضطر الى ايقاف دعمه المادي الى الواجهات الاعلامية التي تصدر عنه خارج العراق! وهي عموما مجلة ضعيفة المستوى الثقافي ولكن ذات طباعة جيدة.
اذكر انني قرأت اللقاء ومازلت كعادتي اذكر فقرات اللقاء،ومن خلال اللقاء عرفت ان الرجل هو احد دبلوماسي النظام المصري وبوق من ابواق اعلامه في الخارج واحد مروجيه سياساته،ولكنه من خلال الحديث يشعر القارئ بأنه من النوع الذي يعامل الاخرين من ابراج عالية مستند في ظنه الى كونه انه ابن احمد امين الكاتب المصري المعروف(1886-1954)صاحب فجر الاسلام وضحاه وظهره،وكأن ابوه هذا مفكرا عظيما يمنح له الحصانة في كل شيء ويجعله مفكرا ليحكم من فوق على الاخرين ويقيمهم ،وذلك كان لقاءه موجه ضد التيارات الدينية في مصر وبشدة وهو يعلم جيدا ان تلك التيارات وغيرها تظهر كرد فعل على طغيان النظام المصري واستبداده،واذكر كلمته ان يجب التعامل بصورة غير ديمقراطية مع كل التيارات الغير ديمقراطية او عدم منحهم الديمقراطية وهو بذلك يدعو الى التعامل بقسوة وغلظة مع المعارضين،وكأن الانظمة العربية (وهو الحديث الموجه اليهم) كانت قاصرة في التعامل مع المعارضين وتمنحهم كل الحرية في الاختيار!او كأن الانظمة نفسها ديمقراطية حتى يحكم على الاخرين بأنهم غير ديمقراطيين!.
عموما اللقاء كان يعطي صورة واضحة عن افكار الرجل وخلفيته الاسرية والتي دائما يتبجح بها اوالثقافية الناتجة عنها او عن المحيط الذي عاش فيه...
والكتاب الذي الفه اعلاه هو ذكرياته عن 26 شخصية،غالبيتها مصرية ومن النخبة الثقافية على الاكثر.وطريقة سرده للذكريات عن تلك الشخصيات وتقويمها لا يختلف عن طريقته في التفكير الذي يستند على كونه ابن احمد امين وجعله المحور الاساسي في حياته او وصفه للاخرين وبالتالي يكون ابيه هو مقياس الحق والباطل!والشر والخير!والطيبة او سوء الاخلاق!...وهو مقياس تافه لا قيمة له حتى لوكان ابيه عظيم العظماء في زمانه!...وابيه الذي يتبجح به هو كاتب لتاريخ الاسلام وحضارته ولا يعرف غير ذلك باعترافه هو!...واحمد امين لاتختلف كتبه عن الكثير من الكتاب في كونها تقليدية ولاتخرج عن الاطار المذهبي المتعصب وتضمن الكثير من خزعبلات وخرافات المؤرخين القدامى ومنها عند زيارته الشهيرة للعراق في الثلاثينات عندما عوتب عن اتهاماته للشيعة وتكفيرهم واخذ الاقوال الكاذبة من خصومهم..فكانت اجابته المضحكة انه لم تكن لديه مصادر للشيعة عنده ولذلك اخذ مصادر مناوئيهم!!عذر اقبح من عمله المشين،ومن خلال ذلك يمكن الحذر من اقواله في مؤلفاته التي يتبجح بها ابنه! والذي وضعه في بداية الكتاب يمكن على اعتبار انه مفكر وفيلسوف لامثيل له!.
فأذا كانت الشخصية تختلف عن والده في شيء ما حتى لو كان بسيطا،فهو خاطئ ويذكر له كل مساوئه ويعطي صورة سلبية كاملة عنه رغم انه يضطر في بداية الحديث لذكر بعض اخلاقه وطيبته!وبذلك يمحو كل ذكر طيب للشخصية بل ويتجاوز وهو النكرة عليهم علميا وادبيا بحجح كاذبة من بينها معرفته ووالده بالمعارف كلها!...ومن الشخصيات التي ذكر مساوئها بشدة...المفكر زكي نجيب محمود الذي نفى عنه كل علم او فلسفة...ومن بين المواقف المضحكة التي يذكرها عنه هو عدم معرفته بالتواريخ الهجرية واستدلاله بالميلادية وكأن ذلك عيبا كبيرا! ويستهين بالكثير من كتبه ويقول ان شهرته جائت من خلو الساحة المصرية من المفكرين!.
او حديثه عن الفيلسوف عبد الرحمن بدوي،والذي يصوره انه مريض نفسيا وصاحب شتائم لاحصر لها،ورغم انه لم يتجرأ على نفي انه فيلسوف الا انه لم يترك مجالا سيئا للحديث عنه بسبب كرهه لوالده!.
اما بالنسبة الى طريقة ذكره لرئيس مصر الاسبق ابراهيم عبد الهادي والذي كان قريبا له،فهي مخزية ووقحة في نفس الوقت لكونه يدافع عنه ويذكر وجهة نظره في تبرير جرائمه،بينما المعروف عن هذا الطاغية كونه اول من بدأ حملة اعتقالات وتعذيب بشعة ضد اتباع تنظيم الاخوان المسلمين في مصر والتي رافقها للمرة الاولى اعتقال ذوي المعارضين وتعذيبهم وانتهاك اعراضهم امام عيونهم!بنفس طريقة اعتقال ابناء بلدة الدجيل في العراق بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لصدام،وسبب حملة ابراهيم عليهم كونه خليفة النقراشي الذي اغتيل قبله على يد عضو من الجماعة وهي لاتبرر اطلاقا اعتقال افراد الجماعة الاخرين فكيف اعتقال ذويهم،وجرائمه من البشاعة بحيث اعتقله ضباط انقلاب 1952 الذين اطلقوا سراحه بعد عامين بعد الخلاف مع الاخوان وكذلك اصبحت جرائم ابراهيم عبد الهادي بالنسبة لجرائم الضباط شيئا بسيطا لا تقارن بضخامتها وبشاعتها وطول فترتها!!.
اما طريقة عرضه للكاتبة المشهورة صاحبة المواقف الشجاعة الحقة،صافيناز كاظم فهي تدل على مقدار الانحطاط الواصل اليه،وهو يلصق بها كل شيء يدل على سفاهتها وضحالة ثقافتها،نظرا لكرهها له ولفكره،وهي بالتاكيد تكون كذلك لان الفارق بينهما كبير! ويصور الامر معها على انها لا تفهم شيئا وهو علامة زمانه!.
ثم يذكر طه حسين والعقاد من نفس النظرة المؤسسة على علاقتهما مع والده،ثم يحاول ذكر مساوئهما بعد محاسنهما حتى يجعل القارئ يتقبل ذلك بدلا من الحديث بسوء مباشرة عنهما. ويختم حديثه عن طه حسين في حواره معه عن مسرحية حسين امين المسماة الامام والتي تتحدث عن الصراع بين علي(ع) وبين معاوية والتي يعلن بها بكل وقاحة تاييده لجانب معاوية،ثم يقول له انه مثله الاعلى! وهو نفس الموقف الذي تنكره عليه صافيناز كاظم،بالاضافة الى طه حسين.
اما العقاد فيعيب عليه حصوله على شهادة الابتدائية رغم عبقريته الادبية والتاريخية،بينما هو صاحب الشهادة التي لم تنفعه بشيء،لا تصل ثقافته او نتاجه منها الى جزء ضئيل من انتاج العقاد الضخم،ثم يعيب عليه حديثه الدائم في المنتديات او مع اصدقائه والذي يشعر منه انه قريب على الالحاد او ينكر الكثير من مبادئ الشريعة والدين ،ثم يتجاهل ذكر ان والده نفسه وهو الذي الف الكتب الطوال عن الاسلام وتاريخه بصورة خاصة وهو لم يراه ابنه يصلي او يقرأ القرآن باعتراف اخيه جلال في مذكراته عن ابيه مما اثر ذلك على سلوكية ابنائه الذين لا يمارسون الشعائر الاسلامية بل ويخالفونها في افكارهم وسلوكهم!،والحكم الان للجمهور الثقافي ايهما يعرف العقاد او حسين احمد امين!!...
ومن خلال الكتاب نرى الكم الهائل من الشخصيات التي تخالف ابيه او لا تبدي له اي مودة،بل بعضهم مثل السادات يتجهم الوجه او لايعير اهتمام لصاحب الكتاب وابيه،في دلالة واضحة للاحتقار!...او الاديب واللغوي محمد محمود شاكر وزميله الذي يذكره معه والذي يعلن ذلك صراحة كرهه لابيه! ...
وفي النهاية يذكر قصة واقعية لطفلة اسمها خضرة وهي سمراء اللون وعمرها 12 عاما جرى توظيفها كخادمة في بيت المؤلف!ويقولها صراحة رغم ان عمرها الصغير..عملت الطفلة في بيته ولكن تعلمت القراءة والكتابة ثم درست حتى وصلت مراتب عليا وفي النهاية تزوجت من طبقة اعلى منها...يعني الفضل في الاول والاخير الى الخادمة الصغيرة وارادتها الحرة القوية...ولا ادري ربط القصة بكتاب المؤلف،ولعله يريد القول ان الفضل له في ذلك،بينما الفضل له بتشغيل طفلة لاتتجاوز 12 عاما للعمل في مهنة يهان المرء عليها!!....
في الختام كتاب لا قيمة له سوى القمامة من كاتب يجاهر بآرائه المقاسة على رغباته في جعل والده المقياس الاول في تقييم الاخرين ثم قناعاته المنحرفة كثيرا عن الواقع،فالكتاب مليء بالاحاديث التي تعطي صورة كريهة للواقع الثقافي في مصر من خلال رؤية المؤلف للحياة الشخصية لهؤلاء الادباء والكتاب والمفكرين المشهورين ومن خلال تلك الرؤية نلاحظ المساوئ الانسانية بارزة وتتعارض مع الصورة الاعلامية البراقة لهؤلاء من قبيل الحسد فيما بينهم والصراع الذي يصل الى الاهانة والتنكيل والشتائم والتسفيه والتسقيط الى ابعد الحدود مما يجعل القارئ يصاب بالذهول لهزالة وانحطاط الحياة الشخصية لهؤلاء المشاهير من خلال الكتاب كذلك نلاحظ مقدار التعصب والبعد عن الموضوعية والامانة العلمية والالتزام الاخلاقي عند البعض الاخر،هذا بالاضافة الى التناقض الواضح بين سلوك بعضهم البعيد الالتزام الديني وفي نفس الوقت هم من المتخصصين في الامور الدينية وخاصة التي تتعلق بالعلوم الشرعية!! ...ورغم ذلك فالواجب الحذر الشديد من تلك النوعية من الكتب او مؤلفيها ...ومن لايؤمن على نفسه الحذر ...فالافضل الابتعاد للحفاظ على السلامة الفكرية من التشويش والتعطيل وصيانتها من الكثير من الاضرار !!....





2008/12/23

قراءة مكثفة...

قراءة مكثفة:
هذه الايام برغم المشاغل اليومية الروتينية،منشغل بقراءة 18 كتاب في وقت واحد بالاضافة الى اربع مجلات،ثلاث منها للعربي والاخيرة مجلة فكر وفن الالمانية...والتنوع في القراءة في تقديري تعطي العقل قوة هائلة على الابداع والانتاج وتتيح له اتخاذ القرارات او تبني الاراء بعقلانية اكثر وانفتاح اكبر على الاخر،ويبقى التقييد الوحيد له هي الظروف المحيطة التي قد تكون غير مشجعة وهي الغالبة،او معينة له وهي تحصل للمحظوظين فقط!ّ.
الكتب والمجلات كلها مستعارة ماعدا فكر وفن،والاستعارة من المكتبات العامة ماعدا كتاب عن الماركسية والاسلام للفرنسي رودنسون،هو من صديق...وبالتالي اكون ملزما بقرائتها حتى ارجعها في الوقت المناسب...
والكتب الغير مملوكة تجعل الشخص يقرأها بلهفة ودقة وسرعة اكثر من الكتب المملوكة لانها موجودة امام العين اي وقت يمكن قرائتها...
والتنوع في القراءة في وقت واحد،اضافة الى انه خارج الارادة،الا انه ممتع وكاسر لحاجز الملل والتعب ويمنح الصبر قوة ارادة زائدة...
الكتب هي متنوعة التي اقرأها الان وهي تختلف من كتب ذات قيمة الى متوسطة القيمة الى قمامة مكتبية لاقيمة لها!!...ويصعب علي ان الخصها ولكن سوف اذكر لمحات مهمة او تعليقات هامشية او بعض الشروحات على متنوها...او حتى دعوة للقراءة او التجاهل لبعضها!...
احيانا الزخم المعلوماتي الكثيف يصيب الانسان بنوع من الصعوبة في تقبل المعلومات او فهمها...وكذلك الامتناع عن تقبل المعلومات يصيب عقل الانسان بكسل وخمول واضحين بحيث يصعب تقبل الجديد بعد ذلك...ولكن يستمر الكثيرون في ابداء الاراء في مختلف المواضيع برغم الصدأ البادي على عقولهم الخالية من اية معلومات تعينهم على ابداء الرأي!...
القراءة بدون ذاكرة جيدة صعبة احيانا لانه يتم نسيان المعلومات السابقة بسهولة وبالتالي ينحرم العقل من انتاج الكثير من الافكار الجديدة الناتجة من تلاقح الافكار والمعلومات المستقبلة من خارجه...
بعض الكتب جافة فكريا مما يجعل اصدارها او تلخيصها غير مقبول لدى الكثيرين،وبالتالي تحتاج في رأيي الى طراوة او نعومة فكرية من قبيل الكتب والمجلات التي تتناول مواضيع واشياء ممتعة او للتسلية ...هذا بالاضافة الى الانترنت وتنوعه يكون كافيا لكسر الروتين اليومي....

2008/12/22

قرأت لك - الكتاب الخامس

قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(5)
المقدمة:
التاريخ علم له قوانين واسس منطقية ولكن قلما يلتزم بها المؤرخ،قد يلتزم ببعض القوانين وطريقة البحث،ولكن من النادر الالتزام بالموضوعية المطلقة،وحتى لو كان محايدا فأن فلتات لسانه وقلمه تبرز للعيان وهو بالطبع انسان غير معصوم من الخطأ،لكن الخطأ الاكبر هو الالتزام والاعتقاد بصدق ما يقوله ويكتبه المؤرخون ولذلك وجب الحذر عند قراءة التاريخ،وبما اننا الان نحن نعيش في عصر ثورة التكنولوجيا والمعلومات والتي تجاوزت الحدود والافاق،فأن هذا لم يمنع الكذب والتزوير وتحريف الوقائع واحيانا بوقاحة لا مثيل لها ولاتقف بوجهها اي قوانين او التزام ادبي واخلاقي وديني فكيف كان الحال قبل مئات السنين عندما كانت وجهة النظر الرسمية للحكام هي السائدة والتي وصلت الينا دون ان يبقى من آراء المعارضين الا النزر اليسيروالتي احيانا تكون الحقيقة فيها،وهذا الكلام لا ينطبق على طبقة معينة بعينها بل ينطبق على الجميع سواء مؤرخين او سياسيين او صحفيين او غيرهم ما دام الجامع واحد وهو نشر التاريخ من وجهة النظر الشخصية او الالتزام بفكر او عقيدة معينة والتي قد تكون احيانا مخالفة للحقيقة المطلقة،والتاريخ هو العلم الاكثر تعرضا للتشويه بحكم كونه يمثل حياة الشعوب والامم في الماضي والحاضر وهو الضوء الذي ينير الدرب نحو مستقبل مشرق،وبالتالي فأن الجميع يحرص ان يكون حسب ما يتمناه او ما يمثل وجهة نظره دون اعطاء اهمية للحقيقة اذا كانت تتعارض مع الفكر او الرأي السائد،او الغاء التاريخ الذي يحتوي احداث ووقائع سوداء تبرز الوجه البشع لحياة افراد او ملل بأكملها،ولذلك يجب قراءة التاريخ من جميع مصادره حتى يمكن المقارنة وتسهل علينا بأستخدام الاسس المنطقية استخلاص الحقائق منه.
هناك الكثير من التجارب والعبر للمؤرخين خاصة الذين يمتلكون مقدرة عظيمة على ابراز تاريخ الانسانية بجميع جوانبه المشرقة والموحشة والتعليق والشرح اذا امكن بموضوعية،لذلك تبرز اهمية مؤلفات المؤرخين والباحثين التي تتحدث عن خلاصة تجاربهم الشخصية فهي تكون لنا مثل السراج المنير الذي يمنحنا القدرة على معرفة الحقيقة الكاملة المجردة من الاهواء،ولذلك تبرز لنا اهمية الكتاب التالي ومؤلفه.
الكتاب الخامس
عبر التاريخ
ول واريل ديورانت


الكتاب:عبر التاريخ،تأليف ول واريل ديورانت،والصادر من بيروت في طبعته الاولى عام 1993م والمكون من 155ص قطع صغير في طبعة انيقة.
المؤلفان: المؤرخ الامريكي الشهير ول ديورانت(1885-1981) وزوجته التي كانت ايضا مساعدته الاولى في تحرير مؤلفاته،اريل ديورانت(1898-1981).
في الكتاب لمحة مختصرة عن سيرتهما،اختصرهما لكم:ولد في بوسطن ودرس في عدة مدارس واديرة وجامعات ثم عمل استاذا في عدة مدارس وجامعات،تزوج عام1913م من تلميذته وهي من مواليد روسيا(ومذكور خطأ مطبعي ولادتها1889والصحيح هو1898).بعد نجاحه غير المنتظر في كتابه(قصة الفلسفة)المنشور في العام 1926 تخلى عن التدريس في العام 1927م.
بعد ذلك كرس هو وزوجته تقريبا كل ساعات عملهما(من8-14 ساعة يوميا) لكتابة مجلدات موسوعتهما التاريخية الشهيرة(قصة الحضارة) وفي الترجمة للكتابين السابقين موجود كلمة تاريخ والاصح قصة.تجولا في مختلف انحاء العالم حرصا منهما على اعداد نفسيهما لاتقان عملهما هذا،طبع الجزء الاول عام1935 واخر مجلد كان 1975 والموسوعة تتكون من 11 مجلد ضخم او عشرات الاجزاء حسب الطبعة،والتي تجاوز عددها العشرات،ولهما العديد من المؤلفات الاخرى منها بعض الروايات. توفيت اريل بتاريخ 25\10\1981م ولحق بها زوجها بعد ثلاثة عشر يوما فقط اي في 7\11\1981 وكان اخر كتاب لهما نشر عام 1977 عنوانه(سيرة ذاتية مزدوجة).
وطبعا موجود في شبكة الانترنت معلومات تفصيلية عنهما،كما موجود موقع باسمه باللغة الانكليزية وتوجد معلومات ايضا باللغة العربية والموقع الخاص به هو:
http://www.willdurant.com/home.html

كما توجد له ترجمة في موسوعة الويكيبيديا في: http://en.wikipedia.org/wiki/Will_Durant
كما توجد بعض كتبه في محرك البحث الشهير كوكل،ويمكن مراجعة ذلك.
يعتبر ويل ديورانت اشهر المؤرخين في امريكا،ومن اكثرهم حيادية ومنهجية في البحث كما تمتاز مؤلفاته بالتبسيط في العرض والتحليل لذلك كانت السبب في شهرتها وازدياد قيمتها العلمية.
كتاب(عبر التاريخ)هو في الحقيقة خلاصة ما توصلوا اليه من نتائج على موسوعتهم القيمة(قصة الحضارة) وهي ملاحظات ونتائج قيمة من مراجعتهم لتلك الموسوعة،وهو في غالبيته يتحدث عن علاقة التاريخ مع العلوم الاخرى والعبر الناتجة من تلك العلاقة،وقد تم اختصارها في 13 مبحث او حلقة مختصرة.
في الحلقة الاولى وتحت اسم ترددات:
يطرح المؤلف سلسة رائعة من التساؤلات الهامة والتي تواجهة المؤرخ عندما تصل الدراسات الى نهايتها،وهي في الحقيقة تحديات نفسية تواجهة الكثير من الباحثين في مختلف الميادين خاصة التي لا تعطي نتائج مادية ملموسة تعين صاحبها على مواجهة مشاكل الحياة وتعقيداتها المختلفة،فيكون اول تساؤل له:عن فائدة ما قام به من ابحاث؟وهل قصد اشباع ميل اثناء عمله في وصف ارتقاء الامم والافكار وسقوطها؟هل اطلع القارئ على طبيعة الانسان اكثر؟وهل حقق بتدوينه التاريخ اي تنوير عن الاحوال الحاضرة او توضيح في الاحكام والسياسات او اي تحذير من مفاجأت التغيير وعواقبه؟وهل اوجد توازنا بين احداث الماضي ومصير البشر والدول في المستقبل؟ويتسائل هل يعقل ان لا يكون للتاريخ اي معنى،او لايقدم لنا اي عبرة؟.هذه جملة من التساؤلات التي تعطي الشك للباحثين اثناء القيام بعملهم البحثي، وفي الحقيقة ان ول واريل ديورانت لم يجيبا بصورة تفصيلية عن تلك الاسئلة الهامة التي تم طرحها لكن هناك بعض الاجابات المختصرة في متن الكتاب عليها.وفي اعتراف هام من مؤرخ مشهور،يعترف بأن معرفة المؤرخين بأي امر سابق هي دائما غير كاملة وعلى الارجح غير دقيقة،يكتنفها تباين مختلف الروايات،وفي اعتراف اخر يعترف بعدم حيادية وموضوعية جميع المورخين،لان المؤرخ في رأيه يختصر دائما وسرعان مايميل الى فئة معينة من الاعمال،دون ان ننسى تأثير الانتماءات الوطنية والدينية.
في الحلقة الثانية:تحت اسم التاريخ والارض،يعرف تاريخ البشرية بأنه حقبة وجيزة على مدى الازمان،واول عبرة نستخلصها منه هي صغارة الانسان بالنسبة لعوامل الطبيعة والكون،وكثيرا ما يخضع التاريخ لتغيرات طبقات الارض،وكذلك تقلبات الطقس فهي في الغالب لا تتحكم بمصيرنا،بل تحد من تحركنا لان براعة الانسان كثيرا ما تغلبت على عناصر الطبيعة.وفي رأي المؤلفان ان الجغرافيا هي رحم التاريخ وأم الانسانية التي ربتها ونظمت حياة بنيها،فالانهار والبحيرات والواحات اجتذبت السكان الى شواطئها وضفافها،لان المياه حياة كل كائن حي وكل مدنية،ولو تطلعنا الى خارطة العالم لوجدنا الحضارات من اقصى الشرق الى اقصى الغرب تكونت في أنماط واماكن متشابهة جغرافيا.وفي الحلقة الثالثة: علم الاحياء والتاريخ،يذكر المؤلفان بأن التاريخ هو قسم من علم الاحياء،لان حياة الانسان رهينة تقلبات العناصر البرية والبحرية،وهكذا نجد ان هيمنة نواميس علم الاحياء هي من اهم العبر الاساسية التي يلقيها علينا التاريخ واننا عرضة لشتى التبدلات بصفتها من حتميات التطور،واننا اسرى نضالنا من اجل البقاء على قيد الحياة بأفضل حالة ووسيلة ممكنة.
وقد اقر المؤلفان بوجود عدة عبر للتاريخ من ناحية علم الاحياء،الاولى :هي ان الحياة منافسة وان المزاحمة ليست قوام التجارة وحدها،وانها سلمية في حالة وفرة الاغذية وعنيفة ضارية عندما تفتقر الافواه الى الطعام،فيحذو الناس حذو الحيوانات التي يفترس بعضها بعضا في تنازع البقاء بحكم ناموس الطبيعة،بينما التعاون المثمر يزيد المجتمع نموا وازدهارا. ثانيا: ضرورة وجود النخبة في الحياة،ففي التزاحم على الاغذية او الصداقة او النفوذ،يتوفق البعض،والبعض الاخر يخفق،لان في الناس من هم اوفر استعدادا واغزر مواهب من سواهم في نضالهم لاجل البقاء والنجاح. وما دامت طبيعة البشر ونعني هنا واقعهم الاليم وشتى اساليبهم الغريزية لم تستوعب اعلان حقوق الانسان،علينا ان ندرك اننا ولدنا جميعنا غير احرار وغير متساوين ،بل اسرى تراثنا البدني والنفسي،وعاداتنا وتقاليدنا ونظام بيئتنا.والاختلاف بيننا كامن في الصحة والقوة والمواهب والصفات والاخلاق.فالفروقات اذا طبيعية موروثة،وهي قابلة الازدياد كلما تفاقمت تعقيدات المدنية،والنمو الاقتصادي يضاعف رفعة الاختصاصيين ويعلي شأنهم بين الماهرين ويجعل الناس غير متعادلين في ميزان الكفاءات ضمن نطاق بيئتهم.
عدم المساواة والحرية خصمان لدودان دائمان،عندما ينتصر الواحد ينهزم الاخر،فلندع المتنافسين احرارا وبذلك تتضاعف الفروقات بينهم بأستمرار،ولا يرغب بالمساواة الا من تدنت مقدرته عن المعدل في المهارة الاقتصادية،وعلم الاحياء لا يقر بمثالية المساواة في المواهب،ولا يسوغ لاي فيلسوف ان يحلم بغير تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص النجاح والثقافة للجميع.وتزداد المزاحمة قسوة كلما انصبت الجهود على ازالة الميزات والمسافات وهذا يقوي المجابهة كما يحصل ذلك بين الدول. ثالثا:هو وجوب استمرار الحياة بالتناسل،اذ ليس للطبيعة من حق في مساندة الاجهزة او الانواع او الفرقاء الذين لا يسعون الى تكاثر اعدادهم،ولا فرق للطبيعة بين التمدن والبربرية،ولا اهمية في نظرها لكثرة الولادات التي تنبثق عنها عادة جهالة هزيلة العلم،ولا لقلة الولادات التي تؤدي الى حضارة عالية الثقافة،ان ما ترمي اليه الطبيعة المقصود هنا هو التوالد والتزاحم وتوفير النخبة في تنازع البقاء،ولو فاق عدد مواليد البشر كمية المواد الغذائية لعالجت الطبيعة هذه المعضلة كي يستقيم الميزان بعوامل ثلاثة:المجاعات والاوبئة والحروب،ولقد شرح توماس مالتوس في كتابه المنشور عام 1798 ، قائلا:لولا التوازن بين عدد الولادات البشرية مرحليا وعدد الوفيات،لفاق تكاثر الافواه،كمية المنتوجات الغذائيةمهما كانت هذه وفيرة.ونصح بالتقليل من الانجاب بالامتناع عن الجماع المؤدي اليه. لكن تقدم الزراعة وتقنية منع الحمل خلال القرن التاسع عشر دحضا كلاهما اقوال مالتوس،وقد ازداد انتاج الغذاء في الدول المتقدمة وبذلك ابعد شبح المجاعة في العالم،ولكن لو تمكن مالتوس لاجاب طبعا بأن هذا الحل اجل الكارثة ولم يعالجها نهائيا،لان خصب الارض له حدود،والولادات سوف تتفوق على الوفيات،وحالت العناية الصحية دون ازدياد النخبة،اذ امنت سلامة غير الجديرين وصانت حياتهم،وتفنيد ذلك ان تقدم الصناعة وتنظيم المدن وتعليم الناشئة وتحديد النسل هو الرد الوافي على زعمه. ما من شك ان وسائل تحديد النسل افسدت الميزات الوراثية،اي انها حطت من المستوى الذهني في الامة التي لجأت اليها،لان هذه الوسائل استخدمتها على الارجح فئة الاذكياء اكثر من البسطاء،ربما كانت الحيوية الطبيعية من الوجهة البيولوجية عند الولادة لدى المخلوق العادي اوفر فعالية منها لدى المثقف الكريم الاصل،لذا اعتقد نيتشه ان افضل دم في المانيا يسري في عروق الفلاحين،وان الفلاسفة ما كانوا يوما انسب الناس لانجاب نسل متفوق.
ويؤدي تكاثر الولادات وقلتها لدى اخرين الى تفوق العنصر المتكاثر وسيطرته بالتدريج على شؤون السلطة،ويعرض المؤلفان مثالا على ازدياد نفوذ الكاثوليكية في امريكا،وكذلك في شعوب اخرى.
في الحلقة الرابعة: وتحت اسم الاعراق والتاريخ،ذكر المؤلفان ان عدد الملونين فاق عدد البيض،الضعف تقريبا،كما ذكرا ان كثيرين من البيض اغتبطوا من دراسة كوبينو في منتصف القرن التاسع عشر حول عدم المساواة بين اجناس البشر،وان العنصر الآري يتحلى بمزايا متفوقة على جميع ما عاداه،ومن بين ما ذكره كوبينو،ان حسنات البيئة غير كافية لانتشار الحضارة،اي الانهار التي اخصبت التربة والتي انشئت اعظم الحضارات في الشرق الاوسط، لم تنشأ اية مدنية بين الهنود الحمر في امريكا الشمالية رغم ان اهاليها عاشوا في ارض خصبة على طول ضفاف انهار ممتازة،اما دواعي انحلال المدنية فهي فساد الجنس والاصل والعرق،ويذكر ان تفوق البيض في امريكا وكندا ناتج من عدم حصول التزاوج مع الهنود الحمر،بينما كان نصيب البيض عكس ذلك في امريكا اللاتينية عندما حصل هذا التزاوج،والضعفاء الذين انبثقوا من تمازج كهذا وحدهم ينادون بتساوي الاعراق.وفي تحليل بارع يدل عمق فكرهما،يذكر المؤلفان عدد من المؤلفين وبعض مؤلفاتهم وابحاثهم التي توصلوا اليها من خلال دراساتهم حول العرق والاجناس والحضارات،ففي عرض لبعض نتاج هؤلاء وفي طريقة ذكية لاثبات بطلانها،يذكر كل واحد من هؤلاء مدى تفوق عرقه او بلده وهي تبيان لمدى عنصرية هؤلاء،فعرضا نماذج من مختلف الاعراق والبلدان التي تحاول اثبات تفوق عنصرها،منهم من يحاول اثبات تفوق العنصر الآري او الشعوب الشمالية المنتسبة لهذا العنصر اي الاسكندنافيين والالمان والانكليز والامريكيين الانكلو سكسون،على اساس ان برد الشتاء قوى عود هؤلاء!!وبنوا من جراء ذلك الحضارة الكبرى،وكذلك ذكرعالم صيني ان شعبه انشأ مدنية فريدة هي الاقوى احتمالا امام الشدائد في عهود التاريخ،بما انجبه من رجال دولة وعباقرة في مختلف العلوم والاداب،منذ الفين سنة قبل الميلاد حتى عصرنا الحالي.كما اشار عالم مكسيكي الى بروز البنية الثقافية في شعوب المايا والازتيك والانكا التي سبقت تاريخ اهتداء كولومبوس الى القارة الامريكية.وأقر عالم هندي بالتسرب الآري الى شمال الهند منذ الف وستمائة عام قبل الميلاد،وذكرنا بان الشعوب شبه السوداء القاطنة جنوب الهند انجبت معماريين بارعين وشعراء لامعين.
لاينكر ان هزال النظريات العرقية بات امرا معروفا،وبذلك لم تصمد النظريات العنصرية في اثبات وجودها في ارض الواقع خاصة في ظل النهضة الجديدة للشرق،وقد ذكرا المؤلفان بعض من حضارات الشرق التي لايمكن نكرانها ابدا،فالساميون ابتدعوا حضارات بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام وقرطاجة والاسلام وقد اليهود التوراة ثم بشر المسيحيون بالانجيل وانتشر القرآن التي اتى بها الرسول محمد(ص) فتسنى للمسلمين ان يعدوا الاحكام والفنانين والشعراء والعلماء والفلاسفة وغيرهم واتحفوا عالم العرق الابيض بصورة خاصة قدرا كبيرا من الروائع من غرب الصين حتى اسبانيا،بينما كانت شعوب اوروبا تغط في سبات العصور الوسطى. ومن المعلوم ان ثقافات قدماء المصريين والاغريق والرومان جاءت نتيجة فرص النمو الجغرافي والاقتصادي والسياسي اكثر من صدورها عن البنية العرقية بحد ذاتها،وان معظم حضاراتهم مستقاة من ينابيع شرقية.
وقد حاول البعض ان يربط الحضارة بالعرق،على اساس حجم الدماغ البشري ووزنه فألقى هذا الافتراض بعض الضوء على المسألة على اعتبار توصل زنوج افريقيا الى أنشاء حضارة مدنية قليلة الازدهار،فلربما السبب هو الاحوال المناخية والجغرافية المجحفة بحقهم،ويتسائلان هل كان عرق ابيض توصل الى احسن مما حققوه في مثل تلك البيئة القاسية؟ويذكران ما وصل اليه زنوج امريكا،مستويات عالية من المهن والفنون والاداب رغم كثرة العقبات القائمة في طريقهم.
ويمكن الاستنتاج ان دور العرق في التاريخ هو على الارجح غريزي اكثر منه خلاق،ومثال على امتزاج الاعراق في تكوين شعب ونموذج جديد،فهكذا امتزج السلتيون والرومان السكسون والقوط والنورمان الدانماركيون ليؤلفوا الشعب الانكليزي،وعندما تكونت هذه الفئة الجديدة،توحدت تعابيرها الثقافية ونشأت حضارة جديدة،وهنا يسعنا القول ان العرق لا ينشئ الحضارة،انما الامة هي التي تبنيها،فالاحوال الجغرافية والاقتصادية والسياسية تبتدع الثقافة،والتي بدورها تكون النموذج البشري،اذا ليس الشعب الانكليزي هو الذي صنع المدنية بقدر ما هي كونته،والتي نقلها بدوره الى بقاع اخرى.
اما الكراهية العنصرية فيعزى سببها الى اختلاف المصدر والعرق والمشرب،لكن باعادة تكوين الشخصية،يرجح تغلب المواطنين على هذه الكراهية بفضل التبدلات المكتسبة من الثقافة،على السواء في اللغات والالبسة والعادات والاخلاق والديانات،ولا علاج لهذه الكراهية الا بالسهر على التربية المثلى وتوسيع آفاق المعرفة،فالمعلومات التاريخية تؤكد ان الحضارة ثمرة تعاون ساهمت فيه كل الشعوب تقريبا،مع العلم ان تهذيب النفس يظهر دوما في حسن المعاملة بحق كل رجل وامراة مهما تواضع شأنهما،لان كلا منهما يمثل روح البناء والتعاون في البيئة التي ينتمي اليها.
في الحلقة الخامسة:وتحت اسم الاخلاق والتاريخ،يقول المؤلفان ان المثل العليا لاتبني المجتمعات،بل تنشئها طبيعة الانسان،وفي تصنيف بارع وضع في جدول،صنفت طبيعة البشر بموجب جدول العناصر الخلقية،ومن تحليلهما يتبين لنا ان الكائن البشري مزود بطبيعة وراثية تشتمل على ست غرائز ايجابية وست سلبية،وظيفتها صيانة الفرد والاسرة والبيئة والنوع. ففي الشخصيات الايجابية تغلب الميول الايجابية،لان معظم الافراد مزودون بكلتا الفصيلتين من الغرائز التي تساعد الانسان،حسب مزاجه وظرفه،على مواجهة ما يعترض سبيله من المصاعب،وعلى اغتنامه فرص النجاح والتقدم،مع العلم ان كل غريزة تفرز عادات وترافقها احاسيس يؤلف مجموعها طبيعة الانسان.ومن خلال مراجعة الجدول الموجود في الكتاب يقسم المؤلفان العناصر الاخلاقية الى ثلاث اقسام هي:الغرائز والعادات والاحاسيس.والاقسام الثلاثة بدورها تقسم الى عناصر ايجابية وعناصر سلبية،وتتكون كلتا العناصر من فروع متعددة نذكر بعضا منها على سبيل الاختصار،فالغرائزالايجابية،تتكون من العمل،ويقابلها في السلبية النوم،ومن النضال ويقابلها التخاذل،ومن الربح وياقبلها الخسارة،ومن المشاركة ويقابلها الاستئثار،ومن التجمع ويقابلها الانزواء ومن عناية الاهل ويقابلها تهاون الاولاد.
ومن العادات الايجابية نذكر بعضا منها على سبيل المثال،الكد والحزم والتفكيروالنظام والانفتاح والسخاء والحشمة وغيرها ويقابلها حسب الترتيب،الكسل والتردد والوجوم والفوضى والانطواء والبخل والتهتك.
اما الاحاسيس الايجابية فنذكر بعضا منها،مثل الحماس والحركة والاعجاب والصداقة والرفق والتواضع والقناعة والحياء والتودد والفضيلة وغيرها ويقابلها من السلبيات حسب الترتيب،الخمول والجمود والازدراء والعداوة والقساوة والعجرفة والطمع والوقاحة والنفور والرذيلة.
وهنا برزت المبادرة الفردية وتجلت قدرة الانسان وبطولته ونبوغه،واحتل مكانته كقوة فاعلة في التاريخ،وتندرج افكاره وقراراته واعماله بحيوية على صفحات التاريخ.وفي مقارنة رائعة لبعض الشخصيات التاريخية،يذكر ديورانت،احيانا بلاغة الانسان مثل تشرشل تساوي الف فيلق من الجند،ونابليون في بعد نظره وبراعته في التخطيط والتنظيم الحربي،ونبيا مثل محمد(ص) حكيما في ارشاد الناس وهدايتهم،استطاعت كلماته الحماسية ان تنهض شعبا فقيرا محروما وان تثبت فيه روح عزيمة خارقة عجيبة،وهكذا كان باستور واديسون وفورد ورايت وغيرهم.
وعلى هذا الاساس،برزت الثقافة في التاريخ كقوة حيوية،وربما كانت عامل فساد وهدم،فمن اصل كل مئة فكرة جديدة،هنالك تسع وتسعون هي اضعف من الحلول التقليدية في رأيه.
ليس هنالك من رجل مهما كان ذكيا لامعا واسع الاطلاع،ان يغير في مدى عمره،عادات مجتمعه ودور مؤسساته التي تمثل حكمة ماسبقه من الاجيال السابقة،وهكذا يكتسب من لايقاوم التغيير،فضيلة المجدد الذي يقترح التحسين لان الجذور هي دوما اكثر حيوية من كل مطعوم.
والتجربة وشجاعتها هي التي تقضي على لامبالاة الجنس البشري.
في الحلقة السادسة:وتحت عنوان الادبيات والتاريخ،يذكر المؤلفان،ان الادبيات هي قواعد،كالقوانين المفروضة يرشد بها المجتمع اتباعه،فعلى سبيل المثال تسنى لليهود طوال ستة عشر قرنا ان يصونوا كيان جماعاتهم ضمن مواطن المسيحيين والمسلمين بسلام وامان،بفضل ما ساد من انظمة ادبية حكيمة،طبقت غالبا بدون تدخل الدولة وقوانينها.
الانظمة الادبية متباينة لانها تطورت حسب احوال البيئات في التاريخ،فأذا قسمنا التاريخ الاقتصادي الى ثلاث مراحل:الصيد والزراعة والصناعة،تيسر لنا ان نتوقع ان نظام ادبيات احدى المراحل تغير في المرحلة الثانية،ففي عصر الصيد يأكل الانسان اكثر من حاجته لعدم اطلاعه على انه سوف يحصل على فريسة اخرى،وفي غياب الاكتفاء يتولد الجشع،وهذا يذكرنا بوحشية اراقة الدماء،كما هو الحاصل بين الدول الان،ولهذا كانت نسبة الموت لدى الرجال اكبر من النساء،ولذا ترتب على الرجل ان يقترن بعدة زوجات وان يؤمل الحمل للنساء.وكانت الكراهية والشراسة والطمع والتأهب الدائم للجماع،من حسنات تنازع البقاء،وربما كانت كل رذيلة في يوم من الايام فضيلة،اي صفة حميدة ضرورية لضمان بقاء الفرد والاسرة والبيئة.
لم يحددلنا التاريخ بالضبط تاريخ انتقال البشر بين المراحل الثلاث،وتبين من المرحلة الاولى ان العمل الجاد افضل من الشجاعة وان السلم اضمن انتصارا من الحرب،وبدا الاولاد كأنهم حوافز اقتصادية،فبات تحديد النسل غير اخلاقي،واصبحت السلطة الابوية ركنا اقتصاديا متينا.
ودامت ادبيات نظام الزراعة القائم على العفة سارية المفعول مدة خمسة عشر قرنا،وبالتدريج ثم بسرعة وعلى نطاق واسع،غيرت الثورة الصناعية،شكل الاقتصاد وهيكلية الادبيات في الحياة،وغادر الجميع بيوتهم واسرهم وسلطتهم ليعملوا كأفراد يتقاضى كل واحد اجره،وسرعان ما حان وقت النضوج الاقتصادي الذي امن المقدرة على اعالة الاسرة فلم يعد الاولاد يشكلون ادوات اقتصادية،وتأخرت مواعيد الزواج،واصبح الامتناع عن العلاقات الجنسية قبل الزواج اصعب مما كان،واتاحت المدنية فرصا للتمتع بالجنس باستخدام وسائل المنع المعروفة مما سهل الرذيلة،ولم يعد الشباب خاضعا لسلطة الاب والام المرتكزة على العوامل الاقتصادية واصبح التمرد صفة الشباب في العصر الحديث.
كما ادت مكننة الانتاج الاقتصادي الى مكننة الانتاج الاقتصادي والى مكننة الوجهات المادية من خلال تسامح الفلسفة.
ومنذ القدم افضت الحروب الى تراخي الاخلاق وتفسخها ،وهنا يذكر امثلة من العهود السحيقة،وكيف ادت الى تفسخ المجتمعات.
في الحلقة السابعة:وتحت عنوان الديانة والتاريخ،يذكر المؤلفان ان اكثر المؤرخين شكا ورفضا هم يكنوا للدين بعض الاحترام،ما داموا يعتبرونه سياجا واقيا ويبدو لهم ضروريا في كل البلاد وفي جميع الاجيال.فالدين يمنح التعساء والمتألمين والمحرومين والمسنين صبرا وقوة فائقة على احتمال الشدائد يقدرها هؤلاء،وهي اثمن ماتتلقاه من عون وتعزية روحية في هذه الدنيا،التي يدعوها البعض وادي الدموع،وقد اعطى معنى وكرامة لاحقر المخلوقات البشرية،من خلال تحويله العلاقات الانسانية الى روابط وثيقة مع الله.وحسب قول نابليون:ردع الفقير عن قتل الغني.ولابد من امل فائق الطبيعة للحيلولة دون تسرب القنوط الى اعماقنا،فمتى ما تحطم الرجاء ازدادت احتمالات نشوب الحروب.
ثم يذكر الديانات السماوية الثلاث،اليهودية والمسيحية والاسلام،بمختصر مفيد.
ثم يذكر محاكم التفتيش التي ادت الى تدني هيبة رجال الدين في اوروبا،وفي اعتقادهما ان استبدال المبادئ المسيحية بالمؤسسات المدنية اضر كثيرا بنتائج الثورة الصناعية،واصبح عمل الجميع الاعتماد على المنطق والاقناع في تربية نشء متمرد لايخاف سوى الشرطي!..كما نجح دعاة الوطتية والراسمالية والشيوعية في بث معتقدات غريزية وناموس اخلاقي مائع.ومن ابرز عبر التاريخ في رأيهما هو ان للديانة اكثر من حياة لانها نهضت دائما بين الانقاض،ولذلك نلاحظ الصحوة الاسلامية في اواخر القرن العشرين بعد خمود طويل.
في الحلقة الثامنة: والمتعلقة حول الاقتصاد والتاريخ،وبعد استعراض لاقوال ماركس حول الاقتصاد وعلاقته بالتاريخ، يذكر كيفية بزوغ الثورة الصناعية وآثارها السلبية.والاقتصاد والثروة الناتجه منه هو من العوامل الرئيسية في التغيير الحاصل في التاريخ وبخاصة قيام الثورات والدول،ولكن هناك عوامل اخرى اعطت نتيجة هامة وهي ان الفقراء اثبتوا انهم اشد ساعدا من الاغنياء وخاصة في الجانب العسكري وفتوحات البلدان،الا ان المهارات تختلف من شخص لاخر،واغلب المهارات تقريبا تمتلكها اقلية من الاغنياء،وتكديس الثروات يتأتى بصورة طبيعية من استغلال تلك البراعة المتجددة بأنتظام في التاريخ.كما ان التكديس هو امر طبيعي وان تخفيف وطأته تتم مرحليا باعادة توزيع الثروات جزئيا او كليا،اما باعتماد الوسائل السلمية او العنف،ويعطيان امثلة من التاريخ على الاضطرابات الناشئة من العوامل الاقتصادية .
في الحلقة التاسعة:المعنونة الاشتراكية والتاريخ،يذكران ان الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية هو جزء من الايقاع التاريخي في معزوفة تكديس الثروات وتبديدها،وطبعا قامت الرأسمالية بدور خلاق في التاريخ اذ جمعت المدخرات في رساميل منتجة،وقدمت العائدات والفوائد،ومولت مكننة الزراعة والصناعة،ووازنت منطقية توزيع الثروات والارباح،فأدى الى ازدهار اقتصادي كبير.وفي السوق الحرة ضاعفت حوافز المزاحمة في ميادين العمل،وقد ضبطت قواعد الديمقراطية الاساسية حتى الان طريقة الانتاج،فجاءت الخدمات المقدمة لارضاء المستهلك افضل مما قدمته قرارات الحكومات،كما ادى الى تلبية حاجات العمال ورفع مستوى الانتاج وجودته،ثم تذكر امثلة تاريخية قديمة وخاصة من حضارة بلاد مابين النهرين. اما الاشتراكية فبرزت طلائعها في الرومان بحدود 301م في محاربة الاحتكارات وتنظيم النشاط الاقتصادي،ولكن في حضارة الصين كانت اقدم من ذلك بكثير.اما اطول نظام اشتراكي عرفه التاريخ حتى الان فقد نشأ خلال القرن الثالث عشر الميلادي في بيرو الان عن طريق قبائل الانكا الذي دام حتى الفتح الاسباني عام 1533م.
وبعد مجيء الثورة الصناعية،نشأت معها ظاهرة القسوة والجشع والتعامل الوحشي مع العمال،فجاءت حركة ماركس وانجلز للدعوة للتغيير الى مرحلة الاشتراكية التي كانا يأملان من ان تطبق في انكلترا نظرا لنمو الصناعة بها،الا ان الشيوعية نشأت في روسيا بدلا منها وهي دولة متخلفة حينها.
والاسباب في ذلك معروفة يذكران بعضا منها،من خلال فقدان الدولة الروسية الحرب وسوء الاحوال الاقتصادية،ورجوع الفلاحين الناقمين مع اسلحتهم من الجبهات،وتحالفهم مع المثقفين،فقامت الثورة التي واجهت الحرب والمعارضة الداخلية والخارجية،وكانت ردة فعل الشيوعيين في غاية الوحشية والقسوة الغير مبررة خاصة في تطبيق الاشتراكية،والتي ادت الى كوارث ومجاعات وقمع وحشي خلال الحقبة الستالينية. استفادت الرأسمالية من افكار الاشتراكية وطبقتها خوفا من انهيارها كليا،مما ادى الى استمرارها بينما لم تستفاد الاشتراكية كثيرا من الرأسمالية ومزاياها مما ادى الى انهيارها بعد ان ساءت الاحوال الاقتصادية وكذلك بقيت في موقفها الرافض للتغيير السياسي فبقيت المهيمنة على السلطة المطلقة.
في الحلقة العاشرة:وتحت عنوان الحكومة والتاريخ،يقول المؤلفان ان للتاريخ كلام كثير في شكل ونوع الحكومات. وبما ان الانسان يعشق الحرية،وحرية الافراد في المجتمع تتطلب شيئا من آداب السلوك،فأول شروط الحرية هو وضع حدود لها،لانها عندما تكون مطلقة،لابد ان تتجمع وتتردى في فوضى ليس لها حدود،ولذلك كان فرض النظام من اهم واجبات الحكومة،وانشاء قوة مركزية رادعة هو الوسيلة الوحيدة لكبح جماح من يريد ان يعبث بالامن على هواه.
والقوة بطبيعتها تتجه نحو نقطة مركزية،ولكن مفعولها يبطل متى ما انقسمت او توزعت كما هو الحال في البلدان التي تخضع لمبدأ الاقتصاد الحر.
وفي توقع لما يمكن ان تكون عليه الحكومات الدولية في المستقبل،توقعا ان تنمو بأزدهار الاقتصاد والتجارة والمال،وكلها تتعدى حدود البلاد وتتخذ اشكالا عالمية.
وحسب رأيهما ومن خلال قراءاتهما التاريخية،يبدو لهما ان الملكية افضل اشكال الحكومات بأعتبار ان افضل الحكومات استقرارا وعدلا،ومن خلال سجلها المعتدل،مع ان حروب وراثة العروش جرت على البشرية ويلات كثيرة،كذلك لا تخلو في الغالب من السخافة والمحاباة وعدم المسؤولية.والحكومات خضعت لتأثير الاقليات فتم قبولها بموجب حق الوراثة،كما هو الحال في الارستقراطيات او بموجب التنظيم الديني كما هو الحال في المجتمعات الطائفية،او بضغط المال كما هو الحال في الديمقراطيات.
ومن خلال تحليل رائع حول طبيعة النخب الارستقراطية في الحكم،يذكران طبيعة تكوين الاسر الارستقراطية التي تهيئ ابنائها للحكم،وتقوم بتدريبهم لتحمل المسؤولية،وهي في رأيهما دعامة وينبوع ثقافة وحسن تصرف ومستوى لائق وذوق سليم وعامل استقرار. ورغم ذلك فأن الارستقراطية رغم مساندتها للفنون الجميلة الا انها لاتنتجها الا نادرا لانه ينظرون للفنان كأنه عامل يدوي!ويفضل العيش الرغيد على عيش الفن المتواضع ولايفكر بتاتا بالتنازل الى العمل الشاق الذي يكون في الغالب ضريبة النبوغ.ولذلك لم ينتج الارستقراطي كثيرا من روائع الادب،والكثير من العلوم الاخرى،وقد ادى ذلك الى قلة اكتراث والاسترسال في الملذات وتذوق نعومة العيش قد تدوم مدى العمر بفضل اموالها الطائلة،وامتيازاتها،لذلك عم الفساد في الارستقراطيات.
لم ينقذ الارستقراطيين سخاء خدماتهم،بعدما احتكروا الامتيازات والسلطات بشكل فاضح،فضيقوا على عامة الشعب بأنانية عمياء اضرت بنمو الامة،فما كان لتصحيح تلك الاوضاع الا الثورات العنيفة والتي ادت الى قتل اعداد كبيرة منهم.
السؤال الذي يطرحانه،هو هل برر التاريخ قيام الثورات؟وهو سبب جدلا واسعا.
الاراء كانت متباينة،فالبعض يؤيدها بشدة والبعض الاخر يفضل الاصلاح التدريجي وترميم الحكم بالتعديلات الممكنة،لكن في بعض الحالات بدت المؤسسات البدائية الجامدة بحاجة الى طرح عنيف،كما جرى ذلك في روسيا عام 1917،ولربما برزت امريكا بدون ثورة هدامة كعامل مثالي في العالم الغربي.
اما الذي قاموا بالثورة الفرنسية،فقد احتلوا مكان الطبقة الارستقراطية بالعنف كسلطة مطلقة،ولكن هذه النتيجة عينها حصلت في انكلترا خلال القرن التاسع عشر بدون اراقة نقطة دم واحدة.
وفي النهاية،يرى المؤلفان ان الثورة الحقيقية الوحيدة هي تنوير الاذهان وتقويم الاخلاق وتحرير الفرد من نقائصه وبصورة فعلية،وليس هنالك من ثوار حقيقين غير الفلاسفة والقديسين.وبعد ان يتم ذكر مجموعة من الامثلة التاريخية،يذكران ان الديمقراطية هي من اصعب اشكال الحكم،لانها تتطلب استخدام اكبر قدر من البراعة والذكاء،ومن خلال العرض التاريخي يتبين ان الديمقراطية قد اضرت اقل ونفعت اكثر من كل ما عرفه البشر من اشكال الحكم،لانها اعطت الوجود الانساني نكهة فاخرة عوضت عن كل عيوبه ونقائصه،ومنحت الفكر والعلم والعمل حرية اساسية لاغنى عنها للتحرك والنمو والازدهار،وحطمت حواجز الامتيازات والطبقات واعلت شأن المهارات وفي كل المستويات.
والتاريخ يعطي لنا ما مدى الازدهار الذي وصلت اليه اثينا وروما في التاريخ القديم،وافسحت المجال لامريكا في سياق قرنين من الزمان فقط كي تؤمن لنسبة كبيرة من البشر بحبوحة عيش لم يسبق لاحد ان عرفها قبلا.وقد اعطت الديمقراطية الجميع حق اكتساب العلم والثقافة والصحة،وهو جوهر حقيقة الحياة بأصدق معانيها وابهاها،لان الناس وان لم يكونوا في الواقع متساوين،فحصولهم على الثقافة والعلم وامكانية النجاح جعلهم اقرب للتساوي،وحق الانسان هو ميزة خيرة في صالح المجموع.وفي البلاد التي اختارتها كوسيلة للحكم اثبتت شجاعة وتصميم وقوة حيال هجمات الديكتاتورية المتربصة في داخلها،ووقفت ضد كل من لديه شهوة الحكم.
وفي الحلقة الحادية عشر:والمعنونة التاريخ والحرب،يذكر المؤلفان ان الحروب هي من ثوابت التاريخ ولم تخف وطأتها تحت تأثير الحضارة والديمقراطية.
وفي مثال رائع يذكران انه على مدى 4321 عاما اشتملت عليه صفحات التاريخ،هنالك فقط 268 سنة لم تشهد قتالا،ونعمت بسلم اهلي نسبي!.
لقد اقررنا بحتمية الحرب،كما اعترفنا بشرعية نشاط المنافسة وبتفوق النخب الطبيعية بين مستويات البشر.
اما اسباب الحرب فهي بواعث المنافسة عينها بين الافراد،اي الملكية والحسد والمفاخرة،وكذلك الحاجة المادية.فالدولة لها مثل غرائزنا!بدون ان تعتريها معضلاتنا،والدولة تضمن للجميع الحماية اللازمة لحفظ حياتهم واملاكهم وحقوقهم الشرعية،ولكن بحد ذاتها لاتحل الكوارث المادية،وكما يمنح الاعتزاز كل فرد عنفوانا اضافيا اثناء كفاحه في الحياة،كذلك تضفي الوطنية على الدولة مزيدا من القوة في الدبلوماسية والحرب.والدولة هي المسؤولة عن شحن الحقد والبغضاء بين مواطنيها تجاه الدول الاخرى،بينما تعلن ظاهرا شجبها كل عداء وتعلقها بأهداب السلام والوئام.والتضحية بمئات الالاف من الجند ضرورية لحفظ الامم من الخضوع للتهديدات الخارجية وخاصة الشيوعية التي كانت في حينها الخطر الابرز على العالم الغربي.
وفي الحلقة الثانية عشر:والتي تحت عنوان عظمة وانحطاط،يحلل المؤلفان طبيعة الحضارة والتي يعرفانها انها نظام اجتماعي ينمي الثقافة الخلاق،وانها نظام سياسي تؤمنه شهامة التقاليد وعدالة القوانين.هي ثقافة خلاقة تغذيها الحرية الحقة وتشجعها الابتكارات وصراحة التعبير وخبرة التجربة ويدعمها تفتح الاذهان والافكار،وازدهار الاداب والفنون،وائتلاف العادات الرصينة.السؤال المطروح هو لماذا يعج التاريخ بأنقاض المدنيات؟الجواب لان الموت مصير محتم على كل البشر كما قال شلي الشاعر المشهور،ولذلك فأن التاريخ يعيد نفسه جملة وتفصيلا،وهي عبارة قالها مؤرخان امضيان جل عمرهما في البحث التاريخي الانساني.
كما نتوقع في المستقبل كما جرى في الماضي،قيام دول فتية،وزوال دول هرمة،وستبدأ الدول الحديثة العهد بالاعتناء بالاقتصاد ثم الثقافة.الطبيعة البشرية تتكيف حسب التطورات الارضية المتواصلة وان ببطء،ولان الانسان دائم التأهب بتواتر ورتابة.وتدهور الحياة المشتركة للمجموعة البشرية يتم في الغالب عبر فشل زعمائها السياسيين في مواجهة تهديدات التغيير والتي تنجم من عدة اسباب،وبما ان حدة عدم المساواة تزداد بتقهقر الاحوال الاقتصادية،يجد المجتمع نفسه منقسما الى اقلية مثقفة منورة واكثرية من الناس ظلمتهم الطبيعة وقست عليهم الظروف،وحين تتضخم الاكثرية،تشكل عبئا ثقيلا على مثالية الاقلية،وهنا ينشا الصراع المدمر.تدهور الاخلاق والايمان الالهي ونشوء الافكار الفوضوية الالحادية من اسباب تدهور الحياة الاجتماعية والتي تجعل الدولة فريسة للبلدان المجاورة التي تختلف عنها في التركيبة الاجتماعية والنظام السياسي،مما يؤدي الى نهاية الدولة عن طريق ضمها الى الممالك الناشئة. اما السؤال الهام فهو هل تموت الحضارات؟وجوابهما انه ليس تماما،وهاهي الحضارة الاغريقية لم تمت حقا بل فني اطارها وتغير مقرها ثم ذاعت وعمت ارجاء المعمورة. الامم تضمحل والمناطق القديمة يدركها الفناء والارض الخصبة يجتاحها الجفاف ولكن الانسان الفطن يحمل عدته وفنه ويرحل مصطحبا ذكرياته،فأذا تأصلت في اعماقه جذور العلم والثقافة وتوسعت آفاق معارفه ومداركه،هاجرت الحضارة معه واتخذت لها موطنا في اي مكان يحل فيه.وهكذا نجد ان روما اقتبست ثقافة الاغريق ثم نقلتها الى اوروبا الغربية،واستنارت امريكا بالحضارة الاوروبية وسعت لتجاوزها وايصالها بتقنية نادرة الى الاجيال القادمة. فالمدنية هي مواكب متعاقبة على دروب الرقي البشري،وكما ان الحياة تخطت الموت بالتناسل،هكذا نقلت الثقافة المثقلة بثمارها الطيبة تراثها الى الابناء والاحفاد عبر السنين والمسافات.
وفي الحلقة الثالثة عشر والاخيرة:وتحت عنوان هل التقدم حقيقي؟يجيب المؤلفان بشيء من التفصيل على ذلك السؤال. وجدت فكرة التقدم ذاتها في موقف لفه الالتباس والشك،وبما ان التاريخ لم يشهد تبدلا ذا اهمية في طبيعة الانسان،لابد لنا اعتبار اي تقدم تقني كوسيلة جديدة لبلوغ هدف قديم مثل الحصول على البضائع والائتلاف القائم بين البشر وتحدي المنافسة.ان احد الاكتشافات الغير المشجعة خلال العصر الحديث المليء بالخيبات هو حياد العلم الذي قتل نيابة عنا،كما شفى الجراح،وهدم في سبيلنا اكثر مما بنى،ولهذا خيل الينا ان قول المعرفة قوة،هو في غير محله.ورغم التقدم الهائل الذي حصل في جميع المجالات،الا اننا اغفلنا الكثير من الامور المروعة،من قبيل نشر الفساد تحت جنح الظلام بين الاحياء المعدمة والاكواخ الحقيرة. بعد ذلك تبع التحرر من ربقة الواجبات الدينية بدون ان ننمي في اعماقنا مثالية طبيعية كأفضل بديل عنها بمثابة ناموس اخلاقي مستقل عن الدين،وقوته كافية لردع غرائزنا الانانية وكراهيتنا الغادرة وميولنا الجنسية المستهترة،والتي وصلت عن طريقها مدنيتنا الى الحضيض سولء بالجشع او الفوضى المدمرة والجرائم المروعة.ولم نقوي في اعماقنا فضيلة روح التسامح والتغلب على الشهوات الدنيئة. كما نقلنا شعورنا وحماسنا من حضيرة الدين الى دهاليز النزاعات الوطنية والعقائدية والعنصرية،فباتت تصرفاتنا وعاداتنا اليوم افضع مما كانت عليه بالامس.وفي وصف رائع لمكان العادات،فهي تميل الى الاسوأ كلما ابتعدت عن الشرق بأتجاه الغرب،فهي مبتذلة في آسيا،وبذيئة في اوروبا،ولكنها قبيحة منحطة في امريكا،والان جاء دور الشرق ليحذو حذو الغرب!.
وفي اعتراف مرعب،يصفا تقدم الفلسفة منذ ديكارت حتى الان،الا ضلال من خلال فشله في الاعتراف بدور الميثولوجيا في تعزية الانسان وضبط اهوائه المنحرفة!.
وقد قيل ان من زادت معلوماته طغت عليه احزانه،وفي فيض الحكمة غمرة الاسى.
والتاريخ حيادي غني بحد ذاته لايميل الى اي اتجاه او فريق،وللاطلاع على اي حال من احواله يكفينا ان نختار الفترة الزمنية المرغوبة،واذا وقعنا على مقطع منحاز يسعنا ان نعلق عليه بصورة مقنعة.واذا القينا نظرة بعيدة المدى على حياتنا،وقابلنا وجودنا العصري الهش المشوش الحافل بالجهل والتشاؤم والعنف والمرض،وكلها اتسمت بها الشعوب البدائية،لارتسمت على وجوهنا حتما دلائل الحسرة والاسف.
اذا ان ادنى طور من اطوار حضارة الدول حاليا،قد لا تختلف الا قليلا عن البربرية والهمجية،لكن فوق هذه المستويات هنالك ملايين البشر قد بلغوا اصعدة ادبية ومعنوية نادرة الوجود في محيط الانسان البدائي،وتحت وطأة حياة المدن المجهدة المعقدة،نستنبط احيانا أعذارا واهية لنستر بها تقصيرنا.
كل حضارة عظيمة لا تزول كليا،لان الانجازات الرائعة ظلت حية رغم المحن التي عرتها من جراء ازدهار دول اخرى وسقوطها.والاكتشافات المستمرة منذ اكتشاف النار واختراع الدولاب وسواه الى يومنا الحاضر،هي كلها من عناصر الحضارة التي اجادت صيانة هذه الانجازات بمثابرة وعناد عبر التدرج الخطير من حضارة الى التالية،في مسيرة الانسانية. واذا كان التعليم هو نقل المدنية من الخلف الى السلف،فأننا نسير حتما على دروب النمو والازدهار،وبما ان الحضارة لا تنتقل بالوراثة،فلابد ان نتعلمها ونتقنها في كل جيل.واذا تجمد مجراها لفترة قرن مثلا من الزمن،فلامناص لها من الزوال،فنعود حينها الى الحياة الهمجية الوحشية مرة اخرى.ولذلك افضل انجاز لنا هو ان نقوم بتوفير زاد العلم للجميع.والتراث الذي ننقله اليوم الى الخلف هو اغنى مما كان عليه في اي وقت مضى،واذا كان التقدم حقيقيا رغم تذمرنا،فليس لاننا ولدنا مزودين بصحة اكمل او مواهب اغزر او بعقل ارجح من مواليد الماضي،بل لاننا خلقنا في احضان تراث اغنى واغزر،ومستوى ارقى وارفع من القاعدة التي تكدس فوقها العلم والفن في ارض هي مهد كياننا ومرتع شبابنا،فكلما ازداد التراث جودة ووفرة،ازداد الانسان معرفة بنسبة ما اغترفه من المعلومات القيمة.
والتاريخ هو سجل مخزونات تراثنا،والنبيه بيننا من يدرس التاريخ،لا بصفته كمرشد ينصح البشر لتجنب الاخطاء والحماقات،بل بصفته خبير محنك يحض النفوس المبدعة على عدم اعتبار الماضي غرفة اهوال رهيبة،وقد اضحى الان فردوسا!. ففي الماضي هنالك مبدعون في كافة المجالات وفي زمننا الحالي كذلك،فأذا كان المرء سعيدا عليه ان يعمد قبل رحيله عن هذه الدنيا الى جمع اوفر قسط من تراث التاريخ ونقله الى اولاده،وكذلك يقضي الواجب ان يعترف بفضل هذا المعين الذي لا ينضب،وهو ينبوع استمرار حياتنا..اي التاريخ.
علينا قراءة التاريخ بصورة موضوعية،لا بقدسية وان نتحرى ايضا الصحيح من الخطأ،فكم من الجرائم تقع نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأن حدثا تاريخيا هو صحيحا ويتبين لنا بعد فوات الاوان انه كان خطأ!...فكلما علينا هو التعايش السلمي مع الاخر ونقل الصراع والعنف الى صراع سلمي حضاري يضمن العيش المشترك للجميع ويجعل الجهد البشري محصورا في بناء الحضارة التي لا زالنا في بدايتها،وليس كما يتصور الجميع انها النهاية...او نهاية الزمن!.






2008/12/17

التبشير المهذب:دعه يفكر..دعه يختار

التبشير المهذب:دعه يفكر ... دعه يختار
بخطوات بطيئة هادئة تدل على تقدم في العمر،تقدم الي رجلان طاعنين في السن يتحدثان الانكليزية بلغة ركيكة وبأبتسامة عريضة تسبقها تحية الصباح،يقدمان لي مجلتين صغيرتي الحجم ذات طباعة انيقة مجانا لغرض التبشير الديني او المذهبي(في الختام ملحق ملخص عنهما)،وفيهما الكثير من المواضيع العامة القيمة المذيلة بتحليل ومواعظ دينية حسب وجهة نظرهم الدينية والمذهبية طبعا،وبعد ذلك يتحدثان لمدة دقيقتين عن الاحوال ثم ينصرفان مودعين بأبتسامة هادئة جميلة تدل على سعة الصدر ورجاحة العقل وطيبة النفس .
تعودت ان ارى هذين الرجلين اللذان ليسا من سلك رجال الدين،في الصباح الباكر جدا،في الشتاء والصيف معا كل يوم سبت،وهما يقومان بمهمتهما حسب ما تقتضيه ارادتهما الحرة لخدمة ما يعتقدان انه صحيح،وقد عرفت من حديث احدهما معي انه رجل ايطالي الاصل،وبألتأكيد انهما يقضيان وقتهما بخدمة دينهم او مذهبهم واعتقد انهما من جماعة شهود يهوا المسيحية النشطة في مجال التبشير المسيحي حسب مذهبهم،وهي بالتأكيد تدعو غير المسيحيين الى دينهم وفق مذهبهم وايضا المسيحيين من المذاهب الاخرى الى اعتناق مذهبهم.الكثير من امثال هؤلاء يعملون في السر والعلن لخدمة مبادئهم بأخلاص منقطع النظير وبطريقة في غاية الادب والطيبة.
اتصفح المجلات عادة واقرأ بها المواضيع العلمية وبعضها يكون من المشاكل العامة التي تواجه البشرية كالتلوث البيئي،والتصحر ومشاكل المياه وارتفاع درجات حرارة الارض والزلازل والبراكين وغيرها من المشكلات الطبيعية التي تواجه الانسان بصورة عامة،هذا بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية العامة التي تواجه البشرية مثل مشاكل الاطفال والطلاق والادمان وغيرها.
يتم ربط تلك المشاكل عادة بتحليلات دينية وفق مذهبهم ويتم ايضا اضافة تعليقات وهوامش مذيلة بنصوص دينية من الكتاب المقدس.
يصاحب هذا النوع من التبشير عادة الكثير من النشاطات الخيرية،مثل اطعام الفقراء او دعمهم ماديا ومعنويا،ومساعدة كل من يطلب المساعدة منهم وخاصة في المشورة حول مختلف القضايا التي تكون في الغالب اجتماعية،ولذلك اشاهد امام ابواب بعض الكنائس الكثير من المحتاجين من مختلف طبقات المجتمع الدنيا والذين يطلبون العون والدعم من الكنيسة التي تخصص ايام معينة في الاسبوع لخدمتهم وتسهيل معاملاتهم.
امكانيات الكنائس مختلفة،بعضها يأتي من استثمارات واملاك كنسية تراكمت على طول الزمن،وهنالك ايضا التبرعات التي تأتي عادة من الزائرين والمصلين للكنائس،وقد شكى لي الكثيرين من ان كل زيارة للصلاة في الكنيسة،يقوم رجل الدين بالدعوة للتبرعات سواء لجمع الاموال لصالح الكنيسة ومصاريفها العادية،او لخدمة التبشير والاعمال الخيرية التي تكون مصاحبة له عادة،وقد ادى ذلك الى امتناع عدد كبير من الناس من زيارة الكنائس بسبب الاحراج المستمر لهم من خلال دعوتهم كل مرة للتبرع،او من خلال شكوكهم حول طريقة صرف الاموال.
يقف على ابواب الكنائس لطلب المعونة المادية او المعنوية،ناس من مختلف الطبقات والاديان والمذاهب الاخرى،بل ان بعضهم مسلمون او ملحدون! ولكن الكنيسة حسب الظاهر لا تسألهم عن ذلك وهي طريقة ذكية لكسب العقول والقلوب بعد ان كسبت احتياجات البطون الفارغة،او لنقل انها تطبيق صحيح لتعاليم الدين المسيحي.
عموما قد تختلف الكنائس فيما بينها حسب الدولة او المذهب او المكان او الزمان،ولكن ذلك الذي رأيته من خلال المرور بالشارع او من خلال الحديث مع الزائرين.
هذا الاسلوب المهذب البارع في التبشير هو دليل على نضج كامل لمعنى التبشير واهدافه وكذلك تطبيق تعاليم دينية سامية،وهي احدى انجازات العالم المتحضر من خلال ترك الجميع يفعلون اي شيء لا يهدد الامن القومي او يحرض على العنف او العنصرية او خلق المشاكل وهي ملائمة للمجتمعات المتعددة الثقافات والتي يستحيل التعايش بدون العمل السلمي الجماعي،ومن خلال العمل التبشيري والتي تتعلق بحرية الانسان العقيدية يصعب على المبشرون تغيير عقائد الاخرون بالعنف او القوة او الدعوة الخاطئة في التبشير من خلال تقديم نماذج سيئة تبعد الانسان عنهم.
في الحقيقة ان تأريخ الكنيسة مليء بالمآسي وخاصة من ناحية التبشير في الماضي،وخاصة عندما اقامت محاكم التفتيش في اوروبا في العصور الوسطى والتي ادت الى مقتل الملايين لغرض التحكم بمصائر الناس المادية والروحية واقامة الحد على التفكير المتعارض مع نظرة الكنيسة،وقد استفادت الكنيسة من تلك الاخطاء وعملت على تصحيحها بمرور الزمن،بل حققت الكنيسة انجازات كبرى من خلال العمل الخيري او جذب الملايين من المعتنقين الجدد للدين المسيحي بمختلف مذاهبه،كذلك لاتوجد معارضة لدى الاطراف الاخرى لعمل الكنائس الخيري او التبشيري لكونها احد حقوق الانسان في اعتناق مايرغب اعتناقه من دين او فكر وكذلك حرية التعبير عنه او الدعوة اليه،ولذلك لم نسمع او نقرأ او نشاهد احدا يعترض على العمل التبشيري،وقد ذكرته هنا بأعتباره رؤية شخصية لعمل هؤلاء والاستفادة من طريقتهم المهذبة والراقية التي يجب ان تكون صادرة من الانسان بأعتباره كائنا عاقلا يختلف عن سائر المخلوقات.
مقارنة محرجة:
من خلال المقارنة بين تلك الصورة الجميلة المهذبة في بعض دول العالم الغربي،ومقارنتها بدول العالم الاسلامي،نرى الفارق شاسعا في كل شيء،بل ان الكثير من الصراعات والعنف في العالم الاسلامي ناشيء من عدم التعايش السلمي بين الاديان والمذاهب والذي يؤدي ايضا الى عدم التعايش بين القوميات والاعراق والطبقات الاجتماعية وسوف تكون النهاية محزنة في عدم قبول الاخر فكريا او اجتماعيا،في اي وجهة نظر مختلفة مهما كانت بسيطة.
من خلال ذلك تنشأ احيانا متناقضات كبيرة بل مضحكة ايضا،كون ان بعض المتصارعين يتحاورون مع من يختلف معهم في الدين ولا يجدون حرجا من معاداة او محاربة من يختلفون معه فكريا او مذهبيا او قوميا ضمن نفس دينهم !!.
من خلال نظرة شاملة على تاريخ العالم الاسلامي من ناحية الانتشار القومي والديني والمذهبي والفكري،نرى انه في احيانا كثيرة كان متلازما مع استخدام العنف والقوة والتي تكون في النهاية ابادة الخصم بأستخدام ابشع الوسائل دموية وهمجية او اخضاعه،والامثلة لا حصر لها في هذا المجال.
فمثلا الاتراك قدموا من بلاد آسيا الوسطى ثم اتجهوا غربا واعتنقوا الاسلام بعد ذلك من خلال العمل في اجهزة الدولة والتعايش مع السكان المحليين، ثم بعد انهيار الدولة العباسية،نشأت الدولة العثمانية التي اتجهت نحو بلاد الرومان والبلقان وشرق اوروبا بالاضافة الى دول الشرق الاوسط الاخرى وشمال افريقيا،وفي النهاية نجحوا في ازالة الدولة الرومانية الشرقية،ولم يبقى من وجود للرومان في تركيا الان الا القليل منهم.
وكذلك العرب الذين اصبحوا الغالبية في العراق وبلاد الشام وشمال افريقيا،
خلال تلك الفترة اعتنق الاسلام عدد كبير من الشعوب الخاضعة لسلطان العرب ولكن ضمن فترة طويلة من الزمن،ولكن البلد الاسلامي الاكبر الان وهو اندونيسيا وماجاورها من بلاد اسلامية اخرى مثل ماليزيا والجاليات الاسلامية الكثيفة العدد في جنوب شرق آسيا،هذه كلها دخلت سلما وبدون فتح او لم تخضع لسلطان العرب وخلال فترة قصيرة من الزمن،مما يدل على ان التبشير السلمي هو افضل وسيلة لنشر الاسلام وغيره من الاديان الاخرى.وكذلك البلاد الاخرى في افريقيا والتي انتشر الاسلام فيها سلما،والفضل الاكبر يعود للتجار العرب ثم علمائهم او الذين استوطنوا تلك الديار،وكان ابرازهم الوجه اللامع للدين الاسلامي،وتقديم افضل صورة له من خلال العمل بأحكامه ونواهيه والاخلاص له،وهي من ابرز صفات المبشر حتى يكسب قلوب وعقول المجتمعات الاخرى،خاصة وان الدين الاسلامي يتميز بتراث فكري ضخم وبتعاليم بسيطة وواضحة،كذلك العلاقات الطيبة بين المسلمين والملل الاخرى هي التي جعلتهم ينجحون في عملهم التبشيري.
لم يستخدم المسلمون لنشر الاسلام في آسيا وافريقيا ميزانية ضخمة او جيوش فاتحة بل كانت اساليبهم جدا بسيطة وملموسة،مما يدل على ان الاسلوب الامثل للتبشير الاسلامي هو لايحتاج الى ميزانيات ضخمة بقدر احتياجه الى مبشرين اكفاء يعتمدون الحكمة والمنطق والسلوك الحسن لتقديم اروع صورة للاسلام،وهذا ينطبق ايضا على بقية الاديان الاخرى،بل حتى على المذاهب الفكرية او السياسية.
وتختلف الشعوب في مدى تقبلها للافكار الدينية بأختلاف طبيعتها البشرية او تراثها وحضارتها او حتى نظمها السياسية والاجتماعية والاخلاقية،فنلاحظ ان هنالك نجاحا منقطع النظير التبشير الديني في افريقيا وخاصة في الريف،بحيث يتقبل السكان الاسلام كمثال بسهولة نظرا للحياة البسيطة التي يعيشها الافريقي والتي تنعكس بصورة او بأخرى على طبيعته البشرية وتعامله مع الاخر وابتعاده عن التعقيدات وخاصة القادمة مع الحضارة الغربية،ولذلك تبقى ارض افريقيا خصبة للتبشير الديني والمذهبي،ويمكن مشاهدة الصراع التبشيري بين الدعوة التبشيرية الاسلامية والمسيحية،ورغم ان كفة الامكانات المادية لدى جانب الكنائس المسيحية تفوق بكثير الامكانات لدى الجانب المسلم الا ان المعتنقين للدين الاسلامي يفوق عدد معتنقي الاديان الاخرى،وسوف تبقى افريقيا مجال رحب للتبشير نظرا لوجود نسبة كبيرة من سكانها مازالوا بدون دين او اديان بدائية يمكن ازالتها بسهولة من جانب الدينين السماويين الكبيرين.
بينما يمكن ان نرى ان اصعب مكان للتبشير هو في اوروبا وذلك لاسباب عديدة يمكن اختصار بعضا منها او يمكن تلخيصها بالاتي:
تعتبر اوروبا ثم مناطق العالم الجديد اي الامريكيتين الشمالية والجنوبية وقارة استراليا هي مناطق مسيحية منذ نشوء المسيحية وانتشارها،ولذلك فأن جذور المسيحية هي راسخة وقوية حتى بالرغم من التغيير الذي حصل في اوروبا بعد النهضة في القرون الخمسة الاخيرة وتغلب الفكر المادي والعلمانية على الجانب الروحاني والافكار الكنسية،الا ان جذور التأثير المسيحي مازالت موجودة لدى الماديين حتى من ناحية التقاليد والعادات،وكمثال بسيط على ذلك احتفال الجميع بأعياد الميلاد او يوم الجمعة الحزينة وصلب المسيح(ع) بل ان تلك الاعياد والمناسبات مازالت عطل رسمية رغم علمانية تلك الدول! بينما يمكن المقارنة بما تفعله الانظمة العلمانية في العالم الاسلامي وبأسلوب بشع ومكروه في تقليدها للعلمانية الاوروبية(حتى في التقليد نكون بشعين ومشوهين!)تحارب قيم وعادات وتقاليد واساليب تعبد شعوبها بأسلوب يدل على عدم معرفتها بالعلمانية بصورة صحيحة او بحقوق الانسان والديمقراطية،بل يدل ذلك على غباء وهمجية لاحدود لهما في التطبيق،والامثلة المثيرة للحزن والاشمئزاز على واقع النظم السياسية التي تحكمنا كثيرة،اذكر منها على سبيل المثال بعض الامثلة:
1- العلمانية في تركيا والتي طبقها بهمجية ووحشية مصطفى كمال اتاتورك،بعد عام 1923م ،فلو تجاوزنا الغاء الخلافة العثمانية وتحويل تركيا الى جمهورية باعتبار ذلك عمل سياسي،نرى ان محاربة الدين وشعائره وقتل رجال الدين واجبار الجميع على لبس الملابس الاوروبية،والغاء الابجدية العربية وتحويلها الى اللاتينية والغاء المؤسسات الدينية بما فيها الخيرية وغلق المساجد وتحويل بعضها الى متاحف واماكن عامة في محاولة همجية ومتخلفة للتحول نحو الغرب والانسلاخ عن الشرق على اعتبار انه تخلف بينما بأسلوبه وخلفاءه من بعده يمكن ملاحظة من هو الهمجي والمتخلف،ويمكن رؤية واقع تركيا بعد مايقارب الثمانية عقود من الزمن وكيف انها مازالت بعيدة عن التطور واللحاق بدول الغرب بينما نلاحظ ان امم شرقية كثيرة قد تطورت بعدها واصبحت تركيا بلدا متخلفا بالقياس لها وعلى سبيل المثال اليابان والنمور الاربعة وماليزيا وغيرها،ومنذ فوز الاسلاميين المعتدلين عام 2002 ورغم القيود المفروضة عليهم من قبل المؤسسة العلمانية وخاصة الجيش،نلاحظ ان تركيا تطورت اقتصاديا بصورة ملحوظة مما يدل على ان كل اعمال اتاتورك وخلفاءه ومؤيديه اثبتت خطأها بل جعلها متأخرة كثيرا،وتقليدها البشع للعلمانية الاوروبية لم يتم لحد الان اعادة مراجعته كون القوة السياسية والعسكرية للعلمانية هي الغالبة رغم فسادهم وفشلهم ورفض اوروبا قبولهم ضمن مجتمعها الموحد،بل المضحك انه مازال القسم الاكبر من الشعب التركي يقدس ذلك الديكتاتور الهمجي المتخلف اتاتورك!!.
2-العلمانية في تونس،والتي طبقها الديكتاتور الحبيب بورقيبة،والذي حارب الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف!بينما لم نجد ان هنالك زعيم غربي استهزأ بدين شعبه او حتى شعائره التي قد يكون البعض يرفضها بأعتبار مخالفة للعقل والمنطق،ولذلك نجد ان عبادة البوذية في الغرب رغم رفضها من قبل الموحدين مازالت تحترم على النطاقين الرسمي والشعبي،بينما كان السفيه بورقيبة يظهر على شاشة التلفزيون وبوقاحة منقطعة النظير يدعو مواطنيه للافطار في شهر رمضان المبارك على اعتبار ان ذلك يمنع الانسان من العمل والتقدم بل مارس الافطار علنا!بينما الافكار التحررية في الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان والدستور وغيرها هي مبادئ وقيم بعيد عنها ذلك المعتوه الذي كانت نهايته الجنون وهو على كرسي الحكم وخروجه منه بشهادة الاطباء! ومازالت تونس محكومة من قبل اتباعه والسائرين على طريقه بعد ازاحته من الحكم وبصورة استبدادية ولازالت متخلفة عن ركب الحضارة الانسانية،وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
3-العلمانية في العراق،والتي مارسها حزب البعث الفاشي الدموي بصورة بشعة تنم عن غباء واضح لا لبس فيه في تقليده للعلمانية الغربية،وكالمعتاد لم توظف مبادئ العلمانية الغربية الرئيسية في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان،بل جرى توظيف الديكتاتورية بلباس علماني بشع وبأسوأ صورها فكانت محاربة الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف بل تجاوزوا ذلك الى ابادة مجموعات عرقية ومذهبية بصورة مثيرة للاشمئزاز وبأجرام لا حدود له،وكان الضحايا بأعداد كبيرة بعضهم يقتل لاسباب تافه منها الصلاة في اماكن العبادة او قتل رجال الدين وتهديم مراكزهم العلمية بل تجاوزوا ذلك الى الفكر الاسلامي ككل ومحاربة كل مايمت اليه بصلة! وكانت نهايتهم المعروفة بسقوطهم المخزي في مزابل التاريخ وخروج الضحايا والمعذبين من القمقم ليحكموا من جديد بدلا عنهم.
وهنالك الكثير من الامثلة منها علمانية الشاه رضا خان وابنه محمد في ايران والتي هي مشابهة لعلمانية اتاتورك وايضا فشلت فشلا ذريعا ومن الامثلة المضحكة لتقليدهما الارعن هو منع رجال الدين من لبس زيهم الشرعي او منع النساء من لبس اللباس التقليدي والشرعي بدعوى السفور(وهل السفور الاجباري جزء من العلمانية وحرية الفرد!!).
وللعودة الى حديث التبشير في اوروبا فأن من الصعب ان يتغير مجتمع مفتوح يعتنق الافكار بعد تحليلها طويلا ويلعب العقل دورا رئيسيا في حياة الفرد فيها،بالاضافة الى أثر عادات وتقاليد المسيحية الموجودة والنظرة التقليدية المستمدة من تاريخ طويل من العداء او الريبة لما هو اسلامي مثلا يجعل من الصعب بمكان ان ينجح التبشير الاسلامي هناك خاصة في ظل سيطرة التطرف والعنف على بلاد العالم الاسلامي وغرق غالبية دوله في الديكتاتورية والتخلف والجهل،ورغم نجاح المؤسسات الاسلامية في تغيير بضعة ملايين خلال قرن من الزمن الا ان ذلك يبقى محدودا في قارة تضم مئات من الملايين.
كذلك هنالك قارة امريكا الجنوبية الفقيرة والمتمسكة بالمسيحية وخاصة الكاثوليكية منها يصعب على التبشير الاسلامي في ظل الواقع الراهن ان ينجح في قارة تعتبر الخزان البشري الرئيسي للمسيحية في ظل انخفاض النمو السكاني في بقية دول العالم المسيحي الغربي.
يبقى شيء مهم ذكره وهو ان التبشير الاسلامي لايواجه عقبات او عداء في تلك الدول كما يواجهه التبشير داخل العالم الاسلامي،بل ان التبشير المذهبي الاسلامي داخل الدول الاسلامية يواجه بعاصفة معادية او عداء شديد من قبل مايوصف بالمعتدلين فكيف المتطرفين!.
من ناحية التبشير داخل الدول الاسلامية،يوجد هنالك تبشير مسيحي ولكن ليس بحجم التبشير الاسلامي في الدول المسيحية،كذلك ان عدد المتحولين من القلة لا مجال للاهتمام بهم سوى اثارة الاعلام او غيره لقضاياهم،ما عدا التبشير المسيحي في عهد الديكتاتور الاندونيسي السابق سوهارتو وخاصة منذ استيلائه على السلطة عام1967 في بلده اندونيسيا وهي اكبر بلد اسلامي،فقد نشط التبشير المسيحي المتسلح بأمكانات مادية هائلة في ذلك البلد خلال فترة حكمه المتسمة بالدموية والفساد حتى قدر عدد المتحولين للدين المسيحي بحوالي 5.6مليون نسمة خلال فترة السبعينات من القرن الماضي،مستغلين الحالة المعيشية السيئة والجهل والتخلف،ولكن مع التطور الاقتصادي الذي حققته البلاد منذ الثمانينات فقد انخفض اعداد المتحولين ورغم ذلك فأن التبشير مايزال موجودا هناك ونشطا.
هذا بالاضافة الى التبشير في افريقيا وخاصة في الاماكن التي يتواجد فيها المسلمون وتتضارب التقارير سواء في نجاحه او فشله،ولكن الظاهر ان التبشير يكون صعبا بين المسلمين بعكسه بين معتنقي الديانات الغير سماوية.
تبقى في النهاية المملكة السعودية كأكثر بلد مسلم ينفق على التبشير الديني وفق العقيدة المذهبية الحاكمة فيه فقد قدر بأن السعودية تنفق مامعدله 3 مليارات من الدولارات سنويا على التبشير الديني والمذهبي خارج البلاد ورغم وجود ارقام اخرى تزيد عن تقديرات المبلغ السابق الا ان المعروف انه كلما زادت اسعار النفط،ازدادت الواردات النفطية للبلاد وبالتي تزداد النفقات المخصصة للتبشير سواء داخل او خارج البلاد وكذلك الايرادات الاتية من تبرعات المواطنين وخاصة الاثرياء والتي تبقى مجهولة القيمة بسبب انعدام الشفافية سواء الرسمية او الشعبية في هذا المجال.وبالنسبة لمدى النجاح الذي حققته السعودية في التبشير فأنه لايقارن بحجم الانفاق الكبير كذلك فأن هنالك عدد كبير من المعتنقين الجدد للاسلام على يد المؤسسات المدعومة منهم ولكن لايتأثرون بالعقيدة الوهابية المتطرفة والتي لم تنجح كثيرا في بلاد كثيرة،وبقي نجاحها محدودا في اماكن قليلة يسيطر عليها التطرف من قبل،مثل افغانستان وباكستان والهند واليمن وغيره ولكن لوحظ انتشار تعاليمهم المتطرفة وسط المجتمعات الفقيرة مستغلين الاحتياج المادي والجهل الفكري مما يجعل تلك المجتمعات ارضا خصبة لهم على الدوام.
اما بعد احداث سبتمبر2001 فأن التبشير السعودي واجهة مصاعب جمة بل وجهت اليه ضربات كبيرة من خلال منعه من التبشير والتمدد في بقاع جديدة وتجفيف مصادره المالية وغيره وذلك لان الغرب يحمله بصورة مباشرة او غير مباشرة مسؤولية تلك الاحداث الدموية التي وقعت .
وبالمقارنة مع التبشير الذي تدعمه ايران والذي عمره قصير اي منذ انتصار الثورة فيها عام 1979 فأنه لم يكن بالحجم والصورة المعروفة عنه في وسائل الاعلام والتي اثارها بالخصوص شيوخ التعصب والتكفير،فالفارق مازال كبيرا جدا بينها وبين السعودية سواء من ناحية النفقات او الانتشار او حتى الرغبة في دعم التبشير،ويعود ذلك لعدة اسباب:اهمها ان غالبية الدول وخاصة الغربية منها لها علاقات سيئة مع ايران وبالتالي تمنع اي نشاط تبشيري او فكري او حتى لاغراض خيرية بحتة لايران على اراضيها بعكس السعودية التي تتمتع بفضل النفط والتحالف الدائم مع الغرب بحرية واسعة في النشاط التبشيري والعمل الخيري،بالاضافة الى عداء غالبية الدول العربية لها ولذلك فأن المجال الحيوي لايران ضيق وليس بذات اهمية تذكر.
ثانيا:المصاريف الايرانية لدعم التبشير وخاصة للمذهب الشيعي هي من الضعف والضألة بحيث يمكن مشاهدة ان اغلبية المراكز الدينية للشيعة في دول الغرب قد بنيت بجهود فردية بحتة سواء للناس العاديين او رجال الدين من مختلف البلدان وخاصة من العراق والهند ودول الخليج بحيث لم اسمع الا نادرا ان الحكومة الايرانية بنت او دعمت مركزا دينيا ما، فتلك خرافة مضحكة لاوجود لها الا في عقول شيوخ التكفير والتعصب واتباعهم الجهلاء،ولذلك فأن التقصير الايراني واضح للعيان،وبذلك تظهر خرافة وسذاجة الفكرة القائلة ان ايران تمارس وتنفق بغزارة على النشاط التبشيري،ولو كانت النفقات المالية مثل التي تخصصه السعودية مثلا لحققت نجاحا كبيرا،ولاننسى ان ايران امضت حوالي عقد من الزمن في حرب مهلكة ثم حصار شديد عليها لحد الان مما يجعل القدرات المالية الايرانية محدودة،بينما نرى انه من خلال وسائل الاعلام البسيطة والجهود الفردية قد حقق نجاحا كبيرا بحيث دق شيوخ التعصب ومنظماتهم،ناقوس الخطر بل وصلت الدعوة الى حكام ممسوخين مثل عبدالله ملك الاردن ومبارك رئيس مصر حول الخطر الشيعي وضرورة التنبه له وهما بعيدان كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي !!.
الدعاوى التي اطلقها شيوخ التعصب حول التمدد الشيعي جاءت بنتائج عكسية لهم وذلك لان عدد كبير من الناس وخاصة البسطاء لم يسمع نهائيا عن المذهب الشيعي واحكامه الا نادرا وبالتالي وجدت تلك الدعوة نشاطا هائلا لمعرفة المذهب وتاريخه ومايدعو اليه بحيث ادى الى تحول عدد كبير خاصة في ظل مقاومة حزب الله الشيعي البطولية لاسرائيل وعجز الدول العربية عن فعل شيء،مما ادى الى دعاية كبرى مجانية اثارت عداء الكثيرين الذين لا يرغبون بأن يختار الانسان مايروق له من فكر جديد حتى لو كان ضمن نطاق الاسلام بحجة مضحكة وهي ان تلك البلدان هي مقفلة للمذاهب السنية وتناسوا ان الدول التي حكمت البلاد الاسلامية كانت تنشر مذاهبها بالقوة المفرطة التي تسوغ لها ابادة الخصوم لاختلاف عقيدتهم معهم خلال القرون الماضية،وابسط مثال تحول مصر من المذاهب الشيعية الى السنية وتحول ايران من السنية الى الشيعية،مما يدل ان للشعوب القدرة على التحول وفق ماتراه مناسبا لها سواء اختيارا او اجبارا،اما الحجر على العقول فلن يؤدي سوى الى رد فعل معاكس كون النفوس تميل في الغالب الى ماهو ممنوع او محارب،وفي ظل مناخ من الحرية وخاصة بعد الثورة الاعلامية التي جاءت ضمن الثورة التكنولوجية الحديثة اصبح من المضحك بل المخزي ان يتم منع نشاط اي فكر مهما كان،ولذلك فأن منع المواقع الالكترونية مثلا لايؤدي سوى الى ايجاد مواقع اخرى تمارس نفس العمل هذا بالاضافة الى ان تلك الاعمال تودي بصاحبها الى الفشل الذريع لان ذلك يعطي صورة سيئة عنه لانه بالاضافة الى عمله يخالف حرية الانسان في اختيار عقيدته فأن يدل على ان صاحبها يمتلك فكرا مهزوزا وليست لديه من القوة ان يقف امام الاخرين ولذلك يستند على قوة مادية تدعمه وبالتالي فأن دعاوى شيوخ التكفير والتحجير على الاخرين هي حربا ولكن من نوع آخر على مذهبهم نفسه!ولذلك فقد فطن الكثيرين من اتباع المذاهب السنية المنفتحين ان تلك الدعاوى الفارغة والتي ظاهرها حماية مذاهبهم هي بالحقيقة معاول لتهديمه من حيث لايعلمون،وجاءت كارثة الارهاب الدموي الذي مارسته الكثير من الجماعات الدينية المتطرفة وخاصة بحق مخاليفها من المذاهب الاخرى ودون تفريق بين شخص او اخر،الى نفور كثير من الناس لتلك الاعمال البربرية الهمجية وخاصة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها والى توجه كثيف نحو الطرف الاخر حتى لو من جانب التعاطف معه في محنته الانسانية.
الكتب وتأثيرها التبشيري:
هناك الكثير من الكتب المؤثرة في التاريخ،وفي كل المجالات،فمثلا في الاقتصاد كان الكتاب الاشهر هو ثروة الامم لآدم سميث،وفي الفكر السياسي كتاب الامير لمكيافيلي،وفي العلوم الوراثية كتاب اصل الانواع لداروين،اوفي علم النفس كتاب تفسير الاحلام لفرويد،او في الفيزياء كتاب النظرية النسبية لآينشتاين،او في الادب الكثير من الروايات التي أثرت على الكثير من الانظمة والقوانين وحركت شعوب بأكملها وتأسست حركات منظمة من وراءها ومن الامثلة قصة كوخ العم توم لهارييت ستو و عناقيد الغضب لشتاينبك...ولكن تبقى الكتب المقدسة هي الاكثر تأثيرا في تاريخ الانسانية وعلى رأسها القرآن الكريم،ثم كتب الانجيل وهي مازالت الاكثر طباعة وتوزيعا...اما من ناحية التأثير الايديولوجي ، فيبقى كتاب رأس المال لكارل ماركس الاكثر تأثيرا خلال اكثر من قرن ونصف على طباعته،والكتب المؤلفة بصورة عامة هي خلاصة فكر وتجربة المؤلف ومن خلالها يدعو احيانا الى فكر او منهج جديد،وقد يلاقي في طريقه معارضة شديدة قد تقضي على دعوته او تمحو فكرته او قد ينجح وحسب الظروف الموضوعية،ولكن في النهاية نجد ان التأثير يكون كبيرا وعميقا في نفس الوقت بحيث يبدوا ان تأثيرها يستمر الى اجيال عديدة في الكتب تلك التي تدعو الى بناء عالم جديد وفق تصور معين قد يكون مادي بحت او روحي او حتى كليهما معا ...اما في المجال التبشيري بصورة عامة وأن لم تكن هنالك احصائيات دقيقة او بحوث موضوعية حول الكتب الاكثر تأثيرا في التاريخ التبشيري...الا انه من خلال مراقبة تأثير المطبوعات الدينية التبشيرية خلال القرن الاخير يتربع كتاب التيجاني السماوي المسمى (ثم اهتديت)على القمة فهو الاكثر توزيعا وتأثيرا حتى قيل ان عدد من تشيعوا بواسطته خلال اقل من عقدين من الزمن(ألف الكتاب عام 1989) اكثر من ثلاثة ملايين! ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى طريقة كتابته البسيطة السلسة والمؤثرة وبأسلوب لا يخلو من الاثارة الفكرية الممتعة وهو ايضا خلاصة تجربة شخصية في طريقة التحول قد نجد ان الكثير مر بنفس التجربة الا ان عرضها بتلك الصورة البسيطة والمشوقة يكاد ان يكون فريدا، والكتاب تفوق من حيث التأثير على كتاب المراجعات للامام شرف الدين الذي هو في الاساس كتاب دفاع عقلي ونقلي بأسلوب قوي عن المذهب الشيعي اكثر منه تبشيري،والكتابان مازلان ممنوعان في عدد كبير من الدول الاسلامية ! ولولا ذلك لكان تأثيرهما اكبر وأعظم.
اما اكثر الكتب السنية تأثيرا فهي المتعلقة بالفكر السياسي الاسلامي ويقف على رأسها كتاب معالم في الطريق لسيد قطب،اما التبشيرية سواء بالدين او بالمذهب فهي عديدة وليس هنالك كتاب بارز يمكن ان يوصف بالاكثر شهرة،وهناك بعض الكتب لبعض الاشخاص الذين اعتنقوا الدين الاسلامي ومذاهبه المختلفة ولكن تبقى مكملة لبعضها الاخر ولايوجد حسب معرفتي كتاب بارز بينهن ،وتبقى كتب السلفية التقليدية هي الاكثر شهرة واستدلال وتنوع،ويبقى حجم نجاحها مجهولا بسبب غياب الاحصائيات والدراسات المتعمقة في حجم التبشير الديني او المذهبي ونجاحه.
دعاوى الانغلاق:
من الصعب الان العيش في العالم الذي تحول الى قرية صغيرة،بمعزل عن التأثر في كل المجالات الحياتية،ولذلك فأن التقدم العلمي ساعد في ذلك كثيرا خاصة في ظل العولمة الجديدة،ومن ابرز الامثلة على ذلك الازمة الاقتصادية العالمية الجديدة.
الاعمال العنيفة او الدعاوى التحذيرية من تأثير دين او مذهب معين هي من الوسائل التي عفى الدهر عنها وشرب،لان اختيار العقيدة يخضع الى عقل الشخص ورغبته وان كانت الغالبية العظمى تنشئ على عقيدتها وفق مبدأ الوراثة والمحافظة على العادات والتقاليد،الا ان عدد كبير من البشر تحول سلما نحو فكر معين وجد فيه الراحة والاطمئنان،والوسائل المتاحة الان وان اختلفت الامكانيات،فالواجب على الجميع استخدامها بصورة سلمية دون ادنى خدش لشعور الاخر،لان البقاء للاقوى صحيح ولكن ليس هنا للعضلات بل للعقل والمنطق ومتى ماكانت الحجة قوية والمنطق سلس والاستدلال عميق ومؤثر فأن صاحبها يأمن من الزوال والعكس صحيح،كذلك فأن منطق الاستعلاء على الاخرين هو الاخر قد ولى،فقد اصبحت من مخلفات الماضي ان يتم اتهام الاخرين بالزندقة والكذب والكفر والانحراف عن الطريق القويم واحتكار الحقيقة المطلقة،بل الحجة تقارع بالحجة والمنطق بالمنطق ولامجال للسيف او الحجر على عقول الاخرين...من حق اي انسان ان يدعو الى مايعتقد انه صحيح،ولايحق للبعض ان يمارس التبشير دون ان يدع ذلك الحق للاخرين...الكل سواسية في التبشير ومن كانت رؤيته اقوى فسوف يبقى في الساحة ومن كانت رؤيته ضعيفة فسوف يخرج من حلبة السباق ويكتفي بما تبقي لديه من مؤيدين بالوراثة! ولا خوف على كل الاديان والمذاهب من الاندثار...الجميع سوف يبقى على الارض وخاصة الاديان السماوية الثلاث ...والدين الاسلامي سوف تبقى جذوره قوية وراسخة في النفوس.
اذا كان شعار الرسمالية يقول: دعه يعمل ...دعه يمر ،
فأن...
شعار التبشير المهذب هو :دعه يفكر...دعه يختار....

الختام:
في سبيل الحرية المنشودة وهو الهدف المعلن لجميع الاحرار في العالم...لامجال هنا للتبشير القسري او فرض كل العقائد والايديولوجيات الدينية او المذهبية او الفكرية بالقوة...بل بالحوار والمنطق والبناء الفكري المحكم،وهي الاسلحة السلمية الشاملة التي لاتدمر بل تبني اساسا انسانيا يتعامل مع الاخر بأحترام متبادل دون اتهام او تجريح او افتراء فالحقيقة مهما طال انتظارها سوف تظهر في النهاية ناصعة البياض تسر الناظرين...
اذا كانت الامكانات المادية وخاصة الاعلامية لها دور رئيسي في نشر العقائد وافكارها،فأن دورها سوف يبقى محدودا دون الاستناد الى بناء فوقي متين يمكن ان يصد رياح التغيير القادمة من الخارج والمتسلحة بالفكر القوي فقط لانه لا مكان للضعفاء فكريا في عالم الافكار المتصارعة... والاستناد على القوة في الدعوة أو حماية الداخل من الاختراق ايا كان نوعه سوف يبقى وهما ما بعده وهم ... فالزلزال قادم من الداخل قبل الخارج ولنا في تجربة الاتحاد السوفييتي السابق خير مثال وعبرة...
ليس من مجال للبشرية للعيش بسلام ووئام بين مجموعاتها المختلفة سوى انتهاج طريق التبشير المهذب البعيد عن كل سلوك غير سوي،لان البشرية المتخمة بالعقائد سوف لن تكون موحدة في عقيدة واحدة،او لن تتصالح العقائد فيما بينها نظرا لعمق الخلافات ولكن لن يبقى اتباع كل عقيدة يعيشون في قلعة منفصلة عن الاخر...بل اساس العقائد هو دعوة الاخرين لاعتناقها وبالتالي الهدف الوحيد هو التعايش السلمي ...ودع الجميع يعملون بحرية ولكن بشرط التبشير المهذب....

ملحق:
المجلتان اللتان يوزعهما المبشران هما:the WATCHTOWER
والثانية:AWAKE
معنى اسم المجلة الاولى:برج المراقبة...
معنى اسم المجلة الثانية:استيقظ...
مصدر المجلتان واحد،من جمعية واحدة في الولايات المتحدة ولكن يطبعان في عدد كبير من البلدان...والغريب انهما بنفس عدد الصفحات(32 صفحة) وبنفس نوعية الطباعة وطريقة طرح المواضيع...
تطبع من المجلة الاولى اكثر من 37 مليون نسخة ...وب171 لغة...
ومن المجلة الثانية يطبع اكثر من 36 مليون نسخة ...وب 81 لغة...
كان حجم المطبوع من المجلة الاولى عام 2005 اكثر من 26مليون نسخة،مما يدل على نمو كبير في الطباعة والتوزيع،فخلال 3 سنوات نما التوزيع بمعدل 3.5مليون نسخة سنويا وهو رقم هائل كماهو معروف...
وللدلالة على النشاط الكبير لمجموعة شهود يهوا،يمكن المقارنة بين عددهم في العالم الذي لايتجاوز 17 مليون وبين تلك الارقام الفلكية من المجلات التي يطبعونها...
يعني لو كان نشاط المسلمين مثلا بنفس المقدار قياسا الى حجم السكان لكان المطبوع فقط من هاتين المجلتين اكثر 7.2 مليار نسخة!!.
تركز المجلة الاولى(برج المراقبة)على المواضيع الدينية المزينة بلوحات جميلة وشرح وتفسير الكتاب المقدس وفق نظرة شهود يهوة...
من الامثلة على مواضيعهم:ماذا نتعلم من ماري؟ويقصد مريم العذراء(ع).
هل تخاف من الموت؟او موضوع عن المطر مثلا وفيه شرح علمي وبعد ذلك ينتهي بربط ديني لينتهي الموضوع ب :الله فقط يستطيع حفظ الارض؟.
هل تخاف من الجحيم؟وماذا يحدث حقا عند الموت؟وكيف نتعلم الحقيقة من تأثير الجحيم علينا؟او حول انهيار الزواج،وكيف اصلاحه وفق مبادئهم،وفيه صور معبرة تبدأ منذ الاعجاب الاول بين الجنسين.
او هل تنبأ الكتاب المقدس بالمستقبل؟وفيه ربط بحوادث تاريخية وفق تفسيراتهم للكتاب المقدس.مع مواضيع اخرى،من قبيل مأساة شخصية يتحدث عنها احد اتباع شهود يهوه،وكيفية تجاوز المأساة الشخصية بالايمان القوي.
اما المجلة الثانية(استيقظ):فأكثر مواضيعها تكون عامة وتحدث لافراد المجتمع وتبرز اثناء تحليل المواضيع والمشاكل،كيفية حلها وفق آراء اتباع المذهب،من قبيل احد الاعداد فيه صورة معبرة لطفل امام شاشة الكومبيوتر وهو يطالع مواقع الانترنت والتي قد تكون فيها اباحيات ومن وراءه وهو لايدري صورة امه تراقبه عن كثب،وهو من المشاكل الرئيسية التي تواجه جميع المجتمعات البشرية من خلال وجود الانترنت والفوضى العارمة الضاربة فيه،وخاصة التي تبرز مشاهد العنف والاباحية وغرف الشات والفساد بكافة صوره،وكذلك منتجات التكنولوجية الاخرى مثل الموبايل وآثاره المدمرة على الطفل والمجتمع وعدم استخدامه بصورة صحيحة وعقلانية،ثم تظهر للقارئ احد الحلول المطروحة وفق آراء مجموعة شهود يهوه.او مواضيع طريفة عن الحيوانات كالمواشي وكيفية تكون الحليب داخل جسم البقرة! او موضوع سياحي عن جزيرة بورتريكو التابعة لامريكا في الكاريبي،او عن الانهار والقرى في كمبوديا،او موضوع اجتماعي خطير،عن المراهقين وتأخر بقائهم خارج البيت حتى منتصف الليل.
او في عدد آخر،مواضيع اخرى من قبيل،حول النجاح المبكر مثل الثراء الفاحش او الشهرة الفنية وكيفية التعامل معه،او ابداء نصائح حول كيفية النجاح الشخصي.او مواضيع طبية مفيدة جدا،وشروحات عن جسم الانسان وتكوينه.او موضوع عن الرحلات التاريخية في اعالي البحار،او عن القطارات السريعة.
او في احدث عدد،موضوع عن المياه ونقصها وفيه صور مرعبة عن الجفاف في الهند او تصحر بحيرة كبيرة مثل آرل في روسيا اوتصحر بحيرة تشاد في افريقيا،او في احصائية طريفة عن المياه في العالم،توجد على سطح الكرة الارضية نسبة97.5% من المياه المالحة والباقي 2.5%مياه عذبة ومن النسبة الاخيرة 99%منها يقع في محيطات متجمدة او انهار متجمدة او في باطن الارض،والباقي 1%هو في متناول يد 7 بليون عدد سكان العالم تقريبا!...احصائية مرعبة بلا شك.
في مثل الامثلة السابقة توجد تلك المواضيع المهمة والتي تشغل بال الكثيرين والتي يتم شرحها وتحليلها في المجلة بأسلوب مبسط يمكن ان يفهمه الانسان العادي.
ويمكن الاستفادة من خلال العرض السابق في طرح المواضيع العامة وربطها بأسلوب يفهمه الجميع خدمة لاغراض التبشير والدعوة والارشاد.