التبشير المهذب:دعه يفكر ... دعه يختار
بخطوات بطيئة هادئة تدل على تقدم في العمر،تقدم الي رجلان طاعنين في السن يتحدثان الانكليزية بلغة ركيكة وبأبتسامة عريضة تسبقها تحية الصباح،يقدمان لي مجلتين صغيرتي الحجم ذات طباعة انيقة مجانا لغرض التبشير الديني او المذهبي(في الختام ملحق ملخص عنهما)،وفيهما الكثير من المواضيع العامة القيمة المذيلة بتحليل ومواعظ دينية حسب وجهة نظرهم الدينية والمذهبية طبعا،وبعد ذلك يتحدثان لمدة دقيقتين عن الاحوال ثم ينصرفان مودعين بأبتسامة هادئة جميلة تدل على سعة الصدر ورجاحة العقل وطيبة النفس .
تعودت ان ارى هذين الرجلين اللذان ليسا من سلك رجال الدين،في الصباح الباكر جدا،في الشتاء والصيف معا كل يوم سبت،وهما يقومان بمهمتهما حسب ما تقتضيه ارادتهما الحرة لخدمة ما يعتقدان انه صحيح،وقد عرفت من حديث احدهما معي انه رجل ايطالي الاصل،وبألتأكيد انهما يقضيان وقتهما بخدمة دينهم او مذهبهم واعتقد انهما من جماعة شهود يهوا المسيحية النشطة في مجال التبشير المسيحي حسب مذهبهم،وهي بالتأكيد تدعو غير المسيحيين الى دينهم وفق مذهبهم وايضا المسيحيين من المذاهب الاخرى الى اعتناق مذهبهم.الكثير من امثال هؤلاء يعملون في السر والعلن لخدمة مبادئهم بأخلاص منقطع النظير وبطريقة في غاية الادب والطيبة.
اتصفح المجلات عادة واقرأ بها المواضيع العلمية وبعضها يكون من المشاكل العامة التي تواجه البشرية كالتلوث البيئي،والتصحر ومشاكل المياه وارتفاع درجات حرارة الارض والزلازل والبراكين وغيرها من المشكلات الطبيعية التي تواجه الانسان بصورة عامة،هذا بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية العامة التي تواجه البشرية مثل مشاكل الاطفال والطلاق والادمان وغيرها.
يتم ربط تلك المشاكل عادة بتحليلات دينية وفق مذهبهم ويتم ايضا اضافة تعليقات وهوامش مذيلة بنصوص دينية من الكتاب المقدس.
يصاحب هذا النوع من التبشير عادة الكثير من النشاطات الخيرية،مثل اطعام الفقراء او دعمهم ماديا ومعنويا،ومساعدة كل من يطلب المساعدة منهم وخاصة في المشورة حول مختلف القضايا التي تكون في الغالب اجتماعية،ولذلك اشاهد امام ابواب بعض الكنائس الكثير من المحتاجين من مختلف طبقات المجتمع الدنيا والذين يطلبون العون والدعم من الكنيسة التي تخصص ايام معينة في الاسبوع لخدمتهم وتسهيل معاملاتهم.
امكانيات الكنائس مختلفة،بعضها يأتي من استثمارات واملاك كنسية تراكمت على طول الزمن،وهنالك ايضا التبرعات التي تأتي عادة من الزائرين والمصلين للكنائس،وقد شكى لي الكثيرين من ان كل زيارة للصلاة في الكنيسة،يقوم رجل الدين بالدعوة للتبرعات سواء لجمع الاموال لصالح الكنيسة ومصاريفها العادية،او لخدمة التبشير والاعمال الخيرية التي تكون مصاحبة له عادة،وقد ادى ذلك الى امتناع عدد كبير من الناس من زيارة الكنائس بسبب الاحراج المستمر لهم من خلال دعوتهم كل مرة للتبرع،او من خلال شكوكهم حول طريقة صرف الاموال.
يقف على ابواب الكنائس لطلب المعونة المادية او المعنوية،ناس من مختلف الطبقات والاديان والمذاهب الاخرى،بل ان بعضهم مسلمون او ملحدون! ولكن الكنيسة حسب الظاهر لا تسألهم عن ذلك وهي طريقة ذكية لكسب العقول والقلوب بعد ان كسبت احتياجات البطون الفارغة،او لنقل انها تطبيق صحيح لتعاليم الدين المسيحي.
عموما قد تختلف الكنائس فيما بينها حسب الدولة او المذهب او المكان او الزمان،ولكن ذلك الذي رأيته من خلال المرور بالشارع او من خلال الحديث مع الزائرين.
هذا الاسلوب المهذب البارع في التبشير هو دليل على نضج كامل لمعنى التبشير واهدافه وكذلك تطبيق تعاليم دينية سامية،وهي احدى انجازات العالم المتحضر من خلال ترك الجميع يفعلون اي شيء لا يهدد الامن القومي او يحرض على العنف او العنصرية او خلق المشاكل وهي ملائمة للمجتمعات المتعددة الثقافات والتي يستحيل التعايش بدون العمل السلمي الجماعي،ومن خلال العمل التبشيري والتي تتعلق بحرية الانسان العقيدية يصعب على المبشرون تغيير عقائد الاخرون بالعنف او القوة او الدعوة الخاطئة في التبشير من خلال تقديم نماذج سيئة تبعد الانسان عنهم.
في الحقيقة ان تأريخ الكنيسة مليء بالمآسي وخاصة من ناحية التبشير في الماضي،وخاصة عندما اقامت محاكم التفتيش في اوروبا في العصور الوسطى والتي ادت الى مقتل الملايين لغرض التحكم بمصائر الناس المادية والروحية واقامة الحد على التفكير المتعارض مع نظرة الكنيسة،وقد استفادت الكنيسة من تلك الاخطاء وعملت على تصحيحها بمرور الزمن،بل حققت الكنيسة انجازات كبرى من خلال العمل الخيري او جذب الملايين من المعتنقين الجدد للدين المسيحي بمختلف مذاهبه،كذلك لاتوجد معارضة لدى الاطراف الاخرى لعمل الكنائس الخيري او التبشيري لكونها احد حقوق الانسان في اعتناق مايرغب اعتناقه من دين او فكر وكذلك حرية التعبير عنه او الدعوة اليه،ولذلك لم نسمع او نقرأ او نشاهد احدا يعترض على العمل التبشيري،وقد ذكرته هنا بأعتباره رؤية شخصية لعمل هؤلاء والاستفادة من طريقتهم المهذبة والراقية التي يجب ان تكون صادرة من الانسان بأعتباره كائنا عاقلا يختلف عن سائر المخلوقات.
مقارنة محرجة:
من خلال المقارنة بين تلك الصورة الجميلة المهذبة في بعض دول العالم الغربي،ومقارنتها بدول العالم الاسلامي،نرى الفارق شاسعا في كل شيء،بل ان الكثير من الصراعات والعنف في العالم الاسلامي ناشيء من عدم التعايش السلمي بين الاديان والمذاهب والذي يؤدي ايضا الى عدم التعايش بين القوميات والاعراق والطبقات الاجتماعية وسوف تكون النهاية محزنة في عدم قبول الاخر فكريا او اجتماعيا،في اي وجهة نظر مختلفة مهما كانت بسيطة.
من خلال ذلك تنشأ احيانا متناقضات كبيرة بل مضحكة ايضا،كون ان بعض المتصارعين يتحاورون مع من يختلف معهم في الدين ولا يجدون حرجا من معاداة او محاربة من يختلفون معه فكريا او مذهبيا او قوميا ضمن نفس دينهم !!.
من خلال نظرة شاملة على تاريخ العالم الاسلامي من ناحية الانتشار القومي والديني والمذهبي والفكري،نرى انه في احيانا كثيرة كان متلازما مع استخدام العنف والقوة والتي تكون في النهاية ابادة الخصم بأستخدام ابشع الوسائل دموية وهمجية او اخضاعه،والامثلة لا حصر لها في هذا المجال.
فمثلا الاتراك قدموا من بلاد آسيا الوسطى ثم اتجهوا غربا واعتنقوا الاسلام بعد ذلك من خلال العمل في اجهزة الدولة والتعايش مع السكان المحليين، ثم بعد انهيار الدولة العباسية،نشأت الدولة العثمانية التي اتجهت نحو بلاد الرومان والبلقان وشرق اوروبا بالاضافة الى دول الشرق الاوسط الاخرى وشمال افريقيا،وفي النهاية نجحوا في ازالة الدولة الرومانية الشرقية،ولم يبقى من وجود للرومان في تركيا الان الا القليل منهم.
وكذلك العرب الذين اصبحوا الغالبية في العراق وبلاد الشام وشمال افريقيا،
خلال تلك الفترة اعتنق الاسلام عدد كبير من الشعوب الخاضعة لسلطان العرب ولكن ضمن فترة طويلة من الزمن،ولكن البلد الاسلامي الاكبر الان وهو اندونيسيا وماجاورها من بلاد اسلامية اخرى مثل ماليزيا والجاليات الاسلامية الكثيفة العدد في جنوب شرق آسيا،هذه كلها دخلت سلما وبدون فتح او لم تخضع لسلطان العرب وخلال فترة قصيرة من الزمن،مما يدل على ان التبشير السلمي هو افضل وسيلة لنشر الاسلام وغيره من الاديان الاخرى.وكذلك البلاد الاخرى في افريقيا والتي انتشر الاسلام فيها سلما،والفضل الاكبر يعود للتجار العرب ثم علمائهم او الذين استوطنوا تلك الديار،وكان ابرازهم الوجه اللامع للدين الاسلامي،وتقديم افضل صورة له من خلال العمل بأحكامه ونواهيه والاخلاص له،وهي من ابرز صفات المبشر حتى يكسب قلوب وعقول المجتمعات الاخرى،خاصة وان الدين الاسلامي يتميز بتراث فكري ضخم وبتعاليم بسيطة وواضحة،كذلك العلاقات الطيبة بين المسلمين والملل الاخرى هي التي جعلتهم ينجحون في عملهم التبشيري.
لم يستخدم المسلمون لنشر الاسلام في آسيا وافريقيا ميزانية ضخمة او جيوش فاتحة بل كانت اساليبهم جدا بسيطة وملموسة،مما يدل على ان الاسلوب الامثل للتبشير الاسلامي هو لايحتاج الى ميزانيات ضخمة بقدر احتياجه الى مبشرين اكفاء يعتمدون الحكمة والمنطق والسلوك الحسن لتقديم اروع صورة للاسلام،وهذا ينطبق ايضا على بقية الاديان الاخرى،بل حتى على المذاهب الفكرية او السياسية.
وتختلف الشعوب في مدى تقبلها للافكار الدينية بأختلاف طبيعتها البشرية او تراثها وحضارتها او حتى نظمها السياسية والاجتماعية والاخلاقية،فنلاحظ ان هنالك نجاحا منقطع النظير التبشير الديني في افريقيا وخاصة في الريف،بحيث يتقبل السكان الاسلام كمثال بسهولة نظرا للحياة البسيطة التي يعيشها الافريقي والتي تنعكس بصورة او بأخرى على طبيعته البشرية وتعامله مع الاخر وابتعاده عن التعقيدات وخاصة القادمة مع الحضارة الغربية،ولذلك تبقى ارض افريقيا خصبة للتبشير الديني والمذهبي،ويمكن مشاهدة الصراع التبشيري بين الدعوة التبشيرية الاسلامية والمسيحية،ورغم ان كفة الامكانات المادية لدى جانب الكنائس المسيحية تفوق بكثير الامكانات لدى الجانب المسلم الا ان المعتنقين للدين الاسلامي يفوق عدد معتنقي الاديان الاخرى،وسوف تبقى افريقيا مجال رحب للتبشير نظرا لوجود نسبة كبيرة من سكانها مازالوا بدون دين او اديان بدائية يمكن ازالتها بسهولة من جانب الدينين السماويين الكبيرين.
بينما يمكن ان نرى ان اصعب مكان للتبشير هو في اوروبا وذلك لاسباب عديدة يمكن اختصار بعضا منها او يمكن تلخيصها بالاتي:
تعتبر اوروبا ثم مناطق العالم الجديد اي الامريكيتين الشمالية والجنوبية وقارة استراليا هي مناطق مسيحية منذ نشوء المسيحية وانتشارها،ولذلك فأن جذور المسيحية هي راسخة وقوية حتى بالرغم من التغيير الذي حصل في اوروبا بعد النهضة في القرون الخمسة الاخيرة وتغلب الفكر المادي والعلمانية على الجانب الروحاني والافكار الكنسية،الا ان جذور التأثير المسيحي مازالت موجودة لدى الماديين حتى من ناحية التقاليد والعادات،وكمثال بسيط على ذلك احتفال الجميع بأعياد الميلاد او يوم الجمعة الحزينة وصلب المسيح(ع) بل ان تلك الاعياد والمناسبات مازالت عطل رسمية رغم علمانية تلك الدول! بينما يمكن المقارنة بما تفعله الانظمة العلمانية في العالم الاسلامي وبأسلوب بشع ومكروه في تقليدها للعلمانية الاوروبية(حتى في التقليد نكون بشعين ومشوهين!)تحارب قيم وعادات وتقاليد واساليب تعبد شعوبها بأسلوب يدل على عدم معرفتها بالعلمانية بصورة صحيحة او بحقوق الانسان والديمقراطية،بل يدل ذلك على غباء وهمجية لاحدود لهما في التطبيق،والامثلة المثيرة للحزن والاشمئزاز على واقع النظم السياسية التي تحكمنا كثيرة،اذكر منها على سبيل المثال بعض الامثلة:
1- العلمانية في تركيا والتي طبقها بهمجية ووحشية مصطفى كمال اتاتورك،بعد عام 1923م ،فلو تجاوزنا الغاء الخلافة العثمانية وتحويل تركيا الى جمهورية باعتبار ذلك عمل سياسي،نرى ان محاربة الدين وشعائره وقتل رجال الدين واجبار الجميع على لبس الملابس الاوروبية،والغاء الابجدية العربية وتحويلها الى اللاتينية والغاء المؤسسات الدينية بما فيها الخيرية وغلق المساجد وتحويل بعضها الى متاحف واماكن عامة في محاولة همجية ومتخلفة للتحول نحو الغرب والانسلاخ عن الشرق على اعتبار انه تخلف بينما بأسلوبه وخلفاءه من بعده يمكن ملاحظة من هو الهمجي والمتخلف،ويمكن رؤية واقع تركيا بعد مايقارب الثمانية عقود من الزمن وكيف انها مازالت بعيدة عن التطور واللحاق بدول الغرب بينما نلاحظ ان امم شرقية كثيرة قد تطورت بعدها واصبحت تركيا بلدا متخلفا بالقياس لها وعلى سبيل المثال اليابان والنمور الاربعة وماليزيا وغيرها،ومنذ فوز الاسلاميين المعتدلين عام 2002 ورغم القيود المفروضة عليهم من قبل المؤسسة العلمانية وخاصة الجيش،نلاحظ ان تركيا تطورت اقتصاديا بصورة ملحوظة مما يدل على ان كل اعمال اتاتورك وخلفاءه ومؤيديه اثبتت خطأها بل جعلها متأخرة كثيرا،وتقليدها البشع للعلمانية الاوروبية لم يتم لحد الان اعادة مراجعته كون القوة السياسية والعسكرية للعلمانية هي الغالبة رغم فسادهم وفشلهم ورفض اوروبا قبولهم ضمن مجتمعها الموحد،بل المضحك انه مازال القسم الاكبر من الشعب التركي يقدس ذلك الديكتاتور الهمجي المتخلف اتاتورك!!.
2-العلمانية في تونس،والتي طبقها الديكتاتور الحبيب بورقيبة،والذي حارب الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف!بينما لم نجد ان هنالك زعيم غربي استهزأ بدين شعبه او حتى شعائره التي قد يكون البعض يرفضها بأعتبار مخالفة للعقل والمنطق،ولذلك نجد ان عبادة البوذية في الغرب رغم رفضها من قبل الموحدين مازالت تحترم على النطاقين الرسمي والشعبي،بينما كان السفيه بورقيبة يظهر على شاشة التلفزيون وبوقاحة منقطعة النظير يدعو مواطنيه للافطار في شهر رمضان المبارك على اعتبار ان ذلك يمنع الانسان من العمل والتقدم بل مارس الافطار علنا!بينما الافكار التحررية في الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان والدستور وغيرها هي مبادئ وقيم بعيد عنها ذلك المعتوه الذي كانت نهايته الجنون وهو على كرسي الحكم وخروجه منه بشهادة الاطباء! ومازالت تونس محكومة من قبل اتباعه والسائرين على طريقه بعد ازاحته من الحكم وبصورة استبدادية ولازالت متخلفة عن ركب الحضارة الانسانية،وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
3-العلمانية في العراق،والتي مارسها حزب البعث الفاشي الدموي بصورة بشعة تنم عن غباء واضح لا لبس فيه في تقليده للعلمانية الغربية،وكالمعتاد لم توظف مبادئ العلمانية الغربية الرئيسية في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان،بل جرى توظيف الديكتاتورية بلباس علماني بشع وبأسوأ صورها فكانت محاربة الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف بل تجاوزوا ذلك الى ابادة مجموعات عرقية ومذهبية بصورة مثيرة للاشمئزاز وبأجرام لا حدود له،وكان الضحايا بأعداد كبيرة بعضهم يقتل لاسباب تافه منها الصلاة في اماكن العبادة او قتل رجال الدين وتهديم مراكزهم العلمية بل تجاوزوا ذلك الى الفكر الاسلامي ككل ومحاربة كل مايمت اليه بصلة! وكانت نهايتهم المعروفة بسقوطهم المخزي في مزابل التاريخ وخروج الضحايا والمعذبين من القمقم ليحكموا من جديد بدلا عنهم.
وهنالك الكثير من الامثلة منها علمانية الشاه رضا خان وابنه محمد في ايران والتي هي مشابهة لعلمانية اتاتورك وايضا فشلت فشلا ذريعا ومن الامثلة المضحكة لتقليدهما الارعن هو منع رجال الدين من لبس زيهم الشرعي او منع النساء من لبس اللباس التقليدي والشرعي بدعوى السفور(وهل السفور الاجباري جزء من العلمانية وحرية الفرد!!).
وللعودة الى حديث التبشير في اوروبا فأن من الصعب ان يتغير مجتمع مفتوح يعتنق الافكار بعد تحليلها طويلا ويلعب العقل دورا رئيسيا في حياة الفرد فيها،بالاضافة الى أثر عادات وتقاليد المسيحية الموجودة والنظرة التقليدية المستمدة من تاريخ طويل من العداء او الريبة لما هو اسلامي مثلا يجعل من الصعب بمكان ان ينجح التبشير الاسلامي هناك خاصة في ظل سيطرة التطرف والعنف على بلاد العالم الاسلامي وغرق غالبية دوله في الديكتاتورية والتخلف والجهل،ورغم نجاح المؤسسات الاسلامية في تغيير بضعة ملايين خلال قرن من الزمن الا ان ذلك يبقى محدودا في قارة تضم مئات من الملايين.
كذلك هنالك قارة امريكا الجنوبية الفقيرة والمتمسكة بالمسيحية وخاصة الكاثوليكية منها يصعب على التبشير الاسلامي في ظل الواقع الراهن ان ينجح في قارة تعتبر الخزان البشري الرئيسي للمسيحية في ظل انخفاض النمو السكاني في بقية دول العالم المسيحي الغربي.
يبقى شيء مهم ذكره وهو ان التبشير الاسلامي لايواجه عقبات او عداء في تلك الدول كما يواجهه التبشير داخل العالم الاسلامي،بل ان التبشير المذهبي الاسلامي داخل الدول الاسلامية يواجه بعاصفة معادية او عداء شديد من قبل مايوصف بالمعتدلين فكيف المتطرفين!.
من ناحية التبشير داخل الدول الاسلامية،يوجد هنالك تبشير مسيحي ولكن ليس بحجم التبشير الاسلامي في الدول المسيحية،كذلك ان عدد المتحولين من القلة لا مجال للاهتمام بهم سوى اثارة الاعلام او غيره لقضاياهم،ما عدا التبشير المسيحي في عهد الديكتاتور الاندونيسي السابق سوهارتو وخاصة منذ استيلائه على السلطة عام1967 في بلده اندونيسيا وهي اكبر بلد اسلامي،فقد نشط التبشير المسيحي المتسلح بأمكانات مادية هائلة في ذلك البلد خلال فترة حكمه المتسمة بالدموية والفساد حتى قدر عدد المتحولين للدين المسيحي بحوالي 5.6مليون نسمة خلال فترة السبعينات من القرن الماضي،مستغلين الحالة المعيشية السيئة والجهل والتخلف،ولكن مع التطور الاقتصادي الذي حققته البلاد منذ الثمانينات فقد انخفض اعداد المتحولين ورغم ذلك فأن التبشير مايزال موجودا هناك ونشطا.
هذا بالاضافة الى التبشير في افريقيا وخاصة في الاماكن التي يتواجد فيها المسلمون وتتضارب التقارير سواء في نجاحه او فشله،ولكن الظاهر ان التبشير يكون صعبا بين المسلمين بعكسه بين معتنقي الديانات الغير سماوية.
تبقى في النهاية المملكة السعودية كأكثر بلد مسلم ينفق على التبشير الديني وفق العقيدة المذهبية الحاكمة فيه فقد قدر بأن السعودية تنفق مامعدله 3 مليارات من الدولارات سنويا على التبشير الديني والمذهبي خارج البلاد ورغم وجود ارقام اخرى تزيد عن تقديرات المبلغ السابق الا ان المعروف انه كلما زادت اسعار النفط،ازدادت الواردات النفطية للبلاد وبالتي تزداد النفقات المخصصة للتبشير سواء داخل او خارج البلاد وكذلك الايرادات الاتية من تبرعات المواطنين وخاصة الاثرياء والتي تبقى مجهولة القيمة بسبب انعدام الشفافية سواء الرسمية او الشعبية في هذا المجال.وبالنسبة لمدى النجاح الذي حققته السعودية في التبشير فأنه لايقارن بحجم الانفاق الكبير كذلك فأن هنالك عدد كبير من المعتنقين الجدد للاسلام على يد المؤسسات المدعومة منهم ولكن لايتأثرون بالعقيدة الوهابية المتطرفة والتي لم تنجح كثيرا في بلاد كثيرة،وبقي نجاحها محدودا في اماكن قليلة يسيطر عليها التطرف من قبل،مثل افغانستان وباكستان والهند واليمن وغيره ولكن لوحظ انتشار تعاليمهم المتطرفة وسط المجتمعات الفقيرة مستغلين الاحتياج المادي والجهل الفكري مما يجعل تلك المجتمعات ارضا خصبة لهم على الدوام.
اما بعد احداث سبتمبر2001 فأن التبشير السعودي واجهة مصاعب جمة بل وجهت اليه ضربات كبيرة من خلال منعه من التبشير والتمدد في بقاع جديدة وتجفيف مصادره المالية وغيره وذلك لان الغرب يحمله بصورة مباشرة او غير مباشرة مسؤولية تلك الاحداث الدموية التي وقعت .
وبالمقارنة مع التبشير الذي تدعمه ايران والذي عمره قصير اي منذ انتصار الثورة فيها عام 1979 فأنه لم يكن بالحجم والصورة المعروفة عنه في وسائل الاعلام والتي اثارها بالخصوص شيوخ التعصب والتكفير،فالفارق مازال كبيرا جدا بينها وبين السعودية سواء من ناحية النفقات او الانتشار او حتى الرغبة في دعم التبشير،ويعود ذلك لعدة اسباب:اهمها ان غالبية الدول وخاصة الغربية منها لها علاقات سيئة مع ايران وبالتالي تمنع اي نشاط تبشيري او فكري او حتى لاغراض خيرية بحتة لايران على اراضيها بعكس السعودية التي تتمتع بفضل النفط والتحالف الدائم مع الغرب بحرية واسعة في النشاط التبشيري والعمل الخيري،بالاضافة الى عداء غالبية الدول العربية لها ولذلك فأن المجال الحيوي لايران ضيق وليس بذات اهمية تذكر.
ثانيا:المصاريف الايرانية لدعم التبشير وخاصة للمذهب الشيعي هي من الضعف والضألة بحيث يمكن مشاهدة ان اغلبية المراكز الدينية للشيعة في دول الغرب قد بنيت بجهود فردية بحتة سواء للناس العاديين او رجال الدين من مختلف البلدان وخاصة من العراق والهند ودول الخليج بحيث لم اسمع الا نادرا ان الحكومة الايرانية بنت او دعمت مركزا دينيا ما، فتلك خرافة مضحكة لاوجود لها الا في عقول شيوخ التكفير والتعصب واتباعهم الجهلاء،ولذلك فأن التقصير الايراني واضح للعيان،وبذلك تظهر خرافة وسذاجة الفكرة القائلة ان ايران تمارس وتنفق بغزارة على النشاط التبشيري،ولو كانت النفقات المالية مثل التي تخصصه السعودية مثلا لحققت نجاحا كبيرا،ولاننسى ان ايران امضت حوالي عقد من الزمن في حرب مهلكة ثم حصار شديد عليها لحد الان مما يجعل القدرات المالية الايرانية محدودة،بينما نرى انه من خلال وسائل الاعلام البسيطة والجهود الفردية قد حقق نجاحا كبيرا بحيث دق شيوخ التعصب ومنظماتهم،ناقوس الخطر بل وصلت الدعوة الى حكام ممسوخين مثل عبدالله ملك الاردن ومبارك رئيس مصر حول الخطر الشيعي وضرورة التنبه له وهما بعيدان كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي !!.
الدعاوى التي اطلقها شيوخ التعصب حول التمدد الشيعي جاءت بنتائج عكسية لهم وذلك لان عدد كبير من الناس وخاصة البسطاء لم يسمع نهائيا عن المذهب الشيعي واحكامه الا نادرا وبالتالي وجدت تلك الدعوة نشاطا هائلا لمعرفة المذهب وتاريخه ومايدعو اليه بحيث ادى الى تحول عدد كبير خاصة في ظل مقاومة حزب الله الشيعي البطولية لاسرائيل وعجز الدول العربية عن فعل شيء،مما ادى الى دعاية كبرى مجانية اثارت عداء الكثيرين الذين لا يرغبون بأن يختار الانسان مايروق له من فكر جديد حتى لو كان ضمن نطاق الاسلام بحجة مضحكة وهي ان تلك البلدان هي مقفلة للمذاهب السنية وتناسوا ان الدول التي حكمت البلاد الاسلامية كانت تنشر مذاهبها بالقوة المفرطة التي تسوغ لها ابادة الخصوم لاختلاف عقيدتهم معهم خلال القرون الماضية،وابسط مثال تحول مصر من المذاهب الشيعية الى السنية وتحول ايران من السنية الى الشيعية،مما يدل ان للشعوب القدرة على التحول وفق ماتراه مناسبا لها سواء اختيارا او اجبارا،اما الحجر على العقول فلن يؤدي سوى الى رد فعل معاكس كون النفوس تميل في الغالب الى ماهو ممنوع او محارب،وفي ظل مناخ من الحرية وخاصة بعد الثورة الاعلامية التي جاءت ضمن الثورة التكنولوجية الحديثة اصبح من المضحك بل المخزي ان يتم منع نشاط اي فكر مهما كان،ولذلك فأن منع المواقع الالكترونية مثلا لايؤدي سوى الى ايجاد مواقع اخرى تمارس نفس العمل هذا بالاضافة الى ان تلك الاعمال تودي بصاحبها الى الفشل الذريع لان ذلك يعطي صورة سيئة عنه لانه بالاضافة الى عمله يخالف حرية الانسان في اختيار عقيدته فأن يدل على ان صاحبها يمتلك فكرا مهزوزا وليست لديه من القوة ان يقف امام الاخرين ولذلك يستند على قوة مادية تدعمه وبالتالي فأن دعاوى شيوخ التكفير والتحجير على الاخرين هي حربا ولكن من نوع آخر على مذهبهم نفسه!ولذلك فقد فطن الكثيرين من اتباع المذاهب السنية المنفتحين ان تلك الدعاوى الفارغة والتي ظاهرها حماية مذاهبهم هي بالحقيقة معاول لتهديمه من حيث لايعلمون،وجاءت كارثة الارهاب الدموي الذي مارسته الكثير من الجماعات الدينية المتطرفة وخاصة بحق مخاليفها من المذاهب الاخرى ودون تفريق بين شخص او اخر،الى نفور كثير من الناس لتلك الاعمال البربرية الهمجية وخاصة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها والى توجه كثيف نحو الطرف الاخر حتى لو من جانب التعاطف معه في محنته الانسانية.
الكتب وتأثيرها التبشيري:
هناك الكثير من الكتب المؤثرة في التاريخ،وفي كل المجالات،فمثلا في الاقتصاد كان الكتاب الاشهر هو ثروة الامم لآدم سميث،وفي الفكر السياسي كتاب الامير لمكيافيلي،وفي العلوم الوراثية كتاب اصل الانواع لداروين،اوفي علم النفس كتاب تفسير الاحلام لفرويد،او في الفيزياء كتاب النظرية النسبية لآينشتاين،او في الادب الكثير من الروايات التي أثرت على الكثير من الانظمة والقوانين وحركت شعوب بأكملها وتأسست حركات منظمة من وراءها ومن الامثلة قصة كوخ العم توم لهارييت ستو و عناقيد الغضب لشتاينبك...ولكن تبقى الكتب المقدسة هي الاكثر تأثيرا في تاريخ الانسانية وعلى رأسها القرآن الكريم،ثم كتب الانجيل وهي مازالت الاكثر طباعة وتوزيعا...اما من ناحية التأثير الايديولوجي ، فيبقى كتاب رأس المال لكارل ماركس الاكثر تأثيرا خلال اكثر من قرن ونصف على طباعته،والكتب المؤلفة بصورة عامة هي خلاصة فكر وتجربة المؤلف ومن خلالها يدعو احيانا الى فكر او منهج جديد،وقد يلاقي في طريقه معارضة شديدة قد تقضي على دعوته او تمحو فكرته او قد ينجح وحسب الظروف الموضوعية،ولكن في النهاية نجد ان التأثير يكون كبيرا وعميقا في نفس الوقت بحيث يبدوا ان تأثيرها يستمر الى اجيال عديدة في الكتب تلك التي تدعو الى بناء عالم جديد وفق تصور معين قد يكون مادي بحت او روحي او حتى كليهما معا ...اما في المجال التبشيري بصورة عامة وأن لم تكن هنالك احصائيات دقيقة او بحوث موضوعية حول الكتب الاكثر تأثيرا في التاريخ التبشيري...الا انه من خلال مراقبة تأثير المطبوعات الدينية التبشيرية خلال القرن الاخير يتربع كتاب التيجاني السماوي المسمى (ثم اهتديت)على القمة فهو الاكثر توزيعا وتأثيرا حتى قيل ان عدد من تشيعوا بواسطته خلال اقل من عقدين من الزمن(ألف الكتاب عام 1989) اكثر من ثلاثة ملايين! ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى طريقة كتابته البسيطة السلسة والمؤثرة وبأسلوب لا يخلو من الاثارة الفكرية الممتعة وهو ايضا خلاصة تجربة شخصية في طريقة التحول قد نجد ان الكثير مر بنفس التجربة الا ان عرضها بتلك الصورة البسيطة والمشوقة يكاد ان يكون فريدا، والكتاب تفوق من حيث التأثير على كتاب المراجعات للامام شرف الدين الذي هو في الاساس كتاب دفاع عقلي ونقلي بأسلوب قوي عن المذهب الشيعي اكثر منه تبشيري،والكتابان مازلان ممنوعان في عدد كبير من الدول الاسلامية ! ولولا ذلك لكان تأثيرهما اكبر وأعظم.
اما اكثر الكتب السنية تأثيرا فهي المتعلقة بالفكر السياسي الاسلامي ويقف على رأسها كتاب معالم في الطريق لسيد قطب،اما التبشيرية سواء بالدين او بالمذهب فهي عديدة وليس هنالك كتاب بارز يمكن ان يوصف بالاكثر شهرة،وهناك بعض الكتب لبعض الاشخاص الذين اعتنقوا الدين الاسلامي ومذاهبه المختلفة ولكن تبقى مكملة لبعضها الاخر ولايوجد حسب معرفتي كتاب بارز بينهن ،وتبقى كتب السلفية التقليدية هي الاكثر شهرة واستدلال وتنوع،ويبقى حجم نجاحها مجهولا بسبب غياب الاحصائيات والدراسات المتعمقة في حجم التبشير الديني او المذهبي ونجاحه.
دعاوى الانغلاق:
من الصعب الان العيش في العالم الذي تحول الى قرية صغيرة،بمعزل عن التأثر في كل المجالات الحياتية،ولذلك فأن التقدم العلمي ساعد في ذلك كثيرا خاصة في ظل العولمة الجديدة،ومن ابرز الامثلة على ذلك الازمة الاقتصادية العالمية الجديدة.
الاعمال العنيفة او الدعاوى التحذيرية من تأثير دين او مذهب معين هي من الوسائل التي عفى الدهر عنها وشرب،لان اختيار العقيدة يخضع الى عقل الشخص ورغبته وان كانت الغالبية العظمى تنشئ على عقيدتها وفق مبدأ الوراثة والمحافظة على العادات والتقاليد،الا ان عدد كبير من البشر تحول سلما نحو فكر معين وجد فيه الراحة والاطمئنان،والوسائل المتاحة الان وان اختلفت الامكانيات،فالواجب على الجميع استخدامها بصورة سلمية دون ادنى خدش لشعور الاخر،لان البقاء للاقوى صحيح ولكن ليس هنا للعضلات بل للعقل والمنطق ومتى ماكانت الحجة قوية والمنطق سلس والاستدلال عميق ومؤثر فأن صاحبها يأمن من الزوال والعكس صحيح،كذلك فأن منطق الاستعلاء على الاخرين هو الاخر قد ولى،فقد اصبحت من مخلفات الماضي ان يتم اتهام الاخرين بالزندقة والكذب والكفر والانحراف عن الطريق القويم واحتكار الحقيقة المطلقة،بل الحجة تقارع بالحجة والمنطق بالمنطق ولامجال للسيف او الحجر على عقول الاخرين...من حق اي انسان ان يدعو الى مايعتقد انه صحيح،ولايحق للبعض ان يمارس التبشير دون ان يدع ذلك الحق للاخرين...الكل سواسية في التبشير ومن كانت رؤيته اقوى فسوف يبقى في الساحة ومن كانت رؤيته ضعيفة فسوف يخرج من حلبة السباق ويكتفي بما تبقي لديه من مؤيدين بالوراثة! ولا خوف على كل الاديان والمذاهب من الاندثار...الجميع سوف يبقى على الارض وخاصة الاديان السماوية الثلاث ...والدين الاسلامي سوف تبقى جذوره قوية وراسخة في النفوس.
اذا كان شعار الرسمالية يقول: دعه يعمل ...دعه يمر ،
فأن...
شعار التبشير المهذب هو :دعه يفكر...دعه يختار....
الختام:
في سبيل الحرية المنشودة وهو الهدف المعلن لجميع الاحرار في العالم...لامجال هنا للتبشير القسري او فرض كل العقائد والايديولوجيات الدينية او المذهبية او الفكرية بالقوة...بل بالحوار والمنطق والبناء الفكري المحكم،وهي الاسلحة السلمية الشاملة التي لاتدمر بل تبني اساسا انسانيا يتعامل مع الاخر بأحترام متبادل دون اتهام او تجريح او افتراء فالحقيقة مهما طال انتظارها سوف تظهر في النهاية ناصعة البياض تسر الناظرين...
اذا كانت الامكانات المادية وخاصة الاعلامية لها دور رئيسي في نشر العقائد وافكارها،فأن دورها سوف يبقى محدودا دون الاستناد الى بناء فوقي متين يمكن ان يصد رياح التغيير القادمة من الخارج والمتسلحة بالفكر القوي فقط لانه لا مكان للضعفاء فكريا في عالم الافكار المتصارعة... والاستناد على القوة في الدعوة أو حماية الداخل من الاختراق ايا كان نوعه سوف يبقى وهما ما بعده وهم ... فالزلزال قادم من الداخل قبل الخارج ولنا في تجربة الاتحاد السوفييتي السابق خير مثال وعبرة...
ليس من مجال للبشرية للعيش بسلام ووئام بين مجموعاتها المختلفة سوى انتهاج طريق التبشير المهذب البعيد عن كل سلوك غير سوي،لان البشرية المتخمة بالعقائد سوف لن تكون موحدة في عقيدة واحدة،او لن تتصالح العقائد فيما بينها نظرا لعمق الخلافات ولكن لن يبقى اتباع كل عقيدة يعيشون في قلعة منفصلة عن الاخر...بل اساس العقائد هو دعوة الاخرين لاعتناقها وبالتالي الهدف الوحيد هو التعايش السلمي ...ودع الجميع يعملون بحرية ولكن بشرط التبشير المهذب....
ملحق:
المجلتان اللتان يوزعهما المبشران هما:the WATCHTOWER
والثانية:AWAKE
معنى اسم المجلة الاولى:برج المراقبة...
معنى اسم المجلة الثانية:استيقظ...
مصدر المجلتان واحد،من جمعية واحدة في الولايات المتحدة ولكن يطبعان في عدد كبير من البلدان...والغريب انهما بنفس عدد الصفحات(32 صفحة) وبنفس نوعية الطباعة وطريقة طرح المواضيع...
تطبع من المجلة الاولى اكثر من 37 مليون نسخة ...وب171 لغة...
ومن المجلة الثانية يطبع اكثر من 36 مليون نسخة ...وب 81 لغة...
كان حجم المطبوع من المجلة الاولى عام 2005 اكثر من 26مليون نسخة،مما يدل على نمو كبير في الطباعة والتوزيع،فخلال 3 سنوات نما التوزيع بمعدل 3.5مليون نسخة سنويا وهو رقم هائل كماهو معروف...
وللدلالة على النشاط الكبير لمجموعة شهود يهوا،يمكن المقارنة بين عددهم في العالم الذي لايتجاوز 17 مليون وبين تلك الارقام الفلكية من المجلات التي يطبعونها...
يعني لو كان نشاط المسلمين مثلا بنفس المقدار قياسا الى حجم السكان لكان المطبوع فقط من هاتين المجلتين اكثر 7.2 مليار نسخة!!.
تركز المجلة الاولى(برج المراقبة)على المواضيع الدينية المزينة بلوحات جميلة وشرح وتفسير الكتاب المقدس وفق نظرة شهود يهوة...
من الامثلة على مواضيعهم:ماذا نتعلم من ماري؟ويقصد مريم العذراء(ع).
هل تخاف من الموت؟او موضوع عن المطر مثلا وفيه شرح علمي وبعد ذلك ينتهي بربط ديني لينتهي الموضوع ب :الله فقط يستطيع حفظ الارض؟.
هل تخاف من الجحيم؟وماذا يحدث حقا عند الموت؟وكيف نتعلم الحقيقة من تأثير الجحيم علينا؟او حول انهيار الزواج،وكيف اصلاحه وفق مبادئهم،وفيه صور معبرة تبدأ منذ الاعجاب الاول بين الجنسين.
او هل تنبأ الكتاب المقدس بالمستقبل؟وفيه ربط بحوادث تاريخية وفق تفسيراتهم للكتاب المقدس.مع مواضيع اخرى،من قبيل مأساة شخصية يتحدث عنها احد اتباع شهود يهوه،وكيفية تجاوز المأساة الشخصية بالايمان القوي.
اما المجلة الثانية(استيقظ):فأكثر مواضيعها تكون عامة وتحدث لافراد المجتمع وتبرز اثناء تحليل المواضيع والمشاكل،كيفية حلها وفق آراء اتباع المذهب،من قبيل احد الاعداد فيه صورة معبرة لطفل امام شاشة الكومبيوتر وهو يطالع مواقع الانترنت والتي قد تكون فيها اباحيات ومن وراءه وهو لايدري صورة امه تراقبه عن كثب،وهو من المشاكل الرئيسية التي تواجه جميع المجتمعات البشرية من خلال وجود الانترنت والفوضى العارمة الضاربة فيه،وخاصة التي تبرز مشاهد العنف والاباحية وغرف الشات والفساد بكافة صوره،وكذلك منتجات التكنولوجية الاخرى مثل الموبايل وآثاره المدمرة على الطفل والمجتمع وعدم استخدامه بصورة صحيحة وعقلانية،ثم تظهر للقارئ احد الحلول المطروحة وفق آراء مجموعة شهود يهوه.او مواضيع طريفة عن الحيوانات كالمواشي وكيفية تكون الحليب داخل جسم البقرة! او موضوع سياحي عن جزيرة بورتريكو التابعة لامريكا في الكاريبي،او عن الانهار والقرى في كمبوديا،او موضوع اجتماعي خطير،عن المراهقين وتأخر بقائهم خارج البيت حتى منتصف الليل.
او في عدد آخر،مواضيع اخرى من قبيل،حول النجاح المبكر مثل الثراء الفاحش او الشهرة الفنية وكيفية التعامل معه،او ابداء نصائح حول كيفية النجاح الشخصي.او مواضيع طبية مفيدة جدا،وشروحات عن جسم الانسان وتكوينه.او موضوع عن الرحلات التاريخية في اعالي البحار،او عن القطارات السريعة.
او في احدث عدد،موضوع عن المياه ونقصها وفيه صور مرعبة عن الجفاف في الهند او تصحر بحيرة كبيرة مثل آرل في روسيا اوتصحر بحيرة تشاد في افريقيا،او في احصائية طريفة عن المياه في العالم،توجد على سطح الكرة الارضية نسبة97.5% من المياه المالحة والباقي 2.5%مياه عذبة ومن النسبة الاخيرة 99%منها يقع في محيطات متجمدة او انهار متجمدة او في باطن الارض،والباقي 1%هو في متناول يد 7 بليون عدد سكان العالم تقريبا!...احصائية مرعبة بلا شك.
في مثل الامثلة السابقة توجد تلك المواضيع المهمة والتي تشغل بال الكثيرين والتي يتم شرحها وتحليلها في المجلة بأسلوب مبسط يمكن ان يفهمه الانسان العادي.
ويمكن الاستفادة من خلال العرض السابق في طرح المواضيع العامة وربطها بأسلوب يفهمه الجميع خدمة لاغراض التبشير والدعوة والارشاد.
بخطوات بطيئة هادئة تدل على تقدم في العمر،تقدم الي رجلان طاعنين في السن يتحدثان الانكليزية بلغة ركيكة وبأبتسامة عريضة تسبقها تحية الصباح،يقدمان لي مجلتين صغيرتي الحجم ذات طباعة انيقة مجانا لغرض التبشير الديني او المذهبي(في الختام ملحق ملخص عنهما)،وفيهما الكثير من المواضيع العامة القيمة المذيلة بتحليل ومواعظ دينية حسب وجهة نظرهم الدينية والمذهبية طبعا،وبعد ذلك يتحدثان لمدة دقيقتين عن الاحوال ثم ينصرفان مودعين بأبتسامة هادئة جميلة تدل على سعة الصدر ورجاحة العقل وطيبة النفس .
تعودت ان ارى هذين الرجلين اللذان ليسا من سلك رجال الدين،في الصباح الباكر جدا،في الشتاء والصيف معا كل يوم سبت،وهما يقومان بمهمتهما حسب ما تقتضيه ارادتهما الحرة لخدمة ما يعتقدان انه صحيح،وقد عرفت من حديث احدهما معي انه رجل ايطالي الاصل،وبألتأكيد انهما يقضيان وقتهما بخدمة دينهم او مذهبهم واعتقد انهما من جماعة شهود يهوا المسيحية النشطة في مجال التبشير المسيحي حسب مذهبهم،وهي بالتأكيد تدعو غير المسيحيين الى دينهم وفق مذهبهم وايضا المسيحيين من المذاهب الاخرى الى اعتناق مذهبهم.الكثير من امثال هؤلاء يعملون في السر والعلن لخدمة مبادئهم بأخلاص منقطع النظير وبطريقة في غاية الادب والطيبة.
اتصفح المجلات عادة واقرأ بها المواضيع العلمية وبعضها يكون من المشاكل العامة التي تواجه البشرية كالتلوث البيئي،والتصحر ومشاكل المياه وارتفاع درجات حرارة الارض والزلازل والبراكين وغيرها من المشكلات الطبيعية التي تواجه الانسان بصورة عامة،هذا بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية العامة التي تواجه البشرية مثل مشاكل الاطفال والطلاق والادمان وغيرها.
يتم ربط تلك المشاكل عادة بتحليلات دينية وفق مذهبهم ويتم ايضا اضافة تعليقات وهوامش مذيلة بنصوص دينية من الكتاب المقدس.
يصاحب هذا النوع من التبشير عادة الكثير من النشاطات الخيرية،مثل اطعام الفقراء او دعمهم ماديا ومعنويا،ومساعدة كل من يطلب المساعدة منهم وخاصة في المشورة حول مختلف القضايا التي تكون في الغالب اجتماعية،ولذلك اشاهد امام ابواب بعض الكنائس الكثير من المحتاجين من مختلف طبقات المجتمع الدنيا والذين يطلبون العون والدعم من الكنيسة التي تخصص ايام معينة في الاسبوع لخدمتهم وتسهيل معاملاتهم.
امكانيات الكنائس مختلفة،بعضها يأتي من استثمارات واملاك كنسية تراكمت على طول الزمن،وهنالك ايضا التبرعات التي تأتي عادة من الزائرين والمصلين للكنائس،وقد شكى لي الكثيرين من ان كل زيارة للصلاة في الكنيسة،يقوم رجل الدين بالدعوة للتبرعات سواء لجمع الاموال لصالح الكنيسة ومصاريفها العادية،او لخدمة التبشير والاعمال الخيرية التي تكون مصاحبة له عادة،وقد ادى ذلك الى امتناع عدد كبير من الناس من زيارة الكنائس بسبب الاحراج المستمر لهم من خلال دعوتهم كل مرة للتبرع،او من خلال شكوكهم حول طريقة صرف الاموال.
يقف على ابواب الكنائس لطلب المعونة المادية او المعنوية،ناس من مختلف الطبقات والاديان والمذاهب الاخرى،بل ان بعضهم مسلمون او ملحدون! ولكن الكنيسة حسب الظاهر لا تسألهم عن ذلك وهي طريقة ذكية لكسب العقول والقلوب بعد ان كسبت احتياجات البطون الفارغة،او لنقل انها تطبيق صحيح لتعاليم الدين المسيحي.
عموما قد تختلف الكنائس فيما بينها حسب الدولة او المذهب او المكان او الزمان،ولكن ذلك الذي رأيته من خلال المرور بالشارع او من خلال الحديث مع الزائرين.
هذا الاسلوب المهذب البارع في التبشير هو دليل على نضج كامل لمعنى التبشير واهدافه وكذلك تطبيق تعاليم دينية سامية،وهي احدى انجازات العالم المتحضر من خلال ترك الجميع يفعلون اي شيء لا يهدد الامن القومي او يحرض على العنف او العنصرية او خلق المشاكل وهي ملائمة للمجتمعات المتعددة الثقافات والتي يستحيل التعايش بدون العمل السلمي الجماعي،ومن خلال العمل التبشيري والتي تتعلق بحرية الانسان العقيدية يصعب على المبشرون تغيير عقائد الاخرون بالعنف او القوة او الدعوة الخاطئة في التبشير من خلال تقديم نماذج سيئة تبعد الانسان عنهم.
في الحقيقة ان تأريخ الكنيسة مليء بالمآسي وخاصة من ناحية التبشير في الماضي،وخاصة عندما اقامت محاكم التفتيش في اوروبا في العصور الوسطى والتي ادت الى مقتل الملايين لغرض التحكم بمصائر الناس المادية والروحية واقامة الحد على التفكير المتعارض مع نظرة الكنيسة،وقد استفادت الكنيسة من تلك الاخطاء وعملت على تصحيحها بمرور الزمن،بل حققت الكنيسة انجازات كبرى من خلال العمل الخيري او جذب الملايين من المعتنقين الجدد للدين المسيحي بمختلف مذاهبه،كذلك لاتوجد معارضة لدى الاطراف الاخرى لعمل الكنائس الخيري او التبشيري لكونها احد حقوق الانسان في اعتناق مايرغب اعتناقه من دين او فكر وكذلك حرية التعبير عنه او الدعوة اليه،ولذلك لم نسمع او نقرأ او نشاهد احدا يعترض على العمل التبشيري،وقد ذكرته هنا بأعتباره رؤية شخصية لعمل هؤلاء والاستفادة من طريقتهم المهذبة والراقية التي يجب ان تكون صادرة من الانسان بأعتباره كائنا عاقلا يختلف عن سائر المخلوقات.
مقارنة محرجة:
من خلال المقارنة بين تلك الصورة الجميلة المهذبة في بعض دول العالم الغربي،ومقارنتها بدول العالم الاسلامي،نرى الفارق شاسعا في كل شيء،بل ان الكثير من الصراعات والعنف في العالم الاسلامي ناشيء من عدم التعايش السلمي بين الاديان والمذاهب والذي يؤدي ايضا الى عدم التعايش بين القوميات والاعراق والطبقات الاجتماعية وسوف تكون النهاية محزنة في عدم قبول الاخر فكريا او اجتماعيا،في اي وجهة نظر مختلفة مهما كانت بسيطة.
من خلال ذلك تنشأ احيانا متناقضات كبيرة بل مضحكة ايضا،كون ان بعض المتصارعين يتحاورون مع من يختلف معهم في الدين ولا يجدون حرجا من معاداة او محاربة من يختلفون معه فكريا او مذهبيا او قوميا ضمن نفس دينهم !!.
من خلال نظرة شاملة على تاريخ العالم الاسلامي من ناحية الانتشار القومي والديني والمذهبي والفكري،نرى انه في احيانا كثيرة كان متلازما مع استخدام العنف والقوة والتي تكون في النهاية ابادة الخصم بأستخدام ابشع الوسائل دموية وهمجية او اخضاعه،والامثلة لا حصر لها في هذا المجال.
فمثلا الاتراك قدموا من بلاد آسيا الوسطى ثم اتجهوا غربا واعتنقوا الاسلام بعد ذلك من خلال العمل في اجهزة الدولة والتعايش مع السكان المحليين، ثم بعد انهيار الدولة العباسية،نشأت الدولة العثمانية التي اتجهت نحو بلاد الرومان والبلقان وشرق اوروبا بالاضافة الى دول الشرق الاوسط الاخرى وشمال افريقيا،وفي النهاية نجحوا في ازالة الدولة الرومانية الشرقية،ولم يبقى من وجود للرومان في تركيا الان الا القليل منهم.
وكذلك العرب الذين اصبحوا الغالبية في العراق وبلاد الشام وشمال افريقيا،
خلال تلك الفترة اعتنق الاسلام عدد كبير من الشعوب الخاضعة لسلطان العرب ولكن ضمن فترة طويلة من الزمن،ولكن البلد الاسلامي الاكبر الان وهو اندونيسيا وماجاورها من بلاد اسلامية اخرى مثل ماليزيا والجاليات الاسلامية الكثيفة العدد في جنوب شرق آسيا،هذه كلها دخلت سلما وبدون فتح او لم تخضع لسلطان العرب وخلال فترة قصيرة من الزمن،مما يدل على ان التبشير السلمي هو افضل وسيلة لنشر الاسلام وغيره من الاديان الاخرى.وكذلك البلاد الاخرى في افريقيا والتي انتشر الاسلام فيها سلما،والفضل الاكبر يعود للتجار العرب ثم علمائهم او الذين استوطنوا تلك الديار،وكان ابرازهم الوجه اللامع للدين الاسلامي،وتقديم افضل صورة له من خلال العمل بأحكامه ونواهيه والاخلاص له،وهي من ابرز صفات المبشر حتى يكسب قلوب وعقول المجتمعات الاخرى،خاصة وان الدين الاسلامي يتميز بتراث فكري ضخم وبتعاليم بسيطة وواضحة،كذلك العلاقات الطيبة بين المسلمين والملل الاخرى هي التي جعلتهم ينجحون في عملهم التبشيري.
لم يستخدم المسلمون لنشر الاسلام في آسيا وافريقيا ميزانية ضخمة او جيوش فاتحة بل كانت اساليبهم جدا بسيطة وملموسة،مما يدل على ان الاسلوب الامثل للتبشير الاسلامي هو لايحتاج الى ميزانيات ضخمة بقدر احتياجه الى مبشرين اكفاء يعتمدون الحكمة والمنطق والسلوك الحسن لتقديم اروع صورة للاسلام،وهذا ينطبق ايضا على بقية الاديان الاخرى،بل حتى على المذاهب الفكرية او السياسية.
وتختلف الشعوب في مدى تقبلها للافكار الدينية بأختلاف طبيعتها البشرية او تراثها وحضارتها او حتى نظمها السياسية والاجتماعية والاخلاقية،فنلاحظ ان هنالك نجاحا منقطع النظير التبشير الديني في افريقيا وخاصة في الريف،بحيث يتقبل السكان الاسلام كمثال بسهولة نظرا للحياة البسيطة التي يعيشها الافريقي والتي تنعكس بصورة او بأخرى على طبيعته البشرية وتعامله مع الاخر وابتعاده عن التعقيدات وخاصة القادمة مع الحضارة الغربية،ولذلك تبقى ارض افريقيا خصبة للتبشير الديني والمذهبي،ويمكن مشاهدة الصراع التبشيري بين الدعوة التبشيرية الاسلامية والمسيحية،ورغم ان كفة الامكانات المادية لدى جانب الكنائس المسيحية تفوق بكثير الامكانات لدى الجانب المسلم الا ان المعتنقين للدين الاسلامي يفوق عدد معتنقي الاديان الاخرى،وسوف تبقى افريقيا مجال رحب للتبشير نظرا لوجود نسبة كبيرة من سكانها مازالوا بدون دين او اديان بدائية يمكن ازالتها بسهولة من جانب الدينين السماويين الكبيرين.
بينما يمكن ان نرى ان اصعب مكان للتبشير هو في اوروبا وذلك لاسباب عديدة يمكن اختصار بعضا منها او يمكن تلخيصها بالاتي:
تعتبر اوروبا ثم مناطق العالم الجديد اي الامريكيتين الشمالية والجنوبية وقارة استراليا هي مناطق مسيحية منذ نشوء المسيحية وانتشارها،ولذلك فأن جذور المسيحية هي راسخة وقوية حتى بالرغم من التغيير الذي حصل في اوروبا بعد النهضة في القرون الخمسة الاخيرة وتغلب الفكر المادي والعلمانية على الجانب الروحاني والافكار الكنسية،الا ان جذور التأثير المسيحي مازالت موجودة لدى الماديين حتى من ناحية التقاليد والعادات،وكمثال بسيط على ذلك احتفال الجميع بأعياد الميلاد او يوم الجمعة الحزينة وصلب المسيح(ع) بل ان تلك الاعياد والمناسبات مازالت عطل رسمية رغم علمانية تلك الدول! بينما يمكن المقارنة بما تفعله الانظمة العلمانية في العالم الاسلامي وبأسلوب بشع ومكروه في تقليدها للعلمانية الاوروبية(حتى في التقليد نكون بشعين ومشوهين!)تحارب قيم وعادات وتقاليد واساليب تعبد شعوبها بأسلوب يدل على عدم معرفتها بالعلمانية بصورة صحيحة او بحقوق الانسان والديمقراطية،بل يدل ذلك على غباء وهمجية لاحدود لهما في التطبيق،والامثلة المثيرة للحزن والاشمئزاز على واقع النظم السياسية التي تحكمنا كثيرة،اذكر منها على سبيل المثال بعض الامثلة:
1- العلمانية في تركيا والتي طبقها بهمجية ووحشية مصطفى كمال اتاتورك،بعد عام 1923م ،فلو تجاوزنا الغاء الخلافة العثمانية وتحويل تركيا الى جمهورية باعتبار ذلك عمل سياسي،نرى ان محاربة الدين وشعائره وقتل رجال الدين واجبار الجميع على لبس الملابس الاوروبية،والغاء الابجدية العربية وتحويلها الى اللاتينية والغاء المؤسسات الدينية بما فيها الخيرية وغلق المساجد وتحويل بعضها الى متاحف واماكن عامة في محاولة همجية ومتخلفة للتحول نحو الغرب والانسلاخ عن الشرق على اعتبار انه تخلف بينما بأسلوبه وخلفاءه من بعده يمكن ملاحظة من هو الهمجي والمتخلف،ويمكن رؤية واقع تركيا بعد مايقارب الثمانية عقود من الزمن وكيف انها مازالت بعيدة عن التطور واللحاق بدول الغرب بينما نلاحظ ان امم شرقية كثيرة قد تطورت بعدها واصبحت تركيا بلدا متخلفا بالقياس لها وعلى سبيل المثال اليابان والنمور الاربعة وماليزيا وغيرها،ومنذ فوز الاسلاميين المعتدلين عام 2002 ورغم القيود المفروضة عليهم من قبل المؤسسة العلمانية وخاصة الجيش،نلاحظ ان تركيا تطورت اقتصاديا بصورة ملحوظة مما يدل على ان كل اعمال اتاتورك وخلفاءه ومؤيديه اثبتت خطأها بل جعلها متأخرة كثيرا،وتقليدها البشع للعلمانية الاوروبية لم يتم لحد الان اعادة مراجعته كون القوة السياسية والعسكرية للعلمانية هي الغالبة رغم فسادهم وفشلهم ورفض اوروبا قبولهم ضمن مجتمعها الموحد،بل المضحك انه مازال القسم الاكبر من الشعب التركي يقدس ذلك الديكتاتور الهمجي المتخلف اتاتورك!!.
2-العلمانية في تونس،والتي طبقها الديكتاتور الحبيب بورقيبة،والذي حارب الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف!بينما لم نجد ان هنالك زعيم غربي استهزأ بدين شعبه او حتى شعائره التي قد يكون البعض يرفضها بأعتبار مخالفة للعقل والمنطق،ولذلك نجد ان عبادة البوذية في الغرب رغم رفضها من قبل الموحدين مازالت تحترم على النطاقين الرسمي والشعبي،بينما كان السفيه بورقيبة يظهر على شاشة التلفزيون وبوقاحة منقطعة النظير يدعو مواطنيه للافطار في شهر رمضان المبارك على اعتبار ان ذلك يمنع الانسان من العمل والتقدم بل مارس الافطار علنا!بينما الافكار التحررية في الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان والدستور وغيرها هي مبادئ وقيم بعيد عنها ذلك المعتوه الذي كانت نهايته الجنون وهو على كرسي الحكم وخروجه منه بشهادة الاطباء! ومازالت تونس محكومة من قبل اتباعه والسائرين على طريقه بعد ازاحته من الحكم وبصورة استبدادية ولازالت متخلفة عن ركب الحضارة الانسانية،وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
3-العلمانية في العراق،والتي مارسها حزب البعث الفاشي الدموي بصورة بشعة تنم عن غباء واضح لا لبس فيه في تقليده للعلمانية الغربية،وكالمعتاد لم توظف مبادئ العلمانية الغربية الرئيسية في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان،بل جرى توظيف الديكتاتورية بلباس علماني بشع وبأسوأ صورها فكانت محاربة الدين الاسلامي وشعائره بحجة التخلف بل تجاوزوا ذلك الى ابادة مجموعات عرقية ومذهبية بصورة مثيرة للاشمئزاز وبأجرام لا حدود له،وكان الضحايا بأعداد كبيرة بعضهم يقتل لاسباب تافه منها الصلاة في اماكن العبادة او قتل رجال الدين وتهديم مراكزهم العلمية بل تجاوزوا ذلك الى الفكر الاسلامي ككل ومحاربة كل مايمت اليه بصلة! وكانت نهايتهم المعروفة بسقوطهم المخزي في مزابل التاريخ وخروج الضحايا والمعذبين من القمقم ليحكموا من جديد بدلا عنهم.
وهنالك الكثير من الامثلة منها علمانية الشاه رضا خان وابنه محمد في ايران والتي هي مشابهة لعلمانية اتاتورك وايضا فشلت فشلا ذريعا ومن الامثلة المضحكة لتقليدهما الارعن هو منع رجال الدين من لبس زيهم الشرعي او منع النساء من لبس اللباس التقليدي والشرعي بدعوى السفور(وهل السفور الاجباري جزء من العلمانية وحرية الفرد!!).
وللعودة الى حديث التبشير في اوروبا فأن من الصعب ان يتغير مجتمع مفتوح يعتنق الافكار بعد تحليلها طويلا ويلعب العقل دورا رئيسيا في حياة الفرد فيها،بالاضافة الى أثر عادات وتقاليد المسيحية الموجودة والنظرة التقليدية المستمدة من تاريخ طويل من العداء او الريبة لما هو اسلامي مثلا يجعل من الصعب بمكان ان ينجح التبشير الاسلامي هناك خاصة في ظل سيطرة التطرف والعنف على بلاد العالم الاسلامي وغرق غالبية دوله في الديكتاتورية والتخلف والجهل،ورغم نجاح المؤسسات الاسلامية في تغيير بضعة ملايين خلال قرن من الزمن الا ان ذلك يبقى محدودا في قارة تضم مئات من الملايين.
كذلك هنالك قارة امريكا الجنوبية الفقيرة والمتمسكة بالمسيحية وخاصة الكاثوليكية منها يصعب على التبشير الاسلامي في ظل الواقع الراهن ان ينجح في قارة تعتبر الخزان البشري الرئيسي للمسيحية في ظل انخفاض النمو السكاني في بقية دول العالم المسيحي الغربي.
يبقى شيء مهم ذكره وهو ان التبشير الاسلامي لايواجه عقبات او عداء في تلك الدول كما يواجهه التبشير داخل العالم الاسلامي،بل ان التبشير المذهبي الاسلامي داخل الدول الاسلامية يواجه بعاصفة معادية او عداء شديد من قبل مايوصف بالمعتدلين فكيف المتطرفين!.
من ناحية التبشير داخل الدول الاسلامية،يوجد هنالك تبشير مسيحي ولكن ليس بحجم التبشير الاسلامي في الدول المسيحية،كذلك ان عدد المتحولين من القلة لا مجال للاهتمام بهم سوى اثارة الاعلام او غيره لقضاياهم،ما عدا التبشير المسيحي في عهد الديكتاتور الاندونيسي السابق سوهارتو وخاصة منذ استيلائه على السلطة عام1967 في بلده اندونيسيا وهي اكبر بلد اسلامي،فقد نشط التبشير المسيحي المتسلح بأمكانات مادية هائلة في ذلك البلد خلال فترة حكمه المتسمة بالدموية والفساد حتى قدر عدد المتحولين للدين المسيحي بحوالي 5.6مليون نسمة خلال فترة السبعينات من القرن الماضي،مستغلين الحالة المعيشية السيئة والجهل والتخلف،ولكن مع التطور الاقتصادي الذي حققته البلاد منذ الثمانينات فقد انخفض اعداد المتحولين ورغم ذلك فأن التبشير مايزال موجودا هناك ونشطا.
هذا بالاضافة الى التبشير في افريقيا وخاصة في الاماكن التي يتواجد فيها المسلمون وتتضارب التقارير سواء في نجاحه او فشله،ولكن الظاهر ان التبشير يكون صعبا بين المسلمين بعكسه بين معتنقي الديانات الغير سماوية.
تبقى في النهاية المملكة السعودية كأكثر بلد مسلم ينفق على التبشير الديني وفق العقيدة المذهبية الحاكمة فيه فقد قدر بأن السعودية تنفق مامعدله 3 مليارات من الدولارات سنويا على التبشير الديني والمذهبي خارج البلاد ورغم وجود ارقام اخرى تزيد عن تقديرات المبلغ السابق الا ان المعروف انه كلما زادت اسعار النفط،ازدادت الواردات النفطية للبلاد وبالتي تزداد النفقات المخصصة للتبشير سواء داخل او خارج البلاد وكذلك الايرادات الاتية من تبرعات المواطنين وخاصة الاثرياء والتي تبقى مجهولة القيمة بسبب انعدام الشفافية سواء الرسمية او الشعبية في هذا المجال.وبالنسبة لمدى النجاح الذي حققته السعودية في التبشير فأنه لايقارن بحجم الانفاق الكبير كذلك فأن هنالك عدد كبير من المعتنقين الجدد للاسلام على يد المؤسسات المدعومة منهم ولكن لايتأثرون بالعقيدة الوهابية المتطرفة والتي لم تنجح كثيرا في بلاد كثيرة،وبقي نجاحها محدودا في اماكن قليلة يسيطر عليها التطرف من قبل،مثل افغانستان وباكستان والهند واليمن وغيره ولكن لوحظ انتشار تعاليمهم المتطرفة وسط المجتمعات الفقيرة مستغلين الاحتياج المادي والجهل الفكري مما يجعل تلك المجتمعات ارضا خصبة لهم على الدوام.
اما بعد احداث سبتمبر2001 فأن التبشير السعودي واجهة مصاعب جمة بل وجهت اليه ضربات كبيرة من خلال منعه من التبشير والتمدد في بقاع جديدة وتجفيف مصادره المالية وغيره وذلك لان الغرب يحمله بصورة مباشرة او غير مباشرة مسؤولية تلك الاحداث الدموية التي وقعت .
وبالمقارنة مع التبشير الذي تدعمه ايران والذي عمره قصير اي منذ انتصار الثورة فيها عام 1979 فأنه لم يكن بالحجم والصورة المعروفة عنه في وسائل الاعلام والتي اثارها بالخصوص شيوخ التعصب والتكفير،فالفارق مازال كبيرا جدا بينها وبين السعودية سواء من ناحية النفقات او الانتشار او حتى الرغبة في دعم التبشير،ويعود ذلك لعدة اسباب:اهمها ان غالبية الدول وخاصة الغربية منها لها علاقات سيئة مع ايران وبالتالي تمنع اي نشاط تبشيري او فكري او حتى لاغراض خيرية بحتة لايران على اراضيها بعكس السعودية التي تتمتع بفضل النفط والتحالف الدائم مع الغرب بحرية واسعة في النشاط التبشيري والعمل الخيري،بالاضافة الى عداء غالبية الدول العربية لها ولذلك فأن المجال الحيوي لايران ضيق وليس بذات اهمية تذكر.
ثانيا:المصاريف الايرانية لدعم التبشير وخاصة للمذهب الشيعي هي من الضعف والضألة بحيث يمكن مشاهدة ان اغلبية المراكز الدينية للشيعة في دول الغرب قد بنيت بجهود فردية بحتة سواء للناس العاديين او رجال الدين من مختلف البلدان وخاصة من العراق والهند ودول الخليج بحيث لم اسمع الا نادرا ان الحكومة الايرانية بنت او دعمت مركزا دينيا ما، فتلك خرافة مضحكة لاوجود لها الا في عقول شيوخ التكفير والتعصب واتباعهم الجهلاء،ولذلك فأن التقصير الايراني واضح للعيان،وبذلك تظهر خرافة وسذاجة الفكرة القائلة ان ايران تمارس وتنفق بغزارة على النشاط التبشيري،ولو كانت النفقات المالية مثل التي تخصصه السعودية مثلا لحققت نجاحا كبيرا،ولاننسى ان ايران امضت حوالي عقد من الزمن في حرب مهلكة ثم حصار شديد عليها لحد الان مما يجعل القدرات المالية الايرانية محدودة،بينما نرى انه من خلال وسائل الاعلام البسيطة والجهود الفردية قد حقق نجاحا كبيرا بحيث دق شيوخ التعصب ومنظماتهم،ناقوس الخطر بل وصلت الدعوة الى حكام ممسوخين مثل عبدالله ملك الاردن ومبارك رئيس مصر حول الخطر الشيعي وضرورة التنبه له وهما بعيدان كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي !!.
الدعاوى التي اطلقها شيوخ التعصب حول التمدد الشيعي جاءت بنتائج عكسية لهم وذلك لان عدد كبير من الناس وخاصة البسطاء لم يسمع نهائيا عن المذهب الشيعي واحكامه الا نادرا وبالتالي وجدت تلك الدعوة نشاطا هائلا لمعرفة المذهب وتاريخه ومايدعو اليه بحيث ادى الى تحول عدد كبير خاصة في ظل مقاومة حزب الله الشيعي البطولية لاسرائيل وعجز الدول العربية عن فعل شيء،مما ادى الى دعاية كبرى مجانية اثارت عداء الكثيرين الذين لا يرغبون بأن يختار الانسان مايروق له من فكر جديد حتى لو كان ضمن نطاق الاسلام بحجة مضحكة وهي ان تلك البلدان هي مقفلة للمذاهب السنية وتناسوا ان الدول التي حكمت البلاد الاسلامية كانت تنشر مذاهبها بالقوة المفرطة التي تسوغ لها ابادة الخصوم لاختلاف عقيدتهم معهم خلال القرون الماضية،وابسط مثال تحول مصر من المذاهب الشيعية الى السنية وتحول ايران من السنية الى الشيعية،مما يدل ان للشعوب القدرة على التحول وفق ماتراه مناسبا لها سواء اختيارا او اجبارا،اما الحجر على العقول فلن يؤدي سوى الى رد فعل معاكس كون النفوس تميل في الغالب الى ماهو ممنوع او محارب،وفي ظل مناخ من الحرية وخاصة بعد الثورة الاعلامية التي جاءت ضمن الثورة التكنولوجية الحديثة اصبح من المضحك بل المخزي ان يتم منع نشاط اي فكر مهما كان،ولذلك فأن منع المواقع الالكترونية مثلا لايؤدي سوى الى ايجاد مواقع اخرى تمارس نفس العمل هذا بالاضافة الى ان تلك الاعمال تودي بصاحبها الى الفشل الذريع لان ذلك يعطي صورة سيئة عنه لانه بالاضافة الى عمله يخالف حرية الانسان في اختيار عقيدته فأن يدل على ان صاحبها يمتلك فكرا مهزوزا وليست لديه من القوة ان يقف امام الاخرين ولذلك يستند على قوة مادية تدعمه وبالتالي فأن دعاوى شيوخ التكفير والتحجير على الاخرين هي حربا ولكن من نوع آخر على مذهبهم نفسه!ولذلك فقد فطن الكثيرين من اتباع المذاهب السنية المنفتحين ان تلك الدعاوى الفارغة والتي ظاهرها حماية مذاهبهم هي بالحقيقة معاول لتهديمه من حيث لايعلمون،وجاءت كارثة الارهاب الدموي الذي مارسته الكثير من الجماعات الدينية المتطرفة وخاصة بحق مخاليفها من المذاهب الاخرى ودون تفريق بين شخص او اخر،الى نفور كثير من الناس لتلك الاعمال البربرية الهمجية وخاصة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها والى توجه كثيف نحو الطرف الاخر حتى لو من جانب التعاطف معه في محنته الانسانية.
الكتب وتأثيرها التبشيري:
هناك الكثير من الكتب المؤثرة في التاريخ،وفي كل المجالات،فمثلا في الاقتصاد كان الكتاب الاشهر هو ثروة الامم لآدم سميث،وفي الفكر السياسي كتاب الامير لمكيافيلي،وفي العلوم الوراثية كتاب اصل الانواع لداروين،اوفي علم النفس كتاب تفسير الاحلام لفرويد،او في الفيزياء كتاب النظرية النسبية لآينشتاين،او في الادب الكثير من الروايات التي أثرت على الكثير من الانظمة والقوانين وحركت شعوب بأكملها وتأسست حركات منظمة من وراءها ومن الامثلة قصة كوخ العم توم لهارييت ستو و عناقيد الغضب لشتاينبك...ولكن تبقى الكتب المقدسة هي الاكثر تأثيرا في تاريخ الانسانية وعلى رأسها القرآن الكريم،ثم كتب الانجيل وهي مازالت الاكثر طباعة وتوزيعا...اما من ناحية التأثير الايديولوجي ، فيبقى كتاب رأس المال لكارل ماركس الاكثر تأثيرا خلال اكثر من قرن ونصف على طباعته،والكتب المؤلفة بصورة عامة هي خلاصة فكر وتجربة المؤلف ومن خلالها يدعو احيانا الى فكر او منهج جديد،وقد يلاقي في طريقه معارضة شديدة قد تقضي على دعوته او تمحو فكرته او قد ينجح وحسب الظروف الموضوعية،ولكن في النهاية نجد ان التأثير يكون كبيرا وعميقا في نفس الوقت بحيث يبدوا ان تأثيرها يستمر الى اجيال عديدة في الكتب تلك التي تدعو الى بناء عالم جديد وفق تصور معين قد يكون مادي بحت او روحي او حتى كليهما معا ...اما في المجال التبشيري بصورة عامة وأن لم تكن هنالك احصائيات دقيقة او بحوث موضوعية حول الكتب الاكثر تأثيرا في التاريخ التبشيري...الا انه من خلال مراقبة تأثير المطبوعات الدينية التبشيرية خلال القرن الاخير يتربع كتاب التيجاني السماوي المسمى (ثم اهتديت)على القمة فهو الاكثر توزيعا وتأثيرا حتى قيل ان عدد من تشيعوا بواسطته خلال اقل من عقدين من الزمن(ألف الكتاب عام 1989) اكثر من ثلاثة ملايين! ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى طريقة كتابته البسيطة السلسة والمؤثرة وبأسلوب لا يخلو من الاثارة الفكرية الممتعة وهو ايضا خلاصة تجربة شخصية في طريقة التحول قد نجد ان الكثير مر بنفس التجربة الا ان عرضها بتلك الصورة البسيطة والمشوقة يكاد ان يكون فريدا، والكتاب تفوق من حيث التأثير على كتاب المراجعات للامام شرف الدين الذي هو في الاساس كتاب دفاع عقلي ونقلي بأسلوب قوي عن المذهب الشيعي اكثر منه تبشيري،والكتابان مازلان ممنوعان في عدد كبير من الدول الاسلامية ! ولولا ذلك لكان تأثيرهما اكبر وأعظم.
اما اكثر الكتب السنية تأثيرا فهي المتعلقة بالفكر السياسي الاسلامي ويقف على رأسها كتاب معالم في الطريق لسيد قطب،اما التبشيرية سواء بالدين او بالمذهب فهي عديدة وليس هنالك كتاب بارز يمكن ان يوصف بالاكثر شهرة،وهناك بعض الكتب لبعض الاشخاص الذين اعتنقوا الدين الاسلامي ومذاهبه المختلفة ولكن تبقى مكملة لبعضها الاخر ولايوجد حسب معرفتي كتاب بارز بينهن ،وتبقى كتب السلفية التقليدية هي الاكثر شهرة واستدلال وتنوع،ويبقى حجم نجاحها مجهولا بسبب غياب الاحصائيات والدراسات المتعمقة في حجم التبشير الديني او المذهبي ونجاحه.
دعاوى الانغلاق:
من الصعب الان العيش في العالم الذي تحول الى قرية صغيرة،بمعزل عن التأثر في كل المجالات الحياتية،ولذلك فأن التقدم العلمي ساعد في ذلك كثيرا خاصة في ظل العولمة الجديدة،ومن ابرز الامثلة على ذلك الازمة الاقتصادية العالمية الجديدة.
الاعمال العنيفة او الدعاوى التحذيرية من تأثير دين او مذهب معين هي من الوسائل التي عفى الدهر عنها وشرب،لان اختيار العقيدة يخضع الى عقل الشخص ورغبته وان كانت الغالبية العظمى تنشئ على عقيدتها وفق مبدأ الوراثة والمحافظة على العادات والتقاليد،الا ان عدد كبير من البشر تحول سلما نحو فكر معين وجد فيه الراحة والاطمئنان،والوسائل المتاحة الان وان اختلفت الامكانيات،فالواجب على الجميع استخدامها بصورة سلمية دون ادنى خدش لشعور الاخر،لان البقاء للاقوى صحيح ولكن ليس هنا للعضلات بل للعقل والمنطق ومتى ماكانت الحجة قوية والمنطق سلس والاستدلال عميق ومؤثر فأن صاحبها يأمن من الزوال والعكس صحيح،كذلك فأن منطق الاستعلاء على الاخرين هو الاخر قد ولى،فقد اصبحت من مخلفات الماضي ان يتم اتهام الاخرين بالزندقة والكذب والكفر والانحراف عن الطريق القويم واحتكار الحقيقة المطلقة،بل الحجة تقارع بالحجة والمنطق بالمنطق ولامجال للسيف او الحجر على عقول الاخرين...من حق اي انسان ان يدعو الى مايعتقد انه صحيح،ولايحق للبعض ان يمارس التبشير دون ان يدع ذلك الحق للاخرين...الكل سواسية في التبشير ومن كانت رؤيته اقوى فسوف يبقى في الساحة ومن كانت رؤيته ضعيفة فسوف يخرج من حلبة السباق ويكتفي بما تبقي لديه من مؤيدين بالوراثة! ولا خوف على كل الاديان والمذاهب من الاندثار...الجميع سوف يبقى على الارض وخاصة الاديان السماوية الثلاث ...والدين الاسلامي سوف تبقى جذوره قوية وراسخة في النفوس.
اذا كان شعار الرسمالية يقول: دعه يعمل ...دعه يمر ،
فأن...
شعار التبشير المهذب هو :دعه يفكر...دعه يختار....
الختام:
في سبيل الحرية المنشودة وهو الهدف المعلن لجميع الاحرار في العالم...لامجال هنا للتبشير القسري او فرض كل العقائد والايديولوجيات الدينية او المذهبية او الفكرية بالقوة...بل بالحوار والمنطق والبناء الفكري المحكم،وهي الاسلحة السلمية الشاملة التي لاتدمر بل تبني اساسا انسانيا يتعامل مع الاخر بأحترام متبادل دون اتهام او تجريح او افتراء فالحقيقة مهما طال انتظارها سوف تظهر في النهاية ناصعة البياض تسر الناظرين...
اذا كانت الامكانات المادية وخاصة الاعلامية لها دور رئيسي في نشر العقائد وافكارها،فأن دورها سوف يبقى محدودا دون الاستناد الى بناء فوقي متين يمكن ان يصد رياح التغيير القادمة من الخارج والمتسلحة بالفكر القوي فقط لانه لا مكان للضعفاء فكريا في عالم الافكار المتصارعة... والاستناد على القوة في الدعوة أو حماية الداخل من الاختراق ايا كان نوعه سوف يبقى وهما ما بعده وهم ... فالزلزال قادم من الداخل قبل الخارج ولنا في تجربة الاتحاد السوفييتي السابق خير مثال وعبرة...
ليس من مجال للبشرية للعيش بسلام ووئام بين مجموعاتها المختلفة سوى انتهاج طريق التبشير المهذب البعيد عن كل سلوك غير سوي،لان البشرية المتخمة بالعقائد سوف لن تكون موحدة في عقيدة واحدة،او لن تتصالح العقائد فيما بينها نظرا لعمق الخلافات ولكن لن يبقى اتباع كل عقيدة يعيشون في قلعة منفصلة عن الاخر...بل اساس العقائد هو دعوة الاخرين لاعتناقها وبالتالي الهدف الوحيد هو التعايش السلمي ...ودع الجميع يعملون بحرية ولكن بشرط التبشير المهذب....
ملحق:
المجلتان اللتان يوزعهما المبشران هما:the WATCHTOWER
والثانية:AWAKE
معنى اسم المجلة الاولى:برج المراقبة...
معنى اسم المجلة الثانية:استيقظ...
مصدر المجلتان واحد،من جمعية واحدة في الولايات المتحدة ولكن يطبعان في عدد كبير من البلدان...والغريب انهما بنفس عدد الصفحات(32 صفحة) وبنفس نوعية الطباعة وطريقة طرح المواضيع...
تطبع من المجلة الاولى اكثر من 37 مليون نسخة ...وب171 لغة...
ومن المجلة الثانية يطبع اكثر من 36 مليون نسخة ...وب 81 لغة...
كان حجم المطبوع من المجلة الاولى عام 2005 اكثر من 26مليون نسخة،مما يدل على نمو كبير في الطباعة والتوزيع،فخلال 3 سنوات نما التوزيع بمعدل 3.5مليون نسخة سنويا وهو رقم هائل كماهو معروف...
وللدلالة على النشاط الكبير لمجموعة شهود يهوا،يمكن المقارنة بين عددهم في العالم الذي لايتجاوز 17 مليون وبين تلك الارقام الفلكية من المجلات التي يطبعونها...
يعني لو كان نشاط المسلمين مثلا بنفس المقدار قياسا الى حجم السكان لكان المطبوع فقط من هاتين المجلتين اكثر 7.2 مليار نسخة!!.
تركز المجلة الاولى(برج المراقبة)على المواضيع الدينية المزينة بلوحات جميلة وشرح وتفسير الكتاب المقدس وفق نظرة شهود يهوة...
من الامثلة على مواضيعهم:ماذا نتعلم من ماري؟ويقصد مريم العذراء(ع).
هل تخاف من الموت؟او موضوع عن المطر مثلا وفيه شرح علمي وبعد ذلك ينتهي بربط ديني لينتهي الموضوع ب :الله فقط يستطيع حفظ الارض؟.
هل تخاف من الجحيم؟وماذا يحدث حقا عند الموت؟وكيف نتعلم الحقيقة من تأثير الجحيم علينا؟او حول انهيار الزواج،وكيف اصلاحه وفق مبادئهم،وفيه صور معبرة تبدأ منذ الاعجاب الاول بين الجنسين.
او هل تنبأ الكتاب المقدس بالمستقبل؟وفيه ربط بحوادث تاريخية وفق تفسيراتهم للكتاب المقدس.مع مواضيع اخرى،من قبيل مأساة شخصية يتحدث عنها احد اتباع شهود يهوه،وكيفية تجاوز المأساة الشخصية بالايمان القوي.
اما المجلة الثانية(استيقظ):فأكثر مواضيعها تكون عامة وتحدث لافراد المجتمع وتبرز اثناء تحليل المواضيع والمشاكل،كيفية حلها وفق آراء اتباع المذهب،من قبيل احد الاعداد فيه صورة معبرة لطفل امام شاشة الكومبيوتر وهو يطالع مواقع الانترنت والتي قد تكون فيها اباحيات ومن وراءه وهو لايدري صورة امه تراقبه عن كثب،وهو من المشاكل الرئيسية التي تواجه جميع المجتمعات البشرية من خلال وجود الانترنت والفوضى العارمة الضاربة فيه،وخاصة التي تبرز مشاهد العنف والاباحية وغرف الشات والفساد بكافة صوره،وكذلك منتجات التكنولوجية الاخرى مثل الموبايل وآثاره المدمرة على الطفل والمجتمع وعدم استخدامه بصورة صحيحة وعقلانية،ثم تظهر للقارئ احد الحلول المطروحة وفق آراء مجموعة شهود يهوه.او مواضيع طريفة عن الحيوانات كالمواشي وكيفية تكون الحليب داخل جسم البقرة! او موضوع سياحي عن جزيرة بورتريكو التابعة لامريكا في الكاريبي،او عن الانهار والقرى في كمبوديا،او موضوع اجتماعي خطير،عن المراهقين وتأخر بقائهم خارج البيت حتى منتصف الليل.
او في عدد آخر،مواضيع اخرى من قبيل،حول النجاح المبكر مثل الثراء الفاحش او الشهرة الفنية وكيفية التعامل معه،او ابداء نصائح حول كيفية النجاح الشخصي.او مواضيع طبية مفيدة جدا،وشروحات عن جسم الانسان وتكوينه.او موضوع عن الرحلات التاريخية في اعالي البحار،او عن القطارات السريعة.
او في احدث عدد،موضوع عن المياه ونقصها وفيه صور مرعبة عن الجفاف في الهند او تصحر بحيرة كبيرة مثل آرل في روسيا اوتصحر بحيرة تشاد في افريقيا،او في احصائية طريفة عن المياه في العالم،توجد على سطح الكرة الارضية نسبة97.5% من المياه المالحة والباقي 2.5%مياه عذبة ومن النسبة الاخيرة 99%منها يقع في محيطات متجمدة او انهار متجمدة او في باطن الارض،والباقي 1%هو في متناول يد 7 بليون عدد سكان العالم تقريبا!...احصائية مرعبة بلا شك.
في مثل الامثلة السابقة توجد تلك المواضيع المهمة والتي تشغل بال الكثيرين والتي يتم شرحها وتحليلها في المجلة بأسلوب مبسط يمكن ان يفهمه الانسان العادي.
ويمكن الاستفادة من خلال العرض السابق في طرح المواضيع العامة وربطها بأسلوب يفهمه الجميع خدمة لاغراض التبشير والدعوة والارشاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق