إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2011/10/30

المبالغة والتهويل في الاداء والتقييم

المبالغة والتهويل في الاداء والتقييم:
هل ممكن لفرد او مجموعة صغيرة التحكم نظريا بسلوك وسياسات انظمة لها قدرتها الجبارة في التحكم بهذا العالم؟!...ام ان للتحكم درجات نسبية لا يمكن الاتفاق عليها؟!.
تتحكم في السلوك البشري،جملة من الطبائع المتناقضة في مركب واحد يحاول العلم ان يجد لها تفسيرات مختلفة تتطور بمرور الزمن واحيانا تنتهي بعض تلك التفسيرات الى نهاية محزنة لان الاعتقاد بصحتها اخذ حقبة زمنية طويلة!ومن ضمن تلك الطبائع السائدة هي المبالغة في الاداء والتقييم للفرد والجماعة سواء اكانت فكرا او سلوكا ونقيضها ايضا في نفس الوقت اي الاستهانة والحط من القيمة وضعف التقدير الخ !.
في الحالة الاولى اي المبالغة والتضخيم يكون الفرد في الغالب خاضعا لا شعوريا لجملة من المعتقدات والاراء والشخوص النافذة والتي يجدها قريبة منه او يحاول تجنب خطرها ان امكن!وفي المقابل فأن حالة الاستهانة والاحتقار والتسقيط والحط من قيمة الاخر تستند على جملة من الحقائق الثابتة والتي من بينها الرفض والعداء المسبق الذي يعطي للرأي والسلوك صورته النهائية بغض النظر عن صدقية الفكرة وماهية الرأي،وعليه فأن التقييم الموضوعي هو غير موجود بصورته المطلقة ولكنه موجود بصورة نسبية مما يعني ان الاستدلال على تلك الاراء يكون متفاوتا او ضعيفا ويجب الاحتكام للمناهج والوقائع التي ثبت للجميع حياديتها او عدم تأثرها بالاراء المحيطة وحينها قد يكون لتقييمه درجة معينة من النسبية الصادقة.
المبالغة والتهويل والتضخيم...الخ من الاشتقاقات اللغوية المتقاربة في المعنى والدلالة، هي قديمة من قدم التاريخ والتي تختزن كنوزه على صور متعددة لا حصر لها من الامثلة الراسخة التي تثبت مدى حجم الكارثة المروع المتمثل بالمبالغة والتضخيم اذا استبعدنا حالة الاستهانة والحط والتقليل!...وبما ان التقدم العلمي المعاصر والتحضر قد وصل مراحل متقدمة جدا بالقياس للماضي،فأن تلك الظاهرة المقيتة والتي تسود بدرجة اعلى في المجتمعات الاكثر تخلفا او المجتمعات الخاضعة لقوى خارجية وداخلية سالبة لارادتها،لم تنتهي بل مازالت موجودة مع انتشار الاعلام المسيس والمزيف والخاضع ولكن الامر يخف كثيرا في حالة المجتمعات المفتوحة والقريبة لبعضها البعض والتي تجعل من امر الاحتكام الى الاصول النقدية امرا ملحا لتفسير الظواهر وتبيان الحقائق مع التركيز على حرية الفرد وتقديسها والحفاظ على الجماعة من الاثر السلبي لسيطرة الفرد المتحكم.
المبالغة في العرض والتحليل سوف يؤدي في النهاية الى تأسيس مناهج فكرية ضعيفة المحتوى ومستندة على اسس غير واضحة او متغيرة بفعل العوامل السياسية والثقافية الغير ثابتة...او تؤسس لمرحلة مستحدثة من البناء الفوضوي الذي سرعان ما يرى ضعفه امام التحديات المختلفة في ساحة المعارك الفكرية.
يمكن كشف الحالات المتلاعب بها من خلال الاستناد الى الاصول الغير ممنهجة وفق قيود معينة،كما ان المعارضة والممانعة تكون سببا وجيها في استعراض السلبيات وتجاهل الايجابيات وحينها يمكن معرفة حجم المبالغة والتهويل وهذا من الفوائد الجلية للمعارضة بأي صورة كانت!.
تقييم الافراد!
تشكل المبالغة والتهويل حيزا كبيرا من تفكيرنا كأفراد وايضا جماعات وبخاصة اذا كانوا من مناطق بعيدة يصعب امر التواصل والتلاقح معها مما يجعلها فريسة سهلة امام الاخرين المعتنقين لنفس المنهج والراغبين في تضخيمه بغية كسب المزيد من الانصار والمؤلفين والكوادر الثقافية المتقدمة التي لها تأثير بارز في دعم اي مجموعة او الحط والتقليل من قيمتها في مسرح العقائد والافكار العالمي، تلك الصفات السالفة الذكر ترتكز اساسا في العقل الباطني والظاهري ويصعب استئصالها ولكن يمكن التقليل من درجة خطورتها اذا امكن استخدام القواعد المنطقية التي يقف الفرد حائرا في التحايل امامها.
نعم هنالك اشخاص اثروا لفترة معينة في جزء كبير من العالم والبعض منهم مازال تأثيره ظاهرا ولا يقبل المراوغة كما في حالة الحط والتقليل من اثر الانبياء(ع) والمصلحون الاخرون،كما ان الاخر ساد لفترة من الزمن قبل ان يهبط مرة اخرى بعد ان فشل التطبيق مثل فكر ماركس ومدرسته او المدارس الفاشية المتطرفة!.
ومن بين الافراد في العالم المعاصر الذين وضعت شخوصهم واعمالهم في خانة التضخيم والمبالغة هو برنارد لويس،احد كبار علماء الغرب في الاثار والتراث الفكري السياسي.
لقد طرح هذا المستشرق والباحث في التاريخ والاثار واللغويات،الكثير من الدراسات والبحوث المختلفة والتي حصلت على تقدير ممتاز لغرض الاستفادة ،وعرف عنه ايضا خصومته لبلاد الاسلام والعرب كما ان توصياته وآرائه تؤخذ في الاعتبار وتدرس وتقيم في داخل الدوائر السياسية بأكثر مما هو متعارف عليه لدى اخرين،وقد تضخمت تلك الوقائع والاراء بصورة مثيرة للانتباه بل واصبحن الشغل الشاغل للبعض! كما ان الكثير من السياسات المختلفة نسبت زورا وخطأ اليه،ولكن في الواقع ان نسبة تأثيره في الغرب ليست بالصورة التي يراد منها حصر كافة السياسات المستقبلية بشخصه بسبب وجود عدد كبير من الباحثين ومنهم المخالفين له والذين هم على اتم استعداد لبحث تناقضات النظريات التي يموت فيها البعض!.
الاثر التعليمي والاداري الذي يحدثه برنارد لويس يحد بصورة واقعية من القدرة الدعائية التي يحضى بها ضمن الصفوف الخلفية التي لم تتطلع عليه اساسا!...صحيح ان تلامذته ساهموا بشكل واضح في تقرير سياسات دولهم ومنها اخماد بعض ثورات البلاد النامية الا ان تأثيره يجب ان يكون ضمن حدود الواقعية،فأي شخص الان بالتحديد لا يستطيع بمفرده ان يقوم ضمن مناهجه المعرفية ان يحدث ثورة كبرى من التغيير السلوكي والمنهجي بسبب الثورة التكنولوجية الحديثة التي سمحت لجميع الاراء والافكار بالعمل مما يعني ان نسبة الهيمنة الفردية قد انخفضت بشكل كبير لا يمكن تصوره...نعم قد افادت التكنولوجيا في نشر الافكار والاراء لشخص ما ولكنها ضمن مشروع المشاركة العالمية الذي يقبل التعددية،وبالتالي فأنه لا لويس ولا غيره قادرين على الهيمنة الفكرية المطلقة على السلوك الغربي بسبب تشعب وتضخم مراكز الدراسات والقرار والنفوذ والثقافة الخ.
الشهرة التي يعتقد بها البعض من انه سوف يرسم خريطة الشرق الاوسط او يفرز مزيدا من التقسيم،هو لا محل له ضمن سياق التاريخ والحاضر الذي تعجز اكبر المؤسسات الامنية في التنبوء بحركته المستقبلية لغرض الترويض والسيطرة!...هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فأن تقسيم الشرق الاوسط والعالم الاسلامي ككل قد مر عليه قرن تقريبا اي قبل ولادة برنارد لويس نفسه وسبقه في الدعوة الى التقسيم والتمزيق واثارة الفتن وغيرها زمرة كبيرة من المستشرقين ورجال السياسة والفكر في الغرب مما يعني انه لن يكون الوحيد في هذا المجال،ومن يدري فقد لا يكون لاتباعه تلك الهيمنة الموجهة للسياسة الدولية.
تشبه قصة تأثير لويس المبالغ في السياسة الغربية قصة عبد الله بن سبأ الخرافية في التاريخ الاسلامي والذي نسبت اليه كل الحوادث السياسية في فترة زمنية قياسية ومضطربة ناتجة عن سوء سلوك ادارة وصراع سياسي محتدم بين اطراف مختلفة لها قدسية،ولرفع الاتهام بالخطأ لاحد خلقت تلك الشخصية الوهمية اونسبت اليها وقائع لا يمكن لاي شخص غريب يظهر فجأة في مجتمع يعرف افراده جيدا،فيحدث ذلك الاثر الدامي في الجسد الاسلامي الا لغايات مخفية يحاول البعض التستر عليها من خلال نسج الكثير من القصص والروايات التاريخية لابعاد الشبهات او التقليل من حجم الاتهامات لمجموعة من الافراد يقدسها قطاع واسع من المسلمين!...واثر ذلك الوهم المعرفي هو ظاهر في استمراريته الى الزمن الحالي دون ان يحذف او تجرى عملية مراجعة تاريخية كبرى.
كما ان اجراء مقارنة بين تأثير لويس الحالي في السياسة الغربية وبين تأثير المدرسة الليبرالية الجديدة في الاقتصاد الرأسمالي بزعامة ملتون فريدمان،تظهر بعض ملامح التقارب...فالاخير بالرغم من تأثيره البارز الا انه ليس المؤسس او المنظر الوحيد ضمن هذه المدرسة الاقتصادية الشهيرة ذات النفوذ العريق،كما ان تلامذته والمعتقدين بأفكاره هم جزء من تلك المدرسة وقيادتهم وتأثيرهم لم يكن بمستوى تأثير الديكتاتوريات العربية في بلدانها بسبب انعدام السلطة الاستبدادية القادرة على التطبيق الاعمى لتلك الافكار! بل ان ادارتهم كانت ضمن اللعبة الديمقراطية السياسية اي ان الفترة الزمنية بقيت محدودة ضمن نطاق مجتمع حر يسمح بالتعددية الفكرية والثقافية،هذا بالاضافة الى بقاء المدارس الاقتصادية الاخرى التي تحاول ايجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها المدرسة الليبرالية الجديدة!وهذا يعني تداخل في الاراء والادوار ضمن ادارة الدولة والمجتمع.
لم يكن فكر برنارد لويس بمستوى العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين سبقوه او حتى الذين جاءوا بعده،ولكن تأثيره زاد من خلال دوره وتلامذته ومريديه وبدعم اعلامي واضح وضع عليه صفات ومميزات تفوق الواقع بكثير،كما ان انتشار افكاره وآراءه هي ضمن سياق مدرسة معرفية متطرفة قديمة الجذور وينتسب اليها عدد كبير من المفكرين وصناع القرار،وهذا يعني ان نسبة حيازته الفكرية ضمن تلك المدرسة هي نسبية فكيف جرى تضخيمها الى درجة التحكم بالعالم الغربي الذي يحكمه توزيع الادوار وصناعة القرار!.
مسألة التقسيم الطائفي والعرقي في الشرق الاوسط تحديدا يعود في الاساس الى وجود تربة خصبة له من خلال هيمنة بعض القوميات والاعراق والمذاهب مما يولد صراعات دموية عميقة الجذور لا يمكن حلها ضمن سيادة الاستبداد والتخلف ومن خلال خطابات رنانة يلقيها جهلاء في الثقافة والفكر بل ضمن مناخ حر لمجتمع متطور وهو غير موجود لحد الان في العالم العربي!.
ضعف الانتساب الوطني لدى غالبية شعوب المنطقة او تطرفه لدى اقلية يعود الى عدم فهم المعاني الوطنية ضمن الابعاد الاخلاقية والانسانية المتعارف عليها،بل وضعت الاخر تحت الاقامة الجبرية لغرض الابادة البطيئة او الاذلال المستعجل!...في المقابل فأن وجود رابطة وطنية قوية ضمن مجتمع متعدد هو مانع من دخول كل الافكار المتطرفة التي يدعو اليها لويس وأذنابه ويجعلها في متاحف التاريخ للمدارس التي سادت ثم بادت!.
المبالغة في دور برنارد لويس وأداءه وغيره ليس له مكان من الدقة الواقعية ولكن في الوقت نفسه تكون الاستهانة خطأ كبيرا يؤدي الى حدوث خلل معرفي بما هو سائد من اتجاهات فكرية تقود العالم سياسيا ولو لمرحلة زمنية معينة ضمن سياق تبادل الادوار!.





2011/10/22

النهاية الطبيعية

النهاية الطبيعية!
لم تكن نهاية الطاغية المعتوه معمر القذافي في 20 تشرين اول(اكتوبر)2011  غريبة الطابع او مستبعدة الحدوث!...فأي حاكم يكون له سجل حافل بالاعمال السيئة،عليه ان يتوقع ذلك المصير الحتمي الذي هو النهاية الطبيعية للعدالة الالهية والانسانية على وجه الارض،ولكن استبعاد هذا الاحتمال يكون بسبب الانغماس الكلي بملذات التسلط واستعباد الاخرين مع التأقلم والانسجام على طرق الابادة والقمع بدم بارد دون وجود ادوات فعالة تحد من ذلك!.
لم يكن هذا المعتوه مقلا في اعماله الاجرامية بل ان عدد الضحايا قياسا الى حجم الشعب الليبي هو كبير ومؤثر بشكل فظيع!...ففي الثورة الليبية سقط اكثر من 30 الف ضحية على اقل تقدير بالاضافة الى عشرات الالاف من الضحايا الاخرين خلال تاريخ حكمه الطويل هذا غير حوالي 50 الف مفقود لان لديه سجلا مثاليا في خطف الضحايا بمعونة انظمة اخرى تستفيد من عطاياه المسروقة حتى وان كانوا يتبعون بلادا اخرى او مواطنيه كالكيخيا الذي اشترك معه في جريمة الخطف نظام حسني مبارك البائد! وغيره بل وحتى بعض اجهزة الغرب الاستخبارية ايام العلاقة الحميمة!...
لم ينتبه العالم الفاقد للضمير الانساني الحي الى خطورة الطاغية القذافي ونظامه الاجرامي بالرغم من خطف الامام موسى الصدر عام 1978 في ظاهرة مثيرة للاشمئزاز من خلال استدراج ضيف وتصفيته مع رفيقيه بطريقة خالية من اية اعتبار ادبي وديني وبدون اسباب توجب ذلك الانتقام الغادر والرهيب!كما لم ينتبه الى تدخله في لبنان وبعض الدول الافريقية الاخرى او دعمه للمنظمات الارهابية المختلفة،لقد كانت تلك الحوادث بداية التعرف على طبيعة هذا المعتوه ونظامه الفاقد لكل القواعد الاخلاقية في التعامل فضلا عن الدينية والانسانية ولكنه لم يتحرك لوقف هذا الجنون المدعم برائحة النفط الفواحة!...
كان القذافي قبل ذلك سائرا في طريق تثبيت نظام حكمه من خلال تصفية زملائه في الانقلاب وخصومه الاخرين بطرق وحشية...وفي العادة فأن العالم يتجاهل التدخل بحجة الشؤون الداخلية السيئة الصيت ولذلك استمر الكثير من الطغاة بطغيانهم دون الخوف من المسائلة والعدالة!.
دروس الثورة الليبية هي كثيرة ومقاربة لدروس الثورات الاخرى ولكن المثال الواضح فيها انه برغم التاريخ الطويل للقمع وفرض ثقافة الفكر الهزيل والسلوك الشاذ الخالي من الاعتراف بالانسان الحر،الا ان الاجيال الجديدة بقيت عصية على المسخ الكلي ولو من جانب التقية المستترة من العقاب الوحشي الذي ينتظرها في حالة ابداء الرفض العلني!.
طول الفترة الزمنية التي حكم بها ليبيا،زادت القذافي واسرته طغيانا وتجاهلا لكل التطورات الحاصلة على الصعيد العالمي،بل وكان تحويل البلاد الغنية بأسرها الى مزرعة خاصة بتلك العائلة الفاسدة امرا يثير الرغبة في الثورة عليهم حتى من جانب الطبقات المنشغلة بتحصيلها اليومي،وكانت أخبار الفساد والفضائح واستعداء الاخرين لاجل ذلك تتزايد ولم تكن سرا منسيا بل وقطعت علاقات دولية لاجلها!.
آثار التدمير الوحشي في البنية الفوقية والتحتية للشعب الليبي هي مروعة ولا يمكن حسابها بدقة كما لا يتم تجاهلها بأي سبب كان،وعليه فأن امر المعالجة لها سوف يكون طويلا وان كان ثراء الارض الليبية وحيوية شعبها اللاهث للحرية والحياة الحرة دون الاستغناء عن المعونة الدولية،سوف تختزل الكثير من المراحل وتطويها في مرحلة البناء واعادة التوازن الطبيعي للشعب المنهك!.
لقد ارعب سقوط الطاغية القذافي غيره من الطغاة حتى وان كانوا على عداء معه،ولكنه اسعد الاحرار في كل مكان حتى وان كانوا على خلاف!...وطريقة الانتقام التي يعارضها البعض حتى وان كانت عفوية هي سمة بارزة في تاريخ الثورات عندما ينتقم الشعب من جلاديه،ويوم المظلوم اشد واقسى على الظالم!.
لم يكن القاذفي ونظامه جامعا للتناقضات فحسب! بل وحتى بعض اعدائه خارج ليبيا وبخاصة اثناء الثورة!.. فقد اشتركت بعض النظم الاستبدادية في اسقاطه كما بقيت تتفرج على جرائمه بعض النظم الديمقراطية! بل والاكثر  هزلية من ذلك هو عداء وشماتة ولعن وعاظ السلاطين في البلاد العربية الاخرى له متناسين استمرارية دعمهم لانظمتهم القمعية التي لا تختلف عنه وايضا متجاهلين انه احد ولاة الامر الواجب طاعتهم وفق تفسيراتهم المنحرفة! وهو مقياس يؤدي الى فضح السلوك والمنهج الداعم له!.
صحيح ان الثمن المدفوع كان باهضا في اسقاط الطاغية المعتوه ونظامه،ولكن طعم النصر والحرية بعد طول انتظار كان رائعا ولذيذا وسوف يبقى عطرا على مدار التاريخ!..


2011/10/17

الثورة الاقتصادية العالمية

الثورة الاقتصادية العالمية:
لم تولد الازمة المالية العالمية منذ ظهورها في عام 2008 ثورة شعبية مضادة ضد المتسببين في الانهيار المالي العالمي يتناسب وحجم الكارثة الا بعد مرور ثلاثة اعوام لان السياسات الاقتصادية التصحيحة وبخاصة المتمثلة بالتدخل الحكومي لم تأتي بجديد للغالبية المتضررة وهم على الاغلب الطبقات الشعبية الدنيا ضمن سلم المجتمع الطبقي!.
زخم الثورات الشعبية العربية كان تأثيره ظاهرا على تلك الثورة الوليدة والفريدة والتي اخذت في بعض ملامحها من اسباب تلك الثورات ونتائجها المثيرة للاهتمام،ومن بينها ان اهم اسباب انطلاق تلك الثورات هو العامل الاقتصادي المتمثل بأنهيار النظام الرأسمالي المحلي الذي هو نسخة سيئة بالطبع للنظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي الاكثر تقدما وتسامحا لان النسخة العربية للرأسمالية هي مدمجة بصور الفساد والاستبداد والتخلف والجهل وهي عوامل حتمية لاي انهيار مستقبلي،وهذا يعني ان الوضع الاقتصادي العربي المتردي كان سببا رئيسيا لاندلاع الثورات الشعبية وهو لم يكن ناتجا من الازمة المالية العالمية بالرغم من تأثيراتها الظاهرة عليه وانما هي وليدة لتراكمات تاريخية من الاخطاء المروعة في كافة المجالات استغلت الظرف الحالي لتنفجر بلا خوف بوجوه من اذلوها لحقب زمنية طويلة دون ادنى مراجعة للذات والمحيط والتغييرات الكونية المتسارعة!.
انطلاق الثورة الاقتصادية الشعبية العالمية كان موعودا يوم 15 تشرين اول (اكتوبر) 2011 واستجابت بالفعل حوالي الف مدينة على الاقل في شتى بقاع الارض للنداء العالمي الموحد في حادثة فريدة من نوعها!مستمدة من صدمة الانهيار المالي العالمي وآثاره المدمرة على الواقع الاجتماعي حافزا لضرورة التغيير الحتمي في اصلاح النظام المالي العالمي الذي شاخ واصبح وحشا كاسرا بسبب هيمنة قلة متنفذة من رجال المال والاعمال والسياسة عليه منذ بروز نزعة تحرير الاقتصاد من الهيمنة العامة(الحكومية والشعبية) اواخر عقد السبعينات من القرن الماضي.
صحيح ان البداية لم تأتي مفاجأة ولكنها في نفس الوقت لم تأتي من العدم ايضا! لان بوادر تلك الانتفاضة العالمية بدأت من شرارات متناثرة في كل مكان تظهر وتخمد بسرعة دون ان تحقق اهدافها المرجوة!...اتسعت في بعض الاماكن ومنها اسبانيا في آيار(مايو)2011 وانتفاضة نيويورك المسماة(احتلوا وول ستريت) كتعبير عن غضب شعبي لمسببي الفقر والبطالة وتدهور الاقتصاد القومي من جشع رجال المال والبنوك وحلفائهم السياسيين الذين يرفضون تحميلهم وزر الاخطاء المرتكبة خلال المرحلة السابقة بل ويرفضون ايضا تحميلهم جزء من تكاليف الدعم الحكومي للقطاعات المتضررة!.
لقد كانت عمليات المعالجة الاقتصادية مكلفة للطبقات الشعبية التي لم تكن مسؤولة ابدا عن هذا الانهيار،وفوق ذلك بقي المتسبب خارج نطاق المحاسبة والابعاد!...ان ذلك سبب شعورا هائلا بالغبن وتجاهل فرض العدالة،وقد تجلى اكثر في اقتطاع جزء كبير من النفقات الضرورية التي تعتبر مهمة في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بل والامر الاكثر اثارة للاهتمام ان الكونغرس الامريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون الممثلون للاتجاه اليميني المتطرف قد رفض الكثير من خطط الرعاية الصحية والاجتماعية التي اقترحها اوباما لان ذلك يعتبر تعديا على حقوق الطبقات المتنفذة والتي تجد المخلص دائما لها من ازماتها المتكررة!.
الانهيار الاقتصادي في بعض بلدان اليورو كان من اسبابه الانفاق بدون حساب مع بقاء فساد الطبقات المتنفذة التي استفادت من الظروف القائمة في تكوين ثروات ضخمة على حساب الاغلبية التي بقيت غافلة عما يجري بسبب الازدهار الظاهري ووجود هامش كبير من الحرية الفردية المتاح والذي يعتبر متنفسا كبيرا للمكبوتين في التعبير عن ذواتهم المتعبة!...الا ان الوضع الان مختلف واصبح ذلك الهامش غير مفيد في المعالجة المؤقتة!.
سوف تتحمل الدول النامية جزءا كبيرا من الانهيار المالي العالمي لانها تعتمد على اسواق الدول المتقدمة في تصدير المواد الاولية والسلع الرخيصة ذات الاستخدام الكثيف للعمالة وعليه فأن المشاركة في عملية تصحيح النظام الاقتصادي الدولي هو ضرورة لا غنى لابعاد الاثار المدمرة او على الاقل التخفيف من وطأتها...الازدهار والركود يشترك في صياغته الجميع ولن يكون هنالك احدا محصنا!.
لقد اصبح الوعي الشعبي العالمي عاليا بعد ان مس الضر بالطبقات الدنيا التي تؤلف الاغلبية الصامتة التي بقيت تراوح مكانها في اسفل السلم الاجتماعي،كما استفادت من الوسائل التكنولوجية المتاحة في التعبير عن الذات وتجميع الطاقات في كل بلاد العالم... اي ان وسائل التحشيد الجماهيري في العالم العربي والمتعارف عليها طورت كثيرا لانها اصبحت هنا خارج اطار الوطنية والقومية الى العالم بأسره الذي اصبح صغيرا ويضيق ذرعا بأبنائه!وصاحب ذلك الرغبة في تحقيق الاهداف المشتركة والمتمثل بتطبيق العدالة والحفاظ على الديمقراطيات ومؤسساتها من السطو المالي عليها!.
الثورة التصحيحة على النظام الاقتصادي الرأسمالي هي بمثابة تقليم لاظافر هذا الوحش المتستر برداء الديمقراطية والليبرالية واعادته الى حجمه الطبيعي بدلا من تركه بدون اي رقابة يمارس دوره في النهب والاسراف والتدمير تحت مسميات متعددة ثبت للجميع استغلالها في غير محلها!.
الازمة الاقتصادية العالمية اثرت بشكل واضح على قطبا الاقتصاد العالمي اي اوروبا وامريكا ولا تستطيع القارة الاسيوية تحمل فاتورة الانهيار والتصحيح الى مالانهاية فالقدرة الاسيوية محدودة بحكم الترابط والتداخل مع الاقتصاد العالمي بالاضافة الى تنامي الحاجات الاستهلاكية لشعوبها الناهضة...صحيح ان المستقبل يبشر بخير الى الدول النامية الصاعدة الا ان نهضتها تبقى ضمن حدود غير منفلتة بحكم التبعية التاريخية والاقتصادية الطويلة للغرب ولو لفترة طويلة على الاقل.
التهاون في تقدير ردات الفعل الشعبية الغاضبة وتجاهل مستوى الوعي المدرك لاخطار الانهيار المالي العالمي والذي تسبب بحدوثه فئات متنفذة تجاوزت الحدود الطبيعية والجغرافية لجشعها واستغلالها هو الذي ادى الى هذا التمرد العالمي المثير وعليه فأن تجاهل اخطاره سوف يكون اكثر قسوة في ردة الفعل.
لقد اصبح العالم بفضل التطور التكنولوجي امة واحدة وان اختلفت الاهواء والنزوات والملل،والسيطرة القادمة سوف تكون للطبقات المحرومة من آثار التقدم الحضاري، فالفرصة مواتية لاستغلال الظرف لاعادة بناء العالم وفق اسس سليمة خالية من التحكم المنفرد!.  

2011/10/10

الربيع التالي!

الربيع التالي!
وصف الثورات العربية المعاصرة بالربيع العربي مثاليا الى حد ما وقد يكون الوصف غير دال على الزمن التقليدي وانما بداية عصر جديد ينطلق فيه العالم العربي من غياهب الاستبداد والظلم والقهر،الى عصر الحرية والعدل والمساواة، وادخال لفظة الزمن غير دقيق لان الثورات بدأت في فصل الشتاء وانتصرت خلاله ثورتان بينما كان انتصار الثالثة في الصيف!ولكن الوصف يبقى اقرب مدلولية للثورة السورية التي انطلقت منتصف آذار(مارس) او بعض الاحتجاجات المتناثرة بين الحين والاخر!.
مهما كانت النتائج الايجابية الظاهرة للثورات العربية رغم اهميتها المؤكدة فأنها مازالت غير مؤثرة بشكل فعال من عدة نواح على الطبائع السلبية الموروثة والمكتسبة والتي شاعت في المجتمعات العربية خلال قرون مضت من تخلف وجهل وفساد وانحطاط في ادراك معنى قيمة الانسان العالية وقدسية حياته وكرامته او صعوبة التخلص من مرض السرطان المستشري والمستديم والمتمثل بالطائفية والعنصرية والقبلية والتكفير !... انتهاك حرية الانسان وكرامته وسلب حياته بمختلف الطرق البدائية هو مخالفة صريحة للنصوص الدينية لاي دين وبخاصة الدين الاسلامي وان اي انتهاك او تقصير في الاداء سوف يكون مرفوضا ولا يعبر بحق عن معتقد ديني سماوي لا يقر بالقتل او التعذيب او اي اجراء يسلب حقوق الانسان الاساسية لأي سبب وعليه فأن تلك النصوص المقدسة بروحانيتها المميزة والبعيدة عن الاجتهادات المتعددة هي الاقرب وهي تزيح اساطير القتل والتعذيب وادلة القائمين عليها العقلية والنقلية بسبب الاختلاف!.
انتظار آلاثار الايجابية للثورات المعاصرة وتغييراتها الجذرية لن يكون متاحا الا بعد مرور عقود من الزمن تؤهل لظهور اجيال جديدة مع شروط موضوعية صارمة ومناسبة للمراحل القادمة وتتمثل اهمها في تسلم الادارة والقيادة فئات مخلصة ووفية ومستوعبة لعملية التغيير التاريخي لشعوبها ولاتبغى غير العمل المخلص وسيلة اخرى وهذا ليس مستحيلا مثلما هو ليس سهلا في نفس الوقت!.
استبيان بسيط ومروع!:
تمتلئ الساحة الواقعية والافتراضية بنماذج وعينات لاحصر لها وتكون مصدرا ثريا وغير ناضب للدراسة والبحث والتقييم واستخلاص النتائج والعبر واستعراضها ومقارنتها بتحليل علمي صارم بغية وضع تصورات استقرائية للمستقبل نظرا لاهميته البالغة في تطوير حياة الشعوب نحو الافضل ومسايرة الامم المتحضرة من جانب الامم الاقل حظا،ومن هنا برزت تلك الاهمية الفائقة التي يجهلها كثيرون ان لم يعطوا حقها الطبيعي حق تقدير يوصل الى الحقائق الكاملة ولو بنسبية معينة!.
العينات العشوائية البسيطة وفق الشروط الموضوعية تعطي غالبا ملامح بارزة للمجتمعات وطبيعتها المتغيرة وفق نظام انساني غير متوازن او مدروس نظرا للفوضوية التي يحياها الانسان منذ ان عرف التمدن والتحضر كمرحلة بارزة في تاريخه!.
قناة العربية هي قناة غير مستقلة بالطبع ولها اجندتها الخاصة وهذا ضعف مؤكد وموقعها في الانترنت يعتبر مرتع خصب للطائفيين والتكفيريين والعنصريين واصحاب التفكير الفوضوي والشاذ المنافي للطبيعة الانسانية السوية!...وهذه الفئات تمثل الاغلبية ظاهرا ضمن تعليقات المؤيدين لها او المسموح لهم في ابسط المواضيع التي تكون احيانا بعيدة عن صلب موضوعات التناحر والعداء الشائعة في العالم العربي!.
وكما بينت في مقال سابق عام 2008 انحياز الموقع الغير مستقل الى تلك الفئات والسماح لها بنشر سمومها وعدم وجود حيادية ولو بسيطة في النقل والتحليل من خلال المقارنة مع موقع البي بي سي الاكثر حيادية ولو بنسبة معقولة من خلال المقارنة في موضوع واحد تكثر فيه التعليقات في الموقعين وفي نفس الوقت تقريبا!.
على الرابط التالي: http://www.alarabiya.net/articles/2011/10/06/170503.html
ورد ذكر حملة قناة العربية على موقع فيسبوك وتويتر لمنح الطفلة تبارك بطلة الشعب العراقي،وهي لمن يجهلها كانت ضمن مسافري الحافلات على الطريق السريع في غرب العراق والتي اوقفها الارهابيون التكفيريون في يوم 12/9/2011 وقاموا بعمل اجرامي بشع ودال على مستوى فظيع من الانحطاط الفكري والعملي يندر حدوثه في هذا الزمان والمتمثل بأعدام الرجال وفق الهوية المذهبية وترك الاطفال والنساء في العراء ليلا حتى انقذتهم الطفلة المذكورة من خلال اخفاء جهاز الموبايل عن اعين الارهابيين!.
تلك الحادثة البشعة هي مقياس طبيعي بسيط لتقييم مؤهلات كل انسان سوي في الضرورة الواجبة للتعاطف واستنكار ذلك العمل الوحشي الذي تأباه الطبيعة الانسانية المتوازنة،وما عدا ذلك يعتبر شذوذ خطير ودال على انحراف وانحطاط سلوكي وقيمي خطير مهما كانت دوافع العمل وردة فعل المقابل!...وطبيعي سوف تكون تحت خانة ذلك الموضوع جملة من التعليقات وصلت الى 309 تعليق دالة على مواقف اصحابها والتأثير النفسي لتلك الحادثة البشعة عليهم مع اظهار الخلفية الفكرية والاخلاقية لهم.
ماذا كانت النتيجة؟!...الجواب حقيقة مذهلة ودالة على استفحال حالة فقدان جذور الاتصال مع الطبيعة الانسانية السوية! فمن العدد السابق كان هنالك اكثر من 230 تعليقا يصنف في تلك الخانة الشاذة بمستويات متعددة بالطبع!...وهذه تمثل نسبة 75% وهي نسبة عالية بلا شك وتمثل شرائح مختلفة من المجتمع العربي بما فيه العراقيين انفسهم، وقد يكون هنالك نسبة تواجد اعلى في الشريحة المعلقة من بلاد لم تصل اليها شرارة ثورات الربيع العربي وهي تمثل هامش مهم يجب الانتباه اليه لان نسبة المشاركة اقل نتيجة للاضطرابات السياسية وآثارها السلبية على وسائل الاتصال المختلفة او لان للموقع المذكور زواره المميزين!.
تلك النسبة العالية تمثل مستوى مذهل ورهيب من فقدان الطبيعة الانسانية السوية المحبة للخير والسلام واحترام حقوق الاخرين وكرامتهم وحقهم الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة في العالم العربي!وعليه فأننا نقف حائرين امام تلك النفوس الراغبة في مشاركة فعل المجرمين او تبرير عملهم  تحت مختلف الذرائع والقيم الوضيعة او حتى الشك في الواقعة المثبتة اعلاميا بما لا يدع ادنى مجال للشك والريب وبخاصة في ظل حكومة ضعيفة ليست لها السيطرة على وسائل الاعلام او وسائل السيطرة على المجتمع والعبث بمكوناته لخدمة ديمومة السلطة المطلقة! وصفة الشك بالوقائع الموثقة مثيرة للانتباه ونابعة من تاريخ عريق في التزييف والتحريف!.
التكامل المفقود!
هذه العينة البسيطة من بحر العينات العشوائية هي تبين للجميع الحالة الملحة لربيع اخر بعد الربيع الاول يكون مكملا له حتى يتم استيفاء الشروط الموضوعية للثورة المتكاملة، وبدون ذلك فأن التكامل يبقى مفقودا وغير مستند على ارضية صلبة يقف عليها الجميع كوحدة بشرية راغبة في العيش بتمدن حقيقي وليس كما هو سائد الان من تمدن مزيف لقطعان بصورة بشر!.
ان الحاجة ملحة وضرورية لثورة اخرى تماثل في الادبيات الدينية جهاد النفس كي تهذب من الطبيعة الوحشية لتلك النسبة العالية التي قد تطيح بمنجزات ثورات الربيع العربي وبخاصة في دعوتها لتحرير الانسان والعمل على رفعته من المكانة الوضيعة التي يحياها والتي اظهرت قبحها بالمقارنة مع العالم المتحضر الذي تتصارع سلميا اممه الحرة كي يكون لها مكان في الساحة الدولية التي لا تقبل الجهلاء والمتخلفين وعباد الاجرام!.
اننا امام واقع لا ينبغي تجاهل مخاطر شذوذه الغير عقلانية لانها سوف تؤدي الى تدمير القلة الباقية من الشجعان الاحرار الذين يحاربون السلطة والمجتمع التقليدي لاقامة اساس مجتمع عادل وحر وسوي.
الربيع الاخر هو الثورة الراديكالية الثانية للثورات العربية المعاصرة...ربيعا يزيل آثار الدمار النفسي والقيمي ويؤسس لمرحلة جديدة من الحياة السوية التي ترفض كل عملا يخالف الروح الانسانية العالية.