إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/05/29

الموتى يحكمون الاحياء!

 الموتى يحكمون الاحياء!
يخطئ من يتصور ان الاحياء محكمون من قبل من يعاصرونه كأنظمتهم الحالية او ادوات السيطرة الشعبية!...كلا ان الموتى هم الذين يحكموننا بتنظيراتهم واعمالهم وذرياتهم!وما نحن الا سائرون في طرق ومسالك كتبت وفرضت علينا ان نسير فيها دون ان تكون لدينا القدرة على الاستئصال الجذري لاعمال السلف!...فبناء الحضارة الانسانية هو تراكمي نتيجة للجهود المشتركة من قبل الاجيال المتعاقبة.
لقد قيل ان الفكر لا يموت بالاستئصال الجسدي العنيف...وهذا صحيح بالطبع فالافكار لن تموت بموت صاحبها بل هي تبقى حية تنمو ككائن طبيعي يسعى للعيش ضمن بيئة تصلح لكل الافكار والرؤى،وعليه فأنه من الغباء الشديد محاربة فكر ما بأساليب بدائية وفي غاية الوحشية،والنتيجة النهائية ان تلك الاساليب المحكوم عليها بالفشل سوف تكون عوامل مساعدة في ادامة الفكر وليس القضاء عليه،بل الغريب في الامر ان اكثر الافكار شيوعا هي التي حوربت من قبل قوى تفوقها في العتاد والعدة!.
الفكر يضعف ويتلاشى اذا تمت مزاحمته من قبل افكار جديدة اقوى منه في متانة بناء النص التركيبي وقدرته على اعطاء الاجوبة الشاملة على كل ما يعترض سبيله من تحديات واشكاليات،وحينها يمكن ازاحته لاجل غير مسمى،وقد ينتهي به المطاف الى متاحف التاريخ كما حدث للكثير من العقائد والاديان والمذاهب والافكار البالية!.
الافكار والاعمال السابقة هي تركة من الموتى لكل الاحياء،وهذه التركة تبقى لتنمو اذا تم تبنيها من قبل معتنقيها او من لديه رابطة مشتركة،وعليه فأن الموتى سوف يتحكمون بنا من خلال تلك التركة الثقيلة ايا كان نوعها،ايجابا ام سلبا!...وليس من الخطأ بمكان تجاهل تلك الايجابيات فهي ناتجة من جهود بشر مخلصون لخدمة الانسانية ولم تأتي لفترة محددة نسبيا،ومن هنا فأن الفكر والسلوك سوف يكونان عاملان مساعدان لخدمة الحضارة الانسانية وتقدمها.
تحكم بعد الرحيل!:
ان يتحكم الانسان بمجموعة معينة من البشر بعد ان تمكن من السيطرة عليهم سواء اكان ماديا ام معنويا،فذلك ليس بالامر الغريب!وهي دلالة على مقدرة استثنائية بغض النظر عن طبيعتها...اما ان يتحكم بهم بعد رحيله بفترة قد تكون احيانا طويلة وقد تتسبب بموت الكثيرين منهم فذلك بالامر الغريب حقا،وقد يكون الاغرب عندما يتحكم بمجموعة من البشر ليست له معهم اية رابطة سوى الشراكة الانسانية!.
لقد تحكم الكثير من الموتى بقدر الكثير من الاجيال المعاصرة من خلال سريان افكارهم واعمالهم التي قد يكون بعضها غير مناسب اساسا لظروفنا المعاصرة!بل ان بعضهم اشعل حروبا ونزاعات حتى قيل في مثال صارخ على ذلك ان الحرب الاولى اشعلها او تسبب بجزء كبير من اخطائها شليفن القائد العسكري الالماني الذي توفي قبل اندلاعها ببضعة اعوام نتيجة لتخطيطه العسكري لتلك الحرب المتوقعة وفق خطته الشهيرة بأسمه!.
ليس مجال التأثير خاص بالحروب ايضا بل في اشعال الثورات والتمردات المسلحة!...فيمكن الاشارة الى تأثير روسو وفولتير في اذكاء نار الثورة الفرنسية بعد رحيلهما وقبل انطلاقتها بعقد من الزمن!... اما في حالة التأثير بدون رابطة،فالمثال واضح في تاثير ماركس على اندلاع الثورة الروسية وبالتالي تأثيرها على الانظمة الشيوعية التي حكمت اوروبا الشرقية مع بلدان اخرى في العالم الثالث كالصين وكوريا وفيتنام وكوبا الخ،بل وصل الامر في ذروة تقدم النفوذ الشيوعي في العالم الى ان ماركس ولينين كانا يحكمان نصف سكان الارض من القبر وفي دول لم يحلموا يوما ما في زيارتها او التعرف على احوالها!.
من اكثر الامثلة المرعبة عن تحكم الموتى وسياساتهم التي انتهى عهدها منذ زمن بعيد بمصائر شعوب كبيرة،هو المثال التركي!...فبعد رحيل اتاتورك عام 1938،تحكم بالبلاد اتباعه وبخاصة المؤسسة العسكرية تحت اسباب واهية منها انه بطل التحرير من احتلال الحلفاء،وهو امر مستغرب لانه واجب على كل انسان وطني اما ان نتركه يتحكم بنا على هذا الاساس فذلك مرفوض وبخاصة اذا كانت قدراته في القيادة المدنية والمستوى الفكري متدنية،هذا بالاضافة الى الادعاء بأن نهجه هو العصري لبناء البلاد التي بقيت متأخرة الى مابعد الالفية الثالثة حتى جاء الاسلاميون الجدد عام 2002 واستطاعوا تخليص البلاد بصورة تدريجية من هذا العبء السياسي المتخلف والثقيل،مما ادى الى تحرير البلاد من قيود الطغمة العسكرية وحلفاءها السياسيون الفاسدون وتحولت تركيا الى بلد ينمو بسرعة كبيرة في ظل اقتصاد عالمي متدهور واصبحت لها مكانتها العالية وكل ذلك بسبب التخلص من هيمنة ذلك الصنم المقدس تحت ستار كثيف من المبالغات والخزعبلات الفارغة!.
ان البلاد المتحررة من سطوة الموتى هي القادرة على النهوض والاستمرارية وفق متطلبات العصر الراهنة لا ان تعيش في ظلال الماضي بكل تفاصيله الغامضة والمربكة!.
موتى يحكمون ويتحكمون في العالم العربي!:
ليس هنالك مجال من الشك في ان العالم العربي لا يختلف في تلك النقاط المؤثرة عن العالم الخارجي، فالتأثير المتبادل هو امر طبيعي بين الامم والشعوب،ولكن تبقى درجات الاختلاف النسبية حول مدى قبول التأثير من عدمه! وكلما كان تأثير النخب المثقفة اكبر كان قبول التأثير اعظم!.
في حالة الانظمة الملكية التقليدية،فالجميع يتبع اسلاف تلك السلاسل الحاكمة وبصورة عمياء في الغالب!فالكثير من المؤسسين في الحقيقة هم لصوص وقتلة وغداري العهود والمواثيق وحفنة من الجهلة والفاسدين والاشرار! ولكن الظروف خدمتهم في حينها فتحكموا بالبلاد والعباد سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة وأورثوا ذلك المنهج الدموي الى الذرية المخلصة!ويمكن قراءة التاريخ لتبيان الامر بصورة اكثر تفصيلية للحصول على بشاعة الاستدلال والاستنتاج!ولكن يبقى السؤال من المحكومون من قبل هؤلاء قادرون على التمييز ليتسنى له القبول والرفض ولو على مستوى الفكر؟!.
اما في حالة الانظمة الاخرى،فالامر مشابه مع اختلافات طفيفة!...فتأثير الناصرية مازال مؤثرا وبشكل واضح على قطاعات واسعة من النخب المثقفة او الطبقات الشعبية بالرغم من الضعف الواضح في الاصول الفكرية او التاريخ السيء للحكم المتبع لها!...وايضا بعض التيارات القومية او الانعزالية التي سادت لفترة من الزمن وضعفت بعد ذلك نتيجة لعدم وجود قوى مادية او متسلطة تساعد على ديمومتها!.
ليس التحكم وقفا على السياسة بل تفرع الى ابواب اخرى ومنها الادب والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس الخ...ففي الاقتصاد على سبيل المثال كان التأثير بارزا على المجتمع الغربي من خلال شيوع افكار كينز منذ ان طرحها في عقد الثلاثينيات،واصبحت مدرسته الفكر الاقتصادي هي السائدة حتى نجاح الفكر الليبرالي المضاد بزعامة ميلتون اواخر عقد السبعينيات في ازاحتها لثلاث عقود تقريبا!.
وفي علم النفس شاعت افكار فرويد واصبحت هي المهيمنة على اغلب الدراسات العلمية التطبيقية لفترة طويلة من الزمن حتى بعد رحيله،اما في الادب فقد اصبح بعض الادباء مدرسة بحق واصبحت نصوصهم هي المفضلة بالاضافة الى التأثير البارز على شيوع تلك الافكار وأثرها في التغيير ولو نسبيا في السياسات الحكومية،مثل غوركي وباسترناك وشولوخوف وتولستوي وديستوفيسكي وغيرهم في روسيا،والسلسلة الطويلة من الادباء في بريطانيا وامريكا وفرنسا والمانيا وغيرها من دول الغرب.
اما في الفلسفة فتأثيرها واضح بدون ادنى شك،فقد لعبوا ادوارا خطيرة تتناسب ومقدرتهم التنظيرية العالية المستوى في بناء اسس مجتمعات متعددة،والفلاسفة الاغريق والغربيون وبعض فلاسفة الشرق وبخاصة المسلمون منهم لعبت آثارهم دورا مهما ومازال التأثير واضحا بالرغم من مرور قرون على رحيلهم،ولسنا بحاجة الى توضيح تفصيلي هنا لان الكتب والموسوعات الفلسفية تكفلت بتفصيل ذلك!.
ان يتحكم بالبشر موتى تركوا آثارا جبارة ساهمت في النهضة الكونية فذلك امر مقبول ومستحسن لدى الكثيرين وان كان الافضل قبول مبدأ المشاركة النسبية،اما ان يتحكم بنا مجموعة من القتلة واللصوص والمنحرفين بشتى الوسائل فذلك امر مرفوض لا يمكن ان يقبله عقل انسان سوي!...وحينها وبعد اجراء عملية التمييز والتفاضل،يتم بعدها اثارة النقاش حول مدى نسبية التحكم المفيد بعد غربلته من آثار الماضي الاسود!.
في النهاية وللحفاظ على التوازن بين حقوق الماضي والحاضر ومادام مفروض علينا الخضوع لقاعدة التحكم من بعد والتي تمارسها اجساد غائبة عن الحضور الحالي،ينبغي السماح وفق مساحة نسبية معينة حتى لا نكون تقليدين بصورة مطلقة ولا نستطيع حينها الحركة بدون اشارة ولو بسيطة من ادوات الآثار الباقية،ولا نستطيع حينها ان نبدع كي نوصله للاجيال القادمة ايضا!.





2012/05/20

في سياحة الكتب 13

في سياحة الكتب 13:
تعدد القراءات وتنوعها هي ضرورة لاغنى عنها ولا يمكن تجاهلها بأي حال سواء للقارئ العادي او المتبحر ووفق مختلف المستويات...فهي من ناحية تكسر الروتين العقلي المدمر وتوسع في المدارك في مختلف الاتجاهات لتنتهي في مستودع لامثيل له في المواصفات والمزايا يقود صاحبه الى اعلى الدرجات القيمية ويصبح ذا مقدرة هائلة على الاستنباط والاستقراء.
لقد اصبح التداخل بين المعارف والعلوم الى درجة اصبح التصنيف عبئا لا يستطيع القيام به من يملك ملكة التعبئة والاخراج،كما ان هذا التداخل اصبح مؤشرا ليس فقط على استيعاب كامل بل وامتلاك قدرة هائلة على الانتاج والعطاء والابداع في اعلى المستويات التعريفية.
يمتلك العقل الانساني القدرة الفائقة على الاستيعاب المتنوع،وتحجيم وتقييد تلك القدرة هو ضرر وسوء تدبير وتطبع،وعليه فأن التنوع في القراءات يمنح الفرد المقدرة على المواجهة والتصدي للظروف المعاكسة وبطريقة يمكن ان تجنب صاحبها من الوقوع في المشاكل والخضوع للاخر مهما كانت درجته المعرفية،فالاستقلالية الموضوعية هي المنتهى والهدف الاسمى!.
الكتاب الاول: رحلة الارواح...دراسات لحالات
تأليف: د.مايكل نيوتن...ترجمة نبيلة يوسف الفقيه،والكتاب طبعة لبنان عام 2008 عن الاصل الصادر عام 1994 ويتألف من 312 ص من القطع المتوسط.
الكتاب علمي نادر في موضوعه يتناول بطريقة موضوعية انتقال الارواح من الاجساد بعد وفاتها عن طريق عمل التنويم المغناطيسي!...فمن الامور المحيرة لدى الانسان ان عليه ان يكبح شعور الخوف من الموت عنده ليحيا حياة طبيعية،ولو كان الموت نهاية كل شيء يخصنا لكانت حياتنا بلا معنى ولكن الايمان الديني او النفسي تجعلنا نحن البشر ندرك بوجود عالم آخر ابدي،ولذلك فأننا نشعر بصلة مع قوة عليا وحتى مع روح ابدية لاننا نملك روحا بلا شك،ولذلك السؤال يطرح نفسه اين تذهب بعد الموت؟وكيف تنتقل الى العالم الاخر؟...الخ من الاسئلة المحيرة التي يعجز الانسان عن وضع اجابات دقيقة ومطلقة...وهذا الكتاب هو وصف لعالم الروح،وهو يزودنا بسلسلة حالات واقعية تكشف بتفاصيل واضحة مايحدث لنا عندما تنتهي حياتنا على الارض...وطريقة المؤلف وهو دكتور امريكي في علم النفس العلاجي ومؤهل في التنويم المغناطيسي هي الحوار مع مرضاه بعد تنويمهم مغناطيسيا وطبعا بالاتفاق معهم،لدراسة حالاتهم المرضية او النفسية بعد خروج الروح من الجسد او من خلال سرد الذكريات الاليمة...والعينات الموجودة في ثنايا الكتاب هي متنوعة وتشمل مجموعة من البشر ليس بينهم رابط معين مما يعطي البحث قيمته العلمية الموضوعية،وبالنظر لكون المؤلف بأعترافه انه مشكك،ولذلك فأن بحثه المستمر هو للدلالة على وجود عالم آخر كذلك في حالة المعالجة النفسية التي ترتبط بحاجة المريض.
بالرغم من ان الحوارات المتداولة احيانا مملة نظرا لتكرارها الا ان المؤلف يذكرها نظرا لان الخفايا العلمية الدقيقة توجد من خلال الاتفاق العشوائي مما يعطي لها قوة مادية جسيمة،وعليه فأن الصبر على جفاف الموضوع رغبة في الحصول على معرفة علمية ولو بسيطة هي الدافع القوي لدى القارئ المتحمس لتلك المواضيع التي يختص بها عادة المحترفون بينما ينشغل الهواة في تداول المعلومات الخرافية الغير دقيقة كأحد وسائل التسلية!...البداية كانت بغير ذلك النهج!فهو كان يعالج البعض من آلامه حتى حدث الاكتشاف الهائل كما يصفه عندما نستطيع رؤية عالم الروح بعين الفكر عندما يكون الشخص واقعا تحت تاثير التنويم المغناطيسي بحيث يمكنه اعطاء تقرير عن الحياة في فترة مابين الانتقال على الارض!.
كيف الوصول الى الروح من خلال التنويم المغناطيسي؟...العقل مكون من ثلاث دوائر متحاضنة وفي ثلاثة احجام مختلفة القطر ومنفصلة عن بعضها فقط بواسطة طبقات الوعي العقلي...الطبقة الخارجية الاولى هي العقل الواعي والذي هو مصدر التفكير النقدي والتحليلي،اما الطبقة الثانية فهي اللاوعي، الذي ندخل عبره الى المخزن الذي يحمل كل الذكريات على الاطلاق،اما الطبقة الثالثة والتي هي الموقع الاساس للذكريات،فنطلق عليها الان أسم عقل الوعي الفائق،وهذا المستوى يكشف اعلى مركز للنفس،حيث يشكل تعبيرا لقوة عليا.
اما ما مدى صحة الحقائق التي تنكشف بالتنويم المغناطيسي؟ فيمكن القول ان الاشخاص الذين يقعون تحت تأثير التنويم المغناطيسي ليسوا حالمين ولا مهلوسين،لاننا عندما نحلم،يغيب التسلسل الزمني عن مشاهد الحلم،ولا الهلوسة تحدث خلال حالة غيبوبة موجهة لانه تخف لدى الانسان تموجات الدماغ في مرحلة الوعي الاولى ويستمر تغيير الموجات عبر مرحلة التأمل،ففي حالة التنويم ينقل الفرد الصور التي يراها والحوارات التي يسمعها في عقله غير الواعي،حرفيا وعندما يسأل الفرد لا يستطيع الكذب،ولكن من الممكن ان يفسر خطأ احيانا بعض الصور التي رآها في اللاوعي كما يحصل احيانا في حالة الوعي ذاته!وأثناء التنويم،يصعب على الاشخاص التفاعل مع اي شيء لا يؤمنون بأنه حقيقة.
التقاء الارواح فيما بينها هو نتيجة فعلية للتجارب التي اجراها على العينات،فبالرغم من حالات الاختلاف بين الاشخاص الا ان مساحة الالتقاء كبيرة بدرجة لا يمكن تغافلها وبخاصة رؤية الكثير ممن نحمل معهم ذكريات سواء اكانت فرحا ام ألما،كما ان الاقارب والاصدقاء يكونون على مقربة في الانتقال الى العالم الاخر خاصة في ظل الخوف من المجهول مما يخفف من حالة المسافر!.
يحمل الكتاب الكثير من العلوم والدروس والعبر كما يضع المؤلف في النهاية خاتمة بديعة على اكتشافاته العلمية الرصينة وبخاصة في المجال الروحي الذي كان يهمله في السابق!.
الكتاب قيم بلا شك وهو حصيلة تجارب تطبيقية من عالم كبير في علم النفس،وهو جدير بالقراءة والاقتناء والاستفادة من المعارف العلمية في نصوصه المختلفة.
الكتاب الثاني:شهادة صدام حسين للتاريخ.
تأليف:لجنة الاعداد والترجمة،والكتاب مطبوع عام 2010 في القاهرة ودمشق لدار الكتاب العربي! ويتألف من376 ص من القطع الكبير.
الكتاب حسب ما مذكور هو وفقا للاستجوابات السرية الامريكية ومحاضر المحاكمات التي اجراها الامريكيون مع الديكتاتور السابق بعد القاء القبض عليه.
من خلال قراءة النص الموجود في الغلاف الخلفي للكتاب يتبين الهدف الحقيقي من نشره مع ميول الناشرين ومستواهم الثقافي والادبي...فحسب قولهم ان صدام يشرح فيها تاريخه كقائد للعراق ويرد على اسئلة امريكية وقحة...والعبارة الاخيرة وردت بلون مختلف في الكتاب وكأنها فعلا حقيقة!وبعد البحث في الكتاب لم اجد اي سؤال وقح ابدا!! بل اسئلة بسيطة جدا ويمكن ان يسألها رجل الشارع بدلا من المحققين المحترفين،ولو كان هنالك تحقيق جدي وصارم مع صدام كما كان يفعله مع معارضيه سواء من قبل الامريكان او العراقيين المكبلين بقيود المراقبة الدولية لاكتشفنا الكثير من الاسرار المروعة التي يحملها هذا الديكتاتور الوضيع الذي لا يعرف غبائه ولا مستوى وضاعته الا من اقترب منه وهو مخالفا لسلوكه المشين!.
على الاكثر ان سلوك الامريكان في التحقيق مع صدام يدل على تجاهل واضح له ولكل من عمل معه! لانهم يعرفون الكثير من الحقائق التي هي بالاساس خافية على هذا الصعلوك الوضيع كغيره من الطغاة الذين رعتهم امريكا وحلفائها فترة من الزمن وعندما انتهى دورهم رمتهم في مزابل التاريخ ملعونين من قبل شعوبهم الجريحة،حتى بدون ادنى تعب لاستخلاص المزيد من الحقائق عن فترة حكمهم السابقة!..
الغريب في الكتاب ان صدر عام 2010 اي قبل حدوث الثورات العربية في القاهرة ودمشق من نظامين مختلفين في الاتجاه ولكن متشابهين في المنهج الديكتاتوري الفاسد!والمشترك الاخير هو الذي وحد النظامين مع بقية الانظمة العربية الاخرى في خندق واحد مع زميلهم صدام ونظامه البائد والدفاع عنه بالرغم من خلافاتهم العميقة والتي دفعت ثمنها الشعوب العربية المستضعفة!.
الكثير من الادعاءات الموجودة فيه يستخدمها فلول نظام صدام للتبرير للجرائم والفساد والانحراف في تاريخهم وسلوكياتهم ومن يسير على منهجهم المنحرف وعليه فمن السخافة حتى الرد عليها!... والغريب انها اصبحت مكررة مع فلول نظم ساقطة في العالم العربي مما يدل على المستوى المنحط للتربية والسلوك لاتباع تلك الانظمة التي انتهى عمرها المفترض منذ فترة طويلة!.
من المؤلم حقا ان نجد هذا الطاغية وأمثاله من الطغاة المطرودين ممن يقوم بالدفاع عنهم بوقاحة غير متناهية بينما لم نجد اشكالهم القبيحة تقوم بنفس الواجب القانوني والاخلاقي اثناء تعرض ضحاياهم الى الابادة والتعذيب!...ومن يدري فقد تكون تلك حسنة جديدة للتعرف على امثال هؤلاء الساكنين بين اظهرنا حتى ننبذهم ونحجر عليهم بعد ان فشلنا في اصدار قوانين صارمة كما فعلت اوروبا بعد الحرب الثانية في منع الاشادة والدعاية للافكار الفاشية والانظمة الراعية لها والتي تسببت في دمار القارة العجوز!...
الكتاب هزيل بشكل لا يصدق فالمعلومات الواردة فيه والتي ذكرت من قبل صدام متداولة في وسائل الاعلام حتى قبل سقوطه ولم يذكر شيئا جديدا ابدا يمكن حتى الاشارة اليه على انه كشف جديد يضاف للتاريخ، بل ان الموجود فعليا هو اكثر دقة وتفصيلا مما هو مذكور،ولكنه يبقى ضمن حالة دفاع المجرمين المحترفين عن جرائمهم الموثقة بوسائل بعيدة عن الحدث ذاته! وعليه فهو محاولة بائسة من قبل فلول هذا الديكتاتور في العالم العربي والمدعومين من قبل انظمتهم القمعية كوسيلة مشينة لابعاد شبح التغيير الفعلي كما حدث في العراق بعد عام 2003.
الكتاب لا يستحق ادنى اشارة للقراءة او الاطلاع بل يهمل،ومن يريد التأكد فالوثائق المنشورة فيه هي متداولة على شبكة الانترنت بل منشور اسرار اكثر قيمة بمراحل عديدة وبالتالي الاولى توفير الوقت والجهد لمطبوعات ونصوص اخرى اكثر دقة وموضوعية من تلك التفاهات المنتهية الصلاحية!.
لقد انتهى عصر الطغاة وتبرير جرائمهم بأي عذرا كان،وبدأ عصر الحرية والانفتاح واحترام الحقوق المدنية لكل فرد مهما كانت درجته ومستواه فالمقياس هو انسانيته المقدسة!...





2012/05/01

في سبيل عالم جديد

في سبيل عالم جديد:
عندما انتهت الحرب الباردة رسميا في عام 1990 بأنتصار المعسكر الرأسمالي ظهرت عبارات والفاظ ومصطلحات عديدة تواكب المرحلة الجديدة من التاريخ العالمي...ومن اشهر تلك المقولات هي النظام العالمي الجديد!وبالطبع حسب مفهوم القوى العالمية المنتصرة!وقد اختلفت التفسيرات حوله وان ركزت على سيادة الحرية الفردية واقتصاد السوق الحر وايضا نهاية نظام الاستقطاب العالمي المرتكز على قوى متعددة،والتحول نحو نظام القطب الواحد!مع قبول القيم الغربية بمجملها.
لكن الواقع الجديد المستند على حوادث اكثر من عقدين من الزمن،اظهرت ان اغلب تلك الالفاظ والمصطلحات لم تلائم الواقع العالمي الجديد بل جعلتها جوفاء خالية من الدقة بالرغم من استنادها الى براهين مستمدة من قراءة علمية ولكن تخمينية وليست يقينية!.
لقد ظهرت في العالم المعاصر بالطبع قيم ونظم جديدة تناسب الواقع الراهن المستند على تغييرات تكنولوجية بالغة الدقة وذات اثر عظيم في مجمل الحياة الانسانية،ولكن الغريب ان تلك الوقائع والمفاهيم الجديدة لم تؤثر بصورة فعالة على التركيبة القديمة للنظم الحياتية بل البعض منها أثر بصورة سلبية وولد نتائج كارثية!.
فقد ارتفعت حدة التوتر الدولي الى درجة مخيفة ولم يضع النظام العالمي الجديد اي قيود لانتشارها وتوسعها وظهرت من جراء ذلك عوامل جديدة كانت ضعيفة التأثير في الماضي!...فقد حل الصراع القومي والديني والمذهبي في المراتب الاولى بدلا من الصراع الاستعماري والطبقي والايديولوجي الذي ميز القرنين الماضيين!.
فبعد ان ابعدت اوروبا عنها الايديولوجيات القومية المتعددة من مناهجها الفكرية وساحاتها السياسية بعد ان تركت للجميع تاريخ دموي من الصراعات المختلفة في القارة،تحولت نحو الديمقراطية الليبرالية المنفتحة على الجميع والذي كسر الحدود السياسية وكانت النتيجة رائعة ومذهلة في نفس الوقت والتي تمثلت بالنهوض الاوروبي الجماعي الذي اهمل الماضي وتبعاته الى بناء مستقبل زاهر تنعكس ثمراته على الجميع...ولكن الجهد الاوروبي المشترك لم يوازيه جهد آخر منهم في دعم نفس التحول الديمقراطي الحر في العالم الثالث بل العكس استمر دعم الانظمة الديكتاتورية الفاسدة التي جعلت من نفسها حارسة للمصالح الغربية التي بقيت فوق الاعتبارات الانسانية والاخلاقية والظاهر ان العالم الغربي لم يتخلص من تبعاته استعماره للعالم الثالث!وكانت النتيجة في النهاية مروعة جعلت الغرب يراجع نفسه وان كانت المراجعة بطيئة وخجولة،فقد ظهر طوفان بشري لاجئ مع ظهور اعداء جدد يتمثل بمتطرفين يمارسون الارهاب المتعدد الجوانب كرد فعل على السلوك الوحشي لانظمتهم وداعميهم في الخارج! كما ان الغرب اهمل اغلب النداءات والدراسات والتي من بينها تقرير برانت عام 1980 القاضي بضرورة دعم العالم الثالث كوسيلة لدعم الازدهار الغربي ذاته واخراج العالم من الازمات المتعددة الناتجة من ضعف التنمية الاقتصادية والثقافية!والبدء بتأسيس عالم خال من الفقر والطغيان والفساد،لكن جهود المخلصين ذهبت سدى فقد رفض قادة القوى الكبرى الانصات ومن بينهم ريغان الذي رفض نتائج التقرير كما ان تاتشر رفضت حتى مجرد قراءته!!.
بعد رفض اوروبا لكل الايديولوجيات القومية التي سببت المآسي لها،انتقلت بصور متعددة ومثيرة للانتباه الى العالم الثالث لتمارس دورها البشع في التفريق بين البشر وفق اسس فكرية هزيلة مدعمة بقوى ارهابية انقلابية سلبت الحكم وحولته الى آلة ملذات جهنمية قاتلة تحت ستار كثيف من التزييف العقلي وتحت رعاية وعناية الامم الغربية!.
كان من المفروض من بناء النظام العالمي الجديد هو تقليص عدد الدول الوليدة الناشئة من الصراعات الداخلية من خلال الدخول الى بوتقة التكتلات الدولية الكبرى التي تزيح الحدود الجغرافية السياسية،ولكن النتيجة كانت عكسية بمقاييس مرعبة دلت على ان النظام الجديد هو ما هو الا منهج فكري تسلطي يؤسس لطريق التقسيم والفصل من المنهج القديم المسمى فرق تسد ولكن برداء عالمي مستحدث!...
الصراعات القومية والعرقية افرزت لنا دويلات جديدة فاقدة حتى لاسم مختلف عن اوطانها الاصلية ولو من اشتقاق لغوي!ومن يدري فقد يستمر التفريخ الدولي الى مالانهاية بدلا من الانحسار والوحدة! ولكن الغريب ان الغرب يبذل اقصى ما في وسعه لمنع اي انقسام داخلي من خلال نشر العدالة والحرية التي تخنق دعوات الانفصال!.
لقد اظهرت المذكرات السياسية والوثائق المسربة وبخاصة عن الفترة التي تلت الحرب الباردة ان النظام السياسي العالمي هو نظام منحرف بشكل لا يصدق،وتمارس فيه كافة اساليب البيع والشراء ضمن قواعد لااخلاقية او انسانية وتستباح فيه الشعوب بطريقة مقززة ودالة على سيادة شريعة الغاب والخداع!.
بعد مرور عقدين من الزمن وبعد دخول العالم مرحلة الربيع العربي،فأن مقولات النظام العالمي الجديد وفق منظور الرأسمالية الغربية قد سقطت بعد ان فقد شرعيته وحيويته من خلال النزاعات الدولية الدموية وانتشار الفساد والطغيان،واصبحت الحاجة ماسة لبناء عالم جديد يستمد حيويته من فكر انساني متعدد الاتجاهات والرؤى ويخضع لضوابط اخلاقية وقيم انسانية مشتركة لا يمكن التهاون بتطبيقها كما يؤسس الى منهج الوفاق الانساني الذي يرفض الحروب والحصار ومهادنة الطغاة كما يمهد الطريق لمشاركة الامم المستضعفة في بناء الحضارة الانسانية الجديدة التي تواجه مشكلات كبيرة يهدد بعضها بفناء البشرية برمتها!!.
ان الخروج من هذا المأزق الذي طال امده لا يكون الا بتحويل الصراعات الدولية والاقليمية والمحلية الى صراعات سلمية تنافسية في سبيل بناء حضارة عالمية جديدة خارجة من الوحول السياسية الفاسدة،وترتكز على اسس قوية لا يمكن النفاذ منها مجددا!...