3- اجتثاث الفاشية:
اصدرت هيئة المسائلة والعدالة قرارا استبعدت فيه بضعة مئات من المرشحين الذين ثبت انتمائهم لحزب البعث المنحل،وهو القرار الذي شمل المنتمين بغض النظر عن انتمائاتهم الدينية او العرقية...وفي استطلاع لشبكة البي بي سي حول هل هذا القرار يشكل انتهاكا للديمقراطية،اجاب حوالي 66% بنعم!!...والباقي 34% بكلا ...والشبه المؤكد في الاختيارين ان المجموعة الاولى تضم اغلبية من غير العراقيين،والثانية تضم اغلبية من العراقيين...
نسبة الثلثين هي كارثية بلا شك وهي تعطي نتيجة ليس فقط عن ضعف شديد في معرفة ظروف تأسيس هذا الحزب الفاشي وكيفية حكمه الدموي،وانما تعطي ايضا دلالة واضحة على جهل كبير في ابسط قواعد الديمقراطية الحقيقة التي من ابرز قواعد نجاحها هي الانتماء لها نظريا وعمليا!... ويمكن كذلك معرفة الكثير من التجارب الناجحة السابقة من خلال قراءة التاريخ بصورة شبه اجمالية وليست تفصيلية وبدون الحاجة الى خبرة معرفية قادرة على الفهم والادراك...
ان هذا الحزب الفاشي هو لا يقارن بالحزب النازي في المانيا او الفاشي في ايطاليا لكون هذين الحزبين برغم الرفض الشديد لهما فأنهما يملاكان منظومة فكرية عميقة وليست كمثل الفكر البعثي الفقير والذي كان مثال التندر والسخرية من قبل الشيوعيين اعدائهم التقليديين اثناء الصراع بينهما،كذلك فأن النازي والفاشي كانا يملكان قاعدتين شعبيتين عند السيطرة على الحكم بينما لم يملك حزب البعث اي قاعدة بل كان يضم بضع مئات وقفز على السلطة بمعونة المخابرات الغربية لخدمة المصالح المشتركة بينهما حتى وقوعه في الاخطاء التي استحق عليها عقوبة الحرب والحصار والازالة من السلطة التي كان يبذل الجهود والتنازلات من اجلها وكان مستعدا لابادة الشعب في سبيلها!...
وبرغم تلك المقارنة البسيطة بينهما فأن التجربة الديمقراطية في المانيا وايطاليا لم تنجحا الا بمنع الحزبين النازي والفاشي،فكرا واشخاصا من المشاركة السياسية لان الفكر العنصري الديكتاتوري لن يعترف نهائيا بالعملية الديمقراطية ولكنه يستخدمها وسيلة للقفز على السلطة من جديد ويمكن الاستدلال من خلال قراءة واعية لادبيات الحزبين للوصول الى تلك النتيجة،بينما في حالة الاشخاص تكون حالة المنع اقوى لكون هؤلاء ليسوا فقط متشبعون بالفكر الديكتاتوري العنصري وأنما ايضا ايديهم ملطخة بالدماء او بالاموال المسروقة وبالتالي فأن الحالتين لن تكونا بعيدتين عن السلوك المستقبلي لهؤلاء الملطخة ايديهم ...ثم ان ذلك هو جريمة كبرى بحق الضحايا والمضطهدين من جميع النواحي،الدينية والادبية والاخلاقية وبالتالي فأن ذلك ايضا مزاحمة للمضطهدين والشرفاء على العمل السياسي! ولذلك نجحت التجارب الاوروبية في الحكم الديمقراطي نتيجة لاستبعاد الاحزاب الفاشية والعنصرية من العمل السياسي مما مكن شعوب تلك البلاد ان تستعيد وعيها وعافيتها المنهكة لتجد نفسها في طريق جديد كله امل وعمل وليس في اعادة طريق النضال السياسي من جديد مما يعني ضياع جهود البناء واعادة الحياة للبلد المدمر...
ولذلك فأن السماح للبعث والبعثيين في العمل من جديد هو معناه اعطائهم الفرص للقفز على السلطة من جديد واعفائهم من الاثار الاجرامية التي احدثوها في صفوف المجتمع العراقي والمجتمعات المجاورة له!...
ان الاستناد الشعبي العربي في الاختيار هو متأثر بالدعايات السياسية والمذهبية الى حد بعيد دون ان يعي حقيقة الامور وان يقدر حجم الضحايا والدمار الذي حصل من جراء عصابة المافيا البعثية خلال اربعة عقود من الزمن!...هذا يعني ان الوعي الشعبي العربي يحتاج الى الكثير من الجهود للخروج من تلك المستنقعات الفكرية الاسنة حتى يستطيع ان يقدر ظروف الاخرين ثم يحاكم ويحاسب حكامه الذين لايختلفون عن حكام البعث السابقين سوى بالاساليب او بحجم الجرائم!...ان بقاء ذلك الوعي في تلك القوالب المتخلفة يؤدي الى خروج المزيد من التيارات المتطرفة التي لا تستغل قدرتها الارهابية في تحرير شعوبها لكونها بلا فكر منهجي متين يمكن لها استقطاب الغالبية الساحقة من المسحوقين وتوجيههم لغرض زرع الوعي الثقافي الذي يجعلهم يرفضون اي حكم مفروض لا يحقق العدالة والتنمية للبلاد...رغم ان المسؤولية هي مباشرة على الكوادر الطليعية لكل شعب الا ان الكوادر العربية المتقدمة مازالت منشغلة في خلافاتها البدائية التي تجعل اعدائهم الحقيقين في مأمن عن المسائلة والعدالة التي تواجدت في العراق!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق