بقي النظام في ولائه للغرب وكان بورقيبة من اوائل القادة العرب الذين دعوا الى تسوية سياسية سلمية للقضية الفلسطينية مما جعل سمعته تتدهور بشده في مناخ سائد في العالم العربي كان يدعو الى التحرير الكامل لفلسطين،ثم تغيرت بوصلة القيادة التونسية الى ضيافة منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من بيروت عام 1982 ! وهذا التغير في السياسة العليا للدولة هو سمة الانظمة العربية التي تخضع لمزاج الحاكم ورغباته المكبوتة والعلنية! ولم يكن ذلك مقتصرا على شق واحد دون آخر، ففي عام 1974 عقدت وحدة اندماجية غير مدروسة بين تونس وليبيا تحت اسم الجمهورية العربية الاسلامية التي لم تستمر سوى يوم واحد فقط! رغم ان بورقيبة كان يستخف بالقذافي وتفكيره الشاذ مع العلم ان بورقيبة نفسه كان يرفض الصفة الاسلامية لنظامه فكيف يعقد اتفاقية وحدة وبذلك الاسم مع ليبيا ؟!... ورغم منحه رئاسة الدولة الجديدة الا انه رفضها لاسباب ذاتية قد يكون بعضها ناتجا من ضغط المحيطين به كما تذكر بعض المصادر!...فبتلك العقلية المزاجية كانت تدار الشعوب ويتم التحكم حتى بأبسط حقوقها الدينية والمدنية !...
من اغرب تصرفات بورقيبة هو اعلانه لنفسه رئيسا مدى الحياة! ورغم كبر سنه فأن سيطرة افراد اسرته كانت واضحة وبشكل فاضح! وخاصة ابنه وزوجته الثانية التي طلقها هي الاخرى عام 1986 بعد ان اتهمها بالتدخل في شؤون الدولة رغم مرور ربع قرن تقريبا على الزواج والتدخل ايضا! وكذلك المقربين الاخرين وخاصة من حزبه الحاكم كما اشتهرت اجهزة النظام بالفساد المستشري وبتخلف البلاد في مختلف النواحي وبذلك ثبت فشل الحكم ونظرياته السطحية والمتقلبة في الحكم وادارة البلاد...
اصبح بورقيبة نتيجة لكبر سنه خرفا ومريضا وخاضعا لزمرة المحيطين به!حتى اصبحت قراراته مضحكة للجميع (تلك النهاية طبيعية للمتفرعنين!)،فقد كان يغيرها بأستمرار واحيانا خلال فترة قصيرة جدا رغم استمرار تشدده في اعدام المعارضين له فقد كان نتيجة لمرضه يصدر الاوامر بالاعدام مرتان او بالتعيين وبعدمه في اليوم التالي !،ونتيجة لذلك الوضع السيء اصبح انقلابات مزاجه على المقربين منه شيئا طبيعيا ومخزيا بحق الدولة! فكان الهروب الشهير لرئيس وزرائه محمد مزالي عام 1986 سيرا على الاقدام الى الجزائر المجاورة بعد ان احس بقرب نهايته رغم خدماته الكبيرة للنظام !وحينها اصبح الطريق ممهدا لانقلاب امني يقوده وزير الداخلية زين العابدين بن علي!....
الرئيس الثاني:زين العابدين بن علي(1936-):
كان هذا الرجل ضابطا امنيا في اجهزة النظام لفترة طويلة،لم يكمل دراسته!ولكن احد اقربائه من الضباط الامنيين ساعده في ارساله الى دورة خارج البلاد وبالتحديد امريكا،وحسب العديد من المصادر فأنه جند خلال تلك الفترة للعمل لصالح اجهزة الاستخبارات الامريكية!ولكن بعد عودته الى تونس تدرج في العمل الامني والسياسي وكان احد المسؤولين الامنيين الذين توجه لهم تهمة الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان ،حتى تسلم في اخر الامر وزارة الداخلية عام1986 قبيل الاطاحة برئيس الوزراء مزالي،ولم يمضي في المنصب سوى عام ونصف حتى اختير في تشرين اول 1987 رئيسا للوزراء مع احتفاظه بالداخلية،فاستغل الموقف الصحي المتدهور للرئيس الخرف فقام بأنقلابه المشهور عليه في 7 تشرين الثاني 1987 دون ان يتجرأ احد من قبل، من خلال اصدار تقرير طبي ينص على عدم مقدرة الرئيس الصحية والعقلية في مزاولة عمله المعتاد رغم ان هذا الشيء معروف عن الرئيس منذ زمن بعيد وهو الذي يرفض الاستقالة حتى الموت!...فكان هذا الانقلاب يمثل احد اساطير التغيير الفوقي من خلال الطبقة الامنية التي هي جزء من التكوين الفوقي للمجتمع ولم يكن للخيار الشعبي اي دور فيه مما جعله بعيدا عنه ولكن الانقلاب بقي مستمرا في نفس النهج الحكومي ولكن بأسلوب جديد يلائم العصر،يختلف في الشكل ولكن يتفق في المضمون!...
قام الرئيس الجديد بسلسلة من الاجراءات المعتادة لكل زعيم مستبد جديد من خلال اطلاق سراح السجناء وتخفيف القيود السياسية والامنية والادعاء بالسماح للقوى السياسية المعارضة بالعمل العلني تمهيدا للانتخابات التي جرت عام 1989 وفاز الرئيس بالاغلبية المطلقة ثم تكرر فوز الرئيس في الانتخابات الاخرى وكانت اقل نسبة حصل عليها الرئيس بن علي هي 94% عام 2004 بعد ان غير مواد الدستور لصالحه عدة مرات كي يستمر في الحكم بدون سقف زمني محدد او صلاحيات تقيده عن الحكم المطلق !...
لم تتغير الاحوال في البلاد بعد الانقلاب رغم ذلك فقد صدق اكاذيب الحاكم الجديد عددا كبيرا من المعارضين وطبقات المجتمع الاخرى!،ولكن بعض الوجوه الحاكمة قد تغيرت،فبقيت المعارضة مسحوقة في الداخل ومن كان محظوظا فقد هرب بجلده الى الخارج مرة اخرى ،وبقي حزب الرئيس السابق والحالي مسيطرا على البلاد والحياة السياسية بنفس الطريقة القديمة والمتخلفة مع استمرار حالة الفساد والتي لم ينجو الرئيس منها(قدرت مجلة فوربس الامريكية ثروته ب5 مليار دولار!) كما هيمنت اسرته وخاصة زوجته الثانية واقربائه وحاشيته على الاماكن الحساسة في الدولة واصبح نفوذهم كبيرا دون ان يجد اي مقاومة شعبية بسبب خبرة النظام الامنية الطويلة والتي يعرف بمهارة كيف يمنع الاضطرابات قبل وقوعها ناهيك عن استئصال كل المعارضين وخاصة من يتعرض للنظام ورئيسه بكلمة فضلا عن عمل ممكن ان يسبب احراج امام الرأي العام العالمي....
سياسة النظام التونسي في خرق الحريات الدينية والمدنية لشعبه بقيت هي في اعلى درجاتها بالمقارنة مع نظم عربية اخرى،فمازال الحجاب ممنوعا في معظم مرافق الدولة ! بل وكل مظاهر العبادة والتدين رغم ان الاغلبية الساحقة هي تتبع الدين الاسلامي وبالمقارنة مع شبيهه النظام العلماني التركي الذي خفف من اجراءاته القمعية من خلال تخفيف القيود على الحريات الشخصية بغية الدخول في الاتحاد الاوروبي!لم يخفف النظام التونسي من اجراءاته في حربه الشعواء على الحريات والمعتقدات الدينية، ورغم انشغال الكثيرين في العالم الاسلامي بأخبار الجاليات المسلمة في اوروبا وما يتعرضون له احيانا من تحرش او تمييز فأن الجميع يتغافل عما تفعله الكثير من النظم المستبدة الحاكمة في بلاد مسلمة مثل تونس رغم الفوارق الواسعة بين الحالتين !...
بقيت البلاد على حالها في تخلفها السياسي والذي يؤدي بدوره الى تخلف اقتصادي،ورغم ما يقال عن استقرار سياسي للبلاد وعن استمرار حالة النمو الاقتصادي وتخفيف من نسبة الفقر،فأن تلك الرؤية تكون غير ناضجة بل وتعتمد في رؤيتها على السطحية دون الولوج الى المضمون من خلال رؤية نظم اخرى سقطت رغم كونها ظاهريا مستقرة او واحة للاستقرار في مناطق مضطربة! كما وصف من قبل نظام الشاه في ايران عام 1977 قبل الثورة بشهور!...
الاستقرار السياسي في تونس يعود بالدرجة الى الاولى الى قوة القمع وعدم انشغال النظام بصراعات خارجية تستنزف قواه المالية والامنية،فالبلاد ضعيفة الموارد الطبيعية ولاتمتلك بنية اقتصادية متطورة تجعلها تقاوم جيرانها العرب الاقوياء او الاوروبيين في الساحل الشمالي للبحر المتوسط،وبالتالي فأن من الحكمة التركيز على الامور الداخلية من خلال استمرار فرض الاجراءات الامنية المشددة ضد كل اشكال المعارضة حتى ولو كانت بسيطة ولذلك لايؤمن هذا الوضع الاستقرار على المدى البعيد بل تبقى اقل حالة من التراخي في قبضة النظام وخاصة عند رحيل الرأس هي تنفيس عن حالة الاحتقان الشعبي التي اذا خرجت عن السيطرة فأنها سوف تجتاح النظام برمته ولذلك يستند النظام على اعمدة خارجية من الدعم المستمر والتي تجعله خارجا عن مجال النقد لتاريخه المخزي في انتهاك حقوق الانسان،ورغم وقوع البلاد بين دول غنية او متطورة الا انها لم يستفاد من ذلك الموقع كما فعلت النمور الاسيوية التي تمتلك فرصا اقل منه للتطور بل بقيت البلاد ضعيفة البنية الاقتصادية ومعتمدة على المساعدات والاستثمارات الخارجية وعلى مجال السياحة بالذات وهو الذي يسبب اخلال واضح في التقاليد الاجتماعية وعاداتها التقليدية من خلال جذب السياح بكل الطرق المتاحة نظرا لانعدام وجود تنمية حقيقية تعتمد على التطور العلمي والانشطة الاقتصادية التقليدية كالصناعة والزراعة،ومن خلال رؤية مسيرة الحكم خلال تاريخه الطويل ومقارنته مع نظم اخرى حققت احلام شعوبها في تنمية قدراتها والوصول الى حالة من الرفاه الاجتماعي،يتبين لنا مقدار الغبن الواضح على الشعب التونسي والذي لم يفقد فقط حريته بل آماله المشروعة في حياة حرة كريمة!...وهكذا لم تجني البلاد من الانقلاب الامني في عام 1987 سوى استمرار الطغيان الذي دائما يكشف عن انيابه المتوحشة بعد فترة قصيرة من لبس القناع الذي لاينطوي ذلك على كل الواعين لخطورة المستبدين وحيلهم المتجددة للاستمرار لاطول فترة ممكنة في الحكم حتى لو سبب ذلك فقدان شعوبهم لحريتها ومستقبلها!...فالغاية تبرر الوسيلة ،والحكم ايا كان سوف يبرر كل الوسائل مهما كانت درجة وحشيتها لان للحكم لذة وطرواة منغمسة بالدماء تفوق كل اللذات!وهنا يمكن قوة المثال التونسي في خرافة التغيير الحقيقي للشعب وبقاء التغيير ضمن حيز محدود لايسمح للاخرين بالدخول اليه واحتى مراقبة مايجري في داخله !...
من اغرب تصرفات بورقيبة هو اعلانه لنفسه رئيسا مدى الحياة! ورغم كبر سنه فأن سيطرة افراد اسرته كانت واضحة وبشكل فاضح! وخاصة ابنه وزوجته الثانية التي طلقها هي الاخرى عام 1986 بعد ان اتهمها بالتدخل في شؤون الدولة رغم مرور ربع قرن تقريبا على الزواج والتدخل ايضا! وكذلك المقربين الاخرين وخاصة من حزبه الحاكم كما اشتهرت اجهزة النظام بالفساد المستشري وبتخلف البلاد في مختلف النواحي وبذلك ثبت فشل الحكم ونظرياته السطحية والمتقلبة في الحكم وادارة البلاد...
اصبح بورقيبة نتيجة لكبر سنه خرفا ومريضا وخاضعا لزمرة المحيطين به!حتى اصبحت قراراته مضحكة للجميع (تلك النهاية طبيعية للمتفرعنين!)،فقد كان يغيرها بأستمرار واحيانا خلال فترة قصيرة جدا رغم استمرار تشدده في اعدام المعارضين له فقد كان نتيجة لمرضه يصدر الاوامر بالاعدام مرتان او بالتعيين وبعدمه في اليوم التالي !،ونتيجة لذلك الوضع السيء اصبح انقلابات مزاجه على المقربين منه شيئا طبيعيا ومخزيا بحق الدولة! فكان الهروب الشهير لرئيس وزرائه محمد مزالي عام 1986 سيرا على الاقدام الى الجزائر المجاورة بعد ان احس بقرب نهايته رغم خدماته الكبيرة للنظام !وحينها اصبح الطريق ممهدا لانقلاب امني يقوده وزير الداخلية زين العابدين بن علي!....
الرئيس الثاني:زين العابدين بن علي(1936-):
كان هذا الرجل ضابطا امنيا في اجهزة النظام لفترة طويلة،لم يكمل دراسته!ولكن احد اقربائه من الضباط الامنيين ساعده في ارساله الى دورة خارج البلاد وبالتحديد امريكا،وحسب العديد من المصادر فأنه جند خلال تلك الفترة للعمل لصالح اجهزة الاستخبارات الامريكية!ولكن بعد عودته الى تونس تدرج في العمل الامني والسياسي وكان احد المسؤولين الامنيين الذين توجه لهم تهمة الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان ،حتى تسلم في اخر الامر وزارة الداخلية عام1986 قبيل الاطاحة برئيس الوزراء مزالي،ولم يمضي في المنصب سوى عام ونصف حتى اختير في تشرين اول 1987 رئيسا للوزراء مع احتفاظه بالداخلية،فاستغل الموقف الصحي المتدهور للرئيس الخرف فقام بأنقلابه المشهور عليه في 7 تشرين الثاني 1987 دون ان يتجرأ احد من قبل، من خلال اصدار تقرير طبي ينص على عدم مقدرة الرئيس الصحية والعقلية في مزاولة عمله المعتاد رغم ان هذا الشيء معروف عن الرئيس منذ زمن بعيد وهو الذي يرفض الاستقالة حتى الموت!...فكان هذا الانقلاب يمثل احد اساطير التغيير الفوقي من خلال الطبقة الامنية التي هي جزء من التكوين الفوقي للمجتمع ولم يكن للخيار الشعبي اي دور فيه مما جعله بعيدا عنه ولكن الانقلاب بقي مستمرا في نفس النهج الحكومي ولكن بأسلوب جديد يلائم العصر،يختلف في الشكل ولكن يتفق في المضمون!...
قام الرئيس الجديد بسلسلة من الاجراءات المعتادة لكل زعيم مستبد جديد من خلال اطلاق سراح السجناء وتخفيف القيود السياسية والامنية والادعاء بالسماح للقوى السياسية المعارضة بالعمل العلني تمهيدا للانتخابات التي جرت عام 1989 وفاز الرئيس بالاغلبية المطلقة ثم تكرر فوز الرئيس في الانتخابات الاخرى وكانت اقل نسبة حصل عليها الرئيس بن علي هي 94% عام 2004 بعد ان غير مواد الدستور لصالحه عدة مرات كي يستمر في الحكم بدون سقف زمني محدد او صلاحيات تقيده عن الحكم المطلق !...
لم تتغير الاحوال في البلاد بعد الانقلاب رغم ذلك فقد صدق اكاذيب الحاكم الجديد عددا كبيرا من المعارضين وطبقات المجتمع الاخرى!،ولكن بعض الوجوه الحاكمة قد تغيرت،فبقيت المعارضة مسحوقة في الداخل ومن كان محظوظا فقد هرب بجلده الى الخارج مرة اخرى ،وبقي حزب الرئيس السابق والحالي مسيطرا على البلاد والحياة السياسية بنفس الطريقة القديمة والمتخلفة مع استمرار حالة الفساد والتي لم ينجو الرئيس منها(قدرت مجلة فوربس الامريكية ثروته ب5 مليار دولار!) كما هيمنت اسرته وخاصة زوجته الثانية واقربائه وحاشيته على الاماكن الحساسة في الدولة واصبح نفوذهم كبيرا دون ان يجد اي مقاومة شعبية بسبب خبرة النظام الامنية الطويلة والتي يعرف بمهارة كيف يمنع الاضطرابات قبل وقوعها ناهيك عن استئصال كل المعارضين وخاصة من يتعرض للنظام ورئيسه بكلمة فضلا عن عمل ممكن ان يسبب احراج امام الرأي العام العالمي....
سياسة النظام التونسي في خرق الحريات الدينية والمدنية لشعبه بقيت هي في اعلى درجاتها بالمقارنة مع نظم عربية اخرى،فمازال الحجاب ممنوعا في معظم مرافق الدولة ! بل وكل مظاهر العبادة والتدين رغم ان الاغلبية الساحقة هي تتبع الدين الاسلامي وبالمقارنة مع شبيهه النظام العلماني التركي الذي خفف من اجراءاته القمعية من خلال تخفيف القيود على الحريات الشخصية بغية الدخول في الاتحاد الاوروبي!لم يخفف النظام التونسي من اجراءاته في حربه الشعواء على الحريات والمعتقدات الدينية، ورغم انشغال الكثيرين في العالم الاسلامي بأخبار الجاليات المسلمة في اوروبا وما يتعرضون له احيانا من تحرش او تمييز فأن الجميع يتغافل عما تفعله الكثير من النظم المستبدة الحاكمة في بلاد مسلمة مثل تونس رغم الفوارق الواسعة بين الحالتين !...
بقيت البلاد على حالها في تخلفها السياسي والذي يؤدي بدوره الى تخلف اقتصادي،ورغم ما يقال عن استقرار سياسي للبلاد وعن استمرار حالة النمو الاقتصادي وتخفيف من نسبة الفقر،فأن تلك الرؤية تكون غير ناضجة بل وتعتمد في رؤيتها على السطحية دون الولوج الى المضمون من خلال رؤية نظم اخرى سقطت رغم كونها ظاهريا مستقرة او واحة للاستقرار في مناطق مضطربة! كما وصف من قبل نظام الشاه في ايران عام 1977 قبل الثورة بشهور!...
الاستقرار السياسي في تونس يعود بالدرجة الى الاولى الى قوة القمع وعدم انشغال النظام بصراعات خارجية تستنزف قواه المالية والامنية،فالبلاد ضعيفة الموارد الطبيعية ولاتمتلك بنية اقتصادية متطورة تجعلها تقاوم جيرانها العرب الاقوياء او الاوروبيين في الساحل الشمالي للبحر المتوسط،وبالتالي فأن من الحكمة التركيز على الامور الداخلية من خلال استمرار فرض الاجراءات الامنية المشددة ضد كل اشكال المعارضة حتى ولو كانت بسيطة ولذلك لايؤمن هذا الوضع الاستقرار على المدى البعيد بل تبقى اقل حالة من التراخي في قبضة النظام وخاصة عند رحيل الرأس هي تنفيس عن حالة الاحتقان الشعبي التي اذا خرجت عن السيطرة فأنها سوف تجتاح النظام برمته ولذلك يستند النظام على اعمدة خارجية من الدعم المستمر والتي تجعله خارجا عن مجال النقد لتاريخه المخزي في انتهاك حقوق الانسان،ورغم وقوع البلاد بين دول غنية او متطورة الا انها لم يستفاد من ذلك الموقع كما فعلت النمور الاسيوية التي تمتلك فرصا اقل منه للتطور بل بقيت البلاد ضعيفة البنية الاقتصادية ومعتمدة على المساعدات والاستثمارات الخارجية وعلى مجال السياحة بالذات وهو الذي يسبب اخلال واضح في التقاليد الاجتماعية وعاداتها التقليدية من خلال جذب السياح بكل الطرق المتاحة نظرا لانعدام وجود تنمية حقيقية تعتمد على التطور العلمي والانشطة الاقتصادية التقليدية كالصناعة والزراعة،ومن خلال رؤية مسيرة الحكم خلال تاريخه الطويل ومقارنته مع نظم اخرى حققت احلام شعوبها في تنمية قدراتها والوصول الى حالة من الرفاه الاجتماعي،يتبين لنا مقدار الغبن الواضح على الشعب التونسي والذي لم يفقد فقط حريته بل آماله المشروعة في حياة حرة كريمة!...وهكذا لم تجني البلاد من الانقلاب الامني في عام 1987 سوى استمرار الطغيان الذي دائما يكشف عن انيابه المتوحشة بعد فترة قصيرة من لبس القناع الذي لاينطوي ذلك على كل الواعين لخطورة المستبدين وحيلهم المتجددة للاستمرار لاطول فترة ممكنة في الحكم حتى لو سبب ذلك فقدان شعوبهم لحريتها ومستقبلها!...فالغاية تبرر الوسيلة ،والحكم ايا كان سوف يبرر كل الوسائل مهما كانت درجة وحشيتها لان للحكم لذة وطرواة منغمسة بالدماء تفوق كل اللذات!وهنا يمكن قوة المثال التونسي في خرافة التغيير الحقيقي للشعب وبقاء التغيير ضمن حيز محدود لايسمح للاخرين بالدخول اليه واحتى مراقبة مايجري في داخله !...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق