الثورة الخالدة
لا توجد ثورة في التاريخ لها من القدسية والاشعاع الفكري والروحي كثورة الامام الحسين(ع)...فكل الثورات التي كانت قبلها كانت توصف على الاكثر بكلمات وعبارات بعيدة عن الوصف الحقيقي مثل التمرد والعصيان وايضا بسبب كونها فاقدة لمنهج نظري وعملي متكامل يؤدي الى تأسيس بناء جديد للدولة والمجتمع فضلا عن قيادة وقاعدة متميزة...
من هنا كانت عملية كسر تلك القيود والرتابة المملة للحياة السياسية البدائية تعتبر في حينه ثورة حقيقية متجاوزة حاجز الزمن والفهم والادراك!...ولا يشذ العالم الاسلامي في حينه عن بقية اصقاع الارض بالرغم من زخم الاندفاع بل ان عملية التحريف والتدليس المتعمدة لتعاليم الدين الصريحة بغية جعلها خاضعة للسلطة السياسية المدنية الوراثية كانت تسير بوتائر سريعة جدا حتى ان الجيل التالي للمؤسسين الاوائل للدولة نشأ وفق تراث وتقاليد ممزوجة بين تعاليم الدين الجديد والتقاليد والعادات والافكار السابقة،ومن هنا فأن عملية اعادة الوعي المفقود للاذهان كانت عملية مجازفة بحكم قوة السلطة الدموية التي لا تتردد في ان تقوم بأي عمل بغية الحفاظ على السلطان!كما ان بناء الحضارة الاسلامية كان في بداياته ولم تكن هنالك موجودة مدارس فكرية ناضجة وقادرة على بث الوعي الممنهج للاتباع بالرغم من بعض بدايات التمرد الصغيرة في حركة الخوارج وغيرها.
من تلك البداية المفقودة كان ميلاد حركة سيد الشهداء الامام الحسين(ع) واهل بيته واصحابه المؤمنين بكل دقائق الايمان والعمل الصالح الهادفة الى احداث نقلة نوعية بل هي حركة كبرى في التاريخ الاسلامي حتى انها اعادت رسم خريطته الشاملة القادمة بدون ادنى اعتبار لكل تقديس زائف للملوك والسلاطين واتباعهم القادمين!...
لم تنتهي مأساة كربلاء في حينها بل انها اعادت الحياة الى صفوف الشعوب المسلمة الخاضعة لسلاطين لا يمكن اعتبارهم ممثلين حقيقين للدين او الامة،بل انها اسست لمناهج فكرية جديدة ومختلفة سبقت عصرها بكثير وتميزت بمعان واهداف جديدة غير خاضعة لسلطة زمنية محددة بل لسلطان روحي نقي يهدف الى تأسيس حياة كريمة وفق تعاليم الدين الاسلامي النقية من اي تحريف او تأويل فاسد!...ومن هنا كانت قراءة المفكرين والفلاسفة والمشاهير من كافة بقاع الارض لها مختلفة لان عملية الاستيعاب ليس بتلك السهولة التي يقدرها البعض والا لما رأينا لحد الان الكثيرين من داخل العالم الاسلامي نفسه يحاربون وبضرارة فكر ومنهج وسيرة الامام الحسين(ع) وثورته الخالدة!.
التأسيس للمنهج الثوري الاصيل:
لقد كانت بداية العمل السياسي المعروف بالثورة قد تم بعد ان استوعبت مضامين واهداف الثورة الحسينية المباركة فيه،واصبحت منذ ذلك الحين تمثل مرحلة زمنية كاسرة لقواعد الخضوع والخنوع للاستبداد السياسي وقوانينه الوضعية،مما يعني انها اعادت رسم خارطة العمل السياسي بكل تفاصيله كي تجعل للشعوب فرصة التحكم بذاتها المسلوبة بعد ان فقدتها نتيجة للتوريث السياسي الدموي النفعي!.
ومن هذا المنطلق بدأت الثورات المحلية والاقليمية والعالمية تنتشر في شتى بقاع الارض بشكل كثيف وخرجت من الاوصاف والاتهامات الباطلة التقليدية في كونها حركات تمرد وعصيان وفتن لا تتفق مع الدين والعادات والتقاليد وعليه فأن الواجب محاربتها بكافة الاسلحة المتيسرة النظرية والعملية،الى اوصاف ومسميات اخرى جعلت البعض منها خالدا كالثورات العالمية المميزة او التحررية الاقليمية.
ومع انتشار الوعي السياسي الممزوج بنزعات ثورية او تحمل صفات النقد والمعارضة في كل بقاع الارض،فأن التخليد المميز والقدسية العالية الرفيعة بقي للثورة التي اسست لكل مناهج الرفض والاباء والتضحية ونقصد بها الثورة الحسينية الخالدة التي مازالت تشع نورا على الجميع بل انها تتميز بتجدد رائع وفق كل المناهج المستحدثة التي تحاول تفسيرها وفق اصولها المعرفية المتعارف عليها بغية الوصول الى دقائق اسرارها الخالدة!.
التجديد السنوي في ذكرى ثورة الامام الحسين(ع) لا يوجد نظيرا له في العالم!...فأي ثورة شغلت الناس والتاريخ في حقبة معينة تمر كذكرى سريعة لا يمكن مقارنتها بالذكرى الخالدة للثورة الحسينية المباركة،والادهى من ذلك ان الدروس والعبر والمعاني المستنبطة بدقة في الاداء وروعة في الاسلوب بقيت مستمرة دون ان تتوقف عن العطاء بينما بقيت آثار الثورات الاخرى اقل توهجا وتأثيرا بالرغم من حفظها في نصوص تدوينية لغرض المحافظة عليها كتراث انساني جامع!.
مع الثورة الخالدة تتجدد سنويا كل معاني الفكر والادب والابداع والعمل في روحانية رفيعة تجذب العقول والقلوب،ومن نبعها المتدفق بحرارة العشق الحسيني يرتوي الاحرار العطاشى للحرية والخلود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق