السقوط المدوي للحزب الدموي:
ما يجري في سوريا ومن قبل في العراق يعيد للاذهان سيرة الحزب الدموي المسمى بحزب البعث وطريقة حكمه!.
قال شاعرهم: بعث تشيده الجماجم والدم....تتحطم الدنيا ولا يتحطم!.
هذا البيت الشعري هو خلاصة أثرية لتركيبة هذا الحزب الدموي المسمى البعث! سواء اكان فكرا ام سلوكا!...وتاريخه المرعب في العراق وسوريا هو حصيلة للارث الدموي لتكوين هذا الحزب.
لا يوجد حزب في العالم العربي مثل حزب البعث في الكثير من الصفات الجامعة له والتي تميز بها واصبحت علامات بارزة له كحزب فاشي لا يعير اي اهمية لكافة المثل والقيم الدينية والاخلاقية والانسانية،وبخاصة طريقة تسلقه السلطة بطريقة يعجز المغامرون عن تنفيذها!.
فمن علاماته الفارقة هي طريقة تأسيسه الغريبة والمريبة والتي لا يوجد مثيل لها وهي باقية في غموضها...كما ان سيرة مؤسسيه الاوائل البعيدة عن الثقافة والفكر والوطنية المخلصة هي اصبحت من علاماته المميزة...ومن ابرز علاماته الفارقة هي فقره الفادح في ادبياته والاسس الفكرية الهزيلة التي استند عليها!ولانه استند على قبضة المسدس وليس القلم فكان من الطبيعي ان يبتعد عن هذا الاتجاه الضروري لكل حركة سياسية...
فمن سرقة جهود المفكر السوري الارسوزي الى استعارة بعض ادبيات التاريخ الاسلامي وسرقة بعض النصوص والافكار من الفكر الماركسي، ودمجها بطريقة تثير الغثيان لهذا الخواء الفكري الذي ليس له قاعدة مستقلة،فأكبر مؤسسيه وهو ميشيل عفلق لا يوجد لديه سوى بعض المقالات التي كتبها بطريقة انشائية للصحف وجمعت في كتاب يسمى: في سبيل البعث!...وياللعار فقد طبعوه مرارا وتكرارا واعتبره انجيلا لهم وهو دال على ضئالة مستواهم،ثم لم تمض فترة طويلة حتى كان الجناح السوري للحزب قد نبذه وحاربه بينما تفتخر عادة الاحزاب والحركات بالانتساب لمفكرين وقادة حتى لو كانوا من بلاد مختلفة سواء فكرا او سلوكا مثل ماركس الذي تفتخر به الحركات الشيوعية والمفكرين المسلمين من شتى البقاع والذين تفتخر بهم الحركات السياسية الاسلامية المختلفة.
وجد هذا الحزب الصغير نفسه ضمن تيارات سياسية كبيرة الحجم والتأثير وبالتالي فأن مكانه ضمنها سوف يبقى في ادنى السلم ضمن التأثير العام مما جعله ينبذ الديمقراطية والحرية كوسيلة شرعية للسلطة بالرغم من الادعاء انها احدى شعاراته!... واعتمد على الانقلاب العسكري السري الذي ينجح بطريقة مريبة والذي لا تعرف مصادر تمويله ولا الطريقة التي جعلته يقفز بسرعة على السلطة عام 1963 في سوريا والعراق بينما تعجز اغلب الحركات بما في ذلك السرية والمغامرة في الوصول الى الحكم بنفس الكيفية! والانقلاب كوسيلة لتصديه للقيادة السياسية وجعلها حكرا عليه هي معروفة دوافعها لانه يعرف مسبقا انه لو اقيمت نظم ديمقراطية فلن يكون له وجود ابدا ضمن اختيارات الشعوب!.
لم يدخر هذا الحزب الدموي من وسيلة لاجل البقاء في السلطة!...فدمر البلاد التي حكمها ولم يستطع حتى توحيد بلدين حكمهما بالحديد والنار فكيف يريد ان يوحد العالم العربي!...فكانت البداية الصراع بين اعضاءه ورأينا كيف كان الصراع الدموي الوحشي الخالي من اي سمة اخلاقية او انسانية بما في ذلك نبل الفرسان فهي منعدمة الوجود ضمن السلوك الفردي لاغلب اتباعه!... وسقط نتيجتها عدد كبير من اتباعه الذين يتصفون غالبا بالانحلال الاخلاقي والضعف الثقافي والردع الذاتي لهما،وانتساب عدد كبير منهم الى فئات المجتمع المنبوذة مما جعل انتقامهم منهم يكون على اعلى درجات الوحشية الهمجية خلال سيطرتهم!.
مثل هكذا حزب سري غريب الاطوار...فأنه من السهل على من يملكون طاقات مثالية في القسوة والخداع، ان يتسلقوا سلمه للوصول الى غاياتهم في السلطة المطلقة والتمتع بها بشراهة حيوانية وتوريثها لاحقا لابنائهم واقاربهم مستغلين في ذلك فقدان مقدرة شعوبهم على التغيير كما ان يحسنون اللعب على المصالح الدولية واستغلالها لاجل البقاء في السلطة لاجل غير مسمى!...ومن هنا رأينا كيف وصل شخص وضيع مثل البكر وصدام واقربائهم الى حكم العراق وايضا حافظ الاسد وتوريثه السلطة لابنه بطريقة علنية خالية من اي اعتبار للراي العام او حتى لحزبه الذي رفعه مع ملاحظة سيطرة اسرهم جميعا على مقدرات البلاد والتحكم فيها بطريقة خالية من ادنى احترام او اعتبار لابناء الشعب وطبقاته الواعية!.
ان ضحايا هذا الحزب الدموي في العراق وسوريا والبلاد المجاورة والتي نكبت بسياساتهم الاجرامية هي تفوق بكثير ضحايا الصراع العربي مع اسرائيل بل مع اي صراع بين الانظمة العربية الاخرى!...وهذا العدد الهائل من الضحايا سوف يكون هو السيف القاتل الذي يقضي على هذا الحزب حتميا!.. فالتاريخ لن يرحم الطغاة وعصاباتهم الاجرامية وبالتالي فأن السقوط المدوي لبعث العراق كان متوقعا وسوف يتبعه لاحقا وان تأخر سقوط زميله البعث السوري!.
لم يجلب هذا الحزب للبلدين الذين نكبا به سوى الدمار والفساد وتوريث السلطة وضياع الموارد والفقر والجهل والفساد وعبودية الاصنام الحاكمة ومسخ الشخصية الوطنية المستقلة مما ادى الى ظهور فئات كبيرة الحجم في تلك المجتمعات،هي مشوهة في الفكر والسلوك!...وليس من السهل ابدا في فترة زمنية قصيرة ان تزال اورام هذا السرطان الخطير في الجسم العربي بشكل كامل! بل ان العلاج الطويل الامد هو السبيل الوحيد للخلاص الابدي من تلك الحركات الفاشية التي تسلطت بالغدر والخيانة على شعوبها التي حولتها الى عبيد يستسهلون حياة الذل بعذوبة غريبة!.
لقد كشف سقوط البعث المدوي في العراق جزءا بسيطا من حجم الدمار النفسي والاقتصادي والسياسي لهذا البلد وشعبه،وسوف يكشف المستقبل ايضا نفس حجم الدمار في سوريا وان كان اقل في حجم بعض الحسابات المادية! لان الفارق يبقى ظاهرا بين حجم البلدين ونوعية الحاكمين!.
لا يتعلمون من الدروس!
الاحداث التي تلت سقوط بعث العراق عام 2003 ومن ثم الثورات العربية الراهنة في عام 2011 لم تعي خلالها الانظمة الباقية حقيقة وحجم الكارثة المستمرة،ومن ضمن هؤلاء نظام البعث السوري الذي مازال يمارس نفس السياسات الخاطئة من قمع وفساد في الحكم والادارة مستغلا حالة الطوارئ منذ نصف قرن!...اي قيمة اعتبارية سوف تكون لكلمة الطوارئ والتي تبقى لنصف قرن؟!.
فقمعه الوحشي للمظاهرات المطالبة بالحريات الى اعتقاله التعسفي من قبل للمدونين ودعاة الحقوق المدنية واتهامهم بتهم زائفة وضيعة هي دلالة على المستوى الهزيل للنظام وبنيته الامنية التي ليس لها وجود سوى في الداخل! كما وان مسكناته المؤقتة لن تنفع في ازالة الاورام الخبيثة في الجسم مهما كانت نوعيتها!.
ان تكرار الاخطاء سوف يعجل بالنهاية الحتمية للحزب الدموي الذي هو في الحقيقة ليس سوى جثة هامدة لا روح فيها منذ تسلقه على السلطة عام 1963 في البلدين،عندما تحول الى جهاز امني تابع لرأس النظام ومهمته الرئيسية هي متابعة الشعب وحبس انفاسه وتجنيد الاعضاء بدون اي حرية للاختيار كما هو متعارف لدى الحركات السياسية!...كما ان الادعاء في مقاومة اسرائيل لن تنفع ايا كان من المحاسبة على اخطاءه!.
ان سقوط النظام في سوريا سوف يؤدي لا محالة الى ازاحة تلك الجثة المتعفنة التي طال امد تحنيطها،وسوف تكون من عبر التاريخ ومآسيه!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق