ثروة الارض:الحلقة الثانية
ان التطور المستمر في التكنولوجيا،جعلها رخيصة الى حد ما بالرغم من سيطرة بعض البلدان والشركات المتعددة الجنسيات على سوق الانتاج والتصدير العالمية للمعادن،والاحتكار مازال مستمرا ولم ينتهي في عصرنا الحالي فمثلا النيجر وهي دولة افريقية فقيرة تحتوي ارضها على احتياطي كبير من اليورانيوم ولكن الانتاج والتصدير بيد المستعمر السابق وهي فرنسا!! وهي اي النيجر لا تملك منه سوى الواردات المالية الضئيلة! بالرغم من اهمية تلك السلعة في كافة المجالات...بل والاكثر حزنا وألما ان تلك البلاد تعيش حالة المجاعة المستمرة وهي تصنف ضمن اكثر البلاد فقرا في العالم! وهذا ينطبق على بلاد اخرى عديدة وخاصة في القارة الافريقية التي تحتوي ارضها على ثروات معدنية ضخمة ولكنها تحت رحمة الدول المتقدمة وشركاتها العملاقة،واذا ما ارادت دولة ما ان تتحرر من تلك السيطرة ولو من خلال زيادة وارداتها،فأن القلاقل الداخلية التي مصدرها اموال تلك الشركات وبلدانها الاصلية سوف تكون بالمرصاد لكل محاولة! هذا اذا لم يكن هنالك تدخل عسكري مباشر! والتاريخ المعاصر يحمل لنا امثلة عديدة على ذلك النوع من الصراع بين البلاد المنتجة والبلاد المستهلكة التي لا تكتفي بشراء المعادن بسعر رخيص للغاية بل وتحتكر طرق الاكتشاف والانتاج والتصنيع والتصدير والسوق المستهلكة! بحيث لا يبقى لصاحب الثروة سوى الفتات!...ومن الامثلة على ذلك النوع من الصراع هو الانقلاب العسكري في الكونغو الغنية بالمعادن الثمينة ضد لومومبا في الستينات والذي حمل لنا في النهاية ضابط الصف موبوتو الذي تحول الى طاغية ولص شهير لفترة طويلة(1965-1997)،وايضا الانقلاب العسكري المدعوم امريكيا في تشيلي الغنية بالنحاس عام 1973 بقيادة الديكتاتور بينوشيت ضد سلفادور اليندي المنتخب ديمقراطيا!...اذا المصالح الاقتصادية وخاصة في مجال الثروات الطبيعية مؤثر في مجريات السياسة الدولية الى درجة قادر على تغيير المواقف في الاتجاه المعاكس وبدون ذكر امثلة لكثرتها!...
ولكن يبرز امامنا سؤال هام هو لماذا يكثر تواجد الثروات الطبيعية لدى الدول الفقيرة في العالم الثالث ويعاني العالم الغربي نقصا منها؟!...
في الحقيقة ان الاجابة على هذا التساؤل ليس بالكيفية المعتادة بالاثبات او النفي! بل ان هنالك ظروف كثيرة تؤثر على الاجابة بحيث تصبح عملية الاجابة المطلقة بالاثبات او النفي امرا بعيدا عن الواقع!...
ان الارض في اي مكان في العالم، تتواجد فيها الثروات الطبيعية وليست هي محصورة في بلد ما دون اخر ولكن هنالك عوامل عديدة تؤثر على حجم الحيازة لدى الجميع،ومن اهمها هي اتساع المساحة الجغرافية،وهي حالة طبيعية في ان نرى ان الدول الكبيرة تكون غنية بالمصادر الطبيعية بينما تكون الدول الصغيرة الحجم هي اقل في حجم ثرواتها الطبيعية،ولذلك نرى ان الدول الكبيرة الحجم مثل روسيا وامريكا والصين وكندا واستراليا والبرازيل هي من ضمن اغنى البلاد في العالم في المصادر الطبيعية وبخاصة من ناحية تنوعها،ولكن يبقى للعوامل الاخرى اهمية بالغة في اثبات اهمية ذلك الحجم من خلال الحجم السكاني الذي يحتاج الى كميات اكبر بالتأكيد وكذلك مستوى التطور الاقتصادي مع اختلاف حجم الاحتياطي في بعض المصادر الطبيعية دون غيرها،ولذلك تبقى الحاجة مستمرة للمصادر الخارجية واستمرارية التدفق عليها،فأذا حصل اي خطر على الامدادات كما في حالة البترول،فأن تلك البلاد القوية غالبا تكون مستعدة للتدخل في سبيل حفظ مصالحها الاستراتيجية الحيوية،وفي الجهة الاخرى يكون نصيب البلاد الصغيرة من الثروات الطبيعية اقل بالتأكيد من الاولى ولكن هنالك عوامل اخرى يؤثر على حجم تلك الثروات في السوق العالمية،من قبيل الحجم السكاني ومستوى التطور الاقتصادي مع حيازة مصادر طبيعية دون اخرى قد تكتسب صفة هامة لها بفعل الحاجة المستمرة كالبترول والغاز...
ففي حالة بعض الامثلة مثل امريكا وروسيا،فأن البلدان منتجان لغالبية المصادر الطبيعية بشكل يفوق بكثير العديد من البلاد الاخرى المتخصصة في انتاج مادة واحدة!ولكن درجة استهلاكهما للمادة يبقى مؤثرا في بحثهما المستمر عنها لدى الاخر وبخاصة الحصول عليها بسعر رخيص لا يؤثر في الاقتصاد المحلي...فمثلا يجهل الكثيرون ان زعامة الانتاج البترولي منذ انتاجه بشكل تجاري عام 1859 قد انحصر بين البلدين وبخاصة امريكا التي فقدت المركز الاول في عام 1974 ليحل الاتحاد السوفييتي السابق محلها لغاية انهياره عام 1991! وبالرغم من ان امريكا اصبحت مستوردة له منذ الخمسينيات الا ان الاتحاد السوفييتي بقي مصدرا له،ويعود السبب في ضخامة الاستيراد الامريكي الى ضخامة حجم الاستهلاك المحلي الذي شكل لفترات طويلة ثلث الاستهلاك العالمي! بينما لا يتجاوز حجم سكانها 5%!... ومنذ بداية الالفية الثالثة،فأن الاستهلاك الامريكي بقي محافظا على نسبة تتراوح بين 20-25% بسبب اتساع الاستهلاك العالمي في الاسواق الناشئة مثل الصين والهند!.
لو نظرنا الى الخارطة الجغرافية للعالم المتقدم اقتصاديا لوجدنا اغلبية بلدانه هي صغيرة الحجم وفقيرة الموارد الطبيعية مع ضخامة عدد سكانها بالرغم من ان النمو السكاني شبه متوقف منذ عقود طويلة! وقد يعود سبب صغر الحجم حافزا قويا لها على التوسع بأتجاه السيطرة على بلاد اخرى اقل سكاننا واكبر مساحتا،وكذلك على تطوير بلدانها وبخاصة في مجال التصنيع لانه اصبح السبيل الوحيد للبقاء على مستواها العالي في حجم الدخول الفردية والرفاهية الذاتية،ولكن تبقى لنا ملاحظة هامة وهي ان تلك الدول تتغافل غالبا في عملية البحث عن المصادر الطبيعية في بلادها لعدة اسباب،قد يكون من اهمها ان وجود تلك المصادر بكثرة في البلاد الاخرى وبخاصة في البلدان الفقيرة،هو مانع رئيسي للبحث في الداخل الذي يكون مكلفا من الناحية الاقتصادية ليس فقط من ناحية الصعوبات الجغرافية بل ايضا من خلال تكلفة تشغيل العمالة المحلية التي تكون ذات دخول عالية غالبا،مع قيود الحفاظ على البيئة مما يعني ان الاحتياطي المحلي الذي يكون غالبا مجهولا هو بمثابة الاحتياطي الحيوي المستقبلي لتلك المصادر اذا فقدت المصادر الخارجية الرخيصة او نفذت وهنا تصبح الضرورات الملحة واجبة في ضرورة البحث عن المصادر المحلية او المصادر البديلة الطبيعية او المصنعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق