اسطورة التغيير الفوقي:القسم التاسع والخمسون
ان استمرار الصراع على الحكم، يسبب توتر نفسي داخل كل فرد ويجعلهم مرتابون في بعضهم البعض مما يعني انعدام الثقة بين ابناء المجتمع نفسه لان الجميع يلهث وراء مصلحته الخاصة دون ادنى مراعاة للمصلحة العامة بالرغم من السعي الحكومي لجعلها الهدف الاعلى في اعماله!،كما يولد شعورا بعدم السعادة والرضا في الحياة مما يجعل النظرة للحياة سوداوية رهيبة تكون مانعا من توليد اي ابداع وتقتله في المهد ومن ضمنه الرغبة المستمرة في تطوير الحياة وجعلها خاضعة للانسان بدلا من تركها بدون تخطيط ،ولذلك يحاول الجميع البروز في اشياء اخرى صغيرة بغية التعويض عن النقص في ادارة البلد نفسه!...والصراع الموجود في الانظمة الفوقية بطبيعته عنيف ولا يتورع عن استخدام احط الاساليب واقذرها بالرغم من انها ضد ابناء الوطن نفسه! ولذلك نرى انتشار استخدام الوسائل البوليسية السياسية في حماية النظام وبنيته الفوقية من الخطر والخصوم،ويمكن لنا معرفة حجم الكوارث المادية(وطبعا غالبا مفقودة الدراسات الدقيقة حول تلك الكوارث واذا وجدت فأنها سرية الطابع!!) الناتجة من استخدام تلك الوسائل من خلال استخدام جيش عرمرم من العملاء المتفرغين او غير المتفرغين وجعل المهمة الرئيسية هي حماية النظام وليس كما هو يشاع الوطن والشعب وهذا يؤدي الى استنزاف الخزينة العامة وصرف الجهود وخاصة الزمن الضائع في اعمال لا تساعد سوى على تدمير البلاد ومستقبلها ولذلك يمكن لنا بسهولة المقارنة مع الدول المتحررة من تلك الاساليب والتي توفر اموالها وجهودها في بناء اقتصادها ومستقبلها بدلا من متابعة المعارضين والابرياء وحبس انفاسهم،ومع تلك الاضرار المادية الهائلة يكون هنالك ايضا مصاحب لها اضرارا معنوية لا حدود لها خاصة مع منح كل الصلاحيات المستثناة من المتابعة والتدقيق مما يعني انها وسيلة مثلى لتسلق كل الاغبياء والكسالى والعاطلين واصحاب النفوس المريضة في تلك المهن الحقيرة التي تأبى كل نفس حرة ان تقوم بها ولو مجبرة فكيف الحال اذا كانت متطوعة وتزيد على ذلك في خلق جو ارهابي وقوانين مقنعة اضافية وكأن الصلاحيات الواسعة غير كافية لها! للحصول على اعلى الفوائد الاتية من فتات تلك الزمر الفوقية!...
من الخطأ الفادح القول ان تلك الاعمال هي ضد المخربين والارهابين،بل العكس صحيح ! وهو ان تلك الاعمال التي تقوم بها تلك الفئات تساعد على توليده وادامته بجيوش كبيرة من الناقمين على الاوضاع من خلال اعتناق الفكر المتطرف ايا كان مصدره والذي يجد في العنف المضاد حقا شرعيا له في ظل استلاب حقوقه وفي النهاية نجد ان العنف المضاد يخرج من المرسوم له ويتوجه للفئات الاضعف في المجتمع نفسه!...
معنى ذلك ان تلك الفئات خلقت لها ضمن الدولة، دولة اخرى خاصة بها ولها قوانينها وادواتها ولا يدخل اليها الا المنضوي تحت رايتها اي مثل عصابات المافيا الشهيرة!...والتعامل يكون متبادلا بين الدولة الرئيسية والدولة الوليدة الخاصة رغم انها مشوهة،ومن هنا نرى التعامل العدائي من الفئات الدونية لكل ما يمثل الدولة من ممتلكات لانها في نظره تمثلها ولا تمثله كما ان القدرة تكون على ما هو قريب لرفضها وهي الممتلكات العامة!...ومن هنا ايضا نشاهد المستوى الفظيع ليس فقط في رداءة تلك الممتلكات بل في استمرارية التخريب المتعمد سواء خارجيا او حتى داخليا من خلال السلوك السيء في العمل والادارة! والغريب في الامر ان ذلك يبدأ من الصغار دون معارضة او تعنيف الاهل الذين غالبا ما يستخدمون العنف معهم لاسباب تافه كثيرة لا تقارن بالاول!.
ان وجود فئات خارج القانون هو امر شائع وقيمة جديدة يعمل بها المجتمع نفسه! فبدلا من ان تكون تلك الفئات التي تحمل راية القانون والتي تشرعه وتطبقه على الطبقات السفلية بقسوة لا مثيل لها فأنها تكون محصنة منه في المقابل ولا تجعل له بئسا عليها! ولذلك نرى من الشائع ان يكون افراد الفئات الفوقية في معزل عن المحاسبة القانونية من خلال ممارساتها الخاطئة،وهذا يؤدي في التالي الى شيوع حالة عدم احترام نصوص القانون وروحه ويكون طريقا الى شيوع حالة اللامبالاة والرغبة في المخالفة سرا وعلانية بل ويساعد افراد الطبقات العليا على افلاتها ايضا من العقاب اذا استلمت منها رشاوى ومن هنا تنشأ قيمة جديدة وهي الفساد الاداري المتعدد الابعاد!.
من خلال تلك القيم الجديدة سوف تذوب قيمة الفرد ضمن ذوبان المجتمع نفسه!،ومن الخطأ الاعتقاد ان القيمة الجماعية هي التي تسود بدلا منها لانها اساسا غير موجودة الا ما نراه من تابعيتها التي تجعلها ممسوخة الشخصية...وفي الحقيقة ان قيمة الفرد واستقلاليته هي رأس مال المجتمعات المتحضرة فكلما فقدت او قلت قيمتها،يكون فقدان لقيمة المجتمع والعكس صحيح ايضا،ولكن مع الاسف الشديد ان ذلك يبدأ من الصغر بحيث يكون سلوك الاسرة والمدرسة والمجتمع والدولة وهو الرباعي المتحالف برغم حالة العداء الباطنية،هو الاتحاد في طرق مسخ شخصية الطفل منذ الصغر وجعله في حالة تآلف مع المجتمع وقياداته الفوقية،هذا يقودنا الى استدلال منطقي لا لبس فيه من ان التغيير يجب ان يبدأ من ولادة الطفل من خلال تعاون الاسرة والمدرسة مع تشجيع المجتمع لحرية الطفل واستقلاليته وطبعا وفق امكاناته العقلية وبناء الاسس العلمية التي تؤدي غرضها المنشود في التغيير الحضاري المطلوب...اما ما نلاحظه الان فهو مسخ للشخصية وقولبتها ضمن اطر مقيدة ومتخلفة ولا فرق بين الاتجاهات اليسارية او اليمينية في العالم العربي او في الدول الفقيرة او الاكثر ثراءا فهي صفات مشتركة يتسابق الجميع على تطبيقها مع اختلافات ضئيلة في التفاصيل بغية الاستفادة منها في بقاء حكم الطبقات الفوقية...
كما تصبح الالقاب والانتماء الطائفي والعنصري اكثر شيوعا من خلال تعويض النقص الموجود في الانتماء الفوقي وايضا الحصول على جزء من الحماية المفقودة او انعدام وجود العدالة الاجتماعية بمختلف انواعها،وفي الحقيقة ان السلوك العنصري او الطائفي بل وحتى الطبقي سوف يكون في اعلى المستويات وحاضرا بقوة في السلوك العملي لدى فئات الحكم المختلفة وهذا ناتج عن الحكم المستبد والاستئثار بفوائده لفترة طويلة ولان السلوك الانساني الحضاري سوف يتناقض جملة وتفصيلا مع الحكم فمعناه ان ذلك السلوك الذي ندين به بعض الامم هو موجود لدينا بصورة اكبر دون ان نعلن ذلك! وهو في الحقيقة من ضمن تناقضتنا في سلوكنا تجاه انفسنا وتجاه الاخرين ولذلك نجد انعدام او ضعف تركيبة القوانين الرادعة لذلك السلوك المتخلف المشين ،ويمكن قراءة وسائل الاعلام العربية لنرى حجم الكوارث التي لا يردعها قانون صارم يحافظ على حقوق الاخرين ويحترم انسانيتهم وصفاتهم وطبائعهم وتقاليدهم بل ان الصراع الداخلي على اوجه في مساندة غريبة من الطبقات العليا الذي تراه ضرورة لها وفق قاعدة فرق تسد ! وهذه السلوكيات المنحرفة تنتشر بطرق متعددة لكي تلائم كل بلد وظروفه!... هذا بالاضافة الى ان القيم الوطنية والاممية سوف تضعف كثيرا الى درجة يصبح التناقض بين الادعاء والسلوك والاثار العملية هو امرا منتشرا بشكل عجيب بحيث يمكن رؤية عمليات التخريب كمثال حي كالتي يقوم بها الناس ضد الدولة او الممتلكات العامة،بينما الواجب الوطني بدون الادعاءات الوطنية الفارغة تستدعي الحفاظ على البلاد والاجهزة الموجودة فيها بالاضافة الى البيئة وامور اخرى بصمت دون ادنى ضجة مادام الوطن دوما في حاجة الى سواعد ابناءه!...
قيم اخرى كثيرة تظهر ومنها الازدواجية في كل شيء بدأ من مدح النظام والتزلف له في العلن وسبه والحط من قيمته في السر الى فروع اخرى كثيرة من قبيل الادعاء بالالتزام الديني وسلوكه المثالي في الظاهر بينما يكون العكس هو الصحيح في السلوك اليومي في حالة غريبة من التناقض! ولكن يعود ذلك بأختصار الى قوة الدولة والمجتمع وتحكمهما في سلوك الفرد منذ الصغر مما يعني ان الازدواجية بين الادعاء والعمل سوف تكون ضمن فترة طويلة يكون من الصعب جدا الخروج من شراكها المميتة!...
انتشار الجهل لا يشترط به هنا بالامية الابجدية رغم اتساعها بالمقارنة مع الدول الاخرى بل ايضا في الامية الثقافية والتقنية لان الجهل الثلاثي المركب سوف يكون عقبة كبيرة امام تطور الفرد بل ويجعل من مهمة المصلحين صعبة للغاية اذا لم تكن مستحيلة!...
عموما فأن القيم المكتسبة والتي تتعارض مع العقل والمنطق والاخلاق والقيم الدينية هي من الكثرة بحيث يصعب وضعها حتى في مؤلفات مختصرة بل تحتاج الى موسوعات في السرد والتحليل والتعليق بغية استنباط الحلول الكاملة لتحرير المجتمعات من تلك القيود المكبلة لها!...وحتى لو ذكرت فأذا لم تكون هنالك ارادة حرة للشعوب للتحرير فأن الحكم الفوقي بما يمثله من انهيار كامل للقيم والعادات سوف يبقى الى اجل غير مسمى لا احد يعرف متى يزول!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق