إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
2009/07/28
قرأت لك - الكتاب الثامن
قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(8)
مقدمة لابد منها!....
لادب السجون وخاصة السيرة الذاتية لكتابها طعما خاصا يختلف عن الكتب الادبية الاخرى،فهي تحمل مختلف المشاعر والاحاسيس الصادقة التي عانت وتعاني في سبيل البقاء في عالم لايرحم احدا وفي حياة لن تستمر طويلا!بعد معاناة رهيبة سابقة في جهل كامل من المجتمع واجهزته الرادعة لتلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان ولذلك ينبغى مراعاة الكتاب المقروء الحامل لتلك الصفات فهو يختلف عن الكتب الاخرى بصدق المشاعر وبتعبها الحقيقي، وبدون تفهم تلك المعاناة والعيش بعواطف انسانية مشتركة مع معاناة كاتبها،يصبح من الصعب جدا فهم مدلولات تلك المعاناة وآثارها على الانسانية جمعاء.
تأبى العدالة الالهية الا وان تنتقم من الطغاة واعوانهم بطريقة او بأخرى وفق قانون العدالة للجميع وبدون استثناء،ورغم اننا نستعجل تلك العدالة الارضية(في حياتنا) والتي هي مكملة للعدالة السماوية(بعد مماتنا) وهي صفة ناتجة من طبيعتنا المحبة للخير والسلام،الا ان تلك العدالة تأخذ صورا عديدة في احكامها،ومن اهم تلك الاحكام التي رغم انها تكون مؤجلة بعض الشيء ولحكمة آلهية فيها قد لانفهم مغزاها الا بعد فترة طويلة او كناموس طبيعي للحياة هي فضائح الظالمين وخاصة في اثناء حياتهم وهي تأخذ درجات مختلفة وبصور متعددة وقد يكون من بينها فضائح الفساد المتنوعة والتي تنتشر في وسائل الاعلام وخاصة لاسر واتباع الطغاة،ولكن من ابرز تلك الصور خروج المعذبين من سجونهم ومعتقلاتهم الى الحياة الطبيعية مرة اخرى وتصويرهم لحياتهم السابقة بمختلف تفاصيلها لمن لم يعشها ويرغب سماع الحديث عنها فهذا هو انتقام آلهي من خلال نشر لغسيل الحاكمين القذر امام الرأي العام والذي قد يكون في حالة من الاستمرارية في انعدام الوعي في تقديسه الزائف لهؤلاء البشر الذين لايختلفون عن الاخرين بشيء سوى ان الحظ حالفهم بطريقة او بأخرى في ان يستولوا على مقدرات بلادهم ويتحكمون بها بطريقة مشينة خاضعة لغرائزهم الحيوانية التي لايقف امامها حائل مهما كانت النتائج الظاهرة منها ومهما كانت العبر في من سبقهم في نفس الطريق...والبشر في الغالب لايتعلمون من اخطاء اسلافهم! (قد تكون منبه لنا من حالة اللاوعي! وهي دليل على نقصنا الكامل)...
الخارجون من السجون والمعتقلات وخاصة الابرياء منهم هم في الحقيقة مواليد جدد في عالم مابعد الحياة التعيسة التي خضعوا لها بصورة خارجة عن ارادتهم من خلال قدرة خصومهم،وحياتهم الجديدة تختلف بالتأكيد عن حياة من يولد في الحياة لاول مرة كونه يعيش بذاكرة متعبة تحتوي على خزين هائل من الالم والحزن والذخيرة المعلوماتية التي يأبى احيانا العقل الطبيعي المقابل تصديقها او هضم مفرداتها حتى ولم يدرك معالم وحشية الافراد القائمين بها! بمعنى اخر هو الانتقال من حالة العذاب الى حالة مابعد العذاب والتي تستحيل حالة القطع بينهما فالترابط يبقى قائما بينهما الى النهاية بينما المولود الجديد هو خال من اي ذاكرة طبيعية ويكون في حالة من الاستعداد لبدء حياة قد تكون سعيدة وهي نادرا او أليمة وهي غالبا!ويكون متلقيا من المحيط بينما المعذبون هم يعلمون البشرية حجمها الطبيعي وحقيقتها البشعة الغافلة عنها بصمت رهيب ولامبالاة قاتلة.
هؤلاء المولودين الجدد لحياة جديدة لن تكون سهلة عليهم بالطبع وسوف تستمر معاناتهم مع مجتمع لم يقف معهم وهو في الغالب في حالة من انعدام الوعي الكامل وخاصة اذا كان خاضعا لاعلام موجه يتناغم مع موروث ثقافي تقليدي والتي في بعضها مصبوغ بلون ديني مزيف،وهنا تبرز المتاعب ليس فقط لهؤلاء الضحايا بل للحقيقة والتاريخ الصحيح الذي يبتغيه كل انسان حر غير مقيد بتقاليد تقديسية زائفة لاشخاص يحكمون بأسمه بطريقة تكون احيانا مضحكة في كيفية تقبل العقل والمنطق السليم لهكذا ترهات من اشخاص معتوهين ولكنهم انيقي المظهر وينتسبون احيانا لاسر تدعي الشرف الوراثي المتسلسل الذي لاقيمة له امام تطبيق المبادئ الانسانية في الحرية والاخوة والمساواة...
تلك هي مقدمة اسوقها الى هذا الكتاب القيم والعبرة بما جاء فيه حتى لو لم نتفق مع صاحبه ولكن تبقى المعاناة الانسانية هي الجامع الحقيقي بين تعاطف بني البشر والحلقة الاقوى في الربط بينهم! فالمعاناة والشقاء تجمع والرخاء والبذخ يفرق!...
الكتاب الثامن:
الكتاب: حدائق الملك
اوفقير والحسن الثاني ونحن
المؤلف:فاطمة اوفقير
الطبعة 2007 في الدار البيضاء وفي بيروت لنفس الناشر،ويتألف من 271 صفحة.ومترجم من الفرنسية،من القطع المتوسط ومن الورق الخشن.
هذا الكتاب هو سيرة ذاتية بشعة حصلت لفاطمة واولادها الستة مع اثنين من اقربائهما المخلصين الذين ابوا الا ان يعيشوا المآساة معهم في السجون والمعتقلات الرهيبة للجلاد المغربي الحسن الثاني الذي يلقبه البعض عندهم بأمير المؤمنين! وهي صفة لاتليق الا بالصالحين المخلصين للحق والعدل .
قبل الاعتقال:
تحدثت السيدة فاطمة اوفقير(1936-) وبأسلوب ادبي جميل وفي غاية الدقة في الوصف لحياة صعبة عاشتها في المغرب وهي من اسرة ذات اصول بربرية،وكان تحدثها عن المآسي في فقدان والدتها بعمر صغير(18عاما) ثم اخيها الصغير،في الحقيقة حديثها مؤثرا للغاية وهي مشاعر انسانية يشترك الجميع في الاحساس بها والاستشعار بمعاناة الاخرين منها اذا لم تصيبهم نفس المآسي.
الوصف الدقيق لحياة الاقوام في المغرب هو مهم لبيان طبيعة مكونات ذلك الشعب ولمعرفة خصائصه الاجتماعية التي تختلف احيانا عن شعوب اخرى قد تكون مجاورة له،وقد تحدثت في اماكن كثيرة عن ذلك الاختلاف والمشاكل التي تحدث للمغرب بسببها ولكن يبقى ذلك من خلال وجهة نظرها ومن خلال خلاصة تجربتها الاليمة في الاحتكاك بطبقات كثيرة من مكونات ذلك المجتمع المتعدد الاعراق والاصول ولكن يشترك في بوتقة الاسلام والمذهب الواحد والتي هي من خلال رؤيتها للحالة المغربية تستنتج انها لم تكن كافية لجمعهم بل احتاجوا الى استبداد! يجمعهم من خلال اسرة حاكمة تعود اصولها العرقية للعلويين في شبه الجزيرة العربية وفي اخلاقها وتصرفاتها وطبيعة حياتها الى اصول مختلفة تماما عن معاناة العلويين واخلاقهم ومبادئهم المستمدة من الاسلام الثوري النزيه من كل مؤثرات الحكم القبيحة! وتلك علامة هامة يستوجب الاهتمام بها حتى لا تؤثر في احكامنا على قدسيات زائفة لاقيمة لها في عالم اليوم الذي يحاول بشتى الطرق التخلص من تقاليد واحكام ونظم سببت الكثير من المآسي للشعوب وبمختلف طبقاتها!.
وهذا التغير في طبائع تلك الاسرة الوارثة للحكم جاء من الاندماج الكامل في مجتمع يقرب للبداوة منه للاسلام بمعناه الحضاري،وقد ذكرت المؤلفة(ص7)عما حدثه جدها المشترك في الغزوات الداخلية وخاصة الاعمال الوحشية التي تنم عن انعدام كامل بالمثل الاسلامية والانسانية من قبيل ذكرها قطع اصابع النساء بغية اخذ الحلي منهن!وهي من صفات الجاهلية التي قضى الاسلام على فترة واحدة منها سرعان ما تفرخت فترات اخرى مازالنا نعيش في بعضا منها الان ولكن بثوب اسلامي جميل للمظهر فحسب!.
من خلال وصفها لسيرتها ودخولها لدير الراهبات وهي المسلمة(ص21) يتبين لنا تحررها من القيود الدينية منذ الصغر وبالتالي تأثيره لاحقا عليها وعلى بقية افراد اسرتها خاصة في فترة قبل دخول السجن او بعد خروجهم منه،وفي الغالب اذا لم يكن الانسان متدينا بالمعنى الغير تقليدي للكلمة في ان يكون متطبعا بروح الدين التي تسمو بالانسان،فأنه يخضع لمبادئ علمانية تجعل المثل الانسانية في اولوية اهتماماتها،فأذا فقدت الاتجاهين فأن المأساة سوف تحل بهم او بمن حولهم اذا تسلموا مناصب عليا غير خاضعة للضوابط ،وهذا ما يمكن رؤيته في الكثير ممن اوغلوا في دماء بني جنسهم البشري لعدم وجود الرادع الذاتي الذي يقيهم من هفواتهم القاتلة سواء الديني او ضميرهم الانساني .
كان والد فاطمة وزوجها ايضا جنودا وضباطا في الجيش الفرنسي وقد قاتلوا ببسالة معه في المعارك وخاصة التي تكون لمصلحة فرنسا العليا! وهي صفة نادرة الحدوث في الشرق الاوسط ،التي خضعت بعض اجزائها الى الاحتلالين البريطاني والفرنسي،بل بقيت صفة موصوفة بالخيانة العظمى للوطن المحتل،ولكن الظاهر ان تلك التسميات كانت غير مشدد عليها في بلدان المغرب العربي وافريقيا رغم ان الكثير من بقايا تلك الجيوش تسببت في جرائم ومشاكل لاحدود لها لبلدانها بعد الاستقلال! ويمكن الاشارة الى بلاد مثل الجزائر والمغرب وتونس وغرب افريقيا،كما ان البلدان المستعمرة بقيت تساند هؤلاء المرتزقة سواء في بلدانهم او في داخل بلادها التي اقام فيها عدد كبير وبعضهم هارب من العدالة في بلده!.
هؤلاء المرتزقة كانوا قساة الى درجة كبيرة في التعامل مع شعوبهم وهي ناتجة من طبيعة عملهم في قمع شعوبهم لمصلحة المحتل او الحرب مع بلدان منافسة اخرى تحارب مستعبديهم! ويكن رؤية ذلك من خلال الانقلابات العسكرية في القارة الافريقية والتي قادها ضباط وجنود مرتزقة حولوا حياة شعوبهم لجحيم لا منتهي وهي خاصة ينبغي الوقوف عندها كثيرا،فعدم تطبيق العدالة على من يخرقها هو بالتالي تشجيع لهم على العودة الى طبيعة عملهم الاولى،وبالتالي ضرورة العمل على ازالة وجودهم من كل مؤسسات الدولة والمجتمع ودمجهم في الحياة العامة بدون الاستعانة بهم في بناء الدولة لان انقلابهم عليها او على مبادئها اذا كانت سليمة سوف تكون نهاية المطاف!،وعموما لايعمل تلك الاعمال الوحشية الا من باع نفسه للشيطان في سبيل حياة رغيدة او للانتقام من مجتمع رافض له!.
في الفصل الثاني(بعد ص20)تحدثت المؤلفة عن زوجها الجنرال محمد اوفقير سواء قبل او بعد تعارفهما،وهو نموذج مثالي لبقايا مرتزقة الاحتلال الفرنسي للمغرب!وهي كما قلت لم تكن تهمة مشينة لدى نسبة كبيرة من المجتمع!وبالتالي جعلها تقبل به كزوجا عمله مقارب لعمل والدها!وهي كانت في سن صغيرة جدا(16 سنة)وغير قادرة على التمييز بأعترافها من خلال استمرارها في شراء لعب الاطفال! وزوجها ايضا من اصول بربرية ومن عائلة ثرية حسب قولها،ولكن لعبت خدمته مع الجيش الفرنسي دورا كبيرا في ثرائه بعد ذلك كما يتبين ذلك من وصفها للحياة الزوجية والبذخ الناتج عنه والذي تدافع عنه حتى النهاية ضد المشككين بنزاهة زوجها!!...
في الحقيقة ان الدفاع في حالة نزاهة اوفقير وهو الجنرال المعروف عنه اجرامه وانعدام الوازع الديني والاخلاقي (من وجهة نظر امثاله تكون تلك الوطنية!) في سلوكه هو كمن يضحك على عقول الاخرين!فمهما حاولت زوجته الدفاع عنه وبمختلف الحجج من خلال سيرتها والتي لا تذكر تفاصيل الاجراءات الوحشية التي قضاها في قمع الشعب وقواه الوطنية الا بصورة مختصرة،فهي ضعيفة المسانيد العقلية وامام القارئ المتلهف لمعرفة الحقيقة وخاصة المدقق في كل كلمة تقال لان من خلال فلتات البعض تكشف الحقائق! والاسر غالبا ما تدافع عن راعيها بغض النظر عن طبيعة عمله والتي لو كانت تتعارض مع قيم الاسرة لمتنعت منذ البداية عن السماح او مجاراة افرادها في الاستمرار،ومهما كانت المآسي التي عاشتها في حدائق الملك(مصطلح احتقاري بديع لسجون ومعتقلات الملك) فانها غير كافية لتبرير حالة الثراء الفاحش التي عاشتها هي واسرتها،فالاموال التي حصل عليها من الجيش الفرنسي تبقى غير نظيفة بتاتا لمن يريد التصدي لمسؤوليات وطنية كبرى ثم بعد ذلك توليه المسوؤلية الكبرى لحفظ امن النظام الملكي الشمولي والذي لايحاسب اتباعه المخلصين على سرقاتهم وخروقاتهم المفضوحة بقدر اهتمامه بأخلاصهم له!وهي صفة عامة للنظم المستبدة،فأن الاموال التي حازها اوفقير في حياته هي تفوق بشكل كبير املاكه الموروثة وقد بقي النظام ينظر الى ذلك الامر بعد تصفيته على انه حقيقة بينما تحاول زوجته والتي تذكر تفاصيل كثيرة من حياته التي تتميز بالقسوة والفساد الاخلاقي وانعدام الورع،تبقى كلها امور مشجعة للمرء على نهب املاك الدولة،ويمكن مقارنة ذلك الان بعد ان تحررت الكثير من الامم من نظمها الاستبدادية وتحولها الى الديمقراطية والاعلام الحر،يمكن تبيان حجم املاك ورواتب المسؤولين في الدولة قبل وبعد العمل ومن خلال ذلك نستنتج ان الازمان السابقة والتي تنعدم فيها مصادر الانفتاح الاعلامي يكون الخضوع لمنطق الاستفادة الكاملة من الدولة على انه حقا طبيعيا لهم مادامت مسؤولياتهم الملقاة على عاتقهم هي كبيرة ايضا!يعني بعبارة اخرى العائد المادي يناسب حجم المسؤوليات الحكومية ولكن بدون حدود ضابطة لحجم النهب وفي تستر اعلامي شامل يرافقه رعب من جانب الغالبية المحرومة حتى لو عرفوا بذلك!.
عاشت فاطمة حياة رغيدة وبأقصى استفادة من متع الحياة المتاحة لها وساعدها في ذلك صغر سنها وضعف مستواها الثقافي الذي عوضته بسرعة كما هو يظهر بعد ذلك في الاستفادة من احتكاكها بالطبقات المختلفة الا ان وعيها بقي محدودا في التأثير على زوجها او محيطه،وقد يكون لانشغالها بأطفالها ثم متع الحياة المتاحة لها قد حد من انتشار التأثير على المحيط،وقد وصفت ذلك بشيء من التفصيل في اوراق الكتاب(ص84-86).
استقلت المغرب عن فرنسا عام 1956 وبطريقة سهلة نسبيا بالقياس الى دول كثيرة اخرى من قبيل الجزائر المجاورة لها،وقد وصفت ذلك بعبارة مؤثرة للغاية(ص60) وهي ان شعبا لم يدفع ثمن حريته غاليا،يظل على الدوام يعرج متعثرا!...وهذه العبارة في تقديري تنطبق على شعوب كثيرة استسلمت للطغيان بعد ذلك بسهولة اكثر من غيرها ويمكن مشاهدة ذلك والاستنتاج من خلال التاريخ المشبع بالامثلة التي تبهر العقول ويجعل من الحكمة الوقوف عندها طويلا!...
لكن في ذكرها لمذبحة(ص56)قام بها مغاربة ضد فرنسيين من بينهم اطفال ونساء وشيوخ عزل،ثم الرد الوحشي الفرنسي بأعدام اكثر من الفين من الابرياء بطريقة اكثر مأساوية يتبين لنا مقدار الجرم المقترف من قبل الطرفين وتكون نتيجته في الغالب ابرياء لاذنب لهم ولكن حظهم العاثر وضعهم بقرب تلك الجرائم ليكونوا كبش الفداء لها في التنفيس عن الغضب والانتقام المنافي للطبيعة الانسانية ومبادئ الرجولة والفروسية التي فقدناها في الصراع البشري الابدي...
ومن المفارقات التي تحدثت عنها(ص63) في وجود ابناء الاقلية البربرية في الجيش اثناء الحكم الفرنسي وهي صفة عامة لدى المستعمر في تفضيله لابناء الاقليات بغية خلق فرق تسد بين الجميع لعلمه ان الاقليات دائما تحتاج الى المساعدة في اثبات وجودها خاصة ضمن مجتمعات لم تعتاد على الديمقراطية كمنهج ثابت بين ابنائها لخلق الفرص المتكافئة بين جميع ابنائها،ولكن المغرب كان محظوظا في انه تجاوز ذلك بسرعة بعيد الاستقلال عندما بدأ في بناء جيشا وطنيا يعتمد على جميع ابنائه وبسرعة حتى يتجنب نتائج ذلك الخلل الكارثي مستقبلا رغم انه لم يتجنب خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة الملكية وبدون قيود رغم المحاولات الانقلابية المتكررة خلال العقدين الاوليين من الاستقلال.
تحدثت وبصورة متكررة عن الملك محمد الخامس والد الحسن الثاني وبينت بتفصيل مدى الاختلاف بين الشخصيتين فقد كانت الاولى هادئة وغير متعجرفة وتعيش البساطة في حياتها وساعد ذلك حياة النفي خلال الحكم الفرنسي ورغم ذلك فأنه لم يكن يخلو من العيوب التي يمكن استنتاجها من خلال حديثها عنه من قبيل الالتزام بالتقاليد المنافية لحقوق الانسان من خلال طلبه منها ترك ابنتها الصغيرة لتتربى بعيدا عنها مع ابنته في القصر ولا يسعها الرفض لذلك الطلب!فعائلة ترى ابنتهم بعيدة عنهم وفي كنف عائلة اخرى مهما كان حجم سطوتها هو امر في غاية التعسف وخرق فاضح لابسط حقوق الانسان،كذلك في اقالته الحكومة عام 1960 وجعل ابنه ولي العهد يديرها وهو بذلك يحول البلاد بعيدا عن الحكم الدستوري والذي يحاول الكثير من السياسيين خلقه لغرض تطوير البلاد بعيدا عن الاستبداد ولكن مع الاسف الشديد فشلت كل محاولاتهم وانتصر الاستبداد المقيت ليحول البلاد الى مرتع للرعب والفساد الذي سبب تخلفا مازالت تعاني المغرب منه لحد الان،اما الشخصية الاخرى فهو في غنى عن الحديث عنها ولكن تذكر(ص78) عبارة هامة قبل توليه العرش عام 1961 وهي رغبته ان يحكم مثل لويس الحادي عشر ملك فرنسا الذي حكم بطغيان خاصة في حبسه لخصومه وهي عبارة شؤم وكان الاولى ان يعلن رغبته ان يكون حاكما مثل الذي ينتسب اليه وراثيا كالامام علي(ع) او غيره من الحكام الاتقياء الذين تملأ سيرهم الحسنة كتب التاريخ،ولذلك كانت عبارتها بليغة عن وصف الرجلين هو ان محمد الخامس دفع المغرب خمسين عاما الى الامام اما الحسن الثاني فأعادنا خمسين عاما الى الوراء!.
وفي وصفه لسيرة حياته وتراكيب بنيته الشخصية يتبين لنا مدى خضوع شعوب بأكملها لمزاج وتقلبات اشخاص لو كانوا من العامة لكان وصفهم بالمعتوهين امرا يسيرا ! ولكن للحكم سحره في تحويل المعتوهين الى عباقرة مزيفين لا نحتاج لكشف ذلك الزيف سوى تحكيم مفردات العقل والمنطق بموضوعية شديدة لتصدر لنا احكامها القاضية العادلة،فقد كان كبقية الحكام العرب مفتونا بالنساء حتى ذكرت ان لديه اربعين امرأة وقد يكون ذلك خلال الفترة التي عاشتها معه فقط! وكذلك في تقليده للاوربيين في الشكل دون الجوهر من قبيل الملابس والاكل والبذخ وكل مظاهر الحياة الرغيدة والتي لاتنفع شعبه بشيء،ولكن كان مستبدا الى درجة عالية تلازمه صفات المكر والخداع والتربص بالخصوم واذلالهم بأسوأ الطرق الوحشية لارعاب البقية،وبأختصار يحتوي على المميزات العامة للطغاة!.
وقد وصفت حياة الرجلين زوجها والملك بشيء من التفصيل خاصة فيما يتعلق بحواشيهما من المتملقين والانانيين الذي يلهثون وراء مصالحهم الشخصية بغض النظر عن الثمن الواجب لهم دفعه،فالمهم القبض بدون شرعية مصدره!.
تصف فاطمة(ص69) الاحوال السياسية في المغرب والتي لم تختلف عن البلاد العربية الاخرى في انتشار المد اليساري وخاصة الشيوعي منه،وتأثيرات ذلك على الشعب الذي يرفض اغلبيته بعض الافكار الالحادية والتحررية من الاخلاق العامة،بينما تنكر الان حالة الهيجان والتطرف الاسلامي وخاصة الاعمال الاجرامية في قتل الاطفال والنساء والابرياء في فتاوى تكفيرية كما يجري في الجزائر المجاورة،وهذا ملاحظة هامة في كون الشعوب قريبة من بعضها في تلقي نفس الافكار والمبادئ والتفاعل معها سواء اكانت يمينا او يسارا!.
تولى زوجها بداية مناصبه الامنية بمساعدة من الزعيم الوطني محمد بن بركة والذي تورط اوفقير بقتله لاحقا كرد للجميل!...وخلال حكم الحسن الثاني تولى الجنرال اوفقير ارفع المسؤوليات الامنية وبنى اضخم الاجهزة الارهابية وبمساعدة دول تدعي الديمقراطية(ص83)وهي فرنسا وامريكا وبريطانيا واسبانيا واسرائيل ! (لعب دورا رئيسيا في تسفير130 الف يهودي بين عامي 1956-1964) وهي سياسة عامة اثناء الحرب الباردة في دعم النظم المستبدة بغية ابعاد اليسار عن الحكم لكونه قريبا للكتلة السوفيتية وهي سياسة اثبتت فشلها في خلق اجيال عديدة تربت على كره الغرب وسياساته بل وحتى شعوبه! وانتجت اجيال من المتطرفين ومن كل الاتجاهات الفكرية حتى وصلت الى حدود الغرب وعندها تبين خطأه ومحاولة استدراك مافاته ولكن مازال هنا خلل فاضح في تلك السياسة لحد الان ولم يتم تصحيح كامل للسياسات الخارجية!.
وفي صراحة نادرة قل مثيلها تعترف وبشيء من التفصيل(ص87-95) بعلاقات زوجها النسائية المتعددة وبرودة رد فعلها على ذلك حتى وقوعها وهي المتزوجة بحب ضابط شاب لعدة سنوات وطلاقها من اوفقير الذي حاول وبشتى الطرق التفريق بينهما حتى نجح من خلال استخدام ورقة الاطفال واسترجع زوجته،وهي بذلك تكسر حاجز الكثير من القيود في ذكر دقائق الحياة الشخصية وما يتخللها خاصة من سيرة الحياة العاطفية وآثارها على الفرد وهذا قلما نجده في مذكرات الكثير من المشاهير حتى في العالم الغربي وهو ناتج من شعور خاطيء لدى العامة بكون هؤلاء بعيدن عن الاخطاء التي تمس البسطاء باعتبارهم نماذج مثالية حصلت على مكانتها بقدراتها الغير اعتيادية ومهما كانت شرعية تلك الطرق ،وبالتالي من الواجب اتباعهم كوسيلة للوصول الى نفس المكانة في نفس طرق السلوك ونشر كل ما يمكن المس بالشخصية قد يؤثر في الصورة الايجابية لها!.
لكن ذلك ايضا يبين مدى التحرر من القيود الدينية والاجتماعية التقليدية لدى الاسر المتنفذة في المجتمعات المستبدة ومن بينها اسرة اوفقير التي كانت تعيش في وضع مشابه لعائلة الملك حتى حصول نكبتها والتي تذكرنا هنا بنكبة البرامكة في عهد هارون الرشيد،فرغم الخدمات التي قدمت له من قبلهم الا ان الحكم يستوجب احيانا قتل المنافسين مهما كانت حجم اعمالهم ودرجة قربهم كخوف دائم من فقدانه وبالتالي تكون التضحية بالمقربين خيرا من التضحية بالملك!.
وفي الفصل الخامس وخلال اثنتي عشرة صفحة فقط تلقي الضوء على قضية تصفية المعارض الرئيسي للنظام في باريس،الزعيم الوطني مهدي بن بركة عام 1965 ورغم ان معلوماتها قليلة عن القضية الا انها تتجاهل قرارات العدالة الفرنسية في تحميل زوجها مسؤولية تصفيته لما عرف عنه من قيامه بأعمال وحشية بررتها انها ضرورية لخدمة النظام !والتي ذكرت من بينها قمع المتظاهرين في نفس العام،ولكنها تلقي التهمة وبصورة ضمنية على الحسن الثاني كونه هو المسؤول الاول عن المغرب وزوجها ماهو الا منفذ لقراراته ورغباته،وقد اوجزت بحديثها عن تفكيك زوجها لجميع احزاب المعارضة ولكنها تلقي باللائمة على العقلية المغربية المثيرة للاستغراب حسب تعبيرها،كون ان رجالات المعارضة لم يصمدوا بوجه الطغيان الملكي،وهذا حديث يثير الاستغراب فالقمع الوحشي والذي يتميز بأنعدام كل مظاهر المروءة والفروسية هي من ابرز صفات الانظمة القمعية في القرن العشرين وبالتالي يكون طبيعيا كما جرى لصاحبة المذكرات نفسها ان يتم اعتقال الابرياء القريبين من المذنب السياسي ويجري اعدامهم او تعذيبهم بمنتهى الاذلال وبالتالي يجعل عذر بعض هؤلاء قويا امام نذالة السلطة الحاكمة وهذا يؤدي الى ضعف حجة المؤلفة والتي تصف في فقرات قريبة طريقة الانتخابات في المغرب فترة الستينات والتي كان يشرف عليها زوجها عندما تسأله عن نتائجها قبل حدوثها والتي يجيبها مع ابتسامة ان النتيجة معروفة هي 99.99%!!.
دفاع فاطمة عن زوجها في تبرير اعماله القذرة دافعها انه زوجها الذي تختلف معاملته لها وفي الدفاع عنه ايضا محاولة للدفاع عن نفسها وبالتالي ان رأيها هنا لايعتمد عليه اطلاقا كون ان داخل البيت شيء واثناء العمل وهو الذي لايشركها بالتاكيد به هو شيء اخر،ولكن برائتها من الاشتراك في جرائمه المتعددة هي ظاهرة للعيان وبدون لبس او شك،ويمكن رؤية التناقض في قولها عن زهده في اموال الدولة ! رغم ان الحسن الثاني يعرض عليه ذلك،ولكن من فلتات قلمها ومن بين السطور(ص106) تذكر كيف يراهن بمبالغ هائلة بالبوكر مع اصدقائه وهي مبالغ لم يستطع احد يجعله يدفعها وسواء دفعها ام لم يدفعها فأنه في الحالتين مذنب ووصفها لطريقة معيشتها التي تتصف بالبذخ الشديد هو مناقض لاقوالها خاصة وقد ذكرت انه في قصرها عندما القي القبض عليها كان يوجد لديها 22 خادم في البيت!!يعني اذا كانت نزاهة زوجها بتلك الصورة فكيف تكون سرقة المال العام؟! واذا كانت طرقه الوحشية في قمع الشعب وقتل الزعماء الوطنيين هي ضرورية ولخدمة النظام فكيف تكون الخيانة لامانة خدمة الوطن والمواطن وهو وزير للداخلية والرجل الثاني في الدولة بعد الجلاد الاكبر فيها الملك!.
تصفية المناضل بن بركة كان الجريمة الاكثر بشاعة في تاريخ النظام المغربي ووصمة عار ابدية،وقد اشترك في الجريمة عملاء فرنسيين ايضا وجرى تعذيبه بشكل وحشي افقده حياته ثم جرى اذابة جسده في حوض من التيزاب وحسب قول من اشترك في الجريمة فأن من قام بقتله اوفقير والعقيد الدليمي وقد انتقمت العدالة الالهية اشد انتقام منهما وعلى يد معبودهما الحسن الثاني!! وتلك سنة الحياة في كون القتلة يقتلون بعضهم البعض ول بعد حين!. وقد وصفت حياته باللامبالاة بعد تلك الجريمة وهي ناتجة من تعذيب الضمير له خاصة وان اتهام الرأي العام له كان مطلقا مع شهرة ذلك،وبالتالي لم يعد لديه مجالا للنكران او الابتعاد عن دائرة الحكم بعد ان اوغل بالجريمة كبقية الجلادين الذين لايجدوا معنى للحياة سوى ممارسة المزيد من الاعمال الشريرة التي تكون في الغالب وسائل ذاتية للتعبير عن تعذيب النفس بطريقة مرضية ولكن من خلال ايقاع المزيد من العذاب بالاخرين!.
تحدثت فاطمة عن محاولة انقلاب قصر الصخيرات عام 1971 والتي قام بها بعض الضباط والجنود المغاربة بعد ان طفح الكيل بهم من جراء القمع الوحشي للنظام الملكي واذلاله الشعب بشكل فظيع مع سيطرة حفنة من السراق والقتلة وتحت سمع وبصر الملك على مقاليد الامور في البلاد،وكادت العملية ان تنجح لولا اختباء الملك واوفقير وبعض اعوانهما في المغاسل وقد ارتكب الانقلابيون خطأ قاتلا عندما تركوا القصر وتوجهوا للعاصمة وعندها استرجع النظام زمام الامور بسرعة وجرت تصفية القادة العسكريين بسرعة وبوحشية كما هي العادة وعندها اصبحت العلاقة اكثر شكوكا بين الطرفين:الملك واوفقير الذي قام بتصفية زملائه الجنرالات الذين قضى معهم فترات طويلة من حياته في العمل معهم.
حاول اوفقير مع ضباط اخرون القيام بأنقلاب اخر خوفا من انتقام الملك الذي لم يترك لشكوكه مجالا للصداقة والاطمئنان لمرؤوسيه،فكانت المحاولة الفاشلة في آب 1972 هي الضربة القاصمة التي قضت على كل مبادرة رئيسية للقضاء على النظام الملكي وكانت نهاية الجنرال اوفقير مأساوية بعد ان اتهم بقيادتها،وبذلك قضى الحسن الثاني على كل جلاديه وبفترات متباعدة ولم يبقى سوى قلة ذكرت فاطمة بعضا منهم وبأعمالهم الاجرامية.
الانتقام من اسرة بريئة:
بعد ذلك بدأت رحلة العذاب الكبرى للسيدة فاطمة واولادها الستة(ولدان واربع فتيات)واكبرهم كانت بنت عمرها 19 واصغرهم طفل عمره 3 سنوات!بالاضافة الى امرأتين من اقاربهما الاوفياء اللتان بقيتا على اخلاصهما للاسرة بينما تركهما اقرب المقربين بسبب الخوف من انتقام النظام وارهابه اللامحدود،ومهما تكن الاسباب في الاعتقال وهي بين الشك في معرفة المتآمرين الى معرفة اسرار اوفقير الى اهانة الملك بسبب قتله لوالدهم،كل ذلك لايبرر اطلاقا اعتقال عائلته فضلا عن تعذيبهم بوحشية يندر حدوثها من ملك يدعي الاسلام والانتساب العلوي وغير ذلك من التسميات والادعاءات الفارغة التي لاقيمة لها امام تلك الحقائق المرعبة.
تحولت حياة الاسرة بين ليلة وضحاها بين النعيم والثراء الفاحش الى السجون والمعتقلات السرية الرهيبة للحسن الثاني والتي يطلق عليها تهذبا اسم حدائق الملك! وهو الاسم الذي اختارته فاطمة اسما لكتابه الذي يروي ذكرياتها الاليمة.
لم يعبأ الملك الطاغية ولا اعوانه بحياة تلك الاسرة الصغيرة ولم تكن في قلوبهم المتحجرة اية رحمة عليهم لمدة 15 سنة في السجن حتى تلاه الهروب الشهير عام 1987 الذي لولاه لبقوا الى نهايتهم المحتومة! ثم اتصال الهاربين ببعض المحامين من فرنسا الذين استطاعوا توفير الحماية الجزئية لهم وتم تحويلهم الى اقامة جبرية انهيت عام 1991 وبالتالي قضت تلك الاسرة 19 عاما من العذابات الرهيبة والتي وصفتها بالتفصيل البديع وبأسلوب جذاب رغم الحزن والالم الذي يلف شعور كل انسان عند قرائته تلك القصص الوحشية من عذاب ابرياء استطاعوا وبفضل الله تعالى ان يخرجوا الى الحياة وان يفضحوا ممارسات النظام الاجرامية الرهيبة وان يكشفوا عن مدى نذالة وقذارة الحسن الثاني ومعاونيه الذين لم تنزل رحمة في قلوبهم على اطفال صغار دون يتذكروا قدرة الباري عزوجل عليهم يوم لا ينفع الندم ولا يوجد فيه حسب او نسب وكل انسان يحمل اعماله في رقبته ويضعها امام خالقه او حتى امام التاريخ الانساني عندما يذكر سيرتهم المخزية،ولكن تبقى في النهاية العقول المتعفنة في تبجيل المتعفنين الذين لاقيمة لهم امام الحق والعدل والحرية من خلال عدم تصديق تلك القصص او التشكيك فيها في دلالة واضحة على مدى الانحطاط الذي يلف عقول وقلوب ملايين البشر في الوقت الحاضر وتلك الحقيقة المؤلمة لا تنطبق على بلد بحد ذاته بل تلك مآساة عامة في كل البلاد والامثلة عديدة لامجال لذكرها هنا ولكن يمكن لمن يريد ان يمتلك عقلا حرا ان ينقب عنها.
الجريمة البشعة التي ذكرت تفاصيلها في معاناة تلك الاسرة البريئة تبرز لنا الجانب الظلامي في الانظمة العربية المستبدة التي فقدت كل قيم الانسانية ومعانيها السامية وبذلت في سبيل كرسي الحكم كل طاقات شعوبهم الجبارة والتي تحولت في النهاية الى شعوب مستعبدة تخاف ان تسأل عن ذوي ضحاياهم فكيف عن شهدائهم!!.
استفادت السيدة فاطمة وابنائها في فترة قصيرة في تثقيف انفسهم خلال فترات الحجز الاولى وقد جاء ذلك من خلال توفير الكتب اللازمة لهم،ولكن بعد فترة منعوا منها ومن ابسط حقوق السجناء!وقد شرحت ذلك بالتفصيل الذي يجعل القارئ يمتلأ حقدا على الملك ونظامه الارهابي الفاسد،وكان تصويرها الواقعي لحياتهم بالرغم من الالم والحزن هو في غاية الصدق والعفوية بحيث كان يحوي على دروس وعبر في الصبر على المآساة ومحاولة التشبث بالحياة بالرغم من قسوتها،وقد كان تصويرها متفوقا على الكثير من الكتب الادبية الخيالية التي تقارب نفس المضمون،وقد كان تصويرها للمشاعر الانسانية التي جمعت تلك الاسرة المنكوبة هو في غاية العذوبة وبأسلوب جميل وسلس،وكان تصويرها لقسوة الحراس في محله خاصة وان الكثير من امثال هؤلاء في بلدان العالم الثالث هم قمة في الهمجية والتخلف ولايراعون ابسط حقوق السجناء،وكيف يراعون اذا كان جلادهم الملك الفاقد لابسط المشاعر الانسانية في الرحمة تجاه تلك الاسرة ،هو يرفض العفو عنهم او حتى اطلاق سراحهم وتسفيرهم لخارج البلاد كما طلب منه ذلك بعض الحكام العرب وشاه ايران وتكون نتيجة تلك المساعي الحميدة هي مزيدا من القسوة والاهانة في ردة فعله الغريبة،ولكن اصعب ما في حياة تلك الاسرة هي سجن اطفال صغار وخاصة طفلهم الاصغر(عبد اللطيف 3سنوات)وترعرعه في السجن في عملية تتصف بمدى ما وصل اليه هؤلاء المتوحشون القساة من انحطاط والذي يملئون الارض ظلما وعدوانا التي لم تخلي منهم في اي وقت وكأنها سنة طبيعية للبشر!.
ومن اسوأ فترات سجنهم الطويلة هي فصلهم عن بعضهم البعض لسنوات بغية القضاء عليهم ولكن ارادة الله تعالى تشاء ان تجعلهم خير سفراء للمضطهدين في بلدهم،وخاصة المنسيون منهم والذين لا نعلم عنهم شيئا.
قصص السجن كثيرة ومن الضروري قرائتها بالتفصيل حتى يتوحد شعورنا مع شعور هؤلاء المعذبون ومن يدري لعله تخفيفا عن حزننا عما جرى لهم او تخفيفا من الذنب العظيم في بقاء امثالهم في سجون الحياة التعيسة!...وقد كانت قصة محاولة انتحار الطفل الاصغر وعذابات اخواته المرضى ومنع الدواء عنهن فضلا عن الغذاء والملابس الضرورية وغيرها من مستلزمات الحياة الاخرى هي من اقصى الصور،ولا ننسى الام التي تحملت الكثير من العذابات لاجل البقاء مرفوعة الرأس امام ازلام طاغية ملعون الى الابد وذكراه الان في مزبلة التاريخ.
من ابرز افكار تلك المأساة هي مقدار القوة الخفية للانسان في الصبر على المحن التي يخلقها له اخيه الانسان! ففي تلك القوة قدرة هائلة على تحمل اتعس الظروف واكثرها صعوبة ،والافكار الناتجة من سجن الاجساد هي تبقى مختلفة بشكل كبير عن عالم خارج السجن الذي يحياه الانسان بدون قيود جسدية،والحاجة المأساوية لافراد تلك الاسرة جعلتهم يخترعون الكثير من الاشياء البسيطة التي تدل على عبقرية الانسان في تلائمه مع الظروف المحيطة به في بيان تطبيقي لمقولة الحاجة ام الاختراع!وتذكر هنا نموذجا مثاليا في الاصرار على البقاء والتحرر من العذابات المتتالية في محاولة الهروب من السجن والتي انتهت بعد شهرين من الاعداد لها وبوسائل بدائية وعندما خرج بعضا منهم من السجن كان توجههم الى سفارات الدول الغربية بعيدا عن سفارات الدول العربية او الاسلامية التي لاتختلف انظمتها القمعية عن النظام المغربي وهي بادرة تجعل الجميع يقفون معها!.
تبقى في الختام رأي فاطمة حول تأييدها للنظام الملكي في المغرب وضرورة ديمومته رغم المآسي الناشئة منه لها ولاسرتها!وهذا غريب بعض الشيء ولكنه متوقع منها كونها تربت في محيط على طاعة النظام الملكي وحبه،واسباب ذلك في نظرها تعود الى اختلاف فئات الشعب المغربي وتقاليده الاجتماعية من منطقة لاخرى وبالتالي من الصعوبة بمكان ان يوحد ذلك الشعب المختلف الاعراق نظام جمهوري ديمقراطي فالاختلاف متباين الى درجة حادة من وجهة نظرها!...وفي الحقيقة ان ذلك رأي متهافت وضعيف امام الحقائق السياسية لعدد كبير من البلدان لان غالبية البلدان المستقرة وذات النظام الجمهوري تتكون شعوبها من فئات وطبقات تكون مختلفة بمراحل عن الشعب المغربي ولكنها موحدة بفضل القانون وطاعته والتزام الجميع بالخيار الديمقراطي او حتى الاستبداد الجمهوري وهو قريب للاستبداد الملكي وبذلك اعتقد ان تلك النظرة القاصرة هي منتشرة لدى عدد كبير من الشعوب التي تحكمها نظم ملكية محافظة وليس في المغرب فحسب...
وتبقى تلك القصة المأساوية حقيقة دامغة لخيانة اصحاب المسؤولية في المغرب وخاصة الملك المستبد الحسن الثاني،بل هي وصمة عار في جبين الانسانية المعذبة تحت سياط هؤلاء الحثالة المحترمون عندما تقف مكتوفة الايدي!....
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(8)
مقدمة لابد منها!....
لادب السجون وخاصة السيرة الذاتية لكتابها طعما خاصا يختلف عن الكتب الادبية الاخرى،فهي تحمل مختلف المشاعر والاحاسيس الصادقة التي عانت وتعاني في سبيل البقاء في عالم لايرحم احدا وفي حياة لن تستمر طويلا!بعد معاناة رهيبة سابقة في جهل كامل من المجتمع واجهزته الرادعة لتلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان ولذلك ينبغى مراعاة الكتاب المقروء الحامل لتلك الصفات فهو يختلف عن الكتب الاخرى بصدق المشاعر وبتعبها الحقيقي، وبدون تفهم تلك المعاناة والعيش بعواطف انسانية مشتركة مع معاناة كاتبها،يصبح من الصعب جدا فهم مدلولات تلك المعاناة وآثارها على الانسانية جمعاء.
تأبى العدالة الالهية الا وان تنتقم من الطغاة واعوانهم بطريقة او بأخرى وفق قانون العدالة للجميع وبدون استثناء،ورغم اننا نستعجل تلك العدالة الارضية(في حياتنا) والتي هي مكملة للعدالة السماوية(بعد مماتنا) وهي صفة ناتجة من طبيعتنا المحبة للخير والسلام،الا ان تلك العدالة تأخذ صورا عديدة في احكامها،ومن اهم تلك الاحكام التي رغم انها تكون مؤجلة بعض الشيء ولحكمة آلهية فيها قد لانفهم مغزاها الا بعد فترة طويلة او كناموس طبيعي للحياة هي فضائح الظالمين وخاصة في اثناء حياتهم وهي تأخذ درجات مختلفة وبصور متعددة وقد يكون من بينها فضائح الفساد المتنوعة والتي تنتشر في وسائل الاعلام وخاصة لاسر واتباع الطغاة،ولكن من ابرز تلك الصور خروج المعذبين من سجونهم ومعتقلاتهم الى الحياة الطبيعية مرة اخرى وتصويرهم لحياتهم السابقة بمختلف تفاصيلها لمن لم يعشها ويرغب سماع الحديث عنها فهذا هو انتقام آلهي من خلال نشر لغسيل الحاكمين القذر امام الرأي العام والذي قد يكون في حالة من الاستمرارية في انعدام الوعي في تقديسه الزائف لهؤلاء البشر الذين لايختلفون عن الاخرين بشيء سوى ان الحظ حالفهم بطريقة او بأخرى في ان يستولوا على مقدرات بلادهم ويتحكمون بها بطريقة مشينة خاضعة لغرائزهم الحيوانية التي لايقف امامها حائل مهما كانت النتائج الظاهرة منها ومهما كانت العبر في من سبقهم في نفس الطريق...والبشر في الغالب لايتعلمون من اخطاء اسلافهم! (قد تكون منبه لنا من حالة اللاوعي! وهي دليل على نقصنا الكامل)...
الخارجون من السجون والمعتقلات وخاصة الابرياء منهم هم في الحقيقة مواليد جدد في عالم مابعد الحياة التعيسة التي خضعوا لها بصورة خارجة عن ارادتهم من خلال قدرة خصومهم،وحياتهم الجديدة تختلف بالتأكيد عن حياة من يولد في الحياة لاول مرة كونه يعيش بذاكرة متعبة تحتوي على خزين هائل من الالم والحزن والذخيرة المعلوماتية التي يأبى احيانا العقل الطبيعي المقابل تصديقها او هضم مفرداتها حتى ولم يدرك معالم وحشية الافراد القائمين بها! بمعنى اخر هو الانتقال من حالة العذاب الى حالة مابعد العذاب والتي تستحيل حالة القطع بينهما فالترابط يبقى قائما بينهما الى النهاية بينما المولود الجديد هو خال من اي ذاكرة طبيعية ويكون في حالة من الاستعداد لبدء حياة قد تكون سعيدة وهي نادرا او أليمة وهي غالبا!ويكون متلقيا من المحيط بينما المعذبون هم يعلمون البشرية حجمها الطبيعي وحقيقتها البشعة الغافلة عنها بصمت رهيب ولامبالاة قاتلة.
هؤلاء المولودين الجدد لحياة جديدة لن تكون سهلة عليهم بالطبع وسوف تستمر معاناتهم مع مجتمع لم يقف معهم وهو في الغالب في حالة من انعدام الوعي الكامل وخاصة اذا كان خاضعا لاعلام موجه يتناغم مع موروث ثقافي تقليدي والتي في بعضها مصبوغ بلون ديني مزيف،وهنا تبرز المتاعب ليس فقط لهؤلاء الضحايا بل للحقيقة والتاريخ الصحيح الذي يبتغيه كل انسان حر غير مقيد بتقاليد تقديسية زائفة لاشخاص يحكمون بأسمه بطريقة تكون احيانا مضحكة في كيفية تقبل العقل والمنطق السليم لهكذا ترهات من اشخاص معتوهين ولكنهم انيقي المظهر وينتسبون احيانا لاسر تدعي الشرف الوراثي المتسلسل الذي لاقيمة له امام تطبيق المبادئ الانسانية في الحرية والاخوة والمساواة...
تلك هي مقدمة اسوقها الى هذا الكتاب القيم والعبرة بما جاء فيه حتى لو لم نتفق مع صاحبه ولكن تبقى المعاناة الانسانية هي الجامع الحقيقي بين تعاطف بني البشر والحلقة الاقوى في الربط بينهم! فالمعاناة والشقاء تجمع والرخاء والبذخ يفرق!...
الكتاب الثامن:
الكتاب: حدائق الملك
اوفقير والحسن الثاني ونحن
المؤلف:فاطمة اوفقير
الطبعة 2007 في الدار البيضاء وفي بيروت لنفس الناشر،ويتألف من 271 صفحة.ومترجم من الفرنسية،من القطع المتوسط ومن الورق الخشن.
هذا الكتاب هو سيرة ذاتية بشعة حصلت لفاطمة واولادها الستة مع اثنين من اقربائهما المخلصين الذين ابوا الا ان يعيشوا المآساة معهم في السجون والمعتقلات الرهيبة للجلاد المغربي الحسن الثاني الذي يلقبه البعض عندهم بأمير المؤمنين! وهي صفة لاتليق الا بالصالحين المخلصين للحق والعدل .
قبل الاعتقال:
تحدثت السيدة فاطمة اوفقير(1936-) وبأسلوب ادبي جميل وفي غاية الدقة في الوصف لحياة صعبة عاشتها في المغرب وهي من اسرة ذات اصول بربرية،وكان تحدثها عن المآسي في فقدان والدتها بعمر صغير(18عاما) ثم اخيها الصغير،في الحقيقة حديثها مؤثرا للغاية وهي مشاعر انسانية يشترك الجميع في الاحساس بها والاستشعار بمعاناة الاخرين منها اذا لم تصيبهم نفس المآسي.
الوصف الدقيق لحياة الاقوام في المغرب هو مهم لبيان طبيعة مكونات ذلك الشعب ولمعرفة خصائصه الاجتماعية التي تختلف احيانا عن شعوب اخرى قد تكون مجاورة له،وقد تحدثت في اماكن كثيرة عن ذلك الاختلاف والمشاكل التي تحدث للمغرب بسببها ولكن يبقى ذلك من خلال وجهة نظرها ومن خلال خلاصة تجربتها الاليمة في الاحتكاك بطبقات كثيرة من مكونات ذلك المجتمع المتعدد الاعراق والاصول ولكن يشترك في بوتقة الاسلام والمذهب الواحد والتي هي من خلال رؤيتها للحالة المغربية تستنتج انها لم تكن كافية لجمعهم بل احتاجوا الى استبداد! يجمعهم من خلال اسرة حاكمة تعود اصولها العرقية للعلويين في شبه الجزيرة العربية وفي اخلاقها وتصرفاتها وطبيعة حياتها الى اصول مختلفة تماما عن معاناة العلويين واخلاقهم ومبادئهم المستمدة من الاسلام الثوري النزيه من كل مؤثرات الحكم القبيحة! وتلك علامة هامة يستوجب الاهتمام بها حتى لا تؤثر في احكامنا على قدسيات زائفة لاقيمة لها في عالم اليوم الذي يحاول بشتى الطرق التخلص من تقاليد واحكام ونظم سببت الكثير من المآسي للشعوب وبمختلف طبقاتها!.
وهذا التغير في طبائع تلك الاسرة الوارثة للحكم جاء من الاندماج الكامل في مجتمع يقرب للبداوة منه للاسلام بمعناه الحضاري،وقد ذكرت المؤلفة(ص7)عما حدثه جدها المشترك في الغزوات الداخلية وخاصة الاعمال الوحشية التي تنم عن انعدام كامل بالمثل الاسلامية والانسانية من قبيل ذكرها قطع اصابع النساء بغية اخذ الحلي منهن!وهي من صفات الجاهلية التي قضى الاسلام على فترة واحدة منها سرعان ما تفرخت فترات اخرى مازالنا نعيش في بعضا منها الان ولكن بثوب اسلامي جميل للمظهر فحسب!.
من خلال وصفها لسيرتها ودخولها لدير الراهبات وهي المسلمة(ص21) يتبين لنا تحررها من القيود الدينية منذ الصغر وبالتالي تأثيره لاحقا عليها وعلى بقية افراد اسرتها خاصة في فترة قبل دخول السجن او بعد خروجهم منه،وفي الغالب اذا لم يكن الانسان متدينا بالمعنى الغير تقليدي للكلمة في ان يكون متطبعا بروح الدين التي تسمو بالانسان،فأنه يخضع لمبادئ علمانية تجعل المثل الانسانية في اولوية اهتماماتها،فأذا فقدت الاتجاهين فأن المأساة سوف تحل بهم او بمن حولهم اذا تسلموا مناصب عليا غير خاضعة للضوابط ،وهذا ما يمكن رؤيته في الكثير ممن اوغلوا في دماء بني جنسهم البشري لعدم وجود الرادع الذاتي الذي يقيهم من هفواتهم القاتلة سواء الديني او ضميرهم الانساني .
كان والد فاطمة وزوجها ايضا جنودا وضباطا في الجيش الفرنسي وقد قاتلوا ببسالة معه في المعارك وخاصة التي تكون لمصلحة فرنسا العليا! وهي صفة نادرة الحدوث في الشرق الاوسط ،التي خضعت بعض اجزائها الى الاحتلالين البريطاني والفرنسي،بل بقيت صفة موصوفة بالخيانة العظمى للوطن المحتل،ولكن الظاهر ان تلك التسميات كانت غير مشدد عليها في بلدان المغرب العربي وافريقيا رغم ان الكثير من بقايا تلك الجيوش تسببت في جرائم ومشاكل لاحدود لها لبلدانها بعد الاستقلال! ويمكن الاشارة الى بلاد مثل الجزائر والمغرب وتونس وغرب افريقيا،كما ان البلدان المستعمرة بقيت تساند هؤلاء المرتزقة سواء في بلدانهم او في داخل بلادها التي اقام فيها عدد كبير وبعضهم هارب من العدالة في بلده!.
هؤلاء المرتزقة كانوا قساة الى درجة كبيرة في التعامل مع شعوبهم وهي ناتجة من طبيعة عملهم في قمع شعوبهم لمصلحة المحتل او الحرب مع بلدان منافسة اخرى تحارب مستعبديهم! ويكن رؤية ذلك من خلال الانقلابات العسكرية في القارة الافريقية والتي قادها ضباط وجنود مرتزقة حولوا حياة شعوبهم لجحيم لا منتهي وهي خاصة ينبغي الوقوف عندها كثيرا،فعدم تطبيق العدالة على من يخرقها هو بالتالي تشجيع لهم على العودة الى طبيعة عملهم الاولى،وبالتالي ضرورة العمل على ازالة وجودهم من كل مؤسسات الدولة والمجتمع ودمجهم في الحياة العامة بدون الاستعانة بهم في بناء الدولة لان انقلابهم عليها او على مبادئها اذا كانت سليمة سوف تكون نهاية المطاف!،وعموما لايعمل تلك الاعمال الوحشية الا من باع نفسه للشيطان في سبيل حياة رغيدة او للانتقام من مجتمع رافض له!.
في الفصل الثاني(بعد ص20)تحدثت المؤلفة عن زوجها الجنرال محمد اوفقير سواء قبل او بعد تعارفهما،وهو نموذج مثالي لبقايا مرتزقة الاحتلال الفرنسي للمغرب!وهي كما قلت لم تكن تهمة مشينة لدى نسبة كبيرة من المجتمع!وبالتالي جعلها تقبل به كزوجا عمله مقارب لعمل والدها!وهي كانت في سن صغيرة جدا(16 سنة)وغير قادرة على التمييز بأعترافها من خلال استمرارها في شراء لعب الاطفال! وزوجها ايضا من اصول بربرية ومن عائلة ثرية حسب قولها،ولكن لعبت خدمته مع الجيش الفرنسي دورا كبيرا في ثرائه بعد ذلك كما يتبين ذلك من وصفها للحياة الزوجية والبذخ الناتج عنه والذي تدافع عنه حتى النهاية ضد المشككين بنزاهة زوجها!!...
في الحقيقة ان الدفاع في حالة نزاهة اوفقير وهو الجنرال المعروف عنه اجرامه وانعدام الوازع الديني والاخلاقي (من وجهة نظر امثاله تكون تلك الوطنية!) في سلوكه هو كمن يضحك على عقول الاخرين!فمهما حاولت زوجته الدفاع عنه وبمختلف الحجج من خلال سيرتها والتي لا تذكر تفاصيل الاجراءات الوحشية التي قضاها في قمع الشعب وقواه الوطنية الا بصورة مختصرة،فهي ضعيفة المسانيد العقلية وامام القارئ المتلهف لمعرفة الحقيقة وخاصة المدقق في كل كلمة تقال لان من خلال فلتات البعض تكشف الحقائق! والاسر غالبا ما تدافع عن راعيها بغض النظر عن طبيعة عمله والتي لو كانت تتعارض مع قيم الاسرة لمتنعت منذ البداية عن السماح او مجاراة افرادها في الاستمرار،ومهما كانت المآسي التي عاشتها في حدائق الملك(مصطلح احتقاري بديع لسجون ومعتقلات الملك) فانها غير كافية لتبرير حالة الثراء الفاحش التي عاشتها هي واسرتها،فالاموال التي حصل عليها من الجيش الفرنسي تبقى غير نظيفة بتاتا لمن يريد التصدي لمسؤوليات وطنية كبرى ثم بعد ذلك توليه المسوؤلية الكبرى لحفظ امن النظام الملكي الشمولي والذي لايحاسب اتباعه المخلصين على سرقاتهم وخروقاتهم المفضوحة بقدر اهتمامه بأخلاصهم له!وهي صفة عامة للنظم المستبدة،فأن الاموال التي حازها اوفقير في حياته هي تفوق بشكل كبير املاكه الموروثة وقد بقي النظام ينظر الى ذلك الامر بعد تصفيته على انه حقيقة بينما تحاول زوجته والتي تذكر تفاصيل كثيرة من حياته التي تتميز بالقسوة والفساد الاخلاقي وانعدام الورع،تبقى كلها امور مشجعة للمرء على نهب املاك الدولة،ويمكن مقارنة ذلك الان بعد ان تحررت الكثير من الامم من نظمها الاستبدادية وتحولها الى الديمقراطية والاعلام الحر،يمكن تبيان حجم املاك ورواتب المسؤولين في الدولة قبل وبعد العمل ومن خلال ذلك نستنتج ان الازمان السابقة والتي تنعدم فيها مصادر الانفتاح الاعلامي يكون الخضوع لمنطق الاستفادة الكاملة من الدولة على انه حقا طبيعيا لهم مادامت مسؤولياتهم الملقاة على عاتقهم هي كبيرة ايضا!يعني بعبارة اخرى العائد المادي يناسب حجم المسؤوليات الحكومية ولكن بدون حدود ضابطة لحجم النهب وفي تستر اعلامي شامل يرافقه رعب من جانب الغالبية المحرومة حتى لو عرفوا بذلك!.
عاشت فاطمة حياة رغيدة وبأقصى استفادة من متع الحياة المتاحة لها وساعدها في ذلك صغر سنها وضعف مستواها الثقافي الذي عوضته بسرعة كما هو يظهر بعد ذلك في الاستفادة من احتكاكها بالطبقات المختلفة الا ان وعيها بقي محدودا في التأثير على زوجها او محيطه،وقد يكون لانشغالها بأطفالها ثم متع الحياة المتاحة لها قد حد من انتشار التأثير على المحيط،وقد وصفت ذلك بشيء من التفصيل في اوراق الكتاب(ص84-86).
استقلت المغرب عن فرنسا عام 1956 وبطريقة سهلة نسبيا بالقياس الى دول كثيرة اخرى من قبيل الجزائر المجاورة لها،وقد وصفت ذلك بعبارة مؤثرة للغاية(ص60) وهي ان شعبا لم يدفع ثمن حريته غاليا،يظل على الدوام يعرج متعثرا!...وهذه العبارة في تقديري تنطبق على شعوب كثيرة استسلمت للطغيان بعد ذلك بسهولة اكثر من غيرها ويمكن مشاهدة ذلك والاستنتاج من خلال التاريخ المشبع بالامثلة التي تبهر العقول ويجعل من الحكمة الوقوف عندها طويلا!...
لكن في ذكرها لمذبحة(ص56)قام بها مغاربة ضد فرنسيين من بينهم اطفال ونساء وشيوخ عزل،ثم الرد الوحشي الفرنسي بأعدام اكثر من الفين من الابرياء بطريقة اكثر مأساوية يتبين لنا مقدار الجرم المقترف من قبل الطرفين وتكون نتيجته في الغالب ابرياء لاذنب لهم ولكن حظهم العاثر وضعهم بقرب تلك الجرائم ليكونوا كبش الفداء لها في التنفيس عن الغضب والانتقام المنافي للطبيعة الانسانية ومبادئ الرجولة والفروسية التي فقدناها في الصراع البشري الابدي...
ومن المفارقات التي تحدثت عنها(ص63) في وجود ابناء الاقلية البربرية في الجيش اثناء الحكم الفرنسي وهي صفة عامة لدى المستعمر في تفضيله لابناء الاقليات بغية خلق فرق تسد بين الجميع لعلمه ان الاقليات دائما تحتاج الى المساعدة في اثبات وجودها خاصة ضمن مجتمعات لم تعتاد على الديمقراطية كمنهج ثابت بين ابنائها لخلق الفرص المتكافئة بين جميع ابنائها،ولكن المغرب كان محظوظا في انه تجاوز ذلك بسرعة بعيد الاستقلال عندما بدأ في بناء جيشا وطنيا يعتمد على جميع ابنائه وبسرعة حتى يتجنب نتائج ذلك الخلل الكارثي مستقبلا رغم انه لم يتجنب خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة الملكية وبدون قيود رغم المحاولات الانقلابية المتكررة خلال العقدين الاوليين من الاستقلال.
تحدثت وبصورة متكررة عن الملك محمد الخامس والد الحسن الثاني وبينت بتفصيل مدى الاختلاف بين الشخصيتين فقد كانت الاولى هادئة وغير متعجرفة وتعيش البساطة في حياتها وساعد ذلك حياة النفي خلال الحكم الفرنسي ورغم ذلك فأنه لم يكن يخلو من العيوب التي يمكن استنتاجها من خلال حديثها عنه من قبيل الالتزام بالتقاليد المنافية لحقوق الانسان من خلال طلبه منها ترك ابنتها الصغيرة لتتربى بعيدا عنها مع ابنته في القصر ولا يسعها الرفض لذلك الطلب!فعائلة ترى ابنتهم بعيدة عنهم وفي كنف عائلة اخرى مهما كان حجم سطوتها هو امر في غاية التعسف وخرق فاضح لابسط حقوق الانسان،كذلك في اقالته الحكومة عام 1960 وجعل ابنه ولي العهد يديرها وهو بذلك يحول البلاد بعيدا عن الحكم الدستوري والذي يحاول الكثير من السياسيين خلقه لغرض تطوير البلاد بعيدا عن الاستبداد ولكن مع الاسف الشديد فشلت كل محاولاتهم وانتصر الاستبداد المقيت ليحول البلاد الى مرتع للرعب والفساد الذي سبب تخلفا مازالت تعاني المغرب منه لحد الان،اما الشخصية الاخرى فهو في غنى عن الحديث عنها ولكن تذكر(ص78) عبارة هامة قبل توليه العرش عام 1961 وهي رغبته ان يحكم مثل لويس الحادي عشر ملك فرنسا الذي حكم بطغيان خاصة في حبسه لخصومه وهي عبارة شؤم وكان الاولى ان يعلن رغبته ان يكون حاكما مثل الذي ينتسب اليه وراثيا كالامام علي(ع) او غيره من الحكام الاتقياء الذين تملأ سيرهم الحسنة كتب التاريخ،ولذلك كانت عبارتها بليغة عن وصف الرجلين هو ان محمد الخامس دفع المغرب خمسين عاما الى الامام اما الحسن الثاني فأعادنا خمسين عاما الى الوراء!.
وفي وصفه لسيرة حياته وتراكيب بنيته الشخصية يتبين لنا مدى خضوع شعوب بأكملها لمزاج وتقلبات اشخاص لو كانوا من العامة لكان وصفهم بالمعتوهين امرا يسيرا ! ولكن للحكم سحره في تحويل المعتوهين الى عباقرة مزيفين لا نحتاج لكشف ذلك الزيف سوى تحكيم مفردات العقل والمنطق بموضوعية شديدة لتصدر لنا احكامها القاضية العادلة،فقد كان كبقية الحكام العرب مفتونا بالنساء حتى ذكرت ان لديه اربعين امرأة وقد يكون ذلك خلال الفترة التي عاشتها معه فقط! وكذلك في تقليده للاوربيين في الشكل دون الجوهر من قبيل الملابس والاكل والبذخ وكل مظاهر الحياة الرغيدة والتي لاتنفع شعبه بشيء،ولكن كان مستبدا الى درجة عالية تلازمه صفات المكر والخداع والتربص بالخصوم واذلالهم بأسوأ الطرق الوحشية لارعاب البقية،وبأختصار يحتوي على المميزات العامة للطغاة!.
وقد وصفت حياة الرجلين زوجها والملك بشيء من التفصيل خاصة فيما يتعلق بحواشيهما من المتملقين والانانيين الذي يلهثون وراء مصالحهم الشخصية بغض النظر عن الثمن الواجب لهم دفعه،فالمهم القبض بدون شرعية مصدره!.
تصف فاطمة(ص69) الاحوال السياسية في المغرب والتي لم تختلف عن البلاد العربية الاخرى في انتشار المد اليساري وخاصة الشيوعي منه،وتأثيرات ذلك على الشعب الذي يرفض اغلبيته بعض الافكار الالحادية والتحررية من الاخلاق العامة،بينما تنكر الان حالة الهيجان والتطرف الاسلامي وخاصة الاعمال الاجرامية في قتل الاطفال والنساء والابرياء في فتاوى تكفيرية كما يجري في الجزائر المجاورة،وهذا ملاحظة هامة في كون الشعوب قريبة من بعضها في تلقي نفس الافكار والمبادئ والتفاعل معها سواء اكانت يمينا او يسارا!.
تولى زوجها بداية مناصبه الامنية بمساعدة من الزعيم الوطني محمد بن بركة والذي تورط اوفقير بقتله لاحقا كرد للجميل!...وخلال حكم الحسن الثاني تولى الجنرال اوفقير ارفع المسؤوليات الامنية وبنى اضخم الاجهزة الارهابية وبمساعدة دول تدعي الديمقراطية(ص83)وهي فرنسا وامريكا وبريطانيا واسبانيا واسرائيل ! (لعب دورا رئيسيا في تسفير130 الف يهودي بين عامي 1956-1964) وهي سياسة عامة اثناء الحرب الباردة في دعم النظم المستبدة بغية ابعاد اليسار عن الحكم لكونه قريبا للكتلة السوفيتية وهي سياسة اثبتت فشلها في خلق اجيال عديدة تربت على كره الغرب وسياساته بل وحتى شعوبه! وانتجت اجيال من المتطرفين ومن كل الاتجاهات الفكرية حتى وصلت الى حدود الغرب وعندها تبين خطأه ومحاولة استدراك مافاته ولكن مازال هنا خلل فاضح في تلك السياسة لحد الان ولم يتم تصحيح كامل للسياسات الخارجية!.
وفي صراحة نادرة قل مثيلها تعترف وبشيء من التفصيل(ص87-95) بعلاقات زوجها النسائية المتعددة وبرودة رد فعلها على ذلك حتى وقوعها وهي المتزوجة بحب ضابط شاب لعدة سنوات وطلاقها من اوفقير الذي حاول وبشتى الطرق التفريق بينهما حتى نجح من خلال استخدام ورقة الاطفال واسترجع زوجته،وهي بذلك تكسر حاجز الكثير من القيود في ذكر دقائق الحياة الشخصية وما يتخللها خاصة من سيرة الحياة العاطفية وآثارها على الفرد وهذا قلما نجده في مذكرات الكثير من المشاهير حتى في العالم الغربي وهو ناتج من شعور خاطيء لدى العامة بكون هؤلاء بعيدن عن الاخطاء التي تمس البسطاء باعتبارهم نماذج مثالية حصلت على مكانتها بقدراتها الغير اعتيادية ومهما كانت شرعية تلك الطرق ،وبالتالي من الواجب اتباعهم كوسيلة للوصول الى نفس المكانة في نفس طرق السلوك ونشر كل ما يمكن المس بالشخصية قد يؤثر في الصورة الايجابية لها!.
لكن ذلك ايضا يبين مدى التحرر من القيود الدينية والاجتماعية التقليدية لدى الاسر المتنفذة في المجتمعات المستبدة ومن بينها اسرة اوفقير التي كانت تعيش في وضع مشابه لعائلة الملك حتى حصول نكبتها والتي تذكرنا هنا بنكبة البرامكة في عهد هارون الرشيد،فرغم الخدمات التي قدمت له من قبلهم الا ان الحكم يستوجب احيانا قتل المنافسين مهما كانت حجم اعمالهم ودرجة قربهم كخوف دائم من فقدانه وبالتالي تكون التضحية بالمقربين خيرا من التضحية بالملك!.
وفي الفصل الخامس وخلال اثنتي عشرة صفحة فقط تلقي الضوء على قضية تصفية المعارض الرئيسي للنظام في باريس،الزعيم الوطني مهدي بن بركة عام 1965 ورغم ان معلوماتها قليلة عن القضية الا انها تتجاهل قرارات العدالة الفرنسية في تحميل زوجها مسؤولية تصفيته لما عرف عنه من قيامه بأعمال وحشية بررتها انها ضرورية لخدمة النظام !والتي ذكرت من بينها قمع المتظاهرين في نفس العام،ولكنها تلقي التهمة وبصورة ضمنية على الحسن الثاني كونه هو المسؤول الاول عن المغرب وزوجها ماهو الا منفذ لقراراته ورغباته،وقد اوجزت بحديثها عن تفكيك زوجها لجميع احزاب المعارضة ولكنها تلقي باللائمة على العقلية المغربية المثيرة للاستغراب حسب تعبيرها،كون ان رجالات المعارضة لم يصمدوا بوجه الطغيان الملكي،وهذا حديث يثير الاستغراب فالقمع الوحشي والذي يتميز بأنعدام كل مظاهر المروءة والفروسية هي من ابرز صفات الانظمة القمعية في القرن العشرين وبالتالي يكون طبيعيا كما جرى لصاحبة المذكرات نفسها ان يتم اعتقال الابرياء القريبين من المذنب السياسي ويجري اعدامهم او تعذيبهم بمنتهى الاذلال وبالتالي يجعل عذر بعض هؤلاء قويا امام نذالة السلطة الحاكمة وهذا يؤدي الى ضعف حجة المؤلفة والتي تصف في فقرات قريبة طريقة الانتخابات في المغرب فترة الستينات والتي كان يشرف عليها زوجها عندما تسأله عن نتائجها قبل حدوثها والتي يجيبها مع ابتسامة ان النتيجة معروفة هي 99.99%!!.
دفاع فاطمة عن زوجها في تبرير اعماله القذرة دافعها انه زوجها الذي تختلف معاملته لها وفي الدفاع عنه ايضا محاولة للدفاع عن نفسها وبالتالي ان رأيها هنا لايعتمد عليه اطلاقا كون ان داخل البيت شيء واثناء العمل وهو الذي لايشركها بالتاكيد به هو شيء اخر،ولكن برائتها من الاشتراك في جرائمه المتعددة هي ظاهرة للعيان وبدون لبس او شك،ويمكن رؤية التناقض في قولها عن زهده في اموال الدولة ! رغم ان الحسن الثاني يعرض عليه ذلك،ولكن من فلتات قلمها ومن بين السطور(ص106) تذكر كيف يراهن بمبالغ هائلة بالبوكر مع اصدقائه وهي مبالغ لم يستطع احد يجعله يدفعها وسواء دفعها ام لم يدفعها فأنه في الحالتين مذنب ووصفها لطريقة معيشتها التي تتصف بالبذخ الشديد هو مناقض لاقوالها خاصة وقد ذكرت انه في قصرها عندما القي القبض عليها كان يوجد لديها 22 خادم في البيت!!يعني اذا كانت نزاهة زوجها بتلك الصورة فكيف تكون سرقة المال العام؟! واذا كانت طرقه الوحشية في قمع الشعب وقتل الزعماء الوطنيين هي ضرورية ولخدمة النظام فكيف تكون الخيانة لامانة خدمة الوطن والمواطن وهو وزير للداخلية والرجل الثاني في الدولة بعد الجلاد الاكبر فيها الملك!.
تصفية المناضل بن بركة كان الجريمة الاكثر بشاعة في تاريخ النظام المغربي ووصمة عار ابدية،وقد اشترك في الجريمة عملاء فرنسيين ايضا وجرى تعذيبه بشكل وحشي افقده حياته ثم جرى اذابة جسده في حوض من التيزاب وحسب قول من اشترك في الجريمة فأن من قام بقتله اوفقير والعقيد الدليمي وقد انتقمت العدالة الالهية اشد انتقام منهما وعلى يد معبودهما الحسن الثاني!! وتلك سنة الحياة في كون القتلة يقتلون بعضهم البعض ول بعد حين!. وقد وصفت حياته باللامبالاة بعد تلك الجريمة وهي ناتجة من تعذيب الضمير له خاصة وان اتهام الرأي العام له كان مطلقا مع شهرة ذلك،وبالتالي لم يعد لديه مجالا للنكران او الابتعاد عن دائرة الحكم بعد ان اوغل بالجريمة كبقية الجلادين الذين لايجدوا معنى للحياة سوى ممارسة المزيد من الاعمال الشريرة التي تكون في الغالب وسائل ذاتية للتعبير عن تعذيب النفس بطريقة مرضية ولكن من خلال ايقاع المزيد من العذاب بالاخرين!.
تحدثت فاطمة عن محاولة انقلاب قصر الصخيرات عام 1971 والتي قام بها بعض الضباط والجنود المغاربة بعد ان طفح الكيل بهم من جراء القمع الوحشي للنظام الملكي واذلاله الشعب بشكل فظيع مع سيطرة حفنة من السراق والقتلة وتحت سمع وبصر الملك على مقاليد الامور في البلاد،وكادت العملية ان تنجح لولا اختباء الملك واوفقير وبعض اعوانهما في المغاسل وقد ارتكب الانقلابيون خطأ قاتلا عندما تركوا القصر وتوجهوا للعاصمة وعندها استرجع النظام زمام الامور بسرعة وجرت تصفية القادة العسكريين بسرعة وبوحشية كما هي العادة وعندها اصبحت العلاقة اكثر شكوكا بين الطرفين:الملك واوفقير الذي قام بتصفية زملائه الجنرالات الذين قضى معهم فترات طويلة من حياته في العمل معهم.
حاول اوفقير مع ضباط اخرون القيام بأنقلاب اخر خوفا من انتقام الملك الذي لم يترك لشكوكه مجالا للصداقة والاطمئنان لمرؤوسيه،فكانت المحاولة الفاشلة في آب 1972 هي الضربة القاصمة التي قضت على كل مبادرة رئيسية للقضاء على النظام الملكي وكانت نهاية الجنرال اوفقير مأساوية بعد ان اتهم بقيادتها،وبذلك قضى الحسن الثاني على كل جلاديه وبفترات متباعدة ولم يبقى سوى قلة ذكرت فاطمة بعضا منهم وبأعمالهم الاجرامية.
الانتقام من اسرة بريئة:
بعد ذلك بدأت رحلة العذاب الكبرى للسيدة فاطمة واولادها الستة(ولدان واربع فتيات)واكبرهم كانت بنت عمرها 19 واصغرهم طفل عمره 3 سنوات!بالاضافة الى امرأتين من اقاربهما الاوفياء اللتان بقيتا على اخلاصهما للاسرة بينما تركهما اقرب المقربين بسبب الخوف من انتقام النظام وارهابه اللامحدود،ومهما تكن الاسباب في الاعتقال وهي بين الشك في معرفة المتآمرين الى معرفة اسرار اوفقير الى اهانة الملك بسبب قتله لوالدهم،كل ذلك لايبرر اطلاقا اعتقال عائلته فضلا عن تعذيبهم بوحشية يندر حدوثها من ملك يدعي الاسلام والانتساب العلوي وغير ذلك من التسميات والادعاءات الفارغة التي لاقيمة لها امام تلك الحقائق المرعبة.
تحولت حياة الاسرة بين ليلة وضحاها بين النعيم والثراء الفاحش الى السجون والمعتقلات السرية الرهيبة للحسن الثاني والتي يطلق عليها تهذبا اسم حدائق الملك! وهو الاسم الذي اختارته فاطمة اسما لكتابه الذي يروي ذكرياتها الاليمة.
لم يعبأ الملك الطاغية ولا اعوانه بحياة تلك الاسرة الصغيرة ولم تكن في قلوبهم المتحجرة اية رحمة عليهم لمدة 15 سنة في السجن حتى تلاه الهروب الشهير عام 1987 الذي لولاه لبقوا الى نهايتهم المحتومة! ثم اتصال الهاربين ببعض المحامين من فرنسا الذين استطاعوا توفير الحماية الجزئية لهم وتم تحويلهم الى اقامة جبرية انهيت عام 1991 وبالتالي قضت تلك الاسرة 19 عاما من العذابات الرهيبة والتي وصفتها بالتفصيل البديع وبأسلوب جذاب رغم الحزن والالم الذي يلف شعور كل انسان عند قرائته تلك القصص الوحشية من عذاب ابرياء استطاعوا وبفضل الله تعالى ان يخرجوا الى الحياة وان يفضحوا ممارسات النظام الاجرامية الرهيبة وان يكشفوا عن مدى نذالة وقذارة الحسن الثاني ومعاونيه الذين لم تنزل رحمة في قلوبهم على اطفال صغار دون يتذكروا قدرة الباري عزوجل عليهم يوم لا ينفع الندم ولا يوجد فيه حسب او نسب وكل انسان يحمل اعماله في رقبته ويضعها امام خالقه او حتى امام التاريخ الانساني عندما يذكر سيرتهم المخزية،ولكن تبقى في النهاية العقول المتعفنة في تبجيل المتعفنين الذين لاقيمة لهم امام الحق والعدل والحرية من خلال عدم تصديق تلك القصص او التشكيك فيها في دلالة واضحة على مدى الانحطاط الذي يلف عقول وقلوب ملايين البشر في الوقت الحاضر وتلك الحقيقة المؤلمة لا تنطبق على بلد بحد ذاته بل تلك مآساة عامة في كل البلاد والامثلة عديدة لامجال لذكرها هنا ولكن يمكن لمن يريد ان يمتلك عقلا حرا ان ينقب عنها.
الجريمة البشعة التي ذكرت تفاصيلها في معاناة تلك الاسرة البريئة تبرز لنا الجانب الظلامي في الانظمة العربية المستبدة التي فقدت كل قيم الانسانية ومعانيها السامية وبذلت في سبيل كرسي الحكم كل طاقات شعوبهم الجبارة والتي تحولت في النهاية الى شعوب مستعبدة تخاف ان تسأل عن ذوي ضحاياهم فكيف عن شهدائهم!!.
استفادت السيدة فاطمة وابنائها في فترة قصيرة في تثقيف انفسهم خلال فترات الحجز الاولى وقد جاء ذلك من خلال توفير الكتب اللازمة لهم،ولكن بعد فترة منعوا منها ومن ابسط حقوق السجناء!وقد شرحت ذلك بالتفصيل الذي يجعل القارئ يمتلأ حقدا على الملك ونظامه الارهابي الفاسد،وكان تصويرها الواقعي لحياتهم بالرغم من الالم والحزن هو في غاية الصدق والعفوية بحيث كان يحوي على دروس وعبر في الصبر على المآساة ومحاولة التشبث بالحياة بالرغم من قسوتها،وقد كان تصويرها متفوقا على الكثير من الكتب الادبية الخيالية التي تقارب نفس المضمون،وقد كان تصويرها للمشاعر الانسانية التي جمعت تلك الاسرة المنكوبة هو في غاية العذوبة وبأسلوب جميل وسلس،وكان تصويرها لقسوة الحراس في محله خاصة وان الكثير من امثال هؤلاء في بلدان العالم الثالث هم قمة في الهمجية والتخلف ولايراعون ابسط حقوق السجناء،وكيف يراعون اذا كان جلادهم الملك الفاقد لابسط المشاعر الانسانية في الرحمة تجاه تلك الاسرة ،هو يرفض العفو عنهم او حتى اطلاق سراحهم وتسفيرهم لخارج البلاد كما طلب منه ذلك بعض الحكام العرب وشاه ايران وتكون نتيجة تلك المساعي الحميدة هي مزيدا من القسوة والاهانة في ردة فعله الغريبة،ولكن اصعب ما في حياة تلك الاسرة هي سجن اطفال صغار وخاصة طفلهم الاصغر(عبد اللطيف 3سنوات)وترعرعه في السجن في عملية تتصف بمدى ما وصل اليه هؤلاء المتوحشون القساة من انحطاط والذي يملئون الارض ظلما وعدوانا التي لم تخلي منهم في اي وقت وكأنها سنة طبيعية للبشر!.
ومن اسوأ فترات سجنهم الطويلة هي فصلهم عن بعضهم البعض لسنوات بغية القضاء عليهم ولكن ارادة الله تعالى تشاء ان تجعلهم خير سفراء للمضطهدين في بلدهم،وخاصة المنسيون منهم والذين لا نعلم عنهم شيئا.
قصص السجن كثيرة ومن الضروري قرائتها بالتفصيل حتى يتوحد شعورنا مع شعور هؤلاء المعذبون ومن يدري لعله تخفيفا عن حزننا عما جرى لهم او تخفيفا من الذنب العظيم في بقاء امثالهم في سجون الحياة التعيسة!...وقد كانت قصة محاولة انتحار الطفل الاصغر وعذابات اخواته المرضى ومنع الدواء عنهن فضلا عن الغذاء والملابس الضرورية وغيرها من مستلزمات الحياة الاخرى هي من اقصى الصور،ولا ننسى الام التي تحملت الكثير من العذابات لاجل البقاء مرفوعة الرأس امام ازلام طاغية ملعون الى الابد وذكراه الان في مزبلة التاريخ.
من ابرز افكار تلك المأساة هي مقدار القوة الخفية للانسان في الصبر على المحن التي يخلقها له اخيه الانسان! ففي تلك القوة قدرة هائلة على تحمل اتعس الظروف واكثرها صعوبة ،والافكار الناتجة من سجن الاجساد هي تبقى مختلفة بشكل كبير عن عالم خارج السجن الذي يحياه الانسان بدون قيود جسدية،والحاجة المأساوية لافراد تلك الاسرة جعلتهم يخترعون الكثير من الاشياء البسيطة التي تدل على عبقرية الانسان في تلائمه مع الظروف المحيطة به في بيان تطبيقي لمقولة الحاجة ام الاختراع!وتذكر هنا نموذجا مثاليا في الاصرار على البقاء والتحرر من العذابات المتتالية في محاولة الهروب من السجن والتي انتهت بعد شهرين من الاعداد لها وبوسائل بدائية وعندما خرج بعضا منهم من السجن كان توجههم الى سفارات الدول الغربية بعيدا عن سفارات الدول العربية او الاسلامية التي لاتختلف انظمتها القمعية عن النظام المغربي وهي بادرة تجعل الجميع يقفون معها!.
تبقى في الختام رأي فاطمة حول تأييدها للنظام الملكي في المغرب وضرورة ديمومته رغم المآسي الناشئة منه لها ولاسرتها!وهذا غريب بعض الشيء ولكنه متوقع منها كونها تربت في محيط على طاعة النظام الملكي وحبه،واسباب ذلك في نظرها تعود الى اختلاف فئات الشعب المغربي وتقاليده الاجتماعية من منطقة لاخرى وبالتالي من الصعوبة بمكان ان يوحد ذلك الشعب المختلف الاعراق نظام جمهوري ديمقراطي فالاختلاف متباين الى درجة حادة من وجهة نظرها!...وفي الحقيقة ان ذلك رأي متهافت وضعيف امام الحقائق السياسية لعدد كبير من البلدان لان غالبية البلدان المستقرة وذات النظام الجمهوري تتكون شعوبها من فئات وطبقات تكون مختلفة بمراحل عن الشعب المغربي ولكنها موحدة بفضل القانون وطاعته والتزام الجميع بالخيار الديمقراطي او حتى الاستبداد الجمهوري وهو قريب للاستبداد الملكي وبذلك اعتقد ان تلك النظرة القاصرة هي منتشرة لدى عدد كبير من الشعوب التي تحكمها نظم ملكية محافظة وليس في المغرب فحسب...
وتبقى تلك القصة المأساوية حقيقة دامغة لخيانة اصحاب المسؤولية في المغرب وخاصة الملك المستبد الحسن الثاني،بل هي وصمة عار في جبين الانسانية المعذبة تحت سياط هؤلاء الحثالة المحترمون عندما تقف مكتوفة الايدي!....
في ذكرى ملك مستبد
في ذكرى ملك مستبد:
اليوم 23-7-2009 تمر الذكرى العاشرة لرحيل الملك المجرم الحسن الثاني(1929-1999)ملك المغرب...وهو احد الارهابيين الطغاة الذين ملئوا الارض ظلما وجورا ...وفي الذكرى عبرة وعبرة!...
في هذا اليوم نذكر ضحايا نظام ذلك المجرم المقبور ... كما نقف مع ضحايا الاستبداد والطغيان في كل مكان...
نذكرهم وبألم شديد في نفوسنا كون الطغاة واعوانهم مازالوا مبجلون ومحترمون في عالم يسوده القمع والطغيان والنفاق...لا امل في شعوب مازالت تركع وتسجد لشخوص لو نقلت اعمالها للبشر العاديين لوصموا بالاجرام والكفر والنفاق والفسق!!...
ولكن املنا في الله تعالى ان يرفع شأنهم في الدنيا كما رفع شأنهم في الاخرة...وان ينتقم من ظالميهم مهما كانت سماته المزيفة...
الخزي والعار للمجرم السفاح الحسن الثاني وكل من باع نفسه اليه...
في رحيل الطغاة نرى زعماء النفاق والارهاب العالمي يتسابقون في حضور جنازات رفاقهم القبيحة السائرة الى الجحيم المستعر!...
ولا يذرون الدمع على ضحايا صاحب الجنازة!...
المجد والخلود لكل ضحايا الملك المستبد والذين تعذبوا على يدي جلاديه وبقوا على قيد الحياة ليروا لنا مآسيه ... ولكل ضحايا الانسانية المعذبة...
اليوم 23-7-2009 تمر الذكرى العاشرة لرحيل الملك المجرم الحسن الثاني(1929-1999)ملك المغرب...وهو احد الارهابيين الطغاة الذين ملئوا الارض ظلما وجورا ...وفي الذكرى عبرة وعبرة!...
في هذا اليوم نذكر ضحايا نظام ذلك المجرم المقبور ... كما نقف مع ضحايا الاستبداد والطغيان في كل مكان...
نذكرهم وبألم شديد في نفوسنا كون الطغاة واعوانهم مازالوا مبجلون ومحترمون في عالم يسوده القمع والطغيان والنفاق...لا امل في شعوب مازالت تركع وتسجد لشخوص لو نقلت اعمالها للبشر العاديين لوصموا بالاجرام والكفر والنفاق والفسق!!...
ولكن املنا في الله تعالى ان يرفع شأنهم في الدنيا كما رفع شأنهم في الاخرة...وان ينتقم من ظالميهم مهما كانت سماته المزيفة...
الخزي والعار للمجرم السفاح الحسن الثاني وكل من باع نفسه اليه...
في رحيل الطغاة نرى زعماء النفاق والارهاب العالمي يتسابقون في حضور جنازات رفاقهم القبيحة السائرة الى الجحيم المستعر!...
ولا يذرون الدمع على ضحايا صاحب الجنازة!...
المجد والخلود لكل ضحايا الملك المستبد والذين تعذبوا على يدي جلاديه وبقوا على قيد الحياة ليروا لنا مآسيه ... ولكل ضحايا الانسانية المعذبة...
2009/07/23
القصة
احتضنته المرأة التي ربته بلهفة كبيرة وقبلته باشتياق بينما لم يستطع هو إخفاء دموعه التي تساقطت مثل قطرات المطر بعد أعوام طويلة من الفراق. «تيمور الأنفال»، كما يطلق عليه، كان الناجي الوحيد من ضمن عشرات من الأكراد الذين جيء بهم من كردستان لدفنهم في السماوة في مقبرة جماعية في أواخر ثمانينات القرن الماضي إبان النظام الصدامي المقبور لدى تنفيذ عمليات الأنفال.
وعثرت عليه عائلة منذ أكثر من 22 عاما في تلك المدينة الجنوبية وربته كواحد من أبنائها وهو طفل صغير. وعاد تيمور اليوم من الولايات المتحدة إلى السماوة للقاء تلك المرأة التي يعتبرها كوالدته ولكي يشكر أهالي قرية العيشم التي قضى شبابه بين أراضيها وتعلم اللغة العربية فيها.
ولدى وصوله إلى المدينة ذهب إلى لقاء والدته الراقدة في المستشفى قائلا لها «اليوم جئت من أجل أن أزور والدتي الحقيقية التي أنقذتني من الموت وعاشت سنوات عديدة في قلق من حكومة صدام حسين». ولدى رؤيته لوالدته في المستشفى، احتضنها تيمور بكل اشتياق وقبل يدها ناسيا أن هنالك أشخاصا من القرية وأطباء ومسؤولين يرافقونه، وهمس في أذنها قائلا «أمي أنت أصبحت كبيرة في السن»، فتبسمت قليلا متسائلة «ولماذا لم تتزوج أنت لحد الآن؟».
وسرد تيمور حكايته قائلا «كان عمري 10 سنوات عندما سجنت مع عائلتي في سجن طوب زاوار في كركوك وكان حراس السجن يعتدون على النساء بكلام غير لائق، وبقينا 30 يوما في هذا السجن وفي اليوم 31 وبالتحديد في الساعة السادسة صباحا خرجنا من السجن وركبنا سيارات طويلة تشبه سيارات الثلاجات المتنقلة وكان الهواء قليلا ولا يوجد ماء أو طعام مما تسبب في موت فتاتين».
وتابع تيمور «في الساعة السادسة عصرا وصلنا إلى طريق صحراوي فتوقفت السيارات ونزلنا في المنطقة وكان الوقت بعد غروب الشمس، ومن خلال أضواء السيارات شاهدنا حفرا مربعة وبعد عشر دقائق قام الجنود برمي المساجين في الحفر».
وأضاف قائلا والألم يملأ وجهه «بعدها خيم الصمت على المكان فنظرت إلى السماء التي تزينها النجوم فتذكرت قريتي وأصدقائي وقد كان أبي وأمي قريبين مني لكن سرعان ما فتح الجنود نيران أسلحة الكلاشينكوف علينا فأصبت بطلقة في كتفي الأيسر»، وأضاف أنه «بعد برهة توقف الجنود عن إطلاق النار فتوسلت إلى أحدهم بأن يتركونا لأننا أبرياء لم نفعل شيئا ومسكت بيده وبرجليه لكنه قام بضربي وإرجاعي إلى الحفرة وعندئذ استأنف الجنود عملية إطلاق النار وبكثافة لكنني والحمد الله لم أمت».
وتابع يقول «عند عودة الجنود إلى السيارات وجدت بقربي فتاة جميلة وقلت لها اذهبي معي فقالت لي بأنها لا تستطيع ترك أبيها وأمها»، وتابع قائلا «اعذروني كنت صغيرا ولم أستطع إنقاذها فخرجت من الحفرة وزحفت بحذر حتى وجدت حفرة صغيرة فدفنت نفسي وسط التراب عندما سمعت أصوات إطلاقات نارية أخرى وأظنهم كانوا يقتلون أي سجين باق على قيد الحياة».
واسترسل قائلا «خرجت من الحفرة وزحفت لمسافات طويلة خوفا من أن يشاهدوني ولا أعلم إلى أين أتجه، فشاهدت من بعيد شيئا أسود اللون فاقتربت منه وعندها ظهرت 4 أو 5 كلاب مخيفة، لكن سبحان الله فور اقترابها مني وهي تزمجر توقفت فجأة، لقد كان موقفا مخيفا جدا فجاء فتى مناديا والدته التي قامت باحتضاني وألبستني دشداشة عربية بعد حرق ملابسي».
وقال تيمور وهو يتنهد بارتياح «قامت والدتي منذ الصباح الباكر بنقلي من بيتهم إلى إحدى القرى القريبة من المدينة وبقيت هناك لكني لم أكن أتكلم اللغة العربية فكنت أستخدم الإشارات خصوصا إذا زارنا شخص غريب فقد قالت والدتي لأهل القرية بأنني أخرس».
وقال تيمور «بقيت سنتين و8 أشهر في القرية بعدها أخبرت والدتي بأنني أعرف مكان أعمامي في منطقة كلر، والصدفة خدمتني آنذاك بوجود جندي من أقرباء والدتي لديه صديق كردي ساعدني بالوصول إلى أعمامي وبقيت معهم لمدة شهر لكني عدت مرة أخرى إلى القرية وبقيت فيها حتى الغزو العراقي للكويت وعندها خرجت من العراق».
وأوضح تيمور أنا «مدين لأهالي السماوة وإلى والدتي خصوصا التي ضحت من أجلي وعوضتني حنان أمي التي قتلوها مع والدي أمام عيني». أما حكنة دويج أو أم تيمور، كما تحب أن يطلق عليها، فقد روت أحداث تلك الليلة التي عثرت فيها على تيمور قائلة أإنه «في الساعة الثانية عشرة من الليل سمعنا بكاء طفل قرب البيت فناديت ابني خالد الذي خرج فوجد طفلا مجروحا وقد غطت الدماء وجهه وملابسه».
وأضافت قائلة «كان تيمور مرتديا ملابس كردية فخفت من هذه الملابس وقمت بحرقها خوفا من أزلام النظام السابق وعند الصباح أخذت تيمور وذهبت إلى قرية العيشم القريبة من المدينة وقررت العيش فيها». وأشارت «اليوم جاء تيمور وأنا فرحة جدا بلقائه والآن ارتاح بالي وأشعر بالاطمئنان على تيمور فهو بخير ويعيش حياة سعيدة»، وأضافت «أنا أخاف الموت جدا وكانت لي أمنية واحدة وقد تحققت اليوم وأنا أقول للموت أهلا بك لا تخيفني بعد اليوم».
أما خالد الذي عثر على تيمور في تلك الليلة والكلاب تدور بقربه قال «أتعامل مع تيمور كأخ منذ أن عثرت عليه وقد كنت أحرص عليه خصوصا عندما يلعب مع أطفال القرية وكنت دائما أذكره بأن يكون أخرس حتى لا يتعرفوا عليه». وأضاف «أما اليوم فإن لقائي بتيمور يختلف عن اليوم الذي التقيته وسط الخوف والذعر من النظام السابق».
وعثرت عليه عائلة منذ أكثر من 22 عاما في تلك المدينة الجنوبية وربته كواحد من أبنائها وهو طفل صغير. وعاد تيمور اليوم من الولايات المتحدة إلى السماوة للقاء تلك المرأة التي يعتبرها كوالدته ولكي يشكر أهالي قرية العيشم التي قضى شبابه بين أراضيها وتعلم اللغة العربية فيها.
ولدى وصوله إلى المدينة ذهب إلى لقاء والدته الراقدة في المستشفى قائلا لها «اليوم جئت من أجل أن أزور والدتي الحقيقية التي أنقذتني من الموت وعاشت سنوات عديدة في قلق من حكومة صدام حسين». ولدى رؤيته لوالدته في المستشفى، احتضنها تيمور بكل اشتياق وقبل يدها ناسيا أن هنالك أشخاصا من القرية وأطباء ومسؤولين يرافقونه، وهمس في أذنها قائلا «أمي أنت أصبحت كبيرة في السن»، فتبسمت قليلا متسائلة «ولماذا لم تتزوج أنت لحد الآن؟».
وسرد تيمور حكايته قائلا «كان عمري 10 سنوات عندما سجنت مع عائلتي في سجن طوب زاوار في كركوك وكان حراس السجن يعتدون على النساء بكلام غير لائق، وبقينا 30 يوما في هذا السجن وفي اليوم 31 وبالتحديد في الساعة السادسة صباحا خرجنا من السجن وركبنا سيارات طويلة تشبه سيارات الثلاجات المتنقلة وكان الهواء قليلا ولا يوجد ماء أو طعام مما تسبب في موت فتاتين».
وتابع تيمور «في الساعة السادسة عصرا وصلنا إلى طريق صحراوي فتوقفت السيارات ونزلنا في المنطقة وكان الوقت بعد غروب الشمس، ومن خلال أضواء السيارات شاهدنا حفرا مربعة وبعد عشر دقائق قام الجنود برمي المساجين في الحفر».
وأضاف قائلا والألم يملأ وجهه «بعدها خيم الصمت على المكان فنظرت إلى السماء التي تزينها النجوم فتذكرت قريتي وأصدقائي وقد كان أبي وأمي قريبين مني لكن سرعان ما فتح الجنود نيران أسلحة الكلاشينكوف علينا فأصبت بطلقة في كتفي الأيسر»، وأضاف أنه «بعد برهة توقف الجنود عن إطلاق النار فتوسلت إلى أحدهم بأن يتركونا لأننا أبرياء لم نفعل شيئا ومسكت بيده وبرجليه لكنه قام بضربي وإرجاعي إلى الحفرة وعندئذ استأنف الجنود عملية إطلاق النار وبكثافة لكنني والحمد الله لم أمت».
وتابع يقول «عند عودة الجنود إلى السيارات وجدت بقربي فتاة جميلة وقلت لها اذهبي معي فقالت لي بأنها لا تستطيع ترك أبيها وأمها»، وتابع قائلا «اعذروني كنت صغيرا ولم أستطع إنقاذها فخرجت من الحفرة وزحفت بحذر حتى وجدت حفرة صغيرة فدفنت نفسي وسط التراب عندما سمعت أصوات إطلاقات نارية أخرى وأظنهم كانوا يقتلون أي سجين باق على قيد الحياة».
واسترسل قائلا «خرجت من الحفرة وزحفت لمسافات طويلة خوفا من أن يشاهدوني ولا أعلم إلى أين أتجه، فشاهدت من بعيد شيئا أسود اللون فاقتربت منه وعندها ظهرت 4 أو 5 كلاب مخيفة، لكن سبحان الله فور اقترابها مني وهي تزمجر توقفت فجأة، لقد كان موقفا مخيفا جدا فجاء فتى مناديا والدته التي قامت باحتضاني وألبستني دشداشة عربية بعد حرق ملابسي».
وقال تيمور وهو يتنهد بارتياح «قامت والدتي منذ الصباح الباكر بنقلي من بيتهم إلى إحدى القرى القريبة من المدينة وبقيت هناك لكني لم أكن أتكلم اللغة العربية فكنت أستخدم الإشارات خصوصا إذا زارنا شخص غريب فقد قالت والدتي لأهل القرية بأنني أخرس».
وقال تيمور «بقيت سنتين و8 أشهر في القرية بعدها أخبرت والدتي بأنني أعرف مكان أعمامي في منطقة كلر، والصدفة خدمتني آنذاك بوجود جندي من أقرباء والدتي لديه صديق كردي ساعدني بالوصول إلى أعمامي وبقيت معهم لمدة شهر لكني عدت مرة أخرى إلى القرية وبقيت فيها حتى الغزو العراقي للكويت وعندها خرجت من العراق».
وأوضح تيمور أنا «مدين لأهالي السماوة وإلى والدتي خصوصا التي ضحت من أجلي وعوضتني حنان أمي التي قتلوها مع والدي أمام عيني». أما حكنة دويج أو أم تيمور، كما تحب أن يطلق عليها، فقد روت أحداث تلك الليلة التي عثرت فيها على تيمور قائلة أإنه «في الساعة الثانية عشرة من الليل سمعنا بكاء طفل قرب البيت فناديت ابني خالد الذي خرج فوجد طفلا مجروحا وقد غطت الدماء وجهه وملابسه».
وأضافت قائلة «كان تيمور مرتديا ملابس كردية فخفت من هذه الملابس وقمت بحرقها خوفا من أزلام النظام السابق وعند الصباح أخذت تيمور وذهبت إلى قرية العيشم القريبة من المدينة وقررت العيش فيها». وأشارت «اليوم جاء تيمور وأنا فرحة جدا بلقائه والآن ارتاح بالي وأشعر بالاطمئنان على تيمور فهو بخير ويعيش حياة سعيدة»، وأضافت «أنا أخاف الموت جدا وكانت لي أمنية واحدة وقد تحققت اليوم وأنا أقول للموت أهلا بك لا تخيفني بعد اليوم».
أما خالد الذي عثر على تيمور في تلك الليلة والكلاب تدور بقربه قال «أتعامل مع تيمور كأخ منذ أن عثرت عليه وقد كنت أحرص عليه خصوصا عندما يلعب مع أطفال القرية وكنت دائما أذكره بأن يكون أخرس حتى لا يتعرفوا عليه». وأضاف «أما اليوم فإن لقائي بتيمور يختلف عن اليوم الذي التقيته وسط الخوف والذعر من النظام السابق».
قصة حقيقية
القصة التالية حقيقية وهي في المدينة التي كنت فيها
والموقع التالي يستعرضها بأختصار...
http://www.burathanews.com/news_article_70860.html
او بالتفصيل
http://www.iq-ch.com/home/news_view_469.html
والموقع التالي يستعرضها بأختصار...
http://www.burathanews.com/news_article_70860.html
او بالتفصيل
http://www.iq-ch.com/home/news_view_469.html
الشك اساس اليقين
الشك اساس اليقين:
في تعليق يتألف من عدة اسئلة سوف اجيب عليها بأختصار ولكن سوف تكون ملحق مكمل لموضوع متعة الاكتشاف....
اليقين وهو نهاية الاكتشاف وهو الذي يأتينا بطرق متعددة من البحث المضني والمهلك لايكون الا بالشك والذي يكون على انواع متعددة وحسب الظروف الموضوعية التي تخص المبحث،ولكن اعتقد هنالك نوعين من الشك:
اولاهما:الشك البناء...والثاني:الشك الهدام....وفي الحالتين ليسا متاحين لكل انسان بدون عدة علمية واستعداد نفسي وبدني...
المقصود بالاول هو ان النية في الشك يجب ان تكون على اساس البحث عن اليقين وبكافة الوسائل المتاحة والمشروعة حسب قوانين الانسان والطبيعة لغرض البناء واسعاد الانسان وهذا هو هدفنا السامي والذي نرجوه ونبحث عنه لبناء الحضارة الانسانية وهو ما نتحدث عنه في هذا المبحث المختصر....
اما النوع الثاني فالاهداف سوف تكون واضحة المعالم اي التهديم لغرض التهديم وبكافة الوسائل المتاحة وفي الغالب تكون غير مشروعة وتتنافى مع الطبيعة الانسانية والاخلاق الناتجة منها،وهذا النوع نبتعد اليه بقدر امكانياتنا المتاحة وبخالص النية وبمختلف الطرق التي تؤدي له!...
الشك في العلوم الطبيعة ومجالاتها التطبيقية هو الذي يقود في النهاية الى اليقين الموضوعي والذي يكون اساسا جديدا من البناء العلمي والذي هو في النهاية حالة من التراكم المعرفي لبناء حضارة الانسان الغير متناهية،وهذا النوع من الشك في الغالب يحصل على قبول الغالبية بسبب كونه بعيدا عن عقائد الانسان التي تتميز بالاختلاف الشديد فيما بينها او بعيدا عن الاهداف الشريرة للسيطرة عليه،ولكن لايخلو من جدل واضح في بعض فروعه من قبيل الاستنساخ الحيواني والبشري وزرع الاعضاء والتلقيح الاصطناعي وغيره من المسائل العلمية المستحدثة والتي تتعارض احيانا مع المفاهيم الدينية للانسان بصورة اجمالية والتي هي موضوعة اساسا لخدمة الانسان وآدميته وتحاول الرقي به ورفعه من المستوى البهيمي الى مستوى يليق به وهذه المسائل العلمية تخضع للمناقشات الحادة خاصة اذا كانت نتائجها المستقبلية في غير صالح الانسان حتى لو كانت النية هي لمنفعته....
اما العلوم الانسانية فهي وان جرى تصنيفها لتتضمن العلوم الدينية احيانا كونها في الغالب نظرية وايضا الفنون والاداب والاجتماعيات واللغويات وغيرها،فهي ايضا في حالة من النمو الطبيعي والتراكم المعرفي وبالتأكيد تخضع لقاعدة الشك في معظم جوانبها لغرض التوصل الى اليقين الموضوعي الذي يريح الانسان في تلهفه المستمر للبحث عن ذاته والحقيقة المطلقة في كل جوانب الكون،وبما ان تلك العلوم في الغالب تخضع الى العلوم العقلية والمنطقية فهي قابلة للتأول والتفسير المتعدد الجوانب وحسب ادلة قوية يجعل التعصب لها امرا ميسورا،ولذلك تخضع للجدل المستمر والذي يستمر طويلا ورغم ان النهاية تكون للاقوى الذي هو صاحب امتن الادلة الموضوعة واجود النتائج الصادرة عنها الا ان النظريات السابقة وادلتها ونتائجها تبقى مستمرة في الذكر حتى لو لم تجد من يدافع عنها!...
ولكن تبقى العلوم الدينية هي الاصعب في حالة البحث والاستكشاف،كونها اذا لم تؤدي الى النتائج المرجوة من الشك الذي يؤدي الى اليقين،فأنه سوف يؤدي الى الضلال المهلك ولذلك وجب الحذر وعدم الدخول دون عدة لازمة للبحث،والعدة هنا هي استيعاب المعارف الدينية والانسانية بفهم كامل مع صفاء النية والتوكل على الله تعالى،واكيد النهاية سوف تكون مثمرة،ولكن هنا يجب التفريق بين الكثير من القضايا التاريخية والتي لايجب اعطائها قدسية تفوق حقيقتها،كما ان هنالك علوم تخضع للمناقشة والبحث من قبيل علم الرجال وعلم الحديث هذا بالنسبة للاسلام بالطبع وبالنسبة للاديان الاخرى ايضا يكون نفس المنهج والطريقة ولكن بأختلاف علومهم وآدابهم والمقدسات الناتجة منها...
اذا التوافق بين الاكتشاف والشك ناتج اساسا من كون الشك والذي يكون احيانا بأسماء اخرى ولكن الصيغة والهدف واحد من قبيل الفضولية والاستطلاع والتفكر والتأمل وغير ذلك من الالفاظ المؤدية الى طريق البحث هو في النهاية ممهد لطريق الاكتشاف والا بقيت النتائج التي توصل اليها الاسلاف على حالها دون تغيير وتمحيص!...
اذكر هنا الكتاب الرائع (قصة الايمان) للشيخ نديم الجسر وهو موجود في شبكة الانترنت ويمكن تنزيله وقرائته،ففي اسلوبه البسيط وطريقة العرض المبتكرة ما يمكن ان يوصل فكرة الشك المؤدي الى الايمان اليقيني ويمكن لأي انسان لا يملك العدة المعرفية الكافية من الاستفادة منه،ففي تلك القصة البديعة خلاصة البحث عن الايمان بالله تعالى ورسله بأسلوب عقلي ومنطقي يغلب عليها البعد الفلسفي ولكن بصورة خالية من التعقيد والتبعيد كما هو يقطع الشك لدى من يخاف منه!....
اليقين الناتج من الشك وفي جميع المعارف يكون في مرحلة عالية لا يصل اليها الا ذو حظ عظيم والايمان الناتج يكون في اعلى مراحله...
في تعليق يتألف من عدة اسئلة سوف اجيب عليها بأختصار ولكن سوف تكون ملحق مكمل لموضوع متعة الاكتشاف....
اليقين وهو نهاية الاكتشاف وهو الذي يأتينا بطرق متعددة من البحث المضني والمهلك لايكون الا بالشك والذي يكون على انواع متعددة وحسب الظروف الموضوعية التي تخص المبحث،ولكن اعتقد هنالك نوعين من الشك:
اولاهما:الشك البناء...والثاني:الشك الهدام....وفي الحالتين ليسا متاحين لكل انسان بدون عدة علمية واستعداد نفسي وبدني...
المقصود بالاول هو ان النية في الشك يجب ان تكون على اساس البحث عن اليقين وبكافة الوسائل المتاحة والمشروعة حسب قوانين الانسان والطبيعة لغرض البناء واسعاد الانسان وهذا هو هدفنا السامي والذي نرجوه ونبحث عنه لبناء الحضارة الانسانية وهو ما نتحدث عنه في هذا المبحث المختصر....
اما النوع الثاني فالاهداف سوف تكون واضحة المعالم اي التهديم لغرض التهديم وبكافة الوسائل المتاحة وفي الغالب تكون غير مشروعة وتتنافى مع الطبيعة الانسانية والاخلاق الناتجة منها،وهذا النوع نبتعد اليه بقدر امكانياتنا المتاحة وبخالص النية وبمختلف الطرق التي تؤدي له!...
الشك في العلوم الطبيعة ومجالاتها التطبيقية هو الذي يقود في النهاية الى اليقين الموضوعي والذي يكون اساسا جديدا من البناء العلمي والذي هو في النهاية حالة من التراكم المعرفي لبناء حضارة الانسان الغير متناهية،وهذا النوع من الشك في الغالب يحصل على قبول الغالبية بسبب كونه بعيدا عن عقائد الانسان التي تتميز بالاختلاف الشديد فيما بينها او بعيدا عن الاهداف الشريرة للسيطرة عليه،ولكن لايخلو من جدل واضح في بعض فروعه من قبيل الاستنساخ الحيواني والبشري وزرع الاعضاء والتلقيح الاصطناعي وغيره من المسائل العلمية المستحدثة والتي تتعارض احيانا مع المفاهيم الدينية للانسان بصورة اجمالية والتي هي موضوعة اساسا لخدمة الانسان وآدميته وتحاول الرقي به ورفعه من المستوى البهيمي الى مستوى يليق به وهذه المسائل العلمية تخضع للمناقشات الحادة خاصة اذا كانت نتائجها المستقبلية في غير صالح الانسان حتى لو كانت النية هي لمنفعته....
اما العلوم الانسانية فهي وان جرى تصنيفها لتتضمن العلوم الدينية احيانا كونها في الغالب نظرية وايضا الفنون والاداب والاجتماعيات واللغويات وغيرها،فهي ايضا في حالة من النمو الطبيعي والتراكم المعرفي وبالتأكيد تخضع لقاعدة الشك في معظم جوانبها لغرض التوصل الى اليقين الموضوعي الذي يريح الانسان في تلهفه المستمر للبحث عن ذاته والحقيقة المطلقة في كل جوانب الكون،وبما ان تلك العلوم في الغالب تخضع الى العلوم العقلية والمنطقية فهي قابلة للتأول والتفسير المتعدد الجوانب وحسب ادلة قوية يجعل التعصب لها امرا ميسورا،ولذلك تخضع للجدل المستمر والذي يستمر طويلا ورغم ان النهاية تكون للاقوى الذي هو صاحب امتن الادلة الموضوعة واجود النتائج الصادرة عنها الا ان النظريات السابقة وادلتها ونتائجها تبقى مستمرة في الذكر حتى لو لم تجد من يدافع عنها!...
ولكن تبقى العلوم الدينية هي الاصعب في حالة البحث والاستكشاف،كونها اذا لم تؤدي الى النتائج المرجوة من الشك الذي يؤدي الى اليقين،فأنه سوف يؤدي الى الضلال المهلك ولذلك وجب الحذر وعدم الدخول دون عدة لازمة للبحث،والعدة هنا هي استيعاب المعارف الدينية والانسانية بفهم كامل مع صفاء النية والتوكل على الله تعالى،واكيد النهاية سوف تكون مثمرة،ولكن هنا يجب التفريق بين الكثير من القضايا التاريخية والتي لايجب اعطائها قدسية تفوق حقيقتها،كما ان هنالك علوم تخضع للمناقشة والبحث من قبيل علم الرجال وعلم الحديث هذا بالنسبة للاسلام بالطبع وبالنسبة للاديان الاخرى ايضا يكون نفس المنهج والطريقة ولكن بأختلاف علومهم وآدابهم والمقدسات الناتجة منها...
اذا التوافق بين الاكتشاف والشك ناتج اساسا من كون الشك والذي يكون احيانا بأسماء اخرى ولكن الصيغة والهدف واحد من قبيل الفضولية والاستطلاع والتفكر والتأمل وغير ذلك من الالفاظ المؤدية الى طريق البحث هو في النهاية ممهد لطريق الاكتشاف والا بقيت النتائج التي توصل اليها الاسلاف على حالها دون تغيير وتمحيص!...
اذكر هنا الكتاب الرائع (قصة الايمان) للشيخ نديم الجسر وهو موجود في شبكة الانترنت ويمكن تنزيله وقرائته،ففي اسلوبه البسيط وطريقة العرض المبتكرة ما يمكن ان يوصل فكرة الشك المؤدي الى الايمان اليقيني ويمكن لأي انسان لا يملك العدة المعرفية الكافية من الاستفادة منه،ففي تلك القصة البديعة خلاصة البحث عن الايمان بالله تعالى ورسله بأسلوب عقلي ومنطقي يغلب عليها البعد الفلسفي ولكن بصورة خالية من التعقيد والتبعيد كما هو يقطع الشك لدى من يخاف منه!....
اليقين الناتج من الشك وفي جميع المعارف يكون في مرحلة عالية لا يصل اليها الا ذو حظ عظيم والايمان الناتج يكون في اعلى مراحله...
متعة الاكتشاف
متعة الاكتشاف:
للاكتشافات متعة كبرى،وبغض النظر عن طبيعة الاكتشاف الذي قد يكون علميا تطبيقيا او ان يكون نظريا في مختلف العلوم والفنون والاداب...والمتعة الناشئة من الاكتشاف هي نفسية مؤثرة في الانسان وهي جزءا يسيرا من شخصيته المركبة التي هي في غاية التعقيد...وبالفعل نرى الانسان يتمثل في مختلف الابعاد،ويتقلب من اليمين الى اليسار وفق غايات واهداف معروفة واحيانا مجهولة...
ومتعة الاكتشاف قد يحس بها اي انسان وحسب طبيعة ونوعية الاكتشاف،الذي قد يكون جزءا يسيرا من ذات الانسان الطبيعية او قد يكون خارج المألوف وخاصة الناتجة من طبيعة عمله والتي لا يدركها الا من امتلك ناصية رفيعة في العلم والمعرفة...ولذلك يكون شعورنا حقيقيا للذة الاكتشاف وبالتالي ندرك ولو جزءا بسيطا من شعور الباحثين في لذات اكتشافاتهم المختلفة...
قرأت كتابا اسمه متعة اكتشاف الاشياء وهو رغم ان يضم جزءا من كتابات العالم الفيزيائي الامريكي فايمان(1918-1988)وهو الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عام 1965،الا انه منشور من اخرين وشروحاتهم وتعليقاتهم موجودة قبل قصصه او سيرة حياته.
ورغم ان الكتاب مؤلف عام 1999 الا ان الطبعة العربية الصادرة من مكتبة العبيكان في السعودية هي عام 2005،ومكتوب على الغلاف عبارة اصبحت دارجة في الوقت الحاضر بغية تشجيع الاخرين على اقتناء الكتاب وقرائته!،والعبارة :من الكتب الاحسن بيعا! وهي للدلالة على الشهرة في العالم...والمفروض ان تكون العبارة بغير تلك الصيغة الغير صائبة لغويا بالطبع،كما توجد اخطاء لغوية اخرى...
الكتاب قيما ولكن ليس بالشكل المتصور من دلالة الاسم كما ان الاشياء المذكورة ليست جديدة ولكنه في بعضها يمثل رأي المؤلف الشخصي المستند الى تجربته....
من فصول الكتاب نتبين ان اهم قيمة للعلم من قيمه المتعددة هي الشك...ورغم عدم وجود شرح كافي لتلك العبارة الدالة في العمق...الان ان ذلك في منتهى الصدق وفي رايي الشخصي انه لولا الشك لما نجح العلم في ايصال البشرية الى تلك النجاحات الهائلة في مختلف فروع المعرفة...نعم هنالك حقائق ثابتة ولكن التشكيك بها يجب ان يكون علميا ومنهجيا بحيث يؤدي الى الضرورة العلمية بغية اثباتها بحسن نية او حتى لغرض البحث العلمي المجرد ...لا لمجرد الشك بغية تحصيل منافع غير انسانية من قبيل الشهرة الزائفة او تشكيك الاخرين في حقائق مطلقة.
وهذا ينطبق ايضا على العلوم الدينية،ولذلك يرحب الكثير من الائمة(ع)والفقهاء،لا بل يشجعون الاخرين على التحاور الخاضع لصيغة الشكيك بغية اثبات الحقائق بصيغة جديدة او منطق جديد يزيد من ثراء طرق اثبات الحقائق....
اذن الشك هنا هو جزء من شخصية الباحث العلمي ودافعا قويا للعمل الجاد بغية ايجاد حلول للمشاكل الانسانية المتعاظمة بفضل تحديات الحياة المعاصرة.
ورغم اعتراف المؤلف في فصل العلم والدين بمحدودية افكاره ولكن تلك المحدودية ايضا تدعو الى التأمل لانها قيمة الدلالة والعمق،واذكر مثاله العميق حول الشيوعية وتناقضها مع العلم وهي التي تدعي العلم! فالشيوعية تعطي الاجوبة حول المسائل السياسية والاقتصادية دون مناقشة وهذا منافي للعلم الذي يدعو للنقاش والبحث وبذلك تكون الديمقراطية هي الاقرب للعلم من حيث قبولها للنقاشات المتعددة...
وفي اخر صفحة في الكتاب المذكور توجد سطور قليلة لم يعطى حقها!وهي حول تراث الحضارة الغربية في رأي المؤلف وهو رأي شائع بالطبع ويعتقد به الكثيرون،ان الحضارة الغربية تقف بجوار تراثين عظيمين وهما الروح العلمية للمغامرة وهي المغامرة في الاندفاع نحو المجهول والرغبة في الاستكشاف وهو يسميه بأسم تواضع المثقف واعتقد في رأيي ان التسمية تختلف عن روح المغامرة!والثانية هي التراث الديني العظيم المبنية على الحب والاخوة بين كل الناس وقيمة الفرد وخشوع الروح وهي بالطبع سمات من الدين المسيحي وهي نفسها الموجودة في الدينين السماويين الاخرين واقصد الديانة اليهودية والديانة الاسلامية...
خلاصة القول ان قلة العلم هي تؤدي الى الجهل المهلك...وقد يكون في الدين او في الحياة وتعامل الانسان معها،وبذلك يكون الايمان هو نتاج العلم والعكس صحيح ...
وهذا مانراه عند المتعصبين وخاصة في اعلى درجات التعصب الاعمى وهم الذين نطلق عليهم التكفيريون،فعند معرفة درجة اعلميتهم يتبين لنا مدى ضحالة تفكيرهم والاسس الواهية التي استندوا اليها في بناء فكرهم المتعصب والذي قد يكون في عدة مجالات وليس فقط في الدين او المذهب او الفكر السياسي او القومية او القبلية وغيرها من الاتجاهات التصنيفية المعروفة....
للاكتشافات متعة كبرى،وبغض النظر عن طبيعة الاكتشاف الذي قد يكون علميا تطبيقيا او ان يكون نظريا في مختلف العلوم والفنون والاداب...والمتعة الناشئة من الاكتشاف هي نفسية مؤثرة في الانسان وهي جزءا يسيرا من شخصيته المركبة التي هي في غاية التعقيد...وبالفعل نرى الانسان يتمثل في مختلف الابعاد،ويتقلب من اليمين الى اليسار وفق غايات واهداف معروفة واحيانا مجهولة...
ومتعة الاكتشاف قد يحس بها اي انسان وحسب طبيعة ونوعية الاكتشاف،الذي قد يكون جزءا يسيرا من ذات الانسان الطبيعية او قد يكون خارج المألوف وخاصة الناتجة من طبيعة عمله والتي لا يدركها الا من امتلك ناصية رفيعة في العلم والمعرفة...ولذلك يكون شعورنا حقيقيا للذة الاكتشاف وبالتالي ندرك ولو جزءا بسيطا من شعور الباحثين في لذات اكتشافاتهم المختلفة...
قرأت كتابا اسمه متعة اكتشاف الاشياء وهو رغم ان يضم جزءا من كتابات العالم الفيزيائي الامريكي فايمان(1918-1988)وهو الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عام 1965،الا انه منشور من اخرين وشروحاتهم وتعليقاتهم موجودة قبل قصصه او سيرة حياته.
ورغم ان الكتاب مؤلف عام 1999 الا ان الطبعة العربية الصادرة من مكتبة العبيكان في السعودية هي عام 2005،ومكتوب على الغلاف عبارة اصبحت دارجة في الوقت الحاضر بغية تشجيع الاخرين على اقتناء الكتاب وقرائته!،والعبارة :من الكتب الاحسن بيعا! وهي للدلالة على الشهرة في العالم...والمفروض ان تكون العبارة بغير تلك الصيغة الغير صائبة لغويا بالطبع،كما توجد اخطاء لغوية اخرى...
الكتاب قيما ولكن ليس بالشكل المتصور من دلالة الاسم كما ان الاشياء المذكورة ليست جديدة ولكنه في بعضها يمثل رأي المؤلف الشخصي المستند الى تجربته....
من فصول الكتاب نتبين ان اهم قيمة للعلم من قيمه المتعددة هي الشك...ورغم عدم وجود شرح كافي لتلك العبارة الدالة في العمق...الان ان ذلك في منتهى الصدق وفي رايي الشخصي انه لولا الشك لما نجح العلم في ايصال البشرية الى تلك النجاحات الهائلة في مختلف فروع المعرفة...نعم هنالك حقائق ثابتة ولكن التشكيك بها يجب ان يكون علميا ومنهجيا بحيث يؤدي الى الضرورة العلمية بغية اثباتها بحسن نية او حتى لغرض البحث العلمي المجرد ...لا لمجرد الشك بغية تحصيل منافع غير انسانية من قبيل الشهرة الزائفة او تشكيك الاخرين في حقائق مطلقة.
وهذا ينطبق ايضا على العلوم الدينية،ولذلك يرحب الكثير من الائمة(ع)والفقهاء،لا بل يشجعون الاخرين على التحاور الخاضع لصيغة الشكيك بغية اثبات الحقائق بصيغة جديدة او منطق جديد يزيد من ثراء طرق اثبات الحقائق....
اذن الشك هنا هو جزء من شخصية الباحث العلمي ودافعا قويا للعمل الجاد بغية ايجاد حلول للمشاكل الانسانية المتعاظمة بفضل تحديات الحياة المعاصرة.
ورغم اعتراف المؤلف في فصل العلم والدين بمحدودية افكاره ولكن تلك المحدودية ايضا تدعو الى التأمل لانها قيمة الدلالة والعمق،واذكر مثاله العميق حول الشيوعية وتناقضها مع العلم وهي التي تدعي العلم! فالشيوعية تعطي الاجوبة حول المسائل السياسية والاقتصادية دون مناقشة وهذا منافي للعلم الذي يدعو للنقاش والبحث وبذلك تكون الديمقراطية هي الاقرب للعلم من حيث قبولها للنقاشات المتعددة...
وفي اخر صفحة في الكتاب المذكور توجد سطور قليلة لم يعطى حقها!وهي حول تراث الحضارة الغربية في رأي المؤلف وهو رأي شائع بالطبع ويعتقد به الكثيرون،ان الحضارة الغربية تقف بجوار تراثين عظيمين وهما الروح العلمية للمغامرة وهي المغامرة في الاندفاع نحو المجهول والرغبة في الاستكشاف وهو يسميه بأسم تواضع المثقف واعتقد في رأيي ان التسمية تختلف عن روح المغامرة!والثانية هي التراث الديني العظيم المبنية على الحب والاخوة بين كل الناس وقيمة الفرد وخشوع الروح وهي بالطبع سمات من الدين المسيحي وهي نفسها الموجودة في الدينين السماويين الاخرين واقصد الديانة اليهودية والديانة الاسلامية...
خلاصة القول ان قلة العلم هي تؤدي الى الجهل المهلك...وقد يكون في الدين او في الحياة وتعامل الانسان معها،وبذلك يكون الايمان هو نتاج العلم والعكس صحيح ...
وهذا مانراه عند المتعصبين وخاصة في اعلى درجات التعصب الاعمى وهم الذين نطلق عليهم التكفيريون،فعند معرفة درجة اعلميتهم يتبين لنا مدى ضحالة تفكيرهم والاسس الواهية التي استندوا اليها في بناء فكرهم المتعصب والذي قد يكون في عدة مجالات وليس فقط في الدين او المذهب او الفكر السياسي او القومية او القبلية وغيرها من الاتجاهات التصنيفية المعروفة....
2009/07/20
حول التفسير العلمي للحديث النبوي
حول التفسير العلمي للحديث النبوي
الولوج في العلم هو فيه لذات روحية لاتقدر بثمن،وتضاف بالطبع للملذات الجسدية ومن ضمنها الفوائد المادية،ولذلك قيل وعلى لسان بعض العلماء:ان الملوك لو يعرفوا لذة العلم لقاتلونا عليها!..وهو كلام مطلق الصحة ولا يعرف معناه بدقة اكبر الا من وصل مراحل متقدمة من العلم والمقصود به المعرفة بمختلف اشكالها...صحيح في العصر الحديث وخاصة في العالم العربي الذي يعيش في غيبوبة منذ قرون طويلة،يخضع الانسان الى حالة من الكره النفسي لكل ما يتصل بالعلم!وهي حالة غريبة تتناقض مع ماجاء في كتب التاريخ ومن بينها الكتاب الشهير للمستشرقة الالمانية(زيغريد هونكة)التي ذكرت كيف كان التفاخر بعدد الكتب المملوكة او كيف ينشغل العلماء بتحميل الكتب عن تنقلهم من بيت الى اخر وفي امثلة تذكرها للدلالة على حب العرب او بالاحرى الشعوب المسلمة والجاليات الغير مسلمة والتي عاشت في بوتقة حضارية واحدة اصبح يطلق عليها لاغراض مختلفة فقط عبارة العرب!...
لاشك في صحة مقولة:العلم يدعو للايمان...فالعلم هو الطريق لمعرفة خبايا الانسان والكون وبالتالي معرفة نعم الله سبحانه وتعالى وفضله الغير محدود على الانسان،ولذلك نرى اكثر المتبحرين في العلم اذا لم يشذوا فهم من المؤمنين بحق وبعمق لامثيل له...والاديان السماوية والمعجزات المعروفة عنها هي صادرة من قدرة ربانية خلقت الكون بدقة لاحدود لها،وهي وضعت تلك المعجزات لكي تبقى اضواء منيرة في مسيرة الانسان الطويلة،حتى لا يقال ام هنالك فترة محددة فقط للرسالات السماوية والاثار الناتجة عنها...
وكنتيجة لاثر التقدم العلمي الباهر الذي احرزنه الانسان،تظهر لنا ادلة علمية محسوسة لأثبات كل ماجاء في الاديان السماوية ومن ضمنها الادلة الايمانية والتي يثبتها العلم بقدرته الرائعة والتي لاتبقي اي فراغ امام المعاندين....
الحديث في هذا المجال يطول كما هو معروف لعمق البحث،ولكن ذكرت ذلك كمقدمة لحديث نبوي معروف قرأته مع ادلته العلمية التي اكتشفت في عصرنا الحالي خاصة وانه صادر من قول الرسول(ص) الذي يوحى اليه وهو الذي يمثل الصدق بصورته المطلقة...والاحاديث النبوية الصحيحة المؤكدة هي مكملة كما هو معروف للقرآن وهي تتضمن معجزات كثيرة.
عموما هو نموذج وفي القرآن والسنة المؤكدة نماذج لاحدود لها...كما في قول الانبياء والاوصياء والراسخون في العلم نماذج مثيرة تستدعي التأمل والبحث والعمل الجاد بما جاء....المثال التالي قرأته واضعه لتكملة المقدمة تعميما للفائدة المختصرة...
بسم الله الرحمن الرحيم .لماذا يرى الحمار الشياطين ويرى الديك الملائكة؟
(هنا معجزه لنبينا محمد ص(حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه :(إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا).كم سمعنا هذا الحديث .. ولم نقف عنده؟
و لم نتوقع انه يحمل في طياته اكتشافا علميا... إن قدرة الجهاز البصري للإنسان محدودة ..وتختلف عن القدرة البصرية للحمير ..والتي بدورها تختلف في قدرتها عن القدرة البصرية للديكة ..وبالتالي فإن قدرة البصر لدى الإنسان محدود لا ترى ما تحت الأشعة الحمراء ولا ما فوق الأشعة البنفسجية .. لكن قدرة الديكة والحمير تتعدى ذلك ..والسؤال هنا ..كيف يرى الحمار والديك الجن والملائكة ؟إن الحمير ترى الأشعة الحمراء والشيطان وهو من الجان خلق من نارأي من الأشعة تحت الحمراء ..لذلك ترى الحمير الجن ولا ترى الملائكة ..أما الديكة فترى الأشعة البنفسجية والملائكة مخلوقة من نورأي من الأشعة البنفسجية ..لذلك تراها الديكة ..وهذا يفسر لنا لماذا تهرب الشياطين عند ذكر الله ..والسبب هو: إن الملائكة تحضر إلى المكان الذي يذكر فيه الله فتهرب الشياطين.لماذا تهرب الشياطين عند وجود الملائكة ؟الجواب لأن الشياطين تتضرر من رؤية نور الملائكة .بمعنى أخر ..إذا اجتمعت الأشعة الفوق بنفسجية والأشعة الحمراء في مكان واحد، فإن الأشعة الحمراء تتلاشى،من أخبر محمد بكل هذه المعلومات العلمية قبل 14 قرنا؟؟
لا نملك إلا أن نقول صدقت يا رسول الله وصدق الله العظيم
الولوج في العلم هو فيه لذات روحية لاتقدر بثمن،وتضاف بالطبع للملذات الجسدية ومن ضمنها الفوائد المادية،ولذلك قيل وعلى لسان بعض العلماء:ان الملوك لو يعرفوا لذة العلم لقاتلونا عليها!..وهو كلام مطلق الصحة ولا يعرف معناه بدقة اكبر الا من وصل مراحل متقدمة من العلم والمقصود به المعرفة بمختلف اشكالها...صحيح في العصر الحديث وخاصة في العالم العربي الذي يعيش في غيبوبة منذ قرون طويلة،يخضع الانسان الى حالة من الكره النفسي لكل ما يتصل بالعلم!وهي حالة غريبة تتناقض مع ماجاء في كتب التاريخ ومن بينها الكتاب الشهير للمستشرقة الالمانية(زيغريد هونكة)التي ذكرت كيف كان التفاخر بعدد الكتب المملوكة او كيف ينشغل العلماء بتحميل الكتب عن تنقلهم من بيت الى اخر وفي امثلة تذكرها للدلالة على حب العرب او بالاحرى الشعوب المسلمة والجاليات الغير مسلمة والتي عاشت في بوتقة حضارية واحدة اصبح يطلق عليها لاغراض مختلفة فقط عبارة العرب!...
لاشك في صحة مقولة:العلم يدعو للايمان...فالعلم هو الطريق لمعرفة خبايا الانسان والكون وبالتالي معرفة نعم الله سبحانه وتعالى وفضله الغير محدود على الانسان،ولذلك نرى اكثر المتبحرين في العلم اذا لم يشذوا فهم من المؤمنين بحق وبعمق لامثيل له...والاديان السماوية والمعجزات المعروفة عنها هي صادرة من قدرة ربانية خلقت الكون بدقة لاحدود لها،وهي وضعت تلك المعجزات لكي تبقى اضواء منيرة في مسيرة الانسان الطويلة،حتى لا يقال ام هنالك فترة محددة فقط للرسالات السماوية والاثار الناتجة عنها...
وكنتيجة لاثر التقدم العلمي الباهر الذي احرزنه الانسان،تظهر لنا ادلة علمية محسوسة لأثبات كل ماجاء في الاديان السماوية ومن ضمنها الادلة الايمانية والتي يثبتها العلم بقدرته الرائعة والتي لاتبقي اي فراغ امام المعاندين....
الحديث في هذا المجال يطول كما هو معروف لعمق البحث،ولكن ذكرت ذلك كمقدمة لحديث نبوي معروف قرأته مع ادلته العلمية التي اكتشفت في عصرنا الحالي خاصة وانه صادر من قول الرسول(ص) الذي يوحى اليه وهو الذي يمثل الصدق بصورته المطلقة...والاحاديث النبوية الصحيحة المؤكدة هي مكملة كما هو معروف للقرآن وهي تتضمن معجزات كثيرة.
عموما هو نموذج وفي القرآن والسنة المؤكدة نماذج لاحدود لها...كما في قول الانبياء والاوصياء والراسخون في العلم نماذج مثيرة تستدعي التأمل والبحث والعمل الجاد بما جاء....المثال التالي قرأته واضعه لتكملة المقدمة تعميما للفائدة المختصرة...
بسم الله الرحمن الرحيم .لماذا يرى الحمار الشياطين ويرى الديك الملائكة؟
(هنا معجزه لنبينا محمد ص(حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه :(إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا).كم سمعنا هذا الحديث .. ولم نقف عنده؟
و لم نتوقع انه يحمل في طياته اكتشافا علميا... إن قدرة الجهاز البصري للإنسان محدودة ..وتختلف عن القدرة البصرية للحمير ..والتي بدورها تختلف في قدرتها عن القدرة البصرية للديكة ..وبالتالي فإن قدرة البصر لدى الإنسان محدود لا ترى ما تحت الأشعة الحمراء ولا ما فوق الأشعة البنفسجية .. لكن قدرة الديكة والحمير تتعدى ذلك ..والسؤال هنا ..كيف يرى الحمار والديك الجن والملائكة ؟إن الحمير ترى الأشعة الحمراء والشيطان وهو من الجان خلق من نارأي من الأشعة تحت الحمراء ..لذلك ترى الحمير الجن ولا ترى الملائكة ..أما الديكة فترى الأشعة البنفسجية والملائكة مخلوقة من نورأي من الأشعة البنفسجية ..لذلك تراها الديكة ..وهذا يفسر لنا لماذا تهرب الشياطين عند ذكر الله ..والسبب هو: إن الملائكة تحضر إلى المكان الذي يذكر فيه الله فتهرب الشياطين.لماذا تهرب الشياطين عند وجود الملائكة ؟الجواب لأن الشياطين تتضرر من رؤية نور الملائكة .بمعنى أخر ..إذا اجتمعت الأشعة الفوق بنفسجية والأشعة الحمراء في مكان واحد، فإن الأشعة الحمراء تتلاشى،من أخبر محمد بكل هذه المعلومات العلمية قبل 14 قرنا؟؟
لا نملك إلا أن نقول صدقت يا رسول الله وصدق الله العظيم
مهزلة عدم الانحياز
مهزلة عدم الانحياز:
تأسست حركة عدم الانحياز في مدينة باندونغ الاندونيسية عام 1955 بمبادرة من اربعة رؤساء وهم تيتو اليوغسلافي وعبد الناصر المصري ولال نهرو الهندي وسوكارنو الاندونيسي،وكانت الحرب الباردة في اوجها بين القطبين الرئيسيين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحلفائهما،ولذلك جاء تأسيس الحركة في وقته ولأهداف تتلخص في الرغبة في الحياد والحفاظ على الاستقلال الذي تحقق لبعض الدول مؤخرا حينها والابتعاد عن التحالفات الدولية التي لا تنفع الدول النامية بل تجعلها مقيدة ضمن شروط تلك التحالفات.
كانت الحركة مؤثرة في بداية تكوينها واستقطبت الكثير من دول العالم الثالث وحتى لو بصفة شكلية فقد اصبحت مثل الموضة في حينها!واخذ البعض يفتخر ولو بدون وعي او استقلال حقيقي في الانتماء اليها دون ان يعي ماهيتها والاهداف الحقيقية الناشئة عنها لبناء عالم خال من الصراعات الدولية والتي تتحكم به الدول الكبرى ووفق مصالحها.
لكن الان ومنذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 فقد انتهت صلاحية تلك الحركة بشكل رسمي واذيعت شهادة وفاتها الحقيقية ولم يبقى سوى هيكل هزيل لا يغني ولا يسمن كمثل جامعة الدول العربية،وبالتالي لم تعد لها تلك الهالة التي تجعل الانتماء اليها فخر ومنهاج حقيقي للعمل السياسي الحر وفلسفة جديدة للفكر السياسي المعاصر الخاص بالدول النامية والبعيد عن النظريتين الرئيسيتين الاشتراكية والرأسمالية.
لكن هل فعلا هنالك عدم انحياز؟! سواء بعد تشكيل الحركة او في الوقت الراهن؟!....
الجواب بكل تأكيد: كلا!...لم يكن هنالك عدم انحياز حقيقي الا لعدد محدود جدا لايتجاوز عدد الاصابع للبلدان التي تتبع وبحق عدم الانحياز والابتعاد عن التحالفات الدولية التي تفقدها استقلالها الحقيقي...
لكن متى بدأ ذلك الانحراف في دول حركة عدم الانحياز؟!...والاسباب الناشئة منه؟....
للجواب على ذلك...نقول ان بداية التحول في استقلالية دول عدم الانحياز الحقيقي لم يكن الان بل بعد عدوان 1956 على مصر وهي احد البلدان الرئيسية في تأسيس الحركة!ولم يكن وليد النظام العالمي الجديد،فمنذ ذلك العام تحولت مصر وبصورة شبه كلية الى المعسكر الاشتراكي وبالتحالف مع الاتحاد السوفييتي الذي وقف بجانبها اثناء العدوان الثلاثي وأن كان بصورة جزئية الا انه اخذ في الاتساع في بداية عقد الستينيات وبالتالي لم يكن لمصر اي استقلالية حقيقية حينها ولم تعد تحتاج سوى الاعلان الرسمي للتحالف مع دول المعسكر الاشتراكي! واخذ التحالف يأخذ ابعادا عسكرية واقتصادية اضافة الى المجالات السياسية وخاصة بعد حرب 1967،ولكن بقي هامش الاستقلالية كبير لدى مصر،حتى جاء التحول الكبير عندما طرد السادات البعثات العسكرية السوفيتية عام 1972 وهو بذلك يعني انتهاء التحالف مع ذلك المعسكر والذي استفادت منه مصر كثيرا بعكس المعسكر الاشتراكي الذي لم ينتفع منها!.
اما التحول المصري نحو المعسكر الرأسمالي الغربي فهو كان عام 1974 بعد اتفاقات الهدنة مع اسرائيل وتبعتها زيارات نيكسون وكيسنجر ثم التحول الى درجة التحالف الكامل مع الغرب بعد زيارة السادات الى القدس عام 1977 وبدأ المقاطعة العربية ومنذ ذلك الحين فقدت مصر استقلاليتها بصورة شبه كاملة ومازالت! وهي لاتستطيع الان حتى فتح معبر رفح امام قطاع غزة من اراضيها او تمنع السفن الحربية الاسرائيلية من عبور قناة السويس!،وهذا يدعنا الى طرح سؤال محير! هو كيف لدولة بهذه التبعية تبقى ضمن حركة عدم الانحياز منذ ذلك الحين وهي تتأرجح بين اليسار تارة ثم اليمين تارة اخرى ثم تستضيف دول الحركة في مؤتمر على اراضيها؟!..
هذا نموذج فاضح لحال دول الحركة في الماضي فكيف الان والقطب الاوحد في العالم امريكا قد وصل نفوذها الى اقصى بقاع الارض!..
اما الدولة الثانية وهي يوغسلافيا فهي رغم كونها شيوعية الا انها بقيت مستقلة بحق عن المعسكرين حتى تاريخ انهيارها بصورة كلية عام 1991 وبالتالي انقسمت جمهورياتها الجديدة بين الاتجاه الغربي وهو لجميعها ماعدا صربيا فهي بقيت ولاسباب عرقية موالية للروس الذين ينتمون للعنصر السلافي !والجميع الان ليس قريب لحركة عدم الانحياز بأي صفة كانت رغم انتمائها لها!.
اما الدولة الثالثة المؤسسة وهي الهند فهي رغم استقلاليتها الناتجة من اتساع حجمها الجغرافي وضخامة عدد سكانها الا انها بقيت تميل بشكل كبير الى المعسكر الاشتراكي بسبب كون الغرب مؤيد الى باكستان المنتمية للحركة ايضا! في صراعها ضد الهند،ومنذ عام 1998 وهو تاريخ امتلاك باكستان للسلاح النووي ونتيجة لفرض الغرب عقوبات عليها،فقد اخذ الميل الهندي للغرب اكثر وضوحا وتمليه عليها تطابق المصالح بين الطرفين وخاصة محاربة التطرف الاسلامي في كشمير وافغانستان وباكستان،لكن هامش استقلاليتها مازال كبيرا لحد الان.
اما الدولة الرابعة وهي اندونيسيا فقد كانت موالية للمعسكر الاشتراكي وكان الحزب الشيوعي فيها قويا ويضم مئات الالاف من الانصار الى ان حدث الانقلاب الدموي الذي اباد الشيوعيين برئاسة الجنرال سوهارتو عام 1965 والذي اصبح رئيسا للبلاد عام 1967،وبالتالي تحولت البلاد بصورة كاملة نحو الغرب وفقدت استقلالها بصورة شبه كاملة حتى انها لم تستطع مقاومة الرغبة الغربية في منح تيمور الشرقية الاستقلال عنها!ولكنها لحد الان ضمن الدول المنضوية في حركة عدم الانحياز كبقية الدول الاخرى الفاقدة لشروط الاستقلال الكامل!.
هذا هو حال الدول المؤسسة للحركة وهي دول كبيرة الحجم وذات كثافة سكانية عالية واقتصاد متنوع وتاريخ عريق وكل ذلك عوامل مساعدة للحفاظ على استقلاليتها الكاملة،وهي الان فاقدة لها بنسب متفاوتة فكيف الحال في بقية الدول؟!...انها فعلا مهزلة يرفضها العقل والمنطق.
هنالك دول اساسا تنتمي لاحد المعسكرين وهي منضوية تحت جناح الحركة،فأي عدم انحياز هذا!...ومن الامثلة على ذلك كوبا البلد الشيوعي الموالي لموسكو منذ عام1959 وروسيا البيضاء التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي ومنغوليا البلد الشيوعي السابق وفيتنام وكوريا الشمالية وغيرها من الدول الاخرى،اما بالنسبة للدول الموالية للغرب والمنضوية تحت جناح الحركة فهي مثل الفلبين وتايلاند ودول امريكا الوسطى وكولومبيا ودول الكاريبي الصغيرة،وهذه الدول لاتحتاج الى اثبات في تحالفها او خضوعها للغرب وان كان ذلك ايضا بنسب متفاوتة.
اما دول القارة الافريقية فهي تابعة لاحد المعسكرين بشكل شبه كامل،فمن بين الدول التي والت المعسكر الشيوعي،انغولا واثيوبيا وزيمبابوي وموزمبيق وغيرها،وفي المقابل الغالبية مع العالم الغربي ولانحتاج الى امثلة بسبب كثرتها ووضوح ولائها له كوضوح الشمس!.
دول العالم العربي:
الغريب في الامر ان جميع دول العالم العربي ومنذ تأسيس الحركة وهي منضوية تحت جناحها وتتشدق بشعاراتها وكأنها علامة تجارية مسجلة تعود بالنفع الكبير لدولها!وهي تعلم جيدا انها فاقدة لعدم الانحياز واستقلاليتها قلبا وقالبا!،وهذا يدعنا الى التساؤل عن جدوى المشاركة فيها اذا كانت تلك الحركة لاتستطيع مجرد التأثير في مجرى السياسة الدولية.
لاتحتاج الدول العربية الى اثبات عدم تحالفها سواء مع الغرب وهو للاغلبية او مع المعسكر الشيوعي ووريثته الان روسيا!...فدول الخليج هي متحالفة مع الغرب وتحت حمايته ويعود له الفضل في تأسيس دولها والحفاظ عليها وبالتالي لايوجد لها اي هامش من الاستقلالية او عدم الانحياز،وكذلك الامر بالنسبة الى الاردن والمغرب وتونس واليمن وموريتانيا وجيبوتي،اما ليبيا والسودان والجزائر فهم في حالة التأرجح بين قطب موسكو والغرب وحسب الظروف السياسية وتقلباتها المعروفة،وتبقى سوريا وهي بقيت وفية لموسكو وضد الهيمنة الغربية لمخالفته لها في الصراع مع اسرائيل الحليف الاقوى للغرب في الشرق الاوسط.
بقيت الدول العربية خاضعة للنفوذ الخارجي الذي يدعم امنها خاصة في كونها ضعيفة اقتصاديا وقدراتها العسكرية ليست كافية في ردع اعدائها المحليين وبالتالي يبقى هاجس الخوف منها ومن المعارضة الداخلية المتربصة بها وكلها دوافع تبقي حالة عدم الاستقرار في المنطقة وبالتالي بقاء النفوذ الغربي فيها لدرجة تفقدها كل معاني الاستقلالية والحرية او حتى العمل من اجل تلك الاهداف المقدسة لكل الشعوب.
تبقى بالتأكيد بلاد مازالت تناضل في سبيل البقاء بعيدة عن التحالفات الدولية وتحافظ على استقلالها رغم كونه مؤذيا لها من بعض الجوانب وخاصة الاقتصادية منه،ونذكر على سبيل المثال ايران وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور وغيرها وهي مستمرة في الحفاظ على حالة عدم الانحياز الا ان ذلك لايعني نجاح سياساتها الداخلية والخارجية او حتى مثاليتها فهي ايضا تحتمل نسبة كبيرة من الخطأ وحسب الظروف المتغيرة.
اعلان وفاة الحركة رسميا اكثر واقعية بدلا من جعلها جثة محنطة يعاد عرضها للناظرين كل بضعة اعوام!!..........
تأسست حركة عدم الانحياز في مدينة باندونغ الاندونيسية عام 1955 بمبادرة من اربعة رؤساء وهم تيتو اليوغسلافي وعبد الناصر المصري ولال نهرو الهندي وسوكارنو الاندونيسي،وكانت الحرب الباردة في اوجها بين القطبين الرئيسيين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحلفائهما،ولذلك جاء تأسيس الحركة في وقته ولأهداف تتلخص في الرغبة في الحياد والحفاظ على الاستقلال الذي تحقق لبعض الدول مؤخرا حينها والابتعاد عن التحالفات الدولية التي لا تنفع الدول النامية بل تجعلها مقيدة ضمن شروط تلك التحالفات.
كانت الحركة مؤثرة في بداية تكوينها واستقطبت الكثير من دول العالم الثالث وحتى لو بصفة شكلية فقد اصبحت مثل الموضة في حينها!واخذ البعض يفتخر ولو بدون وعي او استقلال حقيقي في الانتماء اليها دون ان يعي ماهيتها والاهداف الحقيقية الناشئة عنها لبناء عالم خال من الصراعات الدولية والتي تتحكم به الدول الكبرى ووفق مصالحها.
لكن الان ومنذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 فقد انتهت صلاحية تلك الحركة بشكل رسمي واذيعت شهادة وفاتها الحقيقية ولم يبقى سوى هيكل هزيل لا يغني ولا يسمن كمثل جامعة الدول العربية،وبالتالي لم تعد لها تلك الهالة التي تجعل الانتماء اليها فخر ومنهاج حقيقي للعمل السياسي الحر وفلسفة جديدة للفكر السياسي المعاصر الخاص بالدول النامية والبعيد عن النظريتين الرئيسيتين الاشتراكية والرأسمالية.
لكن هل فعلا هنالك عدم انحياز؟! سواء بعد تشكيل الحركة او في الوقت الراهن؟!....
الجواب بكل تأكيد: كلا!...لم يكن هنالك عدم انحياز حقيقي الا لعدد محدود جدا لايتجاوز عدد الاصابع للبلدان التي تتبع وبحق عدم الانحياز والابتعاد عن التحالفات الدولية التي تفقدها استقلالها الحقيقي...
لكن متى بدأ ذلك الانحراف في دول حركة عدم الانحياز؟!...والاسباب الناشئة منه؟....
للجواب على ذلك...نقول ان بداية التحول في استقلالية دول عدم الانحياز الحقيقي لم يكن الان بل بعد عدوان 1956 على مصر وهي احد البلدان الرئيسية في تأسيس الحركة!ولم يكن وليد النظام العالمي الجديد،فمنذ ذلك العام تحولت مصر وبصورة شبه كلية الى المعسكر الاشتراكي وبالتحالف مع الاتحاد السوفييتي الذي وقف بجانبها اثناء العدوان الثلاثي وأن كان بصورة جزئية الا انه اخذ في الاتساع في بداية عقد الستينيات وبالتالي لم يكن لمصر اي استقلالية حقيقية حينها ولم تعد تحتاج سوى الاعلان الرسمي للتحالف مع دول المعسكر الاشتراكي! واخذ التحالف يأخذ ابعادا عسكرية واقتصادية اضافة الى المجالات السياسية وخاصة بعد حرب 1967،ولكن بقي هامش الاستقلالية كبير لدى مصر،حتى جاء التحول الكبير عندما طرد السادات البعثات العسكرية السوفيتية عام 1972 وهو بذلك يعني انتهاء التحالف مع ذلك المعسكر والذي استفادت منه مصر كثيرا بعكس المعسكر الاشتراكي الذي لم ينتفع منها!.
اما التحول المصري نحو المعسكر الرأسمالي الغربي فهو كان عام 1974 بعد اتفاقات الهدنة مع اسرائيل وتبعتها زيارات نيكسون وكيسنجر ثم التحول الى درجة التحالف الكامل مع الغرب بعد زيارة السادات الى القدس عام 1977 وبدأ المقاطعة العربية ومنذ ذلك الحين فقدت مصر استقلاليتها بصورة شبه كاملة ومازالت! وهي لاتستطيع الان حتى فتح معبر رفح امام قطاع غزة من اراضيها او تمنع السفن الحربية الاسرائيلية من عبور قناة السويس!،وهذا يدعنا الى طرح سؤال محير! هو كيف لدولة بهذه التبعية تبقى ضمن حركة عدم الانحياز منذ ذلك الحين وهي تتأرجح بين اليسار تارة ثم اليمين تارة اخرى ثم تستضيف دول الحركة في مؤتمر على اراضيها؟!..
هذا نموذج فاضح لحال دول الحركة في الماضي فكيف الان والقطب الاوحد في العالم امريكا قد وصل نفوذها الى اقصى بقاع الارض!..
اما الدولة الثانية وهي يوغسلافيا فهي رغم كونها شيوعية الا انها بقيت مستقلة بحق عن المعسكرين حتى تاريخ انهيارها بصورة كلية عام 1991 وبالتالي انقسمت جمهورياتها الجديدة بين الاتجاه الغربي وهو لجميعها ماعدا صربيا فهي بقيت ولاسباب عرقية موالية للروس الذين ينتمون للعنصر السلافي !والجميع الان ليس قريب لحركة عدم الانحياز بأي صفة كانت رغم انتمائها لها!.
اما الدولة الثالثة المؤسسة وهي الهند فهي رغم استقلاليتها الناتجة من اتساع حجمها الجغرافي وضخامة عدد سكانها الا انها بقيت تميل بشكل كبير الى المعسكر الاشتراكي بسبب كون الغرب مؤيد الى باكستان المنتمية للحركة ايضا! في صراعها ضد الهند،ومنذ عام 1998 وهو تاريخ امتلاك باكستان للسلاح النووي ونتيجة لفرض الغرب عقوبات عليها،فقد اخذ الميل الهندي للغرب اكثر وضوحا وتمليه عليها تطابق المصالح بين الطرفين وخاصة محاربة التطرف الاسلامي في كشمير وافغانستان وباكستان،لكن هامش استقلاليتها مازال كبيرا لحد الان.
اما الدولة الرابعة وهي اندونيسيا فقد كانت موالية للمعسكر الاشتراكي وكان الحزب الشيوعي فيها قويا ويضم مئات الالاف من الانصار الى ان حدث الانقلاب الدموي الذي اباد الشيوعيين برئاسة الجنرال سوهارتو عام 1965 والذي اصبح رئيسا للبلاد عام 1967،وبالتالي تحولت البلاد بصورة كاملة نحو الغرب وفقدت استقلالها بصورة شبه كاملة حتى انها لم تستطع مقاومة الرغبة الغربية في منح تيمور الشرقية الاستقلال عنها!ولكنها لحد الان ضمن الدول المنضوية في حركة عدم الانحياز كبقية الدول الاخرى الفاقدة لشروط الاستقلال الكامل!.
هذا هو حال الدول المؤسسة للحركة وهي دول كبيرة الحجم وذات كثافة سكانية عالية واقتصاد متنوع وتاريخ عريق وكل ذلك عوامل مساعدة للحفاظ على استقلاليتها الكاملة،وهي الان فاقدة لها بنسب متفاوتة فكيف الحال في بقية الدول؟!...انها فعلا مهزلة يرفضها العقل والمنطق.
هنالك دول اساسا تنتمي لاحد المعسكرين وهي منضوية تحت جناح الحركة،فأي عدم انحياز هذا!...ومن الامثلة على ذلك كوبا البلد الشيوعي الموالي لموسكو منذ عام1959 وروسيا البيضاء التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي ومنغوليا البلد الشيوعي السابق وفيتنام وكوريا الشمالية وغيرها من الدول الاخرى،اما بالنسبة للدول الموالية للغرب والمنضوية تحت جناح الحركة فهي مثل الفلبين وتايلاند ودول امريكا الوسطى وكولومبيا ودول الكاريبي الصغيرة،وهذه الدول لاتحتاج الى اثبات في تحالفها او خضوعها للغرب وان كان ذلك ايضا بنسب متفاوتة.
اما دول القارة الافريقية فهي تابعة لاحد المعسكرين بشكل شبه كامل،فمن بين الدول التي والت المعسكر الشيوعي،انغولا واثيوبيا وزيمبابوي وموزمبيق وغيرها،وفي المقابل الغالبية مع العالم الغربي ولانحتاج الى امثلة بسبب كثرتها ووضوح ولائها له كوضوح الشمس!.
دول العالم العربي:
الغريب في الامر ان جميع دول العالم العربي ومنذ تأسيس الحركة وهي منضوية تحت جناحها وتتشدق بشعاراتها وكأنها علامة تجارية مسجلة تعود بالنفع الكبير لدولها!وهي تعلم جيدا انها فاقدة لعدم الانحياز واستقلاليتها قلبا وقالبا!،وهذا يدعنا الى التساؤل عن جدوى المشاركة فيها اذا كانت تلك الحركة لاتستطيع مجرد التأثير في مجرى السياسة الدولية.
لاتحتاج الدول العربية الى اثبات عدم تحالفها سواء مع الغرب وهو للاغلبية او مع المعسكر الشيوعي ووريثته الان روسيا!...فدول الخليج هي متحالفة مع الغرب وتحت حمايته ويعود له الفضل في تأسيس دولها والحفاظ عليها وبالتالي لايوجد لها اي هامش من الاستقلالية او عدم الانحياز،وكذلك الامر بالنسبة الى الاردن والمغرب وتونس واليمن وموريتانيا وجيبوتي،اما ليبيا والسودان والجزائر فهم في حالة التأرجح بين قطب موسكو والغرب وحسب الظروف السياسية وتقلباتها المعروفة،وتبقى سوريا وهي بقيت وفية لموسكو وضد الهيمنة الغربية لمخالفته لها في الصراع مع اسرائيل الحليف الاقوى للغرب في الشرق الاوسط.
بقيت الدول العربية خاضعة للنفوذ الخارجي الذي يدعم امنها خاصة في كونها ضعيفة اقتصاديا وقدراتها العسكرية ليست كافية في ردع اعدائها المحليين وبالتالي يبقى هاجس الخوف منها ومن المعارضة الداخلية المتربصة بها وكلها دوافع تبقي حالة عدم الاستقرار في المنطقة وبالتالي بقاء النفوذ الغربي فيها لدرجة تفقدها كل معاني الاستقلالية والحرية او حتى العمل من اجل تلك الاهداف المقدسة لكل الشعوب.
تبقى بالتأكيد بلاد مازالت تناضل في سبيل البقاء بعيدة عن التحالفات الدولية وتحافظ على استقلالها رغم كونه مؤذيا لها من بعض الجوانب وخاصة الاقتصادية منه،ونذكر على سبيل المثال ايران وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور وغيرها وهي مستمرة في الحفاظ على حالة عدم الانحياز الا ان ذلك لايعني نجاح سياساتها الداخلية والخارجية او حتى مثاليتها فهي ايضا تحتمل نسبة كبيرة من الخطأ وحسب الظروف المتغيرة.
اعلان وفاة الحركة رسميا اكثر واقعية بدلا من جعلها جثة محنطة يعاد عرضها للناظرين كل بضعة اعوام!!..........
استراحة مؤقتة
استراحة مؤقتة:
يحتاج المرء الى تغيير ولو طفيف في قراءاته المتنوعة وطريقة سيره في الحياة بصورة عامة...فالملل يدب في النفوس بسرعة خاصة اثناء طرح المواضيع الفكرية وخاصة المعقدة منها بما تمثله من جفاف لدى البعض....ولو ان للفكر طراوة لاتجف!...وحلاوة لا تعوض!...وطاقة لاتفنى!في حياة فانية!.......
ولكن هذا حال العقل الانساني!...يتعب بسرعة ويمل بصورة اسرع...وما علينا سوف اعادة تجديد محركاته كي تعمل بفعالية اقوى واشد....ومانحتاج اليه سوى ايقاف مؤقت لنكمل المسيرة والبحث والطرح....كي لايتعب من وحشة الطريق سائريه!...وحشة الطريق لا يستطيع تجاوزها بصورة منفردة الا ذو حظ عظيم وصاحب صبر يفوق احيانا القدرة البشرية...
نحتاج الى بعض التنوع من خلال تناول مفردات العقل الطرية...وهل هنالك اكثر طراوة من الفن والادب والموسيقى والسخرية!...
دمتم بود خالص....
يحتاج المرء الى تغيير ولو طفيف في قراءاته المتنوعة وطريقة سيره في الحياة بصورة عامة...فالملل يدب في النفوس بسرعة خاصة اثناء طرح المواضيع الفكرية وخاصة المعقدة منها بما تمثله من جفاف لدى البعض....ولو ان للفكر طراوة لاتجف!...وحلاوة لا تعوض!...وطاقة لاتفنى!في حياة فانية!.......
ولكن هذا حال العقل الانساني!...يتعب بسرعة ويمل بصورة اسرع...وما علينا سوف اعادة تجديد محركاته كي تعمل بفعالية اقوى واشد....ومانحتاج اليه سوى ايقاف مؤقت لنكمل المسيرة والبحث والطرح....كي لايتعب من وحشة الطريق سائريه!...وحشة الطريق لا يستطيع تجاوزها بصورة منفردة الا ذو حظ عظيم وصاحب صبر يفوق احيانا القدرة البشرية...
نحتاج الى بعض التنوع من خلال تناول مفردات العقل الطرية...وهل هنالك اكثر طراوة من الفن والادب والموسيقى والسخرية!...
دمتم بود خالص....
2009/07/16
اسطورة التغيير الفوقي - القسم الاربعون
يعتقد الكثيرين بما فيهم غالبية الفلسطينيون ان النظام البعثي العراقي هو مساند قوي لهم وقد تحمل الكثير من العداء من جراء ذلك!...وفي الحقيقة ان ذلك هراء لا قيمة له امام نتائج اعمال هذا النظام المرتزق الذي لايفهم معاني الاخوة والانسانية،فكيف لنا ان نضعه في خانة الدول المناضلة لتحريرها من الاحتلال او الاستعباد!...لا يوجد نظام عربي واحد دمر القضية الفلسطينية مثل نظام بعث العراق السابق،دعك من الهراء الاعلامي الذي لاقيمة له امام العقل والمنطق!لقد قام النظام بتصفية الكثير من القيادات الفلسطينية المناوئة له وخاصة خلال فترة السبعينيات ثم استخدم المتطرفين منهم لاغراضه الاجرامية الخاصة ومنها القمع الداخلي في العراق ثم اعماله الاخرى والتي صبت في الجانب الاسرائيلي ومنها ترحيله لبقايا اليهود في العراق اوائل السبعينيات ثم تواطئه المخزي في قصف المفاعل النووي العراقي!ثم تعويضاته لاسرائيل جراء قصفها بعشوائية ببضع عشرات من الصواريخ والتي حصلت من جرائها على التأييد الدولي ثم خلافه الحاد مع الدول والمنظمات المعادية لاسرائيل ويكفي ان اجهزته الامنية بقيت خارج الصراع وهي تجهل كل شيء عن اسرائيل الا ما يخص امن النظام بينما هي متأسدة على العراقيين والدول المجاورة،ثم مجرد قمع الشعب العراقي بتلك الوحشية النادرة وتمزيق وحدته الوطنية واقتصاده وحضارته هو بالتالي تدمير للقوة العراقية الضخمة سواء العسكرية او الاقتصادية وبالتالي فقدان الفلسطينيون والعرب جميعا ما يعتبر قوة بروسيا العرب وهو اللقب الذي يطلق على العراق عادة،فقد كان يمتلك من القدرات الكافية لردع اسرائيل ولكنه مع الاسف دمرت برعونة طاغية وحزب مخابراتي فاشي،فالقمع والحروب الداخلية ثم تلاها الحروب الخارجية ضد ايران والكويت ثم تدخله ضد سوريا في لبنان ودعمه الانظمة العربية اليمينية هو لا يصب في مصلحة الفلسطينيين مهما كانت الشعارات المرفوعة التي لاتسمن ولا تغني من جوع،والاموال الضخمة التي صرفت على الحروب والقمع والاعداد الهائلة من الضحايا هي قوة العراق الحقيقية التي فقدت والتي لن تعود الا بعد مرور عقود طويلة من الزمن والتي سوف تبقى بعيدة عن عسكرة الدولة بفضل الكره الغير طبيعي للحروب التي سيطرت على العقل العراقي الباطني بفضل المآسي الناشئة منها،ويكفي ان دولة بحجم ايران تتحول من المعسكر الموالي للغرب الى دولة مؤيدة للقضية الفلسطينية وهو نصر كبير للعرب بدون ان يطلقوا رصاصة واحدة!، كان من المفروض من الانظمة العربية ان تحذو سوريا في تمتين التحالف معها لا ان تحاربها عسكريا بغية تدمير قوتها التي هي سند العرب الجديد من خلال تشجيع صدام في حربه عليها!،ان تلك الحرب كشفت للجميع مدى هشاشة الفكر السياسي العربي الحاكم الذي يعيش في مستنقع الاستبداد والجهل والتخلف والطائفية والعنصرية والعداء للصديق وصداقة العدو بل وكل مشكلات الانسان المعاصرة الاخرى!.
مرتزق يطالب بالثمن...ومستخدميه يمتنعون عن الدفع!:
الارتزاق الدولي هو التنازل عن كل استقلالية في سبيل المال والمصالح الذاتية بمختلف انوعها،وبما ان نظام بعث العراق كان مرتزقا دوليا يرفع السلاح عاليا في سبيل تحقيق غاياته،فأن هنالك انظمة تمارس الارتزاق الدولي منذ عقود طويلة ولم ترفع السلاح الا نادرا مثل الانظمة الحاكمة في مصر والاردن واثيوبيا واريتيريا ،وفي كلا الحالتين اي الارتزاق العسكري والارتزاق السياسي،لابد من دفع الثمن وفي الحالة الاولى يكون الثمن اعلى لان العمل يتطلب التضحية بأرواح ابرياء كثيرون،وبما ان النظام البعثي لا يكترث اساسا بعدد الضحايا او نوعيتهم!! فأنه كان الاجدر بالقيام بتلك المهمة القذرة لصالح دول كثيرة وبعضها دول ديمقراطية! فالمصالح الدولية لاتعرف الرحمة ولا الاخلاق ابدا!.
كان العمل الاكثر كلفة ودموية في النيابة عن حروب الاخرين هو حرب ايران(1980-1988) والتي كلفت البلدين خسائر هائلة(فقط العراق قدر عدد الضحايا 400 الف قتيل و500 مليار دولار!)ورغم الدعم السياسي والاقتصادي العربي والغربي والشرقي! الا انه كان يشكل جزءا بسيطا من خسائر العراق الكبيرة،وبالتالي كان من الواجب وحسب القواعد المعروفة لتلك الاعمال ان يكون الدفع موازيا لحجم العمل! ومهما كانت مطالب النظام فأنها لم تشكل سوى جزء بسيط من حرب دمرت العراق وايران والمنطقة باكملها،ولهذا كان يتوقع ان يكون هنالك دعما كبيرا له لاعادة بناء العراق ومساعدته في الخروج من المشاكل الكارثية الناتجة من الحرب المجنونة كنتيجة حاصلة لعمله المدفوع له وهو الحرب بالنيابة،ومنذ عام 1986 وعندما انخفضت اسعار النفط بشدة الى مستوى 9 دولار للبرميل،فان الدعم الخليجي انخفض بشدة معها رغم دعوات النظام المستمرة له بالاستمرار بنفس المستوى السابق،ولم تعوضه المساعدات الامريكية البديلة التي بدأت تنهال عليه حتى وصلت الى حد التدخل العسكري المباشر والذي اجبر ايران على وقف القتال!.
بعد نهاية الحرب عام 1988 انخفضت اسعار النفط مرة اخرى الى حدود 12 دولار واعتبرها النظام موجهة ضده رغم انها لفترة محدودة وهي ناتجة من هواجسه الامنية،ثم انخفضت مرة اخرى في النصف الاول لعام 1990 الى نفس المستويات تقريبا،واعتبرها مرة اخرى مؤامرة خليجية ضده بالتحالف مع الغرب لغرض تدمير القدرة العسكرية العراقية التي تضخمت بشدة بسبب الحرب واعتبرت خطرا يجب التخلص منها!،وزاد في الطين بلة ان دول الخليج وبغباء كبير لم تلغي ديونها التي مولت حربه القذرة وهي تعلم جيدا انه ليس فقط ثمنا لحرب بالنيابة عنها،بل تعلم انه ليس بمقدور النظام البعثي ردها بسبب الحاجة الماسة للتعمير وليس لرد ديون ثمن حرب مشتركة منه الدماء ومنهم الاموال !،وكانت اول الدول المطالبة بديونها هي الكويت ! وهي ليست اساسا محتاجة لها بسبب الوفرة المالية التي لديها مع احساس النظام بأنها تمارس الاستفزاز من خلال زيادة انتاج النفط واتهامها بسرقة النفط من الحدود المشتركة،وبذلك يتحمل النظامان المسؤولية الكاملة لبدء حربا جديدة دمرت البلدين والتي اصبحت من مسؤولية صدام ونظامه فقط نتيجة غزوه الكامل للكويت في 2 آب 1990 وتم بذلك التجاهل وبغباء في سياسة البقاء بعيدا عن مجرم محترف مثل صدام او اثارته بقضايا كان من الممكن عدم اثارتها حتى يمكن تجنب حربا غادرة من قبله وهو الذي لايحترم الوعود نظرا لتاريخه السيء.
من السذاجة القول والذي مازال البعض يدعيه ان صدام كان مخطط لغزو الكويت منذ فترة طويلة،والحقيقة ان ذلك القول هو للتغطية على تحمل النظام الكويتي للمسؤولية ايضا،فصدام ونظامه من الرعونة والاستعجال مالايخفى على احد وهو ناتج من جهل معرفي كامل بكل المعطيات الاستيراتيجية وممارس للسياسة بطريقة القاتل الجاهل المحترف،ولذلك فان معظم اعماله السياسية والعسكرية هي ناتجة من رعونة كاملة في استعجال اصدار القرارات الفردية الكارثية،ولذلك فان حربي ايران والكويت لو كان مخططا لهما بعقلانية لما نشبت الحربين اساسا! ولكن التفرد بأصدار القرارات وبتشجيع من بطانة من قاع المجتمع وجاهلة لاتفهم هو خلاصة القول في سياسة العراق خلال حكم صدام،ولذلك فأن الهجوم لم يكن سوى مفاجأة للقادة العسكريين العراقيين والذين لم يسمع غالبيتهم به كوزير الدفاع الا من خلال الاذاعات التي اذاعت خبر بدء الهجوم! وعموما الاصرار على الحرب والدمار الناتج منه للبلدين هو يكفي لاصدار الحكم بمدى حجم جهل وعنجهية النظام البعثي في العراق!.
ثورة كبرى للتغيير الجذري:
بدأت في اواخر شباط 1991 ثورة شعبية عارمة قام بها الشيعة في وسط وجنوب العراق،ثم تبعها بأيام ثورة في الشمال قام بها الاكراد،وكانت بحق اعظم ثورة عراقية منذ عام 1920 وهي شعبية عفوية بأمتياز استغلت ضعف القبضة الامنية للنظام فحررت 14 محافظة من مجموع 18 محافظة،ورغم آثار الحصار فقد حققت نتائج ايجابية وبوسائل بسيطة،وكان من جملة اعمالها الكبيرة اطلاق سراح عشرات الالاف من المعتقلين في سجون النظام الرهيبة ومن ضمنهم بضعة الاف من الاسرى الكويتيين!،الا ان الرعب الذي دب في صفوف الانظمة العربية الطائفية الفاسدة،جعلها تتناسى وبسرعة كبيرة آثار غزو الكويت فوقفت بحزم ضد عملية التغيير الجذري في العراق،والحت على القوى الغربية وخاصة امريكا،أيقاف الزحف الى داخل العراق لا بل ومساعدة النظام الذي اخذ ينهار وبسرعة كبيرة من خلال السماح لقواته العسكرية وطائراته الحربية في قمع الثوار والمدنيين العزل،وكان على رأس الانظمة قادة ثلاث بلدان وهم السعودية ومصر والاردن، يتحملون النتائج الكارثية لفشل الثورة وسقوط الضحايا وهم بمئات الالاف فيها،من خلال اصرارهم على دعم النظام ضد الثورة التي اعتبروها شيعية وتميل الى ايران وتهدد كراسيهم الدموية ثم استمرار الحصار الهمجي لمدة 12 عاما بعد ذلك وما سببه من سقوط اعداد مضاعفة وخسائر اقتصادية لاحصر لها وبمشاركة عربية ودولية مع اصرار النظام على البقاء في الحكم والذي لم يتأثر بها بالمقارنة مع ابناء الشعب،على كوارث لاتحصى للعراق وسببت آلام لاحدود لها،وكان من المفترض التخلص منها في وقتها،فتفضيل بقاء طاغية افضل من تغييره في السياسة الدولية آنذاك حتى لو سبب بقاءه سقوط ملايين الضحايا!.
فشلت الثورة بعد عدة اسابيع من الحرية المفقودة،من خلال انعدام القيادة والتنسيق وضعف الامكانيات والقدرات والدعم الخارجي والخوف لدى العرب السنة من الانتقام والذي لا اساس له من الصحة كما تبين ذلك بعد اثني عشر عاما.
سبب الفشل خروج ملايين اللاجئين الى البلدان المجاورة للعراق،والتي كان الجزء الاكبر منهم في الشمال بسبب الخبرة الكردية في التمرد لفترة طويلة،مما ادى الى حصولهم على دعم غربي مؤقت لدعم مكان آمن لهم في الشمال الذي اصبح بحكم المنفصل من الناحية العملية،وبذلك فشل حزب البعث ومؤيده العرب وزعيمه صدام ليس فقط في بناء الوحدة العربية التي يزعمون الدعوة اليها بل فشلوا حتى في بناء الوحدة الداخلية العراقية التي تمزقت ارضا وشعبا!.
كانت الفترة بين عامي 1991 ولغاية سقوط بغداد في 9 نيسان ابريل 2003 هي من اصعب الفترات في تاريخ العراق الحديث والتي كان الاستبداد في اقصى درجات الوحشية مع حصار جائر دولي وعربي ومحلي على شعب لايملك ناقة ولاجمل في حروب عبثية داخلية وخارجية دمرته ولم تنفع خدمات النظام الارتزاقية في عودته الى الحضيرة الدولية والتي استغلها البعض في الحلول مكانه!.
لو قدر للعراق تحت حكم صدام ان يعود للوضع السابق لعام 1990 لما تغير شيئا في العراق ولبقي الحكم طائفيا عنصريا وبمنتهى الوحشية ولبقي الرعب يسكن ابناء هذا البلد في داخله وخارجه.
التغيير الجذري بعد عام 2003:
مهما قيل عن عن الوضع العراقي بعد عام 2003 فهو في النهاية كان تغييرا جذريا للمجتمع برغم الظروف السيئة التي مرت بالبلد وخاصة في الحرب الاهلية التي اشعلتها الجماعات التكفيرية الداخلية والخارجية وبالتحالف مع البعثيين الهاربين من العدالة،التغيير الجذري هنا كان بمعونة خارجية وقد تسبب بدمار كبير اشترك فيه بصورة اساسية الارهابيون والفوضويون من شتى الاتجاهات.
اعتبر البعض ان قرار الغاء الجيش والاجهزة الامنية وحزب البعث والجهاز الاعلامي للنظام كارثة سببت الكثير من المآسي للبلد،والحقيقة ان تلك خرافة سخيفة لا يهضمها العقل ولا المنطق ولاحتى الوعي الناشيء من دراسة عميقة للعراق، فأزالة تلك الاجهزة الارهابية وبمختلف مسمياتها هو اعظم نصر للعراق من خلال ازالة اسس الاستبداد من جذوره ثم آثاره في بقية الجسد العراقي،واذا تضرر بعض ابناء الاقلية السنية العربية فيه بأكثر من غيرهم،فذلك يعود الى استئثارهم بالحكم لفترة طويلة،وبالتالي حان الوقت لكي يسمحوا لبقية المكونات الاخرى بأخذ حصتها كاملة من الحكم الجديد والذي لم يكن استبداديا حتى يمنع العرب السنة من المشاركة في الحكم وان كانت المآسي الكبرى تسمح به!،بل سمح لهم بالمشاركة وحتى بأكثر من حجمهم الطبيعي،ولكن ذلك لم يرق للبعض منهم والذي تعود على التفرد بالحكم من خلال شعور نفسي داخلي اصاب الشخصية الحاكمة وجعل النظرة للاخرين دونية وهو ناتج من الطبيعة الانسانية التي اذا كانت في القمة فأن نظرتها للاخرين بدونية وحقارة سوف تبقى حتى بعد فقدان الجاه والسلطة!،ولذلك تحالف العرب السنة مع الحكومات العربية في محاولة فاشلة لارجاع عقارب الساعة الى الوراء وجعل العراق يعيش من جديد في وضعه الشاذ! بدلا من اعادة بنائه ومساعدته للخروج من المحنة،ولذلك نرى العداء الرسمي العربي واضحا وغريبا وخاليا من اية اخوة او انسانية لحكومات العراق الجديدة المتعددة وديمقراطيته الوليدة بل والمطالبة بديون قذرة استخدمت لتدمير العراق بدلا من بنائه كما فعلت بقية دول العالم الاخرى التي تنازلت عنها!.
الاصرار الشعبي من قبل بقية المكونات مع الاصرار الغربي في بناء تجربة ديمقراطية هو الذي احبط تلك المخططات الشريرة والتي ارتدت على اصحابها بسرعة من خلال تعرض ابناء السنة العرب الى قمع كبير من جانب التكفيريين القادمين من خارج الحدود،مما سبب ثورة عارمة اطلق عليها اسم الصحوة عامي 2006-2007والتي ارجعت المناطق السنية الى السيطرة الحكومية وجعلت المصالحة امرا واقعيا مع استبعاد ايتام البعث والارهابيون منه.
تقييم نهائي وسريع:
الدولة العراقية الحديثة عاشت خلال 83 عاما وضعا شاذا من خلال سيطرة الاقلية العربية السنية على مقدرات البلد وبمعونة خارجية واستبعاد كامل للاغلبية الشيعية والاقليات الاخرى مثل الاكراد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ما عدا فترة قصيرة دامت اقل من 5 اعوام ضمن حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والتي اجهضت بسرعة.
التغييرات التي حدثت خلال تلك الفترة هي ليست فقط تغييرات فوقية خرافية في قمة المجتمع العراقي ارمز لها بالافقية اي بخط مستقيم من اعلى الطبقات الفوقية الى اسفل قاع المجتمع،بل هي تغييرات عمودية وبخط مستقيم ولكن ضمن طائفة واحد في المجتمع وتشكل الاقلية!،بمعنى ان كل التغييرات التي حدثت هي خرافية وغير حقيقية وضمن اقلية متحكمة،وبالتالي فأن نتائج التغييرات الفوقية هي من الندرة التي تفوق بلدان اخرى كثيرة يضعف فيها عامل سيطرة الاقليات المدعومة خارجيا على الحكم.
حاول الغرب وبمعونة بعض الدول العربية خلال فترة الحصار على خيار التغيير الفوقي من خلال تغيير رأس النظام فقط! وهو ناتج من العداء والخوف من سيطرة الشيعة على الحكم،ولكن المحاولات فشلت بفضل قوة النظام الامنية الارهابية ولو نجحت لبقي العراق ضمن خانة الدول الشاذة في العالم ويبقى وضعه دون تغيير حقيقي يعود بالنفع للجميع.
التغيير الراديكالي (الجذري) الذي حصل بعد 2003 وبتدخل خارجي كان ضروريا لغرض اخراج العراق نهائيا من الوضع الشاذ الذي يعيشه منذ بداية تاسيس الدولة على يد حكومة التاج البريطاني التي وعت حجم الكوارث من خلال تركيز السلطات لدى اقلية حاولت استخدامها بغية السيطرة الدائمة على العراق،الا ان نجاح التمرد على تلك السيطرة ثم تحوله الى الاستبداد الكامل الذي يحاول الخروج من القمقم للسيطرة على البلاد المجاورة سبب تهديدا مباشرا للمصالح الغربية التي لايقف امامها رادع الا واطيح به!.
الاستبداد الوحشي والذي وصل الى حد الاستهانة الكاملة بالكرامة الانسانية والابادة الجماعية هو الذي جعل الغالبية الساحقة من الشعب معارضين وسهل سقوط النظام المحتوم في ظاهرة طبيعية يمكن اختصارها بعبارة: كلما ازداد الاستبداد كلما سهلت سقوطه المحتوم!.
الامل كبيرا في ان يعود العراق الى سيرته الاولى ومن خلال ازالة الفوارق والتمايز بين المكونات المختلفة ومن خلال بناء الديمقراطية الحقيقية المرتكزة على الحرية والعدالة والتي هي الرادع الرئيسي لتكرار اساطير التغيير الفوقي الافقية والعمودية!.................
مرتزق يطالب بالثمن...ومستخدميه يمتنعون عن الدفع!:
الارتزاق الدولي هو التنازل عن كل استقلالية في سبيل المال والمصالح الذاتية بمختلف انوعها،وبما ان نظام بعث العراق كان مرتزقا دوليا يرفع السلاح عاليا في سبيل تحقيق غاياته،فأن هنالك انظمة تمارس الارتزاق الدولي منذ عقود طويلة ولم ترفع السلاح الا نادرا مثل الانظمة الحاكمة في مصر والاردن واثيوبيا واريتيريا ،وفي كلا الحالتين اي الارتزاق العسكري والارتزاق السياسي،لابد من دفع الثمن وفي الحالة الاولى يكون الثمن اعلى لان العمل يتطلب التضحية بأرواح ابرياء كثيرون،وبما ان النظام البعثي لا يكترث اساسا بعدد الضحايا او نوعيتهم!! فأنه كان الاجدر بالقيام بتلك المهمة القذرة لصالح دول كثيرة وبعضها دول ديمقراطية! فالمصالح الدولية لاتعرف الرحمة ولا الاخلاق ابدا!.
كان العمل الاكثر كلفة ودموية في النيابة عن حروب الاخرين هو حرب ايران(1980-1988) والتي كلفت البلدين خسائر هائلة(فقط العراق قدر عدد الضحايا 400 الف قتيل و500 مليار دولار!)ورغم الدعم السياسي والاقتصادي العربي والغربي والشرقي! الا انه كان يشكل جزءا بسيطا من خسائر العراق الكبيرة،وبالتالي كان من الواجب وحسب القواعد المعروفة لتلك الاعمال ان يكون الدفع موازيا لحجم العمل! ومهما كانت مطالب النظام فأنها لم تشكل سوى جزء بسيط من حرب دمرت العراق وايران والمنطقة باكملها،ولهذا كان يتوقع ان يكون هنالك دعما كبيرا له لاعادة بناء العراق ومساعدته في الخروج من المشاكل الكارثية الناتجة من الحرب المجنونة كنتيجة حاصلة لعمله المدفوع له وهو الحرب بالنيابة،ومنذ عام 1986 وعندما انخفضت اسعار النفط بشدة الى مستوى 9 دولار للبرميل،فان الدعم الخليجي انخفض بشدة معها رغم دعوات النظام المستمرة له بالاستمرار بنفس المستوى السابق،ولم تعوضه المساعدات الامريكية البديلة التي بدأت تنهال عليه حتى وصلت الى حد التدخل العسكري المباشر والذي اجبر ايران على وقف القتال!.
بعد نهاية الحرب عام 1988 انخفضت اسعار النفط مرة اخرى الى حدود 12 دولار واعتبرها النظام موجهة ضده رغم انها لفترة محدودة وهي ناتجة من هواجسه الامنية،ثم انخفضت مرة اخرى في النصف الاول لعام 1990 الى نفس المستويات تقريبا،واعتبرها مرة اخرى مؤامرة خليجية ضده بالتحالف مع الغرب لغرض تدمير القدرة العسكرية العراقية التي تضخمت بشدة بسبب الحرب واعتبرت خطرا يجب التخلص منها!،وزاد في الطين بلة ان دول الخليج وبغباء كبير لم تلغي ديونها التي مولت حربه القذرة وهي تعلم جيدا انه ليس فقط ثمنا لحرب بالنيابة عنها،بل تعلم انه ليس بمقدور النظام البعثي ردها بسبب الحاجة الماسة للتعمير وليس لرد ديون ثمن حرب مشتركة منه الدماء ومنهم الاموال !،وكانت اول الدول المطالبة بديونها هي الكويت ! وهي ليست اساسا محتاجة لها بسبب الوفرة المالية التي لديها مع احساس النظام بأنها تمارس الاستفزاز من خلال زيادة انتاج النفط واتهامها بسرقة النفط من الحدود المشتركة،وبذلك يتحمل النظامان المسؤولية الكاملة لبدء حربا جديدة دمرت البلدين والتي اصبحت من مسؤولية صدام ونظامه فقط نتيجة غزوه الكامل للكويت في 2 آب 1990 وتم بذلك التجاهل وبغباء في سياسة البقاء بعيدا عن مجرم محترف مثل صدام او اثارته بقضايا كان من الممكن عدم اثارتها حتى يمكن تجنب حربا غادرة من قبله وهو الذي لايحترم الوعود نظرا لتاريخه السيء.
من السذاجة القول والذي مازال البعض يدعيه ان صدام كان مخطط لغزو الكويت منذ فترة طويلة،والحقيقة ان ذلك القول هو للتغطية على تحمل النظام الكويتي للمسؤولية ايضا،فصدام ونظامه من الرعونة والاستعجال مالايخفى على احد وهو ناتج من جهل معرفي كامل بكل المعطيات الاستيراتيجية وممارس للسياسة بطريقة القاتل الجاهل المحترف،ولذلك فان معظم اعماله السياسية والعسكرية هي ناتجة من رعونة كاملة في استعجال اصدار القرارات الفردية الكارثية،ولذلك فان حربي ايران والكويت لو كان مخططا لهما بعقلانية لما نشبت الحربين اساسا! ولكن التفرد بأصدار القرارات وبتشجيع من بطانة من قاع المجتمع وجاهلة لاتفهم هو خلاصة القول في سياسة العراق خلال حكم صدام،ولذلك فأن الهجوم لم يكن سوى مفاجأة للقادة العسكريين العراقيين والذين لم يسمع غالبيتهم به كوزير الدفاع الا من خلال الاذاعات التي اذاعت خبر بدء الهجوم! وعموما الاصرار على الحرب والدمار الناتج منه للبلدين هو يكفي لاصدار الحكم بمدى حجم جهل وعنجهية النظام البعثي في العراق!.
ثورة كبرى للتغيير الجذري:
بدأت في اواخر شباط 1991 ثورة شعبية عارمة قام بها الشيعة في وسط وجنوب العراق،ثم تبعها بأيام ثورة في الشمال قام بها الاكراد،وكانت بحق اعظم ثورة عراقية منذ عام 1920 وهي شعبية عفوية بأمتياز استغلت ضعف القبضة الامنية للنظام فحررت 14 محافظة من مجموع 18 محافظة،ورغم آثار الحصار فقد حققت نتائج ايجابية وبوسائل بسيطة،وكان من جملة اعمالها الكبيرة اطلاق سراح عشرات الالاف من المعتقلين في سجون النظام الرهيبة ومن ضمنهم بضعة الاف من الاسرى الكويتيين!،الا ان الرعب الذي دب في صفوف الانظمة العربية الطائفية الفاسدة،جعلها تتناسى وبسرعة كبيرة آثار غزو الكويت فوقفت بحزم ضد عملية التغيير الجذري في العراق،والحت على القوى الغربية وخاصة امريكا،أيقاف الزحف الى داخل العراق لا بل ومساعدة النظام الذي اخذ ينهار وبسرعة كبيرة من خلال السماح لقواته العسكرية وطائراته الحربية في قمع الثوار والمدنيين العزل،وكان على رأس الانظمة قادة ثلاث بلدان وهم السعودية ومصر والاردن، يتحملون النتائج الكارثية لفشل الثورة وسقوط الضحايا وهم بمئات الالاف فيها،من خلال اصرارهم على دعم النظام ضد الثورة التي اعتبروها شيعية وتميل الى ايران وتهدد كراسيهم الدموية ثم استمرار الحصار الهمجي لمدة 12 عاما بعد ذلك وما سببه من سقوط اعداد مضاعفة وخسائر اقتصادية لاحصر لها وبمشاركة عربية ودولية مع اصرار النظام على البقاء في الحكم والذي لم يتأثر بها بالمقارنة مع ابناء الشعب،على كوارث لاتحصى للعراق وسببت آلام لاحدود لها،وكان من المفترض التخلص منها في وقتها،فتفضيل بقاء طاغية افضل من تغييره في السياسة الدولية آنذاك حتى لو سبب بقاءه سقوط ملايين الضحايا!.
فشلت الثورة بعد عدة اسابيع من الحرية المفقودة،من خلال انعدام القيادة والتنسيق وضعف الامكانيات والقدرات والدعم الخارجي والخوف لدى العرب السنة من الانتقام والذي لا اساس له من الصحة كما تبين ذلك بعد اثني عشر عاما.
سبب الفشل خروج ملايين اللاجئين الى البلدان المجاورة للعراق،والتي كان الجزء الاكبر منهم في الشمال بسبب الخبرة الكردية في التمرد لفترة طويلة،مما ادى الى حصولهم على دعم غربي مؤقت لدعم مكان آمن لهم في الشمال الذي اصبح بحكم المنفصل من الناحية العملية،وبذلك فشل حزب البعث ومؤيده العرب وزعيمه صدام ليس فقط في بناء الوحدة العربية التي يزعمون الدعوة اليها بل فشلوا حتى في بناء الوحدة الداخلية العراقية التي تمزقت ارضا وشعبا!.
كانت الفترة بين عامي 1991 ولغاية سقوط بغداد في 9 نيسان ابريل 2003 هي من اصعب الفترات في تاريخ العراق الحديث والتي كان الاستبداد في اقصى درجات الوحشية مع حصار جائر دولي وعربي ومحلي على شعب لايملك ناقة ولاجمل في حروب عبثية داخلية وخارجية دمرته ولم تنفع خدمات النظام الارتزاقية في عودته الى الحضيرة الدولية والتي استغلها البعض في الحلول مكانه!.
لو قدر للعراق تحت حكم صدام ان يعود للوضع السابق لعام 1990 لما تغير شيئا في العراق ولبقي الحكم طائفيا عنصريا وبمنتهى الوحشية ولبقي الرعب يسكن ابناء هذا البلد في داخله وخارجه.
التغيير الجذري بعد عام 2003:
مهما قيل عن عن الوضع العراقي بعد عام 2003 فهو في النهاية كان تغييرا جذريا للمجتمع برغم الظروف السيئة التي مرت بالبلد وخاصة في الحرب الاهلية التي اشعلتها الجماعات التكفيرية الداخلية والخارجية وبالتحالف مع البعثيين الهاربين من العدالة،التغيير الجذري هنا كان بمعونة خارجية وقد تسبب بدمار كبير اشترك فيه بصورة اساسية الارهابيون والفوضويون من شتى الاتجاهات.
اعتبر البعض ان قرار الغاء الجيش والاجهزة الامنية وحزب البعث والجهاز الاعلامي للنظام كارثة سببت الكثير من المآسي للبلد،والحقيقة ان تلك خرافة سخيفة لا يهضمها العقل ولا المنطق ولاحتى الوعي الناشيء من دراسة عميقة للعراق، فأزالة تلك الاجهزة الارهابية وبمختلف مسمياتها هو اعظم نصر للعراق من خلال ازالة اسس الاستبداد من جذوره ثم آثاره في بقية الجسد العراقي،واذا تضرر بعض ابناء الاقلية السنية العربية فيه بأكثر من غيرهم،فذلك يعود الى استئثارهم بالحكم لفترة طويلة،وبالتالي حان الوقت لكي يسمحوا لبقية المكونات الاخرى بأخذ حصتها كاملة من الحكم الجديد والذي لم يكن استبداديا حتى يمنع العرب السنة من المشاركة في الحكم وان كانت المآسي الكبرى تسمح به!،بل سمح لهم بالمشاركة وحتى بأكثر من حجمهم الطبيعي،ولكن ذلك لم يرق للبعض منهم والذي تعود على التفرد بالحكم من خلال شعور نفسي داخلي اصاب الشخصية الحاكمة وجعل النظرة للاخرين دونية وهو ناتج من الطبيعة الانسانية التي اذا كانت في القمة فأن نظرتها للاخرين بدونية وحقارة سوف تبقى حتى بعد فقدان الجاه والسلطة!،ولذلك تحالف العرب السنة مع الحكومات العربية في محاولة فاشلة لارجاع عقارب الساعة الى الوراء وجعل العراق يعيش من جديد في وضعه الشاذ! بدلا من اعادة بنائه ومساعدته للخروج من المحنة،ولذلك نرى العداء الرسمي العربي واضحا وغريبا وخاليا من اية اخوة او انسانية لحكومات العراق الجديدة المتعددة وديمقراطيته الوليدة بل والمطالبة بديون قذرة استخدمت لتدمير العراق بدلا من بنائه كما فعلت بقية دول العالم الاخرى التي تنازلت عنها!.
الاصرار الشعبي من قبل بقية المكونات مع الاصرار الغربي في بناء تجربة ديمقراطية هو الذي احبط تلك المخططات الشريرة والتي ارتدت على اصحابها بسرعة من خلال تعرض ابناء السنة العرب الى قمع كبير من جانب التكفيريين القادمين من خارج الحدود،مما سبب ثورة عارمة اطلق عليها اسم الصحوة عامي 2006-2007والتي ارجعت المناطق السنية الى السيطرة الحكومية وجعلت المصالحة امرا واقعيا مع استبعاد ايتام البعث والارهابيون منه.
تقييم نهائي وسريع:
الدولة العراقية الحديثة عاشت خلال 83 عاما وضعا شاذا من خلال سيطرة الاقلية العربية السنية على مقدرات البلد وبمعونة خارجية واستبعاد كامل للاغلبية الشيعية والاقليات الاخرى مثل الاكراد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ما عدا فترة قصيرة دامت اقل من 5 اعوام ضمن حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والتي اجهضت بسرعة.
التغييرات التي حدثت خلال تلك الفترة هي ليست فقط تغييرات فوقية خرافية في قمة المجتمع العراقي ارمز لها بالافقية اي بخط مستقيم من اعلى الطبقات الفوقية الى اسفل قاع المجتمع،بل هي تغييرات عمودية وبخط مستقيم ولكن ضمن طائفة واحد في المجتمع وتشكل الاقلية!،بمعنى ان كل التغييرات التي حدثت هي خرافية وغير حقيقية وضمن اقلية متحكمة،وبالتالي فأن نتائج التغييرات الفوقية هي من الندرة التي تفوق بلدان اخرى كثيرة يضعف فيها عامل سيطرة الاقليات المدعومة خارجيا على الحكم.
حاول الغرب وبمعونة بعض الدول العربية خلال فترة الحصار على خيار التغيير الفوقي من خلال تغيير رأس النظام فقط! وهو ناتج من العداء والخوف من سيطرة الشيعة على الحكم،ولكن المحاولات فشلت بفضل قوة النظام الامنية الارهابية ولو نجحت لبقي العراق ضمن خانة الدول الشاذة في العالم ويبقى وضعه دون تغيير حقيقي يعود بالنفع للجميع.
التغيير الراديكالي (الجذري) الذي حصل بعد 2003 وبتدخل خارجي كان ضروريا لغرض اخراج العراق نهائيا من الوضع الشاذ الذي يعيشه منذ بداية تاسيس الدولة على يد حكومة التاج البريطاني التي وعت حجم الكوارث من خلال تركيز السلطات لدى اقلية حاولت استخدامها بغية السيطرة الدائمة على العراق،الا ان نجاح التمرد على تلك السيطرة ثم تحوله الى الاستبداد الكامل الذي يحاول الخروج من القمقم للسيطرة على البلاد المجاورة سبب تهديدا مباشرا للمصالح الغربية التي لايقف امامها رادع الا واطيح به!.
الاستبداد الوحشي والذي وصل الى حد الاستهانة الكاملة بالكرامة الانسانية والابادة الجماعية هو الذي جعل الغالبية الساحقة من الشعب معارضين وسهل سقوط النظام المحتوم في ظاهرة طبيعية يمكن اختصارها بعبارة: كلما ازداد الاستبداد كلما سهلت سقوطه المحتوم!.
الامل كبيرا في ان يعود العراق الى سيرته الاولى ومن خلال ازالة الفوارق والتمايز بين المكونات المختلفة ومن خلال بناء الديمقراطية الحقيقية المرتكزة على الحرية والعدالة والتي هي الرادع الرئيسي لتكرار اساطير التغيير الفوقي الافقية والعمودية!.................
اسطورة التغيير الفوقي - القسم التاسع والثلاثون
عبيد يحسنون العبودية!
سئل احد المعتوهين من البعثيين في بداية السبعينات:ماذا تريدون من الناس؟! اذا كانوا قد خضعوا لحكمكم ولم يسلموا من انتقامكم واذلالكم المستمر لهم!.
فكان جواب ذلك الممسوخ الذي هو نموذج للبعثي المثالي في عرف دولة الارهاب البعثية:نحن لانريد فقط ان يكون الناس عبيدا لنا...بل نريدهم ان يحسنوا العبودية! بمعنى ان يكون عبيدا حتى في داخلهم،سواء في مشاعرهم واحاسيسهم وان يكون ذلك للمستقبل كما هو للحاضر،بل حتى للماضي والذي لم يسلم منهم ايضا!.
لقد وصل اذلال الناس حدا جعل الكثيرين يتمنون الموت على العيش في حياة تعيسة كتلك التي احياها العراقي في ظل حكم البعث الفاشي،بل في تقرير يكشف عن سن الفرد العراقي المتوقع فكان المتوسط في بداية حكم البعثيين في حدود 64 سنة،اما بعد ازاحته من السلطة فقد وصل السن المتوقع الى حدود 57 سنة!في وقت ازدادت معظم بلاد العالم الى حدود السبعين عاما!...وصل تدخلهم حتى في منع اختيار الاسماء الدالة على طائفة معينة او تتعارض مع معتقداتهم الفكرية الهزيلة ،ووصلوا حد التدخل في الاختيار الشخصي في الزواج اذا كان يتعارض مع امنهم المزعوم بل حتى فئة الاطفال الابرياء الذين هم بعيدين عن كل متاعب الحياة وقسوتها لم يسلموا من اجرامه واصبحوا عيونا امنية على عوائلهم هذا غير الذين فقدوا وهم بمئات الالاف في سجون النظام ومقابره الجماعية وتحت الحصار الذي يتحمل مسؤوليته الاولى،وفي النهاية كان الاذلال والرعب والقسوة ومسخ العقول وغيرها من الاساليب الاجرامية التي تعجز الاقلام عن كتابتها بل وتعجز العقول السليمة عن استيعابها الا والدموع تسيل بغزارة عند تذكر ملايين الضحايا وعشرات الملايين من المسجونين في بلد اسمه:العراق خلال محنة الاربعون عاما!!...
تعززت التفرقة بين المكونات المختلفة واصبح العداء واضحا بين مختلف الطوائف والمناطق وظهرت نتائج ذلك بعد عام 2003 عندما كشف الغطاء عن واقع العراق الحقيقي،وتحولت قوة الدولة الى سلاح اجرامي في ثراء وفقر المكونات المختلفة من خلال دعم الموالين ومعاقبة المخالفين حتى لو بالانتساب الى طوائف معينة واصبحت بعض الاماكن ثرية بفضل انتساب ابنائها الى اجهزة السلطة الغاشمة والتي كانت في السابق مهملة بينما تحولت الاغلبية الى فقر مدقع،ونشأت سياسة عجيبة هدفها السيطرة على الشعب واحكام السيطرة عليه من خلال اشغاله بمتاعب الحياة المعيشية وذلك من خلال حرمان من ابسط مستلزمات الحياة الغذائية وبعض ما يوصف بالكماليات! بالرغم من وجود القدرة الشرائية الكبيرة وهذه السياسة اتبعت في بداية السبعينات وعندما كانت واردات النفط تتضخم بفعل ازمة الطاقة وتبين انه اضافة الى اشغال الشعب حتى لا يراقب الدولة ويطالب بالتغيير والمشاركة،تبين ان جزءا كبيرا يذهب الى ميزانية التسلح والامن اللذان يفوقان حاجة البلاد الفعلية،كما اظهرت الدراسات الاقتصادية مدى الاستهتار بقدرات الشعب من خلال الصرف المالي على حزب البعث واتباع النظام وبناء امبراطورية اعلامية في الداخل والخارج تبين اثرها في التأييد الحاصل لدى الكثير من المغرر بهم بواسطة الاعلام!.
الهجرة الجماعية:
قبل عام 1963 كان يعيش خارج العراق بضعة الاف،اما بعد عام 2003 فقد وصل العدد الى بضعة ملايين!وبعد ان كان العراق مكانا للاستيطان البشري ولشتى الاسباب فقد تحول الى بلد طارد لابنائه،بحيث شمل تهجير مئات الالاف بشتى الحجج الواهية حتى وصلوا الى نتيجة اذاعوها بوقاحة لاحدود لها،انهم يقبلون بخمسة ملايين طائعين مخلصين والباقين وهم 20 مليون فهم مستعدون لابادتهم!!.
هذه الهجرة والحروب والابادة الجماعية ادت الى خلل سكاني واضح سواء بين الجنسين(ذكر وأنثى)او بين المكونات التركيبية للشعب العراقي،فأكثر المكونات تأثرا سلبيا كما ونوعا هم الشيعة ثم بعد ذلك الاكراد،اما الاقليات المسيحية فقد انخفض عددها كثيرا بفضل الهجرة الى خارج البلاد بل نفيت الى خارج البلاد مكونات كاملة برغم ضخامة عددها وتعيش في العراق منذ قرون طويلة مثل الاكراد الفيلية،كما ادى الى حدوث مشاكل اجتماعية لاحصر لها وخاصة مشكلة الارامل والايتام، كما ادى وجود ملايين العمال العرب والاجانب وهم في اغلبيتهم شبان عزاب اثناء فترة الحرب مع ايران الى حدوث مشاكل متعددة للدولة والمجتمع.
ولم يكن العالم العربي بأكثر من رافض لاستقبال هؤلاء اللاجئون بدلا من مساعدتهم على الرجوع الى بلدهم والاطاحة بطاغية مجنون وبشتى الوسائل المتاحة !،بينما استقبلتهم دول الغرب بطريقة تدل على مدى هزلية وتفاهة الوشائج العربية اذا وضعت على المحك،وتبين اثر الامراض الاجتماعية العربية لدى العامة بعد ان كان متوقعا توقفها عند حدود الانظمة العربية،وادى ذلك الى كره متبادل ورفض بين الطرفين لايعلم مداه الا من عاش تلك الحقب المظلمة من ابناء العالم العربي وهذه صفة عامة في التعامل الشعبي والرسمي بين العرب الاخرين ايضا!.
الهجرة الجماعية بهذا الحجم والناتجة من هكذا حكم يبين لنا نتائج التغيير السلبي في تداول الحكم وبخاصة بطريقة غير شرعية وقانونية بين الطبقات الفوقية من المجتمعات والتي تحكم الغالبية لمجرد التمتع بملذات الحكم التي تنسي الانسان آدميته!.
ارتزاق دولي وليس تخادم!
وصف حسن العلوي وهو بعثي سابق في كتبه سياسة النظام البعثي العراقي مع الدول الكبرى بسياسة التخادم،بمعنى ان الخدمة بين العراق وغيره يجب ان تكون متبادلة من خلال تبادل المنافع المختلفة عن طريق مراعاة مصالح العراق والدول الاخرى في طريقة تعامل العراق مع اعداء الاخرين واعداءه بمعنى ان العراق يخدم مصالح الاخرين وهم الغرب على الاكثر ومن ضمنها حروبه بالنيابة وفي المقابل يحصل النظام على قيمة اتعابه من خلال حصوله على مايريده!...وهذا تفسير ساذج لا يصمد امام العقل والمنطق! بل هو محاولة للالتفاف على الحقائق من خلال تهذيب كلمة الارتزاق الدولي بكلمة التخادم المتبادل،وهو يعرف من خلال عمله السابق في صفوف حزب البعث مقدار حجم الخدمات التي حققها نظام مستبد على شكل عصابة مافيا دولية الى المصالح الغربية في المنطقة العربية،والتخادم الدولي اذا صحت تسمية العلوي لا يصح الا بين بلاد متكافئة سواء بحجمها او بالاعمال المتبادلة والتي يقوم بها كل طرف لصالح الاخر،اما تلك الشروط فهي معدومة في حالة العراق بحجمه مع الدول الكبرى وبحجم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن مع الدول الموالية لها،فالخلل واضح بلا شك والكفة في المصالح الغربية وحجم الدهاء وتوزيع السلطات يتنافى مع واقع العراق بحجمه الطبيعي وسيطرة طاغية متخلف مثل صدام! وهو في الحقيقة ابعاد لصورة الحق الواضح وبطريقة مكشوفة لا لبس فيها تدل على مقدار التزييف الذي يحصل في تحليل الوقائع التاريخية والسياسية.
منذ البداية كان حزب البعث مشكوكا في طريقة تأسيسه والغايات الناشئة من اهدافه والسرية المطلقة في عمله التنظيمي،وطريقة تسلقه المريبة في العراق وسوريا على الحكم وتغلغل المتعصبين من ابناء الاقليات وتحويل الحكم الى استبدادي أسري هو في الحقيقة دال على هشاشة في التركيبة الفكرية والنوعية للحزب والحزبيين،حتى اصبح مثالا واضحا للسخرية والاستهجان من قبل اصحاب الثقافة والفكر الذين يخالفون البعث قلبا وقالبا.
لم يكن التوقف عند طبيعة ذلك الحزب ناتج عن ظروف نشئته المريبة وضعف بنيته الفكرية والتنظيمية فحسب،بل هو نجاح تسلطه على بلدين عربيين كبيرين ثم استعباده لشعبي البلدين من خلال الوسائل البوليسية السرية في الحكم.
عمالة البعث العراقي اصبحت مكشوفة الى درجة تبرء جناح البعث السوري منه واصبح معاديا له،فتعامله مع المخابرات الغربية وخاصة في تسلمه لقوائم الشيوعيين بغرض ابادتهم قبل انقلاب 1963 ثم تعامله مع الحكومات الغربية وشركاتها النفطية لغرض اسقاط حكومة عبد الكريم قاسم التي سببت المتاعب للغرب وحلفاءه،هي دلالة واضحة وقوية على مدى عمالته المكشوفة،وفي انقلابه الثاني عام 1968 الذي وصف بأنه جاء بقطار بريطاني للتمييز عن الانقلاب الاول والذي وصف بالقطار الامريكي،هو ليس بالضرورة ان يكون التعامل مع الدولتين في تأسيس نظام موال للغرب،بل هو ناتج من طبيعة النظام الذي خدم المصالح الغربية بطريقة او بأخرى حتى وهو في قمه صراخه الاعلامي المعادي!.
بدأ النظام حكمه في القضاء على الاسلاميين وفي اغلبيتهم غير مسيسين اساسا!ووصل الامر الى قتل وسجن وتعذيب ونفي بطرق وحشية خالية من اي احترام للمبادئ والقيم الانسانية لرجال الدين وخاصة المفكرون منهم بينما تتباهى الامم الحرة بابنائها وبالعباقرة منهم!وهي خدمة للمصالح الغربية المعادية للاسلام السياسي والذي تجاوزه حزب البعث الى محاربة الاسلام التقليدي المتمثل بالعبادات البسيطة!ثم تطور الامر الى ابادة اليساريين وخاصة الشيوعيين منهم والذين يكنون العداء الى الغرب الرأسمالي الذي يخاف منهم في حالة استلامهم للحكم في بلدانهم اصة وانه كان يصارع الكتلة الشيوعية اثناء الحرب الباردة بينهما،وبالتالي فأن الخطر كبير عليه اذا تحولت بلدان العالم العربي ومن ضمنها العراق الى دول معادية ومتحالفة مع اعداءه.
وطريقة محاربة الخصوم خالية من كل صفات الرجولة والفروسية،ويمكن الاشارة الى قتل وتعذيب ومحاصرة اسر الخصوم وكل من يقرب لهم بدرجة قرابة معينة!.
اما العداء المزيف للغرب وخاصة للذين يطبلون لخرافة تاميم النفط عام 1972 فنقول ان تأميم النفط الحقيقي هو كان في اصدار قانون 80 لعام 1961 والذي انتزع معظم اراضي العراق(99,5%) من سيطرة شركات النفط،اما تأميمات حزب البعث وحجمها فقط 0.5% من ارض العراق فهي ناتجة في الرغبة على السيطرة على انتاج وتسويق النفط بدون ان يعلم احد بذلك لان شركات النفط كانت تحدد الانتاج والعائدات الناتجة منه والتي يحصل العراق عليها بفارق ضئيل عما حصل عليه بعد عام 1972 والتي كان تأميم جزئي لشركة نفط العراق العاملة في حقول كركوك اما الشركات الاخرى فقد جرى تعويضها كي تتنازل عن حصصها بين عامي 1973-1975 هذا بالاضافة الى شراء النظام لذمم الدول المالكة لشركات النفط من خلال منحها التعويضات الكاملة ثم الاستمرار في التصدير اليها بنفس الكميات السابقة،ثم ظهرت اعمال النظام الخسيسة اثناء حرب اكتوبر 1973 عندما استغل فرصة تخفيض الانتاج وارتفاع الاسعار في زيادة صادراته النفطية مع شاه ايران بغية الحصول على واردات اكثر في خرق واضح للقرارات العربية في خفض الانتاج لدعم دول المواجهة!.
واستمر استخدام سلاح النفط لخدمة المصالح الغربية من خلال زيادة الانتاج اثناء حدوث الثورة الايرانية مع السعودية الحليف الرئيسي في المجال النفطي للغرب! فقد ارتفع انتاج العراق النفطي عام 1979 بنسبة 36% وهي اعلى نسبة زيادة انتاجية في العالم خلال تلك الفترة لتعويض الحصة الانتاجية لايران وحرمانها من واردات النفط بعد انتصار ثورتها على الشاه! كما استغل النظام انتاجه وبدون رقيب خلال عقد الثمانينات وبعد عام 1996 في تصدير كميات كبيرة وبأسعار مخفضة ثم التستر على حجم الواردات المالية بأعتبارها من اسرار الدولة الكبرى! بل تحول الامر الى منع التصريح بالنفقات العامة وايرادات الخزينة ومرافق الصرف المالي منذ عام 1976 حيث اخذت التقارير الاقتصادية تعطي ارقاما تقديرية للواقع العراقي في الجداول الاحصائية حتى لا يمكن لاحد ان يقدر حجم قوة العراق الحقيقية في مختلف الفروع وكذلك للتغطية على فضائح الصرف المالي في امنه ومغامراته العسكرية والنفقات التي تخدم النظام واعوانه حتى لا تكشف سرقاتهم المفضوحة للرأي العام المحلي والدولي والتي تكشف الحقيقة الزائفة له، ولا ادري هل بقية دول العالم الاخرى تستهين بأمنها الداخلي اذا اعلنت عن الارقام الاحصائية والتي تبين حجم اقتصادها!.
وصلت عمالة النظام الى اعلى مراتبها واكثرها في العمل الخارجي عندما هاجم ايران عام 1980 مستغلا بداية نشوء نظامه الاسلامي والذي ارعبه فلم يكفيه حالة القمع الوحشي في داخل العراق،فقرر وبدعم وتشجيع غربي وعربي فريد من نوعه للاطاحة بالنظام الايراني الجديد،وزود النظام بمايحتاجه من سلاح وخبرات وعمالة اجنبية وسمح للنظام بأستخدام مختلف انواع الاسلحة بما في ذلك المحرمة دوليا حتى لم يستثني منها مواطنوه ايضا ولاول مرة في التاريخ دولة تستخدم اسلحة الدمار الشامل لابادة مجموعات دينية وعرقية مخالفة لها من مواطنيها!وكل تلك الجرائم جرت بتستر وتشجيع عربي ودولي لاحدود لها واصبح النظام الطفل المدلل للغرب وحلفاءه العرب دون ان يعوا الآثار الجانبية المدمرة لذلك التحالف الشيطاني الذي دمر بلادا وشعوبا باكملها،ثم كان الدعم المستمر منه لبعض الفصائل اللبنانية المتناحرة وقد تسبب ذلك في اطالة امد الحرب،ثم تدخله المستمر بين الفصائل الفلسطينية وتصفياته الشهيرة لكل من لايقف مع خطه السياسي منهم معروفة للجميع.
سئل احد المعتوهين من البعثيين في بداية السبعينات:ماذا تريدون من الناس؟! اذا كانوا قد خضعوا لحكمكم ولم يسلموا من انتقامكم واذلالكم المستمر لهم!.
فكان جواب ذلك الممسوخ الذي هو نموذج للبعثي المثالي في عرف دولة الارهاب البعثية:نحن لانريد فقط ان يكون الناس عبيدا لنا...بل نريدهم ان يحسنوا العبودية! بمعنى ان يكون عبيدا حتى في داخلهم،سواء في مشاعرهم واحاسيسهم وان يكون ذلك للمستقبل كما هو للحاضر،بل حتى للماضي والذي لم يسلم منهم ايضا!.
لقد وصل اذلال الناس حدا جعل الكثيرين يتمنون الموت على العيش في حياة تعيسة كتلك التي احياها العراقي في ظل حكم البعث الفاشي،بل في تقرير يكشف عن سن الفرد العراقي المتوقع فكان المتوسط في بداية حكم البعثيين في حدود 64 سنة،اما بعد ازاحته من السلطة فقد وصل السن المتوقع الى حدود 57 سنة!في وقت ازدادت معظم بلاد العالم الى حدود السبعين عاما!...وصل تدخلهم حتى في منع اختيار الاسماء الدالة على طائفة معينة او تتعارض مع معتقداتهم الفكرية الهزيلة ،ووصلوا حد التدخل في الاختيار الشخصي في الزواج اذا كان يتعارض مع امنهم المزعوم بل حتى فئة الاطفال الابرياء الذين هم بعيدين عن كل متاعب الحياة وقسوتها لم يسلموا من اجرامه واصبحوا عيونا امنية على عوائلهم هذا غير الذين فقدوا وهم بمئات الالاف في سجون النظام ومقابره الجماعية وتحت الحصار الذي يتحمل مسؤوليته الاولى،وفي النهاية كان الاذلال والرعب والقسوة ومسخ العقول وغيرها من الاساليب الاجرامية التي تعجز الاقلام عن كتابتها بل وتعجز العقول السليمة عن استيعابها الا والدموع تسيل بغزارة عند تذكر ملايين الضحايا وعشرات الملايين من المسجونين في بلد اسمه:العراق خلال محنة الاربعون عاما!!...
تعززت التفرقة بين المكونات المختلفة واصبح العداء واضحا بين مختلف الطوائف والمناطق وظهرت نتائج ذلك بعد عام 2003 عندما كشف الغطاء عن واقع العراق الحقيقي،وتحولت قوة الدولة الى سلاح اجرامي في ثراء وفقر المكونات المختلفة من خلال دعم الموالين ومعاقبة المخالفين حتى لو بالانتساب الى طوائف معينة واصبحت بعض الاماكن ثرية بفضل انتساب ابنائها الى اجهزة السلطة الغاشمة والتي كانت في السابق مهملة بينما تحولت الاغلبية الى فقر مدقع،ونشأت سياسة عجيبة هدفها السيطرة على الشعب واحكام السيطرة عليه من خلال اشغاله بمتاعب الحياة المعيشية وذلك من خلال حرمان من ابسط مستلزمات الحياة الغذائية وبعض ما يوصف بالكماليات! بالرغم من وجود القدرة الشرائية الكبيرة وهذه السياسة اتبعت في بداية السبعينات وعندما كانت واردات النفط تتضخم بفعل ازمة الطاقة وتبين انه اضافة الى اشغال الشعب حتى لا يراقب الدولة ويطالب بالتغيير والمشاركة،تبين ان جزءا كبيرا يذهب الى ميزانية التسلح والامن اللذان يفوقان حاجة البلاد الفعلية،كما اظهرت الدراسات الاقتصادية مدى الاستهتار بقدرات الشعب من خلال الصرف المالي على حزب البعث واتباع النظام وبناء امبراطورية اعلامية في الداخل والخارج تبين اثرها في التأييد الحاصل لدى الكثير من المغرر بهم بواسطة الاعلام!.
الهجرة الجماعية:
قبل عام 1963 كان يعيش خارج العراق بضعة الاف،اما بعد عام 2003 فقد وصل العدد الى بضعة ملايين!وبعد ان كان العراق مكانا للاستيطان البشري ولشتى الاسباب فقد تحول الى بلد طارد لابنائه،بحيث شمل تهجير مئات الالاف بشتى الحجج الواهية حتى وصلوا الى نتيجة اذاعوها بوقاحة لاحدود لها،انهم يقبلون بخمسة ملايين طائعين مخلصين والباقين وهم 20 مليون فهم مستعدون لابادتهم!!.
هذه الهجرة والحروب والابادة الجماعية ادت الى خلل سكاني واضح سواء بين الجنسين(ذكر وأنثى)او بين المكونات التركيبية للشعب العراقي،فأكثر المكونات تأثرا سلبيا كما ونوعا هم الشيعة ثم بعد ذلك الاكراد،اما الاقليات المسيحية فقد انخفض عددها كثيرا بفضل الهجرة الى خارج البلاد بل نفيت الى خارج البلاد مكونات كاملة برغم ضخامة عددها وتعيش في العراق منذ قرون طويلة مثل الاكراد الفيلية،كما ادى الى حدوث مشاكل اجتماعية لاحصر لها وخاصة مشكلة الارامل والايتام، كما ادى وجود ملايين العمال العرب والاجانب وهم في اغلبيتهم شبان عزاب اثناء فترة الحرب مع ايران الى حدوث مشاكل متعددة للدولة والمجتمع.
ولم يكن العالم العربي بأكثر من رافض لاستقبال هؤلاء اللاجئون بدلا من مساعدتهم على الرجوع الى بلدهم والاطاحة بطاغية مجنون وبشتى الوسائل المتاحة !،بينما استقبلتهم دول الغرب بطريقة تدل على مدى هزلية وتفاهة الوشائج العربية اذا وضعت على المحك،وتبين اثر الامراض الاجتماعية العربية لدى العامة بعد ان كان متوقعا توقفها عند حدود الانظمة العربية،وادى ذلك الى كره متبادل ورفض بين الطرفين لايعلم مداه الا من عاش تلك الحقب المظلمة من ابناء العالم العربي وهذه صفة عامة في التعامل الشعبي والرسمي بين العرب الاخرين ايضا!.
الهجرة الجماعية بهذا الحجم والناتجة من هكذا حكم يبين لنا نتائج التغيير السلبي في تداول الحكم وبخاصة بطريقة غير شرعية وقانونية بين الطبقات الفوقية من المجتمعات والتي تحكم الغالبية لمجرد التمتع بملذات الحكم التي تنسي الانسان آدميته!.
ارتزاق دولي وليس تخادم!
وصف حسن العلوي وهو بعثي سابق في كتبه سياسة النظام البعثي العراقي مع الدول الكبرى بسياسة التخادم،بمعنى ان الخدمة بين العراق وغيره يجب ان تكون متبادلة من خلال تبادل المنافع المختلفة عن طريق مراعاة مصالح العراق والدول الاخرى في طريقة تعامل العراق مع اعداء الاخرين واعداءه بمعنى ان العراق يخدم مصالح الاخرين وهم الغرب على الاكثر ومن ضمنها حروبه بالنيابة وفي المقابل يحصل النظام على قيمة اتعابه من خلال حصوله على مايريده!...وهذا تفسير ساذج لا يصمد امام العقل والمنطق! بل هو محاولة للالتفاف على الحقائق من خلال تهذيب كلمة الارتزاق الدولي بكلمة التخادم المتبادل،وهو يعرف من خلال عمله السابق في صفوف حزب البعث مقدار حجم الخدمات التي حققها نظام مستبد على شكل عصابة مافيا دولية الى المصالح الغربية في المنطقة العربية،والتخادم الدولي اذا صحت تسمية العلوي لا يصح الا بين بلاد متكافئة سواء بحجمها او بالاعمال المتبادلة والتي يقوم بها كل طرف لصالح الاخر،اما تلك الشروط فهي معدومة في حالة العراق بحجمه مع الدول الكبرى وبحجم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن مع الدول الموالية لها،فالخلل واضح بلا شك والكفة في المصالح الغربية وحجم الدهاء وتوزيع السلطات يتنافى مع واقع العراق بحجمه الطبيعي وسيطرة طاغية متخلف مثل صدام! وهو في الحقيقة ابعاد لصورة الحق الواضح وبطريقة مكشوفة لا لبس فيها تدل على مقدار التزييف الذي يحصل في تحليل الوقائع التاريخية والسياسية.
منذ البداية كان حزب البعث مشكوكا في طريقة تأسيسه والغايات الناشئة من اهدافه والسرية المطلقة في عمله التنظيمي،وطريقة تسلقه المريبة في العراق وسوريا على الحكم وتغلغل المتعصبين من ابناء الاقليات وتحويل الحكم الى استبدادي أسري هو في الحقيقة دال على هشاشة في التركيبة الفكرية والنوعية للحزب والحزبيين،حتى اصبح مثالا واضحا للسخرية والاستهجان من قبل اصحاب الثقافة والفكر الذين يخالفون البعث قلبا وقالبا.
لم يكن التوقف عند طبيعة ذلك الحزب ناتج عن ظروف نشئته المريبة وضعف بنيته الفكرية والتنظيمية فحسب،بل هو نجاح تسلطه على بلدين عربيين كبيرين ثم استعباده لشعبي البلدين من خلال الوسائل البوليسية السرية في الحكم.
عمالة البعث العراقي اصبحت مكشوفة الى درجة تبرء جناح البعث السوري منه واصبح معاديا له،فتعامله مع المخابرات الغربية وخاصة في تسلمه لقوائم الشيوعيين بغرض ابادتهم قبل انقلاب 1963 ثم تعامله مع الحكومات الغربية وشركاتها النفطية لغرض اسقاط حكومة عبد الكريم قاسم التي سببت المتاعب للغرب وحلفاءه،هي دلالة واضحة وقوية على مدى عمالته المكشوفة،وفي انقلابه الثاني عام 1968 الذي وصف بأنه جاء بقطار بريطاني للتمييز عن الانقلاب الاول والذي وصف بالقطار الامريكي،هو ليس بالضرورة ان يكون التعامل مع الدولتين في تأسيس نظام موال للغرب،بل هو ناتج من طبيعة النظام الذي خدم المصالح الغربية بطريقة او بأخرى حتى وهو في قمه صراخه الاعلامي المعادي!.
بدأ النظام حكمه في القضاء على الاسلاميين وفي اغلبيتهم غير مسيسين اساسا!ووصل الامر الى قتل وسجن وتعذيب ونفي بطرق وحشية خالية من اي احترام للمبادئ والقيم الانسانية لرجال الدين وخاصة المفكرون منهم بينما تتباهى الامم الحرة بابنائها وبالعباقرة منهم!وهي خدمة للمصالح الغربية المعادية للاسلام السياسي والذي تجاوزه حزب البعث الى محاربة الاسلام التقليدي المتمثل بالعبادات البسيطة!ثم تطور الامر الى ابادة اليساريين وخاصة الشيوعيين منهم والذين يكنون العداء الى الغرب الرأسمالي الذي يخاف منهم في حالة استلامهم للحكم في بلدانهم اصة وانه كان يصارع الكتلة الشيوعية اثناء الحرب الباردة بينهما،وبالتالي فأن الخطر كبير عليه اذا تحولت بلدان العالم العربي ومن ضمنها العراق الى دول معادية ومتحالفة مع اعداءه.
وطريقة محاربة الخصوم خالية من كل صفات الرجولة والفروسية،ويمكن الاشارة الى قتل وتعذيب ومحاصرة اسر الخصوم وكل من يقرب لهم بدرجة قرابة معينة!.
اما العداء المزيف للغرب وخاصة للذين يطبلون لخرافة تاميم النفط عام 1972 فنقول ان تأميم النفط الحقيقي هو كان في اصدار قانون 80 لعام 1961 والذي انتزع معظم اراضي العراق(99,5%) من سيطرة شركات النفط،اما تأميمات حزب البعث وحجمها فقط 0.5% من ارض العراق فهي ناتجة في الرغبة على السيطرة على انتاج وتسويق النفط بدون ان يعلم احد بذلك لان شركات النفط كانت تحدد الانتاج والعائدات الناتجة منه والتي يحصل العراق عليها بفارق ضئيل عما حصل عليه بعد عام 1972 والتي كان تأميم جزئي لشركة نفط العراق العاملة في حقول كركوك اما الشركات الاخرى فقد جرى تعويضها كي تتنازل عن حصصها بين عامي 1973-1975 هذا بالاضافة الى شراء النظام لذمم الدول المالكة لشركات النفط من خلال منحها التعويضات الكاملة ثم الاستمرار في التصدير اليها بنفس الكميات السابقة،ثم ظهرت اعمال النظام الخسيسة اثناء حرب اكتوبر 1973 عندما استغل فرصة تخفيض الانتاج وارتفاع الاسعار في زيادة صادراته النفطية مع شاه ايران بغية الحصول على واردات اكثر في خرق واضح للقرارات العربية في خفض الانتاج لدعم دول المواجهة!.
واستمر استخدام سلاح النفط لخدمة المصالح الغربية من خلال زيادة الانتاج اثناء حدوث الثورة الايرانية مع السعودية الحليف الرئيسي في المجال النفطي للغرب! فقد ارتفع انتاج العراق النفطي عام 1979 بنسبة 36% وهي اعلى نسبة زيادة انتاجية في العالم خلال تلك الفترة لتعويض الحصة الانتاجية لايران وحرمانها من واردات النفط بعد انتصار ثورتها على الشاه! كما استغل النظام انتاجه وبدون رقيب خلال عقد الثمانينات وبعد عام 1996 في تصدير كميات كبيرة وبأسعار مخفضة ثم التستر على حجم الواردات المالية بأعتبارها من اسرار الدولة الكبرى! بل تحول الامر الى منع التصريح بالنفقات العامة وايرادات الخزينة ومرافق الصرف المالي منذ عام 1976 حيث اخذت التقارير الاقتصادية تعطي ارقاما تقديرية للواقع العراقي في الجداول الاحصائية حتى لا يمكن لاحد ان يقدر حجم قوة العراق الحقيقية في مختلف الفروع وكذلك للتغطية على فضائح الصرف المالي في امنه ومغامراته العسكرية والنفقات التي تخدم النظام واعوانه حتى لا تكشف سرقاتهم المفضوحة للرأي العام المحلي والدولي والتي تكشف الحقيقة الزائفة له، ولا ادري هل بقية دول العالم الاخرى تستهين بأمنها الداخلي اذا اعلنت عن الارقام الاحصائية والتي تبين حجم اقتصادها!.
وصلت عمالة النظام الى اعلى مراتبها واكثرها في العمل الخارجي عندما هاجم ايران عام 1980 مستغلا بداية نشوء نظامه الاسلامي والذي ارعبه فلم يكفيه حالة القمع الوحشي في داخل العراق،فقرر وبدعم وتشجيع غربي وعربي فريد من نوعه للاطاحة بالنظام الايراني الجديد،وزود النظام بمايحتاجه من سلاح وخبرات وعمالة اجنبية وسمح للنظام بأستخدام مختلف انواع الاسلحة بما في ذلك المحرمة دوليا حتى لم يستثني منها مواطنوه ايضا ولاول مرة في التاريخ دولة تستخدم اسلحة الدمار الشامل لابادة مجموعات دينية وعرقية مخالفة لها من مواطنيها!وكل تلك الجرائم جرت بتستر وتشجيع عربي ودولي لاحدود لها واصبح النظام الطفل المدلل للغرب وحلفاءه العرب دون ان يعوا الآثار الجانبية المدمرة لذلك التحالف الشيطاني الذي دمر بلادا وشعوبا باكملها،ثم كان الدعم المستمر منه لبعض الفصائل اللبنانية المتناحرة وقد تسبب ذلك في اطالة امد الحرب،ثم تدخله المستمر بين الفصائل الفلسطينية وتصفياته الشهيرة لكل من لايقف مع خطه السياسي منهم معروفة للجميع.
اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثامن والثلاثون
بقي انقلابي شباط وتشرين الثاني 1963 بعيدان عن الواقع الشعبي،وكانا يمثلان صراعان من اجل السلطة بين حفنة من الضباط والمدنيين من حزب البعث وكلاهما طائفيين وعنصريين حد النخاع! ولم يصل من خلال الحكم اي تحسن ملموس في واقع الشعب ولا في ثباته على المبادئ الوطنية،بل حولوا قطاعات كبيرة من المجتمع الى غوغائيين يركضون وراء مناصب هزيلة في الاجهزة القمعية والحزبية،وانعدمت الحريات بمختلف انواعها،فقد فقدت السلطة التشريعية وجودها بشكل كامل واصبحت القرارات ارتجالية تعتمد في الغالب على تقديرات المسؤولين الكبار وبعضهم وصل الى المنصب دون ادنى معرفة بالواقع القانوني او الشؤون المتعلقة بحياة المواطن والبلاد،كذلك انعدمت استقلالية الجهاز القضائي واصبح القضاء لايستطيع العمل في القضايا الهامة ومنها السياسية،واصبحت المحاكم الاستثنائية هي الدائمة والتي تخرج قراراتها الجهنمية على المعارضين دون ادنى شفقة هذا اذا نجى المعذبون من التعذيب واتيحت لهم المحاكمة الغير عادلة والتي كانت سريعة الى درجة بضع دقائق في اصدار احكام على العشرات!،ولا يستطيع كل شخص معارضة ذلك فنهايته محتومة وبأبشع الوسائل الاجرامية،اما حال السلطة الرابعة(وسائل الاعلام)فقد اصبحت خاضعة للحكومة بشكل كلي وبالتالي انعدمت الصدقية فيها اذا كان يتعلق الامر بالحكومة واجراءاتها المختلفة! وبالتالي فقد اصبحت السلطات الثلاث مع السلطة الرابعة الغير رسمية في بوتقة واحدة خاضعة للسلطة التنفيذية والتي يمثلها الرئيس وزمرته!.
تولى رئاسة العراق منذ 1963 ولغاية 1966 العقيد عبد السلام عارف،وهو شخصية ضعيفة تمتاز برعونة وضحالة في التفكير استطاع السيطرة عليها عبد الناصر بحيث اصبح تابعا صغيرا له رغم اختلافهما بعد ذلك!...ثم بعد ذلك تولى اخيه الاكبرالفريق عبد الرحمن عارف الحكم لمدة عامين ولغاية انقلاب 1968 الذي ارجع حزب البعث الى السلطة،وكان الاخير يمتاز عن الاول بالهدوء والمسالمة وكره الاستئثار بالسلطة المطلقة،مع منح الكثير من رجالات الدولة المدنيين الكثير من الصلاحيات لممارسة عملهم وفق الاصول القانونية،الا ان سيطرته لم تكن مطلقة حتى يمكن له التحكم بالامور بل كان خاضعا لقادة المؤسسة العسكرية وبقية رجالات الدولة الاخرين دون ان يقدم على الاستقالة!.
حاول بعض رجالات الدولة المدنيين ارجاع الحكم الى الشعب من خلال سن دستور دائم للبلاد واقرار الحريات بغية عودة الامور الى طبيعتها الاولية،وكان على رأس ذلك رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز(ت1973) وقد خاض رجالات الدولة التكنوقراط صراعا مع المؤسسة العسكرية لتحويل البلاد نحو اعادة الحكم المدني،الا ان محاولاتهم فشلت مع اصرار غالبية اطراف المؤسسة العسكرية في التشبث بمواقعها السيادية وامتيازاتها الممنوحة لها مما جعل البلاد تستمر في العيش بدوامة الارهاب والاستبداد والطائفية.
خلال تلك الفترة من الحكم العارفي(1963-1968)اصبح الحكم مناطقيا،بمعنى ان الحكم لم يقف عند حدود الطائفية السنية الضيقة،بل تحول الى اكثر ضيقا ومحصورية في مناطق تعتبر غير مؤثرة في السياسة سابقا،كما تمتاز بالفقر الشديد وبصفات البداوة البعيدة عن التحضر خاصة في قربها الى الصحراء.
كان الحكم الملكي السابق وقبله الدولة العثمانية،يتركز الحكم بيد سنة بغداد والى حد ما الموصل،اما بعد انقلاب 1963 فقد تحول الى الحكم الى مناطق محافظة الانبار وعاصمتها الرمادي،والى تكريت وسامراء وما جاورهما من مناطق سنية وكل منطقة تضم قبائل مترابطة الوشائج فيما بينها .
تمتاز تلك المناطق بالفقر والجهل والتخلف والتعصب الاعمى مع تأخر في قبول التحضر بالمقارنة مع المناطق الاخرى،ولذلك جاء انتسابهم الى القوات المسلحة بكثافة بسبب الميول نحو مهنة العسكرية التي يبتعد عنها معظم العراقيين والتي لاتحتاج الى كفاءات عالية في القبول،وقد بدأ ابناء تلك المناطق في الدخول بكثافة في الكليات العسكرية في فترة الثلاثينيات بواسطة بعض اقربائهم في الدولة! ،ولكنهم حولوها بمرور الزمن الى سلطة غاشمة عمياء،وتحول الجيش الى اقطاعيات اقرب الى صورة الجيش الانكشاري في الدولة العثمانية،وبذلك جاء سلوكهم متوقعا عندما سيطروا على مؤسسات الدولة تباعا والتي تحولت مراكزها العليا الى من ينتسب الى مناطقهم وعشائرهم رغم انعدام المؤهلات المهنية والتعليمية والاخلاقية،كما امتاز سلوك هؤلاء بالخشونة المفرطة الخالية من الدبلوماسية واللياقة والادب!.
لم يستمرالتوحد طويلا بين تلك التجمعات حتى انتصر في انقلاب تشرين الثاني1963 الانقلابيون الذين ينتسبون الى المناطق الغربية اي محافظة الانبار،رغم بقاء تواجد الاخرين في بعض مراكزهم الا ان الغلبة المناطقية كانت واضحة لهؤلاء المتسلطون الجدد!،واخذت القابهم العشائرية بالانتشار في المجتمع بشكل غريب حتى اصبح مدار للتندر الفكاهي على سوء الاوضاع في العراق وخاصة سلوكهم الهمجي المشين.
لم يبتعد ابناء الطوائف الاخرى فحسب،بل اصبحت الابادة والاستهانة بكل حقوقهم ومقدساتهم وكرامتهم وخاصة الانسانية منها الى ادنى مستوى وضيع في التاريخ الانساني!وخلالها دخل العراق مرحلة سوداء لم يعرف مدى خسائرها الا الله تعالى والراسخون في العلم.
وبأنقلاب حزب البعث الثاني عام 1968 والذي قاده مجموعة انقلابية اخرى تنتسب في الغالب الى مناطق تكريت وما جاورها وهي اكثر تخلفا وفقرا وسوءا في السلوك من رفاقهم الاخرين!،تحول الحكم الى مناطق سنية اخرى وابتعد الحكم عن المناطق الغربية وعن سنة بغداد والموصل وان كانوا باقون في امتيازاتهم التي تجعلهم مختلفين ايضا عن الغالبية العظمى المستبعدة!ولذك اصبح سلم الامتيازات والتحكم بمصير العراق خاضعا لطريقة بدائية في التصنيف تبدأ بالاسر العشائرية ثم المناطقية ثم صعودا الى منتسبي الطائفة السنية العربية،وهي تقف عند هذا الحد اما البقية من الموالين من الطوائف الاخرى فهو من صفة المرتزقة المؤقتة الذين تمنح لهم الامتيازات الهزيلة بمقدار خدماتهم وفق احتقار الجميع،سواء سلطة او بقية ابناء الشعب الذين بقوا في معارضتهم الدائمة للحكم وهي بين السلمية الى الكفاح المسلح بغية تغيير الواقع المظلم المدعوم خارجيا بفضل الامتيازات التي يمنحها الحكم الطائفي العراقي لهم حتى يحصولوا على تأييد خارجي يجعلهم مستمرين في حكم ذلك البلد المهم في خارطة الشرق الاوسط العتيقة!.
انقلاب 1968:
حاول بعض الضباط الانقلاب على حكم الفريق عبد الرحمن عارف بعد ان وجدوه مسالما او ضعيفا حسب تعبيرهم!فقرروا القيام بتلك الحركة بالتحالف مع الاحزاب السياسية بغية منح الانقلاب صفة شرعية ولو صورية وكذلك الحصول على دعم بعض المدنيين في تلك الاحزاب وبالمقابل يتم منحهم بعض المناصب في الدولة،هكذا كانت تدار الاوضاع في العراق في تلك المرحلة!.
رفضت كل الاحزاب والشخصيات مشاركة الضباط المغامرين والذين يقودهم النايف والداود،ماعدا حزب البعث الذي وجدها فرصة مناسبة للقفز على الحكم مرة اخرى بعد ان ابعد نتيجة لجرائمه البشعة التي حصلت عام 1963 ولكن من المؤسف ان من قام بتلك الاعمال الاجرامية لم يلاقي جزائه العادل! وكان في تخطيط حزب البعث وكعادته في الغدر بأصدقائه ومنتسبيه،ان قرر قبل الانقلاب ان يبعد الضابطين واعوانهما من الحكم،وبالفعل قام الجميع بالانقلاب الاسود في 17 تموز 1968 وقد استسلم بسهولة عارف،وقد ابتهج الانقلابيون بذلك ومنحوا انقلابهم صفة الثورة البيضاء لعدم اهراق نقطة دم واحدة ولكن بعد ذلك سالت انهار من الدماء والتي لم تترك اسرة بدون ضحية!،بعد الانقلاب بأقل من اسبوعين وبالتحديد يوم 30تموز جرى الغدر بالحلفاء العسكريين وتمت عملية طردهم ثم تصفية اغلبهم في المستقبل!،وعندها اكتملت السيطرة لحزب البعث الفاشي على حكم العراق في غفلة من ابنائه المخلصين،وبذلك تحول البلد الى سيطرة رجالات المافيا الذين يمتازون بالقسوة والهمجية وبمحدودية تفكيرهم ومستوياتهم المعرفية وقد اثر ذلك في ادارة الحكم والتي حولت البلاد الى مزرعة تختص بالتكارتة ومن والاهم من القرى المجاورة لها!.
تولى العقيد احمد حسن البكر(1912-1982)رئاسة الجمهورية ومنح اقربائه المناصب الاخرى ومنهم صدام الذي تولى شؤون الامن والحزب في نفس طريقة ستالين الديكتاتور السوفييتي السابق في توليه الحكم وابعاد منافسيه من وراء ستار حديدي،وقد تطابق عمل الطاغيتين في طريقة الحكم فيما بعد بصورة تدعو الى الدهشة،وهي دلالة بالغة على ان الطغاة يتعلمون من بعضهم طرق الحكم ولايتعلمون عاقبة ذلك الطريق المرعب المنافي للانسانية وعدالتها.
تعاون البكر وصدام في ادارة الدولة في المراحل الاولى،وقد كانا ثنائي مثالي يحتاج احدهما لخبرات الاخر خاصة وان صدام لم يكن يحمل اي مؤهلات دراسية او ثقافية تساعده في حكم البلاد بطريقة عقلانية،ولكن كان يحمل مؤهلات مثالية للقتل والارهاب خاصة وانه كان سجين سابق ومتهم بجرائم كغيره من البغاة الذين رافقوه في حكمه الاسود، واصبح الابرز بأمتياز في تثبيت الدولة وتصفية الخصوم بطريقة بعيدة عن كل المثل والاخلاق ومبادئ الفروسية ،بل لم يتوانى الحكم البعثي من تطبيق اخس وأنذل الاعمال بغية الاستمرار في الحكم اطول فترة ممكنة،لانه كان اجراميا منذ البداية ومستعدا لابادة الجميع! وبذلك صعب عليهم التراجع حتى لو تم الضغط عليهم منذ بداية استيلائهم الغادر على السلطة ولذلك ظهرت نتائج حكمهم الوحشية للناظر وبأبشع صورة ممكن ان يتصورها انسان عاقل.
اول اعمال الحكم البعثي كان محاربة الاسلام وابنائه بكل مايمثله من دين وتراث،فتعرض كبار رجال الدين للقتل والتعذيب والنفي والاتهام بالعمالة! منذ عام 1969 وشمل ذلك رجال الدين السنة ايضا مع المنتسبين للتيارات الاسلامية المختلفة،وبدأت حربا ارهابية ضد كل من يمثل المبادئ الاسلامية حتى ولو كانت بصورة بسيطة مثل الصلاة! وقد فقد عدد كبير من الابرياء ارواحهم نتيجة لممارساتهم العبادية تلك والتي هي بعيدة عن السياسة والتدخل بأمورها المحرمة! ولم تجري تلك الاجراءات الارهابية دفعة واحدة بل كانت متسلسلة ووفق منهاج دقيق يدل على ابداعات عقول اجرامية لاحدود لقدراتها امام التصورات الطبيعية التي من الممكن معرفتها بأعمال الاشخاص الذين يمارسون الاجرام المنظم!.
بدأت التصفيات الجسدية تصل الى رفاقهم(والقوائم طويلة لاحصر لها) وبطريقة خالية من كل مايمثله ذلك من احترام لمبادئ حزبهم المزعومة او حتى لمبادئ الانسانية بل اصبحت الرحمة كلمة مفقودة من قاموس البعثيين الذين فقدوا احترام الجميع منذ عام 1963 وقد وصلت الاستهانة بكرامة حزبهم الذي تحول الى مجرد جهاز امني بحت يفرض على البسطاء وحتى الاطفال الانتماء اليه بالاجبار!.
تميز حكم البكر لغاية عام 1979 بسيطرة الاثنان على السلطة رغم ان صدام ازدادت سلطاته عليه منذ عام 1974 حتى اجبره على التنازل عن رئاسة الجمهورية والقبول في العيش وحيدا تحت مراقبته لغاية وفاته بطريقة مريبة.
كان الحكم في سلوكه السياسي فوضويا ،فالبنسبة للسياسة الخارجية كانت لغاية منتصف السبعينات غير واقعية تماما وخاصة في الاستهانة بقدرات بلدهم المحدودة تجاه قوى كبرى قادرة على سحق العالم العربي برمته!كذلك كانت سياستهم الاقتصادية فاشلة ولا توجد في ادبيات حزبهم سوى استعارة للفكر الاشتراكي رغم اختلاف الظروف مع دول اوروبا الشرقية،ولكن بعد حرب 1973 مع اسرائيل والتي اشترك العراق فيها،فقد تغيرت الامور بعد تصحيح اسعار النفط واصبحت الواردات النفطية العراقية من الضخامة بحيث تستطيع التغطية على فشل الدولة وتحويله الى نجاح بفضل الماكنة الاعلامية العملاقة التي امتلكها في محاولة للحلول محل عدوهم عبد الناصر في زعامة العالم العربي والتي كانت صعبة عليهم نظرا لخلافهم الكبير والمزمن مع الجناح الاخر لحزب البعث في سوريا!والذي كلف البلدان الكثير من الخسائر المروعة،بينما بقيت دول الخليج في حالة قلق من حكم حزب البعث في العراق لكونه لايعترف اساسا بشرعيتها لانه كان يدعو الى الوحدة العربية الفورية وتحت قيادته! ولكن الظروف بعد نجاح الثورة الايرانية تغيرت وتحول العداء الى تحالف قوي،عندما اجتمع الجميع للوقوف بوجه المارد الايراني خوفا من انتشار الثورة ومنعا لوصول الشيعة لحكم العراق!.
تولى رئاسة العراق منذ 1963 ولغاية 1966 العقيد عبد السلام عارف،وهو شخصية ضعيفة تمتاز برعونة وضحالة في التفكير استطاع السيطرة عليها عبد الناصر بحيث اصبح تابعا صغيرا له رغم اختلافهما بعد ذلك!...ثم بعد ذلك تولى اخيه الاكبرالفريق عبد الرحمن عارف الحكم لمدة عامين ولغاية انقلاب 1968 الذي ارجع حزب البعث الى السلطة،وكان الاخير يمتاز عن الاول بالهدوء والمسالمة وكره الاستئثار بالسلطة المطلقة،مع منح الكثير من رجالات الدولة المدنيين الكثير من الصلاحيات لممارسة عملهم وفق الاصول القانونية،الا ان سيطرته لم تكن مطلقة حتى يمكن له التحكم بالامور بل كان خاضعا لقادة المؤسسة العسكرية وبقية رجالات الدولة الاخرين دون ان يقدم على الاستقالة!.
حاول بعض رجالات الدولة المدنيين ارجاع الحكم الى الشعب من خلال سن دستور دائم للبلاد واقرار الحريات بغية عودة الامور الى طبيعتها الاولية،وكان على رأس ذلك رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز(ت1973) وقد خاض رجالات الدولة التكنوقراط صراعا مع المؤسسة العسكرية لتحويل البلاد نحو اعادة الحكم المدني،الا ان محاولاتهم فشلت مع اصرار غالبية اطراف المؤسسة العسكرية في التشبث بمواقعها السيادية وامتيازاتها الممنوحة لها مما جعل البلاد تستمر في العيش بدوامة الارهاب والاستبداد والطائفية.
خلال تلك الفترة من الحكم العارفي(1963-1968)اصبح الحكم مناطقيا،بمعنى ان الحكم لم يقف عند حدود الطائفية السنية الضيقة،بل تحول الى اكثر ضيقا ومحصورية في مناطق تعتبر غير مؤثرة في السياسة سابقا،كما تمتاز بالفقر الشديد وبصفات البداوة البعيدة عن التحضر خاصة في قربها الى الصحراء.
كان الحكم الملكي السابق وقبله الدولة العثمانية،يتركز الحكم بيد سنة بغداد والى حد ما الموصل،اما بعد انقلاب 1963 فقد تحول الى الحكم الى مناطق محافظة الانبار وعاصمتها الرمادي،والى تكريت وسامراء وما جاورهما من مناطق سنية وكل منطقة تضم قبائل مترابطة الوشائج فيما بينها .
تمتاز تلك المناطق بالفقر والجهل والتخلف والتعصب الاعمى مع تأخر في قبول التحضر بالمقارنة مع المناطق الاخرى،ولذلك جاء انتسابهم الى القوات المسلحة بكثافة بسبب الميول نحو مهنة العسكرية التي يبتعد عنها معظم العراقيين والتي لاتحتاج الى كفاءات عالية في القبول،وقد بدأ ابناء تلك المناطق في الدخول بكثافة في الكليات العسكرية في فترة الثلاثينيات بواسطة بعض اقربائهم في الدولة! ،ولكنهم حولوها بمرور الزمن الى سلطة غاشمة عمياء،وتحول الجيش الى اقطاعيات اقرب الى صورة الجيش الانكشاري في الدولة العثمانية،وبذلك جاء سلوكهم متوقعا عندما سيطروا على مؤسسات الدولة تباعا والتي تحولت مراكزها العليا الى من ينتسب الى مناطقهم وعشائرهم رغم انعدام المؤهلات المهنية والتعليمية والاخلاقية،كما امتاز سلوك هؤلاء بالخشونة المفرطة الخالية من الدبلوماسية واللياقة والادب!.
لم يستمرالتوحد طويلا بين تلك التجمعات حتى انتصر في انقلاب تشرين الثاني1963 الانقلابيون الذين ينتسبون الى المناطق الغربية اي محافظة الانبار،رغم بقاء تواجد الاخرين في بعض مراكزهم الا ان الغلبة المناطقية كانت واضحة لهؤلاء المتسلطون الجدد!،واخذت القابهم العشائرية بالانتشار في المجتمع بشكل غريب حتى اصبح مدار للتندر الفكاهي على سوء الاوضاع في العراق وخاصة سلوكهم الهمجي المشين.
لم يبتعد ابناء الطوائف الاخرى فحسب،بل اصبحت الابادة والاستهانة بكل حقوقهم ومقدساتهم وكرامتهم وخاصة الانسانية منها الى ادنى مستوى وضيع في التاريخ الانساني!وخلالها دخل العراق مرحلة سوداء لم يعرف مدى خسائرها الا الله تعالى والراسخون في العلم.
وبأنقلاب حزب البعث الثاني عام 1968 والذي قاده مجموعة انقلابية اخرى تنتسب في الغالب الى مناطق تكريت وما جاورها وهي اكثر تخلفا وفقرا وسوءا في السلوك من رفاقهم الاخرين!،تحول الحكم الى مناطق سنية اخرى وابتعد الحكم عن المناطق الغربية وعن سنة بغداد والموصل وان كانوا باقون في امتيازاتهم التي تجعلهم مختلفين ايضا عن الغالبية العظمى المستبعدة!ولذك اصبح سلم الامتيازات والتحكم بمصير العراق خاضعا لطريقة بدائية في التصنيف تبدأ بالاسر العشائرية ثم المناطقية ثم صعودا الى منتسبي الطائفة السنية العربية،وهي تقف عند هذا الحد اما البقية من الموالين من الطوائف الاخرى فهو من صفة المرتزقة المؤقتة الذين تمنح لهم الامتيازات الهزيلة بمقدار خدماتهم وفق احتقار الجميع،سواء سلطة او بقية ابناء الشعب الذين بقوا في معارضتهم الدائمة للحكم وهي بين السلمية الى الكفاح المسلح بغية تغيير الواقع المظلم المدعوم خارجيا بفضل الامتيازات التي يمنحها الحكم الطائفي العراقي لهم حتى يحصولوا على تأييد خارجي يجعلهم مستمرين في حكم ذلك البلد المهم في خارطة الشرق الاوسط العتيقة!.
انقلاب 1968:
حاول بعض الضباط الانقلاب على حكم الفريق عبد الرحمن عارف بعد ان وجدوه مسالما او ضعيفا حسب تعبيرهم!فقرروا القيام بتلك الحركة بالتحالف مع الاحزاب السياسية بغية منح الانقلاب صفة شرعية ولو صورية وكذلك الحصول على دعم بعض المدنيين في تلك الاحزاب وبالمقابل يتم منحهم بعض المناصب في الدولة،هكذا كانت تدار الاوضاع في العراق في تلك المرحلة!.
رفضت كل الاحزاب والشخصيات مشاركة الضباط المغامرين والذين يقودهم النايف والداود،ماعدا حزب البعث الذي وجدها فرصة مناسبة للقفز على الحكم مرة اخرى بعد ان ابعد نتيجة لجرائمه البشعة التي حصلت عام 1963 ولكن من المؤسف ان من قام بتلك الاعمال الاجرامية لم يلاقي جزائه العادل! وكان في تخطيط حزب البعث وكعادته في الغدر بأصدقائه ومنتسبيه،ان قرر قبل الانقلاب ان يبعد الضابطين واعوانهما من الحكم،وبالفعل قام الجميع بالانقلاب الاسود في 17 تموز 1968 وقد استسلم بسهولة عارف،وقد ابتهج الانقلابيون بذلك ومنحوا انقلابهم صفة الثورة البيضاء لعدم اهراق نقطة دم واحدة ولكن بعد ذلك سالت انهار من الدماء والتي لم تترك اسرة بدون ضحية!،بعد الانقلاب بأقل من اسبوعين وبالتحديد يوم 30تموز جرى الغدر بالحلفاء العسكريين وتمت عملية طردهم ثم تصفية اغلبهم في المستقبل!،وعندها اكتملت السيطرة لحزب البعث الفاشي على حكم العراق في غفلة من ابنائه المخلصين،وبذلك تحول البلد الى سيطرة رجالات المافيا الذين يمتازون بالقسوة والهمجية وبمحدودية تفكيرهم ومستوياتهم المعرفية وقد اثر ذلك في ادارة الحكم والتي حولت البلاد الى مزرعة تختص بالتكارتة ومن والاهم من القرى المجاورة لها!.
تولى العقيد احمد حسن البكر(1912-1982)رئاسة الجمهورية ومنح اقربائه المناصب الاخرى ومنهم صدام الذي تولى شؤون الامن والحزب في نفس طريقة ستالين الديكتاتور السوفييتي السابق في توليه الحكم وابعاد منافسيه من وراء ستار حديدي،وقد تطابق عمل الطاغيتين في طريقة الحكم فيما بعد بصورة تدعو الى الدهشة،وهي دلالة بالغة على ان الطغاة يتعلمون من بعضهم طرق الحكم ولايتعلمون عاقبة ذلك الطريق المرعب المنافي للانسانية وعدالتها.
تعاون البكر وصدام في ادارة الدولة في المراحل الاولى،وقد كانا ثنائي مثالي يحتاج احدهما لخبرات الاخر خاصة وان صدام لم يكن يحمل اي مؤهلات دراسية او ثقافية تساعده في حكم البلاد بطريقة عقلانية،ولكن كان يحمل مؤهلات مثالية للقتل والارهاب خاصة وانه كان سجين سابق ومتهم بجرائم كغيره من البغاة الذين رافقوه في حكمه الاسود، واصبح الابرز بأمتياز في تثبيت الدولة وتصفية الخصوم بطريقة بعيدة عن كل المثل والاخلاق ومبادئ الفروسية ،بل لم يتوانى الحكم البعثي من تطبيق اخس وأنذل الاعمال بغية الاستمرار في الحكم اطول فترة ممكنة،لانه كان اجراميا منذ البداية ومستعدا لابادة الجميع! وبذلك صعب عليهم التراجع حتى لو تم الضغط عليهم منذ بداية استيلائهم الغادر على السلطة ولذلك ظهرت نتائج حكمهم الوحشية للناظر وبأبشع صورة ممكن ان يتصورها انسان عاقل.
اول اعمال الحكم البعثي كان محاربة الاسلام وابنائه بكل مايمثله من دين وتراث،فتعرض كبار رجال الدين للقتل والتعذيب والنفي والاتهام بالعمالة! منذ عام 1969 وشمل ذلك رجال الدين السنة ايضا مع المنتسبين للتيارات الاسلامية المختلفة،وبدأت حربا ارهابية ضد كل من يمثل المبادئ الاسلامية حتى ولو كانت بصورة بسيطة مثل الصلاة! وقد فقد عدد كبير من الابرياء ارواحهم نتيجة لممارساتهم العبادية تلك والتي هي بعيدة عن السياسة والتدخل بأمورها المحرمة! ولم تجري تلك الاجراءات الارهابية دفعة واحدة بل كانت متسلسلة ووفق منهاج دقيق يدل على ابداعات عقول اجرامية لاحدود لقدراتها امام التصورات الطبيعية التي من الممكن معرفتها بأعمال الاشخاص الذين يمارسون الاجرام المنظم!.
بدأت التصفيات الجسدية تصل الى رفاقهم(والقوائم طويلة لاحصر لها) وبطريقة خالية من كل مايمثله ذلك من احترام لمبادئ حزبهم المزعومة او حتى لمبادئ الانسانية بل اصبحت الرحمة كلمة مفقودة من قاموس البعثيين الذين فقدوا احترام الجميع منذ عام 1963 وقد وصلت الاستهانة بكرامة حزبهم الذي تحول الى مجرد جهاز امني بحت يفرض على البسطاء وحتى الاطفال الانتماء اليه بالاجبار!.
تميز حكم البكر لغاية عام 1979 بسيطرة الاثنان على السلطة رغم ان صدام ازدادت سلطاته عليه منذ عام 1974 حتى اجبره على التنازل عن رئاسة الجمهورية والقبول في العيش وحيدا تحت مراقبته لغاية وفاته بطريقة مريبة.
كان الحكم في سلوكه السياسي فوضويا ،فالبنسبة للسياسة الخارجية كانت لغاية منتصف السبعينات غير واقعية تماما وخاصة في الاستهانة بقدرات بلدهم المحدودة تجاه قوى كبرى قادرة على سحق العالم العربي برمته!كذلك كانت سياستهم الاقتصادية فاشلة ولا توجد في ادبيات حزبهم سوى استعارة للفكر الاشتراكي رغم اختلاف الظروف مع دول اوروبا الشرقية،ولكن بعد حرب 1973 مع اسرائيل والتي اشترك العراق فيها،فقد تغيرت الامور بعد تصحيح اسعار النفط واصبحت الواردات النفطية العراقية من الضخامة بحيث تستطيع التغطية على فشل الدولة وتحويله الى نجاح بفضل الماكنة الاعلامية العملاقة التي امتلكها في محاولة للحلول محل عدوهم عبد الناصر في زعامة العالم العربي والتي كانت صعبة عليهم نظرا لخلافهم الكبير والمزمن مع الجناح الاخر لحزب البعث في سوريا!والذي كلف البلدان الكثير من الخسائر المروعة،بينما بقيت دول الخليج في حالة قلق من حكم حزب البعث في العراق لكونه لايعترف اساسا بشرعيتها لانه كان يدعو الى الوحدة العربية الفورية وتحت قيادته! ولكن الظروف بعد نجاح الثورة الايرانية تغيرت وتحول العداء الى تحالف قوي،عندما اجتمع الجميع للوقوف بوجه المارد الايراني خوفا من انتشار الثورة ومنعا لوصول الشيعة لحكم العراق!.
اسطورة التغيير الفوقي - القسم السابع والثلاثون
وصل التغيير الى قاع المجتمع العراقي حتى ان عبد الكريم قاسم اختار وبأصرار دال على استهانة كاملة بالفروقات الدينية والمذهبية والعنصرية في المناصب العلمية الرفيعة اكاديميا عبقريا ينتمي الى طائفة الصابئة (د. عبد الجبار عبد الله) كرئيس لجامعة بغداد في نادرة حقيقية مازال العالم العربي محروما منها لحد الان،ولكن في همجية لاحدود لها قام البعثيون الانقلابيون بطرده ثم اعتقاله وتعذيبه!، ورغم ان التغيير لم يكن بمستوى العدالة المطلقة من قبيل وصول نسبة التوظيف وخاصة في القوات المسلحة والحكومة الى نسبة الطوائف في التكوين العراقي،الا انه اسس لعقيدة سياسية جديدة تدعو الى المساواة والعدالة بين الجميع في بوتقة الوطنية الخالصة،وقد وصل قمة تطبيق هذا المنهاج الوطني السليم من خلال ازالة الاكواخ وتجمعات المستوطنين الفقراء في محيط العاصمة بغداد والذي يقدر عددهم آنذاك بمئات الالاف وغالبيتهم الساحقة من الشيعة وبناء مدينة حديثة وعصرية تستوعبهم وتحقق كل رغباتهم المكبوتة بحيث اصبح سكان ذلك الحي والذي سمي بمدينة الثورة(حاليا مدينة الصدر)اكبر احياء العاصمة بل اصبح يشكل نسبة تقارب 40% من تعداد سكانها!وهي تقع في الجانب الشرقي للعاصمة بينما بنى حي آخر كبير في الجانب الغربي على نفس المنوال مع تمليكهم الارض والبناء مجانا! بينما الان يعيش في العالم العربي على سبيل المثال ملايين الفقراء الذين لايجدون مأوى للسكن وسط تفرج حكوماتهم المنشغلة بتثبيت الحكم وبناء اجهزته القمعية! وهي ظاهرة تستحق المتابعة في انعدام رؤية زعيم من دول العالم الثالث يتابع حياة الفقراء بشكل مكثف او حتى الظواهر السلبية البسيطة في المجتمع من قبيل انعدام الخدمات والنظافة وغيرها خلال النصف قرن الماضية!.
ومع تأسيس الاحياء الشعبية والمهنية المختلطة،ازدهر التزاوج بين المكونات المختلفة واصبح شائعا جدا بينما كان في السابق على نطاق ضيق،واكثر الاسباب التي تجعله منتشرا هو شيوع الافكار العلمانية وسياسة الدولة في التسامح والمساواة بين الجميع مما جعل التعايش الذي كان هشا وغير دقيقا في الماضي،اصبح يمثل قيما اجتماعية جديدة يصعب على من يحاول ارجاع عقارب الساعة الى الوراء القضاء عليها ،ولذلك فأنه رغم حكم الطائفيون العنصريون للعراق بعد تلك المرحلة القصيرة ورغم اشاعتهم لكل مظاهر التفرقة بين المواطنين،فأن التعايش والتزاوج بقي منتشرا بين جميع المكونات ماعدا المناطق التي يقيم فيها مكون واحد مطلق وبدون تواجد للمكونات الاخرى،وهذا التعايش السلمي والناتج من العلاقات الاجتماعية الجديدة في المجتمع العراقي،قد جعل النظرة الى الحكومات العراقية المستبدة موحدة من خلال معارضتها او النظر اليها كجسم غريب في البلد لايعنيهم في شيء مادامت خاضعة لاجندة تتعارض والمصلحة العراقية العليا.
حقق الانقلاب(1958) الكثير من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لايمكن نكرانها،وبرغم الاخطاء التي حدثت في مسيرتها الا انها ليست بالشكل الذي يجعلها مكروهة من قبل الشعب او ما صوره الاعلام المعادي،وكانت مظاهر تواجد الاحزاب وعملها بحرية مع الصحافة وانتشار التعليم المجاني،قد اسس لمرحلة انتجت جيلا كبيرا من المتعلمين والمثقفين وعلى رأسهم مفكرين كانوا مع الاسف الشديد هدفا للحكام المستبدين الذين لايوجد لديهم وازع ديني واخلاقي ووطني في الحرص على تلك الطاقات الهائلة التي تبني الامم وتجعلها في الصدارة .
المعارضة الدينية لحكم قاسم كانت بالاساس ناتجة من انتشار الافكار الالحادية والعلمانية في المجتمع وهي ظاهرة بارزة آنذاك في العالم العربي وليس العراق وحيدا فيها،واعتبروه مسؤولا عن التساهل مع تلك الظواهر وهي في الحقيقة ليس تغافلا وتسامحا منه بل يعود الى ضعف التأثير الديني الذي اخذ يضعف في المجتمع بسبب ابتعاد رجال الدين عن السياسة والتوجيه،مما سبب ضعف نفوذهم الديني مع انتشار مظاهر التحضر الناتجة من التواجد الغربي في العالم العربي،وهي مظاهر ارتكزت على السلبيات دون الايجابيات وبشكل جاء مشوها مما سبب صدمة كبيرة للمتزمتين دينيا والذين حاربتهم الانظمة بمختلف اتجاهاتها،حتى حصول نكبة 1967 والتي هي هزيمة لكل الانظمة العربية بما فيها الخطوط الفكرية السائرة عليها،وبما ان الخط السياسي الاسلامي كان بعيدا عن ذلك،فقد انتعش من جديد في ردة فعل قاسية على تلك الهزيمة،واستمر في ذلك المستوى من ردة الفعل حتى انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 وعندها ظهرت الصحوة الاسلامية الجديدة كظاهرة عامة في العالم الاسلامي بمختلف دوله وشعوبها.
نكبة الاربعون عاما:
بدأت النكبة العراقية في يوم 9\شباط (فبراير)\1963وهو تاريخ مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم بعد يوم من انقلاب 8 شباط 1963 على يد زمرة حزب البعث الفاشي والعسكريين القوميين الطائفيين،وانتهت في 9\نيسان(ابريل)2003 وجاء مقتله بعد ان نكلوا بوعدهم اليه في الحفاظ على حياته فأضطر الى الاستسلام،وهذه صفة مذمومة ودموية اصبحت شائعة لديهم خلال الاربعون عاما اللاحقة!.
استعجل الانقلابيون تحركهم وبدعم خارجي لاحدود له ضد قاسم مستغلين تسامحه مع معارضيه!،خاصة بعد ان شاهدوا ان الاوضاع بدأت في التغير في العراق وخاصة في حصول الاغلبية المبعدة على معظم حقوقهم،وخوفهم من هدف قاسم التالي في البدء بأجراء انتخابات عامة نتائجها معروفة لديهم في حصول الاغلبية على حصتها كاملة مع توقع اكتساح الحزب الشيوعي لمعظم الاصوات لكونه القوة السياسية الاولى في البلاد،بينما كان التيار القومي بما فيه حزب البعث يعيش في مناطق محدودة وفي مجال طائفي واحد مع قلة مؤيديه وانعدام وجود رموزه الفكرية،لكنه في المقابل كان يملك الكثير من العناصر العسكرية والتي هي من بقايا النظام الطائفي السابق،مع تأييد عربي ودولي واضحين،ومع الرغبة الشعبية في سحق المتمردين عند قيام الانقلاب في 8 شباط في فرصة نادرة،وقع قاسم في خطأ تقدير قوتهم ومحاولة ابعاد المؤيدين له من الطبقات الشعبية التي تحبه بشكل قلما يحدث لزعيم في العالم العربي عن الاشتراك في القتال ليحفظ للدولة حقها الوحيد في المقاومة،وهذا التأييد كان قادرا على سحق التمرد بسهولة لكن الخوف من خروج السيطرة عليهم وجعل المقاومة محصورة في القوات المسلحة،جعلت المتمردين في موقف اقوى حتى انتصارهم عليه بوعدهم الغادر بالامان،ولكن رعبهم من شخصيته ومن مؤيديه جعلهم ينتقمون منه بعد القبض عليه في طريقة اعدام وحشية،تبعها انتقام رهيب من قبره وجثمانه في خوف نادر منه رغم مماته بسبب تحول قبره الى مزار من قبل بعض محبيه!....
وبعد نجاح الانقلابيون بدأت اقسى مرحلة دموية في تاريخ العراق الحديث،فبدأت عمليات ابادة لاحدود لجنونها وبطريقة بدائية ووحشية انتهكت حتى الاعراض فيها،وكان اولى عمليات الابادة قد خصت اليساريون بمختلف اتجاهاتهم،ثم تبع ذلك الاكراد بعد ان غدروا بوعودهم لهم،ثم بقية التيارات الاخرى،وقد وصلت الجرائم حد الابادة الجماعية حتى استنكرت الدول المؤيدة للنظام الطائفي الجديد تلك الجرائم التي فاقت التصورات،وخلال فترة تسعة اشهر حتى انقلاب 18\11\1963 قدر عدد القتلى بحوالي 20 الف ضحية على اقل تقدير من 6 ملايين هو عدد السكان آنذاك،وقد لعب حزب البعث وجناحه المسلح المسمى بالحرس القومي دورا خطيرا بحيث جعله منبوذا منذ ذلك الحين،وحتى ان شريكه الطائفي عبد السلام عارف استطاع بسهولة ان يقضي عليهم بعد ان بدأت رحلة التصفيات الدموية فيما بينهم تأخذ منحى خطير في دوامة رهيبة . وصادف بعد انقلاب العراق بشهر ان قام انقلاب اخر بعثي في سوريا وبتأييد من عبد الناصر ايضا!،ولكن الخلاف بين الاطراف الثلاثة والتي تبين مدى ضئالة تفكيرهم الجمعي وحبهم الاعمى للسلطة وانعدام الوازع الاخلاقي والوطني في طريقة الحكم،كل ذلك اثر بشكل كبير في سلوكهم مما جعلهم يختلفون حتى في الاتحاد المزعوم فيما بينهم والذي كان شماعة الانتقام من انقلاب 1958!.
بعد انقلاب شباط 1963 الاسود،ارتد العراق الى الوراء نصف قرن تقريبا،وشاعت المظاهر الطائفية وبشكل علني في كل مكان واصبح الزعماء الجديد يمارسونه بصورة تثير الاشمئزاز تجاه من يفترض انهم مواطنوهم ومن نفس دينهم ولغتهم! حتى اشتهروا بسياسة فرق تسد مع ابناء وطنهم في محاولة ضرب الشيعة بالاكراد والتي تنبه القادة الدينيين لها فأصدروا فتاوى بتحريم القتال ،ثم جرت عمليات ابعاد من المناصب المهمة لكل من لا ينتسب الى طائفة العرب السنة بصورة عامة ، والتيار القومي بصورة خاصة الذي هو تيار هزيل بعمقه الفكري وعنصري بشكله وطائفي مقيت بسلوكه تحول بسرعة الى تلك الصفات في ظاهرة جديدة وهي ان التيارات المحددة بفئة معين من البشر يتحول بسرعة الى تيارات طائفية وعنصرية وعرقية تمارس بسهولة الدعارة الدموية فلذلك لايمكن بل ولاتقارن ابدا بالتيارات الاسلامية صاحبة التراث الفكري الضخم بما يمثله من عقيدة ومبدأ وسلوك وحياة وعالمية لاحدود لها،والتيارات اليسارية وخاصة الشيوعية بما تمثله من فكر وثقافة عالميان قويان بدرجة كبيرة ومستندة الى تراث اوروبي وعالمي ناشيء من مقاومة سلبيات الحضارة الانسانية رغم تحولها الى الاستبداد المقيت في النهاية،وكذلك لاتقارن بالليبرالية التي هي في جوهرها تقدس حياة الانسان وحريته وخاصة معتقداته الدينية والفكرية وتحارب كل مايقيد فكر الانسان او يحوله الى وحش آدمي للسلطة.
ان المتابع للتيارات القومية والتي حكمت بلاد كثيرة سواء في اوروبا او في العالم العربي،انها اوصلت شعوبها الى دمار مهلك واستهانة ليس بحقوق الشعوب الاخرى،بل حتى في حياة الانسان والحط من كرامته وحريته في البلاد التي تحكمها من خلال نماذج بشرية غاية في الانحطاط والتفاهة الثقافية والاخلاقية،وكل من يكابر بتلك الحقائق الماثلة للعيان،هو معاند لوقائع كاملة لاتحتاج الى تحريف،والى سيرة سلوك غير سوي لقطيع من البشر لا يمتلكون من الانسانية الا اسمها،ومن البهيمية الا طبائعها والنتائج المدمرة الناتجة من جراء ذلك التوحش.
رغم عدم شعبية رجالات انقلابات حقبة الاربعون عاما الا انهم بالقوة والحديد والنار استطاعوا ابادة كل من يقف ضدهم دون ان يراعوا كم ونوع المقاوم لهم!،ورغم امتلاكهم لقدرات الدولة وخاصة التضليل الاعلامي،الا ان الغالبية العظمى من الشعب بقوا على مسافة بعيدة عنهم حتى لا يتلوثوا بقذارتهم رغم نجاح حضورهم العربي والدولي الذي كسب هؤلاء المرتزقة والذين تحولوا الى مجرد عصابات مافية قاتلة لكل من يدفع الثمن ومهما كان ذلك الثمن قليلا!.وهذا يفسر لنا حجم الرفض الواسع لهم في داخل العراق وحجم التأييد الواسع لهم من جانب الانظمة والشعوب العربية الاخرى التي تجهل الحقائق او تتغاضى عنها لصالح ماهو اهم في رأيها من قبيل المحافظة على سيطرة العرب السنة على حكم العراق وابقاء العراق قاعدة لانطلاقتهم لتحرير فلسطين بزعمهم!.
امتاز الانقلابيون بضحالة تفكيرهم ومستواهم الفكري والتعليمي بشكل يفوق التصور،حتى اصبح سمة خاصة بأتباع حزب البعث وهو الذي استطاع السيطرة على الساحة السياسية بعد ان اباد حتى مجموعات القوميين الاخرى مثل الناصريين وغيرهم،فقد كانوا مثال للتندر على همجيتهم لدى الطبقات المثقفة الى ان انتهوا في نهاية مخزية معروفة ولكن متأخرة كثيرا في عام 2003.
ومع تأسيس الاحياء الشعبية والمهنية المختلطة،ازدهر التزاوج بين المكونات المختلفة واصبح شائعا جدا بينما كان في السابق على نطاق ضيق،واكثر الاسباب التي تجعله منتشرا هو شيوع الافكار العلمانية وسياسة الدولة في التسامح والمساواة بين الجميع مما جعل التعايش الذي كان هشا وغير دقيقا في الماضي،اصبح يمثل قيما اجتماعية جديدة يصعب على من يحاول ارجاع عقارب الساعة الى الوراء القضاء عليها ،ولذلك فأنه رغم حكم الطائفيون العنصريون للعراق بعد تلك المرحلة القصيرة ورغم اشاعتهم لكل مظاهر التفرقة بين المواطنين،فأن التعايش والتزاوج بقي منتشرا بين جميع المكونات ماعدا المناطق التي يقيم فيها مكون واحد مطلق وبدون تواجد للمكونات الاخرى،وهذا التعايش السلمي والناتج من العلاقات الاجتماعية الجديدة في المجتمع العراقي،قد جعل النظرة الى الحكومات العراقية المستبدة موحدة من خلال معارضتها او النظر اليها كجسم غريب في البلد لايعنيهم في شيء مادامت خاضعة لاجندة تتعارض والمصلحة العراقية العليا.
حقق الانقلاب(1958) الكثير من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لايمكن نكرانها،وبرغم الاخطاء التي حدثت في مسيرتها الا انها ليست بالشكل الذي يجعلها مكروهة من قبل الشعب او ما صوره الاعلام المعادي،وكانت مظاهر تواجد الاحزاب وعملها بحرية مع الصحافة وانتشار التعليم المجاني،قد اسس لمرحلة انتجت جيلا كبيرا من المتعلمين والمثقفين وعلى رأسهم مفكرين كانوا مع الاسف الشديد هدفا للحكام المستبدين الذين لايوجد لديهم وازع ديني واخلاقي ووطني في الحرص على تلك الطاقات الهائلة التي تبني الامم وتجعلها في الصدارة .
المعارضة الدينية لحكم قاسم كانت بالاساس ناتجة من انتشار الافكار الالحادية والعلمانية في المجتمع وهي ظاهرة بارزة آنذاك في العالم العربي وليس العراق وحيدا فيها،واعتبروه مسؤولا عن التساهل مع تلك الظواهر وهي في الحقيقة ليس تغافلا وتسامحا منه بل يعود الى ضعف التأثير الديني الذي اخذ يضعف في المجتمع بسبب ابتعاد رجال الدين عن السياسة والتوجيه،مما سبب ضعف نفوذهم الديني مع انتشار مظاهر التحضر الناتجة من التواجد الغربي في العالم العربي،وهي مظاهر ارتكزت على السلبيات دون الايجابيات وبشكل جاء مشوها مما سبب صدمة كبيرة للمتزمتين دينيا والذين حاربتهم الانظمة بمختلف اتجاهاتها،حتى حصول نكبة 1967 والتي هي هزيمة لكل الانظمة العربية بما فيها الخطوط الفكرية السائرة عليها،وبما ان الخط السياسي الاسلامي كان بعيدا عن ذلك،فقد انتعش من جديد في ردة فعل قاسية على تلك الهزيمة،واستمر في ذلك المستوى من ردة الفعل حتى انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 وعندها ظهرت الصحوة الاسلامية الجديدة كظاهرة عامة في العالم الاسلامي بمختلف دوله وشعوبها.
نكبة الاربعون عاما:
بدأت النكبة العراقية في يوم 9\شباط (فبراير)\1963وهو تاريخ مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم بعد يوم من انقلاب 8 شباط 1963 على يد زمرة حزب البعث الفاشي والعسكريين القوميين الطائفيين،وانتهت في 9\نيسان(ابريل)2003 وجاء مقتله بعد ان نكلوا بوعدهم اليه في الحفاظ على حياته فأضطر الى الاستسلام،وهذه صفة مذمومة ودموية اصبحت شائعة لديهم خلال الاربعون عاما اللاحقة!.
استعجل الانقلابيون تحركهم وبدعم خارجي لاحدود له ضد قاسم مستغلين تسامحه مع معارضيه!،خاصة بعد ان شاهدوا ان الاوضاع بدأت في التغير في العراق وخاصة في حصول الاغلبية المبعدة على معظم حقوقهم،وخوفهم من هدف قاسم التالي في البدء بأجراء انتخابات عامة نتائجها معروفة لديهم في حصول الاغلبية على حصتها كاملة مع توقع اكتساح الحزب الشيوعي لمعظم الاصوات لكونه القوة السياسية الاولى في البلاد،بينما كان التيار القومي بما فيه حزب البعث يعيش في مناطق محدودة وفي مجال طائفي واحد مع قلة مؤيديه وانعدام وجود رموزه الفكرية،لكنه في المقابل كان يملك الكثير من العناصر العسكرية والتي هي من بقايا النظام الطائفي السابق،مع تأييد عربي ودولي واضحين،ومع الرغبة الشعبية في سحق المتمردين عند قيام الانقلاب في 8 شباط في فرصة نادرة،وقع قاسم في خطأ تقدير قوتهم ومحاولة ابعاد المؤيدين له من الطبقات الشعبية التي تحبه بشكل قلما يحدث لزعيم في العالم العربي عن الاشتراك في القتال ليحفظ للدولة حقها الوحيد في المقاومة،وهذا التأييد كان قادرا على سحق التمرد بسهولة لكن الخوف من خروج السيطرة عليهم وجعل المقاومة محصورة في القوات المسلحة،جعلت المتمردين في موقف اقوى حتى انتصارهم عليه بوعدهم الغادر بالامان،ولكن رعبهم من شخصيته ومن مؤيديه جعلهم ينتقمون منه بعد القبض عليه في طريقة اعدام وحشية،تبعها انتقام رهيب من قبره وجثمانه في خوف نادر منه رغم مماته بسبب تحول قبره الى مزار من قبل بعض محبيه!....
وبعد نجاح الانقلابيون بدأت اقسى مرحلة دموية في تاريخ العراق الحديث،فبدأت عمليات ابادة لاحدود لجنونها وبطريقة بدائية ووحشية انتهكت حتى الاعراض فيها،وكان اولى عمليات الابادة قد خصت اليساريون بمختلف اتجاهاتهم،ثم تبع ذلك الاكراد بعد ان غدروا بوعودهم لهم،ثم بقية التيارات الاخرى،وقد وصلت الجرائم حد الابادة الجماعية حتى استنكرت الدول المؤيدة للنظام الطائفي الجديد تلك الجرائم التي فاقت التصورات،وخلال فترة تسعة اشهر حتى انقلاب 18\11\1963 قدر عدد القتلى بحوالي 20 الف ضحية على اقل تقدير من 6 ملايين هو عدد السكان آنذاك،وقد لعب حزب البعث وجناحه المسلح المسمى بالحرس القومي دورا خطيرا بحيث جعله منبوذا منذ ذلك الحين،وحتى ان شريكه الطائفي عبد السلام عارف استطاع بسهولة ان يقضي عليهم بعد ان بدأت رحلة التصفيات الدموية فيما بينهم تأخذ منحى خطير في دوامة رهيبة . وصادف بعد انقلاب العراق بشهر ان قام انقلاب اخر بعثي في سوريا وبتأييد من عبد الناصر ايضا!،ولكن الخلاف بين الاطراف الثلاثة والتي تبين مدى ضئالة تفكيرهم الجمعي وحبهم الاعمى للسلطة وانعدام الوازع الاخلاقي والوطني في طريقة الحكم،كل ذلك اثر بشكل كبير في سلوكهم مما جعلهم يختلفون حتى في الاتحاد المزعوم فيما بينهم والذي كان شماعة الانتقام من انقلاب 1958!.
بعد انقلاب شباط 1963 الاسود،ارتد العراق الى الوراء نصف قرن تقريبا،وشاعت المظاهر الطائفية وبشكل علني في كل مكان واصبح الزعماء الجديد يمارسونه بصورة تثير الاشمئزاز تجاه من يفترض انهم مواطنوهم ومن نفس دينهم ولغتهم! حتى اشتهروا بسياسة فرق تسد مع ابناء وطنهم في محاولة ضرب الشيعة بالاكراد والتي تنبه القادة الدينيين لها فأصدروا فتاوى بتحريم القتال ،ثم جرت عمليات ابعاد من المناصب المهمة لكل من لا ينتسب الى طائفة العرب السنة بصورة عامة ، والتيار القومي بصورة خاصة الذي هو تيار هزيل بعمقه الفكري وعنصري بشكله وطائفي مقيت بسلوكه تحول بسرعة الى تلك الصفات في ظاهرة جديدة وهي ان التيارات المحددة بفئة معين من البشر يتحول بسرعة الى تيارات طائفية وعنصرية وعرقية تمارس بسهولة الدعارة الدموية فلذلك لايمكن بل ولاتقارن ابدا بالتيارات الاسلامية صاحبة التراث الفكري الضخم بما يمثله من عقيدة ومبدأ وسلوك وحياة وعالمية لاحدود لها،والتيارات اليسارية وخاصة الشيوعية بما تمثله من فكر وثقافة عالميان قويان بدرجة كبيرة ومستندة الى تراث اوروبي وعالمي ناشيء من مقاومة سلبيات الحضارة الانسانية رغم تحولها الى الاستبداد المقيت في النهاية،وكذلك لاتقارن بالليبرالية التي هي في جوهرها تقدس حياة الانسان وحريته وخاصة معتقداته الدينية والفكرية وتحارب كل مايقيد فكر الانسان او يحوله الى وحش آدمي للسلطة.
ان المتابع للتيارات القومية والتي حكمت بلاد كثيرة سواء في اوروبا او في العالم العربي،انها اوصلت شعوبها الى دمار مهلك واستهانة ليس بحقوق الشعوب الاخرى،بل حتى في حياة الانسان والحط من كرامته وحريته في البلاد التي تحكمها من خلال نماذج بشرية غاية في الانحطاط والتفاهة الثقافية والاخلاقية،وكل من يكابر بتلك الحقائق الماثلة للعيان،هو معاند لوقائع كاملة لاتحتاج الى تحريف،والى سيرة سلوك غير سوي لقطيع من البشر لا يمتلكون من الانسانية الا اسمها،ومن البهيمية الا طبائعها والنتائج المدمرة الناتجة من جراء ذلك التوحش.
رغم عدم شعبية رجالات انقلابات حقبة الاربعون عاما الا انهم بالقوة والحديد والنار استطاعوا ابادة كل من يقف ضدهم دون ان يراعوا كم ونوع المقاوم لهم!،ورغم امتلاكهم لقدرات الدولة وخاصة التضليل الاعلامي،الا ان الغالبية العظمى من الشعب بقوا على مسافة بعيدة عنهم حتى لا يتلوثوا بقذارتهم رغم نجاح حضورهم العربي والدولي الذي كسب هؤلاء المرتزقة والذين تحولوا الى مجرد عصابات مافية قاتلة لكل من يدفع الثمن ومهما كان ذلك الثمن قليلا!.وهذا يفسر لنا حجم الرفض الواسع لهم في داخل العراق وحجم التأييد الواسع لهم من جانب الانظمة والشعوب العربية الاخرى التي تجهل الحقائق او تتغاضى عنها لصالح ماهو اهم في رأيها من قبيل المحافظة على سيطرة العرب السنة على حكم العراق وابقاء العراق قاعدة لانطلاقتهم لتحرير فلسطين بزعمهم!.
امتاز الانقلابيون بضحالة تفكيرهم ومستواهم الفكري والتعليمي بشكل يفوق التصور،حتى اصبح سمة خاصة بأتباع حزب البعث وهو الذي استطاع السيطرة على الساحة السياسية بعد ان اباد حتى مجموعات القوميين الاخرى مثل الناصريين وغيرهم،فقد كانوا مثال للتندر على همجيتهم لدى الطبقات المثقفة الى ان انتهوا في نهاية مخزية معروفة ولكن متأخرة كثيرا في عام 2003.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)