الامثلة المنتخبة:
هذه بعض الامثلة التي تم انتخابها وهي نماذج مثالية حية لاسطورة التغيير الفوقي التي وقعت خلال تاريخها السياسي الحديث.وعلينا التذكر دوما انه:
كلما يمر علينا يوما من الديكتاتورية فهو خسارة لاتعوض لحاضرنا ومستقبلنا والتقهقر الى ماضينا المخزي الاليم.
1-البحرين:
وهو البلد الذي تم اختياره كنموذج مثالي للحديث عن اسطورة التغيير الفوقي،في بداية مقدمة البحث،وهو مناسب للاستدلال والمقارنة.
البحرين هو بلد صغير جدا وسكانه لايتجاوزون800 الف نسمة يشكل المواطنون نسبة 51%، ولكن تاريخه عريق وتسكن ارضه مختلف الاعراق والاقوام ولكن يغلب عليهم العرب الشيعة الذين تتجاوز نسبتهم 75% الان بعد ان كانوا اكثر من ذلك بسبب الهجرة من الخارج وبتشجيع السلطات الحاكمة التي تنتسب الى الاقلية السنية،بغية تخفيض تلك النسبة حتى يتسنى لها السيطرة على فئات المجتمع البحريني والعمل على خلق توازن من خلال طبقات موالية له تقف ضد الاغلبية المضطهدة.
يحكم البحرين الان اسرة آل خليفة وهم من اصول نجدية،استولوا على حكم البلاد منذ عام 1783،وكانت قبل ذلك تحت السيطرة الفارسية الى ان احتلتها بريطانيا.
خلال قرنين من حكم تلك الاسرة،انشغلت البلاد بالحروب الاقليمية التي يغلب عليها الطابع العشائري من خلال الغزوات التي تقوم بها القبائل فيما بينها،بالاضافة الى حكمها الداخلي المستبد والقائم على حكم الاسرة الواحدة ذات الطابع القبلي،ولذلك لم يخلو تاريخ البلاد من الثورات والقلاقل المستمرة.
بعد استقلال البلاد من بريطانيا عام 1971 لم يختلف طريقة حكم تلك الامارة الصغيرة عن السابق،فليس من السهولة تغيير تقاليد وعادات واعراف يغلب عليها الطابع البدوي والعادات الشرقية في الحكم خلال سنوات قليلة ولذلك جاءت الامال مخيبة للجميع،لان الاستفتاء الذي اجري عام 1970 حول استقلالها او الانضمام الى ايران،والذي كانت تحوم حوله الشبهات الكثيرة حول نزاهته،جاءت نتيجته هي الرغبة في الاستقلال خاصة بعد وعود طرحتها الاسرة الحاكمة حول سن دستور جديد للبلاد يؤدي بدوره الى تشكيل نظام برلماني جديد وحكومة تستند على حكم الشعب لنفسه والمساهمة في بناء الوطن،وبالطبع ان ذلك خرافة كما بينا ذلك من البحث الطويل،حيث انه من الصعب بل من شبه المستحيل على طبقة حاكمة لفترة طويلة من الزمن،جاءت الى الحكم بحد السيف والقوة ولديها تاريخ طويل في القمع الداخلي والحروب الخارجية لاجل البقاء في السلطة،تقوم من تلقاء نفسها بالتنازل على كل او جزء كبير من سلطاتها لشعب يختلف عنها في تركيبته القبلية والمذهبية!.
ولذلك فأن الانتخابات التي اجريت عام 1973 والتي انتجت دستورا وبرلمانا رغم انه كان غير متكامل،الا انه يحمل بذرة الديمقراطية الحقيقية والتي اجهضت من خلال حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور والعمل بقوانين الطوارئ في ردة حقيقة كانت متوقعة من النظام الحاكم الذي استند في قراراته العبثية الى اعذار مضحكة وسخيفة بغية السيطرة الكاملة على الحكم وحرمان كل مشاركة شعبية فيه.
وماذا كانت النتيجة؟!...تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي،وسيطرة نخبة قبلية حاكمة مدعومة ببعض الاسر الموالية،مع قمع وارهاب لكل من يدعو الى التغيير.
وكان على رأس اجهزة الدولة الامنية الارهابية ضباط بريطانيون مع دعم كامل من السعودية بغية المحافظة على حكم الاقلية الذي يحتاج على الدوام الى دعم خارجي كبير لكبح جماح الاغلبية المقهورة.
من الدعاوى الفارغة لحل البرلمان انه يؤخر عمل الحكومة ولا يجعل قوانينها تسير بيسر لان البلاد في حاجة الى نمو سريع في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية!...لا يحتاج تعليق على هذا الكلام الفارغ والخالي من كل قيمة او صحة والا لحاول الغرب ان يعمل به قبل النظام البحريني لحاجته الماسة الى التطوير السريع،ولكن يعلم الغرب قبل غيره ان التنازل عن الديمقراطية هو بمثابة الانتحار والرجوع الى عهود الديكتاتورية والتخلف!ولذلك جاءت النتيجة متوقعة كما نراها اليوم هي تطور الغرب وتأخر العرب الذي يطبق تلك النظريات الفارغة والتافهة...
حاولت البحرين ان تصبح مركزا ماليا واقتصاديا في الخليج،والادهى من ذلك ان دول الخليج الاخرى قبلت بذلك الدور نظرا لمحدودية الموارد النفطية للبحرين والتي يصل حجمها الى حجم بئر نفطي في العراق او السعودية!،ولكن الفساد والقمع الداخلي والاضطرابات المستمرة والخلافات الحدودية مع قطر،اثرت بشكل كبير مما جعل بقية الامارات الاخرى في الخليج تعيد النظر وتحاول العمل جاهدة لنقل كل مصادر الاستثمار والاعمال الى اراضيها،وبرزت من جراء ذلك دبي وقطر وتأخرت البحرين كثيرا،هذا بالاضافة الى مشاكل التجنيس المستمرة والتي تقوم بها الحكومة وفق برنامج استيطاني خبيث للتقليل من نسبة الاغلبية الشيعية في البلاد. كل ذلك ومشاكل اخرى كثيرة ادت الى حدوث ثورة 1994 والتي سقط فيها عدد كبير من الشهداء وادت الى اعتقال رموز العمل الديني والسياسي وانتهاك كرامتهم الشخصية وحقوقهم المدنية بشكل سافر ومشين.
وبعد وفاة امير البحرين الشيخ عيسى في مارس(آذار)1999م،تولى الحكم بعده ابنه حمد الذي كان وليا للعهد فترة طويلة،وبعد مرور فترة عام ونيف،بدأ بالدعوة الى انتشال البلاد من حالتها الراكدة من خلال دعوته الى بناء بلد يحكمه دستور يحترم الجميع ويؤسس الى ديمقراطية برلمانية...
وكما توقعت فشل ذلك من البداية والتي خالفني في ذلك عدد من البحارنة ذوي النية الحسنة والذين ايدوا مع غالبية البحارنة الميثاق الوطني الذي يدعو اليه الامير كونهم تواقون للتغيير،وكانت النتيجة المتوقعة هي ان الغالبية العظمى مؤيدة للتغيير وقبلت بالميثاق الذي ولد ميتا كونه ناتجا من طبقة جديدة تنتسب الى السلطة الحاكمة منذ فترة طويلة لم يتغير سوى جلدها وايضا لفترة قصيرة!.
من الخطأ الاعتقاد ان مجرد وفاة امير وحلول ابنه خلفا له ان يكون هنالك تغييرا حقيقيا في البلد بمجرد الدعوة اليه،فالامير الجديد هو ولي العهد السابق فترة طويلة وبالتالي هو مشترك في الحكم الاستبدادي المقيت وتثبيت اركانه هذا بالاضافة الى دراسته في الغرب لم تنفعه في تغيير سلوكه والتي اكدنا عليها من خلال البحث في ان ابناء واعوان مسؤولي السلطة لن تؤثر في سلوكياتهم كثيرا الدراسة والعيش في دول تحكمه نظم ديمقراطية،فهم في حالة رجوعهم الى بلادهم لن يطبقوا سوى ما ينفع تثبيت حكمهم الاستبدادي من خلال افكار ورؤى جديدة،اما الافكار والاراء التي تدعو الى الحرية والديمقراطية فتلك مرفوضة جملة وتفصيلا لانها خطرا كبيرا على الحكم،بينما في الحقيقة ان الحكم لن يدوم سوى بالعدل وليس بالظلم والطغيان!.
كذلك ان الرجل الثاني في الدولة وهو عم الامير الجديد،الشيخ خليفة وكان شريكا بارزا لاخيه الراحل في الحكم،كان له دور كبير في قمع كافة الاضطرابات بقسوة،وهو باق في منصبه،فمن اين يأتي التغيير اذا كان الاشخاص الحاكمون باقون او حتى لم يعاقب مسؤولي القمع الوحشي!! فالتغيير لن يأتي من خلال وفاة شخص واحد وحلول شخص جديد مكانه...
ولذلك فأن النتيجة الحتمية للتغيير الحقيقي اذا حدثت فسوف يكون صعود كافة الاتجاهات السياسية المعارضة للحكم وبالتالي هو خطر على صلاحية وحكم الاقلية التي تقودها اسرة آل خليفة.
ونتائج التغيير الشكلي كانت هي تغيير اسم الدولة من امارة الى مملكة!وكأن ذلك يحل مشاكل دول وشعوب تعاني من ازمات عميقة رغم ان الامارة اقرب للصحة كونها صغيرة جدا وقريبة لبقية الامارات الاخرى في الخليج...والاعمال السابقة للحكومة مثل التجنيس للغرباء بقيت على حالها رغم الاحتجاجات المستمرة عليه،كذلك فأن اطلاق سراح المعتقلين السياسيين لم يكن سوى واجهة اعلامية للدعاية الحكومية،فلم يجري الاعتذار لهم او تعويضهم وتحقيق رغباتهم بل وبقيت الاقامة الجبرية على عددا منهم،كما ان احد ابرز قادة المعارضة وهو الشيخ الجمري الذي رحل اواخر 2006م،لم اقرأ في وسائل اعلام النظام وخاصة وكالة الانباء او صحفه الرئيسية مجرد خبر رحيله في يوم وفاته! بينما قرأت الخبر في وكالات الانباء الاخرى وغالبية المواقع الاخبارية في الانترنت مما يدل على ان ذلك النظام بطبيعته الديكتاتورية وتركيبته الاسرية لم ولن يتغير نحو الافضل،فرحيل احد ابرز الرموز الدينية والسياسية وبما يمثله الشيخ الجمري من ثقل كبير وواضح كان الاجدر بالنظام من خلال وسائل اعلامه التي احتفت قبلها بمايكل جاكسون،ان تراعي مشاعر الشعب و تترفع عن الخلافات السياسية الجانبية وان تنشر خبر رحيله الذي تناقلته وكالات الانباء الاجنبية او اعادة الاعتبار اليه وهو ميت!،ولكن للحقد الاعمى والطبيعة الاستبدادية المستديمة دور كبير في تسيير امور تلك الامارة الصغيرة التي تحولت الى مملكةّ!...
بعد اقرار الميثاق الوطني المزعوم في عام 2001 لم يتأخر النظام في اصدار دستور على مقاييسه بالطبع عام 2002،فمنح الملك صلاحيات واسعة وكذلك الحكومة التي يشرف عليها ابناء الاسرة الحاكمة ويشكلون الاغلبية فيها،وكذلك
جاءت عملية التلاعب بمواد الدستور وطريقة الانتخابات لتكمل ما اراده النظام في حدوث تغيير شكلي يمحو الصورة السيئة للنظام امام العالم الخارجي،فقد خالف ما اراده ابناء الشعب في انتخاب مايرونه مناسبا،من خلال تأسيس مجلسين احدهما منتخب والاخر معين من قبل الملك!يقتسم السلطة مع المجلس المنتخب ويحد من صلاحياته التي هي بالاساس محدودة،فتصور اي مدى ممكن ان تنجح ديمقراطية بهذا الشكل المشوه والمفضوح،وكما هو معروف فأن المجلس المعين يضم اعوان النظام الرئيسيين الذي لاينبغي تركهم بدون عمل يخدم النظام!.
المجلس الاول الذي تمت مقاطعته من قبل بعض التيارات السياسية الرئيسية في الدورات المختلفة،هو ايضا غير معبر عن الصورة الواقعية للحالة الديمغرافية في البحرين،فالطبيعي في دول العالم الحر،هنالك مراعاة لحجم السكان لدى كل دائرة انتخابية بحيث تكون جميع المناطق متساوية في هذا الحق الطبيعي والمشروع،ولكن الحالة في البحرين كما هي في بلاد العالم الثالث الاخرى،غير طبيعية!لان الطبيعي هي الديكتاتورية وديمومتها!! اما ان تكون هنالك مساواة بجانب الحرية فتلك قيم بعيدة عن مجتمعاتنا كما تدعي وسائل اعلامنا الغير محترمة!...فالدوائر في البحرين وتقسيماتها جاءت بشكل مفضوح لممارسات النظام الحاكم،فبعض الدوائر والتي تضم مناطق شعبية تعارض النظام او لاتمثل توجهاته المذهبية والفكرية تضم احيانا اكثر من 12 الف ناخب للعضو الواحد بينما هنالك دوائر اخرى تضم فقط 500 ناخب للعضو الواحد الذي لايحتاج الى تأكيد بشأن انتمائه الى المنظومة الحاكمة المذهبية والفكرية،وبالتالي هي احدى الوسائل الهامة لترشيح اعضاء يشكلون نسبة لابأس بها للوقوف بكل وقاحة امام الاغلبية المضطهدة التي تصورت بحسن نية ان نظام الاسرة الحاكمة في البحرين محتمل ان يتغير بصورة جذرية!...
وبالرغم من ان صلاحيات المجلس المنتخب محدودة الا ان دوره شبه مشلول في مراقبة الاسرة الحاكمة واجهزتها المختلفة وخاصة القمعية،بل حتى لايستطيع مجرد الضغط على الحكومة لتخفيف اجراءاتها القمعية بحق المتظاهرين!فكيف في ادارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية،وبالتالي فأن النتيجة المتوقعة لذلك التغيير الفوقي الوهمي هو البقاء في مربع الديكتاتورية المحسن .
ويمكن الاشارة بصورة سريعة الى ان النظام مستمر في عملية التجنيس السياسي ذات الطابع المذهبي وبصورة تدعو الى الشك والريبة في كل اعمال النظام الاخرى التي يدعي فيها صدق النية،فالتجنيس شمل اناس من القارة الهندية والهاربين البعثيين من العراق او بقية العرب الاخرين ولكن الجامع المشترك بينهم هو القالب المذهبي والرغبة في خدمة مثل هكذا نظام يعادي شعبه ويتلاعب بمصيره بشكل سافر مع منحهم كل المنح المادية والمعنوية التي لايجدونها في بلادهم الاخرى! وخاصة في مجال العمل ضمن الاجهزة الامنية رغم ان بعضهم لا يجيد التحدث باللغة العربية جيدا وهذا نتيجة لسياسة التمييز الطائفي وعدم الثقة المتبادلة بين الاسرة الحاكمة واتباعها من جهة وبين غالبية افراد الشعب،وقد ادانت عدد كبير من منظمات حقوق الانسان ذلك بما فيها تقارير حليف البحرين الرئيسي،امريكا من خلال وزارة الخارجية وتقاريرها السنوية التي تشمل البلدان المنتهكة لحقوق الانسان في العالم،والتي من ابرزها الحريات المقيدة وعدم فصل السلطات الثلاث والقيود المفروضة على الحريات المدنية ومنها الصحافة وتأسيس الاحزاب والجمعيات بل وصل الامر لحد اغلاق ومراقبة المواقع الالكترونية والاستخدام المفرط للقوة مع انتشار الفساد وعدم مقدرة الجهاز القضائي لمحاربته كونه غير مستقل وامور اخرى كثيرة تحدث في هذا البلد كما تحدث في بقية بلدان العالم العربي.
في النهاية تكون نتيجة التغيير الفوقي في هذا البلد اسطورية لاينبغي التعويل عليها حتى في المستقبل البعيد،وسوف تبقى حالة الشك والريبة بين الشعب والاسرة الحاكمة مستمرة وكذلك حالة عدم الاستقرار الا اذا حصل تغيير داخلي راديكالي من القاعدة الشعبية او تغيير من الخارج لاتستطيع معه حليفة الاسرة الرئيسية،السعودية فعل شيء رادع له،وبالتالي فأن الاستمرار في المعارضة بمختلف اتجاهاتها هي الوسيلة الوحيدة لمنع كافة توجهات الحكومة التسلطية على اقل تقديراو تليغها من الاساس على ابعد تقدير اذا كانوا محظوظين...
هذه بعض الامثلة التي تم انتخابها وهي نماذج مثالية حية لاسطورة التغيير الفوقي التي وقعت خلال تاريخها السياسي الحديث.وعلينا التذكر دوما انه:
كلما يمر علينا يوما من الديكتاتورية فهو خسارة لاتعوض لحاضرنا ومستقبلنا والتقهقر الى ماضينا المخزي الاليم.
1-البحرين:
وهو البلد الذي تم اختياره كنموذج مثالي للحديث عن اسطورة التغيير الفوقي،في بداية مقدمة البحث،وهو مناسب للاستدلال والمقارنة.
البحرين هو بلد صغير جدا وسكانه لايتجاوزون800 الف نسمة يشكل المواطنون نسبة 51%، ولكن تاريخه عريق وتسكن ارضه مختلف الاعراق والاقوام ولكن يغلب عليهم العرب الشيعة الذين تتجاوز نسبتهم 75% الان بعد ان كانوا اكثر من ذلك بسبب الهجرة من الخارج وبتشجيع السلطات الحاكمة التي تنتسب الى الاقلية السنية،بغية تخفيض تلك النسبة حتى يتسنى لها السيطرة على فئات المجتمع البحريني والعمل على خلق توازن من خلال طبقات موالية له تقف ضد الاغلبية المضطهدة.
يحكم البحرين الان اسرة آل خليفة وهم من اصول نجدية،استولوا على حكم البلاد منذ عام 1783،وكانت قبل ذلك تحت السيطرة الفارسية الى ان احتلتها بريطانيا.
خلال قرنين من حكم تلك الاسرة،انشغلت البلاد بالحروب الاقليمية التي يغلب عليها الطابع العشائري من خلال الغزوات التي تقوم بها القبائل فيما بينها،بالاضافة الى حكمها الداخلي المستبد والقائم على حكم الاسرة الواحدة ذات الطابع القبلي،ولذلك لم يخلو تاريخ البلاد من الثورات والقلاقل المستمرة.
بعد استقلال البلاد من بريطانيا عام 1971 لم يختلف طريقة حكم تلك الامارة الصغيرة عن السابق،فليس من السهولة تغيير تقاليد وعادات واعراف يغلب عليها الطابع البدوي والعادات الشرقية في الحكم خلال سنوات قليلة ولذلك جاءت الامال مخيبة للجميع،لان الاستفتاء الذي اجري عام 1970 حول استقلالها او الانضمام الى ايران،والذي كانت تحوم حوله الشبهات الكثيرة حول نزاهته،جاءت نتيجته هي الرغبة في الاستقلال خاصة بعد وعود طرحتها الاسرة الحاكمة حول سن دستور جديد للبلاد يؤدي بدوره الى تشكيل نظام برلماني جديد وحكومة تستند على حكم الشعب لنفسه والمساهمة في بناء الوطن،وبالطبع ان ذلك خرافة كما بينا ذلك من البحث الطويل،حيث انه من الصعب بل من شبه المستحيل على طبقة حاكمة لفترة طويلة من الزمن،جاءت الى الحكم بحد السيف والقوة ولديها تاريخ طويل في القمع الداخلي والحروب الخارجية لاجل البقاء في السلطة،تقوم من تلقاء نفسها بالتنازل على كل او جزء كبير من سلطاتها لشعب يختلف عنها في تركيبته القبلية والمذهبية!.
ولذلك فأن الانتخابات التي اجريت عام 1973 والتي انتجت دستورا وبرلمانا رغم انه كان غير متكامل،الا انه يحمل بذرة الديمقراطية الحقيقية والتي اجهضت من خلال حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور والعمل بقوانين الطوارئ في ردة حقيقة كانت متوقعة من النظام الحاكم الذي استند في قراراته العبثية الى اعذار مضحكة وسخيفة بغية السيطرة الكاملة على الحكم وحرمان كل مشاركة شعبية فيه.
وماذا كانت النتيجة؟!...تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي،وسيطرة نخبة قبلية حاكمة مدعومة ببعض الاسر الموالية،مع قمع وارهاب لكل من يدعو الى التغيير.
وكان على رأس اجهزة الدولة الامنية الارهابية ضباط بريطانيون مع دعم كامل من السعودية بغية المحافظة على حكم الاقلية الذي يحتاج على الدوام الى دعم خارجي كبير لكبح جماح الاغلبية المقهورة.
من الدعاوى الفارغة لحل البرلمان انه يؤخر عمل الحكومة ولا يجعل قوانينها تسير بيسر لان البلاد في حاجة الى نمو سريع في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية!...لا يحتاج تعليق على هذا الكلام الفارغ والخالي من كل قيمة او صحة والا لحاول الغرب ان يعمل به قبل النظام البحريني لحاجته الماسة الى التطوير السريع،ولكن يعلم الغرب قبل غيره ان التنازل عن الديمقراطية هو بمثابة الانتحار والرجوع الى عهود الديكتاتورية والتخلف!ولذلك جاءت النتيجة متوقعة كما نراها اليوم هي تطور الغرب وتأخر العرب الذي يطبق تلك النظريات الفارغة والتافهة...
حاولت البحرين ان تصبح مركزا ماليا واقتصاديا في الخليج،والادهى من ذلك ان دول الخليج الاخرى قبلت بذلك الدور نظرا لمحدودية الموارد النفطية للبحرين والتي يصل حجمها الى حجم بئر نفطي في العراق او السعودية!،ولكن الفساد والقمع الداخلي والاضطرابات المستمرة والخلافات الحدودية مع قطر،اثرت بشكل كبير مما جعل بقية الامارات الاخرى في الخليج تعيد النظر وتحاول العمل جاهدة لنقل كل مصادر الاستثمار والاعمال الى اراضيها،وبرزت من جراء ذلك دبي وقطر وتأخرت البحرين كثيرا،هذا بالاضافة الى مشاكل التجنيس المستمرة والتي تقوم بها الحكومة وفق برنامج استيطاني خبيث للتقليل من نسبة الاغلبية الشيعية في البلاد. كل ذلك ومشاكل اخرى كثيرة ادت الى حدوث ثورة 1994 والتي سقط فيها عدد كبير من الشهداء وادت الى اعتقال رموز العمل الديني والسياسي وانتهاك كرامتهم الشخصية وحقوقهم المدنية بشكل سافر ومشين.
وبعد وفاة امير البحرين الشيخ عيسى في مارس(آذار)1999م،تولى الحكم بعده ابنه حمد الذي كان وليا للعهد فترة طويلة،وبعد مرور فترة عام ونيف،بدأ بالدعوة الى انتشال البلاد من حالتها الراكدة من خلال دعوته الى بناء بلد يحكمه دستور يحترم الجميع ويؤسس الى ديمقراطية برلمانية...
وكما توقعت فشل ذلك من البداية والتي خالفني في ذلك عدد من البحارنة ذوي النية الحسنة والذين ايدوا مع غالبية البحارنة الميثاق الوطني الذي يدعو اليه الامير كونهم تواقون للتغيير،وكانت النتيجة المتوقعة هي ان الغالبية العظمى مؤيدة للتغيير وقبلت بالميثاق الذي ولد ميتا كونه ناتجا من طبقة جديدة تنتسب الى السلطة الحاكمة منذ فترة طويلة لم يتغير سوى جلدها وايضا لفترة قصيرة!.
من الخطأ الاعتقاد ان مجرد وفاة امير وحلول ابنه خلفا له ان يكون هنالك تغييرا حقيقيا في البلد بمجرد الدعوة اليه،فالامير الجديد هو ولي العهد السابق فترة طويلة وبالتالي هو مشترك في الحكم الاستبدادي المقيت وتثبيت اركانه هذا بالاضافة الى دراسته في الغرب لم تنفعه في تغيير سلوكه والتي اكدنا عليها من خلال البحث في ان ابناء واعوان مسؤولي السلطة لن تؤثر في سلوكياتهم كثيرا الدراسة والعيش في دول تحكمه نظم ديمقراطية،فهم في حالة رجوعهم الى بلادهم لن يطبقوا سوى ما ينفع تثبيت حكمهم الاستبدادي من خلال افكار ورؤى جديدة،اما الافكار والاراء التي تدعو الى الحرية والديمقراطية فتلك مرفوضة جملة وتفصيلا لانها خطرا كبيرا على الحكم،بينما في الحقيقة ان الحكم لن يدوم سوى بالعدل وليس بالظلم والطغيان!.
كذلك ان الرجل الثاني في الدولة وهو عم الامير الجديد،الشيخ خليفة وكان شريكا بارزا لاخيه الراحل في الحكم،كان له دور كبير في قمع كافة الاضطرابات بقسوة،وهو باق في منصبه،فمن اين يأتي التغيير اذا كان الاشخاص الحاكمون باقون او حتى لم يعاقب مسؤولي القمع الوحشي!! فالتغيير لن يأتي من خلال وفاة شخص واحد وحلول شخص جديد مكانه...
ولذلك فأن النتيجة الحتمية للتغيير الحقيقي اذا حدثت فسوف يكون صعود كافة الاتجاهات السياسية المعارضة للحكم وبالتالي هو خطر على صلاحية وحكم الاقلية التي تقودها اسرة آل خليفة.
ونتائج التغيير الشكلي كانت هي تغيير اسم الدولة من امارة الى مملكة!وكأن ذلك يحل مشاكل دول وشعوب تعاني من ازمات عميقة رغم ان الامارة اقرب للصحة كونها صغيرة جدا وقريبة لبقية الامارات الاخرى في الخليج...والاعمال السابقة للحكومة مثل التجنيس للغرباء بقيت على حالها رغم الاحتجاجات المستمرة عليه،كذلك فأن اطلاق سراح المعتقلين السياسيين لم يكن سوى واجهة اعلامية للدعاية الحكومية،فلم يجري الاعتذار لهم او تعويضهم وتحقيق رغباتهم بل وبقيت الاقامة الجبرية على عددا منهم،كما ان احد ابرز قادة المعارضة وهو الشيخ الجمري الذي رحل اواخر 2006م،لم اقرأ في وسائل اعلام النظام وخاصة وكالة الانباء او صحفه الرئيسية مجرد خبر رحيله في يوم وفاته! بينما قرأت الخبر في وكالات الانباء الاخرى وغالبية المواقع الاخبارية في الانترنت مما يدل على ان ذلك النظام بطبيعته الديكتاتورية وتركيبته الاسرية لم ولن يتغير نحو الافضل،فرحيل احد ابرز الرموز الدينية والسياسية وبما يمثله الشيخ الجمري من ثقل كبير وواضح كان الاجدر بالنظام من خلال وسائل اعلامه التي احتفت قبلها بمايكل جاكسون،ان تراعي مشاعر الشعب و تترفع عن الخلافات السياسية الجانبية وان تنشر خبر رحيله الذي تناقلته وكالات الانباء الاجنبية او اعادة الاعتبار اليه وهو ميت!،ولكن للحقد الاعمى والطبيعة الاستبدادية المستديمة دور كبير في تسيير امور تلك الامارة الصغيرة التي تحولت الى مملكةّ!...
بعد اقرار الميثاق الوطني المزعوم في عام 2001 لم يتأخر النظام في اصدار دستور على مقاييسه بالطبع عام 2002،فمنح الملك صلاحيات واسعة وكذلك الحكومة التي يشرف عليها ابناء الاسرة الحاكمة ويشكلون الاغلبية فيها،وكذلك
جاءت عملية التلاعب بمواد الدستور وطريقة الانتخابات لتكمل ما اراده النظام في حدوث تغيير شكلي يمحو الصورة السيئة للنظام امام العالم الخارجي،فقد خالف ما اراده ابناء الشعب في انتخاب مايرونه مناسبا،من خلال تأسيس مجلسين احدهما منتخب والاخر معين من قبل الملك!يقتسم السلطة مع المجلس المنتخب ويحد من صلاحياته التي هي بالاساس محدودة،فتصور اي مدى ممكن ان تنجح ديمقراطية بهذا الشكل المشوه والمفضوح،وكما هو معروف فأن المجلس المعين يضم اعوان النظام الرئيسيين الذي لاينبغي تركهم بدون عمل يخدم النظام!.
المجلس الاول الذي تمت مقاطعته من قبل بعض التيارات السياسية الرئيسية في الدورات المختلفة،هو ايضا غير معبر عن الصورة الواقعية للحالة الديمغرافية في البحرين،فالطبيعي في دول العالم الحر،هنالك مراعاة لحجم السكان لدى كل دائرة انتخابية بحيث تكون جميع المناطق متساوية في هذا الحق الطبيعي والمشروع،ولكن الحالة في البحرين كما هي في بلاد العالم الثالث الاخرى،غير طبيعية!لان الطبيعي هي الديكتاتورية وديمومتها!! اما ان تكون هنالك مساواة بجانب الحرية فتلك قيم بعيدة عن مجتمعاتنا كما تدعي وسائل اعلامنا الغير محترمة!...فالدوائر في البحرين وتقسيماتها جاءت بشكل مفضوح لممارسات النظام الحاكم،فبعض الدوائر والتي تضم مناطق شعبية تعارض النظام او لاتمثل توجهاته المذهبية والفكرية تضم احيانا اكثر من 12 الف ناخب للعضو الواحد بينما هنالك دوائر اخرى تضم فقط 500 ناخب للعضو الواحد الذي لايحتاج الى تأكيد بشأن انتمائه الى المنظومة الحاكمة المذهبية والفكرية،وبالتالي هي احدى الوسائل الهامة لترشيح اعضاء يشكلون نسبة لابأس بها للوقوف بكل وقاحة امام الاغلبية المضطهدة التي تصورت بحسن نية ان نظام الاسرة الحاكمة في البحرين محتمل ان يتغير بصورة جذرية!...
وبالرغم من ان صلاحيات المجلس المنتخب محدودة الا ان دوره شبه مشلول في مراقبة الاسرة الحاكمة واجهزتها المختلفة وخاصة القمعية،بل حتى لايستطيع مجرد الضغط على الحكومة لتخفيف اجراءاتها القمعية بحق المتظاهرين!فكيف في ادارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية،وبالتالي فأن النتيجة المتوقعة لذلك التغيير الفوقي الوهمي هو البقاء في مربع الديكتاتورية المحسن .
ويمكن الاشارة بصورة سريعة الى ان النظام مستمر في عملية التجنيس السياسي ذات الطابع المذهبي وبصورة تدعو الى الشك والريبة في كل اعمال النظام الاخرى التي يدعي فيها صدق النية،فالتجنيس شمل اناس من القارة الهندية والهاربين البعثيين من العراق او بقية العرب الاخرين ولكن الجامع المشترك بينهم هو القالب المذهبي والرغبة في خدمة مثل هكذا نظام يعادي شعبه ويتلاعب بمصيره بشكل سافر مع منحهم كل المنح المادية والمعنوية التي لايجدونها في بلادهم الاخرى! وخاصة في مجال العمل ضمن الاجهزة الامنية رغم ان بعضهم لا يجيد التحدث باللغة العربية جيدا وهذا نتيجة لسياسة التمييز الطائفي وعدم الثقة المتبادلة بين الاسرة الحاكمة واتباعها من جهة وبين غالبية افراد الشعب،وقد ادانت عدد كبير من منظمات حقوق الانسان ذلك بما فيها تقارير حليف البحرين الرئيسي،امريكا من خلال وزارة الخارجية وتقاريرها السنوية التي تشمل البلدان المنتهكة لحقوق الانسان في العالم،والتي من ابرزها الحريات المقيدة وعدم فصل السلطات الثلاث والقيود المفروضة على الحريات المدنية ومنها الصحافة وتأسيس الاحزاب والجمعيات بل وصل الامر لحد اغلاق ومراقبة المواقع الالكترونية والاستخدام المفرط للقوة مع انتشار الفساد وعدم مقدرة الجهاز القضائي لمحاربته كونه غير مستقل وامور اخرى كثيرة تحدث في هذا البلد كما تحدث في بقية بلدان العالم العربي.
في النهاية تكون نتيجة التغيير الفوقي في هذا البلد اسطورية لاينبغي التعويل عليها حتى في المستقبل البعيد،وسوف تبقى حالة الشك والريبة بين الشعب والاسرة الحاكمة مستمرة وكذلك حالة عدم الاستقرار الا اذا حصل تغيير داخلي راديكالي من القاعدة الشعبية او تغيير من الخارج لاتستطيع معه حليفة الاسرة الرئيسية،السعودية فعل شيء رادع له،وبالتالي فأن الاستمرار في المعارضة بمختلف اتجاهاتها هي الوسيلة الوحيدة لمنع كافة توجهات الحكومة التسلطية على اقل تقديراو تليغها من الاساس على ابعد تقدير اذا كانوا محظوظين...