اسطورة التغيير الفوقي:
المقدمة:
في بداية عام 2001 التقيت بالصدفة بمجموعة من الحجاج البحارنة،وخلال حديث لدقائق معدودة معهم،سألتهم عن رأيهم في التغيير الحاصل في البحرين من خلال طرح الميثاق الوطني البحريني الذي دعا اليه حينذاك امير البحرين والذي صوت الشعب عليه بالغالبية المطلقة والذي يدعو الى اقامة ملكية دستورية،فكانت اجابتهم انهم ينظرون الى الامر والمستقبل بأيجابية،فكان ردي عليهم سلبي من خلال النظر بتشاؤمية عن المستقبل وان الامر لن يطبق على ارض الواقع وقد قلت ذلك من خلال ما تختزن الذاكرة من مآسي ومهازل التغيير الفوقي في الانظمة الاستبدادية في التاريخ.
وبالفعل اثبتت الاحداث المستقبلية صدق توقعاتي التشاؤمية للاسف الشديد،وخطأ التوقعات الايجابية للذين التقيتهم والذين ينظرون الى الدعاوى الاصلاحية بفرح غامر دون مراجعة الاسباب والدوافع الموجبة لذلك بالاضافة الى السيرة الذاتية لدعاة الاصلاح.
تعريف التغيير الفوقي:
هو التغيير الذي يحدث من فوق قمة الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة والمجتمع.
هذا النوع في الغالب غير راديكالي.
ويقابله في المعنى المضاد...التغيير التحتي،او بمعنى آخر التغيير القاعدي.
ولايصاحب هذا النوع من التغيير في الغالب،الوصول الى القاع،بل يبقى في اطار الطبقات العليا للمجتمع الحاوي للدولة واجهزتها الرئيسية.
هذا النوع يكون عادة تنازليا بمعنى من الاعلى الى الاسفل ضمن الهرم المجتمعي.
تعريف التغيير التحتي:
هو التغيير الذي يحدث في قاع المجتمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والذي يكون عادة راديكاليا(جذريا).
هذا النوع لايشترط فيه الحدوث من طبقات المجتمع السفلية(المنبوذة واللامنتمية) بل قد يكون من الخارج ولكن يتولى التغيير بعد ذلك افراد ينتسبون لتلك الطبقات.
التغيير في هذا النوع هو تصاعدي، من الاسفل الى الاعلى،بمعنى من ادنى طبقات المجتمع الى اعلاها،وتكون النهاية هي استلام السلطة.
العنف والتغيير:
يصاحب العنف اي تغيير في الغالب،لكون عملية التغيير هي من الوسائل الهامة لتغيير المجتمع وقياداته السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية،واي عملية للتغيير تكون غير مقبولة من طبقات عديدة من المجتمع،وتختلف اسباب المعارضة بأختلاف اسباب كل فرد او مجموعة،ولكن يكون عامل فقدان السلطة،واي سلطة هو السبب الرئيسي،وليس المقصود بالسلطة هنا السياسية فحسب وأنما كل انواع السلطات،ولكن السلطة السياسية ثم الاقتصادية تكون الاكثر معارضة لكونها المتضرر الرئيسي من عملية التغيير.
العنف يصاحب عملية التغيير التحتي لكون عملية التنازل عن الامتيازات غير مقبولة لعدد كبير من المنتفعين بها وبالتالي تكون المعارضة على اشدها هنا،ويكون العنف السمة البارزة في الموقف،والغلبة بالتأكيد لصاحب القوة الاكثر ضراوة واكثر حنكة والتي تتمتع بتأييد عدد اكبر من المعارضين للتغيير،لذلك نلاحظ ان هذا النوع من التغيير يكون العنف هو السمة الغالبة عليه بالرغم من حرص المؤيدين للتغيير في بعضها على عدم استخدام العنف كوسيلة للتغيير،ولكن الحرص على استخدام القوة والعنف يكون من جانب السلطات المتنفذة والتي تلجأ اليه كحل اخير في مواجهة الذين يكونوا عادة خارج السلطة وبالمقابل ايضا اصحاب التغيير يلجأون الى القوة والعنف بعد ان يئسوا من اقناع الاطراف الحاكمة بضرورة التسليم بمبدأ التغيير بعد ان فشلوا في ادارة الدولة والمجتمع نحو الحالة المثلى ومن الامثلة المختصرة هنا الثورات الرئيسية الكبيرة مثل الروسية والايرانية والصغيرة مثل الكوبية والنيكاراغوية وغيرها،وسوف ابرز ايضا عددا من الامثلة التفصيلية على ذلك في ثنايا البحث حتى تكون الصورة على درجة عالية من الدقة والوضوح.
اما في حالة التغيير الفوقي فأن العنف ليس بالضرورة مستخدما فيها،لكون اصحاب التغيير في هذا النوع هم جزء من السلطات الحاكمة ولكن تلجأ للتغيير لاسباب عديدة،منها الشعور الوطني لدى بعض المجموعات العاملة في الدولة او المتنفذة فيها يحثها على ضرورة الاصلاح والتغيير،وان البلاد بحاجة الى ذلك بعد ان عجزت الدولة على اصلاح ذاتها او استشرى الفساد فيها.
بينما تكون الرغبة في تولي السلطة واستخدامها لاغراض شتى،منها المنفعة الشخصية او الرغبة في التملك او تطبيق المعتقدات والافكار الجديدة،هي من الاسباب الاخرى لذلك.
يكون العنف احدى الوسائل الضرورية المستخدمة في التغيير الفوقي ولكن ليس هو الحل المطلق الوحيد،وهناك الكثير من الامثلة على ذلك ومنها الانقلابات المختلفة والتي تسمى بالابيض! لكون عملية التغيير قد حصلت بدون اسالة الدماء فيها وانما نجحت من خلال ظروف اخرى من بينها استسلام السلطات العليا للتغيير او عنصر المفاجأة وفقدان الاعوان والمال ويكون من الاسباب الضاغطة على السلطة التي تجبرها على التنازل لصالح فئة اخرى ضمن نطاق التغيير الفوقي.
العنف المصاحب لعملية التغيير الفوقي يختلف حجمه ونوعه بأختلاف الظروف المحيطة بعملية التغيير ومنها ايضا اتساع حجم المؤيدين والرافضين للعملية،وطبيعة عملية التغيير والتي قد تكون شاملة لنواحي عديدة.
والامثلة كثيرة على هذا النوع من التغيير الذي يتسم بصفة المباغثة والدقة في العمل،اذكر منه انقلاب 1952 في مصر وانقلاب 1968 في العراق و1969 في ليبيا وانقلاب 1970 في سوريا وغيرها من الانقلابات العسكرية،او غير العسكرية مثل انقلاب امير قطر السابق خليفة بن حمد على عمه عام 1971،وانقلاب ابنه الامير الحالي على والده عام 1995،وانقلاب الملك فيصل في السعودية عام 1964 على اخيه الملك سعود،او السلطان قابوس على والده عام 1970 وغيرها من الامثلة الاخرى.
احيانا يصاحب التغيير السلمي الرغبة في تغيير بعض من تفاصيل السلوكيات،بمعنى اخر ان التغيير الكبير والشامل لايصاحب في الغالب التغيير السلمي بل يكون العنف هو المصاحب البارز له،ويمكن تفسير ذلك ان التغيير الكبير هو معناه اتساع دائرة الاختلاف بالرأي والذي يكون عادة شديد الوقع على المتنافسين مما يضطرهم الى استخدام القوة والقسوة لحل النزاعات،بينما في التغييرات الطفيفة تكون اللينة والعفو من الصفات الملازمة له عند التغيير ولكن مع ملاحظة ان لهذه القواعد شواذ كثيرة.
تسببت التغييرات سواء الفوقية او التحتية بجملة من الكوارث الانسانية والتي جعلت التاريخ الانساني اسودا من خلال استخدام اقصى درجات القسوة شملت طبقات كثيرة من الشعب تكون في العادة بعيدة عن الصراعات بين القوى المجتمعية،وبالتالي سببت نكبات استمرت آثارها فترات طويلة جدا.
ويمكن رؤية حالات الانتقام الهائلة التي جرت من جراء الثورات والانقلابات المختلفة مما جعل نسبة كبيرة من البشر تفضل الانظمة المستقرة حتى لو كانت استبدادية!...ورغم تطور البشرية في العصر الحديث الا ان هذه الكوارث لم تنتهي فحسب بل ازدادت قسوة وهمجية فظيعة بحيث جرى تسخير الكثير من انجازات العلم والتكنولوجيا لخدمة تلك النيات الشريرة،وبالتالي لم يدخر الانسان وسعا في سبيل تثبيت سلطته حتى لوكان منافيا لدينه او اخلاقه!...والاكثر ألما ان بعض تلك الجرائم والتي تصل حد الابادة الجماعية تجري في داخل الوطن الواحد! والاختلاف احيانا يكون دينيا او مذهبيا او فكريا او عرقيا..بل احيانا اقتصاديا ايضا!..وفي تقديري ان تلك الجرائم سوف تستمر مادام الانسان لايحترم حقوق الاخرين وتبقى الرغبة المتوحشة في السلطة والامتلاك وفرض الرأي،وعدم احترام اساسيات الديمقراطية والحرية.
المقدمة:
في بداية عام 2001 التقيت بالصدفة بمجموعة من الحجاج البحارنة،وخلال حديث لدقائق معدودة معهم،سألتهم عن رأيهم في التغيير الحاصل في البحرين من خلال طرح الميثاق الوطني البحريني الذي دعا اليه حينذاك امير البحرين والذي صوت الشعب عليه بالغالبية المطلقة والذي يدعو الى اقامة ملكية دستورية،فكانت اجابتهم انهم ينظرون الى الامر والمستقبل بأيجابية،فكان ردي عليهم سلبي من خلال النظر بتشاؤمية عن المستقبل وان الامر لن يطبق على ارض الواقع وقد قلت ذلك من خلال ما تختزن الذاكرة من مآسي ومهازل التغيير الفوقي في الانظمة الاستبدادية في التاريخ.
وبالفعل اثبتت الاحداث المستقبلية صدق توقعاتي التشاؤمية للاسف الشديد،وخطأ التوقعات الايجابية للذين التقيتهم والذين ينظرون الى الدعاوى الاصلاحية بفرح غامر دون مراجعة الاسباب والدوافع الموجبة لذلك بالاضافة الى السيرة الذاتية لدعاة الاصلاح.
تعريف التغيير الفوقي:
هو التغيير الذي يحدث من فوق قمة الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة والمجتمع.
هذا النوع في الغالب غير راديكالي.
ويقابله في المعنى المضاد...التغيير التحتي،او بمعنى آخر التغيير القاعدي.
ولايصاحب هذا النوع من التغيير في الغالب،الوصول الى القاع،بل يبقى في اطار الطبقات العليا للمجتمع الحاوي للدولة واجهزتها الرئيسية.
هذا النوع يكون عادة تنازليا بمعنى من الاعلى الى الاسفل ضمن الهرم المجتمعي.
تعريف التغيير التحتي:
هو التغيير الذي يحدث في قاع المجتمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والذي يكون عادة راديكاليا(جذريا).
هذا النوع لايشترط فيه الحدوث من طبقات المجتمع السفلية(المنبوذة واللامنتمية) بل قد يكون من الخارج ولكن يتولى التغيير بعد ذلك افراد ينتسبون لتلك الطبقات.
التغيير في هذا النوع هو تصاعدي، من الاسفل الى الاعلى،بمعنى من ادنى طبقات المجتمع الى اعلاها،وتكون النهاية هي استلام السلطة.
العنف والتغيير:
يصاحب العنف اي تغيير في الغالب،لكون عملية التغيير هي من الوسائل الهامة لتغيير المجتمع وقياداته السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية،واي عملية للتغيير تكون غير مقبولة من طبقات عديدة من المجتمع،وتختلف اسباب المعارضة بأختلاف اسباب كل فرد او مجموعة،ولكن يكون عامل فقدان السلطة،واي سلطة هو السبب الرئيسي،وليس المقصود بالسلطة هنا السياسية فحسب وأنما كل انواع السلطات،ولكن السلطة السياسية ثم الاقتصادية تكون الاكثر معارضة لكونها المتضرر الرئيسي من عملية التغيير.
العنف يصاحب عملية التغيير التحتي لكون عملية التنازل عن الامتيازات غير مقبولة لعدد كبير من المنتفعين بها وبالتالي تكون المعارضة على اشدها هنا،ويكون العنف السمة البارزة في الموقف،والغلبة بالتأكيد لصاحب القوة الاكثر ضراوة واكثر حنكة والتي تتمتع بتأييد عدد اكبر من المعارضين للتغيير،لذلك نلاحظ ان هذا النوع من التغيير يكون العنف هو السمة الغالبة عليه بالرغم من حرص المؤيدين للتغيير في بعضها على عدم استخدام العنف كوسيلة للتغيير،ولكن الحرص على استخدام القوة والعنف يكون من جانب السلطات المتنفذة والتي تلجأ اليه كحل اخير في مواجهة الذين يكونوا عادة خارج السلطة وبالمقابل ايضا اصحاب التغيير يلجأون الى القوة والعنف بعد ان يئسوا من اقناع الاطراف الحاكمة بضرورة التسليم بمبدأ التغيير بعد ان فشلوا في ادارة الدولة والمجتمع نحو الحالة المثلى ومن الامثلة المختصرة هنا الثورات الرئيسية الكبيرة مثل الروسية والايرانية والصغيرة مثل الكوبية والنيكاراغوية وغيرها،وسوف ابرز ايضا عددا من الامثلة التفصيلية على ذلك في ثنايا البحث حتى تكون الصورة على درجة عالية من الدقة والوضوح.
اما في حالة التغيير الفوقي فأن العنف ليس بالضرورة مستخدما فيها،لكون اصحاب التغيير في هذا النوع هم جزء من السلطات الحاكمة ولكن تلجأ للتغيير لاسباب عديدة،منها الشعور الوطني لدى بعض المجموعات العاملة في الدولة او المتنفذة فيها يحثها على ضرورة الاصلاح والتغيير،وان البلاد بحاجة الى ذلك بعد ان عجزت الدولة على اصلاح ذاتها او استشرى الفساد فيها.
بينما تكون الرغبة في تولي السلطة واستخدامها لاغراض شتى،منها المنفعة الشخصية او الرغبة في التملك او تطبيق المعتقدات والافكار الجديدة،هي من الاسباب الاخرى لذلك.
يكون العنف احدى الوسائل الضرورية المستخدمة في التغيير الفوقي ولكن ليس هو الحل المطلق الوحيد،وهناك الكثير من الامثلة على ذلك ومنها الانقلابات المختلفة والتي تسمى بالابيض! لكون عملية التغيير قد حصلت بدون اسالة الدماء فيها وانما نجحت من خلال ظروف اخرى من بينها استسلام السلطات العليا للتغيير او عنصر المفاجأة وفقدان الاعوان والمال ويكون من الاسباب الضاغطة على السلطة التي تجبرها على التنازل لصالح فئة اخرى ضمن نطاق التغيير الفوقي.
العنف المصاحب لعملية التغيير الفوقي يختلف حجمه ونوعه بأختلاف الظروف المحيطة بعملية التغيير ومنها ايضا اتساع حجم المؤيدين والرافضين للعملية،وطبيعة عملية التغيير والتي قد تكون شاملة لنواحي عديدة.
والامثلة كثيرة على هذا النوع من التغيير الذي يتسم بصفة المباغثة والدقة في العمل،اذكر منه انقلاب 1952 في مصر وانقلاب 1968 في العراق و1969 في ليبيا وانقلاب 1970 في سوريا وغيرها من الانقلابات العسكرية،او غير العسكرية مثل انقلاب امير قطر السابق خليفة بن حمد على عمه عام 1971،وانقلاب ابنه الامير الحالي على والده عام 1995،وانقلاب الملك فيصل في السعودية عام 1964 على اخيه الملك سعود،او السلطان قابوس على والده عام 1970 وغيرها من الامثلة الاخرى.
احيانا يصاحب التغيير السلمي الرغبة في تغيير بعض من تفاصيل السلوكيات،بمعنى اخر ان التغيير الكبير والشامل لايصاحب في الغالب التغيير السلمي بل يكون العنف هو المصاحب البارز له،ويمكن تفسير ذلك ان التغيير الكبير هو معناه اتساع دائرة الاختلاف بالرأي والذي يكون عادة شديد الوقع على المتنافسين مما يضطرهم الى استخدام القوة والقسوة لحل النزاعات،بينما في التغييرات الطفيفة تكون اللينة والعفو من الصفات الملازمة له عند التغيير ولكن مع ملاحظة ان لهذه القواعد شواذ كثيرة.
تسببت التغييرات سواء الفوقية او التحتية بجملة من الكوارث الانسانية والتي جعلت التاريخ الانساني اسودا من خلال استخدام اقصى درجات القسوة شملت طبقات كثيرة من الشعب تكون في العادة بعيدة عن الصراعات بين القوى المجتمعية،وبالتالي سببت نكبات استمرت آثارها فترات طويلة جدا.
ويمكن رؤية حالات الانتقام الهائلة التي جرت من جراء الثورات والانقلابات المختلفة مما جعل نسبة كبيرة من البشر تفضل الانظمة المستقرة حتى لو كانت استبدادية!...ورغم تطور البشرية في العصر الحديث الا ان هذه الكوارث لم تنتهي فحسب بل ازدادت قسوة وهمجية فظيعة بحيث جرى تسخير الكثير من انجازات العلم والتكنولوجيا لخدمة تلك النيات الشريرة،وبالتالي لم يدخر الانسان وسعا في سبيل تثبيت سلطته حتى لوكان منافيا لدينه او اخلاقه!...والاكثر ألما ان بعض تلك الجرائم والتي تصل حد الابادة الجماعية تجري في داخل الوطن الواحد! والاختلاف احيانا يكون دينيا او مذهبيا او فكريا او عرقيا..بل احيانا اقتصاديا ايضا!..وفي تقديري ان تلك الجرائم سوف تستمر مادام الانسان لايحترم حقوق الاخرين وتبقى الرغبة المتوحشة في السلطة والامتلاك وفرض الرأي،وعدم احترام اساسيات الديمقراطية والحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق