كتاب
تطور الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية:
دراسة
قيمة للدكتور عبد الجبار الرفاعي حول تطور تدريس الفلسفة في الحوزات العلمية...صدر
الكتاب عام 1999 من 207 ص من القطع المتوسط
ولأن البحث طويل في هذا الموضوع فقد اختصره المؤلف كثيرا لأنه تأخر في
الطباعة ووعد بنشر فصول اخرى ذات صلة لاحقا في كتب اخرى لتكملة ما يهدف اليه...يتضمن
الكتاب سرد تاريخي محقق واشارات هامة حول تطور الدرس الفلسفي منذ بداية ظهور
الفلسفة الاسلامية في القرن الثالث الهجري
مع اعتباره ان بداية الفلسفة الالهية والعرفان قد ظهرت مع خطب واحاديث وحكم ومواعظ
الامام علي(ع) المنشورة في كتاب نهج البلاغة والتي تناول فيها مختلف المسائل العقلية
والافكار ثم تطور مع بقية الائمة(ع) من ذريته وتلاميذهم،ومع حديث طويل حول معنى
وجدوى الفلسفة واهميتها البالغة في تطور الامم والشعوب،فند النظريات التي يرددها
بعض المستشرقين من ان الفلسفة في العالم الاسلامي هي شروحات فقط للفلسفة اليونانية
القديمة والتي هي تتمحور بالاساس حول 200 مسألة بينما الفلسفة الاسلامية تجاوزت
700 مسألة بعد توسع مدرسة الحكمة المتعالية وانتشارها،وان غالبية المنشور فيها
بعيد عما هو متداول من تلك الفلسفة القديمة!.
بدأت
التدريس الفلسفي في الحوزة العلمية في النجف الاشرف بعد هجرة الشيخ الطوسي عام
448ه من بغداد ولكن البحث والتدريس قد بدأ مع السيد حيدر الاملي احد ابرز مؤسسي
الحكمة العرفانية لدى الشيعة عام 751 هجري عندما حط الرحال في النجف ودرس عند احد
الاولياء ويدعى عبد الرحمن القدسي،فقام بتأليف عشرات الكتب ومنها شروحات فصوص
الحكم لابن عربي،ثم ذكر ظهور فلاسفة وعرفانيين خلال القرون التالية وابرزهم على
الاطلاق صدر الدين الشيرازي المعروف بصدر المتألهين وصاحب المنظومة الملا
السبزواري وغيرهم واظهر الترابط بين العلوم العقلية والعرفانية مجتمعة تحت مظلة
الفلسفة واخذت بعد ذلك تبرز بصورة مثيرة منذ منتصف القرن التاسع عشر لتتوسع على يد
فطاحل في الفكر والعقيدة والفقه والاصول واخذت تتغلغل الفلسفة في تلك العلوم الى
درجة اعتبرها البعض تعقيدا للدروس فيها مما جعل البعض يحاول ابعاد تلك التأثيرات
دون جدوى!.
حارب
الكثيرين من العلماء علوم الفلسفة والعرفان والمنطق وغيرها من المعارف ذات الصلة
واعتبروها علوما معادية للدين ولذلك وجد اساتذة الفلسفة مع نبوغهم محيطا معاديا
وظروفا معيشية صعبة لا تخدمهم مما جعل البعض منهم يتوقف عن التدريس والبحث رغم
اهميته في التصدي لكافة التيارات الفكرية المعادية للدين والاخلاق !.
ظهرت
في منتصف القرن العشرين حلقة قم الفلسفية على يد العلامة السيد محمد حسين
الطباطبائي(1903-1981)احد ابرز فلاسفة ومفكري وفقهاء ومفسري الحوزة العلمية في قم
بايران وصاحب تفسير الميزان الشهير،وخصص المؤلف حيزا كبيرا في الكتاب له ولتلميذه
النجيب الفيلسوف الشهيد مرتضى المطهري(1920-1979) وشرح بالتفصيل ما انجزوه من
ابداعات في الفلسفة والفكر والعرفان مع سرد مختصر لحياة العلامة الطباطبائي والتي
هي منتهى الاخلاص والتقوى والصبر والزهد والمعاناة الى درجة تركه الدرس ليعمل في
الفلاحة لمدة 10 اعوام خسرها الجميع نظرا لاهميته ونبوغه في الحوزات العلمية في
كافة المجالات،وكذلك الحال بالنسبة لتلميذه النجيب المطهري،ولم يستطع المؤلف بسبب
ضيق المجال ان يخصص فصولا كاملة لعلماء اخرين وعلى رأسهم المفكر الشهيد محمد باقر
الصدر الذي ظهر نبوغه الفلسفي في كتابيه(فلسفتنا) و(الاسس المنطقية للاستقراء)
ومحمد اقبال وغيرهم.
اشار
المؤلف الى ضياع الجهود في شروحات الاسفار الاربعة والمنظومة وغيرها لدرجة انها
تأخذ من الطالب 25 عاما لاكمالها! ودعا الى الاختصار مع البدء بتدريس الفلسفات
الاخرى مثل ابن رشد والكندي والفارابي والفلسفة الغربية بأعتبارها خلاصة الفكر
الانساني،هذا مع دعوته ايضا الى اقسام الفلسفة في العالم العربي التي لم تخرج لنا فلاسفة
يمكن الاشارة لهم، لدراسة المنجز الفلسفي لفلاسفة الشيعة والشرق والابتعاد عن
التحيز المناطقي والطائفي والتركيز على فلاسفة الغرب !.
الكتاب
جدير بالقراءة والتأمل وهو مبسط ومختصر حتى لغير المتخصصين بالعلوم العقلية ويحث
على التوسع في هذا المجال الفكري الحيوي.