من اسفار المكتبة:السفر السادس
الكتب الحاوية لنصوص الحوارات المتبادلة ومدونات السيرة الذاتية للادباء والشعراء لا تختلف في سياقها العام عن الكتب الاخرى الخاصة بمنتجي العلوم والمعارف المختلفة،ولكن تمتاز عنها بأضافة نكهة احلام وآلام رومانسية عذبة قلما نجدها في الكتب الاخرى الاكثر جفافا ،والسبب لان لديهم روحا مشبعة بالتعابير المختلفة للحياة بمجملها والخالية غالبا من الرغبة بسطوة السلطة والمركز والنفوذ التي تحول الفرد الى عبد ضعيف لها بدلا من ان يروضها لخدمة الاخرين!.
الغريب هو قلة عدد تلك الكتب بالقياس الى الكم المنشور وقد يكون ذلك ناتجا لاسباب متعددة اهمها الانشغال بتدوين النصوص الادبية المختلفة التي تكون احيانا انعكاس لحالة صاحبها ولو بطريقة غير مباشرة! اوعدم الرغبة في الخوض في مسائل السيرة الذاتية المباشرة لما تمثله من احراج في مجتمع شرقي يتصيد هفوات الكلمات والافعال لتبرير العداء وللحكم مسبقا على ضوئها!وايضا هنالك المتضمنة للحوارات الفكرية مادام النقد الادبي متخصص في هذا المجال ويعبر عنها بطرق مختلفة!.
وللمرأة نصيب من ذلك ولكنه ضئيل لان الفرص المتاحة لها في المجتمعات الشرقية ليست كافية او لان الريادة الادبية كما لغيرها مازالت للعنصر الذكوري بسبب سيادتهم في كافة المجالات في المجتمعات الانسانية مما جعلها تتقوقع ضمن غيتو ذاتي!ولكن ذلك لا يمنع ابدا من خروج الكثير من المبدعات على تلك القاعدة بلا سلاح سوى العقل العاري!والتي تظهر نصوصهن المنشورة انهن على جانب كبير من الذكاء والحكمة والصبر بلمسة انثوية الطابع وبالتالي فأن وجودهن في الساحة الادبية كمثال جزئي يدل على تفوقهن الواضح والذي اكتسح تلك الفنون التي لا تحتاج عادة الى عضلات او ابراز قوة سوى قوة القلم التي لا تدانيها قوى اخرى واجبرت من خلالها الاخرين على التنازل ولو جزئيا من سطوة الكبرياء الذكوري!.
الكتاب السادس: سين...! نحو سيرة ذاتية ناقصة
المؤلفة:سعدية مفرح...والكتاب يتألف من 215 صفحة من القطع المتوسط والورق الخشن حسب الطبعة الاولى عام2011 في لبنان.
الكتاب يصنف ضمن كتب الحوارات الثقافية التي حدثت على شبكة الانترنت وهنا مع الشاعرة سعدية مفرح،اجريت معها من قبل منتدى(مدينة على هدب طفل) والذي تذكر فيه عنوانه الالكتروني ولكنه غير موجود حاليا على الشبكة لاسباب غير معلومة! والاخر مع منتدى شظايا ادبية وهو مازال موجودا ويحتفظ في ارشيفه ببعض اللقاءات مع الشاعرة التي حققت حلما قديما ظل يراودها كما تذكر في طباعة كتاب يعتمد على الاسئلة الموجهة اليها والتي تنظر اليها برهبة العلامة والمضمون!ومن خلال تلك الوقائع والرغبة الجامحة جمعت تلك الاسئلة واجوبتها مع مقدمة واصدرتها في هذا الكتاب المعبر عن وجهة نظرها مع حذف كل المدائح والتعابير البعيدة عن متن السؤال المطروح،ولكن وقعت في مشكلة اخرى وهي تكرار الاسئلة والاجوبة ولو بصيغ مختلفة مما يستدعي حذفها وتنقيح الكتاب من الاخطاء المطبعية في الطبعات القادمة،كما ان بعض الاجوبة مختصرة الى درجة لا ينبغي ايراد السؤال! مما يستدعي اضافة هامش وتعليقات في اسفل الصفحة.
اسم الكتاب كما يظهر دال عليه ولكن العبارة التالية المرادفة غير دالة وان كانت الاجوبة احيانا تعبر عن ملامح بسيطة للحالة الذاتية في بعض السطور!والاقرب للدقة هو ايراد عبارة:حوارات في الادب والشعر لان السيرة الذاتية المفصلة والمرغوبة لا تكتب الا عن طريق صاحبها او عن طريق اخرين كما هو الحال مع مذكرات الجواهري التي تضمنت سيرته الذاتية الطويلة او الكتب التي تناولت شعره،وهي بالتالي تخرج عن نطاق الاسئلة والاجوبة الا ضمن حيز لا يؤثر بينما كتب الحوارات الثقافية والادبية المعروفة هي منتشرة وليست جديدة وهو صنف لا يقل اهمية عن الاول في احيان كثيرة ويظهر اصحابها آرائهم وافكارهم ومعتقداتهم وتعليقاتهم حول مختلف القضايا وتخرج ضمن متن الجواب،مع ملاحظة ان الاجوبة احيانا تكون غير دقيقة واستعجالية تناسب ظرف الحوار وقيوده المتعارف عليها!.
يتألف الكتاب من مقدمة قصيرة مع ثلاثة فصول،اختص الاول منها بقلم الشاعرة حول الشعر والذاكرة وعلل الروح!والثاني يتضمن اجوبة المنتدى الاول بينما تضمن الثالث اجوبة المنتدى الثاني.
وفي الفصل الاول،تذهب بنا الشاعرة في رحلة ذاتية بديعة تمتاز بسحر كلماتها الرقيقة المختارة بعناية فائقة ومتضمنة ببعض ابياتها الشعرية الجميلة المعبرة عن محيطها الزماني والمكاني المختزن في ذاكرتها الثرية والتي تعطينا من خلالها على لمحة صغيرة عن اسباب ولوج العالم الثقافي بعمومه والادبي بالخصوص،فتذكر في سيرتها المستعجلة الخالية من التفاصيل المرغوبة! في انها انثى وحيدة ضمن اسرة ذكورية بأمتياز وخالية طفولتها من الصداقات الطفولية الا قليلا مما جعلها تتوجه الى عالم القراءة(وهي صفة شائعة لدى الكثيرين ممن يحملون تلك الصفات!) فكانت البداية مع النصوص الدينية ثم توسعت المدارك نحو التنوع حتى اوصلها في النهاية الى الشعر فتفجر في داخلها السؤال الازلي: لماذا لا اكون؟! وطبعا في حالتها شاعرة فحسب(ص17)!.
كما هو معروف فأن الابداع يظهر ملامحه الاولى خلال فترة الطفولة،فأذا وجد البيئة المناسبة مع الصبر وبذل الجهد فأنه يوصل صاحبه الى اعلى المراتب المادية والمعنوية او العكس بفقدان تلك المزايا!...وفي حالة الشعر فأن الابداع يكون حالة خاصة لا تظهر الا لدى قلة لان للشعر اسبابه الخاصة المؤدية له كما ان وظيفته مختلفة عن الاخر،وفي الحالتين يحتاج الى حساسية مفرطة سواء اكانت ايجابية او سلبية كما ان كتابة النص الشعري يحتاج الى موهبة ذاتية نادرة تزداد توهجا برعاية خاصة وليست مكتسبة من الذات والمحيط دون اهمال اثر المعاناة والالم والحزن لما تمنحه من قدرة فائقة على تزويد صاحبها بمنحة عجيبة وبسرعة فائقة من الابداع الآني مما يدعوه الى اقتناص تلك الفرصة لانها لا تتكرر بنفس الصيغة في اوقات اخرى،ومن هنا جاءت صعوبة الولوج الى عالم الشعر بالخصوص او الفروع الادبية الاخرى بالعموم لكل من هب ودب!ومن خلال استخدام المناهج النقدية والذوق العام المستند على ثقافة واسعة يتم اكتشاف الجيد من الرديء.
تجنبت الشاعرة سواء في مقدمتها او من خلال الاجوبة الدخول في تفاصيل سيرتها الذاتية التي لها اهمية بالغة في التعريف بصاحبها او لتبيان مدى تأثيرها في النصوص الابداعية على سبيل المثال او كجزء بسيط من تاريخ افراد واماكن يستدعي حفظه كتراث جامع!.
في الفصل الاول،يذكر السائل عن قصيدة النثر التي جاءت بعد نشر الشاعرة لدواوين قصيدة التفعيلة التي هي اقرب لها،وفي الحقيقة ان قصيدة التفعيلة هي اكثر تعبيرا للابداع من قصيدة النثر التي تمتاز بحرية الحركة مما جعل الكثيرون يدخلون الشعر من هذا الباب لسهولته،ومن هنا فأن القيود المتعارف عليها في تكوين القصيدة الكلاسيكية هي مانعة لدخول من لا يحمل في داخله الموهبة الكاملة العالية المستوى وقل في هذا النوع دخول اشباه الشعراء بعكس الاخر!.
اجادت الشاعرة في ردها على سؤال حول قول نزار قباني ان قصيدة النثر فقدت معركتها مع الاذن العربية!(ص28)وذكرت بحوار اخر له انه حاقد على الرديء من الكتابة الشعرية فقط لانه اهانة للذوق العام،كما بينت انه اذا اريد لقصيدة النثر النجاح فلا ينبغي ان تكون سائدة او مألوفة،وهو ما ينطبق بالفعل على كل الفنون الابداعية الاخرى.
اعترفت في جواب على سؤال لماذا توقفت عن الكتابة الشعرية للاطفال،فقالت ان التجربة لم ترضيها وتعتبرها فاشلة وبذلك امتنعت عن تكرارها وهذا اعتراف نادر ينبغي سلوكه ويؤدي الى تركيز الجهود في مجالات اخرى تكون فيها اكثر اتقانا لعلها ترضي صاحبها وتوصله الى النجاح المطلوب كما يترك المجال للاخرين كي يتركوا ابداعاتهم المنتظرة!...ونفس الوضع ينطبق على عدم كتابتها للقصة القصيرة والرواية لعدم امتلاكها الموهبة التي تؤهلها للتصدي لهذا الفن الادبي الراقي.
وفي سؤال عن ضعف الاهتمام بالشعر كفن ادبي راقي في الوقت الراهن...اجابت مستعينة بقول اوكتافيو باث ان الشعر لا يلفظ انفاسه الاخيرة ولكنه متعب!وبادرت بالقول انه قلق لابد للشعراء ان يتشاركوا فيه دون ان يفقدوا الامل...وفي ظل ازدهار الرواية في العالم العربي كأدب حديث ضعف الاهتمام بالشعر الى درجة اصبحت الساحة الشعرية خالية من العمالقة الكبار الذين كانت لهم المنزلة العالية في سماء الادب،وقد يكون للتغييرات في الحياة وواقعها المتسارع بفضل تأثير التكنولوجيا الحديثة سببا وجيها في هذا الضعف ولكن ذلك لا يعني بتاتا ان الشعر سوف يضمحل وينتهي بل سوف يستمر كما استمر في بلاد اخرى اكثر تطورا وانشغالا بمجالات الحياة المختلفة من حالة العالم العربي!.
اثارت سعدية في اجاباتها قضية الصحافة في البلاد العربية وكيف بدأت ثقافية بشكل عام وادبية بشكل خاص قبل ان تتحول الى صحافة خبرية ومجرد اداة بيد السلطة للترويج الدعائي الفج...وهي حقيقة متفق عليها نظرا للقيود الشديدة على الحريات بشكل عام والاعلامية بشكل خاص مما اضعف الحركة الثقافية في العالم العربي بالرغم من ازدهار التعليم وكثرة المتعلمين وانخفاض نسبة الامية بالمقارنة مع الحالة في العقود الماضية،ولكن في المقابل انخفض المستوى الثقافي الى مستويات مروعة اتصفت بالجهل والتعصب في حين كان المستوى الثقافي للمتعلم البسيط قبل عقد السبعينيات من القرن الماضي يفوق بكثير المستوى الحالي لكثير من المراتب السياسية والثقافية العالية وهي حالة غريبة تستدعي المزيد من الدراسات والبحوث التي تعطي تفسيرات مقنعة!.
وفي اجابتها عن سؤال هل يمكن الفصل بين السلوك الشخصي للاديب ونتاجه؟ص56:اجابت هناك بعضهم نستطيع الفصل بين السلوك والابداع والبعض الاخر لا نستطيع،وتذكر ان لها تجارب شخصية مع البعض شعرت بالخذلان او بعكسه وبالتالي هي لا تستطيع الحكم على اديب من خلال سلوكه في الحياة ولكن لا تستطيع تجاهل انطباعها الشخصي!...لم تذكر امثلة بالطبع وان كان لذلك اهمية كبرى في الاشارة ولو من بعيد لسيرة البعض وتأثيرها على نتاجه الخاص،واكيد ان الفصل بين الابداع والسلوك مسألة في غاية الاهمية الا في حالات لا يمكن الفصل بينها مثل سلوك رجل الدين المنافي للاخلاق والمبادئ العامة!كما ان المبالغة في التقييم والاداء كما فعلت المؤلفة في تقديمها لبعض الادباء والكتاب في بعض المقالات والحوارات هو خطأ فادح ينبغي التقليل من شدته،فالدقة الموضوعية المبنية على التحليل السليم يبقى ذات اهمية عالية لانه سوف تكون للاخرين نتاجاتهم ولديهم ايضا مواقف ورؤى قريبة من المشار اليهم وقد تكون مناقضة للمنشور ولا يعتنون بالحفاظ على السرية او التقييم المبالغ مما يؤدي الى ضعف في الاداء الاول،وقد اعترفت ان للمجاملة دور في كل شيء ومنها في الصحافة الثقافية ولكنه حسب قولها انه دور ضئيل جدا وغير مؤثر(ص57)...نعم ان للعلاقات الانسانية اثرها الفعال في تقديم الاخرين بطريقة احيانا تكون مخالفة للواقع وتضخم في الامكانيات كما وانه يؤدي الى اهمال البعض والعمل على تحجيم الامكانيات والقدرات بطريقة تخالف الذوق الادبي السليم،وهذا شائع في وسائل الاعلام العربية قبل مجيء الانترنت الذي اختزل تلك الظاهرة المروعة الى ادنى حد واعاد الاعتبار للكثيرين من الذين اهملهم ذلك الاعلام المسيس والمؤدلج والسائر وفق الرغبات الآنية والمصالح المتبادلة والاعتبارات الشخصية التي لا تتناغم مع الابداع والمبدعين ومستوياتهم المتفاوتة الى حد يثير الاستغراب والاسى!.
حفل الكتاب بالكثير من الاسئلة والاجوبة القيمة والتي من بينها نظرية المركز والاطراف الناتجة من الواقع السياسي التي فرضت نفسها على الواقع الثقافي وبخاصة نظرة الادباء في العالم العربي الى اقرانهم في الخليج والمغرب العربي،وهي حسب قول المؤلفة انها نظرة كلاسيكية وانه لم تعد لها تلك الجاذبية الان عما كان سائدا قبل سبعينات القرن المنصرم،كما ذكرت ان المثقف العربي لم يكن ينظر الى اي نتاج شعري خليجي بشكل حقيقي او جدي على سبيل المثال او لم يحاول التعرف عليه بالمقارنة مع تفاعل الخليج مع التجارب الثقافية العربية الاخرى...
هنالك تجاهل لحقائق ثابتة متعارف عليها في هذا الموضوع في ان المغرب العربي ضعيف الاتصال ثقافيا بدول المشرق بسبب البعد الجغرافي والقرب الاوروبي وسيطرته الاستعمارية الطويلة المتسمة بالطابع الثقافي ايضا كما ان الوضع في الخليج مختلف كليا بسبب ان تلك المنطقة لم تسكنها تجمعات بشرية مستقرة وكبيرة العدد سوى في بلدات صغيرة متناثرة وقديمة بسبب الطبيعة القاسية وليس كما هو الحال الان حتى يمكن رؤية الانتاج الثقافي ولو بكم بسيط بل بقيت صحراء جرداء تسكنها قبائل رحل قليلة العدد تتصارع فيما بينها ولم تكن لديها القدرة والوقت على الاستقرار والتحضر حتى ظهور النفط واستقلال المشيخات في امارات وممالك متعددة تحت رعاية غربية،وهذا يعني ان عدم وجود حركة ثقافية ناتجة من استقرار مدني في الخليج ولغاية قبل نصف قرن لا يؤدي بالضرورة الى الانتباه الى تلك البقعة واهميتها بل يبقى الاهمال ناتج من عدم وجود انتاج ثقافي (وايضا مادي!)ولو قليل يواكب الموجود آنذاك ان لم يكن في مستواه بالطبع كما ان عامل ضعف وسائل الاتصال له اهميته البالغة في التأثير المتبادل كما نلاحظ الان في تحول العالم الى قرية صغيرة،وعليه فأن اتهام المراكز بأهمال الاطراف فيه تجني كبير وتشويه للحقيقة وبدلا من ذلك الماضي المنقطع ينبغي التركيز على الحاضر في تقديم انتاج ثقافي وفكري قيم غير خاضع للسلطة والمجتمع القبليان الطابع وحينها سوف تكون للاطراف الجغرافية اثرها الفعال في المشاركة الثقافية الاقليمية وسوف تجلب انظار واهتمامات الاخرين بدلا من الحث على متابعة اي انتاج يظهر!.
ذكرت الشاعرة عدم ترحيبها بالامسيات الشعرية بسبب حالة الخجل التي تنتابها من الحشد الجماهيري الذي يحتاج الى صوت جهوري خاص يعبر عن نوعية تلك الامسية بينما تفتقد هي لذلك الصوت الذي يمثل لها حسب وصفها عقدة العقد! والذي اكتشفته من قبل في لقاء لها مع احدى الاذاعات واخبرتها عبر تويتر وهو الموقع الاجتماعي المفضل لها فأيدت ذلك ولم اكن اعلم ان ذلك مدار حشد من الاسئلة والاجوبة في هذا الكتاب بالذات! وعليه فأن صفات الخجل او عدم امتلاك المواهب الجسدية لا يختص بمبدع دون آخر،بل هو شائع ولا يوجد مبدع خال من العيوب مهما كانت ضئيلة!.
تناول السائل والمجيب عددا كبيرا من القضايا والاثارات ولكن الظاهر ان سعة الاطلاع لدى الجميع لم تكن شاملة بل بقيت منحصرة ضمن نطاق محدد لا يعرف اسماء واماكن جديدة او قديمة غير ما
تم الاشارة اليه بين السائل والمجيب! ومن هنا فأن المعرفة من هذا الكتاب ليست بالشاملة الوافية عن الحالة الثقافية او الشعرية سواء من التراث او العصر الحالي في حالة العالم العربي على الاقل وانما تعبر عن اراء واقوال تلك الجمهرة من السائلين وايضا الشاعرة التي لا تخرج بالطبع في اجوبتها عن نطاق الاسئلة،ومن هنا جاءت هذه الاشارة للتنبيه لان هنالك اشخاص وتيارات وبيئات اكثر قوة وعمقا وانتشارا غيبت بسبب التخصص الثقافي او الانتقائية او المنع والحظر والتي سادت في المشهد الثقافي العربي في العقود الاخيرة والتي اصبحت ذات بعد واحد بالرغم من التقدم في وسائل الاتصالات والذي ينبغي ان يكون مساعدا على اتاحة الشمولية بصورة اكثر وضوحا!.
وحول تأثير مدينة الشاعرة(الجهراء) عليها وكيف وصفها احد السائلين بأنها معقل الشعراء!!فكانت الاجابة عاطفية في انها عاصمة الروح الابدية وتستحق ذلك!وطبيعي هذا كله من باب المبالغة الغير واقعية في الماضي والحاضر سواء لهذه المدينة او للحواضر التي توسعت مؤخرا،فالبيئة الشعرية او الادبية هي التي تمتاز بكثافة ليس فقط في عدد الادباء والشعراء الذين اثبتوا قوة في جودة النص المكتوب بل وفي عدد المدارس الدينية والعلمية المتنوعة ذات الجودة التعليمية العالية والتي لها تاريخ عريق كما هو حال الحواضر مثل بغداد والبصرة ودمشق وحلب والقاهرة وبيروت الخ...وهي التي تساعد على نمو الادب والشعر ذو المواصفات العالية،ولكن تلك الحواضر كغيرها تبقى مفتوحة على كل جديد نظري او مادي وهذا الانفتاح يجعل الانشغال بالشعر وعلوم اللغة العربية الموصلة اليها اقل نسبيا من حالة البيئة المنغلقة على ذاتها والتي تمثل التقاليد حاجزا في قبول اي جديد مثل بيئة النجف وريثة الكوفة التاريخية والتي انتجت ادبا وشعرا كما هو فقها قل مثيله في الكم والكيف،وهو الذي يوصف بحق بأنه بيئة شعرية او ادبية خالصة او انها تمثل معقل الشعراء والادباء.
اللامنتمية
تكرر في الكتاب في عدة مواقع ذكر حالة الشاعرة في كونها من فئة البدون التي لا تملك جنسية البلد الذي تقيم فيه،وكانت اكثر اجابتها هي انها بدون جنسية ولكن ليست بدون وطن وهي عبارة عاطفية دالة على تعلق شخصي بالمكان اكثر منها واقعية او قانونية معتبرة!.
من الغرائب التي يتصف بها العالم العربي والناتجة عن تخلفه الطويل وصراعاته المختلفة والمتداخلة هي كثرة الفئات الهامشية واللامنتمية بحيث تجاوز وصف الاقليات الى الاكثرية في بعضها! وكان التعامل السياسي والاجتماعي معها يتصف بالغباء وانعدام تطبيق المثل الدينية والانسانية والاخلاقية ناهيك عن الوطنية المؤسسة على اسس علمية رصينة التي تجذب ولا تنفر! من هنا فأن حالة اللا انتماء هي شائعة وسط بيئة من الامية المركبة وفي ظل مناخ تعسفي مقيت!...ومن الاضافات المثالية لتلك الفئات هي فئة البدون في الخليج وهي لفظة غريبة حقا لان الفئات المتجنسة لا تختلف عنها في شيء! فهي اي الفئات الاخيرة ليست شعبا اصيلا منفردا بل هي مجموعة قبائل رحل استوطن اغلبيتها بعيدا عن سيطرة القبائل الاخرى الاكثر قوة(مثل آل سعود) ولم توجد اي مؤشرات على تحديد حدود جغرافية معينة حتى جاء التحديد مع الاستعمار والنفط وحينها بدأ التمركز لغرض انشاء الدولة كمصلحة مشتركة مع الهيمنة الخارجية الغربية مثلما هو حالة الوصول الى الواحات في الصحراء وما يتبعه من تدافع وتنازع! واخذ المستوطنون الاوائل صفة المواطنة ومن يتأخر عنهم صفة البدون ولم تقم تلك الحكومات الجديدة لا بمنع وصول المزيد كرغبة ذاتية مستترة في رفع عدد السكان القليل آنذاك ولا بتجنيسهم والتخلص من المشكلة للابد فبقيت عالقة وسوف تبقى كذلك مابقي للنفط او للاستبداد من استمرارية وجود في الخليج او في غيره!.
بقيت معاناة تلك الفئة مؤشرا على ابداع الكثيرين من اتباعها كما هو حال الشاعرة المتهمة احيانا بعدم المشاركة الفعالة في التعبير عنهم! ولكن نفيها لتلك التهم والتعبير عن المعاناة في عدة مواقع يبعد تلك التهمة الغير دقيقة لان الوضع حساس بالنسبة اليهم بسبب عدم وجود سند خارجي يحتضنهم ويوقف معاناتهم المستمرة كما ان رغبتهم البقاء دون اثارة الحكم!.
قد يكون لحالة عدم الانتماء لدى الانسان رافدا آخر يضاف الى روافد الابداع كما لدى الشاعرة وغيرها وهو جزء متعارف عليه من حالة الانسان ككل في هكذا موضع كونه كائنا عجيبا حاويا لكتلة من التناقضات الظاهرة والمستترة!.
الكتاب يتضمن اسئلة واجوبة اخرى متعددة في ابعادها الثقافية والادبية بالخصوص،والمكان لا يتسع لاستعراضها بصورة كاملة وشاملة او ترك الهوامش والتعليقات المناسبة وعليه فأن الاطلاع على اصل الكتاب والاستفادة منه هي ضرورة لغرض التعرف ليس فقط على الشاعرة القديرة سعدية مفرح بل وايضا على اصحاب الاسئلة المطروحة واسس التفكير السائدة كجزء من وسط الحالة الثقافية العربية!.
استعراض الكتب وتقييمها واضافة التعليقات والحواشي والهوامش والشروحات لا ينبغي ان يكون كافيا دون مراجعة الاصل والاستئناس بالتفاصيل وما يستتر بين سطورها!.