تأثير الرموز:
ظهر على مدار التاريخ البعض من كان لهم التأثير البارز في صنع الاحداث والافكار وهناك من يقف على قمة العبقرية والنبوغ والاخر لا يختلف عن البهائم في شيء! وما بينهما مساحة واسعة من التباين في المستويات،وكان للنهضة الاوروبية الحديثة كغيرها من الحقب التاريخية ،رموزها الخاصة من الفلاسفة والعلماء والمفكرين الذين اثروا على شعوبهم بدرجة معينة من خلال نشر الافكار والمبادئ والعلوم المختلفة التي ادت في النهاية الى انبعاث تلك النهضة التي اثرت في مجمل الحضارة الانسانية الغير متناهية!.
ولا يختلف الشرق ومن ضمنه العالم العربي عن الغرب في هذا المجال من خلال وجود العديد من رموز الحداثة والتقليد الذين تركوا بصماتهم على طبقات واسعة من المجتمع وبخاصة الطبقات المثقفة التي تقود في العادة حركة البلاد نحو التقدم او التقهقر!.
الرموز الفكرية لدى الغرب كانوا اكثر تأثيرا من حركية الرموز الفكرية لدى العالم العربي لا بل واكثر انسجاما وتناغما مع اتساع الدائرة الشعبية في العصر الحديث،لان مصدر نجاح النهضة الاوروبية كان في الاساس منهم وطبيعيا جعلت الاستفادة التالية من آثار تلك الرموز في اعلى درجاتها بالاضافة الى ان حواجز اللغة والحدود لم يكن بمستوى الموجود في دول العالم العربي! وبخاصة في العقود الاخيرة بالرغم من كون الاخير يحمل عوامل المشتركات اللغوية والتاريخ والمصالح بأكثر من الحالة في الغرب! وقد يكون لتخلف العالم العربي نتيجة لوقوعه فترة طويلة تحت سلطة الاستعمار ومن بعده وريثته الشرعية المحلية الصنع:الديكتاتورية! اثرا واضحا كما ان موروثات حواجز الدين والمذهب والتخلف الحضاري والصراعات الجانبية قد اضعف التأثر الايجابي من الرموز الفكرية وجعلها احيانا تعيش ضمن بيئتها المحلية وبقيت مجهولة او مهملة من قطاعات شعبية واسعة وكأنها تشارك الانظمة القمعية في حربها العلنية ضدهم!.
المثير للانتباه ان الغرب يتأثر برموز النهضة ودعاتها ويأخذ بما يدعون اليه ولو بنسبة عالية دون ان يقع في فخ القدسية الشخصية التي تضعف رؤية الافكار والاعمال وتظهر فقط حياة ومكانة الشخص وهو ما يشاع في العالم العربي! فالكثير من رموزه تقدس كأجساد ولكن تهمل بما تحمل من افكار او لا يتم العمل بها!.
من المؤسف كثيرا ان المؤسسات السياسية في العالم العربي قد ابادت جسديا ومعنويا عدد كبير من العباقرة المبدعين بل وحرمت الاجيال اللاحقة من الاستفادة من تراثهم الضخم بسبب الخوف والرعب من التأثيرات المحتملة لهذا التراث المزلزل لكل ما يخالف التقدم الانساني ومنه بالتأكيد الحكم الاستبدادي الشمولي بفكره الهزيل الوضيع!.
بالرغم من سطوع شعاع الحرية من جديد على بقاع واسعة من العالم العربي والتي جاءت بعد ظهور ثورة الاتصالات الحديثة،الا ان اعادة الاعتبار للرموز الفكرية بقيت امرا بعيد المنال والتطبيق سواء اهمالا متعمدا او جهلا مستمرا بدون قصد! وهذا الاعتبار لن يكمل الا بأعادة احياء لتراث تلك الرموز الحضارية التي تعتز الامم والشعوب بها والذي سوف يزيح التراث الاسود الذي ساد تلك العهود المظلمة،وليس امرا غريبا ان يبقى عددا منهم معروفا احيانا لدى الغرب بينما يبقى الجهل بهم حالة شائعة لدى شعوبنا!.
الفرد بين التأثير الفردي والجمعي:
تختلف تأثيرات الرموز بلا شك وقد يكون للبعض منها تاثيرا عاما شاملا لايتحدد بمكان او زمان معين والاخر فرعيا محدودا،وتبقى بالتأكيد لشخصية الفرد واستقلاليتها والمستوى الفكري الذي تمتلكه،الحالة النهائية في قبول التأثر بشخصيات الرموز ونتاجاتها الفكرية وسيرتها الذاتية.
لا مجال للشك في التأثير المتبادل بين البشر ولكن الاختلاف يكون في مستويات التأثير،وعليه فأن الفرد اذا كان مستقلا الى ابعد الحدود ويستطيع تكوين بنية ثقافية نظرية وعملية دالة على تقدم ذاتي فأنه في اعلى الدرجات الرفيعة للشخصية العبقرية المثالية والعكس صحيح ايضا!...فأذا ازداد خط الميل والتأثر بفرد ما او مجموعة معينة فأن درجة الاستقلالية سوف تنخفض وترتفع معها درجات التبعية وفقدان الذات والتي تصل في اعلى مراحلها اذا انحصر الميل والتأثر بشخصية فردية واحدة بغض النظر عن ماهيتها!...فمهما كان مستوى شخصية الرمز فأنها لن تصل الى الدرجة المطلقة من التأثير الشامل على الجميع كما انها لن تصل الى تأثير مجموعة الرموز في حالة ترك الوسيلة الاعلامية والسياسية التي تخلق مناخا كاذبا في خلق حالة الرموز المتصدية لاسباب مختلفة وحرمان المخالفين!.
هذا يعني ان الفرد كلما كان مـتأثرا بمجموعة من الرموز كلما كانت شخصيته انضج واعلى استيعابا ومقدرة واقل مستوى في التبعية السلبية لان في المجموعة شمولا وتنوعا وثراءا اعلى بكثير من اية مقدرة فردية،وفي الاتجاه الاخر فأن الفرد كلما خضع لرمز معين فأن شخصيته الاعتبارية سوف تضعف لتصل ادنى درجاتها في حالة التبعية لرمز سياسي متصدي يتصف بمظاهر الجهل والتخلف والهمجية وهي التي تنطبق عادة على رموز الديكتاتورية الشمولية!ولذلك نرى ان اتباع الانظمة الديكتاتورية الفاسدة هم اكثر الطبقات جهلا وتخلفا ونفاقا وغدرا بينما نرى ان المتصدين لهم هم اكثر وعيا وادراكا واستقلالا او على الاقل بنسبة اعلى!.
ان تنامي الوعي الذاتي الخاص والمتأثر بنسبة معينة من شخصيات الرموز المختلفة هو منية كل فرد يحاول ان يستقل برأيه او تكون له شخصيته المستقلة الغير خاضعة... نعم ان العزلة والمناعة من التأثير الخارجي هي حالة نادرة جدا لا يمكن رصدها بسهولة الا ان الاستفادة من التأثير الجمعي للرموز وتقليل أثره الى ابعد حد هو افضل من جعله المحرك الاول للفرد او حيازة التأثير المفرد عليه،ومن هنا فأن المقدرة على تشكيل الحيازة الثقافية الذاتية لن يكون بمنعزل عن التأثيرات الخارجية ولكن الافضل وضعها ضمن الحدود المعقولة التي لا تؤثر في الاستقلالية والانتاج!.
ان بين الاستقلالية التامة والمنتجة(وهي نادرة بلا شك) وبين التبعية التابعة التي تصل الى حالة فقدان الذات بكل ما تحمله،هنالك مساحة شاسعة بين التأثر برمز او رموز معينة وكلما كانت القيمة الفكرية والاخلاقية عالية كلما كانت درجة التأثر في اعلى درجاتها والجوانب الايجابية الناتجة اعم واشمل والعكس صحيح ايضا.
النظر الى الانتاج وليس الى الشخص هو ما يجب ان تكون عليه عملية الاستفادة والاستعارة والتقييم،ولو كان العكس لرفضنا اغلب الانتاج الفكري والعملي لانه ناتج من فرد او مجموعة مخالفة في المنهج والسلوك...ومن هنا تكون البداية!.
هناك 6 تعليقات:
للاسف مازال العالم العربي يتأثر بالإشاعات بصورة اكبر من الرمز
ربما لان الرموز في العالم العربي الذين يملكون ملكة التأثير في الشارع قليلون
أو ربما بسبب الجهل المنتشر في الشوارع العربية بصورة أكبر من مثيلاتها في الغرب.
الأمر يحتاج لتوعية اكبر للناس
ونشر للثقافة
وهذا قد
يحتاج لسنوات
لك تحياتي
لعب الاعلام الرسمي دور كبير في تسطيح ثقافة الناس
ركز على تأليه الحاكم وتقزيم كل ماعداه
سخف من كل رمز
نشر الاشاعات حولهم
وأخاف الناس منهم
السلام عليكم
صدقت أخي.. موضوعك مهم وقيم جدا..
وأعتقد أن سبب عدم موضوعيتنا في التقييم للرموز ومن ثم استفادتنا منها الاستفادة الصحيحة التي تدفعنا إلى الأمام يرجع في الأساس إلى أسلوب التربية التعليم الخاطئ الذي لا يرسخ عندنا فكرة الموضوعية في الأحكام، ولا يعلمنا معايير صحيحة واضحة لهذا الحكم الموضوعي.. ثم تأتي المنظومة المجتمعية (التي هي إفراز لهذه المنظومة التعليمية بصورة أو بأخرى) لتكمل المسار الخاطئ..!!!
تحياتي أخي الكريم.
الفاضل محمود...تحية طيبة
نعم اتفق معك في ذلك...فالاشاعات هي دالة على ضعف مناعة ذاتية ووعي ...
دمت بخير...
الفاضلة احلام...تحية طيبة
وهذا للاسف صحيح وتاريخه الاسود ظاهر للعيان بما لا يقبل الشك..!
تمنياتنا للثورة اليمنية بالنجاح وان تصل الى لقب الثورة الرابعة...
الاخ الفاضل ماجد...تحية طيبة
تعليقك القيم مكمل للادراج اعلاه واضاف له براهين جديدة!...المنظومة المجتمعية ومنها التعليمية هي من الاسباب الرئيسية للتخلف وعليه فأن التركيز عليها مطلبا ملحا وبخاصة في البلاد المحررة حديثا مثل مصر...
خالص تقديري...
إرسال تعليق