مذكرات من بيت الاغتراب 9:
ابتعاد قسري!
من الصعب على الانسان التحكم بكافة الظروف المحيطة به حتى وان كانت دون الاهمية المعتادة ولكن مع ذلك تؤثر بصورة مباشرة او غير مباشرة في مسيرته الطبيعية التي عرفها منذ سن البلوغ عندما يوضع قسريا بين قيودها!.
الانتقال من مكان لاخر ليس بالسهولة الممكنة الا في حالات خاصة خاصة في ظل استهلاك المقدرة الزمنية المحدودة والمتاحة في تسيير الامور اليومية بعد ان فقد معظمها مع تعقيدات الحياة المعاصرة،وقد واجهت شخصيا صعوبة فعلية في عملية الانتقال من مكان لآخر خاصة في ظل تركيز الانهماك الفعلي في نقل محتويات المكتبة الكبيرة والمحافظة قد المستطاع عليها في ظرف غير ملائم من طقس بارد وممطر ثم اعادتها بنفس التصنيف والتبويب السهل وهي عملية لم اكن اتوقع صعوبتها بهذا القدر الجسدي والفكري الهائل،ومما زاد من المشقة والتعب ان المنطقة الجديدة لا تحتوي على انترنت جاهز يسهل العودة الى القراءة والتدوين والمتابعة بل كان الانتظار واجبا لبضعة اسابيع لحين الانتهاء من عملية بناء البنية التحتية لنقل الانترنت من المزود الرئيسي الى البيت ضمن طريقة ADSL 2 التي هي بداية لكل منطقة جديدة وهي تختلف عن طريقة الكيبل الاكثر سرعة وان كان الفارق قليلا حسب تجربتي للحالتين! فالاول ينقل البيانات بحدود سرعة تتجاوز 20 ميغا بايت في الثانية والثاني بين 20-30 ميغا وحسب المنطقة وزخم الاستخدام وتطور الوسائل.
الابتعاد عن الاحداث اليومية والمتابعة الدقيقة لها يؤدي بطريقة غريبة الى احداث شلل مؤقت في رغبات العودة الحتمية الى المتابعة والانشغال بدقائق مجريات الاحداث والتطور المعرفي وبالتالي سوف تنشأ حالة من اللامبالاة الغير متعمدة بالطبع من حوادث التطورات المعاصرة ومآسيها وهي حالة مرعبة تصيب الانسان بضرر كبير لا يعرف حجمه وسعة آثاره الا بعد الاستبيان من شموليته...هذا الكسل او الخمول القاتل لم يكن من السهولة بمكان هزيمته او التقليل من آثاره النسبية بل هو حالة عامة تصيب الجميع اذا ما توقفوا عن متابعة فعل جسدي او فكري معتاد!.
قد يكون الابتعاد القسري مؤقتا عن متابعة الاحداث والتدوين والقراءة له آثاره السلبية المعروفة التي تجعل الانسان خارج حدود الزمان والمكان،ولكن من ايجابياته الراحة النفسية وتخفيف حدة الضغوط اليومية التي نحياها في هذا العصر ولو بصورة نسبية قد لا نشعر بتأثيرها احيانا ولكن من خلال التجربة العملية يمكن استيضاح مكنوناتها!... التعقيدات الحالية والمستمرة هي في تراكم دائم في تطور الحياة المعاصرة وهي سلب حقيقي للحياة البسيطة الواقعية المفروض الاستمتاع بملذاتها المشروعة وبخاصة الروحية منها ولا ادري ما هي نهاية تلك التعقيدات المستمرة وما سوف تحدثه من دمار للفرد وانسانيته واستهلاك زمنه المحدود اصلا! فمهما كانت درجة التقليل فأن درجة الانهماك تبقى اعلى من الماضي الذي له ايجابياته الفعلية ولو كان ادنى معرفيا من العصر الحالي،ومن يدري فقد يتمنى البعض في المستقبل حياتنا الحالية وفرصها المتاحة في ابقاء فترة نقاهة روحية لاسترجاع آدمية الانسان من آلة الحياة المعاصرة المرعبة...
تجارب الحياة بالفعل هي عملية اثراء لها،ومن خلال جدلية العلاقة وتأثيراتها الجانبية فأن المردودات الايجابية تبقى اعلى من الانعزالية السلبية التي يدعو اليها البعض او قد ننساق اليها بالرغم من الرغبة والارادة!.
مصادفة النفي القسري مع شهر رمضان المبارك،قلل من تأثيراته نظرا لتأثير هذا الشهر الفضيل الروحية والجسدية البالغة على الجميع وأسرع في انهاء حالة النفي الذاتي القسري من خلال الاندماج مع معينه الروحي الذي لايحدث الا في السنة مرة.
الخروج من النفي الذاتي ببعديه الاختياري والقسري لا يكون بسرعة ولا بسهولة ولا حتى بلا مبالاة كما يتصورها البعض،بل هي عملية بطيئة ولكنها ناجحة كالتدريب على انجاز عمل جديد،وهي عملية مجاهدة نفسية لواقع ظرفي مستجد!.
هناك تعليقان (2):
عجبتني اوي حكاية النفي دي
ممكن الواحد بمزاجه ينفي نفسه عن الواقع والناس ويبعد بمزاجه
رمضان كريم
حالة النفي الذاتي القسري؟؟!!
تعبير عجيب!!!
إرسال تعليق