الاستفتاء الخاوي!:
كان لاستقرار الانظمة العربية في العقود الاخيرة السابقة لموجة الثورات العربية المعاصرة اثره السلبي الفعال فقد ازداد خلالها درجة الاستهانة بقوة الشعوب وقدرتها على الرفض والتغيير! بل وصل الامر الى الاستعلاء بأعلى مراحله والمتمثلة بالاحتقار والعبودية المطلقة والرغبة في التلاعب بكل ما يتصل بها الى درجة الانتقام الرهيب بلذة سادية غريبة!.
فوجئ الجميع بأنتصار الثورة التونسية،ولم تدرك حينها بقية الانظمة العربية بالخطر المحدق بها من جرائها لان انتقال شرارة الثورة يطفئ بسرعة لوجود الحدود التي ازيلت بفعل التطور التكنولوجي،وقد تكون معذورة في استباق الاحداث في تصحيح اوضاعها المزرية ولو شكليا نتيجة لسباتها الطويل!...ولكن الامر اختلف مع انتصار الثورة المصرية التي تلتها وما مثلته من تأثير كبير على بقية الشعوب العربية التي تعاني نفس المصير!...وحينها دقت اجراس الخطر والتي هي بمثابة تنبيه لا بد منه لاصلاح الاوضاع السيئة اذا اريد البقاء،وعليه فأن عدم الاستجابة او التجاهل سوف يكون غباء غير محدود لانه بالتأكيد انهيار حتمي في وضع عالمي جديد لن يكون في صالح تلك الشراذم التي استغلت الحقبة التاريخية المظلمة لصالحها افضل استغلال...وفي النهاية كانت النتيجة المتوقعة في بقاء تلك الانظمة الحاكمة على غبائها الشديد المستند على تراث اسود في عدم استغلال الفرصة الذهبية لتصحيح وضعها الخياني الفاسد،واستمرت في غيها الى درجة اصبحت التريث في اشعال الثورة امرا خجولا ان لم يكن جبنا!.
الاستجابة الشكلية لرغبات الشعوب المنكوبة كانت نسبية ومتفاوتة ،فمن علاج مؤقت يتمثل برشاوى مالية ضخمة تحت ستار كثيف من قرارات الدعم المعيشية،الى الرغبة الظاهرة في الاصلاح والتجديد والانفتاح والسماح بدستور واقامة نظام يسمح بالحريات الخ...وطبيعي ان ردة الفعل الجماهيري هي مختلفة تجاه تلك الردود من الافعال مع اختلاف الظروف ولكن المتفق عليه ان تلك الاصلاحات ليست حقيقية ولن تكون كذلك لانها سوف تؤدي الى ازالة تلك الانظمة من الوجود هذا بالاضافة الى انها لو كانت جادة فعليا في اجراءاتها لقامت بها منذ فترة طويلة وليس في الوقت الحاضر تحت الحاح الظرف الطارئ!.
كانت ردة فعل النظامين في عمان والمغرب هي الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة تحت الضغط الشعبي او رغبة في منع حدوث الثورات من اسبابها المتعارف عليها،وكانت التمنيات الطيبة راغبة في تجنب حدوث المواجهات الدموية كما حدثت في بلاد اخرى، ولكن الذي حدث في المغرب وكما هو متوقع بالفعل ان النظام الملكي اعلن اجراءات شكلية ليست لها اية قيمة على ارض الواقع،بل وقام بأجراء استفتاء خاوي لا قيمة له،يذكرنا بأستفتاءات وانتخابات الانظمة الشمولية بغية منحها الشرعية القانونية والشعبية المزيفة!.
فقد اصدر الملك المغربي قرارته المتضمنة دستور جديد ومنح المزيد من الحريات وغيرها،ولكنها جاءت مخيبة للامال بحق فهو قد منح لنفسه السلطة العليا على القوات المسلحة وابقى لنفسه الصلاحيات الواسعة كما ومنح نفسه منصبا دينيا قياديا غريبا هو ابعد ما يكون عنه او عن اي مسؤول حكومي لانه من اختصاص رجال الدين الاحرار!بالاضافة الى قرارات اخرى تجعل هدفه الدعائي المعلن في زيادة صلاحيات السلطة التنفيذية فارغة من اي مضمون حقيقي بل هي اقرب لحالة الالتفاف على المطالب الشعبية!.
ان اي تغيير جذري في شكل النظام الملكي لا يصل الى الحدود الدنيا من اشكال الانظمة الملكية الاوروبية يصبح امرا هزليا فارغا لا يمكن قبوله او الاقرار بما جاء به،لان تلك الانظمة الديمقراطية المثالية المستقرة منذ فترة طويلة قد تطورت الى تلك المستويات العالية من جراء تنازلها عن كافة السلطات الفعلية الى الحكومات المنتخبة شعبيا،والبعض منها كما في حالة اليابان كان الملك اكثر قدسية او وجود في الساحة من اغلب السلاطين العرب، وبالرغم من ذلك فأنه تنازل عن سلطاته الى الحكومة المنتخبة شعبيا منذ نهاية الحرب الثانية!وعليه فأن عدم القبول بهذا النهج سوف يكون فعلا عبثيا لا قيمة له امام ازدياد حالة الوعي لدى الاغلبية الساحقة التي ترى تحكم حفنة من البشر بكافة المقدرات وتغليفها برداء ديني او تاريخي زائف انتهى صلاحيته في العصر الحديث.
التسليم بما جاء في مضامين الاستفتاء الخاوي هو البقاء على الوضع الراهن الذي يجعل المغرب باقيا في اخر التصنيفات العالمية لتطور الامم والشعوب، وعليه فأن المقاومة بشتى الوسائل القديمة والمستحدثة هو الامر الواقعي المفروض على الشعب المغربي لو اراد الحياة الحرة الكريمة التي تتطلب اجراءات مستعجلة في سلب كافة الصلاحيات من الاسرة المالكة ونزع القدسية الزائفة منها كما تتطلب اجراءات راديكالية في بناء الدولة من جديد وفق منهاج صارم من الشفافية والنزاهة وهذا يعني محاكمة كافة رموز الفساد والانحراف الموجودة والتي لها امتدادات حالية في اجهزة الدولة والمجتمع!.
الاستفتاء الخاوي في المغرب هو ضياع للوقت والجهود وهو سلاح فعال بيد القوى المعارضة الحقيقية الراغبة في تحقيق اهدافها المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة من خلال الاستفادة من الفرصة التاريخية المتمثلة بتأثيرات الثورة العالمية المعاصرة...
فأذا امامنا مستحقات واجبة تتمثل في انهاء حالة الضحك على العقول والاستخفاف بها،فقد انتهت مرحلتها المؤلمة الى مرحلة جديدة فرضت قواعدها المختلفة بصرامة واضحة واي مخالفة لذلك هو الوقوف بوجه ارادة التغيير الحرة!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق