راعية الطغيان!:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية،والادبيات الثقافية وبخاصة ذات التوجهات اليسارية تختص بمهاجمة الغرب بشدة وخصوصا امريكا لرعايتهم الطغيان في العالم الثالث كوسيلة في حشد الحلفاء اثناء الحرب الباردة ضد المعسكر الاشتراكي وكذلك لرعاية المصالح الاقتصادية التي يخدمها العملاء المتحكمون اكثر من غيرهم!...واسس لهذا المنهج دراسات وبحوث ومقالات ومؤتمرات ووسائل اعلام تناولته بالتفصيل والنقد والتحليل ومقارنة النتائج واعطاء التوصيات واستخلاص الدروس والعبر...لكن الغريب ان الجانب الاخر من قوى الحرب الباردة المتصارعة،لم يحصل على نصيبه الكافي من تلك الحملة الفكرية والسياسية المضادة لقوى الطغيان،ونقصد به الاتحاد السوفييتي السابق وكتلته الاشتراكية ووريثته الحالية روسيا اذا اهملنا الصين لكونها بعيدة التأثير في الساحة الدولية لحد الان ولكون نظامها شمولي يتستر بأشتراكية السوق المزيفة التي هي في واقعها رأسمالية بحتة! ومن هنا كانت الحملات الاعلامية للمعسكر الاشتراكي تركز وبشدة على الاستعمار الرأسمالي الغربي واخطاءه المشينة تجاه الشعوب المحكومة التي يحاول المعسكر الاشتراكي الهيمنة عليها بوسائل آيديولوجية مقنعة لخدمة مصالحه او كسب تأييدها في صراعه مع الغرب،وقد نجح في ذلك كثيرا وبخاصة في مد نفوذه الثقافي مستغلا عدم وجود ماضي استعماري منه لبلدان العالم الثالث بالرغم من مآسي الشعوب الخاضعة للنظم الشيوعية! ولم تفلح لحد الان المحاولات الغربية في الغاء ذلك التفكير السائد والفكرة السوداوية عنه بالرغم من دعمه لبعض الثورات الشعبية او تأييده للتوجه الديمقراطي في بلدان اخرى!.
الدعم السوفييتي السابق والروسي اللاحق للانظمة الاستبدادية هو حقيقة لا خلاف عليها،بل ان تأييده الواسع لها في السابق كان يخالف العقيدة الماركسية بما تحمله من تراث فكري ضخم يحث جزءا كبيرا منه على التحرر من قوى الاستغلال والاستعباد! والاكثر غرابة هو دعمه اللامحدود لانظمة استبدادية حاربت الشيوعيين وبقية القوى اليسارية الاخرى بقسوة رهيبة لامثيل لها تجاوزت بكثير اجراءات الانظمة المحافظة،مثل نظام عبد الناصر ونظام حزب البعث في العراق وسوريا ونظام القذافي او بقية الانظمة الاخرى التي اعتنقت متأخرة الفكر الشيوعي مثل نظام اليمن الجنوبي السابق ونظام منغستو في اثيوبيا ونظام نجيب الله الافغاني !... ولكن الغريب ايضا حالة الازداوجية المرضية لدى بعض اليساريين او المؤيدين للمعسكر الاشتراكي المستمر في دعمه رغم اضطهاده على يد انظمة حصلت على الدعم الواسع من قبل المعسكر الاشتراكي وبخاصة خبراته الواسعة في طرائق القمع الوحشي!.
الاتهام الصحيح والتقييم الخاطئ:
التحالف بين دولتين تحملان نفس التوجهات حتى وان كانت خاطئة هو امر منطقي، ولكن الخطأ الاكبر الذي يقع فيه اي نظام يحمل توجها آيديولوجيا ليبراليا ويدعو الى الحرية والعدالة ويتبع مناهج فكرية تؤسس لها يكون من خلال دعم انظمة استبدادية تخالفه في النظام والمنهج ويكون التحالف تحت سيل من الذرائع الوهمية وهي بذلك تفقد الكثير من مصداقيتها امام نفسها وامام الاخرين ولا تجد من يرغب ان يبقى معها في التحالف من معارضي تلك الانظمة بعد التخلص من النظام السابق،وهي بذلك تؤسس لتوجهات معادية واحقاد لا تستطيع ان تزيلها خلال فترة قصيرة من الزمن مهما حاولت القيام بعمليات تجميل!...والعكس صحيح اذا قامت بدعم قوى التحرر ودعم التوجهات الديمقراطية فأنها تزيل الصورة السوداء المطبوعة عنها ولو بدرجة نسبية بل وتكسب انصار جدد يرغبون في علاقات متميزة!...
والاتهام الصحيح للغرب انه قليل الوفاء لعملائه وحلفاءه في العالم الثالث لكونه يترك عملاءه في لحظة مواجهة الثورات والانقلابات دون ان يدعمهم بالشكل الكافي كرد لجميل خدماتهم العظيمة له ولكونهم حلفاء دائمين له!هو تقييم خاطئ بلا شك وينطوي على سذاجة ثقافية متعددة الاتجاهات لان التحالف الحقيقي يجب ان يستند الى اسس قوية تؤدي الى استمراريته والانظمة الغير مستقرة او التي تتعرض لهزات عنيفة هي غير قابلة للاستمرار في التحالف على نفس الدرجة السابقة بل سوف تصبح عبئا عليه مع ما يؤدي هذا العمل الى ضياع الجهود وبالتالي فأن الغرب ينشط في حث حلفاءه الراضخون تحت الضغوط الشعبية في تخفيف اجراءاتهم القمعية والبدء في اصلاحات او ترك الحكم كي يدعم جهود آخرين لا يحملون على الاقل توجهات معادية ويلبون احتياجات شعوبهم!...الامر ببساطة انه عمل براغماتي واقعي يحافظ على استمرارية المصالح الغربية وديمومة نفوذه بالرغم من احتمالية خطورة وصول نظام معادي لا يخضع للغرب بالرغم من سحب تأييده للنظام السابق ولنا في كوبا وايران ونيكارغوا نماذج مثالية...ولكن الاتحاد السوفييتي السابق ووريثته الحالية روسيا تخالفان هذا المنهج العقلاني النسبي بطريقة غريبة تدل على حماقة وغباء وعنجهية فارغة لا تقيم مقدارا من احترام الذات واحترام تطلعات الشعوب الثائرة لان الدعم اللامحدود وبخاصة للانظمة التي هي في سبيلها للسقوط سوف يؤدي لا محالة الى فقدان النفوذ والتحالف مع النظام الجديد!...قد يفسر الامر احيانا بأن روسيا هي دولة ديمقراطية المظهر ولكن في جوهرها دولة ديكتاتورية منخورة الفساد ولاتقيم وزنا مذكورا لحقوق الانسان...وهذا واقع صحيح ولا ريب فيه ولكن الاصرار على رعاية الطغاة وبخاصة الضعفاء والمحاصرون من قبل المجتمع الدولي او الثورات الشعبية هو امر غريب حقا ويستدعي ردا قاسيا من قبل المتصدين الجدد الذين عليهم واجب رعاية الدول التي وقفت معهم ومعاقبة الدول التي وقفت بالضد من تطلعات شعوبهم كما تفعل روسيا الان في مواقفها الداعمة للانظمة الفاشية العربية !.
لقد كان الموقف الروسي السابق الداعم بقوة ولو لاجل المصالح الاقتصادية مع نظام صدام الدموي مشينا ومخزيا ولكنه لم يحصل في المقابل على رد عقابي يجعله يقف ويتريث في دعمه اللامحدود للطغاة وانظمتهم الايلة للسقوط،وعليه فقد استمروا في تلك التوجهات المخزية مادام امنوا من العقاب الشعبي الخارجي تحت الشعارات الهزيلة من قبيل عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى حتى ولو ابيدت شعوبها او الخوف من فقدان النفوذ الروسي لصالح الغرب كما حصل مع نظام القذافي والبعث السوري في ربيع الثورات العربية المعاصرة!... ان عدم المعاقبة ولو من باب تأخير اقامة علاقات دبلوماسية او فرض اجراءات اقتصادية عقابية هو السبيل الوحيد لردع الخبث الروسي في دعمه انظمة الشر وتجاوزاته اللااخلاقية،والضغط الغربي على روسيا لن ينفع ما لم تكن هنالك تهديدات بتحديد العلاقات معها.
لقد وقفت روسيا ومازالت ضد تطلعات الشعوب العربية في ثورتها العملاقة ضد الطغاة،وهذا الموقف سوف يبقى في مناهج التاريخ كصفحة سوداء في تاريخ روسيا في علاقاتها مع العالم الثالث،بينما نرى الموقف الفرنسي مغايرا حتى ولو وقع في نفس الخطأ لانه يصحح اخطاءه بسرعة في حالة وقوعه في علاقاتها الخارجية وبخاصة في دعم حقوق الشعوب في تحرير ارادتها المسلوبة،فقد كان الموقف الفرنسي الداعم لحزب البعث في العراق مخالفا للتوجهات الغربية ولكونه حريصا على المصالح الاقتصادية دون ادنى اعتبار لحقوق الانسان وحرية الشعوب وهما جزءا من الادعاء الفرنسي التاريخي بالحرص عليها على اساس كونه بلدا للحرية والعدالة والمساواة!وهذا الموقف لم يستمر بل تغير بعد بضعة سنوات،ثم وقعت فرنسا في خطأ اخر تمثل في رغبة وزيرة الخارجية الفرنسية في دعم نظام بن علي الموالي لها في تونس ضد الثورة الشعبية التي اسقطته بسرعة مما ادى الى توجيه النقد للسياسة الفرنسية الخارجية التي تحررت منه بفرض الاستقالة عليها ومن ثم تصحيح هذا الواقع من خلال التأييد الواسع للثورات الليبية والسورية وان كان مترددا في حالتي البحرين واليمن!...وقد كانت استجابة الشعوب الثائرة ايجابية امام الموقف الفرنسي الجديد بينما بقيت روسيا تراوح في مكانها ضمن عقلية قديمة تستمد اصولها من الديكتاتورية الشيوعية السابقة!.
ان تصحيح المواقف والاخطاء اهون بكثير من الاصرار عليها!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق