لا تنطبق صفات الذكاء على النظم السياسية المختلفة واصحاب القرار فيها،فلولا الغباء المتوارث والاسباب المؤدية له لما رأينا هذا الكم الفظيع من الكوارث الانسانية المتتالية منذ فجر التاريخ والتي يستطيع الانسان العادي بقليل من الذكاء والحكمة تجاوزها بسهولة ويسر اذا توفرت له الصلاحيات المتوفرة لاصحاب السيادة!...
ان ما تقوم به النظم المستبدة كما هو حال الانظمة العربية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية من سلوك الاستغباء السياسي كجزء من حالة الاستغناء التام عن المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع القرار والاستهانة بها الى درجة الاحتقار التام والتعامل بطريقة السيد والعبد المملوك،فذلك امرا طبيعيا اعتدنا عليه ولا يمكن نكرانه!ولكن ان تقوم دول كبرى بفضح نفسها بنفس طريقة الاستغباء فذلك امرا مثيرا للانتباه والاستغراب الاستنكاري!.
الظاهر انه ليس فقط الانظمة الاستبدادية في العالم المتبعة لهذا المنهج الهزلي في التعامل مع الرأي العام! فعندما يصف الغرب القذافي ونظام حكمه بعد بدء الثورة عليه بأنه نظام قد فقد شرعيته،فذلك امرا مضحكا ويندرج تحت خانة الاستغباء السياسي! فمتى كانت للقذافي ونظامه الشرعية حتى يمكن ان نقول انه فقدها؟!...هل يحاول الغرب ومن يتبعه الضحك علينا حتى يكررون تلك العبارات عندما يراد تبرير العمليات العسكرية ؟! الوضع لا يحتاج الى تبرير فمثله لا يحتاج الى اي تبرير للقضاء عليه!...هل هناك انسان حر وعاقل يصدق خرافة الشرعية الثورية التي يتشدق بها الرؤساء او الشرعية الوراثية التي يتشدق بها الملوك والامراء؟!...ان الامر برمته هو ضحك على الذقون! فالشرعية الوحيدة هي الناتجة من قبول الغالبية الشعبية بنوعية نظام ما وايضا في اختيار حاكمه،وهؤلاء الزعماء،تحكموا وتجبروا بسبب الظروف المواتية لهم والتي كانت من ابرز مصاديقها الغدر والخيانة والقسوة واستغلال الاوضاع الدولية والثروات المحلية!...الامر ينطبق ايضا على النظام البعثي في سوريا او من قبل توأمه النظام البعثي البائد في العراق والتباكي على الشرعية الزائفة لهما والتي لا يمكن وصفها الا بحالة الاستغباء السياسي لانهم يعرفون جيدا ان ذلك الحزب الارهابي الشرير المنقسم على ذاته لا يمكن ان يملك ادنى شرعية تحت الارهاب والقمع الوحشي الذي مارسه لعقود طويلة وعليه فأن الوصف الادق هو النظام الارهابي الذي حانت ساعة دفن جثته المتعفنة منذ عقود!.
العبارة الاخرى التي يتشدق بها الطغاة وحواشيهم هي ان تأييد الثورات او الاحتجاج على الانتهاكات لحقوق الانسان هي تدخل سافر في الشؤون الداخلية!...هل معنى ذلك ان للسلطة حق ابادة الملايين دون ان يتدخل العالم؟وهل ان زمن الاستغباء باق حتى يمكن ان نكرر امثال تلك العبارات الخاوية من اية قيمة؟!...الحقيقة انه قد انتهى زمن الاحتجاج بتلك العبارة الجوفاء منذ انتهاء الحرب الباردة التي استغلها الطغاة في تأسيس نظم ارهابية قاسية تمارس الاجرام دون ردع او خوف من التدخل الدولي الذي يقف مترددا تحت بند قانوني زائف بعدم التدخل ضمن الشؤون الاخرى حتى لو كانت ابادة! وما حصل من ابادة مبرمجة لشعب العراق كانت ضمن هذا السياق حتى ان القرار الدولي اليتيم 688 الذي هو لصالح وقف المجازر كان الوحيد غير ملزم!...اذا في هذه الحالة وقف المجتمع الدولي ومؤسساته شريكا للاجرام والارهاب، فالمجازر التي حدثت في البوسنة ورواندا ودول غرب افريقيا وكمبوديا لم تقف الا بعد ان تدخلت بعض الدول تحت تأثير شدة الجرائم واتساع دائرة الابادة بينما بقي تدخل المجتمع الدولي مترددا في ارسال القوات لتحرير الشعوب الثائرة او حتى مساعدتها في مواجهة محنتها بل ظهرت ادلة على استغلال المعاناة لاغراض خبيثة لا تمت للاخلاق بصلة او منعه التدخل الاقليمي بحجج تافهة لا يمكن ان يقبلها المنطق الداعي الى التحرير!.
المثير ان بعض الدول التي تعرضت لموجة من الاحتجاجات مثل السعودية تتدخل بشكل علني في الشؤون الداخلية لكثير من البلاد الاخرى وتحت ستار كثيف من الحجج الواهية ولكنها ترفض بشدة تدخل المجتمع الدولي لصالح الحريات او المعتقلين في الداخل نتيجة لبعض الاضطرابات او العمل على منح المزيد من الحريات! لقد تناسى هؤلاء ان زمن الارهاب والقمع المتستر برداء الاحتجاج على التدخل في الشؤون الداخلية،قد انتهى وان واجب رعاية حقوق الانسان هو مسؤولية كل فرد!.
الاستغباء السياسي والضحك على الذقون انتهى دوره وزمنه،فلا احد يصدق ان تلك الانظمة تقدمية او ثورية او تحريرية او انها تحارب الاستعمار وتناضل في سبيل الحرية والديمقراطية،كما انتهى دور الخرافات الاعلامية مثل التطور الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الرجعية والحفاظ على الوحدة الوطنية من التمزق الخ من العبارات التي ظلت تصدح بها وسائل الاعلام لعقود طويلة!.
اذا شعرت النظم المتحكمة بأن اكاذيبها مفضوحة للجميع،لجأت الى دور الاستغباء السياسي الذي لا يعير للمقابل اهمية في كونه عارفا للحق وواعيا لحقوقه،ومن هنا فأن المتتبع لسيرة وشؤون تلك الانظمة وقياداتها ووسائل اعلامها ينكشف له مقدار حجم الغباء او الاستغباء وعليه من المؤسف بقائها او بقاء من يؤيدها!.
لقد اصبح العالم قرية صغيرة ضعفت فيه قوة الحكومات ونفوذها وازدادت قوة الشعوب وانتزاعها لحقوقها الشرعية المسلوبة وبذلك فأن حركة التضامن الانسانية الرائدة هي اصبحت من القوة ان الانظمة اصبحت ترتعب منها،بل اصبحت منظمات حقوق الانسان هي الاكثر سيادة ونفوذ وشعبية لدى قطاعات واسعة من انظمة عفى عليها الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق