اطفال تحت التعذيب:
عندما سئل فيلسوف التشاؤم شوبنهاور لماذا هو كذلك! اجاب وهل تريدون ان اكون سعيدا وانا ارى المآسي والآلام المستمرة في العالم!.
بالفعل من يراقب تلك المآسي ويعيش بعقله ووجدانه ولو جزئيا حياة اصحابها لمات هما وغما ولقضى على كل امل له في العيش بسعادة حقيقية بالغة خالية من المنغصات المجاورة!.
لم تخلو حقبة زمنية واحدة من تعذيب الاطفال كجزء فرعي ثابت من التعذيب العام وكأنه نشاط تقليدي متوارث لا يمكن الاستغناء عنه!... وعليه فأن التاريخ الانساني مروع بلا شك والتوغل فيه بدقة موضوعية هو عمل متعب للعقل والوجدان كونه يتضمن انحطاط لاحدود له تعجز الكلمات عن وصفه او التعبير عنه بدقة لما حصل،ولماذا حصل اصلا؟!ومهما حصل من تزوير فلن يستطيع محو تلك المآسي وآثارها وخيرا ان اكتشف تكنولوجيا وسائل نقلها بدقة حتى يتبين للجميع مدى المستوى الوحشي للانسان حتى يتوقف عن التبجح بحضارته!...
وكما للتعذيب فروع واقسام وانواع،فأن الفاعل الرئيسي للتعذيب هو جهتان:الاول من لديه سلطة جمعية كالحكومة وما يليها في الحجم والسيطرة والاهمية من منظمات وتجمعات مختلفة او الثاني وهم الاهالي بصورة فردية بالطبع...والنوع الثاني هو ناتج من شذوذ لبعض الافراد ويمارسونه لاسباب مختلفة ولا يمكن تعميم مصطلح الاغلبية موافقة لهذا الفعل المشين لانه عمل مقيت بالاتفاق ولكن هم افراد خارجون عن العرف والشرع والقانون ومستوى شيوعه يختلف من بيئة لاخرى وحسب الاختلافات المتعارف عليها...
اذا في هذه الحالة يكون الفعل الجماعي هو مصدر الاستنكار الرئيسي والمثير للانتباه كونه ناتجا من فعل مشترك بأرادة قانونية او عرفية ولم يكن لهذا الفعل المشين من ردة تمنع حدوثه بل اصرار على المواصلة تحت حجج واهية!وبالتالي يهمل القسم الثاني اي العمل الفردي لكونه خاضعا للعقاب من قبل السلطة والمجتمع ومرفوض من قبلهما!.
وفي العالم ينتشر هذا التعذيب المخزي ولكن للعالم العربي خصوصية مميزة ظهر البعض منها اثناء الثورات المعاصرة بصور مرعبة لا مثيل لها كانت مخفية بفعل الستار الحديدي!.
في 30ايلول(سبتمبر)2000 سقط الطفل الفلسطيني محمد الدرة شهيدا برصاص القوات الاسرائيلية قرب مكان اشتباكات ولم يتعرض للتعذيب لكون الحدث منقول بالصورة والصوت،وحينها هاج وماج الاعلام العربي الرسمي لهذا الفعل المشين بحق طفل بريء من قبل اعداء مفترضين! واستغلت هذا الحدث للتغطية على الكثير من القضايا المستعجلة،ولكن لم يسأل احد في تلك الظروف والهيجان الشعبي الحاد في اعلى مداه عن حالات قتل وتعذيب الاطفال الواسعة الانتشار وبصورة منهجية ثابتة لدى اجهزة رسمية تابعة لنظم مختلفة في تكوينها ورؤاها ولكن الرابط فيما بينها انها وحشية وهمجية وتوالي حاكمها وزمرته على حساب الدين والوطن والشعب بطريقة غريبة حقا لا يمكن قبولها بتفسيرهم الخاص!.
ومع اندلاع الثورات العربية المعاصرة،فأن المستتر قد كشف للجميع بفعل حالات الفوضى والنقل الحي...صحيح انه معروف للواعي المتابع ولكن الاغلبية الصامتة كانت بين تجاهل او عدم معرفة من الاصل!.
تعذيب وقتل الطفل السوري الشهيد(حمزة الخطيب) لم يكن الاول ولن يكون الاخير مع شديد الاسف في القائمة الطويلة من الاطفال الشهداء وبخاصة الذين تعرضوا الى تعذيب وحشي ادى الى موتهم،كما ان النزاعات الداخلية والخارجية تؤدي بلا شك الى ضحايا صغار يتحمل مسؤوليتهم الاطراف المتصارعة وبخاصة الطرف الاقوى!.
تاريخ معاصر مروع!:
من له تاريخ مشين لا يحق له ان ينتقد الاخرون بصوت عال كما تفعل وسائل الاعلام العربية الرسمية وهي الممثلة الشرعية لاصحابها!.
نشرت منظمات حقوق الانسان في تقاريرها القديمة انه خلال الربع الاخير فقط من عام 1979 عذب حتى الموت على يد الاجهزة الامنية البعثية في العراق (38)طفلا اثناء حملة الابادة الوحشية على المعارضة! وهذا ورد حسب تلك الفترة القصيرة وضمن ما تأكدت منه تلك المنظمات مما يعني ان الرقم الكلي يفوق هذا المعلن بكثير! لانه المعروف عن الاجهزة الامنية السرية انها تمنع وصول اي معلومات عما تقوم به وبالتالي فأن الثورة التكنولوجية الحديثة لم تكن آنذاك بنفس المستوى الحالي وهي التي كسرت تلك القواعد المعمول بها بدون اذن مسبق!... سجن وتعذيب وقتل الاطفال وبأعداد خرافية اثناء الحكم الدموي لبعث العراق لم يكن سرا بل هو عمل معروف يمارسه الجلادون بصلاحيات واسعة ممنوحة ضمن طرقهم الهمجية لانتزاع الاعترافات ونشر الاذلال بل وكان وسيلة لنشر الرعب والخوف في صفوف الشعب خاصة وان الانسان عادة يخاف بدرجة عالية على اطفاله من أذى اعداءه وانتقامهم، ومشهور عن الطاغية صدام فلتات لسانه في استحضار وصف تعذيب الطفل! كما وان الثورات بين عامي 1963-2003 تسببت بمقتل الالاف منهم ضمن حملات القمع الوحشي لها اضافة الى آثار الحصار الاجرامي المدمر،كذلك وبصورة علنية قتل ودفن في مقابر جماعية الآف الاطفال مع ذويهم بدون ادنى شفقة او رحمة،أما الجرائم التي ارتكبت بعد عام 2003 فقد كانت تتم بصورة علنية من قبل التحالف البعثي التكفيري الذي يضم بقايا النظام البائد وبفتاوى التكفيريين الجدد من وراء الحدود!كما ظهر في الجريمة المروعة التي اعلن عنها حديثا وقتل فيها 70 شخصا كان بضمنهم 15 طفلا لكونهم شيعة عام 2006 وكانوا قد حضروا حفل زفاف كما اعترف بذلك المجرمون المتعصبون على شاشات التلفاز! وما خفي من الجرائم كان افظع وقد يكون انعدام الدلائل والزمن مساعدان على ذلك.
في ليبيا،اظهرت الثورة الليبية حجم الاجرام البشع الذي يمارسه نظام القذافي والذي من بينه قتل الاطفال بدم بارد اثناء قصف المدن بدون ادنى مراعاة للموجودين او قتل المعارضين، وهذا يدل ان لهذا النظام الارهابي المتخلف تاريخ طويل في تعذيب الاطفال وقتلهم واكيد ان ذلك كان سرا من اسرار حكم القذافي مثلما هو يشتهر بخطف المعارضين لحكمه!.
الثورة السورية المعاصرة هي التي فجرها الاطفال بحق من خلال اعتقال مجموعة اطفال درعا،وبذلك تكون اول ثورة في التاريخ يكون الاطفال اصحاب الشرارة الاولى فيها بل اصبحوا الرموز الخالدة فيها!...والغريب مصادفتها مع النظام البعثي السوري الذي لا يحترم الطفولة بدرجة مخيفة كجزء من عدم احترامه لحقوق الانسان! ولهذا ليس غريبا ان تظهر الجرائم وهو الذي يقصف المدن وكأنه في دورة تدريبية او معركة مع جيش آخر دون ادنى مراعاة للمدنيين،ولعل مقتل الاطفال بكثافة اثناء الثورة السورية وبتلك الوسائل الوحشية هو دلالة على مستوى الهمجية والارهاب الذي تتصف به اجهزة هذا النظام الفاسد!.
اما تاريخ النظام السعودي فهو مرتبط بالحركة الوهابية التي تبيح دماء واموال المخالفين حتى ولو كانوا اطفالا!! وتاريخ الحروب الداخلية والخارجية لتلك الدولة منذ القرن الثامن عشر محفوظ وقد اظهر مدى الابادة و الوحشية التي اتصفت بها جيوش تلك الدولة وبغطاء ديني مزيف من علماء سلاطين متعصبون يفترض بهم منع ذلك لو كانت لديهم ذرة انسانية!.
ولبنان الذي هو مثال للحرية النسبية في العالم العربي،شاعت فيه جرائم قتل وتعذيب الاطفال اثناء الحرب الاهلية!وكأن الانفتاح والحريات لا يساعدان على ازالة الدوافع الذاتية للاجرام، وقادة مرتكبي الجرائم هم الان قادة دولة ومعفيين كالعادة مع القتلة من المسائلة والعدالة ولنا بمجزرة صبرا وشاتيلا مثالا رهيبا يبين ما وصلنا اليه من انحطاط يحاول البعض رميه بالكامل على اسرائيل!.
وهنالك امثلة عديدة اخرى كما هو الحال في مصر ايام الحكم الملكي والجمهوري وان كان مصادر النشر ضئيلة! وفي الاردن وبخاصة ايام ملك الخيانة حسين اثناء حرب ايلول 1970 وفي المغرب ايضا وبخاصة المثال الشائع عن اعتقال اطفال اوفقير الذي بين ما وصل اليه الحسن الثاني واسلافه الذين ورثوه!وفي تونس والسودان والبقية امثلة لا يمكن حصرها بدقة...
اذا لا يمكن استثناء احد من المشاركة في تعذيب تلك الفئة التي لا ينبغي ان يصل الى اقدامها احد، بل هي فوق الجميع تسمو بروحها الصافية النقية الخالية من الاجرام والنفاق البشري الذي يحظى به البالغون!.
كل من ساهم او تستر او برر على سجن وتعذيب وقتل الاطفال من اية جهة كانت وفي اي مكان او زمان هو شريك في الجريمة ويستحق كل عقوبة دينية او دنيوية ومصيره الخزي والعار!...والواجب على الجميع نشر كل الجرائم بغض النظر عن قدمها ومكان وقوعها خدمة للعدالة الجريحة وهي محاولة ضعيفة نسبيا لازالة جذور تعذيب الاطفال!.
اي خزي وعار بل اي مصير سوف يكون لاي نظام يمارس وحشيته مع الاطفال،هل الاحتفاظ بالسلطة البائسة هي تستحق وتبرر ذلك السلوك المشين؟.
اي بؤس اشد من هذا المستنقع الوضيع الذي نعيش فيه ضمن وسط يضم وحوشا آدمية تحظى بالتأييد لدى البعض!...الاطفال الشهداء هم روح الشهادة ورمزها وهم صواعق مهلكة على رؤوس الجبناء.
ان دماء الاطفال الابرياء سوف تكون اقوى معولا في هدم كل سلطة ديكتاتورية في العالم وسوف تسرع في ابعاث الطغاة الى اسفل مزابل التاريخ.
وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون!...