من وحي الحوادث والوقائع والاماكن ذات التأثير الخاص والعام... يتم تأليف الكثير من الكتب الجديدة لافراد لم يكن لهم خلفية ثقافية او سابقة في مجال التأليف،ولكن الظروف وضعتهم في منتصف الطريق مما جعلهم يتأثرون ويؤثرون،ان لم يكونوا من المساهمين في صنع الحوادث.
قد تشتهر تلك النوعية من الكتب بسبب الرغبة المحمومة لدى الكثيرين في معرفة تفاصيل الحدث وحياة صناعه وبالتالي فأن الشهرة ليست مستندة على القيمة الحقيقية للكتاب ،فقد يكون ضعيف القيمة ولكن يبقى البعض كشهادة تاريخية او عامة تتم الاستفادة منها في مجالات اخرى...كما ان تلك النوعية يساهم احيانا في تأليفها ونشرها مع اصحابها بعض المحترفين من الكتاب والصحفيين ويكون بالتالي اسلوبهم القوي فعال في صياغة العبارة وسلاستها كي تكون مفهومة للعموم.
استعرض هنا كتابين لهم علاقة بصناع هجمات ايلول(سبتمبر)2001 من ناحيتين مختلفتين ولكنهما يعطيان صورة واضحة عن الحياة الخاصة والعامة لهؤلاء قبل الحدث وبعده!.
الكتاب الاول:
في قلب المملكة...حياتي في السعودية
تأليف:كارمن بن لادن...الكتاب مؤلف من 262ص من القطع المتوسط، مطبوع في بيروت عام 2009 عن الطبعة الاصلية عام 2003.
المؤلفة هي تنتمي لاسرة بن لادن الشهيرة في السعودية والتي ينتمي اليها زعيم القاعدة اسامة بن لادن، والانتماء هنا عن طريق زوجها يسلم الاخ الغير شقيق لاسامة والذي يكبره بعدة اعوام،وكارمن هي سيدة سويسرية تنتسب الى اب سويسري وام ايرانية تركت بلدها لكي تتزوج الرجل السويسري الذي طلقها لاحقا بعد ان خلفت منه عدة بنات،وبالرغم من سكنها الدائم في جنيف الا انها لم تنقطع عن زيارة وطنها الام حتى انتصار الثورة عام 1979،ولم يحمل اطفالها الا القليل من اثر الثقافة والتقاليد الايرانية،فقد تشبعوا بالثقافة الغربية وتقاليدها المختلفة عن طبيعة المجتمعات المحافظة في الشرق الاوسط.
تزوجت يسلم بن لادن عام 1974 بعد زيارته وعائلته لجنيف وسكنهم معها في نفس البيت،وسافرت معه الى امريكا بضعة اعوام حتى حصوله على الاجازة الجامعية،ومن ثم عادت معه الى السعودية حيث مقر العائلة الكبيرة في مدينة جدة.
تناولت في الكتاب تفاصيل الحياة الاجتماعية في السعودية بعد الطفرة النفطية عام 1973 وتدفق الاموال اليها دون ان يكون لها استعداد تام لها،ومن ناحية اخرى جعل حركة البناء تنتعش بالرغم من بقاء التشدد الكبير في التقاليد الاجتماعية التي يعود جزءا منها الى تقاليد البادية والموروثات البيئية وليس للدين الاسلامي لانها تختلف عن بقية البلاد الاخرى في الشرق الاوسط،فهي احدى طرق الفهم للدين وليست الطريقة الوحيدة له!.
وبالرغم من الثراء الفاحش الذي تميزت به حياة اسرة بن لادن الا انها كانت عائلة يمنية الاصل وفقيرة،هاجر والدهم محمد الى الحجاز في فترة الثلاثينات،وكان رجلا عصاميا بنى نفسه بنفسه ولكن علاقاته الواسعة مع افراد اسرة ال سعود الحاكمة ساعدت كثيرا في اتساع دائرة العلاقات والنفوذ والثراء مما ادى الى احتكار مؤسسة العائلة لاغلب المشاريع العملاقة في مكة المكرمة! وقد توفي في حادث طائرة عام 1967 بعد ان خلف 54 من الذرية من العديد من الزوجات، فقد كان رجلا مزواجا!.
وبالرغم من التزام العائلة كبقية افراد المجتمع بتعاليم الدين الاسلامي وفق المذهب الحنبلي المتشدد،الا ان الكثير من التصرفات هي منافية لتعاليم الدين وروحه من قبيل معاملة العمال والخدم السيئة الى التبذير وسوء التصرف بالاموال مع ممارسة العلاقات الجنسية سرا!!.
تناولت ايضا وصفا للحياة المملة(بين عامي 1974-1985) وبخاصة للنساء الممنوعات من اغلب رغباتهن في العيش في تحرر كامل وبلا ادنى قيود كما هو في الغرب،كما اشارت الى التخلف الحضاري السائد من خلال الممارسات الحياتية البسيطة والبعيدة عن التحضر واشارت الى ضعف الاهتمام بالثقافة بمختلف انواعها مع التشدد الكبير الذي توليه المملكة واجهزتها الامنية وبخاصة جهاز المطوعة في منع وصول كل المواد الثقافية المخالفة مع سوء سلوكهم المخالف للتعاليم الدينية الداعية الى معاملة الناس بأحترام ورفق،وهو ما ادى الى نفور عام منهم وبخاصة ان اغلب المنتمين هم من خلفيات فقيرة لم تحصل على تعليم عال يحسن من سلوكها ويهذبه!.
تطرقت الى سيرة اسامة وذكرت انه السبب في شهرتها وكتابة هذا الكتاب لكونها تحمل اللقب نفسه!...ونفت من خلال قربها من افراد الاسرة عن اي سلوك شائن بالنسبة له ولكن تشدده هو احيانا دال على جهل معرفي بروح الدين وعلومه العالية التي قد تفوق مستواه او طريق فهمه له وذكرت حوادث من هذا القبيل وهي علامة شائعة عن افراد تنظيمه ايضا!!.
كما ذكرت انه هناك بعض المؤيدين له ضمن اسرته او الاسرة الحاكمة والذين يحترمونه لالتزامه الديني الصارم ونبذه للكثير من التصرفات الشخصية الخاطئة التي يقوم بها المتنفذون في المجتمع السعودي.
تناولت في معرض حديثها عن الصراعات الداخلية ضمن اسرة بن لادن وبخاصة حول المؤسسة وقيادتها او الحصول على اعلى المنافع ضمن صفقاتها مع الحكومة اثناء فترة الازدهار الاقتصادي،كما تناولت عن حالة الاضطراب السياسي خلال عقدي السبعينات والثمانينات في المملكة والشرق الاوسط والتأثير البالغ على الاستقرار والامن.
رجعت كارمن الى سويسرا مع بناتها وتطلقت بعد ذلك من يسلم،ولم تذكر تفاصيل الحدث ولكن المعروف عن زوجها انه بقي مقيما في سويسرا منذ ذلك الحين دون معرفة اسباب عدم رجوعه الى بلاده!.
الكتاب تناول بالنقد الشديد لطبيعة الحياة في السعودية وبخاصة عدم منح الحرية للنساء لممارسة الحياة الطبيعية دون الخضوع للسيطرة الذكورية!.
الكتاب جدير بالقراءة والاهتمام ولكن هو سيرة ذاتية مزينة بالعديد من الصور اكثر منه تحليلا عميقا للحوادث التاريخية التي عاصرتها وعلاقتها بالواقع السياسي والاجتماعي.
الكتاب الثاني:
سجن غوانتانامو...شهادات حية بألسنة المعتقلين.
تأليف:مايفيتش رخسانا خان...والكتاب مؤلف من 388ص من القطع المتوسط وهو مطبوع في بيروت عام 2009 عن الطبعة الاصلية عام 2008.
مايفيتش هي محامية امريكية المولد وافغانية الاصل لابوين كانا قد درسا الطب في امريكا عام 1977...حملت معها مزيج من حضارتين:التقاليد الافغانية المحافظة الممزوجة بالتقاليد الامريكية المتسامحة وقد ساعدها ذلك على فهم اكبر للمشاكل التي يعاني منها سجناء معتقل غوانتانامو في كوبا.
عرفت مايفيتش عن المعتقل عن طريق غوغل عام 2005! وهي طالبة حقوق في فلوريدا ومن خلال ذلك بدأت رغبتها في الدفاع عن المعتقلين مع مجموعة من المحامين المتطوعين او المدفوعي الاجر من قبل هيئات مستقلة لحقوق الانسان.
تناولت بالتفصيل الحياة في داخل المعتقل وبخاصة المعاملة السيئة التي يعانيها السجناء الذين يعتقد بخطورتهم على الامن القومي الامريكي من خلال انتمائهم او تأييدهم لتنظيم القاعدة.
الحقائق المرعبة التي كشفتها مايفيتش هي ان اغلب المعتقلين هم ابرياء ليس لهم علاقة بالتنظيم ولكن بعض الانتهازيين في افغانستان وباكستان قد قاموا ببيعهم لامريكا طمعا بالغنيمة المقدرة بالاف الدولارات ومع سوء الفهم الامريكي للطرفين:الجاني والضحية،فقد قاموا بنقلهم الى غوانتانامو ظنا انهم من الاعداء والفضيحة ان بعضهم كان من السهل اطلاق سراحه مثل الطبيب الافغاني الشيعي الذي تتعارض معتقداته مع طبيعة معتقدات التنظيم الارهابي! والذي تعرض للسجن والتعذيب بضعة اعوام نتيجة وشاية او سوء فهم من قبل بعض افراد منطقته رغم انه رجع منذ فترة قصيرة،او الرجل الكبير السن الذي يستحيل عليه ان يرفع السلاح لعدم المقدرة الجسمانية،او بعض العاملين في مجال الاغاثة او التجارة وبعضهم كان ومازال مؤيدا للتدخل الامريكي ضد نظام طالبان وغيرهم!.
تناولت بالتفصيل،اللقاءات التي جمعتها معهم وبخاصة تفاصيل حياتهم في بلادهم والظروف المأساوية التي يحيونها في المعتقل،وكذلك تناولت محاولات الانتحار المتعددة التي يقوم بها العديد منهم! في مخالفة صريحة لتعاليم الدين او للاعتقاد بأنهم متشددون دينيا...وقد نجح البعض منهم في تلك المحاولات والبعض الاخر تم انقاذه!.
تنقلت مايفيتش بين باكستان وافغانستان اثناء فترة المرافعة عن المعتقلين، ووصف بعض جوانب الحياة البسيطة لاسر المعتقلين وحالة الكرم والطيبة لديهم،كما تناولت حالة القلق نتيجة فقدان الامن والاستقرار.
تناولت بالنقد الشديد طريقة اعتقال السجناء وسجنهم كما تطرقت الى حالات بيعهم من قبل الكثيرين خاصة في باكستان والتي كانت نموذجا للتناقض الصارخ بين معاداة القاعدة وطالبان من بعض الجهات ودعمهم من جهات اخرى!! وهو ادى في النهاية الى انتقال الارهاب والتطرف الذي زرعته في افغانستان والبلاد الاخرى اليها،ومازالت تعاني منه لحد الان!.
ليس من السهل عليها الدخول الى هذا المعترك،فقد وصفت الاجراءات الامنية المتشددة في قبول العاملين في المجالات المدنية ضمن المؤسسات الامنية والعسكرية الامريكية كجزء احترازي منها في منع الاختراق!.
في النهاية استطاعت مايفيتش واخرون من المحامين وغيرهم من المتطوعين ضمن المجالات ذات العلاقة في مساعدة عدد كبير من السجناء على اثبات برائتهم وبالتالي اطلاق سراحهم ثم زيارتهم وهم بين افراد اسرهم الذين لم ينسوا ما قامت به من جهود في خدمتهم اثناء اعتقالهم.
الكتاب يتناول سيرة المعتقلين وتفاصيل المعتقل مع بعض الصور الخاصة بهم،وهو يعطي لمحات عن تفاصيل بقيت مجهولة عن اسماع الرأي العام.
الكتاب جدير بالقراءة والاهتمام وهو جديد في موضوعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق