زلات اللسان!:
هنالك فرق كبير بين زلة لسان انسان بسيط لا يتأثر بها الا القريبون منه وبين زلة لسان الحاكم التي يتأثر بها الشعب برمته!.
فكلما ارتفعت درجة المسؤولية والتصدي لوظائف الدولة كلما ارتفعت القيمة المادية والمعنوية لزلات اللسان بسبب الارتباط الكبير بينها وبين مصير الشعوب المحكومة، والمنهاج المتبع لاساليب الحكم السرية وعلاقة ذلك بماضي الدولة وحاضرها وايضا مستقبلها والمحيط الخارجي.
وعليه فقد حفل التاريخ بالكثير من زلات اللسان التي تخفي وراءها الشخصيات الحقيقية لاصحابها والتي هي مغايرة كليا للصورة الاعلامية الشائعة عنها والتي غالبا ما يتبعها البشر الا الراسخون في الوعي التمييزي!.
لم يكن تاريخ الشعوب العربية والاسلامية خاليا من ذلك! لانه عادة تكون زلات اللسان اكثر وذات قيمة اعلى كلما ابتعدنا عن الشفافية في الحكم... بل قد تكون درجة التأثير بالغة الخطورة خاصة اذا كانت فئة ما تحمل صفات فوق الطبيعية من الاحترام او التقديس لصاحب تلك الزلات الخطيرة التي هي بالاساس اسرار مخفية يتداولها رجال الحكم في اي بلد مع نظرائهم في الدول الاخرى او في داخل مجتمعاتهم!.
من المستحيل احصاء عدد زلات اللسان التي يتم تداولها في وسائل الاعلام خلال حقب التاريخ الطويلة، لاسباب عديدة منها كثرة رجالات الدولة وتعدد المسؤوليات والمهام المناطة بهم مع الظروف الموضوعية المحيطة بها مثل شدة وقوة التغطية والتعتيم الاعلامي واللامبالاة الشعبية الناتجة من الخوف او الرعب او حتى ضعف الولاء الوطني بسبب شياع حالة الفساد والانقسام الطائفي والعرقي وانعكاساتها الخطيرة على الفرد والجماعة.
علينا ان نتكل على الحقائق كلها والتي من بينها زلات اللسان، والتي تفضح اصحابها وترفع عنهم ستار الادعاء بالوطنية والنزاهة والاخلاق الرفيعة، ولتمحيص وغربلة كل الاسرار فأنه يتطلب جهودا استثنائية كي يتم كشف الصدق من عدمه!.
اثناء اندلاع الثورات العربية الشعبية،ظهرت زلات لسان الكثيرين من الحكام واعوانهم المتضمنة اسرار الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية بسبب حالة الهلع والخوف وفقدان التوازن نتيجة للمفاجأة الكبرى في كسر حواجز الرعب والخوف وتحطيم قيود الاذلال والاستعباد خلال فترة قياسية وجيزة! لا يمكن التنبوء بها بسبب اليأس الحاصل من حدوث اي تغيير بعد عقود طويلة من زمن الركود...كما انه من الواجب على المرء ان يقوم باقتناص تلك الزلات وتحليلها وفق الاصول المرعية لكي يتم توضيحها للرأي العام حتى يستفيق من الغفلة الوهمية التي يحياها!.
عينة عشوائية!
1-قال القذافي: ان انهيار نظامه وتولي المعارضة الليبية الحكم سوف يؤثر سلبا على وجود اسرائيل وامنها!...وهو يغمز من طرفه بطريقة غبية وفي فترة حرجة بالنسبة لنظامه القمعي، بأتجاه الغرب كي يحمي نظامه من السقوط الحتمي ويغير سياسته القاضية بدعم المعارضين لنظامه الفاشي والذين هم مجهولي التوجهات الفكرية والعملية! ولانه وخلال حكمه الطويل لم يشكل اي خطر على اسرائيل فضلا عن خدمته للمصالح الغربية في المنطقة وتدميره لقدرات وامكانيات بلده الهائلة دون ان ينعكس ذلك ايجابيا سواء في حالة الاقتصاد المدني او بناء القوة العسكرية ولانه ابقى جيشه ضعيفا وعمله الرئيسي بقي موجها مع قواه الامنية نحو الداخل او في حروبه الافريقية المختلفة والمحدودة!.
ان فلتة لسان القذافي تعبر بحق عن حقيقة الانظمة العربية في كونها راعية لوجود اسرائيل على خارطة العالم ولولا القمع الوحشي لشعوبها واذلالها بمختلف الاساليب الرخيصة والوضيعة لما تجرأت اسرائيل على القوانين الدولية او مارست سطوتها المسلحة على اغلب بلاد الشرق الاوسط!.
ان الظاهرة الصوتية لنظام القذافي خلال اربعة عقود تختلف جذريا عن الواقع العملي والمتمثل بجزءا منه بعدم وجود اي صراع مسلح مع اسرائيل!...وهو بذلك يشبه بقية الانظمة العربية التي تستجدي الحماية الغربية بحجة رعايتها للعلاقات مع اسرائيل وخدمتها للمصالح الغربية!.
2- اعلن سعود الفيصل وهو وزير الخارجية المخضرم بل الاقدم في العالم لكونه متولي حقيبة الخارجية منذ عام 1975! :بأنهم يرفضون التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية...وانهم سوف يقطعون اي اصبع يتدخل!.
تلك هي فلتة لسان تحمل في طياتها الرغبة الوحشية في الحفاظ على شهوات الحكم اللامتناهية والمرابطة به حتى النهاية مهما كانت الاثار والنتائج المدمرة وايضا ناتجة من التأثيرات البيئية الوراثية!.
اذا كان رئيس الدبلوماسية ولتلك الفترة الطويلة...لم يتعلم ولا يستطيع اختيار الكلمات المناسبة في التعبير المهذب فكيف بحال المسؤولين القدامى او الجدد ممن يفتقدون للثقافة والاخلاق والجدارة في تلك الانظمة العتيدة؟!.
اذا كان يرفض التدخل الخارجي فعلام التدخل السعودي الثابت والعلني في شؤون عشرات البلدان ووفق مختلف الاجندات وبخاصة القريبة من التوجهات الامريكية؟! ومستغلين الثروة المالية المتولدة من تراكم رأس المال النفطي في تلك الاهداف المرفوضة!.
في ظل العولمة والتغييرات الجوهرية في العلاقات الدولية...اصبح الحديث عن رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية يثير السخرية لكون العلاقات الدولية اصبحت متداخلة نتيجة المصالح المتبادلة وبدرجة عالية...كما ان مسألة حقوق الانسان هي اساسا مسالة مهمة ولاتعترف بتلك القيود المفروضة عليها،فقد اصبحت جزءا مهما من العلاقات المتبادلة بين الدول وان اي اهمال لتلك المسألة سوف يؤدي الى حدوث انتهاكات خطيرة قد تصل الى درجة الابادة الجماعية! وبالتالي فقد سقطت تلك التهمة من القاموس السياسي بفعل واقع العولمة الجديدة وهي كانت الحجة الرئيسية للانظمة الاستبدادية لكي تفترس شعوبها دون ان تجد من يحد من وحشيتها المفرطة لاجل البقاء لاطول فترة في الحكم!.
تحتاج مراقبة زلات اللسان الى محترفين لاصطيادها مباشرة من افواه السياسيين...وعلى المعارضة ان تكون مستوعبة لمختلف التقلبات التي تحصل في الحياة السياسية والاجتماعية وبخاصة نتائج زلات اللسان!.
هناك تعليقان (2):
يعطيك العافية على هذا المقال الممتاز
تحياتي الطيبة لمرورك الكريم
إرسال تعليق