الوسائل والغايات في تفجير الثورات:
الحياة في تجدد مستمر!...تلك القاعدة المفروضة علينا مهما رفضها الرافضون!...ومهما وصلت درجة تقليد الاسلاف من دقة وتطرف، فلا بد ان يدخل التجديد الخفي ضمن ثنايا وخبايا هذا التقليد...فالحياة من سماتها الاساسية انها تحمل التجديد والتحديث ضمن بنيتها التكوينية.
هل وجدنا يوما ما ان المتشددين في تقليد الاسلاف،يقاتلون بالسيف او لا يركبون المواصلات الحديثة مثلا؟!...التجدد المستمر هو علامة حركية الحياة وهو ليس معناه انه يكون ضمن الافكار والنظريات فحسب،بل هو ايضا ضمن استخدام الوسائل المادية ايضا،ومن خلال تداخل الحالتين يدخل التجديد النسبي في حياتنا،وقد لانشعر بذلك نهائيا لسبب او لاخر!.
التقليد غالبا ما يكون مذموما! مثلما هي الحداثة المقطوعة الصلة بالماضي ،وبخاصة اذا كانت الحالات لا تحتاج الى التقيد بتقليد متزمت بطريقة او منهج ما...نعم التقليد لغرض الاضافة والتطوير هو شأن آخر، مستحب بلا شك!...ولكن التقليد الذي يتجاوز اختلافات المكان والزمان والظروف الموضوعية هو بلا شك تقليد فارغ القيمة،وهزيل الشكل،وضعيف النتيجة!...
التقليد اكيد له مناهج وانواع وصفات مختلفة ولكن اسوأها هو التقليد السلبي الذي لا يؤدي الى نتيجة منطقية مؤكدة بل يعتمد على مبدأ الصدفة الذي هو نادرا ما ينجح كنجاح المقامر في شراء ورقة اليانصيب!.
من هذا المنطلق،يفرض التساؤل عن ماهية تقليد حرق الاجساد؟!..
وهل انتشار ظاهرة حرق الاجساد الذي ساد في العالم العربي بعد انتصار الثورة التونسية المباركة نتيجة شرارة حرق الجسد الاولى هو نتيجة لضعف الافكار والاراء التي سادت فترة من الزمن فكان حرق الجسد هو حرقا لها؟! ام هو تقليد سلبي يتضمن في خباياه جملة من الاهداف والغايات؟! ام هو ضرورة مستعجلة لعملية التغيير المرغوبة؟!...
يمكن استنباط واستقراء جملة من الاسئلة المتمحورة حول ظاهرة حرق الاجساد!...كما يمكن اعطاء اجوبة متعددة لكل سؤال فرعي،مما يعني اننا وضعنا انفسنا امام سلسلة طويلة من الاسئلة وكم هائل من الاجوبة!...ولكن يمكن ختم التساؤلات بسؤال اخير هو:هل يعتبر حرق الجسد شجاعة ايجابية تؤدي الى حدوثات تغيرات كبيرة في المجتمع؟!.
الانتحار ظاهرة سلبية!:
مهما كانت الغايات والايجابيات فالانتحار الجسدي ومنه طريقة افناء الجسد بالحرق هو بالتأكيد ظاهرة سلبية بشكلها العمومي...نعم هنالك ظروف موضوعية تفرض نفسها على الانسان خاصة في محدودية قدراته والخيارات المتاحة امامه والتي من بينها يجد ان النهاية الحتمية قادمة وعليه ان يتسبب بأكبر خسارة مادية او معنوية لخصومه حتى لا يتمتعوا بالنصر النفسي عليه!...حينها تكون الحالة والتحليل الخاص بها مختلفا وقد لا يكون وضعه في التصنيف السلبي دقيقا!...اذا عليه في هذه الحالة تقرير الاتجاه في تصنيف الحالات الى فروع عديدة حتى يمكن الوصول الى ادق النتائج.
الانسان بطبيعته هو كتلة متوهجة من المشاعر والاحاسيس بحيث تكون روحه اكثر قدرة على الابداع والانطلاق والتحمل من جسده الضعيف الذي ثبت انه غير قادر على المواكبة!،ولذلك رأينا عددا كبيرا من البشر من اصحاب الكفاءات النادرة، يتجاوزون حالة المأزق الجسدي وضعفه المطلق بطرق متعددة وليس بطريقة واحدة...التقليد مكروه لانه في الغالب يضعف او يقيد درجة الابداع!...ومن هنا نرى غالبا ان التقليد لا يؤدي الى نفس النتائج المرجوة من العملية الاولى(حرق الجسد) التي نجحت والتي اصبحت مثالا يحتذى بها!...فالظروف المحيطة تسلب كل اثر تغييري او تضعف درجته وعليه فأن الضرورة القصوى تفرض اللجوء الى حلول مستعجلة بدلا من الخضوع النفسي لحالة التقليد السلبية.
ارادة الانسان هي تعبير عن قدرته في توجيه افكاره ومشاعره واحاسيسه وقيمه الروحية نحو الجانب التطبيقي،وعليه فأن الانسان يتجاوز حالة الجسد،بل وقد لا يعيرها ادنى اهتمام بالمقارنة مع رغبته في المحافظة على حيوية روحه المتوهجة التي ترغب في التحرر من قيود الجسد والحياة نحو الكمال النفسي التام.
ليس هنالك من شك في صحة تعاليم الاديان السماوية التي تحرم قتل النفس...فهي وديعة الله تعالى التي منحها الى الانسان الذي يرغب دائما في الاستمتاع بالحياة اي بملذات الروح والجسد المختلفة حتى في حالة الرغبة في الانتحار التي لولا الدوافع الذاتية والظروف المحيطة القاسية لما وصلت الحالة الى قتل النفس الذي هو اخر قرار في تسلسل المنهاج الفكري...بل وحتى الافكار والنظريات الوضعية التي هي بمثابة طرق واساليب لتطوير حياة الانسان واسعاده،هي لغرض الحفاظ على روحه وجسده في اعلى درجة من العناية والقوة وبالتالي فأن العقل يفرض على الانسان ان يحافظ على نفسه في اغلب الحالات على الاقل!.
الانتحار ليس ظاهرة مستحدثة بل هي قديمة رافقت تاريخ الانسان وهي تعبير عن حالة الياس من امكانية العيش في ظروف افضل دون الخضوع لقيود الحياة ومعاناتها...فهي حل نهائي سلبي بالتأكيد لحالات تستعصي على الفرد حلها.
الكثير من حالات الانتحار هي تحدث بدون تفكير منطقي مسبق بل تخضع لظرف آني مستعجل يفقد خلالها المنتحر القدرة على ايجاد الحلول والمخارج للوضع السيء الذي يؤدي به الى تلك الحالة المشينة.
بعض حالات الانتحار تحدث تحت بند الاصرار والترقب المدروسان بعناية! ولكن الظروف الموضوعية تفرض الخضوع لهذا المبدأ لانه يكون من الصعب ايجاد حلول ولو نسبية ضمن الامكانيات المتاحة ولذلك نجد البعض يذهب الى هذا السبيل في القتال الذي يكون في صالح الخصم ولكن عملية قتل او تدمير الخصم تحتاج الى عملية فدائية تؤدي الى قتل النفس وحينها يكون الدافع الايجابي هو الذي يمنح تغيير صفة حالة قتل النفس من السلبية الى الايجابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق