الدوافع الذاتية للالحاد:4
يمكن اعتبار السبب الرئيسي في شيوع الالحاد لدى المسيحين او الابتعاد عنه هو:الكنيسة، بما تحمل من تراث يعتبرونه معرقلا للتطور ويحمل الارهاب ضد حملة الفكر والتنوير في اوروبا خلال العصور التي سبقت عصر النهضة الذي لم يكن يسود لولا ابعاد الكنيسة عن التدخل في الحياة العامة واشرافها على توجيه الحياة الشخصية لاتباعها بطريقة احيانا تسلب كل مظاهر الحرية الفردية.
كان شيوع الجهل والتخلف والمرض والفقر والاساطير والخرافات بين الشعوب الاوروبية لفترة زمنية طويلة مرده الاساس الى سيطرة الكنيسة واحتكارها للحكم الزمني بالاضافة الى الزعامة الروحية،وبالرغم من وجود ملوك وامراء يحكمون مختلف البلاد الا ان الصراعات بينهم بقيت مستمرة بالرغم من خضوع غالبيتهم لحكم الكنيسة الروحي والذي يفرض عليهم القبول بالنفوذ الكنسي في اتخاذ القرارات.
مازال التراث الالحادي والعلماني يحملان بشدة على حكم الكنيسة والجرائم الوحشية التي ارتكبت بأسمها او برعايتها ومباركتها من قبيل محاكم التفتيش الوحشية ضد المسلمين واليهود والمفكرين وكل من له وجهة نظر مخالفة حتى وان كان من المقربين من الضحايا! وهي تسببت بمآسي لقرون عديدة ومازالت آثارها المؤلمة باقية في الوجدان الاوروبي، وكذلك الحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمان واهلكت خلالها الحرث والنسل في العالمين الاسلامي والمسيحي! وايضا الممارسات الوحشية في الاحكام القضائية والادارة والطب التقليدي المتوارث ومعاقبة مرتكبي الخطايا بطرق وحشية الخ من الاعمال التي كانت صفحات سوداء في التاريخ الاوروبي والذي ادى الى ردة الفعل الكبرى المعاكسة والتي لولاها لما تغيرت اوروبا وسادت فيها على العالم القديم وفتحت العالم الجديد،والفضل الاكبر يعود الى رجالات النهضة الذين ناضلوا بشراسة حتى استطاعوا ان ينتزعوا حريات شعوبهم المكبلة بقيود الانظمة الاقطاعية وحليفتها الكنيسة! ولكن لردة الفعل تلك اخطاء عديدة بالتأكيد والتي من بينها الاستعمار والحروب الكونية والاقليمية المتكررة ويبقى ايضا التجاوز على حدود الحرية الفردية وهو امر مازال مرفوضا ولو على نطاق شعبي من قبيل الحرية اللامحدودة او الالحاد اللا ملتزم بمعايير محددة والذي اعتنقه الكثيرون بعد ان وجدوا حسب رأيهم ان الكنيسة هي المحتكر الاول للدين وتفسيره وقد سببت لهم مآسي والآم كان من الممكن ان يتحرروا منها منذ زمن بعيد والتحرر من الدين يتبعه تحرر من الكنيسة التي ظلمتهم كثيرا،والرادع الوحيد لتجاوزات تلك الحريات هو سقف القانون الذي يعاقب بشدة كل من يتجاوز حقوق الاخرين...
من ابرز الاخطاء التي قام بها المنتسبون للكنيسة ومؤسساتها العاملة...هي قضايا الاستغلال الجنسي والاغتصاب وكل الجرائم الجنسية الاخرى وبقية الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها بعض رجال الدين او العاملون تحت امرتهم،فهذه الجرائم وبخاصة ضد الاحداث بالرغم من بشاعتها الا انها لم تخف بسبب ضعف ردة فعل الكنيسة تجاه القائمين بها من خلال معاقبتهم بعقوبات صارمة تمنع او تحد منها في المستقبل وقد انتبهت الكنيسة مؤخرا لذلك واعتذرت للضحايا بعد ان غطت سابقا على الكثير من الانتهاكات! اما حدود ردة الفعل المضادة فقد وصلت الى حد الالحاد بأعتبار ان ذلك جزء من عقيدتهم والاحكام والقواعد التي يفرضونها على العاملين في السلك الديني بما في ذلك العفاف الجنسي وغيره هي المسبب الرئيسي للمشكلة وهذا وفق رأي الملحدين طبعا الذين لا يفرقون غالبا بين التعاليم الدينية(بصورها الحقيقية او المجتهد بها او المشوهة الى درجة تبعدها عن المنابع الاصلية للعقيدة!)وبين سلوك المنتسبين لسلك رجال الدين وخدمة الكنيسة ومؤسساتها.
غالبية الدراسات الالحادية الغربية تركز على تلك الحقب الزمنية المظلمة في اوروبا وتجعله المقياس الاوحد للاديان في العالم كله،وهي بالتأكيد نظرة خاطئة لان بقية المجتمعات الاخرى كانت خاضعة لاديان ومذاهب مختلفة كما تسودها نظم اجتماعية وسياسية لها علاقات متبادلة تكمل درجة الاختلاف وتجعله في اعلى مدى!.
ومع ضعف الكنيسة شاعت معها الافكار الالحادية ولم تستطع الوقوف بوجهها وبخاصة بطرقها الفكرية والعملية القديمة التي مل منها الغالبية بالاضافة الى الاستعداد النفسي لدى الملحدين للرد بقسوة غير علمية عليها ويدل منها الاحتقار او الاستهزاء،ولكن كانت نتائج اعمال الحقبة الشيوعية قد ساعدت على رجوع الايمان ولو بصوره البدائية ولعدد كبير بالرغم من سيطرة النظم الالحادية ومنعها لغالبية النشاطات الدينية العلنية! والسبب في ذلك هو ان سيادة الطغيان والاضطهاد الذي حدث تحت ظلال الانظمة الشيوعية والتي ترفع راية الالحاد ادى الى نفور الشعوب المحكومة بالرغم من عدم وجود اي مجال للتبشير الديني وانما هي رد فعل مضاد لرؤية النتائج المؤلمة لتلك الحقبة ،وهي دلالة واضحة على عودة الانسان اذا ما واجه اضطهاد وتعصب ما الى اصوله الايمانية اوالفكرية الاولى بل وتمسكه بأكثر مما كانوا عليه قبل انتشار الشيوعية التي تنبأت بأنهيار وزوال الاديان الا ان النتائج اظهرت لنا ليس فقط خرافة ذلك بل وايضا انهيار وزوال المعسكر الشيوعي ذاته الذي كان يبشر بحتمية انتصاره الابدي!.
ان الخطأ الاخر الذي ارتكبته الكنيسة لاحقا كان يتمثل بالتحالف مع الانظمة الرأسمالية اثناء الحرب الباردة مما وصمها بالتخلف والرجعية وكونها اداة استعمارية جديدة بيد قوى السوق! وكانت ممتلكات الكنيسة والمؤسسات الاقتصادية والتعلمية والاجتماعية من الضخامة الى درجة تثير تساؤلات الاخرين وبخاصة الطبقات الكادحة عن الكيفية التي ادت الى نشوئها وتضخمها الى تلك الدرجة المثيرة للاهتمام وكان النقد واللوم يوجه الى طريقة تحصيل الاموال التي بعضها تبرع شبه اجباري عند زيارة الكنائس مع عدم وجود عمل مادي لرجال الدين يجعلهم يستغنون عن جمع التبرعات الاجبارية والطوعية ويعتمدون على انفسهم لانه لا يوجد في المذاهب الالحادية طبقة اجتماعية تقوم بعمل مقارب لعمل رجال الدين وليس هنالك غرابة في ان عدد كبير لا يزورون الكنيسة بحجة وجود التبرعات الشبه اجبارية والتي تحرجهم او وجود الملل من تكرار قراءة النصوص دون الدخول في تفاصيل الحياة اليومية وآلامها وطموحاتها مما يعد تخديرا وليس تنبيها وتقويما للنفس كما يفرضه الواقع وهي اتهامات اثارها الملحدون واستمدوا القوة والدعم منها وبخاصة جانب الاستغلال المادي والجنسي وغيره مع التحالف مع القوى الرأسمالية التي تسببت بردة فعل لانها تفضح الادعاء بالحياد في الصراع بين الشرق والغرب وهو صراع ليس للدين علاقة به فكيف يتم الانحياز الى طرف دون آخر؟! الا ان انتصار المعسكر الرأسمالي قد ساعد على تقوية الوجود الكنسي في البلاد الاوروبية وقد ادى ذلك الى اغفال الكثير من النقد واللوم الذي كان يوجه لها ابان الحرب الباردة.
كان تأثير ردة الفعل الالحادية على المسيحية قويا الى درجة اتهام اتباع الديانات الاخرى بنفس التهم الجاهزة! بل اصبحت الاشارة الخاطئة على ان الاديان وحدة واحدة وبالتالي فأن الخطأ الذي فعلته الكنيسة هو موجود في الاسلام وبقية الاديان مثلا! وليس غريبا ان يقع في شرك الالحاد عدد كبير من ابناء الشعوب الغير مسيحية ودون دراسة منهجية محايدة لفهم آليات الصراع بين الملحدين مع مجتمعاتهم الاوروبية المسيحية في السابق،بل استعاروا الافكار الجاهزة التي نشأت من ظروف مختلفة قد لا يكون للفكر الديني الغير مسيحي يدا فيها!.
ان انتشار الفكر المادي الرافض لاي نزعة غيبية وكذلك مذاهب اللذة والمتعة الحسية قد ادى الى شيوع الالحاد الذي يتفق مع التحرر من كل القيود الدينية حتى ولو كانت صادقة! لان الربط بين الاخلاق والدين يؤدي بالتأكيد الى قوة في ايمان الفرد والعكس صحيح ولذلك فأن الملحدين بدأوا في بناء منظومة اخلاقية خاصة بهم تختلف في اغلبيتها عن المنظومة الاخلاقية الدينية ولكن المشتركات موجودة من قبيل الصدق في التعامل وحفظ الحقوق وحماية الاوطان الخ...
هناك 6 تعليقات:
الكنيسة أفسدت السلطة في الغرب،
بينما في الشرق أفسدت السلطة الدين.
هذا ما لم يفهمه ملحدينا الأعزاء، حيث أنهم لم يستوعبوا أبدا الفرق بين الدين والسلطة.
عموما هناك كتاب لطيف للشهيد مطهري اسمه (الدوافع نحو المادية) تعرض فيه لهذه القضية.
شكرا
اخي كتاب مفتوح
الملاحدة يتشبتون باية قشة كي يبرروا توجههم واختيارهم للالحاد
معلومات قيمة وتحليل رائع
تحياتي
العزيز سفيد...السلام عليكم
كلمتك في غاية البداعة في جمال الوصف...نعم السلطة عندنا افسدت الدين!وهو بحق لم يستوعبه الملحدون في العالم العربي!...في الحقيقة لم اطلع على هذا الكتاب القيم وحاولت تنزيله من الانترنت ولكنني لم اجده والموضوع اعلاه هو بدون مصادر لحد الان...
تحياتي الطيبة
الفاضلة شهرزاد...تحية طيبة
هو بحق عين المراد من ان الملاحدة يحاولوا تبرير اي شيء لكي يؤكدوا على عقائدهم!!..
تحياتي الطيبة..
السلام عليكم
البحث عن التناقضات
وعدم الفصل بين الدين وما يحمله من قيم واخلاقيات وبين الافراد الذين يمثلوه جعل البعض يكفر بالدين
وهذا يدل على ضعف الشخص من الناحيه الفكريه لانه يبحث عن مبرر غياب القدوة او تناقض الشخص الذي يقدم للدين مع ما يدعو له وهذا ما دعوت له سابقا
الابتعاد عن تقديس الافراد
حتى لا نقع في فخ تبرير كل تصرفاته ليتماشى مع ما يقول وبعدها نحول عقائد الدين الى عقائد ممسوخه
وهذه نجدها حتى مع الافراد الذين قد يختلفون في مذهبهم عن الاخرين
اذ يبحثون في شخصيات الافراد عما يناقض ما يقوله او ما يعتنقه
ونسووا طبيعه الانسان او تناسوها
دمت بخير
العزيزة نازك...السلام عليكم
تحليل علمي ومنطقي بديع يضيف للموضوع اعلاه مشاركة عقلية ووجدانية واتفق معكي في كل ما قلتي...
تحياتي الطيبة...
إرسال تعليق