قراءة حتى الموت!
في المشاهدات اليومية البسيطة التي تواجه كل فرد منا،نرى الكثير من الاحداث والصور الدالة على معاني كثيرة لا حصر لها بالرغم من سرعة المشاهدة المتلازمة بزمن قصير وبمصادفة قد لا تتكرر ابدا،ومن خلالها يمكن استنتاج الكثير من الدروس من خلال التأملات فيما قد حدث في حالة الوقوف عند الحدث،ومع ذلك فأن الغالبية الساحقة قد تهمل ماتراه بسبب كثرة المشاهدات البسيطة من ناحية وضعف حالتي التفكر والتأمل بسبب التعب الناشيء من تعقيدات الحياة المعاصرة او التجهيل الذاتي المتعمد!...
بالمصادفة كنت في زيارة لمستشفى عام ليلا في استراليا،واثناء تجوالي بين الردهات، شاهدت امرأة عجوز يتجاوز عمرها السبعين على اقل تقدير نائمة في السرير المتنقل قبل ادخالها لغرفة الاشعة بلحظات لاجراء الفحوصات قبل الدخول لغرفة العمليات كما هو متوقع... الغريب في الامر انه بين يديها كتاب تقرأه بأهتمام بالغ وبجانبها ادواتها للحياكة التقليدية!هذا مع العلم ان الظاهر من حالتها الصحية انها ليست طبيعية! وبالرغم من ذلك حرصت على الاستفادة حتى من هذا الوقت العصيب في حياتها في قراءة كتاب ما، يزيدها معرفة او عمل شيء مادي ولو بسيط قد يفيدها...
لو قارنا ذلك في حياتنا نلاحظ هنالك هدر كبير للوقت الثمين بدون ان نلاحظه او حتى نراجع انفسنا ولو للحظة ما بغية تعويض مافاتنا! وفوق هذا وذاك ذلك الجهل الفاضح والمدمجة باستهانة متعالية للقيمة الحقيقية للمعرفة المتنوعة وبخاصة رمزها الخالد:الكتاب.
كان في نفس اليوم وبمصادفة غريبة اخرى،قد قرأت تقريرا في صحيفة خليجية عن حالة المكتبات العامة البائسة في بلدها! واكيد الحالة هي موجودة في الجوار بنسبة اختلاف بسيطة بلا شك وهي ان زوار كافة المكتبات العامة فيه يزورها الان عشرة اشخاص فقط يوميا بعد ان كانوا 200 يوميا قبل عشرة اعوام!! بينما يزور المكتبة المحلية العامة المنتشرة في كل حي تقريبا في استراليا اضعاف هذا الرقم احيانا!! مع ملاحظة فارق السكان الكبير بين حي عادي وبلد كامل!...وتحت اسفل التقرير توجد تعليقات القراء بين الهزل والجد والتي هي مخيبة للامال اكثر منها للتبرير الهزيل!... والتبريرات تتركز بكون الانترنت منتشر الان (وكأن غالبية الناس تقرأ الكتب في شبكة الالكترونية!) وبسهولة يمكن شراء الكتب وقراءتها في البيت او وجود رسوم مادية عالية للاستعارة بالاضافة الى تبرير غريب وهو وجود التراب في خانات بعض المكتبات وانتشار الكتب القديمة بسبب عدم زيارتها لفترة طويلة من قبل الزوار!...وهي تبريرات لا قيمة لها اذا ما قورنت بحالة المكتبات في استراليا على سبيل المثال والتي تعمل لفترات طويلة يوميا بالرغم من انتشار الكومبيوتر والانترنت بنسبة عالية تتجاوز بكثير اي بلد عربي اخر! وايضا عدم وجود رسوم للقراءة والاستعارة مع وجود كل يرغبه الاطفال من اماكن للعب والقراءة اضافة الى وجود اجهزة الكومبيوتر وقاعة للمحاضرات اوالاجتماعات والتجديد المستمر للكتب والادوات الموجودة...الخ من الخدمات العديدة والتي تتوفر بعدد كبير من اللغات الحية!...
تواجد هذه الخدمات العديدة مع حرص الغالبية على الزيارة سوف يجعل الاطفال من زوار المكتبة الدائمين من بداية حياتهم وحتى آخر نفس في حياتهم، كما لا حظته في حرص تلك المرأة العجوز على القراءة والاستفادة من الوقت والتي هي مثال مزعج لكل عابث جهول في هذه الحياة والتي اصبحت نسبتهم مخيفة في هذا العصر... وياليت هؤلاء العابثين يبقون انفسهم بعيدا عن الاخرين وفي مجالات عبثهم المحدودة!...بل نراهم متواجدين في كل مكان مثل السياسة والثقافة والفن بل وحتى المجالات الدينية! مما يعني ان العبث المتعدد الاشكال والمتغلغل في النفوس قد وصل الى مديات مرعبة نتغافل عنها غالبا بالرغم من انها تزعجنا يوميا خاصة في محاولاتها فرض العبثية والتجهيل على المخالفين!!...
يسمى هذا العصر بعدة تسميات شكلية ناتجة عن سمات جانبية،الا ان الجميع يتغافل او يتجاهل تسميته بعصر العبثية المتخلفة!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق