ثروة الارض:الحلقة الخامسة
اقتصاد الثروة الطبيعية:
لا يمكن نكران ما يمثله قيمة الانتاج للثروة الطبيعية من اهمية بالغة في تكوين الناتج القومي الاجمالي وتطويره على المدى البعيد،فغالبية دول العالم يمثل الانتاج من الموارد الطبيعية نسبة قد تختلف بين اعلى حد الى ادناه في تكوين الدخل القومي،وفي حالة استعراض بعض الامثلة نجد مثلا ان جنوب افريقيا يشكل الذهب ومعادن اخرى نسبة كبيرة من الاضافة المادية للدخل القومي، وكذلك حال الدول العربية فدول عديدة يشكل البترول والغاز فيها اغلبية المساهمين في مصادر تكوين الدخل المحلي،بينما تشكل المعادن المستخرجة من المغرب نسبة هامة ايضا،وطبيعي انه كلما تنوعت المصادر الطبيعية كلما كان الدخل القومي اكثر استقرارا من الدولة المعتمدة على مصدر واحد او اكثر قليلا لكون ذلك المصدر خاضع تحت رحمة السوق العالمي وميزانه السعري العام هو حجم العرض والطلب،ولذلك واجهت الدول المصدرة للبترول ازمات اقتصادية عديدة تمثلت في انخفاض مداخيلها العامة الذي يموله المصدر الوحيد للدخل،وللخروج من ذلك المأزق الحتمي يكون من خلال العمل على تنويع مصادر الدخل والاستفادة من الموارد المادية في تطوير الاقتصاد بدلا من الانفاق على الخدمات الاجتماعية بدون اي حد معقول او الانفاق على الدفاع بدون اي داعي!...وتختلف النسب في المساهمة بين اكثر من 90% كما هو موجود في بعض الدول العربية! او دون نسبة 1%كما هو موجود في بعض الدول الفقيرة بالموارد الطبيعية او انها جاهلة تماما لحجم تواجدها في ارضها او مياهها الاقليمية لاسباب متعددة مثل اليابان وكوريا الجنوبية او الدانمارك الخ.
ومساهمة الموارد الطبيعية الهامة في الدخل القومي ليس هو محصور في نطاق الدول النامية وان كانت اكثر شيوعا من غيرها،بل حتى الدول المتقدمة هي تشترك معها في تلك الناحية وخاصة الدول ذات الحجم الجغرافي الكبير مثل كندا واستراليا،ولكن تلك الدول ليست معتمدة الى حد بعيد على انتاج تلك المصادر بل نسبة مساهمتها في تكوين الدخل هي اقل نتيجة للتنوع الكبير في مصادر الانتاج والخدمات في الاقتصاد المتطور، ولكن تبقى ظاهرة ازدهار الاقتصاد اذا ارتفعت الاسعار بصورة خيالية او انخفاضها نتيجة فوضى السوق الدولية.
لقد استفادت امريكا من انتاجها الضخم للموارد الطبيعية على ارضها في بناء اضخم اقتصاد على وجه الارض لحد الان،وبالرغم من التاريخ الطويل لذلك الانتاج،فأن البحث والتطوير لم يتوقفا يوما واحدا،ولم تتوقف الارقام المعلنة عن حجم معين بل انها بقية مستمرة في النمو او تعويض الكميات المنتجة لان القدرات الحالية عاجزة عن كشف ما تحتويه البلاد من ثروات طبيعية لضخامة مساحتها الجغرافية ووجود العوائق القانونية المتمثلة بقوانين حماية البيئة والضرائب العالية،فما بالك بالقدرات المحدودة للدول النامية!...وقد بقيت امريكا مصدرة لبعض الموارد الطبيعية لفترة طويلة والتي من ضمنها البترول ولكنها توقفت منذ عدة عقود بسبب ضخامة الاستهلاك وعجز الانتاج عن سد حاجة السوق المحلية،وتاريخ انتاجها للموارد الطبيعية الطويل ساهم كثيرا في توظيف الموارد البشرية وتطوير الاقتصاد وتسهيل تحوله من اقتصاد يقوم على الزراعة والصناعة الى الخدمات وتكنولوجيا المعلومات ومن خلال قراءة الاحصاءات ورؤية خارطة تواجد الموارد الطبيعية على اراضيها الشاسعة يتبين لنا اهمية تلك المصادر الطبيعية ليس فقط في بناء الثروة المادية القومية،بل ايضا في تحويله الى اقتصاد متطور تحاول العديد من الدول الان ان تحذو حذوه! وبمقارنة احتياطياتها الحالية او ماسبق انتاجه يتبين لنا ضئالة احتياطيات الكثير من الدول وبخاصة الدول العربية التي يشيع فيها ظاهرة كونها الاغنى عالميا بالموارد الطبيعية! بل ان الانتاج الامريكي من النفط خلال تاريخه الطويل الذي بدأ عام 1859 ولحد الان يفوق بمجموعه حجم الاحتياط الثابت للسعودية وهو الاضخم عالميا حاليا اذا لم يتم حسبان الاحتياطي الجديد الخرافي لفنزويلا! اما الغاز فهي الاولى المستهلكة والمنتجة في العالم حسب احصائيات 2009 والانتاج الذي يسد اكثر من 90% من استهلالكها هو يفوق بمجموعه والبالغ حوالي 600 مليار متر مكعب حجم انتاج الغاز في دول الشرق الاوسط والقارة الافريقية بأكملها!وهو يكفيها ايضا 11 عاما فقط اذا توقف التنقيب والاضافات الجديدة للاحتياطي هذا بالاضافة الى المعادن الاخرى،وبالرغم من الانتاج الضخم للموارد الطبيعية في امريكا الا ان كافة التوقعات في استنزافها قد فشلت! ويعود ذلك الى اسباب عديدة اهمها بقاء توجه البحث والتطوير في اقتصاد الموارد الطبيعية مما يعني اكتشاف الكثير من المناجم وحقول النفط والغاز فيها بطرق تكنولوجية تتطور سريعا بمرور الزمن مع ارتفاع نسبة الاستخلاص المنتجة مما يعني ارتفاع حجم الاحتياطي القابل للانتاج وفق المستويات الاقتصادية الراهنة، والاحصاءات الرسمية التي تتوقعت نفاذ الاحتياطي البترولي فيها خلال عقد من الزمن ليس جديدا بل يعود ذلك لفترة الستينات من القرن الماضي! مما يعني انها لو صحت لما بقي اي انتاج نفطي فيها وهي الان في المرتبة الثالثة عالميا!.
يقدر الاحتياطي النفطي الامريكي بحوالي 28 مليار برميل(2009) بينما يقدر الاستهلاك اليومي بحوالي 20 مليون برميل! مما يعني انه اذا ارادت تغطية احتياجاتها المحلية بالكامل فأنه لان يكفي سوى اربع سنوات على اكثر تقدير! ولكن بما انها تستورد 60% فأن الانتاج الحالي وهو اكثر من 7 ملايين برميل يوميا سوف يكفيها على اكثر تقدير 13 عاما! ولكن التنقيب المستمر كما قلنا وبطرق تكنولوجية جديدة تساعد على تعويض كافة الكميات المستخرجة،ومازالت الارض والمياه حاوية على حقول ضخمة واعدة وما الانفجار الاخير في خليج المكسيك في بئر تابع لشركة بريتش بتروليوم الا دلالة على حجم الاحتياطي الضخم في الحقل المذكور الذي سبب انفجار بئر واحد فيه بأكبر كارثة بيئية في التاريخ!...
والموقع الجغرافي الامريكي مثاليا ايضا من خلال وجودها بالقرب من دول ذات مصادر طبيعية متنوعة ومصدرة لها وبخاصة كندا والمكسيك وفنزويلا والبرازيل سواء في امدادها بحاجتها المتزايدة من البترول والغاز او بقية المعادن الاخرى التي لا يكفي انتاجها المحلي لسد كافة احتياجاتها منه.
الثروة الطبيعية المنتجة هي ليست فقط معين للدخل القومي بل هي مؤثر بالغ الاهمية على كافة النشاطات الاقتصادية الاخرى،ويمكن لنا رؤية ان كافة مصادر الانتاج الصناعي والزراعي بل وحتى قطاع الخدمات هو خاضع تحت رحمة استمرارية الانتاج المحلي او الاستيراد من الخارج،ويكفي لنا مقارنة كيف يدخل البترول او الحديد مثلا في صنع مئات السلع الصناعية مما يعني ان فقدانهما سوف يؤدي الى توقف انتاج تلك السلع الهامة في استمرارية الحياة العصرية بنفس المستوى من التطور الحالي او المتوقع في المستقبل،وبالرغم من الجهود المستمرة في تطوير نوعية الكثير من السلع وتخفيض نسبة مساهمة المعادن او استهلاك الطاقة فيها الا ان الاستغناء الكامل يكاد ان يكون مستحيلا...
واثر الانتاج في بقية مصادر الدخل القومي يمكن ملاحظته بسهولة،فمثلا القطاع الزراعي يعتمد كثيرا على الاسمدة وعلى مصادر الطاقة في نقل المنتجات او الزراعة او غير ذلك مما يعني ان توقف تزويده بما يحتاجه سوف يؤدي الى عودته الى المستويات الواطئة من الانتاج والناتجة من العودة الى الطرق القديمة التي تحتاج الى طاقات بشرية اكثر،وكذلك قطاع الخدمات ومنها السياحة التي تعتمد على ازدهار انتاج الموارد الطبيعية الموفرة للموارد المالية،ويمكن لنا تصور كارثة توقف انتاج البترول في الخليج او ليبيا في مايؤدي اليه من توقف العمل في قطاع الخدمات ومنه السياحة وتحولها الى بلاد اخرى تتميز بجاذبيتها البيئية او حتى مواقع اخرى في داخل الدولة ذاتها!ولذلك فأن حجم التأثير يكون كبيرا بصورة مباشرة او غير مباشرة ولكن تبقى العبرة من بقاء الاعتماد على مصدر احادي قد ينضب او ينخفض انتاجه مستقبلا وهناك الكثير من الدول التي تحولت من مصدرة الى مستوردة مثل امريكا وبريطانيا واندونيسيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق