بائع السيادة:
المقدمة:
في تعليق لصاحب مدونة كلمة للتاريخ في مكتوب حول شط العرب ومدى مسؤولية ايران وامريكا في تلويثه حديثا،وكذلك وضعه لاغنية من يوتوب فيها مجموعة يغنون الى الطاغية المقبور صدام!!...واصراره حول ما يعتقد به...نوضح له وللاخرين في هذا الشرح المختصر لعله يغير قناعاته وفق ما يرتضيه العقل والمنطق والضمير الانساني الحي خاصة وانه لم يعش الاحداث او يزور المناطق المنكوبة حتى يمكن له ان يحكم بدقة!...
بداية مستعجلة!:
نكبت منطقة الشرق الاوسط بقضايا الحدود اكثر من غيرها! لكونها خضعت سابقا لنظم موحدة وتقسيمها لم يأتي من داخلها بل من الخارج الذي توافقت معه مصالح اسر ومجموعات صغيرة!...ومن بين تلك القضايا هي الحدود بين ايران والعراق والتي هي قديمة منذ ايام الدولة العثمانية!...
لم تعترف الامبراطورية البهلوية الايرانية بالدولة العراقية الا عام 1937 لاسباب عديدة،ولم ينتهي الاعتراف الا بالتنازل عن مناطق حدودية تطالب بها،وبقي كما هو معروف شط العرب ضمن الحدود العراقية...وبعد تغيير الحكم الملكي عام 1958 حافظت النظم المتغيرة على علاقة لا بأس بها مع الشاه،ولكن بعد انقلاب البعث عام 1968 ساءت العلاقة كثيرا بسبب تحالف الشاه مع الغرب،والبعث مع الشرق مع توجهاته القومية التي تطالب بأقليم الاحواز والتي لا تراعي امكانيات العراق المحدودة! وبذلك انعكس الصراع بين الشرق والغرب على البلدين ليبدأ النزاع عام 1969 ولم يحاول النظام البعثي تجنب الصراع بسبب تفوق الشاه بل دخل في صراع مكشوف معه والذي كان ايضا يساند الثورة الكردية في الشمال...
ولم يستطع النظام البعثي قمع تلك الثورة الا بالتنازل عن نصف شط العرب ومناطق حدودية اخرى لايران بغية قمع جزء من شعبه!...هكذا كان منطق عصابة البعث الارهابية وهي حالة غريبة فعلا ان يتم قمع الداخل من خلال اسكات الخارج بالتنازل عن السيادة الوطنية وهي سياسة ثابتة له لغاية سقوطه المحتوم عام 2003!...تعتمد مياه شط العرب في معظمها على مايصبه نهر الكارون الايراني،وليس دجلة والفرات لكون كمياتهما قليلة بعد رحلتهما الطويلة في ثلاث بلدان:تركيا وسوريا والعراق...وبالرغم من وفرة الموارد المالية العراقية الا ان النظام البعثي لم يؤسس لشبكات تصريف صحية حديثة لغالبية المدن العراقية ماعدا بغداد ومدن صغيرة تابعة له! وبقيت غالبية المدن ترمي بفضلاتها المتنوعة على الانهار التي نقلته الى شط العرب والذي تحول الى ماء غير صالح للشرب ومسبب للكثير من الامراض،واعترف النظام قبل عام 1990 من خلال وسائل اعلامه آنذاك وبصورة علنية بدعوى الحرب مع ايران ثم الخلاف مع الكويت!...وقبل ان يشن صدام حربه بالنيابة عن الغرب والانظمة العربية ضد ايران عام 1980 كانت المناطق الحدودية في الجانبين جنان خضراء بسبب زراعتها والوجود المكثف للنخيل فيها،الا انه بعد انتهاء الحرب العبثية عام 1988 ولحد الان مازالت الاراضي صحراء قاحلة مزروعة بملايين الالغام وبقايا السواتر الترابية،دون ان يحاول النظام اعادة تعميرها!...
واثناء غزو الكويت،تنازل صدام عن كل مطالب العراق الحدودية مع ايران لكي يتفرغ للنزاع الجديد!!...نعم هكذا كان يقاد البلد وتباع سيادته واراضيه دون ان تكون ادنى مناقشة لتلك الكوارث...ولبيان حجم كارثة التنازل عن الاراضي العراقية للدول المجاورة بسبب الحروب او لشراء مواقفها! نقول ان مساحة العراق عام 1968 كانت 448 كيلو متر مربع فأصبحت عام 2003 حوالي 435 الف كم مربع مما يعني ان العراق فقد 13 الف كم مربع!! لجميع الدول المجاورة ماعدا تركيا التي عوضها بالتنازل عن جزء من السيادة الوطنية من خلال السماح لها بالتوغل في الاراضي العراقية لتعقب الثوار الاكراد!...
ومعروف ايضا تنازل صدام لاراض عراقية حدودية الى الاردن والسعودية اثناء الحرب مع ايران! والى سوريا عام 1997 بغية تشجيعها على فتح الحصار عنه!مما يعني ان نظام صدام لم يكتفي بأموال العراق ونفطه الذي اشتهر بكوبوناته الشهيرة لشراء الذمم والمواقف،بل اضاف عليه بيع اراضيه وسيادته بغية البقاء في السلطة الغاشمة التي لم تجلب سوى الدماء والدمار والخراب الى العراق الجريح!وبقي مستعدا للنهاية يساوم الغرب بهدف البقاء في السلطة حتى لو تكرر امر الهجوم على ايران(يمكن مراجعة تصريحات اعلام صدام عام 1995) او منح امريكا النفط بدون مقابل باعتراف اركان النظام وبعض الانظمة العربية! ويمكن عمل مقارنة فريدة بين ديكتاتورية الطواغيت العرب ومنهم صدام وطواغيت الامم الاخرى من خلال ذكر المثال التالي:في آيار(مايو)1982 استطاعت ايران ان تحرر اراضيها وان تهزم صدام في سلسلة من المعارك وكان اخرها معركة المحمرة،واثناء ذلك وقعت حرب الفوكلاند بين بريطانيا والارجنتين المحكومة بحكم ديكتاتوري عسكري،وانتهت الحرب سريعا بهزيمة الارجنتين التي سرعان ما تنازل الحاكم العسكري عن السلطة لتحمله مسؤولية الهزيمة وتجنيب البلاد مزيدا من الدماء! فأين هذا التصرف من تمسك المجرم صدام بالسلطة ايامها دون ادنى اعتبار للشعب والوطن ولغاية سقوطه عام 2003!!...
كان من الممكن حل كل تلك النزاعات والتنازلات من خلال التقدم الى محكمة العدل الدولية في لاهاي كما فعلت قطر والبحرين،خاصة وان موقف العراق القانوني كان ومايزال هو الاقوى على جميع تلك الدول المجاورة،ولكن ما العمل مع نظام همجي متخلف تتزعمه عصابات اجرامية محترفة ومتخلفة لا تفهم الدبلوماسية او الحوار او تغلب عليه المصلحة الوطنية!...
تحميل ايران وامريكا مسؤولية تدمير شط العرب هو ابعاد الانظار عن المتسبب الاول! فايران من مصلحتها ان يبقى شط العرب نظيفا لكونها الان مشتركة فيه وتستخدمه ايضا للملاحة والري مما يعني ان تدميره هو بالضد من مصلحتها القومية! اما امريكا فقد اعتاد البعض تحميل كافة مشاكلنا لها...نعم قد يكون لبعض الاشعاعات اثر تدمير كبير على البيئة ولكن ليس بتلك الصورة التي تتسبب في تدمير النهر الذي قضى نحبه منذ عقود بسبب عدم وجود شبكات تصريف صحية حديثة او مخلفات صناعية مما يعني ان كل مخلفات العراق تذهب اليه لتنتهي في الخليج!...
اما عن وضع مقطع يوتوب فيه اغنية للدفاع عن المجرم صدام واعتباره شهيدا!!..فمن مهازل الدهر فعلا ان يكون صدام شهيدا وترفع صوره جماهير الرعاع بدلا من رفع صور ملايين الضحايا وبينهم عدد لا يحصى من العباقرة والمفكرين او حتى رفع صور عباقرة ومبدعي الامة كما تفعل الشعوب المتحضرة! وامامنا المانيا التي مازالت تعتذر لكل ضحايا العهد النازي دون ان تعيد الاعتبار لهتلر ورجالاته!...
اما اعتبار من فرح ورقص في اعدام صدام بأنهم رعاع همج فهي دلالة واضحة على مدى هزلية المنطق والعقل الذي يحمله عدد كبير من العرب مع شديد الاسف! فهل من المفروض من الضحية وهو الشعب العراقي ان يبكي وينحب على مقتل جلاده؟! وهل اعتبار تطبيق العدالة معه هو تنفيذ امر امريكي؟!...ان الامر مضحك بحق لان امريكا هي التي حمته من الوقوع في قبضة الشعب سواء اثناء حكمه او خلال فترة اعتقاله! والا لو وقع بيد الشعب لما وجدتم قطعة له بسبب وحشية الجرائم التي ارتكبها وامامنا مثالا رائعا وهو شاوشيسكو جلاد رومانيا الذي اعدم مع زوجته خلال محاكمة سريعة عام 1989 دون ان يتهم احدا الشعب الروماني بشيء ولحسن الحظ انه شعب غير عربي والا لاصبح مباحا دمه وماله وعرضه بعد تلك الحادثة الطبيعية التي هي من سنن الحياة نفسها!...
ثم لا ادري الا يكفي هذا الكم الهائل من الصور وافلام الفيديو والمطبوعات والتاريخ الطويل لتلك الجرائم ووجود ملايين الشهداء والسجناء والارامل والايتام والدمار والخراب من ادانة هذا المجرم السفاح ومن معه؟!!...يعني حالة غريبة ان يتم التفكير بهكذا منطق وتستدعي من الشعوب الاخرى الوقوف عليه طويلا لكي تشاهد مهازل العرب في هذا العصر!...
الاعتذار للضحايا والدفاع عنهم والتصدي للمجرمين واعوانهم هو ما تقتضيه العدالة الانسانية واحترام حقوق الانسان...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق