التشبه والتقليد بالافكار والمشاهير:
يميل الانسان بطبعه الى الرغبة في تقليد الاخرين سواء في فكرهم او منهجهم في الحياة والذين يلائمون طبائعه ورغباته وآرائه الخ من المشتركات التي تجمع بين الطرفين،وهم غالبا ما يكونوا من المشاهير لانهم الوحيدون في الصورة! والا فأنه هنالك اشخاص مجهولون يفوقونهم في كل شيء ما عدا الشهرة الاعلامية التي تكون من نصيب المحظوظين وبخاصة اصحاب الجعجعة الفارغة الذين يميلون للبروز اكثر من غيرهم!...
هذه الصفة ليست جديدة على الانسان،بل هي متاصلة من ضمن طبائعه الاجتماعية التي تميزه عن بقية المخلوقات!...
ليس هنالك من شك في ايجابية التشبه بالصالحين وبخاصة الانبياء والائمة، لكونهم قدوة مثالية دائمة لا تنتهي ظاهرتها بفترة ما،وهي ليست خاصة بل عامة لكل البشر،ولكن الحديث هنا حول آخرين غيرهم وقد يكون من اهمها واشهرها شيوعا هي التشبه بأصحاب المواهب الغنائية والفنية لانهم الفئة الاكثر شهرة في المجتمعات وهم اي المعجبون غالبا ما يكونوا من فئة صغار السن لكونهم راغبين في اتخاذ اي شخص مشهور في الفن واضرابه بأن يكون قدوة لهم في حياتهم النظرية والعملية!... والشائع هنا هو عدم التمييز بين سلوك الشخص والابداع الذي يشتهر به،لان تقليد الابداع له تاثير ايجابي في سلوك النشء وهو حافزا كبيرا على ان يبرزوا مواهبهم المكنونة لتصبح بعد ذلك جزءا من حياتهم المستقبلية، والخطأ الاكبر هو ان يتم المزج بين الابداع والسلوك الشخصي،لان بينهما مسافة كبيرة من الفوارق التي تجعل المزج شيئا مستحيلا!... فالحياة الشخصية للفرد هي من خصوصياته التي تتعارض غالبا مع السلوك المثالي للبشر وبالتالي فأن تقليد تلك الحياة بكل دقائقها هي من الغباء الى درجة سوف تمسخ الاستقلالية الذاتية وتجعلها ذائبة في الحياة الشخصية لفرد اخر قد يكون مبدعا في صنف معين من الفنون والاداب ولكنه غير مستقر في حياته الشخصية او انه منحرف اخلاقيا لان الابداع لا يغير غالبا من طبيعة السلوك الشخصي الذي تحكمه عوامل متعددة وبالتالي فأنه من الغباء والحماقة التصور بأن لولا السلوك لما حصل الابداع!...بل قد يكون السلوك الشخصي الغير سوي هو مدمر للابداع ومحطم له بحيث تنهي حياة الشخص ان لم نقل ابداعه او العكس ايضا! ولنا امثلة عديدة في التاريخ مثل الرسام العالمي فان كوخ والاديب همنغواي اللذان انتحرا، او السلوك اللا اخلاقي الذي وقع فيه الكثيرون من اصحاب تلك المواهب وخاصة نجوم الغناء والموسيقى وهي ظاهرة برزت في العقود الاخيرة والتي انتشرت تلك الظواهر بدعوى الحرية الشخصية الخ من الادعاءات الفارغة التي لا تميز بين الحرية الحقيقية للانسان والتي من ابرزها استقلاليته وكرامته وبين الحرية العبثية التي تكون فاقدة لكل المقومات الصحيحة للانسان الحر!...
قد يصل الامر بالمعجب بهم الى ان يقلدهم في كل شيء في حياته مما يجعلها نسخة سلبية لا قيمة لها بينما في التقليد الابداعي هو شبه معدوم!...اذا مالفائدة في هكذا تقليد يمسخ شخصية الانسان ويجعله عبدا لغيره بحجة تقليد الابداع؟!...
اما تقليد اصحاب المواهب العلمية والادبية فأنهم قلة ضمن صنف المعجبين والمتشبهين بالمشاهير! لكون هؤلاء المبدعون قد برزوا في مجالات يصعب كثيرا تقليدها الا لاصحاب تلك المواهب الناشئة وهم كما نعرف يشكلون نسبة ضئيلة من العموم! لان نسبة اصحاب الذكاء والغباء في المجتمعات هي اقل بكثير من النسبة الغالبة التي تكون بين الصفتين المتعارف على درجتهما في القياس!.. ولا خوف على غالبية هذا الصنف لان ذكائهم سوف يجعلهم مشغولون في تقليد الابداع وليس تقليد سلوك شخصية المبدع!...
ولا ينبغي نسيان مشاهير العاملين في الحقل السياسي الذي يغلب عليه كل الصفات الغير مقبولة مثل الخداع والتدليس والكذب والسرقة الخ من الصفات التي تشتهر في هذا المختبر العملي حتى اصبحت كلمة الرذيلة مرادفة لكلمة السياسة والعمل فيها! وطبعا هنالك شذوذ لا يعتنى بها في مثل تلك الظروف! ولكن اسوأ اعجاب واكثره انحطاطا هو الاعجاب بشخصية الطاغية السياسي ومحاولة تطبيق سلوكه الشخصي المشين!.
التقليد بدون معرفة!:
تقليد المبدعين في الحقول الفكرية والسياسية والتشبه بهم هو غالبا ما يكون غير حقيقي بمعنى ان تقليدهم شكلي وليس جوهري يتم عن دراية تامة بكل دقائق الفكر ومناهجه التفصيلية،بل غالبا ما يكون ادعاء فارغ ويمكن ملاحظة ذلك في الافكار التي تحتاج الى ذكاء وفهم عالي! وقد برز ذلك في فترات معينة لبعض الفلسفات الفكرية مثل المذهب الوجودي الذي انتشر في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية بحيث اصبحت لهم احياء خاصة في باريس يمارسون فيها الكثير من الامور العبثية التي لا تتعلق نهائيا بتلك الفلسفة التي تقدس حرية الشخص ووجوده في هذا الكون،وقد ساهم في ذلك تقليد الشباب للاديب الوجودي سارتر وخاصة في سيرته الشخصية ودعاواه التحررية التي قد تناقض مع بعض التقاليد،وقد لاحظ الفيلسوف عبد الرحمن بدوي المختص بالفلسفة الوجودية ذلك في زيارته لباريس في تلك الفترة واختباره لثقافة لهؤلاء الشباب عن قرب،فكان اكتشافه مثيرا في عدم معرفة هؤلاء بابسط افكار ومبادى الفلسفة الوجودية بل حتى في قادة ذلك التيار!...وليس ذلك فريد بل ايضا التيارات الاشتراكية وخاصة الشيوعية منها والتي شاعت بعد الحرب الثانية ايضا في كل انحاء العالم ومنها العالم العربي،بحيث اعتنق الكثيرون ذلك النهج الفكري مع جهلهم التام به! بل والاكثر اسى في ان بعضهم فقد حياته مع مرحلة القمع الوحشي التي اجتاحت الكثير من البلدان المتخلفة وخاصة العربية منها،وفقدان الحياة مع الجهل التام في الفكر المسبب هو حالة ازلية مع شديد الاسف وليست طارئة ولكن ذلك لا يعني انها شاذة بل قد تكون سائدة ايضا ولكن لكل مرحلة ظروفها المرحلية التي لا تنطبق على مراحل اخرى سواء في المكان او الزمان او حتى المجموعة الانسانية الخاصة بها!...
وابطال الحقبة الشيوعية كثيرون ولكن مع انهيار المعسكر الشيوعي بين عامي 1989-1991 فأن تقليد رموز تلك الفترة او الادعاء باعتناق فكرهم قد زال الى درجة تثير الانتباه مما يعني ان غالبية البشر يسيرون مع كل موجة بدون وعي تام لها!...ولكن بقيت حالات شاذة مستمرة بحيث تثير الانتباه مثل تقليد المناضل العالمي جيفارا سواء في ملبسه وشكله ووضع صوره ولكن بجهل تام بسيرته او بمنهجه الفكري والعملي!...وهذا الوضع ايضا شائع في دول الغرب وليس في العالم الثالث! ولكن الغريب في الامر ان الكثيرون من المعجبين واصحاب التقليد الشكلي هم في سلوكهم يناقضون ذلك المناضل جملة وتفصيلا! فمثلا نجد الرأسمالي والقومي والقطري والعنصري والفاسد والمنحرف هم في بوتقة واحدة من الاعجاب والتقليد! ولا ادري كيف يجمع القومي العنصري مع اممية ذلك الثائر الارجنتيني العالمي الذي حارب مع الثورة الكوبية ثم بعد ذلك مع الثورة البوليفية! او الرأسمالي الجشع مع اشتراكية ذلك الثائر او المترف الذي يعيش حياة البذخ الفاحش ويذل ويعذب كل من يعمل تحت امرته مع عيشة هذا الثائر البسيطة والذي ترك منصبه الوزاري الرفيع في كوبا لكي يقاتل في الادغال في بلد آخر!...فمن هو المستعد ان يعتنق فكر جيفارا ويطبقه على نفسه من هؤلاء الادعياء؟!...فالادعاء سهل ولكن التطبيق صعب!.
وايضا في الموجة الحديثة منذ عقود والمسماة بالصحوة الاسلامية التي انتشرت في بلدان عديدة من العالم الاسلامي...فصحيح ان هنالك رجوع الى الاسلام ولكن بنفس ادعاء تقليد الاخرين!... فمازال الكثيرون من الادعياء والراكبون لتلك الموجة هم في ثقافتهم الضحلة جاهلون ومتخلفون وابعد ما يكونوا عن فكر الاسلام العظيم وثقافته التي هي بحر لا حدود لسواحله،وهم في سلوكهم العملي ابعد ما يكونوا عن تطبيق تعاليم الاسلام الصارمة وروحه السمحة والتي تفرض على الانسان ان يكون مثاليا في سلوكه وخاصة مع الاخر وان يكون قدوة للاخرين...فأين نحن من ذلك الادعاء وامامنا تلك الصورة الموحشة في غالبية بلدان العالم الاسلامي!...
اذا الادعاء شيء والفهم والادراك والاستيعاب والتطبيق شيء آخر،وليتنافس المتنافسون!...
هناك تعليقان (2):
عجبني مقالك
وشدتني اخر جمله
بس اهو فعلا الادعاء شي والتطبيق شيىء اخر
العزيزة why me ...تحية طيبة
سعدت كثيرا بزيارتك الكريمة الاولى وتعليقك في المدونة كما ان التقاء الاراء والافكار خاصة في هكذا مواضيع هو دليل نضج واتباع العقل والمنطق...
دمتي بخير..
إرسال تعليق