تحرير العقول:القسم الثالث
دماغان لا واحد!:
ينقسم دماغ الانسان الذي هو مركز العقل الى قسمين حسب رأي غالبية التقسيمات العلمية الموثوقة وهما الدماغ العاطفي المسؤول عن الجسد وكل المشاعر والاحاسيس الصادرة عنه،ثم الدماغ المعرفي والذي تعرفه بعض المصادر بالعقل المنطقي او التحليلي وهو الذي يحلل المعلومات الواردة الى الدماغ ثم يعطي التعليمات الى الدماغ العاطفي ليقوم بواجب التطبيق العملي لها! وبالتالي فأن الدماغان يكملان بعضهما البعض ولا يمكن بحال من الاحوال الفصل بينهما في حالة الانسان السوي،لانه في حالة الفصل تظهر مشاكل نفسية وجسدية كثيرة ويكون الانسان ضعيفا ومختل في التقييم الخ من الصفات المرضية!...
وطبعا موقع القسمين مختلفين في الدماغ ويمتازان باختلاف كبير في التركيب ويمكن مراجعة التفاصيل التكوينية له في الكتب العلمية المتخصصة في هذا المجال والتي تؤيد اثباتاتها بالتجارب والرسوم...
اثبتت التجارب والبحوث العلمية ان الدماغ العاطفي اكثر بدائية في تقبل وتحليل المعلومة ولكنه اكثر سرعة في التعامل مع حالات البقاء على قيد الحياة،بينما الدماغ المعرفي يقوم على تقبل المعلومة وتحليلها،ويختلف في تكوينه البيولوجي كما في عمله عن الدماغ العاطفي...كما ان حالة التوازن المثيرة بين القسمين هي التي تؤدي الوظيفة المثالية،وفي حالة الخلل فأن طغيان احد الصفات على الاخرى هو الذي يسود من قبيل سيادة العاطفة او ضعفها كما نلاحظه عند بعض البشراو سيادة السلوك العقلي المجرد الخالي من العواطف لدى البعض الاخر!.
كلما كان الانسجام كبيرا بين الدماغين كلما تحسنت الحالة الصحية للانسان سواء الجسدية او النفسية،والعكس ايضا صحيح،كما اثبتته التجارب العلمية.
التركيز في حالة العقل البشري وصفاته هو في القسم المختص به من الدماغ والمسمى الدماغ المعرفي الذي يختزن كافة المعلومات الواردة اليه ثم يقوم بعملية التحليل لها واعطاء الاوامر للجسم بالعمل حسب ما يورده لها...
العقل المعرفي المتكامل لا يولد مع الانسان بل هو ينمو معه خلال حياته وبصورة تدريجية وهو مستمر في النمو لغاية آخر نفس في حياته بعكس جسده الذي يتوقف نموه عند حد معين،ولكن يمكن تمييز المراحل العقلية المتقدمة من المتأخرة من خلال الكم والنوع الذي تمت حيازته والتي يمكن مقارنته بالمراحل التي سبقته...
هناك اكيد مرحلة يتم على اثرها معرفة الحد الادنى من القواعد المنطقية والعقلية البسيطة والتي على اثرها يتم التمييز بين الخطأ والصواب في السلوك البشري وهو مانطلق عليه بمرحلة البلوغ... ولكن تلك المرحلة بدائية لا يمكن اعتبارها مرحلة متقدمة للعقل ابدا بل ان المراحل التالية لها هي التي ينبغي لنا متابعتها لغرض تنميتها وصولا الى الهدف الاسمى من المعرفة،ولذلك نرى ان نسبة كبيرة من البشر هم بالغون في العمر الشكلي ولكنهم في طرائق تعبيرهم لا يختلفون عن الاطفال في شيء...
العقل اذا سوف يكون مظلما لا يمكن رؤيته في بداية نمو الانسان،ولكن المعارف المكتسبة والموروثة هي التي تنيره وبالتالي فأن العقل بدون معرفة لاقيمة له !...
الدماغ المعرفي بين التلقين والابتكار:
التلقين هو تلقي المعلومات الخارجية والاحتفاظ بها في داخل الدماغ بدون العمل على غربلتها سواء بالتحقق من مدى صحتها! او تطويرها حسب الظروف المختلفة وانما تبقى كخزين خام لا مجال ابدا لتكريره بغية الاستفادة المتنوعة منه،مما يعني انها اعاقة تامة للعقل البشري ومنعه من ان يقوم بواجبه الطبيعي المراد له في خدمة الانسان وفق مختلف الازمنة والامكنة!...
بينما الابتكار هو تلقي المعلومات من الخارج ثم العمل الجاد وفق الاصول المعروفة على تطويرها لتلائم الانسان وتقوم بخدمته وفق الظروف المختلفة...
وفي الحقيقة ان عملية التلقين هي بالرغم من انتشارها! الا انها عملية غير طبيعية بل هي ضد التطور البشري،لانه اساسا اي التطور يكون على شكل تراكم معرفي مستمر وبالتالي فأن التلقين الذي هو نتاج مرحلة واحدة من هذا التراكم المعرفي ضمن السياق التاريخي للحضارة الانسانية سوف يكون موجها للمستقبل بصيغة الماضي التي يعطيها الصفة المتكاملة التي لا تعرف الخطأ ابدا بالرغم من انها نتاج الانسان نفسه!...
التلقين المعرفي سوف يكون في الصغر لان الاطفال اكثر تقبلا سواء في التلقين او العمل به وسوف يأخذ من البيئة اكثر من غيرها وتكون العملية طويلة الامد ومصدرها في الاساس اثنان:الاسرة والمجتمع بمختلف مؤسساته من قبيل المدرسة او الشارع او النظام الحاكم او القبيلة الخ !...
تطور تكوين عملية التلقين هو ضمن سياق تاريخي طويل وبالتالي فأنه كلما كان ذلك العمق التاريخي طويلا كلما كانت عملية التلقين اكثر تركيزا وبالتالي اكثر صعوبة في التخلص من آثارها الجانبية!...ومصادر التلقين من المجتمع متنوعة وقد يكون هنالك طرف متفوق على آخر،من قبيل ان المصدر القادم من القبيلة او النظام الحاكم هو اكثر تأثيرا في العالم العربي على سبيل المثال منه في العالم الغربي الذي يضعف لديه هذين المصدرين ولكن التعويض سوف يكون من المصادر الاخرى من قبيل الاسرة او المدرسة ولكن التعويض في الغالب ليس كاملا للعناصر الغائبة بل يسد جزءا منها!... ولكن الملاحظ انه كلما تعددت المصادر كلما كانت السيطرة اكثر وضوحا وشدة،وغالبا ما تكون المصادر متجانسة مع بعضها البعض! لانه اي خلل في التجانس او ضعف فيه سوف يؤدي الى حدوث تمرد على عملية التلقين ذاتها مما يؤثر سلبيا على الجميع!...
يخلق التلقين انسانا مسلوب الارادة وبحسب قوة التلقين ذاتها،وقد يتمرد الانسان على عملية التلقين ولكن في الغالب تكون ليست فكرية بمعنى ان التمرد في السلوك المخالف لقواعد المجتمع التقليدية من قبيل المخالفة في الملبس او التحرر الجنسي بينما التمرد الفكري يكون اقل ندرة وتكون الطرق السلوكية موجهة له،وهي صفة غريبة حقا ولكنها اسهل كثيرا من التمرد الفكري الذي يلقي مقاومة اشد من قبل المجتمع بينما تخف الدرجة في النوع الاخر مما يعني ان خطورة الشذوذ في السلوك اخف تأثيرا من الشذوذ في الفكر مع ملاحظة ان ذلك الشذوذ هو معناه الخلاف مع الشائع ضمن المجتمع وليس بالضرورة ان يكون خاطئا والعكس صحيح!...
ضعف الابداع في المجتمع العربي بصورة خاصة وقوته في حالة المجتمع الغربي،يعود الى اختلاف في عملية التلقين واساليبه...ففي المجتمع العربي يخضع الطفل منذ البداية الى نظام دراسي فاشل تماما يقضي على اي ابداع لدى الطفل ومن المفجع حقا ان نرى ان الغالبية الساحقة من الكوادر التعليمية تساهم بصورة مباشرة او غير مباشرة في دعم ذلك السلوك الفاشل! لكونهم من نتاج العملية ذاتها وبالتالي فهم خاضعون لها بوعي او بدون وعي!...هذا يعني ان عملية الخلاص من تلك الطرق الفاشلة هي صعبة جدا خاصة اذا كانت صادرة الدعاوى من قبل القواعد الشعبية بينما يكون اكثر سهولة واعلى درجة في النجاح اذا كان صادرا من القمة والتي هي الدولة غالبا! لانها تمارس صلاحيات واسعة وبذلك يتسنى لها القدرة الواسعة المدعومة بالقوة في فرض الامر الواقع سواء اكان صحيحا ام خطأ وهو الشائع مع الاسف لان عملية التلقين تلتقي دائما مع الدولة في توجهاتها بينما ضعفها سوف يؤدي الى التمرد وبالتالي ضعف هيمنة الدولة وهيبتها!...
التراث الطويل من عملية التلقين في العالم العربي ليست وليدة الظروف الحالية بل هي نتاج مراحل متعددة من تاريخها...وبما ان التاريخ خلال القرون الماضية يسوده التخلف والجهل والفقر! فأن الانعكاس سوف يكون اكثر على عملية التلقين خاصة في ظل سيادة الخرافات الناشئة من الجهل ولذلك نجد ان التلقين في العالم العربي اكبر بكثير من اي تلقين في العالم ويساعد على ذلك وجود قوى اجتماعية ضاغطة على الفرد وتقيد حريته مما يحدها على الابداع والتواصل!...
المجتمعات العربية ليست بنفس الدرجة من التلقين لكون الظروف مختلفة فيما بينها بل احيانا ضمن البلد الواحد ممكن ان نجد القوة والشدة مختلفة وابسط مثال هو في مصر حيث يكون التلقين في الصعيد اكثر منه في المناطق الشمالية مثل القاهرة،ولذلك نشأت الكثير من الاوصاف غير المحمودة حولهم بدلا من محاولة النهوض بهم خاصة وانهم يشكلون نسبة عالية من المجتمع!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق