في سياحة الكتب 7:
1-كتاب:ابن العلقمي ودوره السياسي...تأليف محمد عيدان العبادي.
يتألف الكتاب من 271 صفحة ومطبوع 1428ه-2007 في قم-ايران.
الكتاب يتحدث عن اخر وزراء دولة بني العباس وهو مؤيد الدين محمد بن احمد الاسدي البغدادي العلقمي(1197-1258)ودوره السياسي ويتحدث بتحقيق علمي موثق يستمد قوته من 96 مصدر تاريخي عن سيرته وكذلك اوضاع الدولة العباسية والمجتمع الخ...واغلبية مصادر الكتاب هي سنية قسمها الى عدة تصنيفات.
يتهم ابن العلقمي من قبل خصومه بخيانة الخليفة العباسي وتسببه في سقوط بغداد بيد المغول!عام 656ه -1258م ...وهو اتهام في غاية الضحالة الفكرية ودلالة واضحة على مقدار الجهل المرتكز على التعصب الطائفي الاعمى المتوارث،وهذه التهمة السخيفة طورت حديثا حيث اتهم بها شيعة العراق بأنهم سبب سقوط بغداد عام 2003!! وكأن الدولة دولتهم والجيش جيشهم ولهم القدرة الكافية على صد امريكا وحلفاءها من الغرب والعرب واصبحوا بالتالي احفاد اصلاء لابن العلقمي!وبالتالي هم رموز الخيانة وكأن الدول العربية وانظمتها المتغيرة وهي جميعها سنية المذهب منذ قرن تقريبا بريئة بل ومعصومة من تهم الخيانة والاستبداد والفساد والتعصب الذي اوصل الحال الى هذا المستوى المتردي!!...
اذا تلك الخزعبلات المضحكة متوارثة منذ القدم ولا يتلقفها الا المتعصبون بعقولهم المنغلقة فينشرونها بين جهلة العوام،وما ادراك ما جهلة العوام؟!...
الكتب المحققة حول مؤيد الدين بن العلقمي هي قليلة،وبالرغم من قلتها فأن المطبوع قديم ومفقود ولا تعاد طباعته كبقية الكتب المهمة،بينما تطبع الكتب التافهة الفاقدة لكافة المقاييس العلمية والادبية بطباعة فاخرة وبعدة مرات!!.
الكتاب اعلاه يتألف من خمسة فصول الا ان الفصليين الاوليين يتحدثان عن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة آنذاك،وفي الحقيقة توسع المؤلف فيهما بشكل لا داعي له! بل وحتى بعض اجزاء الفصل الثالث،وكان من المفروض ان يركز البحث حول ابن العلقمي وسيرته ودوره،بدلا من الشرح خارج الموضوع حتى لا يمل القارئ ولا يخرج البحث من سياقه التاريخي.
الاتهامات التي ملئت بعض كتب التاريخ حول ابن العلقمي قسمها المؤلف وفق تصنيفات عديدة ولكن برزت ملاحظة حولها انها غير معاصرة لابن العلقمي وكذلك فأن غالبيتها من مؤرخين من خارج العراق مما يعني انهم نقلوا تلك الروايات بدون ان يشاهدوها او يدققوا فيها!...
وبالرغم من قلة المصادر الموثقة حول ابن العلقمي نتيجة للمرحلة التاريخية آنذاك والتي اتسمت بالضعف الحضاري الا ان تحقيق المؤلف كان جيدا ومفندا لكثير من تلك الخرافات،كما ان هنالك كتب وبحوث اخرى خارج الكتاب المذكور تفند ما جاء من اتهامات باطلة ومضحكة من قبيل رواية الكتابة بالابر على راس جاسوس لكي يوصل رسالة ابن العلقمي للمغول! ثم قتل الجاسوس بعد قراءة تلك الرسالة المضحكة،وكأن المغول بحاجة لرسالة تحتاج الى اسابيع للوصول اليهم لكي تلتئم الجروح ويرجع الشعر الى طبيعته وهم على مقربة من بغداد ومعهم عدد من قادة الجيش العباسي من المماليك الاتراك وولاته مثل والي الموصل هم ليس فقط متواطئون بل مشاركون في الزحف على بغداد!وبالتالي فهم لا يحتاجون الى جواسيس أو رسائل ولكن هؤلاء بنظر مؤرخو تلك المرحلة واغلبيتهم يعيش في دول يحكمها مماليك،ابرياء وغير متهمون بشيء بل واحيانا يبرر لهم خيانتهم!...
الوزير ابن العلقمي كان شخصية علمية وادبية رفيعة درست على يد مشاهير العلماء بأعتراف الجميع وخاصة خصومه وهو ينتسب لقبيلة بني اسد العربية مما يجعل اتهامه بالفارسية امرا مضحكا! وخدم الدولة العباسية مدة تزيد عن ثلث قرن! وبالرغم من انه شيعي الا ان الخليفة المستعصم اختاره للوزارة قبل سقوط بغداد ب14 عام وهي حالة نادرة وكان قبلها مشهورا بأخلاصه ودقة عمله وحياديته،وهو لم يتعصب للشيعة او يحميهم من المذابح التي ارتكبت خلال فترة توزره وآخرها عندما قاد قائد الجند وهو من المماليك الاتراك وابن الخليفة وهما من اشد خصومه بمجازر مروعة ضد الشيعة على يد جيش الخلافة والرعاع من العوام قتل فيها الاف الابرياء وانتهكت الاعراض ونهبت الاموال في بغداد بسبب مخجل وهو مقتل احد عوام السنة على يد شيعي اقتص منه بعدها!!.. وهذا يعني ان صلاحياته بقيت محدودة وغير مؤثرة بحيث لا يستطيع فرض الامن في العاصمة لكونها خارج صلاحياته وانها تحت ادارة الخليفة وخصومه!...
اخر خلفاء بني العباس وهو المستعصم بالله كان ضعيفا منشغلا بملذاته وخاصة مع النساء حيث كان يملك مئات الجواري ومثلهن من الخادمات وللدلالة على وضاعة شأنه وضحالة تفكيره مثل غالبية الخلفاء العباسيين ،هو حزنه الشديد اثناء حصار بغداد على جارية له قتلت بسهم دون ان يكون له بنفس مستوى حزنه على زوال دولته او ابادة الملايين من الابرياء!وكذلك اشتهر بحرصه على تجميع الاموال وعدم صرفها على الجند مما استدعى تمردهم لعدة مرات في وقت كانت الدولة في حاجة اليهم لصد توسع المغول!وطبعا كل ذلك مذكور في المصادر التاريخية...
وللتغطية على تلك المخازي لم يجد مؤرخو المماليك افضل من ابن العلقمي كونه معاديا سياسيا ومذهبيا لهم للصق كل التهم الضعيفة التركيب به لانه لم يكن قائد للجند وليس لديه صلاحية صرف الاموال او اخذها من الخليفة وكذلك لم يكن منغمسا في الملذات كالخليفة الذي تجاهل خطر المغول دون ان يعد العدة لصدهم بالرغم من سيطرتهم على بلاد اسلامية كثيرة وابادة شعوبها!.
وفي الحقيقة ان المغول بنوا دولتهم الواسعة الاطراف قبل سقوط بغداد بنصف قرن واستطاع جدهم جنكيزخان بوحشيته المفرطة من ابادة اقوام ودول حتى يرعب البقية ويؤسس لدولة قوية ومرهوبة الجانب...وكان خلفاء بني العباس حينها يتجاهلون خطرهم بل كانوا مثل بقية امراء الدول المسلمة الاخرى في حالة صراع داخلي وكان بعضهم يشجع المغول للقضاء على منافسيهم كما فعلوا مع الدولة الخوارزمية المنافسة!ومن المحزن ان بعض اتباع المذاهب الاربعة في الشرق كانوا في حالة صراع داخلي واستعانوا بالمغول الذين ابادوهم جميعا!!،واصبحت دولة المغول تمتد من اقصى شرق الصين وشمال الهند وبلاد السند والافغان واسيا الوسطى وايران حتى وسط روسيا!وبقايا التتر في روسيا الان هم شواهد على اتساع تلك الامبراطورية التي وصلت الى حد التحالف مع اوروبا المسيحية للقضاء على الاسلام بالرغم من انها وثنية!...وكان بقية الامراء المسلمون يتنازلون عن سلطاتهم ويخضعون للمغول ويقدمون الهدايا وفروض الطاعة بغية المحافظة على بلادهم من خطر الابادة! ولذلك اصبحوا قوة كبرى ولم تقم الدولة العباسية بجهد لمقاومتهم خاصة مع ضعفها،وكان رأي ابن العلقمي هو ان يرسلوا الهدايا ويقدموا فروض الطاعة لتجنيب البلاد من شرورهم عندما طلبوا المغول ذلك،الا ان الخليفة الضعيف الذي كان يؤيد هذا الرأي سرعان ما تحول الى رأي خصومه المتنافسين اصلا ! وبالتالي تسببوا بسقوط بغداد والتي قتل فيها مايزيد عن مليون من الضحايا من جميع الملل مما يعني ان خرافة اسباب الخيانة قد سقطت لان المغول اساسا لم يتعهدوا باقامة دولة علوية او حتى عدم قتل الشيعة،لان دولتهم اساسا وثنية واشتهر عنهم وحشيتهم المفرطة ولم يعترفوا بدين او مذهب او قومية الخ...الا ان ذلك قد تغير بعد سقوط بغداد بعدة عقود واعتنقوا الاسلام واصبحوا من بناة الحضارة الاسلامية خصوصا في الهند واسيا الوسطى!...
التدقيق في التاريخ ممتع بالرغم من الجهود المتعبة ولكن النتيجة هي الاكتشافات المثيرة التي اسقطت الكثير من الخرافات المتداولة والمتوارثة والتي جعلت شعوبا بأجيالها تعيش في ضلالة فكرية من الصعب عليها الان الخروج من مستنقعها الاسن دون الاستناد الى اهل الخبرة والمعرفة المخلصون في نياتهم واعمالهم...
2-كتاب: الابداع...دراسة في الاسس النفسية الاجتماعية والتربوية لظاهرة الابداع الانسانية...تأليف: د. عوني معين شاهين...وحنان فاضل زايد.
الكتاب مطبوع في الاردن عام 2009 ويتألف من 296 صفحة.
الكتاب جهد معرفي كبير يستند على حوالي مائة مصدر عربي واجنبي ويتألف من تسعة فصول...كتب بطريقة اكاديمية موضوعية قد لا يراها القارئ العادي ملائمة له خاصة في طريقة استخدام هارفارد في التوثيق وكتابة المراجع بكثرة مما يعني ان اضافة المؤلفان هي اقل من الاستعارة من المراجع المعتبرة...ومع هذا فأن الكتاب احاط بالابداع والنظريات المتعلقة به من كافة المصادر والاراء مما يدل على وجود جهد كبير في تأليفه.
تحدث الفصل الاول عن مفهوم الابداع والتعريفات المتعددة له،وهي بأختصار اضافة واختراع الاشياء بغية جعلها متداولة ومفيدة للجميع...
وقسما مكونات الابداع الى :الطلاقة مثل الطلاقة اللغوية والفكرية،والمرونة اي القدرة على توليد افكار متعددة،والاصالة اي التفرد والتوسع والتفصيل.
اما مستويات الابداع فهي:الابداع بالتعبير مثل رسومات الاطفال العفوية، والابداع المنتج،والابداع الذي ينتج اختراعات والابداع التجديدي،والابداع الخلاق،واخيرا التفكير الابداعي الذي هو نشاط عقلي مركب للبحث في حلول او التوصل الى نتائج جديدة...
في الفصل الثاني،تحدثا عن ابعاد الابداع خاصة في ظل المناخ المحيط وشخصية المبدع مع النتاج الابداعي...
وفي الحقيقة ان البيئة لها دور رئيسي في تنمية الابداع او حتى قتله في المهد! ولذلك نلاحظ ان اغلبية المبدعين في العالم الثالث وبخاصة العالم العربي يصابون بأحباط شديد ناتج من البيئة المحيطة سواء الرسمية او الشعبية التي ليس لديها ادنى استعداد للتعامل بمسؤولية مع المبدعين! والاحباط يولد اشياء عديدة اسوأها حالة الانتحار او التطرف في العداء!.
ولكن لوحظ من خلال دراسات عديدة ان المبدعين يصلون الى قمة نتائجهم الابداعية بين سن 35-45 في غالبية الفروع.
في الفصل الثالث عرض المؤلفان نظريات الابداع،ولوحظ من بعض النظريات التركيز على حالة تحقيق الذات وارتقائها والامن والانتماء واشباع الحاجات والغرائز.
اما في الفصل الرابع والمتعلق بأكتشاف وتشخيص الابداع،فأن النظريات والدراسات المتعددة اختلفت في طرق التعرف،ولكن من خلال قائمة رصد مذكورة،وضعت بعض الملاحظات من قبيل :
يمتلك معرفة عامة واسعة وشاملة،وذو قدرة عالية على استرجاع المعلومات بسرعة،ويكون فضوليا ويحب الاستطلاع،ويظهر بصيرة جيدة في ربط السبب بالمسبب،ويوجه اسئلة بحثية كثيرة مثيرة للجدل والاستفزاز، ويستوعب المبادئ الكامنة بسهولة ويكفيه الحد الادنى من الايضاحات، ويكون سريع الوصول الى تعميمات،ويسعى غالبا الى الترابط غير المالوف،ويستمع الى جزء من الشرح لا كله!،ويظل يقظا وقوي الملاحظة،وعندما يجد شيئا يلفت انتباهه فأنه يستغرق فيه مدة اطول،يثابر ويحرص على انجاز المهمات،ويهتم بالمسائل التي تشغل الراشدين مثل الدين والسياسة،يتلاعب بالافكار بصورة ذكية ويعنى بالانظمة والاشياء ويتمتع بروح الدعابة ويجد ذلك في الشيء غير المألوف،ويتذوق استخدام المجازات والعبارات اللغوية،ويتسم نقده بأنه يكون بناء ويقوم على اساس من الاستدلال والاستنتاج،ويعارض قبول البيانات السلطوية والتقليدية من دون تفحصها بدقة،ويتحقق نمو القدرات العقلية لديه اسرع من نمو الامكانات الجسدية،ولديه احلام يقظة،ويقرأ بسرعة ويحفظ ويتذكر ما قرأه،ولديه قدرة متقدمة على اقرانه في فهم التعبيرات اللغوية ويبدي تعاطفا مع الاخرين،ويكون رقيق الاحساس،ويدرك المشكلات بسرعة ويتخذ المبادرات المناسبة حولها...
يتحدث المؤلفان عن طرق تنمية الابداع وان كانت غير مفصلة او واضحة الا ان موضوع الفرق بين الرأي والحقيقة مثير في الاختلافات التي لا ينتبه اليها كثيرون او يخلطون فيما بينها!...مثلا الحقائق وقعت في الماضي وعدد قليل من الناس لا يقبلون بها وتحوي معلومات رقمية وتبنى على خبرات عدد كبير من الناس،بينما الاراء تختلف في كونها من المحتمل ان تحدث مستقبلا،او عدد اكبر لا يتفقون معها وليست اكثر من مقولات عامة لم تثبت بصورة فعلية او مبنية على ما يعتقد الفرد انه صحيح...
وبعد شرح مفصل للاساليب التربوية التي تفيد المختصين اكثر من الافراد العاديين،يتحدث المؤلفان في الفصل الثامن عن معوقات التفكير الابداعي والتي من ابرزها المعيقات الشخصية:مثل ضعف الثقة بالنفس،والميل للمجاراة اي الامتثال الى المعايير السائدة والروتين القاتل والاطر الاجتماعية والحماس المفرط الذي يؤدي الى نتائج خاطئة،وحالة التشبع اي الوصول الى حالة الملل وانخفاض الوعي،وعدم الحساسية والشعور بالعجز، واستخدام حاسة واحدة في التفكير،والصعوبات التعبيرية،والخوف من الخطأ،ونقص التحدي،وعدم الرغبة في التطور،وحب الذات الذي هو من اخطر المعوقات في تقديري...
اما الفصل التاسع فهو يتحدث عن اهمية العناية المبكرة في تطوير الموهبة والابداع،فمن المعروف انه اذا اهمل الوالدان او منحا طفلهما الدلال الزائد فأن ذلك يؤدي الى حدوث ازمات نفسية اوسلوك سيء للطفل،والعناية المبكرة هي مسؤولية عامة وخاصة يشترك فيها المعلمون والوالدين...
وفي الحقيقة ان العناية المبكرة ضعيفة جدا في عالمنا العربي وبالرغم من وجود الدراسات والبحوث المختلفة الا ان التطبيقات شبه معدومة مع تجاهل الحكومة والمجتمع لها مما يعني ان الحالة المأساوية في تحطيم الابداع بدلا من رعايته والعناية به،وهي مازالت سائدة في عالم يتسابق في رعاية كل مبدع من جميع النواحي المادية والمعنوية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق