اسطورة التغيير الفوقي - القسم الخامس والخمسون
المبحث السابع:
الارهاب والتطرف: علامات فارقة للحكم الفوقي
التعامل البيني بين الطبقات الفوقية الحاكمة نفسها وبينها وبين الطبقات السفلية للمجتمع يكون على قاعدة انعدام الثقة والريبة لانهما ناتجان من الاستغلال والتسلط الغير مقبولان ولكن للامر الواقع والغلبة قدرة خفية متوحشة للقهر واخضاع الاخر لفترة طويلة وتنشأ خلالها لدى الحاكمين قدرات نفسية متوارثة للحكم والتسلط وللمحكومين قدرات نفسية متوارثة للخضوع والاذلال مع الحقد الدفين الذي لا يظهر الى ارض الواقع الا مع زوال اسباب الخوف والرعب! وبين الطرفين تنشأ علاقة كره متبادلة وتمتد الى مختلف طبائعهما المتوارثة وبخاصة صيغ التعامل اليومي مع شيوع ثقافة متميزة لكل منهما تختلف كثيرا ولا تتفق الا في مواضع محدودة،وفي النهاية يكون الارهاب والتطرف هو الحصيلة الطبيعية للتعامل بين الطرفين وعلامته الطبيعية هي العنف والعنف المضاد...
يجب التفريق بين الارهابين:الاول هو ارهاب الحاكمين وهو الفعل بينما ارهاب المحكومين هو رد الفعل!والفارق كبير جدا بينهما ولكن يشاع فقط هو ارهاب رد الفعل وعليه دائما يقع اللوم والتجريم! بينما تتناسى الغالبية العظمى من الذين يتسبب لهم الارهاب والتطرف من ألم وظلم من ان الارهاب الاول هو المسبب للارهاب الثاني وبالتالي اللوم يقع اولا واخيرا على النوع الاول بدون تبرئة الثاني!...
كلا النوعين يتسبب بهما تطرف وايضا كالارهاب هو تطرف حاكمين وهو الفعل وتطرف مضاد وهو رد الفعل من جانب المحكومين!...ولكن الفارق بينهما هو ان التطرف العملي صادر من قبل الحاكمين وهو اقوى بينما التطرف النظري هو صادر من قبل النخب المعارضة للمحكومين وهو اضعف! بينما تصور الدعايات الحكومية العكس وكأنها حمل بريء لاذنب له سوى مقاومة التطرف والارهاب بينما هو مسبب لهما من خلال السيطرة الغير شرعية على الحكم والتحكم بموارد الامة المادية والبشرية دون ادنى مراعاة للطبقات الاخرى التي تتعرض لمنهج ثابت من الرعب والخوف والذي تزرعه الاجهزة المتعددة للدولة بغية ابعادها عن المحاسبة او الذهاب الى ابعد من ذلك وهو التطلع للمشاركة في الحكم والذي هو حق طبيعي من حقوقها الشرعية والذي لا يحتاج الى ادلة في قانونيته او عدالته وانما العكس صحيح في ان الطبقات العليا المتحكمة تحتاج الى اثبات شرعي وقانوني في تحكمها بموارد وسلطات البلاد!...
ان التحكم الطويل الامد سوف يولد شعورا بالظلم والاهانة من قبل الطبقات الشعبية المسحوقة وسوف يقتل في نفس الوقت كل التيارات الوسطية التي تعتمد الحوار واللاعنف والمنطق والدعوات الصادقة كأساليب للتعامل مع الاعلى بغية الوصول الى حلول وسطية لتجنيب البلاد والعباد الدمار وسقوط الضحايا ثم الوصول الى الهدف الاسمى وهو التغيير الجذري السلمي على المدى البعيد!...هذا يعني ان كل انواع المعارضة السلمية الغير متطرفة سوف تختفي من الساحة بفعل الضربات الاستباقية للطبقات الفوقية الحاكمة او حتى تنحصر ثم تنعزل في مواقعها بعد ان يدب اليأس والقنوط من الاصلاح والانفتاح!... يؤدي ذلك وبشكل طبيعي الى ظهور تيارات التطرف بمختلف اشكالها كرد فعل طبيعي على التطرف الحكومي واحيانا تكون البداية هي ظهور نظريات وآراء تأخذ بمرور الزمن طريقها نحو التطبيق العملي بفعل النمو في تربة خصبة! فهي اي الافكار المتطرفة كالبذور المزروعة ولكنها تحتاج الى وقت طويل كي تنبت وتعطي ثمارها بفعل العوامل المساعدة لها...سوف تنشأ من جراء ذلك تيارات سياسية واجتماعية ترى في تعصبها لافكارها وتطرفها في تطبيقها ورفض الاخر هو نتيجة طبيعية لتعصب الحاكمين وتطرفهم في رفض قبول الاخرين فيسبب ذلك وجود حالة غير طبيعية وشاذة متحكمة بالبلاد بالمقارنة مع بلاد اخرى حققت قفزات عالية في التنمية والتحضر من خلال الاختلاف في طبيعة النظام وتركيبته التي تختلف جذريا عن البلد.
نلاحظ انه في الامم المتحررة من قيود الاستبداد ان التطرف موجود كظاهرة طبيعية لاختلاف الرأي بين البشر ولكنه محصور في نطاق ضيق لا يسمح القانون والغالبية العظمى من الرأي العام بأنتشاره فضلا عن سيطرته اللاحقة على الحكم،لان وجود العدالة والحرية والديمقراطية مع التربية المعتمدة على المبادئ الوسطية واحترام الاخر،هي موانع حقيقة ولا تحتاج الى قمع وعنف كما تعمل الانظمة الاستبدادية بل وتفشل في عملها!...اذا توفير الحقوق الاساسية للبشر وتيسيرها للجميع بمستوى واحد فهي كفيلة بأخماد اي تطرف لان الوسائل متوفرة للتعبير والمشاركة في الحكم وفق الاليات المتاحة،وتبقى حالات التطرف الشاذة موجودة ولكن على نطاق ضيق جدا وتكون محصورة في مسائل بعيدة عن التطرف في الانظمة المتحكمة بها طبقات فوقية،من قبيل معادة الاجانب او التطرف القومي او في مجالات الحريات الشخصية والاقتصادية الخ...
التطرف في البلاد الاخرى الغير متحررة هي تظهر في كل شيء بما فيها اشكال التعامل اليومي بين البسطاء،وقد يعزو البعض ذلك الى تراث طويل من التعصب الاعمى الا انهم يتجاهلون بطريقة مباشرة او غير مباشرة الاسباب الناشئة من هذا التعصب لان البشر اذا عاشوا في بيئة خالية من الاستبداد والظلم فأن مشاعر التعصب سوف تضعف لديهم وبالتالي سوف تضعف حالة نقل التطرف الى الاجيال اللاحقة... بينما تفسير التطرف لوجود حالات جينية متوارثة عند الشرقيين هي من السخافة التي يجب ان لا يعتنى بها مهما كانت البراهين الهزيلة التي تظهر وكأنها قوية في الدلالة والسند!.
التطرف لا يختص بمجموعة بشرية دون اخرى! رغم ان ينتشر بين صغار السن اكثر من غيرهم بسبب قلة الخبرة والرغبة الحامية في التغيير دون مراعاة الظروف الخ ...او يختص بتربة دون اخرى في حالة التفسير المضحك التي تفسره وفقا للبيئة الجغرافية وتحكمها بالبشر!...بل هو حالة عامة طبيعية من وضع غير طبيعي وليست غير طبيعية من وضع طبيعي ولنا في التاريخ امثلة عديدة!...
التطرف لا يمارس عمله الا من خلال طريق العنف لان التطرف هو حالة مرفوضة لكونها شاذة ولكن الواقع السيء يفرض وجودها كرد فعل ولذلك تجد في العنف الوسيلة المفضلة للتطبيق لاستحالة التغيير وفق الاساليب السلمية التي تنتشر فيها تقسيم السلطات والذي يتعارض بطبيعة الحال مع السيطرة الغاشمة التي يحاول التطرف الوصول اليها مما يعني ان السبيل الوحيد له هو العنف بمختلف اشكاله!.
اما الارهاب والذي يكون موجودا بعدة اساليب كالعنف والقهر وتخويف الاخرين فهو ملازم للتطرف ولا ينفصل عنه الا نادرا وهو رد فعل طبيعي على ارهاب الطبقات الفوقية ولكن الفارق بينهما ان ارهاب السلطات العليا هو قانوني وطبعا حسب تفسيرهم بينما الاخر هو غير قانوني رغم انه رد فعل! ولكن في الحالتين يكون الارهاب مرفوضا جملة وتفصيلا الا في حالات نادرة للقصاص من عتاة المجرمين عند الطرفين اذا استعصت الوسائل القانونية للقصاص منهم!...
ان الارهاب هو فعل قديم وليس حديث الظهور ولكن شاع الحديث عنه منذ انتهاء الحرب الباردة لكون انه اصبح منظما واصبحت عدد كبيرا من الدول من جميع الاتجاهات تحاربه بطريقة غبية! لانها تتجاهل اسباب ظهوره لكون بعض تلك الاسباب ناشئة من الدعم للمتسببين بظهوره!... فدول عديدة تزرعه بأجراءاتها الخاطئة ثم تشن الحرب عليه باليد الاخرى!...
لقد مارست الغالبية الساحقة من الانظمة في التاريخ الارهاب بطريقة او بأخرى وبأختلاف الوسائل ايضا وذلك لكونها طريقة مفضلة لاخضاع الخصوم دون نسيان ان ذلك سوف يحول الخصوم المسالمين الى ارهابيين كرد فعل مباشر وطبيعي،ولذلك فأن اللوم الرئيسي يخضع على المتسببين بذلك الارهاب من الطبقات الفوقية المتحكمة...
الشيء الجديد في الارهاب الحديث انه اصبح عابرا للقارات ومستخدم احدث الوسائل وله امكانيات مادية وبشرية ضخمة ومن المثير للسخرية ان بعضها يأتي من انظمة تعلن العداء الرسمي للارهاب! ولكنها تستخدمه كوسيلة للضغط على الخصوم من الانظمة الاخرى حتى لو اختلف اصول الارهابيين عن داعميهم!...
الارهاب المضاد خرج عن نطاق رد فعله الطبيعي ليصل الى فئات هي بعيدة عن الصراع والانتقام مما ادى الى ان الغالبية الساحقة من ضحايا الارهاب المضاد هم ابرياء لا دخل لهم بالصرعات وانما جاء وجود حظهم العاثر من خلال تواجدهم بالقرب من خلايا الارهابيين ليتسبب في نهايتهم المأساوية!..
الاسس الفكرية للارهابيين بمختلف اتجاهاتها هي هزيلة ولا تقاوم امام العقل والمنطق السليم ولذلك فأن الفئات الاكثر تخلفا وقهرا في المجتمع هي الاكثر تقبلا للارهاب لانها الغير قادرة على الوقوف امام الغزو الفكري الداعي له مع توفر البيئة الملائمة لهؤلاء مما يجعلهم جنودا بواسل له تصل الى حد افناء الروح بغية الانتقام والتعبير عن حالات رفضهم للواقع السيء! ومدعومين بعدد هائل من وعاظ السلاطين ودعاة الكره ونفي الاخر الذين يستخدمون الادلة الدينية لشحن الاتباع ضد الاطراف الاخرى دون ان يكون الوعي والتثقيف موجه ضد سراق السلطة والقوت! وليس خافيا ان الكثيرين ايضا من الكوادر المثقفة قد سارت على نفس المنهج الارهابي النظري بل وشاركت فيه ايضا في نواح عديدة!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق