في سياحة الكتب 4:
انهيت قراءة كتابين في وقت واحد،الفارق الزمني في تأليفهما هو ربع قرن!،الا ان بعضا من افكارهما مازالت سارية المفعول في عالمنا العربي بالخصوص لانهما يتوجهان له في الحديث...ليس بالضرورة ان اتفق معهما فهما في النهاية كتابين يمثلان رأيي صاحبيهما ومن يواليهما في الرأي،ولكن تأييد افكارهما دون سند او محاربتهما دون براهين قوية قاطعة،هي مكمن الخطأ هنا ولذلك تجنب الحديث دون القراءة،وتجنب المعارضة والموالاة دون استيعاب عميق للكتاب ومقصد صاحبه،هي منية المريد في طلب العلم والمعرفة،وما عدا ذلك يهمل!...
الكتاب الاول:
في وداع العروبة:تأليف حازم صاغية
الكتاب يتألف من 191ص من القطع المتوسط،طبعة 1999 في بيروت- لندن من دار الساقي....يتكون من مقدمة و 10 فصول...
الكتاب هو خلاصة فكرة للمؤلف ناتجة عن احباط شديد في فترة التسعينات والتي تميزت بضعف الانتماء العربي الموحد نتيجة لشدة الانقسامات،وبروز الدولة القطرية التي اخذت تحل تدريجيا منذ عقود من الزمن في شخصية وكيان الفرد العربي،واصبح الحديث عن الوحدة العربية،كالحديث عن الامبراطوريات المسلمة السابقة التي حكمت العالم الاسلامي ومن ضمنها عالمنا العربي!
حشد المؤلف في الكتاب كم هائل من الامثلة لتأييد آرائه في استحالة الوحدة او في صعوبتها،ورغم ان الامثلة تؤيده بقوة الى حد ما،الا ان الكثرة صاحبتها ضعف في التحليل الموسع مع ضعف تأييد بعض الامثلة وبذلك يمكن القول ان قلة الامثلة كافية للتوضيح بدلا من الكثرة التي تشتت البراهين وتضعف ترابطها وتجعل من الصعوبة الربط بينها وبين الامثلة السابقة الاقوى منها....
من آراءه هي ان المشرق العربي هو منبع الفكر القومي ومكمن القيادة فيه،بينما المغرب العربي لم يكن بمستوى المشرق في الدعوة العروبية،ويعود ذلك لعدة اسباب ابرزها البعد المكاني والتأثيرات القوية للحضارة الاوروبية على شعوب تلك البلدان مما يجعلها ضعيفة الصلة الى حد ما بالثقافة العربية،ثم يعرج على ان مركز المشرق يتركز في بلاد الخصيب والتي تضم بلاد الشام والعراق،ثم يضع بعد ذلك قوة الزعامة والمركز في سوريا،بعد شرح وافي من وجهة نظره اسباب اختياره واستبعاده لتلك البلدان....
تطرق المؤلف مرات عديدة للوحدة الالمانية والايطالية بأعتبارهما نموذجا مثاليا في نظر اصحاب الفكر القومي،ثم بين صعوبة تحقيق هذا الحلم في الوقت الراهن لان الظروف الموضوعية التي تحيط بالعالم العربي تختلف عن تلك التي احاطت بالبلدين الاوروبين،ولكن في تركيز واضح على الاسباب الداخلية وليست الخارجية كما يحلو للبعض التركيز عليها!.
كذلك تطرق في نهاية الكتاب لتأثير العامل الاقتصادي الذي هو اهم عامل في العصر الحديث،ولكنه لم يعطي له الشرح الوافي خاصة في تأثيره على الوحدة الاوروبية الحديثة !،واعطى شرحا وافيا لدور اللغة والتاريخ المشترك وبين ضعفهما في بناء امة موحدة قادرة على الصمود،كما شرح الفورقات الاقتصادية بين البلاد العربية وأثرها على بناء تفرقة حقيقية نابعة من ثراء البعض وتخلف البعض الاخر...الى هنا ينتهي عرض الكتاب المستعجل الذي يضم افكارا اخرى تحتاج الى شروحات تفصيلية ولكن الدعوة للقراءة هي ضرورة ملحة...
في تقديري ان ضعف العروبة وتأثير العامل القومي في وحدة العرب،يعود الى اسباب عديدة سوف اذكر بعضا منها وحسب وجهة نظري فيها ولكن في اختصار شديد لان المكان لا يتسع للاستطراد والتأمل وتحشيد الامثلة وابراز القوة والضعف فيها! وهي لم تحظى بدراسات وافية شافية للنهم المعرفي وطلابه، ولذلك فأن هذا النقص الفادح مازال موجودا ومؤثرا لحد الان في التفكير العربي المعاصر، والدراسات الموجودة على ضآلتها تخضع في اغلبها للتفسيرات الشخصية لكتابها والتي هي بالاساس مؤدلجة مسبقا،وغير ناتجة من موضوعية مجردة...
من اهم اسباب فشل العامل القومي هي القائمين بها انفسهم!فهم دعاة سلطة الى حد الافراط المميت! بالاضافة الى جهل معرفي واسع لدى هؤلاء الدعاة اليها،اثر الى حد ما في نتاجاتهم الادبية ولذلك نرى ان الفكر القومي العربي بمختلف اتجاهاته هو ضعيف الى درجة لايقارن بفكر علماني مثل الماركسية والتي سقطت في آخر الامر رغم ثرائها المعرفي!،او الى فكر ميتافيزيقي روحاني عميق الاثر مثل الفكر الاسلامي في مدارسه المتعددة،ولهذا السبب نجد ندرة من يشاد لهم بالبنان في كتاباتهم ناهيك عن دعوتهم بالفلاسفة والمفكرين!...
من الاسباب ايضا هي الهزائم القومية المتكررة وهذه الهزائم من الفداحة بشكل عجيب جعلت دعاته اضحوكة ورمزا للجبن والتهاون،وهزائم الحروب العربية مع اسرائيل هي نموذج بارز لتلك الهزائم،ثم توالت الهزائم في حروب اخرى تدميرية مع دول مجاورة لدول العالم العربي وهي عبثية بأمتياز بشع! ومن ابرزها الحرب مع ايران(1980-1988) والحرب مع تشاد(1987)والحروب مع اثيوبيا واوغندا،هذا بالاضافة الى حروب الداخل مثل حرب شمال العراق والحرب الاهلية اللبنانية،والحروب الاهلية في السودان وحرب البوليساريو،وهذه الحروب اضعفت البلاد وانهكتها كما انها فضحت المتاجرين بالفكر القومي من خلال الفظائع التي ارتكبت خلالها والتي هي بعيدة عن كل معاني الانسانية والرجولة والفروسية،من خلال احلال معاني الوحشية والهمجية والانحطاط الخلقي.
من الاسباب ايضا،صراع الفكر القومي مع تيارات فكرية هي اقوى منه بكثير،واستخدامه للقمع الوحشي في التعامل مع تلك التيارات كنتيجة دالة على ضعف موقعه الحواري وخضوعه للاستبداد الذي يجعله يتحكم بالبلاد والعباد،وكانت بداية ذلك مع التيارات الماركسية في اوج شعبيتها خلال فترة الخمسينات والستينات،وايضا مع التيارات الليبرالية التي هي اساسا مسالمة ولكن لم تنجو من القمع الوحشي بحجة المحافظة على الامن والاستقرار السياسي،ثم جاء الصراع الاخير مع التيارات الاسلامية الناتجة من الصحوة الاسلامية منذ انتصار الثورة الايرانية،رغم ان له سابقة قبل في تصفية التيار الاسلامي السياسي في منتصف الخمسينات في مصر،وهذا الصراعات رغم ان النهاية كانت للتيار القومي بفضل تحكمه في السلطة السياسية القمعية،الا انها في الحقيقة هزيمة معنوية واخلاقية له لا تنسجم مع روح الفروسية ،ولذلك جاءت انخفاض شعبية التيارات القومية بسبب فرضها سياسة الامر الواقع بقوة السيف على التيارات الفكرية الاخرى والتي انكفئت ولم تهزم!.
خضوع الفكر القومي بسهولة للاستبداد الشرقي،بل اصبح تابعا ذليلا له ومبررا لاعماله الاجرامية ،ولم يقف عند هذا المنعطف الكبير رواده بغية مراجعة ذاتية شجاعة تبعد الفكر القومي عن محاولة استغلاله لتثبيت النظم الاستبدادية،بل على العكس من ذلك وقف اما منحازا او على الحياد امام الانتهاكات المتكررة لحقوق الانسان مما شجعها على انتهاكات البلاد وحرمة شعبها !ولذلك فأن رؤية رواد ومؤيدي الفكر القومي في تأييد طاغية عربي أيا كان وتحشيد الدعم له، اصبحت من البديهيات الطبيعية التي لاتقبل النقاش وبذلك اصبحت غالبيتهم ينعقون مع كل ناعق مستبد!!.
من الاسباب الرئيسية هي عدم وجود نظريات اقتصادية يمكن الاعتماد عليها في بناء فكري متين لخلق نظام اقتصادي شامل يوازي الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي ويلائم العالم العربي، وتخبطه في التخطيط الاقتصادي جعلت نتائجه في غاية البؤس،وتخلف البلاد العربية الان هو نتيجة حتمية لضعف فكري ومعرفي واضح في التنظير الاقتصادي وتطبيقاته،ويمكن ملاحظة تبعية الفكر القومي العربي،للفكر الاقتصادي الاشتراكي في قوة بروزه وانتشاره منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى حد سقوط المنظومة الشيوعية عام 1989 وعنده تحول بقدرة قادر! الى الفكر اليميني في الاقتصاد،اي الفكر الرأسمالي بعد ان اثبت جدواه وفعاليته في الواقع التطبيقي.
من الاسباب المهمة هي الصراعات نفسها بين الدول العربية والتي وصلت الى صراعات دموية مهلكة،ثم تحولت الى صراعات آيديولوجية في الحزب القومي الواحد الذي يحكم بلدين مجاورين(العراق وسوريا) والذي فشل في بناء دولة واحدة تجمعهما فكيف يوحد دول مختلفة!.
وفي النهاية فأن الاتجاه العالمي نحو العولمة هو في الحقيقة الضربة القاضية للفكر القومي الذي كان يعاني سكرات الموت منذ هزيمة 1967 !وقد طالت مدة رقوده في الفراش بحيث اصبح يحتاج الى ضربة صغيرة لازاحته من مكانه وافساح المجال للاخرين ووضعه في متاحف التاريخ الفكري!،والعولمة التي اجتاحت الاقتصاد العالمي في البدء،تحولت نحو الفكر والتراث والعادات والتقاليد الى ان دخلت في ابسط امور الانسان المعيشية،وبالتالي اصبح من الصعب الخلاص منها والتقوقع في صحراء وجبال العالم العربي الواسعة!...
اثبت العامل الاقتصادي قوته في توحيد قارات وليست مجموعة بلدان!،ولكن اختلاف نظم العالم العربي السياسية والاقتصادية اثر بقوة في منع حدوث تكامل اقتصادي عربي بيني مما جعل الحاجة الى التكامل مع بلاد اخرى خارج المنظومة العربية لاحداث تنمية تساير التقدم العالمي امرا حتميا.
واختلاف البلاد العربية بين ثرية وفقيرة كان عاملا قويا على الفرقة،ومن الملاحظات على كتابات البعض ومنهم صاحب الكتاب ان اغلبية البلاد التي اعتنقت الفكر القومي او الاشتراكي مذهبا اقتصاديا لها،قد فشلت بينما الدول المحافظة نجحت في بناء اقتصاد قوي ومتين...وفي الحقيقة ان ذلك ليس صحيحا،فالجميع قد فشلوا والنجاح في الثراء العربي ليس مقياسا مطلقا بل هو نسبي،فالدول النفطية العربية هي صغيرة الحجم والتعداد السكاني،وتنتج من النفط والغاز مايفوق حاجتها بصورة جنونية دون مراعاة لثروتها الناضبة،ولذلك فأن نجاحها لم يكن من خلال نظريات اقتصادية ناجحة او خطط تطبيقية تعتمد الانسان عنصرا هاما،بل هو ثراء ناتج من ثروة صادف وجودها في بلاد قليلة السكان،بينما النجاح الحقيقي هو ماحدث في بلاد فقيرة في ثرواتها الطبيعية ولكن نجحت بأرادتها واعتمادها على ذاتها وذكاء ابنائها في بناء اقتصادها مثل دول النمور الاربعة الاسيوية.
الموضوع يحتاج الى مداخل ومخارج مختلفة ،تطرح على طاولة البحث النقدي المجرد من كل ميول آيديولوجية ووفق قواعد منطقية وعقلية متينة....والمكان هنا فقط للسياحة الفكرية!...
الكتاب الثاني:
لئلا يعود هارون الرشيد:تأليف عبد الله القصيمي(1907-1996)
الكتاب يتألف من 191ص ومن القطع المتوسط مثل الكتاب السابق(مصادفة !).
الكتاب صادر منتصف الستينات،ولكن طبعته الثانية عام 2006 لدار الجمل في كولونيا- المانيا وبغداد.
هو من تأليف مفكر سعودي،امضى عقودا من الزمن خارج بلده بعد ان تحول من داعية وهابية متشدد الى علماني متشدد، اتهم بالكفر والالحاد من خلال الاستناد الى عبارات وردت في كتبه دلت على ذلك! ولذلك السبب منعت كتبه في بلاد عديدة وخاصة موطنه الاصلي!...
الكتاب في الحقيقة مجموعة مقالات نشرت في مجلات لبنانية منتصف الستينات يدافع عن اصداره كتابه السابق(العالم ليس عقلا) ثم توجد ردود على الكتاب مع رد المؤلف عليها وخاصة مع العلامة مغنية،ورغم الفارق الزمني البعيد عنا والاختلاف بين وجهات النظر الا ان الاعجاب يكمن في صراحة الحوار وأدبه الجم بين المتحاورين في دلالة على تدهور واقعنا الراهن.
الكتاب هو مجموعة افكار للمؤلف صيغت بطريقة ادبية حيث يمتاز بقوة الاسلوب الاتي من دراسته الدينية بالاساس، ولكن هي ليست مذهبا فكريا او بحثا يمكن الاستناد اليه في بناء توجه فكري جديد،بل هو يشتمل على اليأس والتشاؤم من الواقع المخزي للعالم العربي،وينتقد بشدة ووفق اساليب ادبية بحتة طرق التفكير المعتمدة في العالم العربي،ويعتبرها وسيلة قديمة اثبت الزمن تخلفها، لكن ادخاله الامور الدينية المقدسة في دعواته التجديدية كان خطأ يماثل الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الماركسية في صراعها ضد الدين.
في احد فصول الكتاب،يرى القصيمي ان الكاتب(يعني اي شخص) لا يغير المجتمع بكتاباته،وهو تحليل بسيط حول استحالة ان يتغير مجتمع ما من جراء كاتب يؤلف كتابا،وضرب من الامثلة قاسم امين في مصر ودعوته لتحرير المرأة،واعتبر ان الظروف وتغير المجتمعات ببطء هو الذي يجعلها تتغير نحو طرق معيشية واساليب تفكير جديدة قد تتصادف مع افكار كتاب ما،وهي بالفعل ان تأثير الكتب والمؤلفين ليست من القوة التي يشاع عنها بل هي ناتجة عن زوبعة اعلامية واختلاف الرأي مع عموم المجتمع،ولكن في النهاية وبعد عقود من الزمن قد يموت الكاتب وينسى كتابه،وهنا نرى ان المجتمع قد تغير بفعل تطور الحياة التي تحتاج الى متغيرات دائمة...
لوحظ في السنوات الاخيرة طلب واسع على كتب القصيمي وقد يكون طلبا لمصادر العلمانية الليبرالية وجذورها الفكرية، بعد ان شاع التطرف الديني المسلح والذي سبب مآسي لاداعي لها،ورغم انها ليست فكرية كما يشاع عنها وانما توجد افكار للمؤلف خالفت الواقع وقد نجد فيها بعض القوة ولكن يدب الضعف في البعض الاخر،وهو دائم الاتهام للتفكير العربي بعدم القدرة على التفكير،كما توجد في كتبه الكثير من الشطحات الغير عقلانية والتي تحتاج الى دراية تبعد من يطلب التفكير وفق اساليب عقلية ومنطقية ....
انهيت قراءة كتابين في وقت واحد،الفارق الزمني في تأليفهما هو ربع قرن!،الا ان بعضا من افكارهما مازالت سارية المفعول في عالمنا العربي بالخصوص لانهما يتوجهان له في الحديث...ليس بالضرورة ان اتفق معهما فهما في النهاية كتابين يمثلان رأيي صاحبيهما ومن يواليهما في الرأي،ولكن تأييد افكارهما دون سند او محاربتهما دون براهين قوية قاطعة،هي مكمن الخطأ هنا ولذلك تجنب الحديث دون القراءة،وتجنب المعارضة والموالاة دون استيعاب عميق للكتاب ومقصد صاحبه،هي منية المريد في طلب العلم والمعرفة،وما عدا ذلك يهمل!...
الكتاب الاول:
في وداع العروبة:تأليف حازم صاغية
الكتاب يتألف من 191ص من القطع المتوسط،طبعة 1999 في بيروت- لندن من دار الساقي....يتكون من مقدمة و 10 فصول...
الكتاب هو خلاصة فكرة للمؤلف ناتجة عن احباط شديد في فترة التسعينات والتي تميزت بضعف الانتماء العربي الموحد نتيجة لشدة الانقسامات،وبروز الدولة القطرية التي اخذت تحل تدريجيا منذ عقود من الزمن في شخصية وكيان الفرد العربي،واصبح الحديث عن الوحدة العربية،كالحديث عن الامبراطوريات المسلمة السابقة التي حكمت العالم الاسلامي ومن ضمنها عالمنا العربي!
حشد المؤلف في الكتاب كم هائل من الامثلة لتأييد آرائه في استحالة الوحدة او في صعوبتها،ورغم ان الامثلة تؤيده بقوة الى حد ما،الا ان الكثرة صاحبتها ضعف في التحليل الموسع مع ضعف تأييد بعض الامثلة وبذلك يمكن القول ان قلة الامثلة كافية للتوضيح بدلا من الكثرة التي تشتت البراهين وتضعف ترابطها وتجعل من الصعوبة الربط بينها وبين الامثلة السابقة الاقوى منها....
من آراءه هي ان المشرق العربي هو منبع الفكر القومي ومكمن القيادة فيه،بينما المغرب العربي لم يكن بمستوى المشرق في الدعوة العروبية،ويعود ذلك لعدة اسباب ابرزها البعد المكاني والتأثيرات القوية للحضارة الاوروبية على شعوب تلك البلدان مما يجعلها ضعيفة الصلة الى حد ما بالثقافة العربية،ثم يعرج على ان مركز المشرق يتركز في بلاد الخصيب والتي تضم بلاد الشام والعراق،ثم يضع بعد ذلك قوة الزعامة والمركز في سوريا،بعد شرح وافي من وجهة نظره اسباب اختياره واستبعاده لتلك البلدان....
تطرق المؤلف مرات عديدة للوحدة الالمانية والايطالية بأعتبارهما نموذجا مثاليا في نظر اصحاب الفكر القومي،ثم بين صعوبة تحقيق هذا الحلم في الوقت الراهن لان الظروف الموضوعية التي تحيط بالعالم العربي تختلف عن تلك التي احاطت بالبلدين الاوروبين،ولكن في تركيز واضح على الاسباب الداخلية وليست الخارجية كما يحلو للبعض التركيز عليها!.
كذلك تطرق في نهاية الكتاب لتأثير العامل الاقتصادي الذي هو اهم عامل في العصر الحديث،ولكنه لم يعطي له الشرح الوافي خاصة في تأثيره على الوحدة الاوروبية الحديثة !،واعطى شرحا وافيا لدور اللغة والتاريخ المشترك وبين ضعفهما في بناء امة موحدة قادرة على الصمود،كما شرح الفورقات الاقتصادية بين البلاد العربية وأثرها على بناء تفرقة حقيقية نابعة من ثراء البعض وتخلف البعض الاخر...الى هنا ينتهي عرض الكتاب المستعجل الذي يضم افكارا اخرى تحتاج الى شروحات تفصيلية ولكن الدعوة للقراءة هي ضرورة ملحة...
في تقديري ان ضعف العروبة وتأثير العامل القومي في وحدة العرب،يعود الى اسباب عديدة سوف اذكر بعضا منها وحسب وجهة نظري فيها ولكن في اختصار شديد لان المكان لا يتسع للاستطراد والتأمل وتحشيد الامثلة وابراز القوة والضعف فيها! وهي لم تحظى بدراسات وافية شافية للنهم المعرفي وطلابه، ولذلك فأن هذا النقص الفادح مازال موجودا ومؤثرا لحد الان في التفكير العربي المعاصر، والدراسات الموجودة على ضآلتها تخضع في اغلبها للتفسيرات الشخصية لكتابها والتي هي بالاساس مؤدلجة مسبقا،وغير ناتجة من موضوعية مجردة...
من اهم اسباب فشل العامل القومي هي القائمين بها انفسهم!فهم دعاة سلطة الى حد الافراط المميت! بالاضافة الى جهل معرفي واسع لدى هؤلاء الدعاة اليها،اثر الى حد ما في نتاجاتهم الادبية ولذلك نرى ان الفكر القومي العربي بمختلف اتجاهاته هو ضعيف الى درجة لايقارن بفكر علماني مثل الماركسية والتي سقطت في آخر الامر رغم ثرائها المعرفي!،او الى فكر ميتافيزيقي روحاني عميق الاثر مثل الفكر الاسلامي في مدارسه المتعددة،ولهذا السبب نجد ندرة من يشاد لهم بالبنان في كتاباتهم ناهيك عن دعوتهم بالفلاسفة والمفكرين!...
من الاسباب ايضا هي الهزائم القومية المتكررة وهذه الهزائم من الفداحة بشكل عجيب جعلت دعاته اضحوكة ورمزا للجبن والتهاون،وهزائم الحروب العربية مع اسرائيل هي نموذج بارز لتلك الهزائم،ثم توالت الهزائم في حروب اخرى تدميرية مع دول مجاورة لدول العالم العربي وهي عبثية بأمتياز بشع! ومن ابرزها الحرب مع ايران(1980-1988) والحرب مع تشاد(1987)والحروب مع اثيوبيا واوغندا،هذا بالاضافة الى حروب الداخل مثل حرب شمال العراق والحرب الاهلية اللبنانية،والحروب الاهلية في السودان وحرب البوليساريو،وهذه الحروب اضعفت البلاد وانهكتها كما انها فضحت المتاجرين بالفكر القومي من خلال الفظائع التي ارتكبت خلالها والتي هي بعيدة عن كل معاني الانسانية والرجولة والفروسية،من خلال احلال معاني الوحشية والهمجية والانحطاط الخلقي.
من الاسباب ايضا،صراع الفكر القومي مع تيارات فكرية هي اقوى منه بكثير،واستخدامه للقمع الوحشي في التعامل مع تلك التيارات كنتيجة دالة على ضعف موقعه الحواري وخضوعه للاستبداد الذي يجعله يتحكم بالبلاد والعباد،وكانت بداية ذلك مع التيارات الماركسية في اوج شعبيتها خلال فترة الخمسينات والستينات،وايضا مع التيارات الليبرالية التي هي اساسا مسالمة ولكن لم تنجو من القمع الوحشي بحجة المحافظة على الامن والاستقرار السياسي،ثم جاء الصراع الاخير مع التيارات الاسلامية الناتجة من الصحوة الاسلامية منذ انتصار الثورة الايرانية،رغم ان له سابقة قبل في تصفية التيار الاسلامي السياسي في منتصف الخمسينات في مصر،وهذا الصراعات رغم ان النهاية كانت للتيار القومي بفضل تحكمه في السلطة السياسية القمعية،الا انها في الحقيقة هزيمة معنوية واخلاقية له لا تنسجم مع روح الفروسية ،ولذلك جاءت انخفاض شعبية التيارات القومية بسبب فرضها سياسة الامر الواقع بقوة السيف على التيارات الفكرية الاخرى والتي انكفئت ولم تهزم!.
خضوع الفكر القومي بسهولة للاستبداد الشرقي،بل اصبح تابعا ذليلا له ومبررا لاعماله الاجرامية ،ولم يقف عند هذا المنعطف الكبير رواده بغية مراجعة ذاتية شجاعة تبعد الفكر القومي عن محاولة استغلاله لتثبيت النظم الاستبدادية،بل على العكس من ذلك وقف اما منحازا او على الحياد امام الانتهاكات المتكررة لحقوق الانسان مما شجعها على انتهاكات البلاد وحرمة شعبها !ولذلك فأن رؤية رواد ومؤيدي الفكر القومي في تأييد طاغية عربي أيا كان وتحشيد الدعم له، اصبحت من البديهيات الطبيعية التي لاتقبل النقاش وبذلك اصبحت غالبيتهم ينعقون مع كل ناعق مستبد!!.
من الاسباب الرئيسية هي عدم وجود نظريات اقتصادية يمكن الاعتماد عليها في بناء فكري متين لخلق نظام اقتصادي شامل يوازي الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي ويلائم العالم العربي، وتخبطه في التخطيط الاقتصادي جعلت نتائجه في غاية البؤس،وتخلف البلاد العربية الان هو نتيجة حتمية لضعف فكري ومعرفي واضح في التنظير الاقتصادي وتطبيقاته،ويمكن ملاحظة تبعية الفكر القومي العربي،للفكر الاقتصادي الاشتراكي في قوة بروزه وانتشاره منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى حد سقوط المنظومة الشيوعية عام 1989 وعنده تحول بقدرة قادر! الى الفكر اليميني في الاقتصاد،اي الفكر الرأسمالي بعد ان اثبت جدواه وفعاليته في الواقع التطبيقي.
من الاسباب المهمة هي الصراعات نفسها بين الدول العربية والتي وصلت الى صراعات دموية مهلكة،ثم تحولت الى صراعات آيديولوجية في الحزب القومي الواحد الذي يحكم بلدين مجاورين(العراق وسوريا) والذي فشل في بناء دولة واحدة تجمعهما فكيف يوحد دول مختلفة!.
وفي النهاية فأن الاتجاه العالمي نحو العولمة هو في الحقيقة الضربة القاضية للفكر القومي الذي كان يعاني سكرات الموت منذ هزيمة 1967 !وقد طالت مدة رقوده في الفراش بحيث اصبح يحتاج الى ضربة صغيرة لازاحته من مكانه وافساح المجال للاخرين ووضعه في متاحف التاريخ الفكري!،والعولمة التي اجتاحت الاقتصاد العالمي في البدء،تحولت نحو الفكر والتراث والعادات والتقاليد الى ان دخلت في ابسط امور الانسان المعيشية،وبالتالي اصبح من الصعب الخلاص منها والتقوقع في صحراء وجبال العالم العربي الواسعة!...
اثبت العامل الاقتصادي قوته في توحيد قارات وليست مجموعة بلدان!،ولكن اختلاف نظم العالم العربي السياسية والاقتصادية اثر بقوة في منع حدوث تكامل اقتصادي عربي بيني مما جعل الحاجة الى التكامل مع بلاد اخرى خارج المنظومة العربية لاحداث تنمية تساير التقدم العالمي امرا حتميا.
واختلاف البلاد العربية بين ثرية وفقيرة كان عاملا قويا على الفرقة،ومن الملاحظات على كتابات البعض ومنهم صاحب الكتاب ان اغلبية البلاد التي اعتنقت الفكر القومي او الاشتراكي مذهبا اقتصاديا لها،قد فشلت بينما الدول المحافظة نجحت في بناء اقتصاد قوي ومتين...وفي الحقيقة ان ذلك ليس صحيحا،فالجميع قد فشلوا والنجاح في الثراء العربي ليس مقياسا مطلقا بل هو نسبي،فالدول النفطية العربية هي صغيرة الحجم والتعداد السكاني،وتنتج من النفط والغاز مايفوق حاجتها بصورة جنونية دون مراعاة لثروتها الناضبة،ولذلك فأن نجاحها لم يكن من خلال نظريات اقتصادية ناجحة او خطط تطبيقية تعتمد الانسان عنصرا هاما،بل هو ثراء ناتج من ثروة صادف وجودها في بلاد قليلة السكان،بينما النجاح الحقيقي هو ماحدث في بلاد فقيرة في ثرواتها الطبيعية ولكن نجحت بأرادتها واعتمادها على ذاتها وذكاء ابنائها في بناء اقتصادها مثل دول النمور الاربعة الاسيوية.
الموضوع يحتاج الى مداخل ومخارج مختلفة ،تطرح على طاولة البحث النقدي المجرد من كل ميول آيديولوجية ووفق قواعد منطقية وعقلية متينة....والمكان هنا فقط للسياحة الفكرية!...
الكتاب الثاني:
لئلا يعود هارون الرشيد:تأليف عبد الله القصيمي(1907-1996)
الكتاب يتألف من 191ص ومن القطع المتوسط مثل الكتاب السابق(مصادفة !).
الكتاب صادر منتصف الستينات،ولكن طبعته الثانية عام 2006 لدار الجمل في كولونيا- المانيا وبغداد.
هو من تأليف مفكر سعودي،امضى عقودا من الزمن خارج بلده بعد ان تحول من داعية وهابية متشدد الى علماني متشدد، اتهم بالكفر والالحاد من خلال الاستناد الى عبارات وردت في كتبه دلت على ذلك! ولذلك السبب منعت كتبه في بلاد عديدة وخاصة موطنه الاصلي!...
الكتاب في الحقيقة مجموعة مقالات نشرت في مجلات لبنانية منتصف الستينات يدافع عن اصداره كتابه السابق(العالم ليس عقلا) ثم توجد ردود على الكتاب مع رد المؤلف عليها وخاصة مع العلامة مغنية،ورغم الفارق الزمني البعيد عنا والاختلاف بين وجهات النظر الا ان الاعجاب يكمن في صراحة الحوار وأدبه الجم بين المتحاورين في دلالة على تدهور واقعنا الراهن.
الكتاب هو مجموعة افكار للمؤلف صيغت بطريقة ادبية حيث يمتاز بقوة الاسلوب الاتي من دراسته الدينية بالاساس، ولكن هي ليست مذهبا فكريا او بحثا يمكن الاستناد اليه في بناء توجه فكري جديد،بل هو يشتمل على اليأس والتشاؤم من الواقع المخزي للعالم العربي،وينتقد بشدة ووفق اساليب ادبية بحتة طرق التفكير المعتمدة في العالم العربي،ويعتبرها وسيلة قديمة اثبت الزمن تخلفها، لكن ادخاله الامور الدينية المقدسة في دعواته التجديدية كان خطأ يماثل الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الماركسية في صراعها ضد الدين.
في احد فصول الكتاب،يرى القصيمي ان الكاتب(يعني اي شخص) لا يغير المجتمع بكتاباته،وهو تحليل بسيط حول استحالة ان يتغير مجتمع ما من جراء كاتب يؤلف كتابا،وضرب من الامثلة قاسم امين في مصر ودعوته لتحرير المرأة،واعتبر ان الظروف وتغير المجتمعات ببطء هو الذي يجعلها تتغير نحو طرق معيشية واساليب تفكير جديدة قد تتصادف مع افكار كتاب ما،وهي بالفعل ان تأثير الكتب والمؤلفين ليست من القوة التي يشاع عنها بل هي ناتجة عن زوبعة اعلامية واختلاف الرأي مع عموم المجتمع،ولكن في النهاية وبعد عقود من الزمن قد يموت الكاتب وينسى كتابه،وهنا نرى ان المجتمع قد تغير بفعل تطور الحياة التي تحتاج الى متغيرات دائمة...
لوحظ في السنوات الاخيرة طلب واسع على كتب القصيمي وقد يكون طلبا لمصادر العلمانية الليبرالية وجذورها الفكرية، بعد ان شاع التطرف الديني المسلح والذي سبب مآسي لاداعي لها،ورغم انها ليست فكرية كما يشاع عنها وانما توجد افكار للمؤلف خالفت الواقع وقد نجد فيها بعض القوة ولكن يدب الضعف في البعض الاخر،وهو دائم الاتهام للتفكير العربي بعدم القدرة على التفكير،كما توجد في كتبه الكثير من الشطحات الغير عقلانية والتي تحتاج الى دراية تبعد من يطلب التفكير وفق اساليب عقلية ومنطقية ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق