اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثامن والعشرون
أذن مالعمل لتحرير مصر من الاستبداد واقامة نظام حر؟!...
اللجوء الى الجيش مرة اخرى في زمن يرفض الانقلابات العسكرية هي لاتغير من الامر شيئا سوى تغيير الوجوه فقط فضلا عن انها مرفوضة ومتناقضة مع القيم الجديدة التي تجتاح العالم المعاصر، فالجوهر ثابت وسوف تأتي زمر عسكرية بنفس العقلية المستبدة،وبالتالي فأن اي خيار يتضمن مشاركة للعسكر هو خيار فاشل بالتأكيد الا اذا كان الانقلاب لفترة قصيرة ثم تسلم السلطة الى المدنيين،وهذا يتطلب جهودا ذاتية من الانقلابيين لمقاومة شهوة الحكم التدميرية وتفهما منهم لواقع وطنهم،او جهودا شعبية للضغط عليهم لتسليم السلطة وهذا الامر مستبعد بسبب حالة اللامبالاة الشعبية للغالبية العظمى من الشعب!...كذلك الخيارات الاتية من بقية مكونات الطبقات الفوقية للمجتمع ايضا فاشلة كما بينا ذلك لان التغيير لن يكون جذريا بل سوف يكون شكلي وبالتالي فأن مصر سوف تعيش بنفس الدوامة من الفساد والاستبداد المقنع.
اذن مجالات الخيار ضيقة جدا،ومع ان مصر من الدول القليلة التي لا يوجد بها تنوع ديني ومذهبي رئيسي يمكن ان يساعد في خلق اجواء التغيير والمشاركة في الحكم،فالشعب يتكون من كتلة عربية مسلمة سنية رئيسية تتجاوز 90% مع 8%من الاقلية القبطية وتبقى نسبة 2%للاقليات الاخرى،وبالتالي فأن مجالات الصراع الديني تبقى محدودة جدا بعكس الاحوال في بلاد اخرى.
الاحزاب المعارضة في مصر لم تجذب الشارع المصري بسبب حالة اللامبالاة المنتشرة لديه مع اسباب اخرى عديدة مثل التخلف وضعف الوعي وانتشار الفقر المدقع بالاضافة الى تركيبة تلك الاحزاب والتي تتزعم اغلبيتها شخصيات سياسية مخضرمة ترفض التغيير هي ايضا فكيف اذا كانت في حالة الحكم!،ومن اهم اخطاء تلك الاحزاب انها ذات ضجيج اعلامي لفظي فقط،فلم تنزل الى الشارع لتحريكه وشحن الوعي السياسي والثقافي فيه،فما عدا حركة الاخوان المسلمين وحركة كفاية وهي حديثة المنشأ،فأن الحركات الاخرى بقيت في ظلال السلطة حتى لو كانت معارضة له!لان النظام اساسا ليس ديمقراطيا فكيف ابقى في دائرة المعارضة الكلامية،فهو نظام مستبد اخذ السلطة بالقوة ولن يتركها الا بالقوة وبالتالي فأن اي معارضة من هذا النوع محكوم عليها بالفشل الذريع لان هذا النموذج من المعارضة يصلح في حالة البلاد التي تتداول فيها السلطة بصورة سلمية،ولذلك جاءت صفة اللامبالاة الشعبية كتعبير ضمني صامت من قبل الاغلبية على المعارضة لكلا الطرفين:الحكومة العسكرية والمعارضة الكلامية. وبما ان النزول الى الشارع وتحريكه على غرار الثورة الايرانية والثورات الحديثة في الجمهوريات السوفياتية السابقة،يتطلب جهودا جبارة وشجاعة فائقة وتنظيمات متمرسة،الا ان ذلك هو الحل الامثل والخيار الافضل ولو على فترات زمنية طويلة خاصة وان الشارع المصري يغلي من الداخل رغم حالة ضعف الوعي المنتشر بخطورة النظام الاستبدادي الذي اكل عمر ثلاث اجيال لحد الان! الا ان هذا الغليان سوف يولد بالتأكيد طليعة ثورية قادرة على العطاء والتضحية لانه ليس لديها شيء تملكه حتى يمكن ان تفقده سوى الوطن الجريح وهي تلك صفة الوطنيين الاحرار الذين يسعون لتحرير اوطانهم بدون ادنى مقابل.من ابرز نقاط الضعف في صفوف المعارضة هي حالات الصراع فيما بينها وخاصة بين الجناحين الديني واليساري وكأنهما يتصارعان على السلطة!وهي من حظوظ الحكم ان تكون معارضة اساسا ضعيفة ثم تنشغل بالصراع فيما بينها او الانشغال بأمور هي في غنى عنها مثل التكفير والخوض في المسائل الفقهية المختلف عليها هذا بالنسبة للتيارات الدينية وانشغال اليساريين في التمسك بالماركسية لدى البعض او معاداة الدين،واستفادة السلطة تكون في اقصى حد لها بالسماح لامثال تلك المعارضات بالعمل السياسي لانها ليست خطرا عليه حتى ولو بنسبة بسيطة،كذلك يمنحه بعض التجميل لوجهه القبيح خاصة من الخارج باعتبار انه يمنح الحريات ولو جزئية للقوى السياسية حتى لا تضطر للعمل السري او يمنح متنفس صغير ليس بذات اهمية للتعبير عن الاراء!.
توجد للقوى المعارضة فرص عديدة ينبغي استثمارها فهي بالاضافة الى سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية فهناك نسبة كبيرة من الشباب وخاصة المتعلم منهم هم عاطلون عن العمل،والبطالة هي في الحقيقة طاقة جبارة للتغيير الجذري ينبغي الاستفادة منها لاقصى حد لخلق تيار سياسي وفكري في اعلى حالات الضبط والاتحاد في سبيل الحرية المنشودة ولخلق تيار واعي يقود المجتمع،بينما اذا كان التوجه للطبقات الكادحة والمنشغلة بأمور الحياة البسيطة والتي تحمل مؤهلات ثقافية محدودة،هو كالزراعة في الصحراء القاحلة،يحتاج الى جهود جبارة طويلة الامد لانجاحها،وسوف لن يؤدي بنتيجة هامة يمكن ان تؤدي للتغيير الجذري المنشود خاصة في ظل لامبالاة كاملة لما يجري في البلاد منهم.
اغلبية احزاب المعارضة اثبتت فشلها الفكري والتنظيمي والحركي في كافة المجالات،بل ان بعضها تورط في تأييد نظم عربية استبدادية اخرى في مختلف القضايا وهي على نفس شاكلة النظام المصري!او اشتركت في حالة العداء الديني او المذهبي للاخر،وبالتالي فهي خالفت جوهر الحرية والمتمثل في وحدة حالة الصراع مع الاستبداد ايا كان مصدره وشكله ولونه!.
اذن الاحتياج للتغيير الجذري في مصر لن يكون فقط ضد السلطة بل ضد اغلبية الاحزاب الكارتونية التي تعارضه في الشكل وتتحد معه في الجوهر وبذلك يمكن تصور صعوبة العمل في هكذا بيئة تشترك السلطة مع نسبة كبيرة من المعارضة في الجوهر نفسه،ولذلك فأن الاحتياج لحركات معارضة ذات مستوى فكري عالي مستنير ومنفتح على الاخر ويتميز بقابلية حقيقية على المرونة والتطبيق الفعلي لمبادئ الحرية في التنظيم مع النزاهة،هي الحاجة الحقيقية لمصر وبقية دول العالم العربي،وتلك المهمة ليست صعبة كما يتصورها البعض،فالافكار موجودة هي في كل بلاد العالم والفرق بينها وبين البيئة المصرية ليس بذات اهمية كبرى حتى يحتاج الى تنظير جديد،بل ان طرق الادارة في التكوين والعمل السياسي،ثم بعد ذلك في حالة الوصول الى السلطة وادارتها،هي عامة في كل البلاد ومساحة الاختلاف ضئيلة تنحصر بحجم البلد ومقدار المشاكل لديه او اختلاف البنية التكوينية للمجتمع،كذلك التجارب الاخرى سواء السياسية او الاقتصادية للبلاد الاخرى والتي اثبتت نجاحها يمكن الاستعانة بها وليس من عيب او ضير في ذلك،بل على العكس ذلك هو توفير لعامل الوقت والاحتياج الى منظرين جدد حتى يستنبطوا الافكار والاساليب الجديدة للحكم،ولذلك فأن التجارب الانسانية الاخرى هي ملك لجميع الشعوب التي تتوق للحرية المنشودة والهدف الاسمى في بناء حياة حرة كريمة.
اذن لم يبقى سوى المجال التطبيقي لتلك الاراء والافكار،وبالتالي يمكن خلق مناخ تغييري جذري يبتعد عن كل مكونات الطبقات الفوقية وخاصة القوات المسلحة التي ينبغي ابعادها عن العمل السياسي بعد تلك العقود الطويلة من استئثارها بالسلطة والتي لم تحقق للبلاد تقدم في كافة المجالات،وابسط مثال على ذلك انه في عام 1950 كان دخل الفرد الامريكي يعادل 20 ضعفا لدخل الفرد المصري،والان وبعد مرور 60 عاما اصبح الفارق 24 ضعفا!ودخل الفرد المصري حسب الاسعار الرسمية وليس حسب القوة الشرائية هو مايعادل 2100 دولار(المصدر:تقديرات CIA)وهو نفس دخل الفرد الامريكي ولكن في عام 1952،مصادفة غريبة! وهو فارق زمني كبير بين الدولتين،ولم تستطع الحكومات المصرية المتعاقبة من ردم تلك الهوة الشاسعة بين البلدين والتي تحتاج الى جهود كبيرة مضنية للتقليل من اتساعها وليس للمساواة! اما المقارنة مع دول لا تملك امكانيات مصر المادية مثل كوريا الجنوبية وتايوان فسوف نبتعد عنه لانه يثير الحزن والالم على الفارق الكبير معهما رغم ان البلدان السابقان ينفقان على الدفاع اضعاف كثيرة ماتنفقه مصر لوجود اخطار خارجية تهدد وجودهما على الخارطة!،ورغم ان مصر لديها من الميزات الاقتصادية الكثيرة التي تجعلها من الدول المتقدمة اقتصاديا،ومن اهمها توفر المواد الاولية ووجود قناة السويس ودخلها الثابت منها،ووقوعها في منتصف العالم العربي وقارتي اوروبا وآسيا وبذلك تستفاد من ذلك القرب في كافة المجالات،بالاضافة الى تواجد ملايين المصريين العاملين في الدول العربية الغنية والتي تستورد الكثير من المواد المصنعة والزراعية والتي تعجز مصر ليس فقط في امدادها بل في سد حاجتها المحلية!هذا بالاضافة الى القدرات السياحية الكبيرة وتوفر اليد العاملة المدربة بالاضافة الى اعداد غفيرة من الخريجين،وغيرها من المزايا التي تجعلها في مقدمة الدول المتطورة خاصة وان العالم العربي يمتلك من الفوائض المالية الضخمة التي لو كانت مصر دولة متقدمة لاستطاعت استيعابها في اقتصادها الوطني،ولكن نجد وبمرارة شديدة ان مصر تتربع في خانة الدول الاكثر تخلفا وفقرا وفسادا وكل ذلك بعد مرور ستة عقود من زمن الانقلاب الذي بشرها بالخير!!.
ليست المجالات الاقتصادية قد اصيبت بالضرر الكبير من جراء الحكم العسكري المغلف بلباس مدني،بل وايضا الحالة الاجتماعية والتي كانت الظروف السياسية والاقتصادية سببا رئيسيا في تدهورها،والمعدلات المخيفة من المشاكل الاجتماعية تجعلنا نقف كثيرا عندها والتي تحتاج الى جهود جبارة لحلها،كذلك نشوء طبقات غريبة عن الواقع الطبيعي للمجتمع تنتشر في مختلف اتجاهاته ووصلت الى اخطر الاماكن وهي الثقافة وبمختلف فروعها والمؤسسة الدينية التي تتبع النظام مهما كان اتجاهه وهذا يتناقض ليس فقط مع التعاليم الدينية بل ومع الحرية الممنوحة للانسان في هذا الكون وهو مسبب رئيسي للتطرف الديني الذي ينتشر في مصر منذ عقود ولم تستطع القوة والقمع الوحشي اقتلاعه من الجذور.
وفي الختام لم تحقق مصر من جراء انقلاب عام 1952 غير التدهور في كافة المجالات،وقد خلق من المشاكل ما يجعل مهمة القادم صعبة للغاية مع فقدان زمن طويل من تاريخ البلد كان من الاجدر استغلاله لبناء حضارة تعيد لها امجادها السابقة او تضعها على الاقل في مكانة لائقة بين الدول المتحضرة بدل من سياسة اللعب على جميع الحبال واستغلال مصائب الاخرين لتحقيق اقصى فائدة محرمة،ولكن هذه نتيجة التغيير الفوقي للبلد!.
أذن مالعمل لتحرير مصر من الاستبداد واقامة نظام حر؟!...
اللجوء الى الجيش مرة اخرى في زمن يرفض الانقلابات العسكرية هي لاتغير من الامر شيئا سوى تغيير الوجوه فقط فضلا عن انها مرفوضة ومتناقضة مع القيم الجديدة التي تجتاح العالم المعاصر، فالجوهر ثابت وسوف تأتي زمر عسكرية بنفس العقلية المستبدة،وبالتالي فأن اي خيار يتضمن مشاركة للعسكر هو خيار فاشل بالتأكيد الا اذا كان الانقلاب لفترة قصيرة ثم تسلم السلطة الى المدنيين،وهذا يتطلب جهودا ذاتية من الانقلابيين لمقاومة شهوة الحكم التدميرية وتفهما منهم لواقع وطنهم،او جهودا شعبية للضغط عليهم لتسليم السلطة وهذا الامر مستبعد بسبب حالة اللامبالاة الشعبية للغالبية العظمى من الشعب!...كذلك الخيارات الاتية من بقية مكونات الطبقات الفوقية للمجتمع ايضا فاشلة كما بينا ذلك لان التغيير لن يكون جذريا بل سوف يكون شكلي وبالتالي فأن مصر سوف تعيش بنفس الدوامة من الفساد والاستبداد المقنع.
اذن مجالات الخيار ضيقة جدا،ومع ان مصر من الدول القليلة التي لا يوجد بها تنوع ديني ومذهبي رئيسي يمكن ان يساعد في خلق اجواء التغيير والمشاركة في الحكم،فالشعب يتكون من كتلة عربية مسلمة سنية رئيسية تتجاوز 90% مع 8%من الاقلية القبطية وتبقى نسبة 2%للاقليات الاخرى،وبالتالي فأن مجالات الصراع الديني تبقى محدودة جدا بعكس الاحوال في بلاد اخرى.
الاحزاب المعارضة في مصر لم تجذب الشارع المصري بسبب حالة اللامبالاة المنتشرة لديه مع اسباب اخرى عديدة مثل التخلف وضعف الوعي وانتشار الفقر المدقع بالاضافة الى تركيبة تلك الاحزاب والتي تتزعم اغلبيتها شخصيات سياسية مخضرمة ترفض التغيير هي ايضا فكيف اذا كانت في حالة الحكم!،ومن اهم اخطاء تلك الاحزاب انها ذات ضجيج اعلامي لفظي فقط،فلم تنزل الى الشارع لتحريكه وشحن الوعي السياسي والثقافي فيه،فما عدا حركة الاخوان المسلمين وحركة كفاية وهي حديثة المنشأ،فأن الحركات الاخرى بقيت في ظلال السلطة حتى لو كانت معارضة له!لان النظام اساسا ليس ديمقراطيا فكيف ابقى في دائرة المعارضة الكلامية،فهو نظام مستبد اخذ السلطة بالقوة ولن يتركها الا بالقوة وبالتالي فأن اي معارضة من هذا النوع محكوم عليها بالفشل الذريع لان هذا النموذج من المعارضة يصلح في حالة البلاد التي تتداول فيها السلطة بصورة سلمية،ولذلك جاءت صفة اللامبالاة الشعبية كتعبير ضمني صامت من قبل الاغلبية على المعارضة لكلا الطرفين:الحكومة العسكرية والمعارضة الكلامية. وبما ان النزول الى الشارع وتحريكه على غرار الثورة الايرانية والثورات الحديثة في الجمهوريات السوفياتية السابقة،يتطلب جهودا جبارة وشجاعة فائقة وتنظيمات متمرسة،الا ان ذلك هو الحل الامثل والخيار الافضل ولو على فترات زمنية طويلة خاصة وان الشارع المصري يغلي من الداخل رغم حالة ضعف الوعي المنتشر بخطورة النظام الاستبدادي الذي اكل عمر ثلاث اجيال لحد الان! الا ان هذا الغليان سوف يولد بالتأكيد طليعة ثورية قادرة على العطاء والتضحية لانه ليس لديها شيء تملكه حتى يمكن ان تفقده سوى الوطن الجريح وهي تلك صفة الوطنيين الاحرار الذين يسعون لتحرير اوطانهم بدون ادنى مقابل.من ابرز نقاط الضعف في صفوف المعارضة هي حالات الصراع فيما بينها وخاصة بين الجناحين الديني واليساري وكأنهما يتصارعان على السلطة!وهي من حظوظ الحكم ان تكون معارضة اساسا ضعيفة ثم تنشغل بالصراع فيما بينها او الانشغال بأمور هي في غنى عنها مثل التكفير والخوض في المسائل الفقهية المختلف عليها هذا بالنسبة للتيارات الدينية وانشغال اليساريين في التمسك بالماركسية لدى البعض او معاداة الدين،واستفادة السلطة تكون في اقصى حد لها بالسماح لامثال تلك المعارضات بالعمل السياسي لانها ليست خطرا عليه حتى ولو بنسبة بسيطة،كذلك يمنحه بعض التجميل لوجهه القبيح خاصة من الخارج باعتبار انه يمنح الحريات ولو جزئية للقوى السياسية حتى لا تضطر للعمل السري او يمنح متنفس صغير ليس بذات اهمية للتعبير عن الاراء!.
توجد للقوى المعارضة فرص عديدة ينبغي استثمارها فهي بالاضافة الى سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية فهناك نسبة كبيرة من الشباب وخاصة المتعلم منهم هم عاطلون عن العمل،والبطالة هي في الحقيقة طاقة جبارة للتغيير الجذري ينبغي الاستفادة منها لاقصى حد لخلق تيار سياسي وفكري في اعلى حالات الضبط والاتحاد في سبيل الحرية المنشودة ولخلق تيار واعي يقود المجتمع،بينما اذا كان التوجه للطبقات الكادحة والمنشغلة بأمور الحياة البسيطة والتي تحمل مؤهلات ثقافية محدودة،هو كالزراعة في الصحراء القاحلة،يحتاج الى جهود جبارة طويلة الامد لانجاحها،وسوف لن يؤدي بنتيجة هامة يمكن ان تؤدي للتغيير الجذري المنشود خاصة في ظل لامبالاة كاملة لما يجري في البلاد منهم.
اغلبية احزاب المعارضة اثبتت فشلها الفكري والتنظيمي والحركي في كافة المجالات،بل ان بعضها تورط في تأييد نظم عربية استبدادية اخرى في مختلف القضايا وهي على نفس شاكلة النظام المصري!او اشتركت في حالة العداء الديني او المذهبي للاخر،وبالتالي فهي خالفت جوهر الحرية والمتمثل في وحدة حالة الصراع مع الاستبداد ايا كان مصدره وشكله ولونه!.
اذن الاحتياج للتغيير الجذري في مصر لن يكون فقط ضد السلطة بل ضد اغلبية الاحزاب الكارتونية التي تعارضه في الشكل وتتحد معه في الجوهر وبذلك يمكن تصور صعوبة العمل في هكذا بيئة تشترك السلطة مع نسبة كبيرة من المعارضة في الجوهر نفسه،ولذلك فأن الاحتياج لحركات معارضة ذات مستوى فكري عالي مستنير ومنفتح على الاخر ويتميز بقابلية حقيقية على المرونة والتطبيق الفعلي لمبادئ الحرية في التنظيم مع النزاهة،هي الحاجة الحقيقية لمصر وبقية دول العالم العربي،وتلك المهمة ليست صعبة كما يتصورها البعض،فالافكار موجودة هي في كل بلاد العالم والفرق بينها وبين البيئة المصرية ليس بذات اهمية كبرى حتى يحتاج الى تنظير جديد،بل ان طرق الادارة في التكوين والعمل السياسي،ثم بعد ذلك في حالة الوصول الى السلطة وادارتها،هي عامة في كل البلاد ومساحة الاختلاف ضئيلة تنحصر بحجم البلد ومقدار المشاكل لديه او اختلاف البنية التكوينية للمجتمع،كذلك التجارب الاخرى سواء السياسية او الاقتصادية للبلاد الاخرى والتي اثبتت نجاحها يمكن الاستعانة بها وليس من عيب او ضير في ذلك،بل على العكس ذلك هو توفير لعامل الوقت والاحتياج الى منظرين جدد حتى يستنبطوا الافكار والاساليب الجديدة للحكم،ولذلك فأن التجارب الانسانية الاخرى هي ملك لجميع الشعوب التي تتوق للحرية المنشودة والهدف الاسمى في بناء حياة حرة كريمة.
اذن لم يبقى سوى المجال التطبيقي لتلك الاراء والافكار،وبالتالي يمكن خلق مناخ تغييري جذري يبتعد عن كل مكونات الطبقات الفوقية وخاصة القوات المسلحة التي ينبغي ابعادها عن العمل السياسي بعد تلك العقود الطويلة من استئثارها بالسلطة والتي لم تحقق للبلاد تقدم في كافة المجالات،وابسط مثال على ذلك انه في عام 1950 كان دخل الفرد الامريكي يعادل 20 ضعفا لدخل الفرد المصري،والان وبعد مرور 60 عاما اصبح الفارق 24 ضعفا!ودخل الفرد المصري حسب الاسعار الرسمية وليس حسب القوة الشرائية هو مايعادل 2100 دولار(المصدر:تقديرات CIA)وهو نفس دخل الفرد الامريكي ولكن في عام 1952،مصادفة غريبة! وهو فارق زمني كبير بين الدولتين،ولم تستطع الحكومات المصرية المتعاقبة من ردم تلك الهوة الشاسعة بين البلدين والتي تحتاج الى جهود كبيرة مضنية للتقليل من اتساعها وليس للمساواة! اما المقارنة مع دول لا تملك امكانيات مصر المادية مثل كوريا الجنوبية وتايوان فسوف نبتعد عنه لانه يثير الحزن والالم على الفارق الكبير معهما رغم ان البلدان السابقان ينفقان على الدفاع اضعاف كثيرة ماتنفقه مصر لوجود اخطار خارجية تهدد وجودهما على الخارطة!،ورغم ان مصر لديها من الميزات الاقتصادية الكثيرة التي تجعلها من الدول المتقدمة اقتصاديا،ومن اهمها توفر المواد الاولية ووجود قناة السويس ودخلها الثابت منها،ووقوعها في منتصف العالم العربي وقارتي اوروبا وآسيا وبذلك تستفاد من ذلك القرب في كافة المجالات،بالاضافة الى تواجد ملايين المصريين العاملين في الدول العربية الغنية والتي تستورد الكثير من المواد المصنعة والزراعية والتي تعجز مصر ليس فقط في امدادها بل في سد حاجتها المحلية!هذا بالاضافة الى القدرات السياحية الكبيرة وتوفر اليد العاملة المدربة بالاضافة الى اعداد غفيرة من الخريجين،وغيرها من المزايا التي تجعلها في مقدمة الدول المتطورة خاصة وان العالم العربي يمتلك من الفوائض المالية الضخمة التي لو كانت مصر دولة متقدمة لاستطاعت استيعابها في اقتصادها الوطني،ولكن نجد وبمرارة شديدة ان مصر تتربع في خانة الدول الاكثر تخلفا وفقرا وفسادا وكل ذلك بعد مرور ستة عقود من زمن الانقلاب الذي بشرها بالخير!!.
ليست المجالات الاقتصادية قد اصيبت بالضرر الكبير من جراء الحكم العسكري المغلف بلباس مدني،بل وايضا الحالة الاجتماعية والتي كانت الظروف السياسية والاقتصادية سببا رئيسيا في تدهورها،والمعدلات المخيفة من المشاكل الاجتماعية تجعلنا نقف كثيرا عندها والتي تحتاج الى جهود جبارة لحلها،كذلك نشوء طبقات غريبة عن الواقع الطبيعي للمجتمع تنتشر في مختلف اتجاهاته ووصلت الى اخطر الاماكن وهي الثقافة وبمختلف فروعها والمؤسسة الدينية التي تتبع النظام مهما كان اتجاهه وهذا يتناقض ليس فقط مع التعاليم الدينية بل ومع الحرية الممنوحة للانسان في هذا الكون وهو مسبب رئيسي للتطرف الديني الذي ينتشر في مصر منذ عقود ولم تستطع القوة والقمع الوحشي اقتلاعه من الجذور.
وفي الختام لم تحقق مصر من جراء انقلاب عام 1952 غير التدهور في كافة المجالات،وقد خلق من المشاكل ما يجعل مهمة القادم صعبة للغاية مع فقدان زمن طويل من تاريخ البلد كان من الاجدر استغلاله لبناء حضارة تعيد لها امجادها السابقة او تضعها على الاقل في مكانة لائقة بين الدول المتحضرة بدل من سياسة اللعب على جميع الحبال واستغلال مصائب الاخرين لتحقيق اقصى فائدة محرمة،ولكن هذه نتيجة التغيير الفوقي للبلد!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق