اسطورة التغيير الفوقي - القسم الثالث والعشرون
من اهداف الانقلاب المعلنة هي تصفية الاستعمار ،ورغم ان القواعد العسكرية البريطانية كانت في سبيلها الى الزوال بحكم انتهاء التأجير،الا ان الاستعجال الغير مبرر نتيجة للحماس الثوري المزيف هو الذي جعل سلطة الانقلابيين تستعجل خروجهم في محاولة لاستغلال ذلك في دعايتها الداخلية،وبعد الانتهاء من ذلك بدأت سياسة عدم الانحياز منذ عام 1955 ورغم انها كانت واقعية في بادئ الامر الا ان الاعتماد على المعسكر الشرقي جعلها تنحرف قليلا من عدم الانحياز الى ان جاء السادات عام 1970 فحدث التحول الكبير والذي سار في طريقه خلفه مبارك ايضا وهو الانحياز الكامل للغرب وزعيمته امريكا،وبالتالي اصبح شعار عدم الانحياز فارغا لا قيمة له بأمتياز!واخذ استعمار خفي يسيطر على البلاد من خلال التبعية السياسية للغرب الى درجة تفوق تبعية دول خليجية صغيرة تحتاج للحماية الغربية،ويمكن قياس ذلك من خلال التعامل المخزي والمخجل مع قطاع غزة او في التصدي لايران وعدائها الغير مبرر بشكل يفوق احيانا التصدي الاسرائيلي !والذي بين للجميع ان الارادة السياسية للنظام الملكي قبل الانقلاب كانت اكثر استقلالية من كل المؤثرات الخارجية حيث يمكن تقدير عدم المشاركة المصرية في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء او في المشاركة الفعلية في حرب فلسطين عام 1948 بينما الان لا يستطيع النظام فتح معبر صغير لعبور الاغذية الى اشقاء يشتركون معه في الدين والمذهب واللغة والجوار والانسانية!فأي استقلالية يمكن الحديث عنها الان! وبذلك يكون الشعار الثالث من مبادئ الانقلاب قد فقد ليس محتواه الحقيقي بل اصبحت البلاد مستعمرة بغطاء وشكل جديد يناسب العصر الحديث! ولا يمكن للبسطاء الذين يشكلون الاغلبية ادراك خطورته،اما الطبقات الواعية والمثقفة فأنها منقسمة بين تبعية تامة للدولة والاستفادة من قدراتها خدمة لمصالحها الانية،او القسم الاخر الذي هو مشتت بين الرعب والخوف من اجهزة الدولة الامنية وبين الشجاعة النادرة التي يتحلى بها البعض الاخر .
اما الشعار المتمثل بأقامة ديمقراطية حقيقية في البلاد ،فهو الشعار الاكثر سخفا وتفاهة من ان يحصل ذلك على ايدي ضباط جاؤوا لكي يبقوا في السلطة ويرفضوا بأستمرار التنازل عنها مستخدمين العنف كوسيلة دائمة في البقاء،ويكفي خذلانهم الشعب في عدم اقامة تلك الديمقراطية رغم مرور ستة عقود على ازالة ديمقراطية دستورية تنمو بطريق صحيح ولو ببطء،في استحقاقهم(الحكام الثلاثة واتباعهم الرئيسيين) بجدارة تهمة الخيانة العظمى او عقوبات قاسية للذين كانوا لهم خير عونا في اقامة تلك الديكتاتورية العسكرية الفاسدة وجعلها اخطبوط متوحش له جذور راسخة لا يقدر احد في القضاء عليه او حتى تحجيمها الى الوضع الطبيعي.
خلال حكم عبد الناصر وصل الطغيان اقصى مداه في حالات القمع الوحشي لمعظم الفئات السياسية المعارضة بل وشمل ذلك الكثير من الابرياء وخاصة في انتهاك انسانية وكرامة البشر بشكل غير مسبوق حتى اصبح ذلك سياسة عامة للدولة تتبعها وحسب ظرف مزاجها!،وقد جرى فضح ذلك الديكتاتور واجهزته القمعية على يد خليفته الاخر السادات والذي صور نفسه انه غير مشترك في تأسيس هكذا نظام ! وبالتالي ان اللعبة لم تطول فتحول في آخر أيامه الى مستبد لا يقبل المعارضة توجها بحملة اعتقالات همجية ضد الطبقة المثقفة المعارضة،لم تدم الا اسابيع حتى جاءت رصاصات الرحمة عليه،فتحول الحكم الى الحاكم الجديد الذي استفاد من التجربتين السابقتين في بناء نظام شمولي يسمح بهامش من المعارضة مع ديمقراطية شكلية تتكون من الحزب الحاكم المشهور بفساده وشريحة من التابعين المستقلين الذين يؤيدون النظام في اغلبيتهم مع استبعاد الحركات الرئيسية المعارضة الحقيقية وخاصة حركة الاخوان المسلمين.
خلال حكم عبد الناصر جرى منع كافة الاحزاب من العمل وتحت مبررات واهية،وكما هو معروف انه في حالة انعدام العمل الحزبي والنقابي المنظم فأنه سوف يؤدي بالسلطة الى السير في طريق الحكم الشمولي الخالي من المعارضة التي تقيم مسيرتها وتبرز اخطائها بغية تصحيحها وهي بذلك تعمل لصالح النظام والبلد ككل،ولكن اغلبية الانظمة الشمولية في العالم لاتعي تلك الحقيقة او ترفضها خوفا على كرسيها المهتز،رغم ان بقائها مع معارضة تعينها في مسيرتها خيرا من نفاق ومحسوبية تنهش في جسمها وتصور الامور بغير حقيقتها وعندما تحين ساعة الخلاص المحتوم فأنها اكثر الفارين واسرعهم امام جحافل الثائرين!.
وقد كانت تلك السياسة الخاطئة احد الاسباب الرئيسية في انهيار الوحدة بين مصر وسوريا بعد ثلاث اعوام من قيامها،فقد جرى منع القوى السياسية من العمل في داخل سوريا تنفيذا لشرط عبد الناصر!وفي موافقة بحسن نية،تنازلت تلك القوى السياسية السورية عن حقها في العمل خدمة لهدف اسمى واعظم وهو الوحدة العربية التي بدأت بين البلدين كمرحلة اولية،ولكن فاتهم ان الوحدة تحت اقدام الاستبداد ورعاته هو خرافة مابعدها خرافة،وهومعول هدام يحفر بهدوء للقضاء عليها مستقبلا!،ولذلك انتهت الوحدة بسرعة بعد ان حكمت سوريا بقبضة حديدية جعلت الاغلبية الساحقة تنفر من هكذا وحدة غير مدروسة ولا تراعي خصوصيات البلدين بالاضافة الى ان اهم اساس متأكل فيها وهو الحكم كان غير ديمقراطي ،وبالتالي يكون الاساس الصحيح لبناء اي وحدة وطنية او اقليمية هو الاستناد الى القوة الحقيقية للشعوب والمتمثلة في الخزين الهائل من الحرية والديمقراطية ،ولذلك نرى نجاح النموذج الاوروبي برغم الاختلاف الكبير بين بلدان الاتحاد الاوروبي،وفشل النماذج الوحدوية العربية التي قامت على اسس غير مدروسة وغير منطقية وفق رغبات حكام طغاة مستبدين تتغير غالبا حسب مزاجهم الشخصي!. ولم يستمر الامر طويلا حتى انشأ النظام،الاتحاد الاشتراكي وهو هيكل سياسي فارغ من اي محتوى حقيقي ليكون الممثل السياسي الوحيد للسلطة التي غيرت لباسها العسكري الى مدني،ولكن الحقيقة الناصعة هي ان التغيير ليس في الملابس المدنية او العسكرية،وانما في الاعتناق لمبادئ الديمقراطية الحقيقة واحترام حرية الشعب في اختياره الى ممثليه الحقيقيين في السلطات الثلاث،وبغير ذلك فأن الحديث عن وجود سلطة مدنية في مصر بعد انقلاب 1952 هو غير صحيح اطلاقا،فالعقلية العسكرية هي الحاكمة وبكل صفاتها المتمثلة بالطاعة والانضباط المتسلسل للقادة،بل حتى المناصب الادارية الرئيسية مازالت تحت رحمة العسكر حتى بعد التقاعد من القوات المسلحة! بما فيها الاتحاد الاشتراكي نفسه.
اما في عهد السادات فقد اسس حزب شكلي موال للسلطة يدعى الحزب الوطني الديمقراطي! وهذا الحزب يدعي الوطنية والديمقراطية وهو يحاربهما ويمسك بالسلطة بيد من حديد دون ادنى احترام للاختيار الشعبي،وهوعلى نفس شاكلة احزاب الشاه في ايران والتي انهارت بسرعة بهروبه الشهير اثناء الثورة!،وهذا الحزب هو الذي يتولى الان قيادة الدولة ويمثل الاغلبية البرلمانية ايضا ولكن بأنتخابات مثيرة للسخرية المرة،حيث يمتنع لهزالتها اغلبية الشعب من المشاركة فيها لمعرفته بنتائجها النهائية المزيفة للارادة الشعبية الحقيقية،وقد اصبحت مدار سخرية وسائل الاعلام حتى ان السينما في مصر تناولتها بالتفصيل وخاصة من ناحية انحدار المستوى الاخلاقي والفكري لعدد كبير من نواب الحزب الحاكم الذين يستخدمون حصانتهم ومراكزهم في استغلالها لخدمة مصالحهم الشخصية،ولذلك نجد ان هذا البرلمان ذو الصلاحيات المحدودة جدا هو في الاساس كيان برلماني ضعيف حتى في مدى نزاهته فكيف ممكن ان يراقب السلطة التنفيذية ويقومها اذا اخطأت! بالتأكيد ان ذلك يعتبر من المستحيلات في الوقت الراهن،ولهذا فمن المتوقع ان ينهار هذا الحزب المزيف والشكلي اذا انهار النظام خاصة وان ابن الرئيس الان يقوده في محاولة مكشوفة من النظام لخلافة الرأس العجوز الذي ينتظر الجميع رحيله،بينما هو في الواقع يأبى ان يترك شعبه لحاله بعد ان وضعه بتلك الحالة المزرية،ولذلك فأن الوراثة السياسية التي يرفضها اغلبية الشعب المصري،سوف تكون امرا واقعا في ظل الاستعداد للخلافة والذي يعد له على مدار سنين طويلة من خلال استعداد الابن الامساك بمفاصل الدولة الرئيسية وخاصة الاجهزة الامنية والعسكرية بعد ان تم احكام القبضة بسهولة على الحزب الشكلي الذي يحتوي على اكبر عدد من الموالين للسلطة والذين لايهتمون لخلافة الرئيس بواسطة ابنه بعكس احزاب المعارضة الرئيسية والتي هي منقسمة على نفسها مع تجاهل الاغلبية الشعبية المشاركة فيها خوفا او انعدام الثقة فيها او قدرتها على التغيير،ولهذا يمكن القول ان شعار الديمقراطية الحقيقية هو اكثر الشعارات زيفا لانقلاب 1952 في مصر وبسببه اصبحت البلاد متأخرة في تطور نظامها السياسي الى درجة اصبحت الكثير من الدول الفقيرة في افريقيا وآسيا تتفوق عليها من حيث الشفافية السياسية والانتخاب الحر ومحدودية سلطة الدولة والرئيس وتوزيع السلطات ووجود السلطة الرابعة.
من اهداف الانقلاب المعلنة هي تصفية الاستعمار ،ورغم ان القواعد العسكرية البريطانية كانت في سبيلها الى الزوال بحكم انتهاء التأجير،الا ان الاستعجال الغير مبرر نتيجة للحماس الثوري المزيف هو الذي جعل سلطة الانقلابيين تستعجل خروجهم في محاولة لاستغلال ذلك في دعايتها الداخلية،وبعد الانتهاء من ذلك بدأت سياسة عدم الانحياز منذ عام 1955 ورغم انها كانت واقعية في بادئ الامر الا ان الاعتماد على المعسكر الشرقي جعلها تنحرف قليلا من عدم الانحياز الى ان جاء السادات عام 1970 فحدث التحول الكبير والذي سار في طريقه خلفه مبارك ايضا وهو الانحياز الكامل للغرب وزعيمته امريكا،وبالتالي اصبح شعار عدم الانحياز فارغا لا قيمة له بأمتياز!واخذ استعمار خفي يسيطر على البلاد من خلال التبعية السياسية للغرب الى درجة تفوق تبعية دول خليجية صغيرة تحتاج للحماية الغربية،ويمكن قياس ذلك من خلال التعامل المخزي والمخجل مع قطاع غزة او في التصدي لايران وعدائها الغير مبرر بشكل يفوق احيانا التصدي الاسرائيلي !والذي بين للجميع ان الارادة السياسية للنظام الملكي قبل الانقلاب كانت اكثر استقلالية من كل المؤثرات الخارجية حيث يمكن تقدير عدم المشاركة المصرية في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء او في المشاركة الفعلية في حرب فلسطين عام 1948 بينما الان لا يستطيع النظام فتح معبر صغير لعبور الاغذية الى اشقاء يشتركون معه في الدين والمذهب واللغة والجوار والانسانية!فأي استقلالية يمكن الحديث عنها الان! وبذلك يكون الشعار الثالث من مبادئ الانقلاب قد فقد ليس محتواه الحقيقي بل اصبحت البلاد مستعمرة بغطاء وشكل جديد يناسب العصر الحديث! ولا يمكن للبسطاء الذين يشكلون الاغلبية ادراك خطورته،اما الطبقات الواعية والمثقفة فأنها منقسمة بين تبعية تامة للدولة والاستفادة من قدراتها خدمة لمصالحها الانية،او القسم الاخر الذي هو مشتت بين الرعب والخوف من اجهزة الدولة الامنية وبين الشجاعة النادرة التي يتحلى بها البعض الاخر .
اما الشعار المتمثل بأقامة ديمقراطية حقيقية في البلاد ،فهو الشعار الاكثر سخفا وتفاهة من ان يحصل ذلك على ايدي ضباط جاؤوا لكي يبقوا في السلطة ويرفضوا بأستمرار التنازل عنها مستخدمين العنف كوسيلة دائمة في البقاء،ويكفي خذلانهم الشعب في عدم اقامة تلك الديمقراطية رغم مرور ستة عقود على ازالة ديمقراطية دستورية تنمو بطريق صحيح ولو ببطء،في استحقاقهم(الحكام الثلاثة واتباعهم الرئيسيين) بجدارة تهمة الخيانة العظمى او عقوبات قاسية للذين كانوا لهم خير عونا في اقامة تلك الديكتاتورية العسكرية الفاسدة وجعلها اخطبوط متوحش له جذور راسخة لا يقدر احد في القضاء عليه او حتى تحجيمها الى الوضع الطبيعي.
خلال حكم عبد الناصر وصل الطغيان اقصى مداه في حالات القمع الوحشي لمعظم الفئات السياسية المعارضة بل وشمل ذلك الكثير من الابرياء وخاصة في انتهاك انسانية وكرامة البشر بشكل غير مسبوق حتى اصبح ذلك سياسة عامة للدولة تتبعها وحسب ظرف مزاجها!،وقد جرى فضح ذلك الديكتاتور واجهزته القمعية على يد خليفته الاخر السادات والذي صور نفسه انه غير مشترك في تأسيس هكذا نظام ! وبالتالي ان اللعبة لم تطول فتحول في آخر أيامه الى مستبد لا يقبل المعارضة توجها بحملة اعتقالات همجية ضد الطبقة المثقفة المعارضة،لم تدم الا اسابيع حتى جاءت رصاصات الرحمة عليه،فتحول الحكم الى الحاكم الجديد الذي استفاد من التجربتين السابقتين في بناء نظام شمولي يسمح بهامش من المعارضة مع ديمقراطية شكلية تتكون من الحزب الحاكم المشهور بفساده وشريحة من التابعين المستقلين الذين يؤيدون النظام في اغلبيتهم مع استبعاد الحركات الرئيسية المعارضة الحقيقية وخاصة حركة الاخوان المسلمين.
خلال حكم عبد الناصر جرى منع كافة الاحزاب من العمل وتحت مبررات واهية،وكما هو معروف انه في حالة انعدام العمل الحزبي والنقابي المنظم فأنه سوف يؤدي بالسلطة الى السير في طريق الحكم الشمولي الخالي من المعارضة التي تقيم مسيرتها وتبرز اخطائها بغية تصحيحها وهي بذلك تعمل لصالح النظام والبلد ككل،ولكن اغلبية الانظمة الشمولية في العالم لاتعي تلك الحقيقة او ترفضها خوفا على كرسيها المهتز،رغم ان بقائها مع معارضة تعينها في مسيرتها خيرا من نفاق ومحسوبية تنهش في جسمها وتصور الامور بغير حقيقتها وعندما تحين ساعة الخلاص المحتوم فأنها اكثر الفارين واسرعهم امام جحافل الثائرين!.
وقد كانت تلك السياسة الخاطئة احد الاسباب الرئيسية في انهيار الوحدة بين مصر وسوريا بعد ثلاث اعوام من قيامها،فقد جرى منع القوى السياسية من العمل في داخل سوريا تنفيذا لشرط عبد الناصر!وفي موافقة بحسن نية،تنازلت تلك القوى السياسية السورية عن حقها في العمل خدمة لهدف اسمى واعظم وهو الوحدة العربية التي بدأت بين البلدين كمرحلة اولية،ولكن فاتهم ان الوحدة تحت اقدام الاستبداد ورعاته هو خرافة مابعدها خرافة،وهومعول هدام يحفر بهدوء للقضاء عليها مستقبلا!،ولذلك انتهت الوحدة بسرعة بعد ان حكمت سوريا بقبضة حديدية جعلت الاغلبية الساحقة تنفر من هكذا وحدة غير مدروسة ولا تراعي خصوصيات البلدين بالاضافة الى ان اهم اساس متأكل فيها وهو الحكم كان غير ديمقراطي ،وبالتالي يكون الاساس الصحيح لبناء اي وحدة وطنية او اقليمية هو الاستناد الى القوة الحقيقية للشعوب والمتمثلة في الخزين الهائل من الحرية والديمقراطية ،ولذلك نرى نجاح النموذج الاوروبي برغم الاختلاف الكبير بين بلدان الاتحاد الاوروبي،وفشل النماذج الوحدوية العربية التي قامت على اسس غير مدروسة وغير منطقية وفق رغبات حكام طغاة مستبدين تتغير غالبا حسب مزاجهم الشخصي!. ولم يستمر الامر طويلا حتى انشأ النظام،الاتحاد الاشتراكي وهو هيكل سياسي فارغ من اي محتوى حقيقي ليكون الممثل السياسي الوحيد للسلطة التي غيرت لباسها العسكري الى مدني،ولكن الحقيقة الناصعة هي ان التغيير ليس في الملابس المدنية او العسكرية،وانما في الاعتناق لمبادئ الديمقراطية الحقيقة واحترام حرية الشعب في اختياره الى ممثليه الحقيقيين في السلطات الثلاث،وبغير ذلك فأن الحديث عن وجود سلطة مدنية في مصر بعد انقلاب 1952 هو غير صحيح اطلاقا،فالعقلية العسكرية هي الحاكمة وبكل صفاتها المتمثلة بالطاعة والانضباط المتسلسل للقادة،بل حتى المناصب الادارية الرئيسية مازالت تحت رحمة العسكر حتى بعد التقاعد من القوات المسلحة! بما فيها الاتحاد الاشتراكي نفسه.
اما في عهد السادات فقد اسس حزب شكلي موال للسلطة يدعى الحزب الوطني الديمقراطي! وهذا الحزب يدعي الوطنية والديمقراطية وهو يحاربهما ويمسك بالسلطة بيد من حديد دون ادنى احترام للاختيار الشعبي،وهوعلى نفس شاكلة احزاب الشاه في ايران والتي انهارت بسرعة بهروبه الشهير اثناء الثورة!،وهذا الحزب هو الذي يتولى الان قيادة الدولة ويمثل الاغلبية البرلمانية ايضا ولكن بأنتخابات مثيرة للسخرية المرة،حيث يمتنع لهزالتها اغلبية الشعب من المشاركة فيها لمعرفته بنتائجها النهائية المزيفة للارادة الشعبية الحقيقية،وقد اصبحت مدار سخرية وسائل الاعلام حتى ان السينما في مصر تناولتها بالتفصيل وخاصة من ناحية انحدار المستوى الاخلاقي والفكري لعدد كبير من نواب الحزب الحاكم الذين يستخدمون حصانتهم ومراكزهم في استغلالها لخدمة مصالحهم الشخصية،ولذلك نجد ان هذا البرلمان ذو الصلاحيات المحدودة جدا هو في الاساس كيان برلماني ضعيف حتى في مدى نزاهته فكيف ممكن ان يراقب السلطة التنفيذية ويقومها اذا اخطأت! بالتأكيد ان ذلك يعتبر من المستحيلات في الوقت الراهن،ولهذا فمن المتوقع ان ينهار هذا الحزب المزيف والشكلي اذا انهار النظام خاصة وان ابن الرئيس الان يقوده في محاولة مكشوفة من النظام لخلافة الرأس العجوز الذي ينتظر الجميع رحيله،بينما هو في الواقع يأبى ان يترك شعبه لحاله بعد ان وضعه بتلك الحالة المزرية،ولذلك فأن الوراثة السياسية التي يرفضها اغلبية الشعب المصري،سوف تكون امرا واقعا في ظل الاستعداد للخلافة والذي يعد له على مدار سنين طويلة من خلال استعداد الابن الامساك بمفاصل الدولة الرئيسية وخاصة الاجهزة الامنية والعسكرية بعد ان تم احكام القبضة بسهولة على الحزب الشكلي الذي يحتوي على اكبر عدد من الموالين للسلطة والذين لايهتمون لخلافة الرئيس بواسطة ابنه بعكس احزاب المعارضة الرئيسية والتي هي منقسمة على نفسها مع تجاهل الاغلبية الشعبية المشاركة فيها خوفا او انعدام الثقة فيها او قدرتها على التغيير،ولهذا يمكن القول ان شعار الديمقراطية الحقيقية هو اكثر الشعارات زيفا لانقلاب 1952 في مصر وبسببه اصبحت البلاد متأخرة في تطور نظامها السياسي الى درجة اصبحت الكثير من الدول الفقيرة في افريقيا وآسيا تتفوق عليها من حيث الشفافية السياسية والانتخاب الحر ومحدودية سلطة الدولة والرئيس وتوزيع السلطات ووجود السلطة الرابعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق