إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/17

في الحالتين:تقهقر

في الحالتين:تقهقر
كلما ظهر بصيص من الامل يعيد البهجة والفرحة الى ابناء العالم العربي الذين اكلهم اليأس والقنوط من تغير الواقع المزري في الحياة السياسية،كلما خرجت خفافيش الليل مسلحة بأنياب قاتلة ومخيفة لترجع الامل الى بطون الكتب ودواخل القلوب والعقول.
اعادة انتخاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ابريل(نيسان)2009 وبنسبة 90%يضعنا امام تقهقر حقيقي في الحياة السياسية الجزائرية،وبالتالي ينعكس للحالة السياسية العربية ككل عندما اريد لها الخروج من المأزق الراهن ولو من بعض البوابات الايلة للسقوط.
وفي الحالتين،سواء اكانت الانتخابات نزيهة والنتيجة حقيقية ومقاربة للواقع،فهي دليل على ضعف الوعي الشعبي في اهمية الانتخابات والاختيار الحر،وبالتالي الاستهانة بخرق الدستور عندما اتيح اعادة ترشيح الرئيس للمرة الثالثة،مما يعني ان الشعب الجزائري لم يكن بمستوى المسؤولية عندما وافق ليس فقط على ترشيح شخص خرق الدستور ومواده التي تؤكد على عدم التدخل الحكومي فيه الا بعد طرحه للاستفتاء الشعبي،بالاضافة الى الفقرات التي تؤكد كبقية الدساتير في دول العالم المختلفة على حق الرئيس الترشح ثانية للمنصب ولمرة واحدة فقط،بل وانتخابه من جديد وهو الذي لم يحقق للبلاد ما تصبو اليه من تطلعات مشروعة.
والنسبة العالية للمتخلفين عن المشاركة في الانتخابات هو دليل على ضعف الوعي والمسؤولية في اختيار من الاصلح والاكثر كفاءة لتحمل المسؤولية الوطنية،وهذا يضعنا امام واقع عربي راهن في اليأس من التغيير وبالتالي تكون عدم المشاركة في الانتخابات هي الوسيلة الصامتة للاحتجاج على تردي الاوضاع وشيوع الفساد والانحطاط في المجتمع.
وفي الحالة الثانية ،وهي الاكثر قربا للحقيقة في حصول عمليات التلاعب والتزوير على نطاق واسع بحيث انسحب غالبية المرشحين من الترشح لمنصب الرئاسة! والتي سهلت على الرئيس الفوز بمنصب الرئاسة للمرة الثالثة،وهي نتيجة مروعة في هذا القرن الذي دخلت بوابته الكثير من البلدان المتخلفة الى عالم الديمقراطية والحرية واحترام الدستور،مما يعني ان الحاكم العربي وبأي وسيلة كانت في وصوله الى سدة الحكم،هو قادر على البقاء وخرق القانون والدستور،من خلال كل الوسائل المتاحة والغير شرعية بالطبع وهو قادر برعاية طبقة التصفيق الحاد وحلفاء المافيا العرب من البقاء في منصبه حتى وان كانت رجليه على حافة القبر!.
ما حصل في الجزائر هو تردي حقيقي للواقع السياسي العربي وتخلفه المثير للدهشة،وبالتالي خيبة امل للكثيرين الذين تمنوا ان تكون الجزائر احدى بوابات العرب لولوج القرن الحادي والعشرون،من خلال الخروج عن القواعد السياسية العربية الرئيسية المتمثلة بالاستبداد والفساد والتخلف،واحلال محلها مبادئ الامم الحرة في الحرية والعدالة والمساواة.
حتى في حالة فرض كون الرئيس الجزائري هو الافضل بين المرشحين او انه خلال فترته الرئاسية قد حقق الكثير من المنجزات(وهي خرافة واقعية)،فلم يكن هنالك اي داع الى اعادة انتخابه بهذه الطريقة المخجلة في اعادة كتابة الدستور لتحقيق رغبة رئيس في البقاء لاكثر من فترتين وهو بهذه السن المتقدمة الدالة على تمسك عجيب بكرسي زائل ومبادئ متهرئة لايدل على رجاحة عقل ووطنية تحترم الوطن واختيارات شعبه،كذلك حرمان الكثيرين ممن يصلحوا لهذا المنصب في البلد،هي بالتأكيد نتيجة محزنة كون ان البلاد العربية تحتاج الى اجيال عديدة للخروج من محنة التخلف وآفاته السامة .
الرئيس بوتفليقة هو احد نتاج الحكم الشمولي الاستبدادي الذي ساد في الجزائر بعد الاستقلال،وهو احد اركانه الرئيسيين،وخلال فترة حكمه التي دامت عشر سنين لحد الان،ورغم الوارادات المالية الضخمة التي جاءت من ارتفاع اسعار النفط والغاز في السوق العالمية،فمازالت الجزائر متخلفة كثيرا عن الكثير من البلدان التي تمتلك امكانيات اقتصادية اقل،ومن ملاحظة الواقع الاقتصادي المتردي والمتمثل في نسبة البطالة العالية جدا(12%)والاعتماد الكبير على النفط والغاز دون ايجاد بدائل حقيقية لهما(96%من الصادرات)والتخلف الكبير في كافة الميادين المرافقة رغم ان الاحتياطي النقدي فاق 140 مليار دولار والتي لا تنفقها الحكومة على تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي وتنميتهما،نتوصل الى نتيجة مؤلمة هي ان الجزائر مازالت تشكل البلد العربي الثالث الذي لم تظهر عليه آثار نعم النفط والغاز،والبلدان الاخران هما العراق وليبيا.
كذلك مازال الفساد مستشري في البلاد والذي ينخر في جميع افرع الاقتصاد ويجعله نهبا لطبقة تعيش بدون وازع وطني او ديني او اخلاقي،تحميها طغمة عسكرية واجهزة امنية ارهابية تمارس اعمالا خارجة عن نطاق عملها المرسوم له في حماية البلاد وامنها من التحديات الداخلية والخارجية رغم الانفاق المالي الضخم عليهما.
الاحباط مستمر وفقدان الوعي بقيمة الزمن الضائع سمة العصر العربي الراهن الذي يغوص باعماق من الوحول المجهولة...

ليست هناك تعليقات: