من اسفار المكتبة:السفر الثاني
الكتب التراثية هي تراث الامم والشعوب،وهي خلاصة التجربة البشرية في كل ميادين الحياة والمعرفة...ولاتنتهي قيمة تلك الكنوز بمرور الزمن بل على العكس يوجد هنالك الكثير من النفائس كالذهب الخالص لا يتأثر بأي حال من الاحوال بالتغيرات التي تحصل،خاصة تلك الكتب التي فيها من المعارف القيمة التي اثبتت صحتها وجدارتها في الفحص والتدقيق...وليس معنى ذلك ان كل كتب التراث هي ذات قيمة عالية،بل ايضا يوجد الكثير ممن قيمته لاتتجاوز قيمة الورق او الحبر المكتوب عليه،ولكن تكمن اهمية التراث وآثاره انه من حقب زمنية ليست في نفس تطورنا الحالي وبالتالي هي نادرة وتغطي فترات زمنية كبيرة،بينما في ازماننا المعاصرة يجرى حفظ المعارف والعلوم المختلفة بطرق لامثيل لها من التقنيات الحديثة هذا بالاضافة الى انتشاره الواسع وعلى شرائح شعبية كان يصعب الوصول اليها خلال القرون الماضية التي بقيت محصورة على النخب المختلفة من الشعب والتي تدير كل اموره ...
من الكتب التي انتهيت من استهلاك محتواها المعرفي والاستمتاع بما لذ وطاب للروح من مكنونها الخزين،هو كتاب... رشف الزلال من السحر الحلال...للعلامة جلال الدين السيوطي(1445-1505)...وهو احد مشاهير العلماء والمفكرين في عصره،والمولود في اسيوط في مصر،والمتوفى في المدينة التي قضى اغلبية عمره فيها وهي القاهرة...وهو مثال يحتذى به للعصامية وفي اعلى درجاتها العلمية فقد كان يتيم الاب وتولى عنايته صديق ابيه،الان نبوغه كان بارزا مما اثار انتباه الاخرين له،فقد كان موسوعة معرفية ضخمة،الا ان تبحره اختص في سبعة علوم وهي التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع،الا ان المثير في قصة حياته هو ان عدد مؤلفاته جاوزت ال 500 مؤلف وفي بعض الروايات جاوزت ال 900 مؤلف!...الا اننا يجب التذكر ان عدد كبير من تلك المؤلفات هي بحجم صغير والتي يطلق عليها في الغالب الرسائل،ومن ضمنها الكتاب الذي نحن بصدد استعراضه السريع وهو مطبوع في عام 1997 في لبنان وحجم صفحاته 144 ص من القطع المتوسط،والورق نوع خشن ورخيص،هذا بالاضافة الى كتبه المشهورة الاخرى الضخمة في التفسير والحديث.
ومؤلفات السيوطي الجنسية كثيرة،وفي مختلف فروع المعرفة فيها،وهذا النوع من الكتب وان كان في الغالب على الطراز الادبي يعني غير علمية وبالخصوص غير طبية،فهي كانت طبيعية في تلك العصور بحيث لايتحرج العرب او المسلمون من ذكرها او لم يتورعوا حتى عن ذكر الاعضاء الجنسية بأسمائها وصفاتها،ولم يتهمهم احد بالفسق او الفجور لانها نابعة من علماء وادباء متخصصين في مختلف العلوم والاداب والتي يندرج من ضمنها الامور الجنسية التي هي احد ابرز المسائل الانسانية والتي يتناولها العلماء من مختلف الزوايا والوجوه.
وقد ذكر الناشر له اكثر من 10 كتب تدور حول الجنس ومشكلاته ونوادره،ومن ضمنهن هذا الكتاب الذي قد يصفه البعض انه ضمن الادب الماجن،الا انه اقرب الى المزاح والترويح عن النفس من الاثارة الرخيصة،وقد تجنب السيوطي ذكر الشذوذ رغم وجوده في عصره والتي اشار اليها.
الكتاب في غاية اللطف والجمال،خاصة في كونه على شكل مقامة للنساء،وهي عشرون مقامة بين الطويلة والقصيرة،والتي كتبها السيوطي على لسان عشرين عالما يتخصصون في مختلف العلوم والاداب،ولكن موضوعها واحد وهو حديث العالم المتخصص وبلغة علمه،وحسب ما شاهده وفعله ليلة الزفاف،مستخدما في الحديث مختلف المصطلحات التي يستخدمها عادة في علمه او تعابيره .
وطريقة الكتابة هي اسلوب المقامة،والتي يقص فيها قصصه على لسان راوية يخرج يعظ الناس ويدعوهم لغرض الزواج ويحببهم اليه،فأستجاب لندائه عشرون عالما يتخصصون في مختلف فنون الاداب والعلوم.
التزم السيوطي في كتابه النهج البديعي،من سجع وجناس وطباق الى توريات لطيفة،ويجملها في النهاية بأبيات شعرية،ولكن كل ذلك يحتاج الى هوامش وتعليقات كثيرة جدا بحيث توازي حجم المتن وقد تسبب ازعاج كبير للقارئ،نظرا لان غالبية الكلمات غير معروفة لاصحاب تلك العلوم او انتهى استخدامها في الوقت الحاضر،وخاصة تلك التي تحتاج الى معرفة عميقة بها مثل اسماء الكتب او رجالات كل علم او الاشارة الى آية قرأنية او حديث نبوي شريف.
للتوضيح اكثر حول الموضوع،ارى احيانا بعض النكت اللطيفة في وسائل الاعلام ومنها في الانترنت حول موضوع ما، ويستخدم في لغة الحوار كلمات تعبر عن حرفة ومكانة المتحدث،مثلا صاحب حرفة كالصيدلي بأستخدامه اسماء الادوية والعقاقير الطبية،او الرياضي بأسماء الالعاب او النجوم،والرياضي بأسماء رياضية مثل المعادلات والمثلثات والمجسمات،والطبيب وغيره،ولا يشترط هنا نوعية للموضوع وشكله وحجمه،المهم الوصف بأستخدام الكلمات والعبارات المشهورة عن كل صاحب حرفة او فكر في وصف دقائق ذلك الموضوع.
الكثير من الكلمات الجنسية المستخدمة تدخل في نطاق الفحش والفسق ولكن الظاهر في زمان السيوطي وماقبله ان لغة تلك الكلمات اكثر شيوعا واكثر تعبيرا وتهذبا من الوقت الحاضر وهذا دليل على تبدل استخدام المعاني بمرور الزمن رغم انها نفس الكلمات،او على الاقل تقبل المجتمع المحلي.
اول المتحدثين في المقامة الاولى كان المقرئ،وبالتالي استخدامه يكون اكثر للايات القرآنية واسماء التفاسير والمفسرين،من قبيل واستوينا على العرش وجلسنا على الفرش،او قوله:عزمت على رقيا محاسن وجهها.....بأيات انوار الضحى متهللا .
المتحدث الثاني كان المفسر للقرآن،وكانت بداية حديثه:لما كشفت الملائم،ولاحت لي المعالم،رأيت اوصافا تعجز وصفا،وتروق كشافا،ثم كشفت عن ذيلها،لابلغ ماارومه من نيلها...الى اخر حديثه الممتع،وهنا يقصد بالمعالم هو كناية عن كتاب البغوي المعروف بالفراء،وهو فقيه شافعي توفي 1122م واسم كتابه معالم التنزيل،وكلمة تعجز،وهي من الالفاظ التي يكثر البلاغيين والمفسرين من استعمالها لمشتقات فعل أعجز،واعجاز القران من الامور التي شغلتهم كثيرا،اما كلمة الكشاف فيقصد به تفسير الزمخشري المشهور بأسم الكشاف.
اما صاحب المقامة الثالث فهو المحدث،اي من اختص بعلم الحديث،والذي بدأ حديثه بقوله لما كشفت القناع،رق الحديث،وراق السماع،ورأيت منظرا ابهى من البدر السني،وحديثا احلى من الرطب الجني،فأنشدت قول من عنى:
من حاز مثلك لم تبرح جوارحه.....تروي احاديث ما اوليت من منن.
وهو نموذج لاستخدامه الكلمات والالفاظ الدالة على علمه وخاصة اسماء الموسوعات الحديثية الكبرى،واسماء مؤلفيها.
المتحدث الرابع كان الفقيه،وهو العالم بالاحكام الشرعية العملية من ادلتها التفصيلية،والذي بدأ حديثه بقوله لما فرغت الجلوة،وحصلت الخلوة،رأيت ما سرني،فقلت:نضت البراقع عن محاسن روضة.....ربضت بمحتفل الحيا انوارها،
الى اخرى حديثه المليء بالمصطلحات الفقهية واسماء كتبها ومؤلفيها،مع استخدام كثيف للمصطلحات الجنسية الفاضحة من مفردات اللغة العربية القديمة.
المتحدث الخامس كان الاصولي،وهو العالم المختص بعلم اصول الفقه الذي يشمل القواعد التي يتوصل بها الى الفقه،وكانت بداية حديثه:لما وقع النظر،طاب السهر،وحلا السمر،وراق ضوء القمر،ورأيت جمالا ليس في كماله نزاع،وحسنا انعقد على تمامه الاجماع،ووجها لمعته منيرة،وضياؤه ساطع كالشمس في الظهيرة،ثم كشفت الاستار،ورفعت الازار....الى اخر حديثه المشوق.
ومعنى كلماته السالفة هي النظر:البصر والتدبر،نزاع:جدال،الاجماع:هو اتفاق بين الاصوليين على حكم شرعي،لمعته:يقصد تورية بأسم كتاب في الاصول اسمه اللمع في اصول الفقه،لابي اسحاق الشيرازي الشافعي المتوفى 1083م،وكشف الاستار اسم لاكثر من كتاب احدها في التفسير لعلي البزدوي المتوفى 1089،بالاضافة الى قائمة طويلة من المصطلحات الاصولية او التي ترمز الى رموزها.
اما صاحب المقامة السادسة فهو الجدلي،اي صاحب الجدال والغرض منه الزام الخصم واقحام من هو قاصر عن ادراك مقدمات البرهان.
يبدأ حديثه الممتع بقوله:لما حصلت المسامرة،وجلت المناظرة،اذا خلق ارق من النسيم،ومنطق ابهج من الدر النظيم،فقلت:يادرة قرة العين،ويازين كل زين،اني اكره غصب نصب المستدل،وانفر من الاقدام على نقض الازار كالمستقل،واني ابدأ بالسؤال،ليكون منك الاستدلال،فبحق من امدك بالمعونة الا ابرزت الدرة المكنونة،الى اخر حديثه حسب منطق علمه وطريقة حواره به.
يقصد بالمسامرة:المحادثة ليلا،جلت:سمت،المناظرة:المشاهدة او الحوار بين طرفين،الدر النظيم:الجوهر المنظوم المنسق،والدر النظيم في احوال العلوم والتعليم هوكتاب لابن سينا،قرة العين:ما تسر به العين،الغصب:الاخذ قهرا،وفي آداب البحث(الجدل)هو منع مقدمة الدليل واقامة الدليل على نفيها قبل اقامة المعلل الدليل على ثبوتها لالزام اثبات الحكم للتنازع فيه.
المتحدث السابع هو اللغوي،اي المختص باللغة وعلومها،والذي بدأ حديثه بالقول:لما خلصنا من عباب بحة القاموس،وخلونا بالعروس،في ضياء الفانوس،رأيت طلعة أزهرية،وثغرا صحاح ثناياه جوهرية،وفطنة ألمعية،ومنطقا لايروي عن ابي زيد...الى اخر الحديث المحلى بالمفردات اللغوية القديمة.
يقصد بالعباب:معظم السيل وارتفاعه وكثرته،اللجة:معظم الماء،القاموس:البحر،والعباب هو كتاب للصغاني ت1252م يسمى معجم العباب،اما القاموس فهو اشهر المعاجم العربية واسمه القاموس المحيط للفيروزآبادي المتوفي 1414م،اما ازهرية:يعني منيرة ومشرقة وهي تورية بأسم احد ائمة اللغة الازهري المتوفي 984م،اما الثنايا فهي الاسنان الاربع التي في مقدمة الفم،وقد وارى بأسم الصحاح في اللغة للجوهري المتوفي 1003م،اما الفطنة:فهي الحذق والمهارة،والالمعي المتوقد الفراسة،اما المقصود ابي زيد فهو سعيد بن اوس ت 831م.
ويستمر السيوطي على نفس النمط والصيغة في البقية وهم:النحوي وصاحب التصريف وصاحب المعاني وصاحب البيان وصاحب البديع وصاحب العروض والكاتب وصاحب الحساب اي الرياضيات وصاحب الهيئة اي علم الفلك وصاحب الميقات اي صاحب العلم بالمواقيت يعني الازمان،والطبيب وصاحب المنطق والصوفي والذي اختم العرض به حيث قال:نحن وان كنا أهل كشف،والوقوف على كل وصف،فأنا مأمور بالسكوت،ولزوم البيوت،وارخاء الازار،وعدم كشف الاسرار،غير ان لنا رموزا واشارات،هي مفاتح الكنوز،انه لما حصل التجلي والكشف،رأيت محاسنا تجل عن الوصف،فطاب المقام وراق المدام وكشف اللثام،ووقع الالتزام وأنتجت المودة،وصرنا شيئا واحدا من غير حلول ولا حدة...الى اخر الحديث.
ونأتي الى تفسير الكلمات بالبدء في معنى الصوفي:وهو الذي يتبع طريق التصوف،وهي طريقة سلوكية قوامها التقشف والتخلي عن الرذائل،والتحلي بالفضائل،لتزكو النفس وتسمو الروح والوصول الى اعلى المراتب في الفناء.
الكشف:هو رفع الحجاب وفي اصطلاح الصوفيين الاطلاع على ماوراء الحجاب من المعاني الغيبية والامور الحقيقية وجودا وشهودا.
الوقوف:يعني التعرف،عبارة عما دل الذات بأعتبار معنى هو المقصود من جوهر الحروف،ارخاء الازار:كناية عن الستر والتعفف.
السر:عند الصوفية بعد القلب وقبل الروح،وقد اختلفوا في تعريفه وتحديده،وهناك اسرار كثيرة:كسر العلم،وسر الحال،وسر الحقيقة وسر التجليات.
الرموز والاشارات:علامات واشياء غامضة وأيماءات وأيحاءات لايعرفها الا الصوفي.
الكنز:عند الصوفية هو الهوية الاحدية المكنونة في الغيب وهو باطن كل شيء.
التجلي:عند الصوفية ما ينكشف للقلوب من انوار الغيوب.
المدام:يعني الخمرة ويقصد بها الخمرة الالهية.
اللثام مايغطي الفم،والالتزام يعني الاعتناق،والمودة يعني المحبة وهي من مراتب الحب والوجد عند الصوفية.
الحلول:هو اختصاص شيء بشيء بحيث تكون الاشارة الى احدهما عين الاشارة للاخر،والحلولية احد مذاهب الصوفية،وامامها الحلاج المتوفى 922م.
الحدة:يعني الفصل بينك وبين مولاك،كتعبدك في المكان والزمان.
تبقى الكتب التراثية مرجعا هاما لاغلب المعارف المتعارف عليها،وهنا يكون الاعتماد على الانسانيات اكثر لان العلوم الطبيعية والمتفرعة منها اصبحت من التطور بحيث لاتحتاج الى الكتب القديمة الا نادرا.
تبقى هنا الاشارة الى ان العالم العربي هو اكثر الامم تخلفا في الوقت الحاضر في طباعة التراث الموجود في الخزائن والرفوف،بمعنى ان غالبية التراث المكتوب والموجود هو في الحقيقة غير مطبوع للقراء،بل ان المطبوع هو يسير جدا والكثير من طبعات الكتب التراثية هي تجارية بمعنى انها غير محققة او غير مطبوعة بأناقة،وتوجد الكثير من الكنوز المطمورة التي تنتظر انتشالها من الكهوف المجهولة الى عالمنا الذي يعيش تحت الشمس حتى يمكن ان ينتفع بعلومها الجميع او على الاقل ان لانجعل جهود مؤلفيها تذهب سدى....
الكتب التراثية هي تراث الامم والشعوب،وهي خلاصة التجربة البشرية في كل ميادين الحياة والمعرفة...ولاتنتهي قيمة تلك الكنوز بمرور الزمن بل على العكس يوجد هنالك الكثير من النفائس كالذهب الخالص لا يتأثر بأي حال من الاحوال بالتغيرات التي تحصل،خاصة تلك الكتب التي فيها من المعارف القيمة التي اثبتت صحتها وجدارتها في الفحص والتدقيق...وليس معنى ذلك ان كل كتب التراث هي ذات قيمة عالية،بل ايضا يوجد الكثير ممن قيمته لاتتجاوز قيمة الورق او الحبر المكتوب عليه،ولكن تكمن اهمية التراث وآثاره انه من حقب زمنية ليست في نفس تطورنا الحالي وبالتالي هي نادرة وتغطي فترات زمنية كبيرة،بينما في ازماننا المعاصرة يجرى حفظ المعارف والعلوم المختلفة بطرق لامثيل لها من التقنيات الحديثة هذا بالاضافة الى انتشاره الواسع وعلى شرائح شعبية كان يصعب الوصول اليها خلال القرون الماضية التي بقيت محصورة على النخب المختلفة من الشعب والتي تدير كل اموره ...
من الكتب التي انتهيت من استهلاك محتواها المعرفي والاستمتاع بما لذ وطاب للروح من مكنونها الخزين،هو كتاب... رشف الزلال من السحر الحلال...للعلامة جلال الدين السيوطي(1445-1505)...وهو احد مشاهير العلماء والمفكرين في عصره،والمولود في اسيوط في مصر،والمتوفى في المدينة التي قضى اغلبية عمره فيها وهي القاهرة...وهو مثال يحتذى به للعصامية وفي اعلى درجاتها العلمية فقد كان يتيم الاب وتولى عنايته صديق ابيه،الان نبوغه كان بارزا مما اثار انتباه الاخرين له،فقد كان موسوعة معرفية ضخمة،الا ان تبحره اختص في سبعة علوم وهي التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع،الا ان المثير في قصة حياته هو ان عدد مؤلفاته جاوزت ال 500 مؤلف وفي بعض الروايات جاوزت ال 900 مؤلف!...الا اننا يجب التذكر ان عدد كبير من تلك المؤلفات هي بحجم صغير والتي يطلق عليها في الغالب الرسائل،ومن ضمنها الكتاب الذي نحن بصدد استعراضه السريع وهو مطبوع في عام 1997 في لبنان وحجم صفحاته 144 ص من القطع المتوسط،والورق نوع خشن ورخيص،هذا بالاضافة الى كتبه المشهورة الاخرى الضخمة في التفسير والحديث.
ومؤلفات السيوطي الجنسية كثيرة،وفي مختلف فروع المعرفة فيها،وهذا النوع من الكتب وان كان في الغالب على الطراز الادبي يعني غير علمية وبالخصوص غير طبية،فهي كانت طبيعية في تلك العصور بحيث لايتحرج العرب او المسلمون من ذكرها او لم يتورعوا حتى عن ذكر الاعضاء الجنسية بأسمائها وصفاتها،ولم يتهمهم احد بالفسق او الفجور لانها نابعة من علماء وادباء متخصصين في مختلف العلوم والاداب والتي يندرج من ضمنها الامور الجنسية التي هي احد ابرز المسائل الانسانية والتي يتناولها العلماء من مختلف الزوايا والوجوه.
وقد ذكر الناشر له اكثر من 10 كتب تدور حول الجنس ومشكلاته ونوادره،ومن ضمنهن هذا الكتاب الذي قد يصفه البعض انه ضمن الادب الماجن،الا انه اقرب الى المزاح والترويح عن النفس من الاثارة الرخيصة،وقد تجنب السيوطي ذكر الشذوذ رغم وجوده في عصره والتي اشار اليها.
الكتاب في غاية اللطف والجمال،خاصة في كونه على شكل مقامة للنساء،وهي عشرون مقامة بين الطويلة والقصيرة،والتي كتبها السيوطي على لسان عشرين عالما يتخصصون في مختلف العلوم والاداب،ولكن موضوعها واحد وهو حديث العالم المتخصص وبلغة علمه،وحسب ما شاهده وفعله ليلة الزفاف،مستخدما في الحديث مختلف المصطلحات التي يستخدمها عادة في علمه او تعابيره .
وطريقة الكتابة هي اسلوب المقامة،والتي يقص فيها قصصه على لسان راوية يخرج يعظ الناس ويدعوهم لغرض الزواج ويحببهم اليه،فأستجاب لندائه عشرون عالما يتخصصون في مختلف فنون الاداب والعلوم.
التزم السيوطي في كتابه النهج البديعي،من سجع وجناس وطباق الى توريات لطيفة،ويجملها في النهاية بأبيات شعرية،ولكن كل ذلك يحتاج الى هوامش وتعليقات كثيرة جدا بحيث توازي حجم المتن وقد تسبب ازعاج كبير للقارئ،نظرا لان غالبية الكلمات غير معروفة لاصحاب تلك العلوم او انتهى استخدامها في الوقت الحاضر،وخاصة تلك التي تحتاج الى معرفة عميقة بها مثل اسماء الكتب او رجالات كل علم او الاشارة الى آية قرأنية او حديث نبوي شريف.
للتوضيح اكثر حول الموضوع،ارى احيانا بعض النكت اللطيفة في وسائل الاعلام ومنها في الانترنت حول موضوع ما، ويستخدم في لغة الحوار كلمات تعبر عن حرفة ومكانة المتحدث،مثلا صاحب حرفة كالصيدلي بأستخدامه اسماء الادوية والعقاقير الطبية،او الرياضي بأسماء الالعاب او النجوم،والرياضي بأسماء رياضية مثل المعادلات والمثلثات والمجسمات،والطبيب وغيره،ولا يشترط هنا نوعية للموضوع وشكله وحجمه،المهم الوصف بأستخدام الكلمات والعبارات المشهورة عن كل صاحب حرفة او فكر في وصف دقائق ذلك الموضوع.
الكثير من الكلمات الجنسية المستخدمة تدخل في نطاق الفحش والفسق ولكن الظاهر في زمان السيوطي وماقبله ان لغة تلك الكلمات اكثر شيوعا واكثر تعبيرا وتهذبا من الوقت الحاضر وهذا دليل على تبدل استخدام المعاني بمرور الزمن رغم انها نفس الكلمات،او على الاقل تقبل المجتمع المحلي.
اول المتحدثين في المقامة الاولى كان المقرئ،وبالتالي استخدامه يكون اكثر للايات القرآنية واسماء التفاسير والمفسرين،من قبيل واستوينا على العرش وجلسنا على الفرش،او قوله:عزمت على رقيا محاسن وجهها.....بأيات انوار الضحى متهللا .
المتحدث الثاني كان المفسر للقرآن،وكانت بداية حديثه:لما كشفت الملائم،ولاحت لي المعالم،رأيت اوصافا تعجز وصفا،وتروق كشافا،ثم كشفت عن ذيلها،لابلغ ماارومه من نيلها...الى اخر حديثه الممتع،وهنا يقصد بالمعالم هو كناية عن كتاب البغوي المعروف بالفراء،وهو فقيه شافعي توفي 1122م واسم كتابه معالم التنزيل،وكلمة تعجز،وهي من الالفاظ التي يكثر البلاغيين والمفسرين من استعمالها لمشتقات فعل أعجز،واعجاز القران من الامور التي شغلتهم كثيرا،اما كلمة الكشاف فيقصد به تفسير الزمخشري المشهور بأسم الكشاف.
اما صاحب المقامة الثالث فهو المحدث،اي من اختص بعلم الحديث،والذي بدأ حديثه بقوله لما كشفت القناع،رق الحديث،وراق السماع،ورأيت منظرا ابهى من البدر السني،وحديثا احلى من الرطب الجني،فأنشدت قول من عنى:
من حاز مثلك لم تبرح جوارحه.....تروي احاديث ما اوليت من منن.
وهو نموذج لاستخدامه الكلمات والالفاظ الدالة على علمه وخاصة اسماء الموسوعات الحديثية الكبرى،واسماء مؤلفيها.
المتحدث الرابع كان الفقيه،وهو العالم بالاحكام الشرعية العملية من ادلتها التفصيلية،والذي بدأ حديثه بقوله لما فرغت الجلوة،وحصلت الخلوة،رأيت ما سرني،فقلت:نضت البراقع عن محاسن روضة.....ربضت بمحتفل الحيا انوارها،
الى اخرى حديثه المليء بالمصطلحات الفقهية واسماء كتبها ومؤلفيها،مع استخدام كثيف للمصطلحات الجنسية الفاضحة من مفردات اللغة العربية القديمة.
المتحدث الخامس كان الاصولي،وهو العالم المختص بعلم اصول الفقه الذي يشمل القواعد التي يتوصل بها الى الفقه،وكانت بداية حديثه:لما وقع النظر،طاب السهر،وحلا السمر،وراق ضوء القمر،ورأيت جمالا ليس في كماله نزاع،وحسنا انعقد على تمامه الاجماع،ووجها لمعته منيرة،وضياؤه ساطع كالشمس في الظهيرة،ثم كشفت الاستار،ورفعت الازار....الى اخر حديثه المشوق.
ومعنى كلماته السالفة هي النظر:البصر والتدبر،نزاع:جدال،الاجماع:هو اتفاق بين الاصوليين على حكم شرعي،لمعته:يقصد تورية بأسم كتاب في الاصول اسمه اللمع في اصول الفقه،لابي اسحاق الشيرازي الشافعي المتوفى 1083م،وكشف الاستار اسم لاكثر من كتاب احدها في التفسير لعلي البزدوي المتوفى 1089،بالاضافة الى قائمة طويلة من المصطلحات الاصولية او التي ترمز الى رموزها.
اما صاحب المقامة السادسة فهو الجدلي،اي صاحب الجدال والغرض منه الزام الخصم واقحام من هو قاصر عن ادراك مقدمات البرهان.
يبدأ حديثه الممتع بقوله:لما حصلت المسامرة،وجلت المناظرة،اذا خلق ارق من النسيم،ومنطق ابهج من الدر النظيم،فقلت:يادرة قرة العين،ويازين كل زين،اني اكره غصب نصب المستدل،وانفر من الاقدام على نقض الازار كالمستقل،واني ابدأ بالسؤال،ليكون منك الاستدلال،فبحق من امدك بالمعونة الا ابرزت الدرة المكنونة،الى اخر حديثه حسب منطق علمه وطريقة حواره به.
يقصد بالمسامرة:المحادثة ليلا،جلت:سمت،المناظرة:المشاهدة او الحوار بين طرفين،الدر النظيم:الجوهر المنظوم المنسق،والدر النظيم في احوال العلوم والتعليم هوكتاب لابن سينا،قرة العين:ما تسر به العين،الغصب:الاخذ قهرا،وفي آداب البحث(الجدل)هو منع مقدمة الدليل واقامة الدليل على نفيها قبل اقامة المعلل الدليل على ثبوتها لالزام اثبات الحكم للتنازع فيه.
المتحدث السابع هو اللغوي،اي المختص باللغة وعلومها،والذي بدأ حديثه بالقول:لما خلصنا من عباب بحة القاموس،وخلونا بالعروس،في ضياء الفانوس،رأيت طلعة أزهرية،وثغرا صحاح ثناياه جوهرية،وفطنة ألمعية،ومنطقا لايروي عن ابي زيد...الى اخر الحديث المحلى بالمفردات اللغوية القديمة.
يقصد بالعباب:معظم السيل وارتفاعه وكثرته،اللجة:معظم الماء،القاموس:البحر،والعباب هو كتاب للصغاني ت1252م يسمى معجم العباب،اما القاموس فهو اشهر المعاجم العربية واسمه القاموس المحيط للفيروزآبادي المتوفي 1414م،اما ازهرية:يعني منيرة ومشرقة وهي تورية بأسم احد ائمة اللغة الازهري المتوفي 984م،اما الثنايا فهي الاسنان الاربع التي في مقدمة الفم،وقد وارى بأسم الصحاح في اللغة للجوهري المتوفي 1003م،اما الفطنة:فهي الحذق والمهارة،والالمعي المتوقد الفراسة،اما المقصود ابي زيد فهو سعيد بن اوس ت 831م.
ويستمر السيوطي على نفس النمط والصيغة في البقية وهم:النحوي وصاحب التصريف وصاحب المعاني وصاحب البيان وصاحب البديع وصاحب العروض والكاتب وصاحب الحساب اي الرياضيات وصاحب الهيئة اي علم الفلك وصاحب الميقات اي صاحب العلم بالمواقيت يعني الازمان،والطبيب وصاحب المنطق والصوفي والذي اختم العرض به حيث قال:نحن وان كنا أهل كشف،والوقوف على كل وصف،فأنا مأمور بالسكوت،ولزوم البيوت،وارخاء الازار،وعدم كشف الاسرار،غير ان لنا رموزا واشارات،هي مفاتح الكنوز،انه لما حصل التجلي والكشف،رأيت محاسنا تجل عن الوصف،فطاب المقام وراق المدام وكشف اللثام،ووقع الالتزام وأنتجت المودة،وصرنا شيئا واحدا من غير حلول ولا حدة...الى اخر الحديث.
ونأتي الى تفسير الكلمات بالبدء في معنى الصوفي:وهو الذي يتبع طريق التصوف،وهي طريقة سلوكية قوامها التقشف والتخلي عن الرذائل،والتحلي بالفضائل،لتزكو النفس وتسمو الروح والوصول الى اعلى المراتب في الفناء.
الكشف:هو رفع الحجاب وفي اصطلاح الصوفيين الاطلاع على ماوراء الحجاب من المعاني الغيبية والامور الحقيقية وجودا وشهودا.
الوقوف:يعني التعرف،عبارة عما دل الذات بأعتبار معنى هو المقصود من جوهر الحروف،ارخاء الازار:كناية عن الستر والتعفف.
السر:عند الصوفية بعد القلب وقبل الروح،وقد اختلفوا في تعريفه وتحديده،وهناك اسرار كثيرة:كسر العلم،وسر الحال،وسر الحقيقة وسر التجليات.
الرموز والاشارات:علامات واشياء غامضة وأيماءات وأيحاءات لايعرفها الا الصوفي.
الكنز:عند الصوفية هو الهوية الاحدية المكنونة في الغيب وهو باطن كل شيء.
التجلي:عند الصوفية ما ينكشف للقلوب من انوار الغيوب.
المدام:يعني الخمرة ويقصد بها الخمرة الالهية.
اللثام مايغطي الفم،والالتزام يعني الاعتناق،والمودة يعني المحبة وهي من مراتب الحب والوجد عند الصوفية.
الحلول:هو اختصاص شيء بشيء بحيث تكون الاشارة الى احدهما عين الاشارة للاخر،والحلولية احد مذاهب الصوفية،وامامها الحلاج المتوفى 922م.
الحدة:يعني الفصل بينك وبين مولاك،كتعبدك في المكان والزمان.
تبقى الكتب التراثية مرجعا هاما لاغلب المعارف المتعارف عليها،وهنا يكون الاعتماد على الانسانيات اكثر لان العلوم الطبيعية والمتفرعة منها اصبحت من التطور بحيث لاتحتاج الى الكتب القديمة الا نادرا.
تبقى هنا الاشارة الى ان العالم العربي هو اكثر الامم تخلفا في الوقت الحاضر في طباعة التراث الموجود في الخزائن والرفوف،بمعنى ان غالبية التراث المكتوب والموجود هو في الحقيقة غير مطبوع للقراء،بل ان المطبوع هو يسير جدا والكثير من طبعات الكتب التراثية هي تجارية بمعنى انها غير محققة او غير مطبوعة بأناقة،وتوجد الكثير من الكنوز المطمورة التي تنتظر انتشالها من الكهوف المجهولة الى عالمنا الذي يعيش تحت الشمس حتى يمكن ان ينتفع بعلومها الجميع او على الاقل ان لانجعل جهود مؤلفيها تذهب سدى....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق